البداية والنهاية، ط. دار هجر

 [فُصْلٌ فِي ذِكْرِ الْوَقْتِ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَبْلَغِ سِنِّهِ حَالَ وَفَاتِهِ]
ِ، وَفِي كَيْفِيَّةِ غُسْلِهِ، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَتَكْفِينِهِ، وَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ، وَدَفْنِهِ، وَمَوْضِعِ قَبْرِهِ، صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ
لَا خِلَافَ أَنَّهُ، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، تُوُفِّيَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وُلِدَ نَبِيُّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ، وَنُبِّئَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ، وَخَرَجَ مِنْ مَكَّةَ مُهَاجِرًا يَوْمَ الِاثْنَيْنِ، وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ، وَمَاتَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ. رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَالْبَيْهَقِيُّ.
وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ لِي أَبُو بَكْرٍ: «أَيَّ يَوْمٍ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قُلْتُ: يَوْمَ الِاثْنَيْنِ. فَقَالَ: إِنِّي لَأَرْجُوَ أَنْ أَمُوتَ فِيهِ. فَمَاتَ فِيهِ» . رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ الثَّوْرِيِّ بِهِ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَسْوَدُ بْنُ عَامِرٍ، ثَنَا هُرَيْمٌ، حَدَّثَنِي ابْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

(8/104)


يَوْمَ الِاثْنَيْنِ، وَدُفِنَ لَيْلَةَ الْأَرْبِعَاءِ» . تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ.
وَقَالَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ فِي " مَغَازِيهِ "، وَمُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ: «لَمَّا اشْتَدَّ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَعُهُ أَرْسَلَتْ عَائِشَةُ إِلَى أَبِي بَكْرٍ، وَأَرْسَلَتْ حَفْصَةُ إِلَى عُمَرَ، وَأَرْسَلَتْ فَاطِمَةُ إِلَى عَلِيٍّ، فَلَمْ يَجْتَمِعُوا حَتَّى تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ فِي صَدْرِ عَائِشَةَ وَفِي يَوْمِهَا يَوْمِ الِاثْنَيْنِ، حِينَ زَاغَتِ الشَّمْسُ لِهِلَالِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ» .
وَقَدْ قَالَ أَبُو يَعْلَى: ثَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ، ثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: «آخِرُ نَظْرَةٍ نَظْرَتُهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ، كَشَفَ السِّتَارَةَ وَالنَّاسُ خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ، فَنَظَرْتُ إِلَى وَجْهِهِ، كَأَنَّهُ وَرَقَةُ مُصْحَفٍ، فَأَرَادَ النَّاسُ أَنْ يَنْحَرِفُوا، فَأَشَارَ إِلَيْهِمْ أَنِ امْكُثُوا، وَأَلْقَى السَّجْفَ، وَتُوُفِّيَ مِنْ آخِرِ ذَلِكَ الْيَوْمِ» . وَهَذَا الْحَدِيثُ فِي " الصَّحِيحِ "، وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْوَفَاةَ وَقَعَتْ بَعْدَ الزَّوَالِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَرَوَى يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ بَكَّارٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ شُعَيْبٍ، وَعَنْ صَفْوَانَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْوَاحِدِ، جَمِيعًا عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ أَنَّهُ قَالَ: «تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ قَبْلَ أَنْ يَنْتَصِفَ النَّهَارُ» .

(8/105)


وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَنْبَأَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بْنُ كَامِلٍ، ثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْبَزَّارُ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، ثَنَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِيهِ - وَهُوَ سُلَيْمَانُ بْنُ طَرْخَانَ التَّيْمِيُّ فِي كِتَابِ " الْمَغَازِي " - قَالَ: «إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرِضَ لِاثْنَتَيْنِ وَعِشْرِينَ لَيْلَةً مِنْ صَفَرٍ، وَبَدَأَهُ وَجَعُهُ عِنْدَ وَلِيدَةٍ لَهُ يُقَالُ لَهَا: رَيْحَانَةُ. كَانَتْ مِنْ سَبْيِ الْيَهُودِ، وَكَانَ أَوَّلَ يَوْمٍ مَرِضَ يَوْمُ السَّبْتِ، وَكَانَتْ وَفَاتُهُ، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، يَوْمَ الِاثْنَيْنِ لِلَيْلَتَيْنِ خَلَتَا مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ لِتَمَامِ عَشْرِ سِنِينَ مِنْ مَقْدَمِهِ، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، الْمَدِينَةَ» .
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنَا أَبُو مَعْشَرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسٍ قَالَ: «اشْتَكَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ لِإِحْدَى عَشْرَةَ لَيْلَةً بَقِيَتْ مِنْ صَفَرٍ سَنَةَ إِحْدَى عَشْرَةَ فِي بَيْتِ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ، شَكْوَى شَدِيدَةً. فَاجْتَمَعَ عِنْدَهُ نِسَاؤُهُ كُلُّهُنَّ، فَاشْتَكَى ثَلَاثَةَ عَشَرَ يَوْمًا، وَتُوُفِّيَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ لِلَيْلَتَيْنِ خَلَتَا مِنْ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ سَنَةَ إِحْدَى عَشْرَةَ» .
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: وَقَالُوا: بُدِئَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ لِلَيْلَتَيْنِ بَقِيَتَا مِنْ صَفَرٍ، وَتُوُفِّيَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ لِثِنْتَيْ عَشْرَةَ لَيْلَةً خَلَتْ مِنْ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ. وَهَكَذَا جَزَمَ بِهِ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ كَاتِبُهُ، وَزَادَ: وَدُفِنَ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ.

(8/106)


قَالَ الْوَاقِدِيُّ: وَحَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي الْأَبْيَضِ، عَنِ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَافِعٍ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بُدِئَ فِي بَيْتِ مَيْمُونَةَ» .
وَقَالَ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، ثَنَا أَبُو مَعْشَرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسٍ قَالَ: اشْتَكَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثَةَ عَشَرَ يَوْمًا، فَكَانَ إِذَا وَجَدَ خِفَّةً صَلَّى، وَإِذَا ثَقُلَ صَلَّى أَبُو بَكْرٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِاثْنَتَيْ عَشْرَةَ لَيْلَةً خَلَتْ مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، فِي الْيَوْمِ الَّذِي قَدِمَ فِيهِ الْمَدِينَةَ مُهَاجِرًا، وَاسْتَكْمَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هِجْرَتِهِ عَشْرَ سِنِينَ كَوَامِلَ. قَالَ الْوَاقِدِيُّ: وَهُوَ الثَّبْتُ عِنْدَنَا. وَجَزَمَ بِهِ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ كَاتِبُهُ.
وَقَالَ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ بُكَيْرٍ، عَنِ اللَّيْثِ أَنَّهُ قَالَ: تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ لِلَيْلَةٍ خَلَتْ مِنْ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، وَفِيهِ قَدِمَ الْمَدِينَةَ عَلَى رَأْسِ عَشْرِ سِنِينَ مِنْ مَقْدَمِهِ.
وَقَالَ سَعْدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الزُّهْرِيُّ: تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ لِلَيْلَتَيْنِ خَلَتَا مِنْ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، لِتَمَامِ عَشْرِ سِنِينَ مِنْ مَقْدَمِهِ الْمَدِينَةَ رَوَاهُ ابْنُ عَسَاكِرَ، وَرَوَاهُ الْوَاقِدِيُّ عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسٍ مِثْلَهُ سَوَاءً. وَقَالَهُ خَلِيفَةُ بْنُ خَيَّاطٍ أَيْضًا.

(8/107)


وَقَالَ أَبُو نُعَيْمٍ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ «تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ مُسْتَهَلَّ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ سَنَةَ إِحْدَى عَشْرَةَ مِنْ مَقْدَمِهِ الْمَدِينَةَ» . رَوَاهُ ابْنُ عَسَاكِرَ أَيْضًا. وَقَدْ تَقَدَّمَ قَرِيبًا عَنْ عُرْوَةَ، وَمُوسَى بْنِ عُقْبَةَ وَالزُّهْرِيِّ، مِثْلَهُ فِيمَا نَقَلْنَاهُ عَنْ " مَغَازِيَيْهِمَا ". فَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَالْمَشْهُورُ قَوْلُ ابْنِ إِسْحَاقَ وَالْوَاقِدِيِّ.
وَرَوَاهُ الْوَاقِدِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، فَقَالَ: حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ يَزِيدَ، عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَا: «تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ لِثِنْتَيْ عَشْرَةَ لَيْلَةً خَلَتْ مِنْ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ» .
وَرَوَاهُ ابْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ، عَنْ أَبِيهِ مِثْلَهُ، وَزَادَ: وَدُفِنَ لَيْلَةَ الْأَرْبِعَاءِ.
وَرَوَى سَيْفُ بْنُ عُمَرَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ الْعَرْزَمِيِّ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مِقْسَمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «لَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَجَّةَ الْوَدَاعِ ارْتَحَلَ، فَأَتَى الْمَدِينَةَ فَأَقَامَ بِهَا بَقِيَّةَ ذِي الْحِجَّةِ، وَالْمُحَرَّمَ وَصَفَرًا، وَمَاتَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ لِعَشْرٍ خَلَوْنَ مِنْ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ» .
وَرَوَى أَيْضًا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ. وَفِي حَدِيثِ فَاطِمَةَ، عَنْ عَمْرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ مِثْلَهُ، إِلَّا أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ فِي أَوَّلِهِ: لِأَيَّامٍ مَضَيْنَ

(8/108)


