البداية والنهاية، ط. دار هجر
[غَزْوَةُ الْأَبْوَاءِ]
ذِكْرُ أَوَّلِ الْمَغَازِي، وَهِيَ غَزْوَةُ الْأَبْوَاءِ، وَيُقَالُ
لَهَا: غَزْوَةُ وَدَّانَ، وَأَوَّلُ الْبُعُوثِ، وَهُوَ بَعْثُ
حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، أَوْ عُبَيْدَةَ بْنِ الْحَارِثِ،
كَمَا سَيَأْتِي فِي الْمَغَازِي
قَالَ الْبُخَارِيُّ: كِتَابُ الْمَغَازِي، قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ
أَوَّلُ مَا غَزَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
الْأَبْوَاءُ، ثُمَّ بُوَاطُ، ثُمَّ الْعُشَيْرَةُ. ثُمَّ رَوَى «عَنْ
زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ، أَنَّهُ سُئِلَ: كَمْ غَزَا رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: تِسْعَ عَشْرَةَ. شَهِدَ
مِنْهَا سَبْعَ عَشْرَةَ، أَوَّلُهُنَّ الْعُسَيْرَةُ أَوِ
الْعُشَيْرَةُ» . وَسَيَأْتِي الْحَدِيثُ بِإِسْنَادِهِ وَلَفْظِهِ
وَالْكَلَامُ عَلَيْهِ عِنْدَ غَزْوَةِ الْعُشَيْرَةِ، إِنْ شَاءَ
اللَّهُ وَبِهِ الثِّقَةُ.
وَفِي " صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ "، عَنْ بُرَيْدَةَ، قَالَ ( «: غَزَا
مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِتَّ
عَشْرَةَ غَزْوَةً» . وَلِمُسْلِمٍ عَنْهُ، أَنَّهُ «غَزَا مَعَ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِتَّ عَشْرَةَ
(5/17)
غَزْوَةً» وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ عَنْهُ،
«أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَزَا
تِسْعَ عَشْرَةَ غَزْوَةً، وَقَاتَلَ فِي ثَمَانٍ مِنْهُنَّ» .
وَقَالَ الْحُسَيْنُ بْنُ وَاقِدٍ، عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ
أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
غَزَا سَبْعَ عَشْرَةَ غَزْوَةً، وَقَاتَلَ فِي ثَمَانٍ، يَوْمَ
بَدْرٍ، وَأُحُدٍ وَالْأَحْزَابِ، وَالْمُرَيْسِيعِ، وَقُدَيْدٍ،
وَخَيْبَرَ، وَمَكَّةَ، وَحُنَيْنٍ، وَبَعَثَ أَرْبَعًا وَعِشْرِينَ
سَرِيَّةً.
وَقَالَ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
عُثْمَانَ الدِّمَشْقِيُّ التَّنُوخِيُّ ثَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ
حُمَيْدٍ، أَخْبَرَنِي النُّعْمَانُ، عَنْ مَكْحُولٍ «أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَزَا ثَمَانِيَ عَشْرَةَ
غَزْوَةً، قَاتَلَ فِي ثَمَانِ غَزَوَاتٍ، أَوَّلُهُنَّ بَدْرٌ، ثُمَّ
أُحُدٌ، ثُمَّ الْأَحْزَابُ، ثُمَّ قُرَيْظَةُ، ثُمَّ بِئْرُ
مَعُونَةَ، ثُمَّ غَزْوَةُ بَنِي الْمُصْطَلِقِ مِنْ خُزَاعَةَ، ثُمَّ
غَزْوَةُ خَيْبَرَ، ثُمَّ غَزْوَةُ مَكَّةَ ثُمَّ حُنَيْنٌ
وَالطَّائِفُ» . قَوْلُهُ: بِئْرُ مَعُونَةَ بَعْدَ قُرَيْظَةَ فِيهِ
نَظَرٌ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا بَعْدَ أُحُدٍ، كَمَا سَيَأْتِي.
قَالَ يَعْقُوبُ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ، ثَنَا عَبْدُ
الرَّزَّاقِ، أَخْبَرْنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، 103 سَمِعْتُ
سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ يَقُولُ: «غَزَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ غَزْوَةً» .
وَسَمِعْتُهُ مَرَّةً أُخْرَى يَقُولُ أَرْبَعًا وَعِشْرِينَ. فَلَا
أَدْرِي أَكَانَ ذَلِكَ وَهْمًا أَوْ شَيْئًا سَمِعَهُ بَعْدَ ذَلِكَ.
(5/18)
وَقَدْ رَوَى الطَّبَرَانِيُّ عَنِ
الدَّبَرِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ
الزُّهْرِيِّ قَالَ: «غَزَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أَرْبَعًا وَعِشْرِينَ غَزْوَةً» .
وَقَالَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ فِي " مُسْنَدِهِ ": حَدَّثَنَا سَعِيدُ
بْنُ سَلَّامٍ، ثَنَا زَكَرِيَّا بْنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا أَبُو
الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: «غَزَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِحْدَى وَعِشْرِينَ غَزْوَةً» .
وَقَدْ رَوَى الْحَاكِمُ مِنْ طَرِيقِ هِشَامٍ، عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ
مَغَازِيَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَسَرَايَاهُ كَانَتْ ثَلَاثًا وَأَرْبَعِينَ. ثُمَّ قَالَ الْحَاكِمُ:
لَعَلَّهُ أَرَادَ السَّرَايَا دُونَ الْغَزَوَاتِ، فَقَدْ ذَكَرْتُ
فِي " الْإِكْلِيلِ "، عَلَى التَّرْتِيبِ، بُعُوثَ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَرَايَاهُ زِيَادَةً عَلَى
الْمِائَةِ. قَالَ: وَأَخْبَرَنِي الثِّقَةُ مِنْ أَصْحَابِنَا
بِبُخَارَى أَنَّهُ قَرَأَ فِي كِتَابِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدِ
بْنِ نَصْرٍ السَّرَايَا وَالْبُعُوثَ دُونَ الْحُرُوبِ نَيِّفًا
وَسَبْعِينَ. وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الْحَاكِمُ غَرِيبٌ جِدًّا
وَحَمْلُهُ كَلَامَ قَتَادَةَ عَلَى مَا قَالَ، فِيهِ نَظَرٌ.
وَقَدْ رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ، عَنْ أَزْهَرَ بْنِ الْقَاسِمِ
الرَّاسِبِيِّ، عَنْ هِشَامٍ الدَّسْتُوَائِيِّ، عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ
مَغَازِيَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَسَرَايَاهُ ثَلَاثٌ وَأَرْبَعُونَ، أَرْبَعٌ وَعِشْرُونَ بَعْثًا
وَتِسْعَ عَشْرَةَ غَزْوَةً خَرَجَ فِي ثَمَانٍ مِنْهَا بِنَفْسِهِ،
بَدْرٍ، وَأُحُدٍ،
(5/19)
وَالْأَحْزَابِ، وَالْمُرَيْسِيعِ،
وَقُدَيْدٍ، وَخَيْبَرَ، وَفَتْحِ مَكَّةَ، وَحُنَيْنٍ.
وَقَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ: هَذِهِ مَغَازِي
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّتِي قَاتَلَ
فِيهَا، يَوْمَ بَدْرٍ فِي رَمَضَانَ سَنَةَ ثِنْتَيْنِ ثُمَّ قَاتَلَ
يَوْمَ أُحُدٍ فِي شَوَّالٍ سَنَةَ ثَلَاثٍ، ثُمَّ قَاتَلَ يَوْمَ
الْخَنْدَقِ - وَهُوَ يَوْمُ الْأَحْزَابِ وَبَنِي قُرَيْظَةَ - فِي
شَوَّالٍ مِنْ سَنَةِ أَرْبَعٍ، ثُمَّ قَاتَلَ بَنِي الْمُصْطَلِقِ
وَبَنِي لِحْيَانَ فِي شَعْبَانَ مِنْ سَنَةِ خَمْسٍ ثُمَّ قَاتَلَ
يَوْمَ خَيْبَرَ سَنَةَ سِتٍّ، ثُمَّ قَاتَلَ يَوْمَ الْفَتْحِ فِي
رَمَضَانَ سَنَةَ ثَمَانٍ، ثُمَّ قَاتَلَ يَوْمَ حُنَيْنٍ، وَحَاصَرَ
أَهْلَ الطَّائِفِ فِي شَوَّالٍ سَنَةَ ثَمَانٍ، ثُمَّ حَجَّ أَبُو
بَكْرٍ سَنَةَ تِسْعٍ، ثُمَّ حَجَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَجَّةَ الْوَدَاعِ سَنَةَ عَشْرٍ، وَغَزَا
ثِنْتَيْ عَشْرَةَ غَزْوَةً وَلَمْ يَكُنْ فِيهَا قِتَالٌ، وَكَانَتْ
أَوَّلُ غَزْوَةٍ غَزَاهَا الْأَبْوَاءَ.