مِنْهُ. وَقَالَتْ عَائِشَةُ: بَعْدَ مَا مَضَى أَيَّامٌ مِنْهُ.
فَائِدَةٌ: قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ السُّهَيْلِيُّ فِي " الرَّوْضِ " مَا مَضْمُونُهُ: لَا يُتَصَوَّرُ وُقُوعُ وَفَاتِهِ، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، يَوْمَ الِاثْنَيْنِ ثَانِيَ عَشَرَ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ مِنْ سَنَةِ إِحْدَى عَشْرَةَ ; وَذَلِكَ لِأَنَّهُ، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَقَفَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ سَنَةَ عَشْرٍ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَكَانَ أَوَّلَ ذِي الْحِجَّةِ يَوْمُ الْخَمِيسِ، فَعَلَى تَقْدِيرِ أَنْ تُحْسَبَ الشُّهُورُ تَامَّةً أَوْ نَاقِصَةً، أَوْ بَعْضُهَا تَامٌّ وَبَعْضُهَا نَاقِصٌ، لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ يَوْمُ الِاثْنَيْنِ ثَانِيَ عَشَرَ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ.
وَقَدِ اشْتُهِرَ هَذَا الْإِيرَادُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ، وَقَدْ حَاوَلَ جَمَاعَةٌ الْجَوَابَ عَنْهُ وَلَا يُمْكِنُ الْجَوَابُ عَنْهُ، إِلَّا بِمَسْلَكٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ اخْتِلَافُ الْمَطَالِعِ ; بِأَنْ يَكُونَ أَهْلُ مَكَّةَ رَأَوْا هِلَالَ ذِي الْحِجَّةِ لَيْلَةَ الْخَمِيسِ، وَأَمَّا أَهْلُ الْمَدِينَةِ فَلَمْ يَرَوْهُ إِلَّا لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ، وَيُؤَيِّدُ هَذَا قَوْلُ عَائِشَةَ وَغَيْرِهَا: «خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِخَمْسٍ بَقِينَ مِنْ ذِي الْقَعْدَةِ - يَعْنِي مِنَ الْمَدِينَةِ - إِلَى حَجَّةِ الْوَدَاعِ» . وَيَتَعَيَّنُ - كَمَا ذَكَرْنَا - أَنَّهُ خَرَجَ يَوْمَ السَّبْتِ، وَلَيْسَ كَمَا زَعَمَ ابْنُ حَزْمٍ أَنَّهُ خَرَجَ يَوْمَ الْخَمِيسِ ; لِأَنَّهُ قَدْ بَقِيَ أَكْثَرُ مِنْ خَمْسٍ بِلَا شَكٍّ، وَلَا جَائِزٌ أَنْ يَكُونَ خَرَجَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ; لِأَنَّ أَنَسًا قَالَ: صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الظُّهْرَ بِالْمَدِينَةِ أَرْبَعًا، وَالْعَصْرَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْنِ. فَتَعَيَّنَ أَنَّهُ خَرَجَ يَوْمَ السَّبْتِ لِخَمْسٍ بَقِينَ، فَعَلَى هَذَا إِنَّمَا رَأَى أَهْلُ الْمَدِينَةِ

(8/109)


هِلَالَ ذِي الْحِجَّةِ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ، وَإِذَا كَانَ أَوَّلَ ذِي الْحِجَّةِ عِنْدَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ الْجُمُعَةُ، وَحُسِبَتِ الشُّهُورُ بَعْدَهُ كَوَامِلُ، يَكُونُ أَوَّلَ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ يَوْمُ الْخَمِيسِ، فَيَكُونُ ثَانِيَ عَشْرِهِ يَوْمُ الِاثْنَيْنِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَثَبَتَ فِي " الصَّحِيحَيْنِ " مِنْ حَدِيثِ مَالِكٍ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ بِالطَّوِيلِ الْبَائِنِ وَلَا بِالْقَصِيرِ، وَلَيْسَ بِالْأَبْيَضِ الْأَمْهَقِ وَلَا بِالْآدَمِ، وَلَا بِالْجَعْدِ الْقَطَطِ وَلَا بِالسَّبْطِ، بَعَثَهُ اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ، عَلَى رَأْسِ أَرْبَعِينَ سَنَةً، فَأَقَامَ بِمَكَّةَ عَشْرَ سِنِينَ وَبِالْمَدِينَةِ عَشْرَ سِنِينَ، وَتَوَفَّاهُ اللَّهُ عَلَى رَأْسِ سِتِّينَ سَنَةً، وَلَيْسَ فِي رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ عِشْرُونَ شَعْرَةً بَيْضَاءَ» . وَهَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ قُرَّةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَنَسٍ، وَعَنْ قُرَّةَ، عَنْ رَبِيعَةَ، عَنْ أَنَسٍ، مِثْلَ ذَلِكَ.
قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ: حَدِيثُ قُرَّةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ غَرِيبٌ، وَأَمَّا مِنْ رِوَايَةِ رَبِيعَةَ عَنْ أَنَسٍ، فَرَوَاهَا عَنْهُ جَمَاعَةٌ كَذَلِكَ. ثُمَّ أَسْنَدَ مِنْ طَرِيقِ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ وَرَبِيعَةَ، عَنْ أَنَسٍ، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُوُفِّيَ وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ» .
وَكَذَلِكَ رَوَاهُ ابْنُ الْبَرْبَرِيِّ وَنَافِعُ بْنُ أَبِي نُعَيْمٍ، عَنْ رَبِيعَةَ، عَنْ أَنَسٍ بِهِ. قَالَ: وَالْمَحْفُوظُ عَنْ رَبِيعَةَ، عَنْ أَنَسٍ: سِتُّونَ.
ثُمَّ أَوْرَدَهُ ابْنُ عَسَاكِرَ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ، وَالْأَوْزَاعِيِّ، وَمِسْعَرٍ، وَإِبْرَاهِيمَ بْنِ

(8/110)


طَهْمَانَ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، وَسُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ، وَأَنَسِ بْنِ عِيَاضٍ، وَالدَّرَاوَرْدِيِّ، وَمُحَمَّدِ بْنِ قَيْسٍ الْمَدَنِيِّ، كُلُّهُمْ عَنْ رَبِيعَةَ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: «تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ ابْنُ سِتِّينَ سَنَةً» .
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَنْبَأَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، ثَنَا أَبُو عَمْرِو بْنُ السَّمَّاكِ، ثَنَا حَنْبَلُ بْنُ إِسْحَاقَ، ثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، ثَنَا أَبُو غَالِبٍ الْبَاهِلِيُّ قَالَ: قُلْتُ لِأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: «بِسِنِّ أَيِّ الرِّجَالِ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ إِذْ بُعِثَ؟ قَالَ: كَانَ ابْنَ أَرْبَعِينَ سَنَةً. قَالَ: ثُمَّ كَانَ مَاذَا؟ قَالَ: كَانَ بِمَكَّةَ عَشْرَ سِنِينَ، وَبِالْمَدِينَةِ عَشْرَ سِنِينَ، فَتَمَّتْ لَهُ سِتُّونَ سَنَةً يَوْمَ قَبَضَهُ اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ، وَهُوَ كَأَشَدِّ الرِّجَالِ وَأَحْسَنِهِ وَأَجْمَلِهِ وَأَلْحَمِهِ» . وَرَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، عَنْ عَبْدِ الصَّمَدِ بْنِ عَبْدِ الْوَارِثِ، عَنْ أَبِيهِ بِهِ.
وَقَدْ رَوَى مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي غَسَّانَ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو الرَّازِيِّ الْمُلَقَّبِ بِزُنَيْجٍ، عَنْ حَكَّامِ بْنِ سَلْمٍ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ زَائِدَةَ، عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ عَدِيٍّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: «قُبِضَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ، وَقُبِضَ أَبُو بَكْرٍ وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ، وَقُبِضَ عُمَرُ وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ» . انْفَرَدَ بِهِ مُسْلِمٌ.

(8/111)


وَهَذَا لَا يُنَافِي مَا تَقَدَّمَ عَنْ أَنَسٍ ; لِأَنَّ الْعَرَبَ كَثِيرًا مَا تَحْذِفُ الْكَسْرَ.
وَثَبَتَ فِي " الصَّحِيحَيْنِ " مِنْ حَدِيثِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ سَنَةً» . قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَأَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ مِثْلَهُ.
وَرَوَى مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ وَعُقَيْلٌ، وَيُونُسُ بْنُ يَزِيدَ، وَابْنُ جُرَيْجٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ» . قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَأَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ مِثْلَ ذَلِكَ.
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: ثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، ثَنَا شَيْبَانُ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَثَ بِمَكَّةَ عَشْرَ سِنِينَ يَنْزِلُ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ، وَبِالْمَدِينَةِ عَشْرًا» . لَمْ يُخَرِّجْهُ مُسْلِمٌ.
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ فِي " مُسْنَدِهِ ": ثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ قَالَ: «قُبِضَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ، وَأَبُو بَكْرٍ وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ، وَعُمَرُ وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ» . وَهَكَذَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ غُنْدَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ، وَهُوَ مِنْ

(8/112)


أَفْرَادِهِ دُونَ الْبُخَارِيِّ. وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ، وَالصَّوَابُ مَا ذَكَرْنَاهُ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ جَرِيرٍ عَنْ مُعَاوِيَةَ، وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَامِرِ بْنِ شَرَاحِيلَ الشَّعْبِيِّ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيِّ، عَنْ مُعَاوِيَةَ، فَذَكَرَهُ.
وَرَوَى الْحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ مِنْ طَرِيقِ الْقَاضِي أَبِي يُوسُفَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: «تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ، وَتُوُفِّيَ أَبُو بَكْرٍ وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ، وَتُوُفِّيَ عُمَرُ وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ» .
وَقَالَ ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «تَذَاكَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَبُو بَكْرٍ مِيلَادَهُمَا عِنْدِي، فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكْبَرَ مِنْ أَبِي بَكْرٍ، فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ، وَتُوُفِّيَ أَبُو بَكْرٍ بَعْدَهُ وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ» .
وَقَالَ الثَّوْرِيُّ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: «تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَهُمْ بَنُو ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ» .
وَقَالَ حَنْبَلٌ: حَدَّثَنَا الْإِمَامُ أَحْمَدُ، ثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: «أُنْزِلَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وَأَرْبَعِينَ، فَأَقَامَ بِمَكَّةَ عَشْرًا، وَبِالْمَدِينَةِ عَشْرًا» . وَهَذَا غَرِيبٌ عَنْهُ، وَصَحِيحٌ إِلَيْهِ.
وَقَالَ أَحْمَدُ: ثَنَا هُشَيْمٍ، ثَنَا دَاوُدُ بْنُ أَبِي هِنْدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: «نُبِّئَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعِينَ سَنَةً، فَمَكَثَ ثَلَاثَ سِنِينَ، ثُمَّ بُعِثَ إِلَيْهِ جِبْرِيلُ

(8/113)


بِالرِّسَالَةِ، ثُمَّ مَكَثَ بَعْدَ ذَلِكَ عَشْرَ سِنِينَ، ثُمَّ هَاجَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ فَقُبِضَ وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ سَنَةً» .
قَالَ الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: الثَّبْتُ عِنْدَنَا ثَلَاثٌ وَسِتُّونَ سَنَةً.
قُلْتُ: وَهَكَذَا رَوَى مُجَاهِدٌ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، وَرَوِيَ مِنْ حَدِيثِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْهُ.
وَفِي " الصَّحِيحَيْنِ " مِنْ حَدِيثِ رَوْحِ بْنِ عُبَادَةَ، عَنْ زَكَرِيَّا بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَثَ بِمَكَّةَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ، وَتُوُفِّيَ وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ سَنَةً.
وَفِي " صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ " مِنْ حَدِيثِ رَوْحِ بْنِ عُبَادَةَ أَيْضًا، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «بُعِثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَرْبَعِينَ سَنَةً، فَمَكَثَ بِمَكَّةَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ، ثُمَّ أُمِرَ بِالْهِجْرَةِ، فَهَاجَرَ عَشْرَ سِنِينَ، ثُمَّ مَاتَ وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ» . وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، عَنْ رَوْحِ بْنِ عُبَادَةَ، وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدِ، وَيَزِيدَ بْنِ هَارُونَ، كُلُّهُمْ عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِهِ. وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عُمَرَ بْنِ شَقِيقٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فَذَكَرَ مِثْلَهُ. ثُمَّ أَوْرَدَهُ مِنْ طُرُقٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِثْلَ ذَلِكَ.