وَقَالَ حَنْبَلُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ هِلَالِ بْنِ الْعَلَاءِ، عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ الرَّقِّيِّ، عَنْ مُطَرِّفِ بْنِ
مَازِنٍ الْيَمَانِيِّ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ:
أَوَّلُ آيَةٍ نَزَلَتْ فِي الْقِتَالِ: {أُذِنَ لِلَّذِينَ
يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا} [الحج: 39] الْآيَةَ [الْحَجِّ:
39] بَعْدَ مَقْدَمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ فَكَانَ أَوَّلُ مَشْهَدٍ شَهِدَهُ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ بَدْرٍ يَوْمَ
الْجُمْعَةِ، لِسَبْعَ عَشْرَةَ مِنْ رَمَضَانَ. إِلَى أَنْ قَالَ:
ثُمَّ غَزَا بَنِي النَّضِيرِ ثُمَّ غَزَا أُحُدًا فِي شَوَّالٍ -
يَعْنِي مِنْ سَنَةِ ثَلَاثٍ - ثُمَّ قَاتَلَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ فِي
شَوَّالٍ سَنَةَ أَرْبَعٍ ثُمَّ قَاتَلَ بَنِي لِحْيَانَ فِي شَعْبَانَ
سَنَةَ خَمْسٍ، ثُمَّ قَاتَلَ يَوْمَ خَيْبَرَ سَنَةَ سِتٍّ، ثُمَّ
قَاتَلَ يَوْمَ الْفَتْحِ فِي شَعْبَانَ سَنَةَ ثَمَانٍ، وَكَانَتْ
حُنَيْنٌ فِي رَمَضَانَ سَنَةَ ثَمَانٍ،
(5/20)
وَغَزَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِحْدَى عَشْرَةَ غَزْوَةً لَمْ يُقَاتِلْ فِيهَا،
فَكَانَتْ أَوَّلُ غَزْوَةٍ غَزَاهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْأَبْوَاءَ، ثُمَّ الْعُشَيْرَةَ ثُمَّ غَزْوَةَ
غَطَفَانَ، ثُمَّ غَزْوَةَ بَنِي سُلَيْمٍ، ثُمَّ غَزْوَةَ
الْأَبْوَاءَ، ثُمَّ غَزْوَةَ بَدْرٍ الْأُولَى، ثُمَّ غَزْوَةَ
الطَّائِفِ، ثُمَّ غَزْوَةَ الْحُدَيْبِيَةِ، ثُمَّ غَزْوَةَ
الصَّفْرَاءِ، ثُمَّ غَزْوَةَ تَبُوكَ آخِرَ غَزْوَةٍ. ثُمَّ ذَكَرَ
الْبُعُوثَ. هَذَا كَتَبْتُهُ مِنْ تَارِيخِ الْحَافِظِ ابْنِ
عَسَاكِرَ وَهُوَ غَرِيبٌ جِدًّا، وَالصَّوَابُ مَا سَنَذْكُرُهُ
فِيمَا بَعْدُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ مُرَتَّبًا.
وَهَذَا الْفَنُّ مِمَّا يَنْبَغِي الِاعْتِنَاءُ بِهِ وَالِاعْتِبَارُ
بِأَمْرِهِ وَالتَّهَيُّؤُ لَهُ، كَمَا رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ
الْوَاقِدِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ
أَبِيهِ سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ يَقُولُ: كُنَّا نُعَلَّمُ
مَغَازِيَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا
نُعَلَّمُ السُّورَةَ مِنَ الْقُرْآنِ. قَالَ الْوَاقِدِيُّ:
وَسَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: سَمِعْتُ عَمِّي
الزُّهْرِيَّ يَقُولُ فِي عِلْمِ الْمَغَازِي: عِلْمُ الْآخِرَةِ
وَالدُّنْيَا.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، رَحِمَهُ اللَّهُ، فِي "
الْمَغَازِي " بَعْدَ ذِكْرِهِ مَا تَقَدَّمَ مِمَّا سُقْنَاهُ عَنْهُ
مِنْ تَعْيِينِ رُءُوسِ الْكُفْرِ مِنَ الْيَهُودِ وَالْمُنَافِقِينَ،
لَعَنَهُمُ اللَّهُ أَجْمَعِينَ وَجَمَعَهُمْ فِي أَسْفَلِ سَافِلِينَ:
ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
تَهَيَّأَ لِحَرْبِهِ، وَقَامَ فِيمَا أَمَرَهُ اللَّهُ بِهِ مِنْ
جِهَادِ عَدُوِّهِ وَقِتَالِ مَنْ أَمَرَهُ بِهِ مِمَّنْ يَلِيهِ مِنَ
الْمُشْرِكِينَ.
(5/21)
قَالَ: وَقَدْ قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ
حِينَ اشْتَدَّ الضَّحَاءُ، وَكَادَتِ الشَّمْسُ تَعْتَدِلُ لِثِنْتَيْ
عَشْرَةَ لَيْلَةً مَضَتْ مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، وَرَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَئِذٍ ابْنُ ثَلَاثٍ
وَخَمْسِينَ سَنَةً، وَذَلِكَ بَعْدَ أَنْ بَعَثَهُ اللَّهُ بِثَلَاثَ
عَشْرَةَ سَنَةً، فَأَقَامَ بَقِيَّةَ شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ،
وَشَهْرَ رَبِيعٍ الْآخِرِ، وَجُمَادَيَيْنِ، وَرَجَبًا، وَشَعْبَانَ،
وَشَهْرَ رَمَضَانَ، وَشَوَّالًا، وَذَا الْقَعْدَةِ، وَذَا الْحِجَّةِ
- وَوَلِيَ تِلْكَ الْحَجَّةَ الْمُشْرِكُونَ - وَالْمُحَرَّمَ، ثُمَّ
خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَازِيًا
فِي صَفَرٍ عَلَى رَأْسِ اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا مِنْ مَقْدَمِهِ
الْمَدِينَةَ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ وَاسْتَعْمَلَ عَلَى الْمَدِينَةِ
سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ. قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: حَتَّى بَلَغَ
وَدَّانَ، وَهِيَ غَزْوَةُ الْأَبْوَاءِ - قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ
وَيُقَالُ لَهَا: غَزْوَةُ وَدَّانَ - أَيْضًا يُرِيدُ قُرَيْشًا
وَبَنِي ضَمْرَةَ بْنِ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ مَنَاةَ بْنِ كِنَانَةَ
فَوَادَعَتْهُ فِيهَا بَنُو ضَمْرَةَ، وَكَانَ الَّذِي وَادَعَهُ
مِنْهُمْ مَخْشِيَّ بْنَ عَمْرٍو الضَّمْرِيَّ، وَكَانَ سَيِّدَهُمْ
فِي زَمَانِهِ ذَلِكَ وَرَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَدِينَةِ وَلَمْ يَلْقَ كَيْدًا،
فَأَقَامَ بِهَا بَقِيَّةَ صَفَرٍ وَصَدْرًا مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ
الْأَوَّلِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَهِيَ أَوَّلُ غَزْوَةٍ غَزَاهَا،
عَلَيْهِ السَّلَامُ.
قَالَ الْوَاقِدِيُّ: وَكَانَ لِوَاؤُهُ مَعَ عَمِّهِ حَمْزَةَ وَكَانَ
أَبْيَضَ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مُقَامِهِ ذَلِكَ بِالْمَدِينَةِ عُبَيْدَةَ
بْنَ الْحَارِثِ بْنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ قُصَيٍّ
فِي سِتِّينَ أَوْ ثَمَانِينَ رَاكِبًا مِنَ الْمُهَاجِرِينَ، لَيْسَ
فِيهِمْ مِنَ الْأَنْصَارِ أَحَدٌ، فَسَارَ حَتَّى بَلَغَ مَاءً
بِالْحِجَازِ بِأَسْفَلِ ثَنِيَّةِ
(5/22)
الْمَرَةِ، فَلَقِيَ بِهَا جَمْعًا
عَظِيمًا مِنْ قُرَيْشٍ، فَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمْ قِتَالٌ، إِلَّا
أَنَّ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَاصٍّ قَدْ رَمَى يَوْمَئِذٍ بِسَهْمٍ
فَكَانَ أَوَّلَ سَهْمٍ رُمِيَ بِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فِي
الْإِسْلَامِ، ثُمَّ انْصَرَفَ الْقَوْمُ عَنِ الْقَوْمِ
وَلِلْمُسْلِمِينَ حَامِيَةٌ وَفَرَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ إِلَى
الْمُسْلِمِينَ الْمِقْدَادُ بْنُ عَمْرٍو الْبَهْرَانِيُّ حَلِيفُ
بَنِي زُهْرَةَ، وَعُتْبَةُ بْنُ غَزْوَانَ بْنِ جَابِرٍ الْمَازِنِيُّ
حَلِيفُ بَنِي نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ، وَكَانَا مُسْلِمَيْنِ،
وَلَكِنَّهُمَا خَرَجَا لِيَتَوَصَّلَا بِالْكُفَّارِ. قَالَ ابْنُ
إِسْحَاقَ: وَكَانَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ يَوْمَئِذٍ عِكْرِمَةُ بْنُ
أَبِي جَهْلٍ. وَرَوَى ابْنُ هِشَامٍ، عَنْ أَبِي عَمْرِو بْنِ
الْعَلَاءِ، عَنْ أَبِي عَمْرٍو الْمَدَنِيِّ أَنَّهُ قَالَ كَانَ
عَلَيْهِمْ مِكْرَزُ بْنُ حَفْصٍ
قُلْتُ: وَقَدْ تَقَدَّمَ عَنْ حِكَايَةِ الْوَاقِدِيِّ قَوْلَانِ،
أَحَدُهُمَا أَنَّهُ مِكْرَزٌ وَالثَّانِي أَنَّهُ أَبُو سُفْيَانَ
صَخْرُ بْنُ حَرْبٍ وَأَنَّهُ رَجَّحَ أَنَّهُ أَبُو سُفْيَانَ
فَاللَّهُ أَعْلَمُ.