(8/114)


وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي جَمْرَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقَامَ بِمَكَّةَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ يُوحَى إِلَيْهِ، وَبِالْمَدِينَةِ عَشْرًا، وَمَاتَ وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ سَنَةً» .
وَقَدْ أَسْنَدَ الْحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ مِنْ حَدِيثِ سَلْمِ بْنِ جُنَادَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ كُرَيْبٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ» . وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِثْلَهُ. وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الْأَشْهَرُ، وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا إِسْمَاعِيلُ، عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ، حَدَّثَنِي عَمَّارٌ مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: «تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ ابْنُ خَمْسٍ وَسِتِّينَ سَنَةً» . وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ بِهِ.
وَقَالَ أَحْمَدُ: ثَنَا حَسَنُ بْنُ مُوسَى، ثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَمَّارِ بْنِ أَبِي عَمَّارٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَقَامَ بِمَكَّةَ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً ; ثَمَانِ سِنِينَ أَوْ سَبْعًا يَرَى الضَّوْءَ وَيَسْمَعُ الصَّوْتَ، وَثَمَانِيًا أَوْ سَبْعًا يُوحَى إِلَيْهِ، وَأَقَامَ

(8/115)


بِالْمَدِينَةِ عَشْرًا» . وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ بِهِ.
وَقَالَ أَحْمَدُ أَيْضًا: حَدَّثَنَا عَفَّانُ، ثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، ثَنَا يُونُسُ، عَنْ عَمَّارٍ مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ قَالَ: «سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ: كَمْ أَتَى لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ مَاتَ؟ قَالَ: مَا كُنْتُ أُرَى مِثْلَكَ فِي قَوْمِهِ يَخْفَى عَلَيْهِ ذَلِكَ! قَالَ: قُلْتُ: إِنِّي قَدْ سَأَلْتُ فَاخْتُلِفَ عَلَيَّ، فَأَحْبَبْتُ أَنْ أَعْلَمَ قَوْلَكَ فِيهِ. قَالَ أَتَحْسُبُ؟ قُلْتُ: نَعَمْ قَالَ: أَمْسِكْ ; أَرْبَعِينَ بُعِثَ لَهَا، وَخَمْسَ عَشْرَةَ أَقَامَ بِمَكَّةَ يَأْمَنُ وَيَخَافُ، وَعَشْرًا مُهَاجَرُهُ بِالْمَدِينَةِ» . وَهَكَذَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ يَزِيدَ بْنِ زُرَيْعٍ وَشُعْبَةَ بْنِ الْحَجَّاجِ، كِلَاهُمَا عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ، عَنْ عَمَّارٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِنَحْوِهِ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، ثَنَا الْعَلَاءُ بْنُ صَالِحٍ، ثَنَا الْمِنْهَالُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ «أَنَّ رَجُلًا أَتَى ابْنَ عَبَّاسٍ فَقَالَ: أُنْزِلَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشْرًا بِمَكَّةَ، وَعَشْرًا بِالْمَدِينَةِ؟ فَقَالَ: مَنْ يَقُولُ ذَلِكَ؟ لَقَدْ أُنْزِلَ عَلَيْهِ بِمَكَّةَ خَمْسَ عَشْرَةَ، وَبِالْمَدِينَةِ عَشْرًا ; خَمْسًا وَسِتِّينَ وَأَكْثَرَ» . وَهَذَا مِنْ أَفْرَادِ أَحْمَدَ إِسْنَادًا وَمَتْنًا.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا هُشَيْمٌ، ثَنَا عَلِيُّ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ مِهْرَانَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «قُبِضَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ ابْنُ خَمْسٍ وَسِتِّينَ سَنَةً» . تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ.
وَقَدْ رَوَى التِّرْمِذِيُّ فِي كِتَابِ " الشَّمَائِلِ "، وَأَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ، وَالْبَيْهَقِيُّ

(8/116)


مِنْ حَدِيثِ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، عَنْ دَغْفَلِ بْنِ حَنْظَلَةَ الشَّيْبَانِيِّ النَّسَّابَةِ، أَنَّ «النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُبِضَ وَهُوَ ابْنُ خَمْسٍ وَسِتِّينَ» . ثُمَّ قَالَ التِّرْمِذِيُّ: دَغْفَلٌ لَا يُعْرَفُ لَهُ سَمَاعٌ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ كَانَ فِي زَمَانِهِ رَجُلًا. وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَهَذَا يُوَافِقُ رِوَايَةَ عَمَّارٍ وَمَنْ تَابَعَهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَرِوَايَةُ الْجَمَاعَةِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: فِي ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ. أَصَحُّ، فَهُمْ أَوْثَقُ وَأَكْثَرُ، وَرِوَايَتُهُمْ تُوَافِقُ الرِّوَايَةِ الصَّحِيحَةِ عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَنَسٍ، وَالرِّوَايَةُ الصَّحِيحَةُ عَنْ مُعَاوِيَةَ، وَهِيَ قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَعَامِرٍ الشَّعْبِيِّ، وَأَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ. قُلْتُ: وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ وَالْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، وَعَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، وَغَيْرِ وَاحِدٍ.
وَمِنَ الْأَقْوَالِ الْغَرِيبَةِ مَا رَوَاهُ خَلِيفَةُ بْنُ خَيَّاطٍ عَنْ مُعَاذِ بْنِ هِشَامٍ: حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: «تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ ابْنُ اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ سَنَةً» . وَرَوَاهُ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى، عَنْ مُعَاذِ بْنِ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ قَتَادَةَ، مِثْلَهُ. وَرَوَاهُ زَيْدٌ الْعَمِّيُّ، عَنْ يَزِيدَ، عَنْ أَنَسٍ.
وَمِنْ ذَلِكَ مَا رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَائِذٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ حُمَيْدٍ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ

(8/117)


الْمُنْذِرِ الْغَسَّانِيِّ، عَنْ مَكْحُولٍ قَالَ: «تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ ابْنُ اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ سَنَةً وَأَشْهَرٍ» .
وَرَوَاهُ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ بَكَّارٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ شُعَيْبٍ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ الْمُنْذِرِ، عَنْ مَكْحُولٍ قَالَ: «تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ ابْنُ اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ سَنَةً وَنِصْفٍ» .
وَأَغْرَبُ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ مَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، عَنْ رَوْحٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: «نَزَلَ الْقُرْآنُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَمَانِي سِنِينَ بِمَكَّةَ، وَعَشْرًا بَعْدَ مَا هَاجَرَ» . فَإِنْ كَانَ الْحَسَنُ مِمَّنْ يَقُولُ بِقَوْلِ الْجُمْهُورِ وَهُوَ أَنَّهُ، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، أُنْزِلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ وَعُمُرُهُ أَرْبَعُونَ سَنَةً، فَقَدْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّهُ، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، عَاشَ ثَمَانِيًا وَخَمْسِينَ سَنَةً. وَهَذَا غَرِيبٌ جِدًّا.
لَكِنْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسَدَّدٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ، عَنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ قَالَ: «تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ ابْنُ سِتِّينَ سَنَةً» .
وَقَالَ خَلِيفَةُ بْنُ خَيَّاطٍ حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ أَشْعَثَ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: «بُعِثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ ابْنُ خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ، فَأَقَامَ بِمَكَّةَ عَشْرًا، وَبِالْمَدِينَةِ ثَمَانِيًا، وَتُوُفِّيَ وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ» . وَهَذَا بِهَذِهِ الصِّفَةِ غَرِيبٌ جِدًّا.

(8/118)


[صِفَةُ غَسْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ]
قَدْ قَدَّمْنَا أَنَّهُمْ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، اشْتَغَلُوا بِبَيْعَةِ الصِّدِّيقِ بَقِيَّةَ يَوْمِ الِاثْنَيْنِ وَبَعْضَ يَوْمِ الثُّلَاثَاءِ، فَلَمَّا تَمَهَّدَتْ وَتَوَطَّدَتْ وَتَمَّتْ، شَرَعُوا بَعْدَ ذَلِكَ فِي تَجْهِيزِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مُقْتَدِينَ فِي كُلِّ مَا أَشْكَلَ عَلَيْهِمْ بِأَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَلَمَّا بُويِعَ أَبُو بَكْرٍ أَقْبَلَ النَّاسُ عَلَى جِهَازِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُوُفِّيَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَدُفِنَ لَيْلَةَ الْأَرْبِعَاءِ» .
وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، ثَنَا أَبُو بُرْدَةَ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: «لَمَّا أَخَذُوا فِي غَسْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَادَاهُمْ مُنَادٍ مِنَ الدَّاخِلِ أَنْ لَا تُجَرِّدُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَمِيصَهُ» . وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ أَبِي مُعَاوِيَةَ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، وَاسْمُهُ عَمْرُو بْنُ يَزِيدَ التَّمِيمِيُّ، كُوفِيٌّ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِيهِ: سَمِعْتُ عَائِشَةَ تَقُولُ: «لَمَّا أَرَادُوا غَسْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالُوا: مَا نَدْرِي أَنُجَرِّدُ

(8/119)


رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ ثِيَابِهِ كَمَا نُجَرِّدُ مَوْتَانَا، أَمْ نُغَسِّلُهُ، وَعَلَيْهِ ثِيَابُهُ؟ فَلَمَّا اخْتَلَفُوا أَلْقَى اللَّهُ عَلَيْهِمُ النَّوْمَ، حَتَّى مَا مِنْهُمْ رَجُلٌ إِلَّا وَذَقَنُهُ فِي صَدْرِهِ، ثُمَّ كَلَّمَهُمْ مُكَلِّمٌ مِنْ نَاحِيَةِ الْبَيْتِ لَا يَدْرُونَ مَنْ هُوَ، أَنْ غَسِّلُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَيْهِ ثِيَابُهُ. فَقَامُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَغَسَّلُوهُ وَعَلَيْهِ قَمِيصٌ، يَصُبُّونَ الْمَاءَ فَوْقَ الْقَمِيصِ فَيُدَلِّكُونَهُ بِالْقَمِيصِ دُونَ أَيْدِيهِمْ،» فَكَانَتْ عَائِشَةُ تَقُولُ: لَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ مَا غَسَّلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا نِسَاؤُهُ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ إِسْحَاقَ
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ، ثَنَا أَبِي، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنِي حُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: اجْتَمَعَ الْقَوْمُ لِغَسْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَيْسَ فِي الْبَيْتِ إِلَّا أَهْلُهُ ; عَمُّهُ الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَالْفَضْلُ بْنُ عَبَّاسٍ، وَقُثَمُ بْنُ الْعَبَّاسِ، وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ، وَصَالِحٌ مَوْلَاهُ، فَلَمَّا اجْتَمَعُوا لِغَسْلِهِ نَادَى مِنْ وَرَاءِ الْبَابِ أَوْسُ بْنُ خَوْلِيٍّ الْأَنْصَارِيُّ، أَحَدُ بَنِي عَوْفِ بْنِ الْخَزْرَجِ، وَكَانَ بَدْرِيًّا، عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ: يَا عَلِيُّ، نَشَدْتُكَ اللَّهَ وَحَظَّنَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: ادْخُلْ. فَدَخَلَ، فَحَضَرَ غَسْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَلِ مِنْ غَسْلِهِ شَيْئًا، فَأَسْنَدَهُ عَلِيٌّ إِلَى صَدْرِهِ وَعَلَيْهِ قَمِيصُهُ، وَكَانَ الْعَبَّاسُ وَفَضْلٌ وَقُثَمُ يُقَلِّبُونَهُ مَعَ عَلِيٍّ، وَكَانَ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ وَصَالِحٌ مَوْلَاهُمَا يَصُبَّانِ الْمَاءَ، وَجَعَلَ عَلِيٌّ يَغْسِلُهُ، وَلَمْ يَرَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ

(8/120)


صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا مِمَّا يَرَاهُ مِنَ الْمَيِّتِ وَهُوَ يَقُولُ: بِأَبِي وَأُمِّي، مَا أَطْيَبَكَ حَيًّا وَمَيِّتًا. حَتَّى إِذَا فَرَغُوا مِنْ غَسْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ يُغَسَّلُ بِالْمَاءِ وَالسِّدْرِ، جَفَّفُوهُ ثُمَّ صُنِعَ بِهِ مَا يُصْنَعُ بِالْمَيِّتِ، ثُمَّ أُدْرِجَ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ ; ثَوْبَيْنِ أَبْيَضَيْنِ، وَبُرَدِ حِبَرَةٍ. قَالَ: ثُمَّ دَعَا الْعَبَّاسُ رَجُلَيْنِ، فَقَالَ: لِيَذْهَبْ أَحَدُكُمَا إِلَى أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ - وَكَانَ أَبُو عُبَيْدَةَ يَضْرُحُ لِأَهْلِ مَكَّةَ - وَلْيَذْهَبِ الْآخَرُ إِلَى أَبِي طَلْحَةَ بْنِ سَهْلٍ الْأَنْصَارِيِّ. وَكَانَ أَبُو طَلْحَةَ يَلْحَدُ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ. قَالَ: ثُمَّ قَالَ الْعَبَّاسُ حِينَ سَرَّحَهُمَا: اللَّهُمَّ خِرْ لِرَسُولِكَ. قَالَ: فَذَهَبَا فَلَمْ يَجِدْ صَاحِبُ أَبِي عُبَيْدَةَ أَبَا عُبَيْدَةَ، وَوَجَدَ صَاحِبُ أَبِي طَلْحَةَ أَبَا طَلْحَةَ فَجَاءَ بِهِ، فَلَحَدَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. انْفَرَدَ بِهِ أَحْمَدُ.
وَقَالَ يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ الْمُنْذِرِ بْنِ ثَعْلَبَةَ، عَنِ الْعِلْبَاءِ بْنِ أَحْمَرَ قَالَ: «كَانَ عَلِيٌّ وَالْفَضْلُ يُغَسِّلَانِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَنُودِيَ عَلِيٌّ: ارْفَعْ طَرْفَكَ إِلَى السَّمَاءِ» . وَهَذَا مُنْقَطِعٌ
قُلْتُ: وَقَدْ رَوَى بَعْضُ أَهْلِ السُّنَنِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ: «يَا عَلِيُّ، لَا تَبِدْ فَخِذَكَ، وَلَا تَنْظُرْ إِلَى فَخِذِ حَيٍّ وَلَا مَيِّتٍ» وَهَذَا فِيهِ إِشْعَارٌ بِأَمْرِهِ لَهُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ: أَنْبَأَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ

(8/121)


يَعْقُوبَ، ثَنَا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، ثَنَا مُسَدَّدٌ، ثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ، ثَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: قَالَ عَلِيٌّ: «غَسَّلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَهَبْتُ أَنْظُرُ مَا يَكُونُ مِنَ الْمَيِّتِ فَلَمْ أَرَ شَيْئًا، وَكَانَ طَيِّبًا حَيًّا وَمَيِّتًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» . وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ فِي " الْمَرَاسِيلِ " وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ مَعْمَرٍ بِهِ. زَادَ الْبَيْهَقِيُّ فِي رِوَايَتِهِ: قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَقَدْ وَلِيَ دَفْنُهُ، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، أَرْبَعَةٌ عَلِيٌّ، وَالْعَبَّاسُ، وَالْفَضْلُ، وَصَالِحٌ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَحَدَوَا لَهُ لَحْدًا، وَنَصَبُوا عَلَيْهِ اللَّبِنَ نَصْبًا.
وَقَدْ رُوِيَ نَحْوُ هَذَا عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ التَّابِعَيْنِ، مِنْهُمْ ; عَامِرٌ الشَّعْبِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ قَيْسٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَارِثِ، وَغَيْرُهُمْ بِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ يَطُولُ بَسْطُهَا هَاهُنَا.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَرَوَى أَبُو عَمْرٍو كَيْسَانُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ بِلَالٍ، سَمِعْتُ عَلِيًّا يَقُولُ: «أَوْصَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ لَا يُغَسِّلَهُ أَحَدٌ غَيْرِي فَإِنَّهُ لَا يَرَى أَحَدٌ عَوْرَتِي إِلَّا طُمِسَتْ عَيْنَاهُ. قَالَ عَلِيٌّ: فَكَانَ الْعَبَّاسُ وَأُسَامَةُ يُنَاوِلَانِي الْمَاءَ مِنْ وَرَاءِ السِّتْرِ. قَالَ عَلِيٌّ: فَمَا تَنَاوَلْتُ عُضْوًا إِلَّا كَأَنَّهُ يُقَلِّبُهُ مَعِي ثَلَاثُونَ رَجُلًا، حَتَّى فَرَغْتُ مِنْ غَسْلِهِ» .
وَقَدْ أَسْنَدَ هَذَا الْحَدِيثَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ فِي " مُسْنَدِهِ "، فَقَالَ: حَدَّثَنَا

(8/122)


مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ، ثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ النُّعْمَانِ، ثَنَا كَيْسَانُ أَبُو عَمْرٍو، عَنْ يَزِيدَ بْنِ بِلَالٍ قَالَ: قَالَ عَلِيٌّ: «أَوْصَانِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ لَا يُغَسِّلَهُ أَحَدٌ غَيْرِي ; " فَإِنَّهُ لَا يَرَى أَحَدٌ عَوْرَتِي إِلَّا طُمِسَتْ عَيْنَاهُ ". قَالَ عَلِيٌّ: فَكَانَ الْعَبَّاسُ وَأُسَامَةُ يُنَاوِلَانِي الْمَاءَ مِنْ وَرَاءِ السِّتْرِ» . قُلْتُ: هَذَا غَرِيبٌ جِدًّا.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى بْنِ الْفَضْلِ، ثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ، ثَنَا أَسِيدُ بْنُ عَاصِمٍ، ثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ حَفْصٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ جُرَيْجٍ، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ أَبَا جَعْفَرٍ قَالَ: «غُسِّلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالسِّدْرِ ثَلَاثًا، وَغُسِّلَ وَعَلَيْهِ قَمِيصٌ، وَغُسِّلَ مِنْ بِئْرٍ كَانَ يُقَالُ لَهُ: الْغَرْسُ. بِقُبَاءٍ كَانَتْ لِسَعْدِ بْنِ خَيْثَمَةَ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَشْرَبُ مِنْهَا، وَوَلِيَ غَسْلُهُ عَلِيٌّ، وَالْفَضْلُ مُحْتَضِنُهُ، وَالْعَبَّاسُ يَصُبُّ الْمَاءَ، فَجَعَلَ الْفَضْلُ يَقُولُ: أَرِحْنِي قَطَعْتَ وَتِينِي، إِنِّي لِأَجِدُ شَيْئًا يَتَرَطَّلُ عَلَيَّ» .
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: ثَنَا عَاصِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَكَمِيُّ، عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «نِعْمَ الْبِئْرُ بِئْرُ غَرْسٍ هِيَ مِنْ عُيُونِ الْجَنَّةِ، وَمَاؤُهَا أَطْيَبُ الْمِيَاهِ " وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ يُسْتَعْذَبُ لَهُ مِنْهَا، وَغُسِّلَ مِنْ بِئْرِ غَرْسٍ» .
وَقَالَ سَيْفُ بْنُ عُمَرَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَوْنٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ

(8/123)