ثُمَّ ذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ الْقَصِيدَةَ الْمَنْسُوبَةَ إِلَى أَبِي
بَكْرٍ الصِّدِّيقِ فِي هَذِهِ السَّرِيَّةِ الَّتِي أَوَّلُهَا:
أَمِنْ طَيْفِ سَلْمَى بِالْبِطَاحِ الدَّمَائِثِ ... أَرِقْتَ
وَأَمْرٌ فِي الْعَشِيرَةِ حَادِثِ
تَرَى مِنْ لُؤَيٍّ فِرْقَةً لَا يَصُدُّهَا ... عَنِ الْكُفْرِ
تَذْكِيرٌ وَلَا بَعْثُ بَاعِثِ
رَسُولٌ أَتَاهُمْ صَادِقٌ فَتَكَذَّبُوا ... عَلَيْهِ وَقَالُوا
لَسْتَ فِينَا بِمَاكِثِ
(5/23)
إِذَا مَا دَعَوْنَاهُمْ إِلَى الْحَقِّ
أَدْبَرُوا ... وَهَرُّوا هَرِيرَ الْمُحْجَرَاتِ اللَّوَاهِثِ
الْقَصِيدَةَ إِلَى آخِرِهَا، وَذَكَرَ جَوَابَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
الزِّبَعْرَى فِي مُنَاقَضَتِهَا الَّتِي أَوَّلُهَا:
أَمِنْ رَسْمِ دَارٍ أَقْفَرَتْ بِالْعَثَاعِثِ ... بَكَيْتَ بِعَيْنٍ
دَمْعُهَا غَيْرُ لَابِثِ
وَمِنْ عَجَبِ الْأَيَّامِ وَالدَّهْرُ كُلُّهُ ... لَهُ عَجَبٌ مِنْ
سَابِقَاتٍ وَحَادِثِ
لِجَيْشٍ أَتَانَا ذِي عُرَامٍ يَقُودُهُ ... عُبَيْدَةُ يُدْعَى فِي
الْهِيَاجِ
ابْنَ حَارِثِ
لِنَتْرُكَ أَصْنَامًا
بِمَكَّةَ عُكَّفًا
مَوَارِيثَ مَوْرُوثٍ كَرِيمٍ لِوَارِثِ
وَذَكَرَ تَمَامَ الْقَصِيدَةِ وَمَا مَنَعَنَا مِنْ إِيرَادِهَا
بِتَمَامِهَا إِلَّا أَنَّ الْإِمَامَ عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ هِشَامٍ،
رَحِمَهُ اللَّهُ - وَكَانَ إِمَامًا فِي اللُّغَةِ - ذَكَرَ أَنَّ
أَكْثَرَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشِّعْرِ يُنْكِرُ هَاتَيْنِ
الْقَصِيدَتَيْنِ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَقَالَ: سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ فِي
رَمْيَتِهِ تِلْكَ فِيمَا يَذْكُرُونَ:
أَلَا هَلَ اتَى رَسُولَ اللَّهِ أَنِّي ... حَمَيْتُ صَحَابَتِي
بِصُدُورِ نَبْلِي
أَذُودُ بِهَا أَوَائِلَهُمْ ذِيَادًا ... بِكُلِّ حُزُونَةٍ وَبِكُلِّ
سَهْلِ
(5/24)
فَمَا يَعْتَدُّ رَامٍ فِي عَدُوٍّ ...
بِسَهْمٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَبْلِي
وَذَلِكَ أَنَّ دِينَكَ دِينُ صِدْقٍ ... وَذُو حَقٍّ أَتَيْتَ بِهِ
وَفَضْلِ
يُنَجَّى الْمُؤْمِنُونَ بِهِ وَيُخْزَى ... بِهِ الْكُفَّارُ عِنْدَ
مَقَامِ مَهْلِ
فَمَهْلًا قَدْ غَوَيْتَ فَلَا تَعِبْنِي ... غَوِيَّ الْحَيِّ
وَيْحَكَ يَا بْنَ جَهْلِ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشِّعْرِ
يُنْكِرُهَا لِسَعْدٍ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ فَكَانَتْ رَايَةُ عُبَيْدَةَ - فِيمَا
بَلَغْنَا - أَوَّلَ رَايَةٍ عَقَدَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْإِسْلَامِ لِأَحَدٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ.
وَقَدْ خَالَفَهُ الزُّهْرِيُّ وَمُوسَى بْنُ عُقْبَةَ
وَالْوَاقِدِيُّ، فَذَهَبُوا إِلَى أَنَّ بَعْثَ حَمْزَةَ قَبْلَ
بَعْثِ عُبَيْدَةَ بْنِ الْحَارِثِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَسَيَأْتِي
فِي حَدِيثِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ أَنَّ أَوَّلَ أُمَرَاءِ
السَّرَايَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَحْشٍ الْأَسَدِيُّ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَبَعْضُ الْعُلَمَاءِ يَزْعُمُ أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَهُ حِينَ أَقْبَلَ
مِنْ غَزْوَةِ الْأَبْوَاءِ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إِلَى الْمَدِينَةِ.
وَهَكَذَا حَكَى مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ.
(5/25)
[بَعْثُ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ
إِلَى سَيْفِ الْبَحْرِ]
فَصْلٌ
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَقَامِهِ ذَلِكَ حَمْزَةَ بْنَ عَبْدِ
الْمُطَّلِبِ بْنِ هَاشِمٍ إِلَى سَيْفِ الْبَحْرِ مِنْ نَاحِيَةِ
الْعِيصِ، فِي ثَلَاثِينَ رَاكِبًا مِنَ الْمُهَاجِرِينَ، لَيْسَ
فِيهِمْ مِنَ الْأَنْصَارِ أَحَدٌ، فَلَقِيَ أَبَا جَهْلِ بْنَ هِشَامٍ
بِذَلِكَ السَّاحِلِ فِي ثَلَاثِمَائَةِ رَاكِبٍ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ
فَحَجَزَ بَيْنَهُمْ مَجْدِيُّ بْنُ عَمْرٍو الْجُهَنِيُّ، وَكَانَ
مُوَادِعًا لِلْفَرِيقَيْنِ جَمِيعًا، فَانْصَرَفَ بَعْضُ الْقَوْمِ
عَنْ بَعْضٍ، وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمْ قِتَالٌ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ وَبَعْضُ النَّاسِ يَقُولُ: كَانَتْ رَايَةُ
حَمْزَةَ أَوَّلَ رَايَةٍ عَقَدَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَحَدٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ. وَذَلِكَ أَنَّ
بَعْثَهُ وَبَعْثَ عُبَيْدَةَ كَانَا مَعًا، فَشُبِّهَ ذَلِكَ عَلَى
النَّاسِ.
قُلْتُ: وَقَدْ حَكَى مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَنَّ
بَعْثَ حَمْزَةَ قَبْلَ عُبَيْدَةَ بْنِ الْحَارِثِ، وَنَصَّ عَلَى
أَنَّ بَعْثَ حَمْزَةَ كَانَ قَبْلَ غَزْوَةِ الْأَبْوَاءِ، فَلَمَّا
قَفَلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنَ الْأَبْوَاءِ بَعَثَ عُبَيْدَةَ بْنَ
الْحَارِثِ فِي سِتِّينَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ، وَذَكَرَ نَحْوَ مَا
تَقَدَّمَ. وَقَدْ تَقَدَّمَ عَنِ الْوَاقِدِيِّ أَنَّهُ قَالَ:
كَانَتْ سَرِيَّةُ حَمْزَةَ فِي رَمَضَانَ مِنَ السَّنَةِ الْأُولَى،
وَبَعْدَهَا سَرِيَّةُ عُبَيْدَةَ فِي شَوَّالٍ مِنْهَا. وَاللَّهُ
أَعْلَمُ.
(5/26)
وَقَدْ أَوْرَدَ ابْنُ إِسْحَاقَ عَنْ
حَمْزَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، شِعْرًا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ
رَايَتَهُ أَوَّلُ رَايَةٍ عُقِدَتْ فِي الْإِسْلَامِ، لَكِنْ قَالَ
ابْنُ إِسْحَاقَ: فَإِنْ كَانَ حَمْزَةُ قَالَ ذَلِكَ فَهُوَ كَمَا
قَالَ، لَمْ يَكُنْ يَقُولُ إِلَّا حَقًّا، فَاللَّهُ أَعْلَمُ أَيُّ
ذَلِكَ كَانَ، فَأَمَّا مَا سَمِعْنَا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عِنْدَنَا
فَعُبَيْدَةُ أَوَّلُ. وَالْقَصِيدَةُ هِيَ قَوْلُهُ:
أَلَا يَا لَقَوْمِي لِلتَّحَلُّمِ وَالْجَهْلِ ... وَلِلنَّقْصِ مِنْ
رَأْيِ الرِّجَالِ وَلِلْعَقْلِ
وَلِلرَّاكِبِينَا بِالْمَظَالِمِ لَمْ نَطَأْ ... لَهُمْ حُرُمَاتٌ
مِنْ سَوَامٍ وَلَا أَهْلِ
كَأَنَّا تَبَلْنَاهُمْ وَلَا تَبْلَ عِنْدَنَا ... لَهُمْ غَيْرُ
أَمْرٍ بِالْعَفَافِ وَبِالْعَدْلِ
وَأَمْرٍ بِإِسْلَامٍ فَلَا يَقْبَلُونَهُ وَيَنْزِلُ ... مِنْهُمْ
مِثْلَ مَنْزِلَةِ الْهَزْلِ
فَمَا بَرِحُوا حَتَّى انْتَدَبْتُ لِغَارَةٍ ... لَهُمْ حَيْثُ
حَلُّوا أَبْتَغِي رَاحَةَ الْفَضْلِ
بِأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ أَوَّلُ خَافِقٍ ... عَلَيْهِ لِوَاءٌ لَمْ
يَكُنْ لَاحَ مِنْ قَبْلِي
لِوَاءٌ لَدَيْهِ النَّصْرُ مِنْ ذِي كَرَامَةٍ ... إِلَهٍ عَزِيزٍ
فِعْلُهُ أَفْضَلُ الْفِعْلِ
عَشِيَّةَ سَارُوا حَاشِدِينَ وَكُلُّنَا ... مَرَاجِلُهُ مِنْ غَيْظِ
أَصْحَابِهِ تَغْلِي
فَلَمَّا تَرَاءَيْنَا أَنَاخُوا فَعَقَّلُوا ... مَطَايَا
وَعَقَّلْنَا مَدَى غَرَضِ النَّبْلِ
وَقُلْنَا لَهُمْ حَبْلُ الْإِلَهِ نَصِيرُنَا ... وَمَا لَكُمُ إِلَّا
الضَّلَالَةُ مِنْ حَبْلِ
فَثَارَ أَبُو جَهْلٍ هُنَالِكَ بَاغِيًا فَخَابَ ... وَرَدَّ اللَّهُ
كَيْدَ أَبِي جَهْلِ
(5/27)
وَمَا نَحْنُ إِلَّا فِي ثَلَاثِينَ
رَاكِبًا
وَهُمْ مِائَتَانِ بَعْدَ وَاحِدَةٍ فَضْلِ ... فِيَالَ لُؤَيٍّ لَا
تُطِيعُوا غُوَاتَكُمْ
وَفِيئُوا إِلَى الْإِسْلَامِ وَالْمَنْهَجِ السَّهْلِ ... فَإِنِّي
أَخَافُ أَنْ يَصُبَّ عَلَيْكُمُ عَذَابٌ
فَتَدْعُوا بِالنَّدَامَةِ وَالثُّكْلِ
قَالَ: فَأَجَابَهُ أَبُو جَهْلِ بْنُ هِشَامٍ لَعَنَهُ اللَّهُ
فَقَالَ:
عَجِبْتُ لِأَسْبَابِ الْحَفِيظَةِ وَالْجَهْلِ وَلِلشَّاغِبِينَ
بِالْخِلَافِ وَبِالْبُطْلِ وَلِلتَّارِكِينَ مَا وَجَدْنَا جُدُودَنَا
عَلَيْهِ ذَوِي الْأَحْسَابِ وَالسُّؤْدُدِ الْجَزْلِ ثُمَّ ذَكَرَ
تَمَامَهَا.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشِّعْرِ يُنْكِرُ
هَاتَيْنِ الْقَصِيدَتَيْنِ لِحَمْزَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
وَلِأَبِي جَهْلٍ لَعَنَهُ اللَّهُ.
(5/28)
[غَزْوَةُ بُوَاطَ]
َ مِنْ نَاحِيَةِ رَضْوَى
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: ثُمَّ غَزَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ - يَعْنِي مِنَ
السَّنَةِ الثَّانِيَةِ - يُرِيدُ قُرَيْشًا.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَاسْتَعْمَلَ عَلَى الْمَدِينَةِ السَّائِبَ
بْنَ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ.
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: اسْتَخْلَفَ عَلَيْهَا سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ
وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي
مِائَتَيْ رَاكِبٍ وَكَانَ لِوَاؤُهُ مَعَ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ،
وَكَانَ مَقْصِدُهُ أَنْ يَعْتَرِضَ لِعِيرِ قُرَيْشٍ وَكَانَ فِيهِ
أُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ وَمِائَةُ رَجُلٍ وَأَلْفَانِ وَخَمْسُمِائَةِ
بَعِيرٍ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: حَتَّى بَلَغَ بُوَاطَ مِنْ نَاحِيَةِ رَضْوَى،
ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الْمَدِينَةِ وَلَمْ يَلْقَ كَيْدًا، فَلَبِثَ
بِهَا بَقِيَّةَ شَهْرِ رَبِيعٍ الْآخِرِ وَبَعْضَ جُمَادَى الْأُولَى.
ثُمَّ غَزَا قُرَيْشًا. يَعْنِي بِذَلِكَ الْغَزْوَةَ الَّتِي يُقَالُ
لَهَا: غَزْوَةُ الْعُشَيْرَةِ. وَبِالْمُهْمَلَةِ وَالْعُشَيْرُ
وَبِالْمُهْمَلَةِ وَالْعُشَيْرَاءُ وَبِالْمُهْمَلَةِ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَاسْتَعْمَلَ عَلَى الْمَدِينَةِ أَبَا سَلَمَةَ
بْنَ عَبْدِ الْأَسَدِ. قَالَ الْوَاقِدِيُّ: وَكَانَ لِوَاؤُهُ مَعَ
حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ. قَالَ: وَخَرَجَ، عَلَيْهِ
(5/29)
السَّلَامُ، يَتَعَرَّضُ لِعِيرَاتِ
قُرَيْشٍ ذَاهِبَةً إِلَى الشَّامِ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ فَسَلَكَ عَلَى نَقْبِ بَنِي دِينَارٍ، ثُمَّ
عَلَى فَيْفَاءِ الْخَبَارِ فَنَزَلَ تَحْتَ شَجَرَةٍ بِبَطْحَاءِ
ابْنِ أَزْهَرَ يُقَالُ لَهَا: ذَاتُ السَّاقِ. فَصَلَّى عِنْدَهَا
فَثَمَّ مَسْجِدُهُ، فَصُنِعَ لَهُ عِنْدَهَا طَعَامٌ، فَأَكَلَ مِنْهُ
وَأَكَلَ النَّاسُ مَعَهُ، فَرُسُومُ أَثَافِيِّ الْبُرْمَةِ مَعْلُومٌ
هُنَالِكَ، وَاسْتَسْقَى لَهُ مِنْ مَاءٍ يُقَالُ لَهُ: الْمُشَيْرِبُ.
ثُمَّ ارْتَحَلَ فَتَرَكَ الْخَلَائِقَ بِيَسَارٍ، وَسَلَكَ شُعْبَةَ
عَبْدِ اللَّهِ ثُمَّ صَبَّ لِلْيَسَارِ حَتَّى هَبَطَ يَلَيْلَ،
فَنَزَلَ بِمُجْتَمَعِهِ وَمُجْتَمَعِ الضَّبُوعَةِ ثُمَّ سَلَكَ
فَرْشَ مَلَلٍ حَتَّى لَقِيَ الطَّرِيقَ بِصُخَيْرَاتِ الْيَمَامِ،
ثُمَّ اعْتَدَلَ بِهِ الطَّرِيقُ حَتَّى نَزَلَ الْعَشِيرَةَ مِنْ
بَطْنِ يَنْبُعَ، فَأَقَامَ بِهَا جُمَادَى الْأُولَى وَلَيَالِي مِنْ
جُمَادَى الْآخِرَةِ، وَوَادَعَ فِيهَا بَنِي مُدْلِجٍ وَحُلَفَاءَهُمْ
مِنْ بَنِي ضَمْرَةَ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الْمَدِينَةِ وَلَمْ يَلْقَ
كَيْدًا.