قَالَ: «لَمَّا فُرِغَ مِنَ الْقَبْرِ وَصَلَّى النَّاسُ الظُّهْرَ، أَخَذَ الْعَبَّاسُ فِي غَسْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَضَرَبَ عَلَيْهِ كِلَّةً مِنْ ثِيَابٍ يَمَانِيَةٍ صِفَاقٍ فِي جَوْفِ الْبَيْتِ، فَدَخَلَ الْكِلَّةَ، وَدَعَا عَلِيًّا وَالْفَضْلَ، فَكَانَ إِذَا ذَهَبَ إِلَى الْمَاءِ لِيُعَاطِيَهُمَا دَعَا أَبَا سُفْيَانَ بْنَ الْحَارِثِ فَأَدْخَلَهُ، وَرِجَالٌ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ مِنْ وَرَاءِ الْكِلَّةِ وَمَنْ أُدْخِلَ مِنَ الْأَنْصَارِ حَيْثُ نَاشَدُوا أَبِي وَسَأَلُوهُ، مِنْهُمْ أَوْسُ بْنُ خَوْلِيٍّ،» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ.
ثُمَّ قَالَ سَيْفٌ، عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ يَرْبُوعٍ الْحَنَفِيِّ، عَنْ مَاهَانَ الْحَنَفِيِّ، «عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَذَكَرَ ضَرَبَ الْكِلَّةِ، وَأَنَّ الْعَبَّاسَ أَدْخَلَ فِيهَا عَلِيًّا وَالْفَضْلَ وَأَبَا سُفْيَانَ وَأُسَامَةَ، وَرِجَالٌ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ مِنْ وَرَاءِ الْكِلَّةِ فِي الْبَيْتِ، فَذَكَرَ أَنَّهُمْ أُلْقِيَ عَلَيْهِمُ النُّعَاسُ، فَسَمِعُوا قَائِلًا يَقُولُ: لَا تُغَسِّلُوا رَسُولَ اللَّهِ ; فَإِنَّهُ كَانَ طَاهِرًا. فَقَالَ الْعَبَّاسُ: أَلَا بَلَى. وَقَالَ أَهْلُ الْبَيْتِ: صَدَقَ، فَلَا تُغَسِّلُوهُ. فَقَالَ الْعَبَّاسُ: لَا نَدَعُ سُنَّتَهُ لِصَوْتٍ لَا نَدْرِي مَا هُوَ. وَغَشِيَهُمُ النُّعَاسُ ثَانِيَةً فَنَادَاهُمْ أَنْ غَسِّلُوهُ وَعَلَيْهِ ثِيَابُهُ. فَقَالَ أَهْلُ الْبَيْتِ: أَلَا لَا. وَقَالَ الْعَبَّاسُ: أَلَا نَعَمْ. فَشَرَعُوا فِي غَسْلِهِ وَعَلَيْهِ قَمِيصٌ وَمِجْوَلٌ مَفْتُوحٌ، فَغَسَّلُوهُ بِالْمَاءِ الْقَرَاحِ، وَطَيَّبُوهُ بِالْكَافُورِ فِي مَوَاضِعِ سُجُودِهِ وَمَفَاصِلِهِ، وَاعْتُصِرَ قَمِيصُهُ وَمِجْوَلُهُ، ثُمَّ أُدْرِجَ فِي أَكْفَانِهِ، وَجَمَّرُوهُ عُودًا وَنَدًّا، ثُمَّ احْتَمَلُوهُ حَتَّى وَضَعُوهُ عَلَى سَرِيرِهِ، وَسَجَّوْهُ» . وَهَذَا السِّيَاقُ فِيهِ غَرَابَةٌ جِدًّا.

(8/124)


[فَصْلٌ فِي صِفَةِ كَفَنِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ]
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، ثَنَا الْأَوْزَاعِيُّ، حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ، عَنِ الْقَاسِمِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «أُدْرِجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ثَوْبِ حِبَرَةٍ ثُمَّ أُخِذَ عَنْهُ» . قَالَ الْقَاسِمُ: إِنَّ بَقَايَا ذَلِكَ الثَّوْبِ لِعِنْدِنَا بَعْدُ. وَهَذَا الْإِسْنَادُ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ. وَإِنَّمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَالنَّسَائِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُثَنَّى، وَمُجَاهِدِ بْنِ مُوسَى، فَرَّقَهُمَا، كُلُّهُمْ عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ بِهِ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ الشَّافِعِيُّ: ثَنَا مَالِكٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «كُفِّنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ بِيضٍ سَحُولِيَّةٍ لَيْسَ فِيهَا قَمِيصٌ، وَلَا عِمَامَةٌ» . وَكَذَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي أُوَيْسٍ، عَنْ مَالِكٍ بِهِ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ

(8/125)


قَالَتْ: «كُفِّنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ سَحُولِيَّةٍ بَيْضٍ» . وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، كِلَاهُمَا عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ بِهِ.
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: ثَنَا قُتَيْبَةُ، ثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُفِّنَ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ بِيضٍ يَمَانِيَةٍ مِنْ كُرْسُفٍ لَيْسَ فِيهَا قَمِيصٌ وَلَا عِمَامَةٌ» . قَالَ: فَذُكِرَ لِعَائِشَةَ قَوْلُهُمْ: فِي ثَوْبَيْنِ وَبُرْدِ حِبَرَةٍ. فَقَالَتْ: قَدْ أُتِيَ بِالْبُرْدِ، وَلَكِنَّهُمْ رَدُّوهُ وَلَمْ يُكَفِّنُوهُ فِيهِ. وَهَكَذَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ بِهِ.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَنْبَأَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أَنْبَأَنَا أَبُو الْفَضْلِ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَلَمَةَ، ثَنَا هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ، ثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «كُفِّنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ بِيضٍ سَحُولِيَّةٍ مِنْ كُرْسُفٍ لَيْسَ فِيهَا قَمِيصٌ وَلَا عِمَامَةٌ، فَأَمَّا الْحُلَّةُ فَإِنَّمَا شُبِّهَ عَلَى النَّاسِ فِيهَا، إِنَّمَا اشْتُرِيَتْ لَهُ حُلَّةٌ، لِيُكَفَّنَ فِيهَا، فَتُرِكَتْ، فَأَخَذَهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ: لَأَحْبِسَنَّهَا لِنَفْسِي ; حَتَّى أُكَفَّنَ فِيهَا. ثُمَّ قَالَ: لَوْ رَضِيَهَا

(8/126)


اللَّهُ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَكَفَّنَهُ فِيهَا. فَبَاعَهَا وَتَصَدَّقَ بِثَمَنِهَا» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي " الصَّحِيحِ "، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، وَغَيْرِهِ، عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ.
ثُمَّ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ، عَنِ الْحَاكِمِ، عَنِ الْأَصَمِّ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ، عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «كُفِّنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بُرْدِ حِبَرَةٍ كَانَتْ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، وَلُفَّ فِيهَا، ثُمَّ نُزِعَتْ عَنْهُ، فَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ قَدْ أَمْسَكَ تِلْكَ الْحُلَّةَ لِنَفْسِهِ ; حَتَّى يُكَفَّنَ فِيهَا إِذَا مَاتَ، ثُمَّ قَالَ بَعْدَ أَنْ أَمْسَكَهَا: مَا كُنْتُ أُمْسِكُ لِنَفْسِي شَيْئًا مَنَعَ اللَّهُ رَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُكَفَّنَ فِيهِ. فَتَصَدَّقَ بِثَمَنِهَا عَبْدُ اللَّهِ» .
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «كُفِّنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ سَحُولِيَّةٍ بَيْضٍ» . وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْهِ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ.
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا مِسْكِينُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ سَعِيدٍ، يَعْنِي ابْنَ

(8/127)


عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ: قَالَ مَكْحُولٌ: حَدَّثَنِي عُرْوَةُ، عَنْ عَائِشَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُفِّنَ فِي ثَلَاثَةٍ رِيَاطٍ يَمَانِيَةٍ» . انْفَرَدَ بِهِ أَحْمَدُ.
وَقَالَ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ: ثَنَا سَهْلُ بْنُ حَبِيبٍ الْأَنْصَارِيُّ، ثَنَا عَاصِمُ بْنُ هِلَالٍ إِمَامُ مَسْجِدِ أَيُّوبَ، ثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: «كُفِّنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ بِيضٍ سَحُولِيَّةٍ» .
وَقَالَ سُفْيَانُ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ سَالِمٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُفِّنَ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ» . وَوَقَعَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ: ثَوْبَيْنِ صُحَارِيَّيْنِ وَبُرْدِ حِبَرَةٍ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ، ثَنَا يَزِيدُ، عَنْ مِقْسَمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُفِّنَ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ ; فِي قَمِيصِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، وَحُلَّةٍ نَجْرَانِيَّةٍ،» الْحُلَّةُ ثَوْبَانِ.
وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَعُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، وَابْنُ مَاجَهْ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ، ثَلَاثَتُهُمْ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إِدْرِيسَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي

(8/128)


زِيَادٍ، عَنْ مِقْسَمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِنَحْوِهِ. وَهَذَا غَرِيبٌ جِدًّا.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ أَيْضًا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، ثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مِقْسَمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «كُفِّنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ثَوْبَيْنِ أَبْيَضَيْنِ، وَبُرْدٍ أَحْمَرَ» . انْفَرَدَ بِهِ أَحْمَدُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الشَّافِعِيُّ: ثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ، ثَنَا حُمَيْدُ بْنُ الرَّبِيعِ، ثَنَا بَكْرٌ، يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، ثَنَا عِيسَى، يَعْنِي ابْنَ الْمُخْتَارِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، هُوَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ الْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «كُفِّنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ثَوْبَيْنِ أَبْيَضَيْنِ، وَبُرْدٍ أَحْمَرَ» .
وَقَالَ أَبُو يَعْلَى: ثَنَا سُلَيْمَانُ الشَّاذَكُونِيُّ، ثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي الْهَيْثَمِ، ثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عَطَاءٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ الْفَضْلِ قَالَ: «كُفِّنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ثَوْبَيْنِ أَبْيَضَيْنِ سَحُولِيَّيْنِ» . زَادَ فِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى: وَبُرْدٍ أَحْمَرَ.

(8/129)


وَقَدْ رَوَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ، عَنْ أَبِي إِسْمَاعِيلَ الْمُؤَدِّبِ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ عَطَاءٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ الْفَضْلِ قَالَ: «كُفِّنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ثَوْبَيْنِ أَبْيَضَيْنِ» . وَفِي رِوَايَةٍ: سَحُولِيَّيْنِ. فَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَرَوَى الْحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي طَاهِرٍ الْمُخَلِّصِ، ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ الْبُهْلُولِ، ثَنَا عَبَّادُ بْنُ يَعْقُوبَ، ثَنَا شَرِيكٌ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: «وَقَعْتُ عَلَى مَجْلِسِ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَهُمْ مُتَوَافِرُونَ، فَقُلْتُ لَهُمْ: فِي كَمْ كُفِّنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالُوا: فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ لَيْسَ فِيهَا قَمِيصٌ وَلَا قَبَاءٌ وَلَا عِمَامَةٌ. قُلْتُ: كَمْ أُسِرَ مِنْكُمْ يَوْمَ بَدْرٍ؟ قَالُوا: الْعَبَّاسُ وَنَوْفَلٌ وَعَقِيلٌ» .
وَقَدْ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ زَيْنِ الْعَابِدِينَ أَنَّهُ قَالَ: «كُفِّنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ ; أَحَدُهَا بُرْدُ حِبَرَةٍ» .
وَقَدْ سَاقَهُ الْحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ مِنْ طَرِيقٍ فِي صِحَّتِهَا نَظَرٌ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: «كَفَّنْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ثَوْبَيْنِ سَحُولِيَّيْنِ وَبُرْدِ حِبَرَةٍ» .

(8/130)


وَقَدْ قَالَ أَبُو سَعِيدِ بْنُ الْأَعْرَابِيِّ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْوَلِيدِ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، ثَنَا هِشَامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: «كُفِّنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رَيْطَتَيْنِ وَبُرْدٍ نَجْرَانِيٍّ» . وَكَذَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، عَنْ هِشَامٍ، وَعِمْرَانَ الْقَطَّانِ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِهِ.
وَقَدْ رَوَاهُ الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَسَدِ بْنِ مُوسَى، ثَنَا نَصْرُ بْنُ طَرِيفٍ، عَنْ قَتَادَةَ، ثَنَا ابْنُ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُفِّنَ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ، أَحَدُهَا بُرْدٌ نَجْرَانِيٌّ» .
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَفِيمَا رُوِّينَا عَنْ عَائِشَةَ بَيَانُ سَبَبِ الِاشْتِبَاهِ عَلَى النَّاسِ ; وَأَنَّ الْحِبَرَةَ أُخِّرَتْ عَنْهُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
ثُمَّ رَوَى الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ، مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ خُزَيْمَةَ، ثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الرُّؤَاسِيُّ، عَنْ حَسَنِ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ هَارُونَ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: «كَانَ عِنْدَ عَلِيٍّ مِسْكٌ، فَأَوْصَى أَنْ يُحَنَّطَ بِهِ، وَقَالَ: هُوَ مِنْ فَضْلِ حَنُوطِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» . وَرَوَاهُ مِنْ طَرِيقِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُوسَى، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ حَسَنٍ، عَنْ هَارُونَ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَلِيٍّ، فَذَكَرَهُ.

(8/131)


[فَصْلٌ فِي كَيْفِيَّةِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ]
وَقَدْ تَقَدَّمَ الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ الْأَشْعَثِ بْنِ طَلِيقٍ، وَالْبَزَّارُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ الْأَصْبَهَانِيِّ، كِلَاهُمَا عَنْ مُرَّةَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ «فِي وَصِيَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُغَسِّلَهُ رِجَالُ أَهْلِ بَيْتِهِ، وَأَنَّهُ قَالَ: كَفِّنُونِي فِي ثِيَابِي هَذِهِ، أَوْ فِي يَمَنِيَّةٍ أَوْ بَيَاضِ مِصْرَ وَأَنَّهُ إِذَا كَفَّنُوهُ يَضَعُونَهُ عَلَى شَفِيرِ قَبْرِهِ، ثُمَّ يَخْرُجُونَ عَنْهُ حَتَّى تُصَلِّيَ عَلَيْهِ الْمَلَائِكَةُ، ثُمَّ يَدْخُلُ عَلَيْهِ رِجَالُ أَهْلِ بَيْتِهِ فَيُصَلُّونَ عَلَيْهِ، ثُمَّ النَّاسُ بَعْدَهُمْ فُرَادَى» . الْحَدِيثَ بِتَمَامِهِ، وَفِي صِحَّتِهِ نَظَرٌ كَمَا قَدَّمْنَا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «لَمَّا مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُدْخِلَ الرِّجَالُ، فَصَلَّوْا عَلَيْهِ بِغَيْرِ إِمَامٍ أَرْسَالًا حَتَّى فَرَغُوا، ثُمَّ أُدْخِلَ النِّسَاءُ فَصَلَّيْنَ عَلَيْهِ، ثُمَّ أُدْخِلَ الصِّبْيَانُ فَصَلَّوْا عَلَيْهِ، ثُمَّ أُدْخِلَ الْعَبِيدُ فَصَلَّوْا عَلَيْهِ أَرْسَالًا، لَمْ يَؤُمَّهُمْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَدٌ» .
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنِي أُبَيُّ بْنُ عَبَّاسِ بْنِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ

(8/132)


جَدِّهِ قَالَ: «لَمَّا أُدْرِجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَكْفَانِهِ وُضِعَ عَلَى سَرِيرِهِ، ثُمَّ وُضِعَ عَلَى شَفِيرِ حُفْرَتِهِ، ثُمَّ كَانَ النَّاسُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِ رُفَقَاءَ رُفَقَاءَ لَا يَؤُمُّهُمْ أَحَدٌ» .
قَالَ الْوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: وَجَدْتُ كِتَابًا بِخَطِّ أَبِي فِيهِ أَنَّهُ لَمَّا كُفِّنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَوُضِعَ عَلَى سَرِيرِهِ، دَخَلَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، وَمَعَهُمَا نَفَرٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ بِقَدْرِ مَا يَسَعُ الْبَيْتُ فَقَالَا: السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ. وَسَلَّمَ الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ كَمَا سَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، ثُمَّ صُفُّوا صُفُوفًا لَا يَؤُمُّهُمْ أَحَدٌ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَهُمَا فِي الصَّفِّ الْأَوَّلِ حِيَالَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اللَّهُمَّ إِنَّا نَشْهَدُ أَنَّهُ قَدْ بَلَّغَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ، وَنَصَحَ لِأُمَّتِهِ، وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ حَتَّى أَعَزَّ اللَّهُ تَعَالَى دِينَهُ وَتَمَّتْ كَلِمَتُهُ، وَأُومِنَ بِهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، فَاجْعَلْنَا إِلَهَنَا مِمَّنْ يَتَّبِعُ الْقَوْلَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ، وَاجْمَعْ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ حَتَّى تُعَرِّفَهُ بِنَا وَتُعَرِّفَنَا بِهِ، فَإِنَّهُ كَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفًا رَحِيمًا، لَا نَبْتَغِي بِالْإِيمَانِ بَدَلًا وَلَا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا أَبَدًا. فَيَقُولُ النَّاسُ: آمِينَ آمِينَ. وَيَخْرُجُونَ وَيَدْخُلُ آخَرُونَ حَتَّى صَلَّى الرِّجَالُ، ثُمَّ النِّسَاءُ، ثُمَّ الصِّبْيَانُ.
وَقَدْ قِيلَ إِنَّهُمْ صَلَّوْا عَلَيْهِ مِنْ بَعْدِ الزَّوَالِ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ إِلَى مِثْلِهِ مِنْ يَوْمِ الثُّلَاثَاءِ. وَقِيلَ: إِنَّهُمْ مَكَثُوا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ يُصَلُّونَ عَلَيْهِ. كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُ ذَلِكَ قَرِيبًا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

(8/133)


وَهَذَا الصَّنِيعُ، وَهُوَ صَلَاتُهُمْ عَلَيْهِ فُرَادَى لَمْ يَؤُمَّهُمْ أَحَدٌ عَلَيْهِ، أَمْرٌ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ لَا خِلَافَ فِيهِ، وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي تَعْلِيلِهِ ; فَلَوْ صَحَّ الْحَدِيثُ الَّذِي أَوْرَدْنَاهُ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ لَكَانَ نَصًّا فِي ذَلِكَ، وَيَكُونُ مِنْ بَابِ التَّعَبُّدِ الَّذِي يَعْسُرُ تَعَقُّلِ مَعْنَاهُ، وَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ: إِنَّهُمْ إِنَّمَا صَلَّوْا عَلَيْهِ كَذَلِكَ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ إِمَامٌ. لِأَنَّا قَدْ قَدَّمْنَا أَنَّهُمْ إِنَّمَا شَرَعُوا فِي تَجْهِيزِهِ، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، بَعْدَ تَمَامِ بَيْعَةِ أَبِي بَكْرٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَرْضَاهُ، وَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: إِنَّمَا لَمْ يَؤُمَّهُمْ أَحَدٌ ; لِيُبَاشِرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ النَّاسِ الصَّلَاةَ عَلَيْهِ مِنْهُ إِلَيْهِ، وَلِتُكَرَّرَ صَلَاةُ الْمُسْلِمِينَ عَلَيْهِ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ، مِنْ كُلِّ فَرْدٍ فَرْدٍ مِنْ آحَادِ الصَّحَابَةِ، رِجَالُهُمْ وَنِسَاؤُهُمْ وَصِبْيَانُهُمْ حَتَّى الْعَبِيدُ وَالْإِمَاءُ.
وَأَمَّا السُّهَيْلِيُّ فَقَالَ مَا حَاصِلُهُ: إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَخْبَرَ أَنَّهُ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَيْهِ، وَأَمَرَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ ; فَوَجَبَ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ أَنْ يُبَاشِرَ الصَّلَاةَ عَلَيْهِ مِنْهُ إِلَيْهِ، وَالصَّلَاةُ عَلَيْهِ بَعْدَ مَوْتِهِ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ. قَالَ: وَأَيْضًا فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَنَا فِي ذَلِكَ أَئِمَّةٌ. فَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَدِ اخْتَلَفَ الْمُتَأَخِّرُونَ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ فِي مَشْرُوعِيَّةِ الصَّلَاةِ عَلَى قَبْرِهِ لِغَيْرِ الصَّحَابَةِ ; فَقِيلَ: نَعَمْ ; لِأَنَّ جَسَدَهُ، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ طَرِيٌّ فِي قَبْرِهِ، لِأَنَّ اللَّهَ قَدْ حَرَّمَ عَلَى الْأَرْضِ أَنْ تَأْكُلَ أَجْسَادَ الْأَنْبِيَاءِ، كَمَا وَرَدَ