وَقَدْ قَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ ثَنَا وَهْبٌ
ثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: كُنْتُ إِلَى جَنْبِ
زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ، فَقِيلَ لَهُ: «كَمْ غَزَا النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ
(5/30)
غَزْوَةٍ؟ قَالَ تِسْعَ عَشْرَةَ. قُلْتُ:
كَمْ غَزْوَةٍ أَنْتَ مَعَهُ؟ قَالَ سَبْعَ عَشْرَةَ غَزْوَةً، قُلْتُ
فَأَيُّهُمْ كَانَتْ أَوَّلَ؟ قَالَ: الْعُشَيْرُ، أَوِ الْعُسَيْرَةُ،
فَذَكَرْتُ لِقَتَادَةَ، فَقَالَ الْعُشَيْرَةُ» . وَهَذَا الْحَدِيثُ
ظَاهِرٌ فِي أَنَّ أَوَّلَ الْغَزَوَاتِ الْعُشَيْرَةُ وَيُقَالُ
بِالسِّينِ. وَبِهِمَا مَعَ حَذْفِ التَّاءِ. وَبِهِمَا مَعَ الْمَدِّ
اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ غُزَاةً شَهِدَهَا مَعَ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ،
الْعُشَيْرَةَ، وَحِينَئِذٍ لَا يَنْفِي أَنْ يَكُونَ قَبْلَهَا
غَيْرُهَا لَمْ يَشْهَدْهَا زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ، وَبِهَذَا يَحْصُلُ
الْجَمْعُ بَيْنَ مَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ وَبَيْنَ
هَذَا الْحَدِيثِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: وَيَوْمَئِذٍ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَلِيٍّ مَا قَالَ، فَحَدَّثَنِي
يَزِيدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ خُثَيْمٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ
الْقُرَظِيِّ، حَدَّثَنِي أَبُو يَزِيدَ مُحَمَّدُ بْنُ خُثَيْمٍ،
«عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ، قَالَ: كُنْتُ أَنَا وَعَلِيُّ بْنُ
أَبِي طَالِبٍ رَفِيقَيْنِ فِي غَزْوَةِ الْعُشَيْرَةِ مِنْ بَطْنِ
يَنْبُعَ، فَلَمَّا نَزَلَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أَقَامَ بِهَا شَهْرًا، فَصَالَحَ بِهَا بَنِي مُدْلِجٍ
وَحُلَفَاءَهُمْ مِنْ بَنِي ضَمْرَةَ، فَوَادَعَهُمْ، فَقَالَ لِي
عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: هَلْ لَكَ يَا أَبَا الْيَقْظَانِ أَنْ
نَأْتِيَ هَؤُلَاءِ النَّفَرَ مِنْ بَنِي مُدْلِجٍ، يَعْمَلُونَ فِي
عَيْنٍ لَهُمْ نَنْظُرُ كَيْفَ يَعْمَلُونَ؟ فَأَتَيْنَاهُمْ
فَنَظَرْنَا إِلَيْهِمْ سَاعَةً فَغَشِيَنَا النَّوْمُ، فَعَمَدْنَا
إِلَى صُوَرٍ مِنَ النَّخْلِ فِي دَقْعَاءَ مِنَ الْأَرْضِ
(5/31)
فَنِمْنَا فِيهِ، فَوَاللَّهِ مَا
أَهَبَّنَا إِلَّا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يُحَرِّكُنَا بِقَدَمِهِ فَجَلَسْنَا، وَقَدْ تَتَرَّبْنَا مِنْ تِلْكَ
الدَّقْعَاءِ، فَيَوْمَئِذٍ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَعَلِيٍّ: " يَا أَبَا تُرَابٍ " لِمَا عَلَيْهِ
مِنَ التُّرَابِ، فَأَخْبَرْنَاهُ بِمَا كَانَ مِنْ أَمْرِنَا،
فَقَالَ: " أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَشْقَى النَّاسِ رَجُلَيْنِ؟ "
قُلْنَا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَقَالَ: " أُحَيْمِرُ ثَمُودَ
الَّذِي عَقَرَ النَّاقَةَ، وَالَّذِي يَضْرِبُكَ يَا عَلِيُّ عَلَى
هَذِهِ - وَوَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ حَتَّى يَبُلَّ مِنْهَا هَذِهِ ". وَوَضَعَ
يَدَهُ عَلَى لِحْيَتِهِ» . وَهَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا
الْوَجْهِ وَلَهُ شَاهِدٌ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ فِي تَسْمِيَةِ عَلِيٍّ
أَبَا تُرَابٍ، كَمَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ «أَنَّ عَلِيًّا
خَرَجَ مُغَاضِبًا فَاطِمَةَ، فَجَاءَ الْمَسْجِدَ فَنَامَ فِيهِ
فَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَسَأَلَهَا عَنْهُ، فَقَالَتْ خَرَجَ مُغَاضِبًا، فَجَاءَ إِلَى
الْمَسْجِدِ فَأَيْقَظَهُ وَجَعَلَ يَمْسَحُ التُّرَابَ عَنْهُ
وَيَقُولُ: " قُمْ أَبَا تُرَابٍ قُمْ أَبَا تُرَابٍ» .
(5/32)
[غَزْوَةُ بَدْرٍ الْأُولَى]
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: ثُمَّ لَمْ يَقُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ حِينَ رَجَعَ مِنَ
الْعُشَيْرَةِ إِلَّا لَيَالِيَ قَلَائِلَ لَا تَبْلُغُ الْعَشَرَةَ،
حَتَّى أَغَارَ كُرْزُ بْنُ جَابِرٍ الْفِهْرِيُّ عَلَى سَرْحِ
الْمَدِينَةِ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فِي طَلَبِهِ حَتَّى بَلَغَ وَادِيًا يُقَالُ لَهُ:
سَفَوَانَ. مِنْ نَاحِيَةِ بَدْرٍ، وَهِيَ غَزْوَةُ بَدْرٍ الْأُولَى،
وَفَاتَهُ كُرْزٌ فَلَمْ يُدْرِكْهُ.
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: وَكَانَ لِوَاؤُهُ مَعَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي
طَالِبٍ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ وَالْوَاقِدِيُّ: وَكَانَ قَدِ اسْتَخْلَفَ عَلَى
الْمَدِينَةِ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَرَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَقَامَ جُمَادَى وَرَجَبًا وَشَعْبَانَ، وَقَدْ
كَانَ بَعَثَ بَيْنَ يَدَيْ ذَلِكَ سَعْدًا فِي ثَمَانِيَةِ رَهْطٍ
مِنَ الْمُهَاجِرِينَ، فَخَرَجَ حَتَّى بَلَغَ الْخَرَّارَ مِنْ أَرْضِ
الْحِجَازِ - قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: ذَكَرَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ
أَنَّ بَعْثَ سَعْدٍ هَذَا كَانَ بَعْدَ حَمْزَةَ - ثُمَّ رَجَعَ
وَلَمْ يَلْقَ كَيْدًا. هَكَذَا ذَكَرَهُ ابْنُ إِسْحَاقَ مُخْتَصَرًا،
وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ الْوَاقِدِيِّ لِهَذِهِ الْبُعُوثِ
الثَّلَاثَةِ، أَعْنِي بَعْثَ حَمْزَةَ فِي رَمَضَانَ، وَبَعْثَ
عُبَيْدَةَ فِي شَوَّالٍ، وَبَعْثَ سَعْدٍ فِي ذِي الْقَعْدَةِ،
كُلُّهَا فِي السَّنَةِ الْأُولَى.
(5/33)
وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ:
حَدَّثَنِي عَبْدُ الْمُتَعَالِي بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ، حَدَّثَنِي
يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ. وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْإِمَامِ
أَحْمَدَ: وَحَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ
الْأُمَوِيُّ، حَدَّثَنَا أَبِي، ثَنَا الْمُجَالِدُ عَنْ زِيَادِ بْنِ
عِلَاقَةَ، «عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ: لَمَّا قَدِمَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ،
جَاءَتْهُ جُهَيْنَةُ فَقَالُوا: إِنَّكَ قَدْ نَزَلْتَ بَيْنَ
أَظْهُرِنَا فَأَوْثِقْ حَتَّى نَأْتِيَكَ وَتُؤْمِنَّا. فَأَوْثَقَ
لَهُمْ فَأَسْلَمُوا. قَالَ: فَبَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رَجَبٍ وَلَا نَكُونُ مِائَةً،
وَأَمَرَنَا أَنْ نُغِيرَ عَلَى حَيٍّ مِنْ بَنِي كِنَانَةَ إِلَى
جَنْبِ جُهَيْنَةَ، فَأَغَرْنَا عَلَيْهِمْ، وَكَانُوا كَثِيرًا
فَلَجَأْنَا إِلَى جُهَيْنَةَ، فَمَنَعُونَا وَقَالُوا، لِمَ
تُقَاتِلُونَ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ؟ فَقَالَ بَعْضُنَا لِبَعْضٍ:
مَا تَرَوْنَ؟ فَقَالَ بَعْضُنَا: نَأْتِي نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنُخْبِرُهُ وَقَالَ قَوْمٌ لَا، بَلْ
نُقِيمُ هَاهُنَا. وَقُلْتُ أَنَا فِي أُنَاسٍ مَعِي: لَا بَلْ نَأْتِي
عِيرَ قُرَيْشٍ فَنَقْتَطِعُهَا. وَكَانَ الْفَيْءُ إِذْ ذَاكَ: مَنْ
أَخَذَ شَيْئًا فَهُوَ لَهُ. فَانْطَلَقْنَا إِلَى الْعِيرِ،
وَانْطَلَقَ أَصْحَابُنَا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، فَأَخْبَرُوهُ الْخَبَرَ، فَقَامَ غَضْبَانَ مُحْمَرَّ
الْوَجْهِ فَقَالَ: أَذَهَبْتُمْ مِنْ عِنْدِي جَمِيعًا وَجِئْتُمْ
مُتَفَرِّقِينَ؟ إِنَّمَا أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمُ الْفُرْقَةُ،
لَأَبْعَثَنَّ عَلَيْكُمْ رَجُلًا لَيْسَ بِخَيْرِكُمْ، أَصْبَرُكُمْ
عَلَى الْجُوعِ وَالْعَطَشِ. فَبَعَثَ عَلَيْنَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ
جَحْشٍ الْأَسَدِيَّ، فَكَانَ أَوَّلَ أَمِيرٍ فِي الْإِسْلَامِ» .
وَقَدْ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي " الدَّلَائِلِ " مِنْ حَدِيثِ
يَحْيَى بْنِ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ مُجَالِدٍ بِهِ نَحْوَهُ، وَزَادَ
(5/34)
بَعْدَ قَوْلِهِمْ لِأَصْحَابِهِ: لِمَ
تُقَاتِلُونَ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ؟ فَقَالُوا: نُقَاتِلُ فِي
الشَّهْرِ الْحَرَامِ مَنْ أَخْرَجَنَا مِنَ الْبَلَدِ الْحَرَامِ.
ثُمَّ رَوَاهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أُسَامَةَ عَنْ مُجَالِدٍ، عَنْ
زِيَادِ بْنِ عِلَاقَةَ، عَنْ قُطْبَةَ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ سَعْدِ بْنِ
أَبِي وَقَّاصٍ، فَذَكَرَ نَحْوَهُ، فَأَدْخَلَ بَيْنَ سَعْدٍ
وَزِيَادٍ قُطْبَةَ بْنَ مَالِكٍ، وَهَذَا أَنْسَبُ وَاللَّهُ
أَعْلَمُ.
وَهَذَا الْحَدِيثُ يَقْتَضِي أَنَّ أَوَّلَ أُمَرَاءِ السَّرَايَا
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَحْشٍ الْأَسَدِيُّ، وَهُوَ خِلَافُ مَا ذَكَرَهُ
ابْنُ إِسْحَاقَ، أَنَّ أَوَّلَ الرَّايَاتِ عُقِدَتْ لِعُبَيْدَةَ
بْنِ الْحَارِثِ بْنِ الْمُطَّلِبِ، وَلِلْوَاقِدِيِّ حَدِيثٌ زَعَمَ
أَنَّ أَوَّلَ الرَّايَاتِ عُقِدَتْ لِحَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ
الْمُطَّلِبِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
(5/35)
[بَابُ سَرِيَّةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
جَحْشٍ]
ٍ الَّتِي كَانَتْ سَبَبًا لِغَزْوَةِ بَدْرٍ الْعُظْمَى، وَذَلِكَ
يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ، وَاللَّهُ عَلَى
كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَحْشِ بْنِ رِئَابٍ
الْأَسَدِيَّ فِي رَجَبٍ مَقْفَلَهُ مِنْ بَدْرٍ الْأُولَى، وَبَعَثَ
مَعَهُ ثَمَانِيَةَ رَهْطٍ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ، لَيْسَ فِيهِمْ مِنَ
الْأَنْصَارِ أَحَدٌ، وَهُمْ أَبُو حُذَيْفَةَ بْنُ عُتْبَةَ،
وَعُكَّاشَةُ بْنُ مِحْصَنِ بْنِ حُرْثَانَ، حَلِيفُ بَنِي أَسَدِ بْنِ
خُزَيْمَةَ، وَعُتْبَةُ بْنُ غَزْوَانَ حَلِيفُ بَنِي نَوْفَلٍ،
وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ الزُّهْرِيُّ، وَعَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ
الْوَائِلِيُّ، حَلِيفُ بَنِي عَدِيٍّ، وَوَاقَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ عَرِينِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ يَرْبُوعٍ
التَّمِيمِيُّ، حَلِيفُ بَنِي عَدِيٍّ أَيْضًا، وَخَالِدُ بْنُ
الْبُكَيْرِ أَحَدُ بَنِي سَعْدِ بْنِ لَيْثٍ، حَلِيفُ بَنِي عَدِيٍّ،
أَيْضًا وَسُهَيْلُ ابْنُ بَيْضَاءَ الْفِهْرِيُّ، فَهَؤُلَاءِ
سَبْعَةٌ ثَامِنُهُمْ أَمِيرُهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَحْشٍ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ. وَقَالَ
(5/36)
يُونُسُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: كَانُوا
ثَمَانِيَةً، وَأَمِيرُهُمُ التَّاسِعُ. فَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَسَتَأْتِي تَسْمِيَتُهُمْ عَلَى خِلَافِ مَا قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ وَكَتَبَ لَهُ كِتَابًا، وَأَمَرَهُ أَنْ لَا
يَنْظُرَ فِيهِ حَتَّى يَسِيرَ يَوْمَيْنِ ثُمَّ يَنْظُرَ فِيهِ،
فَيَمْضِيَ لِمَا أَمَرَهُ بِهِ، وَلَا يَسْتَكْرِهَ مِنْ أَصْحَابِهِ
أَحَدًا، فَلَمَّا سَارَ بِهِمْ يَوْمَيْنِ فَتَحَ الْكِتَابَ، فَإِذَا
فِيهِ " «إِذَا نَظَرْتَ فِي كِتَابِي فَامْضِ حَتَّى تَنْزِلَ
نَخْلَةَ، بَيْنَ مَكَّةَ وَالطَّائِفِ، فَتَرْصُدَ بِهَا قُرَيْشًا
وَتَعْلَمَ لَنَا مِنْ أَخْبَارِهِمْ» ". فَلَمَّا نَظَرَ فِي
الْكِتَابِ قَالَ: سَمْعًا وَطَاعَةً. وَأَخْبَرَ أَصْحَابَهُ بِمَا
فِي الْكِتَابِ، وَقَالَ: قَدْ نَهَانِي أَنْ أَسْتَكْرِهَ أَحَدًا
مِنْكُمْ، فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُرِيدُ الشَّهَادَةَ وَيَرْغَبُ
فِيهَا فَلْيَنْطَلِقْ، وَمَنْ كَرِهَ ذَلِكَ فَلْيَرْجِعْ، فَأَمَّا
أَنَا فَمَاضٍ لِأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ. فَمَضَى وَمَضَى مَعَهُ أَصْحَابُهُ لَمْ يَتَخَلَّفْ
مِنْهُمْ أَحَدٌ، وَسَلَكَ عَلَى الْحِجَازِ، حَتَّى إِذَا كَانَ
بِمَعْدِنٍ فَوْقَ الْفُرُعِ يُقَالُ لَهُ: بُحْرَانُ. أَضَلَّ سَعْدُ
بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ وَعُتْبَةُ بْنُ غَزْوَانَ بَعِيرًا لَهُمَا
كَانَا يَعْتَقِبَانِهِ فَتَخَلَّفَا فِي طَلَبِهِ وَمَضَى عَبْدُ
اللَّهِ بْنُ جَحْشٍ وَبَقِيَّةُ أَصْحَابِهِ، حَتَّى نَزَلَ نَخْلَةَ
فَمَرَّتْ بِهِ عِيرٌ، لِقُرَيْشٍ تَحْمِلُ زَبِيبًا وَأَدَمًا
وَتِجَارَةً مِنْ تِجَارَةِ قُرَيْشٍ، فِيهَا عَمْرُو بْنُ
الْحَضْرَمِيِّ - قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَاسْمُ الْحَضْرَمِيِّ عَبْدُ
اللَّهِ بْنُ عَبَّادٍ الصَّدِفِيُّ. قَالَ السُّهَيْلِيُّ: وَقِيلَ
غَيْرُ ذَلِكَ فِي نَسَبِهِ
(5/37)
- وَعُثْمَانُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
الْمُغِيرَةِ الْمَخْزُومِيُّ، وَأَخُوهُ نَوْفَلٌ، وَالْحَكَمُ بْنُ
كَيْسَانَ مَوْلَى هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، فَلَمَّا رَآهُمُ
الْقَوْمُ هَابُوهُمْ وَقَدْ نَزَلُوا قَرِيبًا مِنْهُمْ فَأَشْرَفَ
لَهُمْ عُكَّاشَةُ بْنُ مِحْصَنٍ، وَكَانَ قَدْ حَلَقَ رَأْسَهُ،