(8/134)


بِذَلِكَ الْحَدِيثُ فِي السُّنَنِ وَغَيْرِهَا فَهُوَ كَالْمَيِّتِ الْيَوْمَ. وَقَالَ آخَرُونَ: لَا يَفْعَلُ ; لِأَنَّ السَّلَفَ مِمَّنْ بَعْدَ الصَّحَابَةِ لَمْ يَفْعَلُوهُ، وَلَوْ كَانَ مَشْرُوعًا لَبَادَرُوا إِلَيْهِ وَلَثَابَرُوا عَلَيْهِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

(8/135)


[فَصْلٌ فِي صِفَةِ دَفْنِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَأَيْنَ دُفِنَ]
َ، وَذِكْرِ الْخِلَافِ فِي دَفْنِهِ لَيْلًا كَانَ أَمْ نَهَارًا
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، ثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِي أَبِي - وَهُوَ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ جُرَيْجٍ - أَنَّ أَصْحَابَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَمْ يَدْرُوا أَيْنَ يَقْبُرُونَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى قَالَ أَبُو بَكْرٍ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَمْ يُقْبَرْ نَبِيٌّ إِلَّا حَيْثُ يَمُوتُ " فَأَخَّرُوا فِرَاشَهُ، وَحَفَرُوا لَهُ تَحْتَ فِرَاشِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» . وَهَذَا فِيهِ انْقِطَاعٌ بَيْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ جُرَيْجٍ وَبَيْنَ الصِّدِّيقِ، فَإِنَّهُ لَمْ يُدْرِكْهُ.
لَكِنْ رَوَاهُ الْحَافِظُ أَبُو يَعْلَى مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةَ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، فَقَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُوسَى الْهَرَوِيُّ، ثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «اخْتَلَفُوا فِي دَفْنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ قُبِضَ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " لَا يُقْبَضُ النَّبِيُّ إِلَّا فِي أَحَبِّ الْأَمْكِنَةِ إِلَيْهِ " فَقَالَ: ادْفِنُوهُ حَيْثُ قُبِضَ» .

(8/136)


وَهَكَذَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ، عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الْمُلَيْكِيِّ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «لَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اخْتَلَفُوا فِي دَفْنِهِ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا مَا نَسِيتُهُ. قَالَ: " مَا قَبَضَ اللَّهُ نَبِيًّا إِلَّا فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي يُحِبُّ أَنْ يُدْفَنَ فِيهِ " ادْفِنُوهُ فِي مَوْضِعِ فِرَاشِهِ» . ثُمَّ إِنَّ التِّرْمِذِيَّ ضَعَّفَ الْمُلَيْكِيَّ، ثُمَّ قَالَ: وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ، رَوَاهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَالَ الْأُمَوِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ رَجُلٍ حَدَّثَهُ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّهُ لَمْ يُدْفَنْ نَبِيٌّ قَطُّ إِلَّا حَيْثُ قُبِضَ» .
وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي الدُّنْيَا: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَهْلٍ التَّمِيمِيُّ، ثَنَا هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الطَّيَالِسِيُّ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «كَانَ بِالْمَدِينَةِ حَفَّارَانِ، فَلَمَّا مَاتَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالُوا: أَيْنَ نَدْفِنُهُ؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: فِي الْمَكَانِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ. وَكَانَ أَحَدُهُمَا يُلْحِدُ وَالْآخِرُ يَشُقُّ، فَجَاءَ الَّذِي يُلْحِدُ فَلَحَدَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَدْ رَوَاهُ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ مُنْقَطِعًا» .
وَقَالَ أَبُو يَعْلَى: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مِهْرَانَ ثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنِي حُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «لَمَّا أَرَادُوا

(8/137)


أَنْ يَحْفِرُوا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ يَضْرَحُ كَحَفْرِ أَهْلِ مَكَّةَ وَكَانَ أَبُو طَلْحَةَ زَيْدُ بْنُ سَهْلٍ هُوَ الَّذِي كَانَ يَحْفِرُ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَكَانَ يُلْحِدُ، فَدَعَا الْعَبَّاسُ رَجُلَيْنِ، فَقَالَ لِأَحَدِهِمَا: اذْهَبْ إِلَى أَبِي عُبَيْدَةَ. وَلِلْآخَرِ: اذْهَبْ إِلَى أَبِي طَلْحَةَ. اللَّهُمَّ خِرْ لِرَسُولِكَ. قَالَ: فَوَجَدَ صَاحِبُ أَبِي طَلْحَةَ أَبَا طَلْحَةَ، فَجَاءَ بِهِ، فَلَحَدَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَلَمَّا فُرِغَ مِنْ جَهَازِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ، وُضِعَ عَلَى سَرِيرِهِ فِي بَيْتِهِ، وَقَدْ كَانَ الْمُسْلِمُونَ اخْتَلَفُوا فِي دَفْنِهِ ; فَقَالَ قَائِلٌ: نَدْفِنُهُ فِي مَسْجِدِهِ. وَقَالَ قَائِلٌ: نَدْفِنُهُ مَعَ أَصْحَابِهِ. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ " مَا قُبِضَ نَبِيٌّ إِلَّا دُفِنَ حَيْثُ قُبِضَ " فَرُفِعَ فِرَاشُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ فَحَفَرُوا لَهُ تَحْتَهُ، ثُمَّ أُدْخِلَ النَّاسُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلُّونَ عَلَيْهِ أَرْسَالًا ; الرِّجَالُ حَتَّى إِذَا فُرِغَ مِنْهُمْ أُدْخِلَ النِّسَاءُ، حَتَّى إِذَا فَرَغَ النِّسَاءُ أُدْخِلَ الصِّبْيَانُ، وَلَمْ يَؤُمَّ النَّاسَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَدٌ فَدُفِنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَوْسَطِ اللَّيْلِ لَيْلَةِ الْأَرْبِعَاءِ» .
وَهَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، عَنْ نَصْرِ بْنِ عَلِيٍّ الْجَهْضَمِيِّ، عَنْ وَهْبِ بْنِ جَرِيرٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ فَذَكَرَ بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ. وَزَادَ فِي آخِرِهِ: «وَنَزَلَ فِي حُفْرَتِهِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَالْفَضْلُ وَقُثَمُ ابْنَا الْعَبَّاسِ، وَشُقْرَانُ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ أَوْسُ بْنُ خَوْلِيٍّ، وَهُوَ أَبُو لَيْلَى لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ:

(8/138)


أَنْشُدُكَ اللَّهَ وَحَظَّنَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ لَهُ عَلِيٌّ: انْزِلْ. وَكَانَ شُقْرَانُ مَوْلَاهُ أَخَذَ قَطِيفَةً كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَلْبَسُهَا فَدَفَنَهَا فِي الْقَبْرِ، وَقَالَ: وَاللَّهِ لَا يَلْبَسُهَا أَحَدٌ بَعْدَكَ. فَدُفِنَتْ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» . وَقَدْ رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، عَنْ حُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ مُخْتَصَرًا. وَكَذَلِكَ رَوَاهُ يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ وَغَيْرُهُ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ بِهِ.
وَرَوَى الْوَاقِدِيُّ، عَنِ ابْنِ أَبِي حَبِيبَةَ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا قَبَضَ اللَّهُ نَبِيًّا إِلَّا دُفِنَ حَيْثُ قُبِضَ» .
وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ، عَنِ الْحَاكِمِ، عَنِ الْأَصَمِّ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ، عَنْ يُونُسَ بْنِ بُكَيْرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحُصَيْنِ أَوْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: «لَمَّا مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اخْتَلَفُوا فِي دَفْنِهِ، فَقَالُوا: كَيْفَ نَدْفِنُهُ ; مَعَ النَّاسِ أَوْ فِي بُيُوتِهِ؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ " مَا قَبَضَ اللَّهُ نَبِيًّا إِلَّا دُفِنَ حَيْثُ قُبِضَ " فَدُفِنَ حَيْثُ كَانَ فِرَاشُهُ، رُفِعَ الْفِرَاشُ وَحُفِرَ تَحْتَهُ» .

(8/139)


وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْأَخْنَسِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَعِيدٍ، يَعْنِي ابْنَ يَرْبُوعٍ، قَالَ: «لَمَّا تُوُفِّيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اخْتَلَفُوا فِي مَوْضِعِ قَبْرِهِ ; فَقَالَ قَائِلٌ: فِي الْبَقِيعِ فَقَدْ كَانَ يُكْثِرُ الِاسْتِغْفَارَ لَهُمْ. وَقَالَ قَائِلٌ: عِنْدَ مِنْبَرِهِ. وَقَالَ قَائِلٌ: فِي مُصَلَّاهُ. فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ: إِنَّ عِنْدِي مِنْ هَذَا خَبَرًا وَعِلْمًا ; سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " مَا قُبِضَ نَبِيٌّ إِلَّا دُفِنَ حَيْثُ تُوُفِّيَ» " قَالَ الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ: وَهُوَ فِي حَدِيثِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، وَفِي حَدِيثِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ أَبِيهِ، كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْسَلًا.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ، عَنِ الْحَاكِمِ، عَنِ الْأَصَمِّ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ، عَنْ يُونُسَ بْنِ بُكَيْرٍ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ نُبَيْطِ بْنِ شَرِيطٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عُبَيْدٍ، وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ الصُّفَّةِ، قَالَ: «دَخَلَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ مَاتَ ثُمَّ خَرَجَ، فَقِيلَ لَهُ: تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: نَعَمْ. فَعَلِمُوا أَنَّهُ كَمَا قَالَ، وَقِيلَ لَهُ: أَنُصَلِّي عَلَيْهِ؟ وَكَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْهِ؟ قَالَ تَجِيئُونَ عُصَبًا عُصَبًا فَتُصَلُّونَ. فَعَلِمُوا أَنَّهُ كَمَا قَالَ، قَالُوا: هَلْ يُدْفَنُ؟ وَأَيْنَ؟ قَالَ: حَيْثُ قَبَضَ اللَّهُ رُوحَهُ، فَإِنَّهُ لَمْ يَقْبِضْ رُوحَهُ إِلَّا فِي مَكَانٍ طَيِّبٍ. فَعَلِمُوا أَنَّهُ كَمَا قَالَ» .
وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: «عَرَضَتْ عَائِشَةُ عَلَى أَبِيهَا رُؤْيَا، وَكَانَ