فَلَمَّا رَأَوْهُ أَمِنُوا، وَقَالُوا: عُمَّارٌ، لَا بَأْسَ
عَلَيْكُمْ مِنْهُمْ، وَتَشَاوَرَ الصَّحَابَةُ فِيهِمْ، وَذَلِكَ فِي
آخِرِ يَوْمٍ مِنْ رَجَبٍ، فَقَالُوا: وَاللَّهِ لَئِنْ
تَرَكْتُمُوهُمْ هَذِهِ اللَّيْلَةَ لَيَدْخُلُنَّ الْحَرَمَ
فَلْيَمْتَنِعُنَّ بِهِ مِنْكُمْ، وَلَئِنْ قَتَلْتُمُوهُمْ
لَتَقْتُلُنَّهُمْ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ. فَتَرَدَّدَ الْقَوْمُ
وَهَابُوا الْإِقْدَامَ عَلَيْهِمْ، ثُمَّ شَجَّعُوا أَنْفُسَهُمْ
عَلَيْهِمْ، وَأَجْمَعُوا عَلَى قَتْلِ مَنْ قَدَرُوا عَلَيْهِ
مِنْهُمْ وَأَخْذِ مَا مَعَهُمْ، فَرَمَى وَاقِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
التَّمِيمِيُّ عَمْرَو بْنَ الْحَضْرَمِيِّ بِسَهْمٍ فَقَتَلَهُ،
وَاسْتَأْسَرَ عُثْمَانُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَالْحَكَمُ بْنُ
كَيْسَانَ، وَأَفْلَتَ الْقَوْمَ نَوْفَلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
فَأَعْجَزَهُمْ، وَأَقْبَلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَحْشٍ وَأَصْحَابُهُ
بِالْعِيرِ وَالْأَسِيرَيْنِ، حَتَّى قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ ذَكَرَ بَعْضُ آلِ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ جَحْشٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ قَالَ لِأَصْحَابِهِ: إِنَّ
لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّا غَنِمْنَا
الْخُمُسَ. فَعَزَلَهُ وَقَسَمَ الْبَاقِيَ بَيْنَ أَصْحَابِهِ
وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ الْخُمُسُ. قَالَ: لَمَّا نَزَلَ
الْخُمُسُ نَزَلَ كَمَا قَسَمَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَحْشٍ كَمَا
قَالَهُ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَلَمَّا قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَا أَمَرْتُكُمْ بِقِتَالٍ
فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ ". فَوَقَفَ الْعِيرَ وَالْأَسِيرَيْنِ
وَأَبَى أَنْ يَأْخُذَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَلَمَّا قَالَ ذَلِكَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُسْقِطَ فِي
أَيْدِي الْقَوْمِ، وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ هَلَكُوا، وَعَنَّفَهُمْ
إِخْوَانُهُمْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فِيمَا صَنَعُوا وَقَالَتْ
قُرَيْشٌ: قَدِ اسْتَحَلَّ مُحَمَّدٌ
(5/38)
وَأَصْحَابُهُ الشَّهْرَ الْحَرَامَ،
وَسَفَكُوا فِيهِ الدَّمَ، وَأَخَذُوا فِيهِ الْأَمْوَالَ، وَأَسَرُوا
فِيهِ الرِّجَالَ. فَقَالَ مَنْ يَرُدُّ عَلَيْهِمْ مِنَ
الْمُسْلِمِينَ مِمَّنْ كَانَ بِمَكَّةَ: إِنَّمَا أَصَابُوا مَا
أَصَابُوا فِي شَعْبَانَ. وَقَالَتْ يَهُودُ، تُفَائِلُ بِذَلِكَ عَلَى
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عَمْرُو بْنُ
الْحَضْرَمِيِّ قَتَلَهُ وَاقِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَمْرٌو
عَمَرَتِ الْحَرْبُ، وَالْحَضْرَمِيُّ حَضَرَتِ الْحَرْبُ، وَوَاقِدُ
بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَقَدَتِ الْحَرْبُ. فَجَعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ
عَلَيْهِمْ لَا لَهُمْ، فَلَمَّا أَكْثَرَ النَّاسُ فِي ذَلِكَ
أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ
قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ
بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ
عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا
يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ
اسْتَطَاعُوا} [البقرة: 217] أَيْ، إِنْ كُنْتُمْ قَتَلْتُمْ فِي
الشَّهْرِ الْحَرَامِ فَقَدْ صَدُّوكُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَعَ
الْكُفْرِ بِهِ، وَعَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُكُمْ مِنْهُ
وَأَنْتُمْ أَهْلُهُ، أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ قَتْلِ مَنْ
قَتَلْتُمْ مِنْهُمْ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ أَيْ قَدْ
كَانُوا يَفْتِنُونَ الْمُسْلِمَ عَنْ دِينِهِ حَتَّى يَرُدُّوهُ إِلَى
الْكُفْرِ بَعْدَ إِيمَانِهِ فَذَلِكَ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ مِنَ
الْقَتْلِ، ثُمَّ هُمْ مُقِيمُونَ عَلَى أَخْبَثِ ذَلِكَ وَأَعْظَمِهِ
غَيْرَ تَائِبِينَ وَلَا نَازِعِينَ، وَلِهَذَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى
وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ
إِنِ اسْتَطَاعُوا الْآيَةَ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَلَمَّا نَزَلَ الْقُرْآنُ بِهَذَا مِنَ
الْأَمْرِ وَفَرَّجَ اللَّهُ عَنِ الْمُسْلِمِينَ مَا كَانُوا فِيهِ
مِنَ الشَّفَقِ، قَبَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ الْعِيرَ وَالْأَسِيرَيْنِ وَبَعَثَتْ قُرَيْشٌ فِي فِدَاءِ
عُثْمَانَ وَالْحَكَمِ بْنِ كَيْسَانَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا
(5/39)
نُفْدِيكُمُوهُمَا حَتَّى يَقْدَمَ
صَاحِبَانَا - يَعْنِي سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ، وَعُتْبَةَ بْنَ
غَزْوَانَ - فَإِنَّا نَخْشَاكُمْ عَلَيْهِمَا، فَإِنْ تَقْتُلُوهُمَا
نَقْتُلْ صَاحِبَيْكُمْ. فَقَدِمَ سَعْدٌ وَعُتْبَةُ فَأَفْدَاهُمَا
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَأَمَّا
الْحَكَمُ بْنُ كَيْسَانَ فَأَسْلَمَ فَحَسُنَ إِسْلَامُهُ، وَأَقَامَ
عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى
قُتِلَ يَوْمَ بِئْرِ مَعُونَةَ شَهِيدًا، وَأَمَّا عُثْمَانُ بْنُ
عَبْدِ اللَّهِ فَلَحِقَ بِمَكَّةَ، فَمَاتَ بِهَا كَافِرًا.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَلَمَّا تَجَلَّى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
جَحْشٍ وَأَصْحَابِهِ مَا كَانُوا فِيهِ حِينَ نَزَلَ الْقُرْآنُ،
طَمِعُوا فِي الْأَجْرِ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنَطْمَعُ
أَنْ تَكُونَ لَنَا غَزْوَةٌ نُعْطَى فِيهَا أَجْرَ الْمُجَاهِدِينَ؟
فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِمْ: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ
هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ
رَحْمَةَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة: 218]
فَوَضَعَهُمُ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ عَلَى أَعْظَمِ الرَّجَاءِ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ وَالْحَدِيثُ فِي ذَلِكَ عَنِ الزُّهْرِيِّ
وَيَزِيدَ بْنِ رُومَانَ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ. وَهَكَذَا
ذَكَرَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ فِي " مَغَازِيهِ " عَنِ الزُّهْرِيِّ
وَكَذَا رَوَى شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، نَحْوًا
مِنْ هَذَا وَفِيهِ: وَكَانَ ابْنُ الْحَضْرَمِيِّ أَوَّلَ قَتِيلٍ
قُتِلَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُشْرِكِينَ.
وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ هِشَامٍ: هُوَ أَوَّلُ قَتِيلٍ قَتْلَهُ
الْمُسْلِمُونَ، وَهَذِهِ أَوَّلُ غَنِيمَةٍ غَنِمَهَا الْمُسْلِمُونَ،
وَعُثْمَانُ وَالْحَكَمُ بْنُ كَيْسَانَ أَوَّلُ مَنْ أَسَرَهُ
الْمُسْلِمُونَ.
(5/40)
قُلْتُ: وَقَدْ تَقَدَّمَ فِيمَا رَوَاهُ
الْإِمَامُ أَحْمَدُ، عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، أَنَّهُ قَالَ:
فَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَحْشٍ أَوَّلَ أَمِيرٍ فِي الْإِسْلَامِ.
وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي " التَّفْسِيرِ " لِمَا أَوْرَدَهُ ابْنُ
إِسْحَاقَ شَوَاهِدَ مُسْنَدَةً، فَمِنْ ذَلِكَ مَا رَوَاهُ الْحَافِظُ
أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْمُقَدَّمِيُّ، حَدَّثَنَا
الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِيهِ حَدَّثَنِي
الْحَضْرَمِيُّ، عَنْ أَبِي السَّوَّارِ، عَنْ جُنْدُبِ بْنِ عَبْدِ
اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
بَعَثَ رَهْطًا، وَبَعَثَ عَلَيْهِمْ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ
الْجَرَّاحِ - أَوْ عُبَيْدَةَ بْنَ الْحَارِثِ - فَلَمَّا ذَهَبَ
يَنْطَلِقُ بَكَى صَبَابَةً إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجَلَسَ، فَبَعَثَ عَلَيْهِمْ مَكَانَهُ عَبْدَ
اللَّهِ بْنَ جَحْشٍ، وَكَتَبَ لَهُ كِتَابًا وَأَمَرَهُ أَنْ لَا
يَقْرَأَهُ حَتَّى يَبْلُغَ مَكَانَ كَذَا وَكَذَا، وَقَالَ " «لَا
تُكْرِهَنَّ أَحَدًا عَلَى السَّيْرِ مَعَكَ مِنْ أَصْحَابِكَ» ".
فَلَمَّا قَرَأَ الْكِتَابَ اسْتَرْجَعَ، وَقَالَ: سَمْعًا وَطَاعَةً
لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ. فَخَبَّرَهُمُ الْخَبَرَ، وَقَرَأَ عَلَيْهِمُ
الْكِتَابَ فَرَجَعَ رَجُلَانِ وَبَقِيَ بَقِيَّتُهُمْ، فَلَقُوا ابْنَ
الْحَضْرَمِيِّ، فَقَتَلُوهُ، وَلَمْ يَدْرُوا أَنَّ ذَلِكَ الْيَوْمَ
مِنْ رَجَبٍ أَوْ جُمَادَى، فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ لِلْمُسْلِمِينَ:
قَتَلْتُمْ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ
{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ
فِيهِ كَبِيرٌ} [البقرة: 217] الْآيَةَ.
(5/41)
وَقَالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ السُّدِّيُّ الْكَبِيرُ فِي " تَفْسِيرِهِ ": عَنْ أَبِي
مَالِكٍ وَعَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَنْ مُرَّةَ،
عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ
قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ} [البقرة: 217] وَذَلِكَ
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ
سَرِيَّةً وَكَانُوا سَبْعَةَ نَفَرٍ، عَلَيْهِمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
جَحْشٍ، وَفِيهِمْ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ، وَأَبُو حُذَيْفَةَ بْنُ
عُتْبَةَ، وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ، وَعُتْبَةُ بْنُ غَزْوَانَ،
وَسَهْلُ ابْنُ بَيْضَاءَ، وَعَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ، وَوَاقِدُ بْنُ
عَبْدِ اللَّهِ الْيَرْبُوعِيُّ، حَلِيفٌ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ،
وَكَتَبَ لِابْنِ جَحْشٍ كِتَابًا وَأَمَرَهُ أَنْ لَا يَقْرَأَهُ
حَتَّى يَنَزِلَ بَطْنَ مَلَلٍ، فَلَمَّا نَزَلَ بَطْنَ مَلَلٍ، فَتَحَ
الْكِتَابَ، فَإِذَا فِيهِ أَنْ سِرْ حَتَّى تَنْزِلَ بَطْنَ نَخْلَةَ.
فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ: مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْمَوْتَ فَلْيَمْضِ،
وَلْيُوصِ فَإِنَّنِي مُوصٍ وَمَاضٍ لِأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَارَ، وَتَخَلَّفَ عَنْهُ سَعْدٌ
وَعُتْبَةُ، أَضَلَّا رَاحِلَةً لَهُمَا، فَأَقَامَا يَطْلُبَانِهَا،
وَسَارَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ حَتَّى نَزَلَ بَطْنَ نَخْلَةَ، فَإِذَا
هُوَ بِالْحَكَمِ بْنِ كَيْسَانَ، وَالْمُغِيرَةِ بْنِ عُثْمَانَ،
وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ. فَذَكَرَ قَتْلَ وَاقِدٍ
لِعَمْرِو بْنِ الْحَضْرَمِيِّ، وَرَجَعُوا بِالْغَنِيمَةِ
وَالْأَسِيرَيْنِ، فَكَانَتْ أَوَّلَ غَنِيمَةٍ غَنِمَهَا
الْمُسْلِمُونَ، وَقَالَ الْمُشْرِكُونَ: إِنَّ مُحَمَّدًا يَزْعُمُ
أَنَّهُ يَتَّبِعُ طَاعَةَ اللَّهِ وَهُوَ أَوَّلُ مَنِ اسْتَحَلَّ
الشَّهْرَ الْحَرَامَ، وَقَتَلَ صَاحِبَنَا فِي رَجَبٍ. وَقَالَ
الْمُسْلِمُونَ: إِنَّمَا قَتَلْنَاهُ فِي جُمَادَى.
(5/42)
قَالَ السُّدِّيُّ: وَكَانَ قَتْلُهُمْ
لَهُ فِي أَوَّلِ لَيْلَةٍ مِنْ رَجَبٍ، وَآخِرِ لَيْلَةٍ مِنْ
جُمَادَى الْآخِرَةِ.
قُلْتُ: لَعَلَّ جُمَادَى كَانَ نَاقِصًا فَاعْتَقَدُوا بَقَاءَ
الشَّهْرِ لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ، وَقَدْ كَانَ الْهِلَالُ رُئِيَ
تِلْكَ اللَّيْلَةَ. فَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَهَكَذَا رَوَى الْعَوْفِيُّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ
فِي آخِرِ لَيْلَةٍ مِنْ جُمَادَى، وَكَانَتْ أَوَّلَ لَيْلَةٍ مِنْ
رَجَبٍ، وَلَمْ يَشْعُرُوا. وَكَذَا تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ جُنْدُبٍ
الَّذِي رَوَاهُ ابْنُ أَبَى حَاتِمٍ. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي سِيَاقِ
ابْنِ إِسْحَاقَ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي آخِرِ لَيْلَةٍ مِنْ رَجَبٍ،
وَخَافُوا إِنْ لَمْ يَتَدَارَكُوا هَذِهِ الْغَنِيمَةَ وَيَنْتَهِزُوا
هَذِهِ الْفُرْصَةَ، دَخَلَ أُولَئِكَ فِي الْحَرَمِ، فَيَتَعَذَّرُ
عَلَيْهِمْ ذَلِكَ، فَأَقْدَمُوا عَلَيْهِمْ عَالِمِينِ بِذَلِكَ.
وَكَذَا قَالَ الزُّهْرِيُّ، عَنْ عُرْوَةَ، رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ
فَاللَّهُ أَعْلَمُ أَيُّ ذَلِكَ كَانَ.
قَالَ الزُّهْرِيُّ عَنْ عُرْوَةَ: فَبَلَغَنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَقَلَ ابْنَ الْحَضْرَمِيِّ،
وَحَرَّمَ الشَّهْرَ الْحَرَامَ كَمَا كَانَ يُحَرِّمُهُ، حَتَّى
أَنْزَلَ اللَّهُ " بَرَاءَةٌ ". رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ فِي غَزْوَةِ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَحْشٍ
(5/43)
جَوَابًا لِلْمُشْرِكِينَ فِيمَا قَالُوا
مِنْ إِحْلَالِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ هِيَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَحْشٍ:
تَعُدُّونَ قَتْلًا فِي الْحَرَامِ عَظِيمَةً ... وَأَعْظَمُ مِنْهُ
لَوْ يَرَى الرُّشْدَ رَاشِدُ
صُدُودُكُمْ عَمَّا يَقُولُ مُحَمَّدٌ ... وَكُفْرٌ بِهِ وَاللَّهُ
رَاءٍ وَشَاهِدُ
وَإِخْرَاجُكُمْ مِنْ مَسْجِدِ اللَّهِ أَهْلَهُ لِئَلَّا يُرَى
لِلَّهِ فِي الْبَيْتِ سَاجِدُ ... فَإِنَّا وَإِنْ عَيَّرْتُمُونَا
بِقَتْلِهِ وَأَرْجَفَ بِالْإِسْلَامِ بَاغٍ وَحَاسِدُ
سَقَيْنَا مِنَ
ابْنَ الْحَضْرَمِيِّ رِمَاحَنَا بِنَخْلَةَ لَمَّا أَوْقَدَ الْحَرْبَ
وَاقِدُ دَمًا ... وَابْنُ عَبْدِ اللَّهِ عُثْمَانُ بَيْنَنَا
يُنَازِعُهُ غُلٌّ مِنَ الْقَدِّ عَانِدُ
(5/44)
|