(8/140)


مِنْ أَعْبَرِ النَّاسِ، قَالَتْ: رَأَيْتُ ثَلَاثَةَ أَقْمَارٍ وَقَعْنَ فِي حِجْرِي فَقَالَ لَهَا: إِنْ صَدَقَتْ رُؤْيَاكِ دُفِنَ فِي بَيْتِكِ خَيْرُ أَهْلِ الْأَرْضِ ثَلَاثَةٌ. فَلَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: يَا عَائِشَةُ هَذَا خَيْرُ أَقْمَارِكِ،» وَرَوَاهُ مَالِكٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَائِشَةَ مُنْقَطِعًا.
وَفِي " الصَّحِيحَيْنِ " عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ: «تُوُفِّيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْتِي وَفِي يَوْمِي، وَبَيْنَ سَحْرِي وَنَحْرِي، وَجَمَعَ اللَّهُ بَيْنَ رِيقِي وَرِيقِهِ فِي آخِرِ سَاعَةٍ مِنَ الدُّنْيَا وَأَوَّلِ سَاعَةٍ مِنَ الْآخِرَةِ» .
وَفِي " صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ " مِنْ حَدِيثِ أَبِي عَوَانَةَ، عَنْ هِلَالٍ الْوَزَّانِ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ يَقُولُ: «لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى ; اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ " قَالَتْ عَائِشَةُ: وَلَوْلَا ذَلِكَ لَأُبْرِزَ قَبْرُهُ، غَيْرَ أَنَّهُ خَشِيَ أَنْ يُتَّخَذَ مَسْجِدًا» .
وَقَالَ ابْنُ مَاجَهْ: حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلَانَ، ثَنَا هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ، ثَنَا مُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ، حَدَّثَنِي حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: «لَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ بِالْمَدِينَةِ رَجُلٌ يُلْحِدُ وَآخَرُ يَضْرَحُ، فَقَالُوا: نَسْتَخِيرُ رَبَّنَا، وَنَبْعَثُ إِلَيْهِمَا، فَأَيُّهُمَا سُبِقَ تَرَكْنَاهُ. فَأُرْسِلَ إِلَيْهِمَا فَسَبَقَ صَاحِبُ اللَّحْدِ،

(8/141)


فَلَحَدُوا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» . تَفَرَّدَ بِهِ ابْنُ مَاجَهْ. وَقَدْ رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ أَبِي النَّضْرِ هَاشِمِ بْنِ الْقَاسِمِ بِهِ.
وَقَالَ ابْنُ مَاجَهْ أَيْضًا: حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ بْنِ عُبَيْدَةَ بْنِ زَيْدٍ، ثَنَا عُبَيْدُ بْنُ طُفَيْلٍ، ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ، حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «لَمَّا مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اخْتَلَفُوا فِي اللَّحْدِ وَالشَّقِّ، حَتَّى تَكَلَّمُوا فِي ذَلِكَ، وَارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمْ فَقَالَ عُمَرُ: لَا تَصْخَبُوا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيًّا وَلَا مَيِّتًا. أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهَا، فَأَرْسَلُوا إِلَى الشَّقَّاقِ وَاللَّاحِدِ جَمِيعًا، فَجَاءَ اللَّاحِدُ، فَلَحَدَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ دُفِنَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» . تَفَرَّدَ بِهِ ابْنُ مَاجَهْ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، ثَنَا الْعُمَرِيُّ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُلْحِدَ لَهُ لَحْدٌ» . تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ مِنْ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ شُعْبَةَ، وَابْنِ جَعْفَرٍ، ثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنِي أَبُو جَمْرَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «جُعِلَ فِي قَبْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَطِيفَةٌ حَمْرَاءُ» .

(8/142)


وَقَدْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طُرُقٍ، عَنْ شُعْبَةَ بِهِ. وَقَدْ رَوَاهُ وَكِيعٌ، عَنْ شُعْبَةَ. وَقَالَ وَكِيعٌ: كَانَ هَذَا خَاصًّا بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. رَوَاهُ ابْنُ عَسَاكِرَ.
وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيُّ، ثَنَا أَشْعَثُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الْحُمْرَانِيُّ عَنِ الْحَسَنِ، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بُسِطَ تَحْتَهُ سَمَلُ قَطِيفَةٍ حَمْرَاءَ كَانَ يَلْبَسُهَا قَالَ: وَكَانَتْ أَرْضًا نِدِّيَّةً» .
وَقَالَ هُشَيْمٌ عَنْ مَنْصُورٍ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: «جُعِلَ فِي قَبْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَطِيفَةٌ حَمْرَاءُ، كَانَ أَصَابَهَا يَوْمَ خَيْبَرَ» . قَالَ الْحَسَنُ: جَعَلَهَا لِأَنَّ الْمَدِينَةَ أَرْضٌ سَبِخَةٌ. قَالَ: فَفُرِشَتْ تَحْتَهُ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ: ثَنَا حَمَّادُ بْنُ خَالِدٍ الْخَيَّاطُ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي الصَّهْبَاءِ، سَمِعْتُ الْحَسَنَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «افْرِشُوا لِي قَطِيفَتِي

(8/143)


فِي لَحْدِي ; فَإِنَّ الْأَرْضَ لَمْ تُسَلَّطْ عَلَى أَجْسَادِ الْأَنْبِيَاءِ» .
وَرَوَى الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ مُسَدَّدٍ، ثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ، ثَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: «قَالَ عَلِيٌّ: غَسَّلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَهَبْتُ أَنْظُرُ إِلَى مَا يَكُونُ مِنَ الْمَيِّتِ فَلَمْ أَرَ شَيْئًا، وَكَانَ طَيِّبًا حَيًّا وَمَيِّتًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ: وَوَلِيَ دَفْنَهُ، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَإِجْنَانَهُ دُونَ النَّاسِ أَرْبَعَةٌ ; عَلِيٌّ، وَالْعَبَّاسُ، وَالْفَضْلُ، وَصَالِحٌ مَوْلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلُحِدَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَحْدٌ، وَنُصِبَ عَلَيْهِ اللَّبِنُ نَصْبًا» .
وَذَكَرَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ نُصِبَ عَلَى لَحْدِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ تِسْعُ لَبِنَاتٍ.
وَرَوَى الْوَاقِدِيُّ، عَنِ ابْنِ أَبِي سَبْرَةَ، عَنْ عَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْبَدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَوْضُوعًا عَلَى سَرِيرِهِ مِنْ حِينِ زَاغَتِ الشَّمْسُ مِنْ يَوْمِ الِاثْنَيْنِ إِلَى أَنْ زَاغَتِ الشَّمْسُ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ، يُصَلِّي النَّاسُ عَلَيْهِ وَسَرِيرُهُ عَلَى شَفِيرِ قَبْرِهِ، فَلَمَّا أَرَادُوا أَنْ يَقْبُرُوهُ، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ نَحَّوُا السَّرِيرَ قِبَلَ رِجْلَيْهِ، فَأُدْخِلَ مِنْ هُنَاكَ، وَدَخَلَ فِي حُفْرَتِهِ الْعَبَّاسُ وَعَلِيٌّ وَقُثَمُ وَالْفَضْلُ وَشُقْرَانُ» .
وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ إِسْمَاعِيلَ السُّدِّيِّ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ

(8/144)


قَالَ: «دَخَلَ قَبْرَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَبَّاسُ وَعَلِيٌّ وَالْفَضْلُ، وَسَوَّى لَحْدَهُ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ، وَهُوَ الَّذِي سَوَّى لُحُودَ قُبُورِ الشُّهَدَاءِ يَوْمَ بَدْرٍ» . قَالَ ابْنُ عَسَاكِرَ: صَوَابُهُ يَوْمَ أُحُدٍ. وَقَدْ تَقَدَّمَ رِوَايَةُ ابْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ حُسَيْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، «عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ الَّذِينَ نَزَلُوا فِي قَبْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عَلِيٌّ وَالْفَضْلُ وَقُثَمُ وَشُقْرَانُ. وَذَكَرَ الْخَامِسَ، وَهُوَ أَوْسُ بْنُ خَوْلِيٍّ،» وَذَكَرَ قِصَّةَ الْقَطِيفَةِ الَّتِي وَضَعَهَا فِي الْقَبْرِ شُقْرَانُ.
وَقَالَ الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ: أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الْفَقِيهُ، أَنَا أَبُو طَاهِرٍ الْمُحَمَّدَابَاذِيُّ، ثَنَا أَبُو قِلَابَةَ، ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، ثَنَا سُفْيَانُ بْنُ سَعِيدٍ - هُوَ الثَّوْرِيُّ - عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو مَرْحَبٍ قَالَ: كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِمْ فِي قَبْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعَةٌ ; أَحَدُهُمْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ وَهَكَذَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الصَّبَّاحِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ بِهِ. ثُمَّ رَوَاهُ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ يُونُسَ، عَنْ زُهَيْرٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، حَدَّثَنِي مَرْحَبٌ أَوْ أَبُو مَرْحَبٍ، أَنَّهُمْ أَدْخَلُوا مَعَهُمْ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ، فَلَمَّا فَرَغَ

(8/145)


عَلِيٌّ قَالَ: إِنَّمَا يَلِي الرَّجُلَ أَهْلُهُ. وَهَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ جِدًّا، وَإِسْنَادُهُ جَيِّدٌ قَوِيٌّ، وَلَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
وَقَدْ قَالَ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي " اسْتِيعَابِهِ " أَبُو مَرْحَبٍ اسْمُهُ سُوَيْدُ بْنُ قَيْسٍ. وَذَكَرَ أَبَا مَرْحَبٍ آخَرَ، وَقَالَ: لَا أَعْرِفُ خَبَرَهُ. قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ فِي " الْغَابَةِ ": فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ رَاوِي هَذَا الْحَدِيثِ أَحَدَهُمَا أَوْ ثَالِثًا غَيْرَهُمَا. وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.

[ذِكْرُ مَنْ كَانَ آخِرَ النَّاسِ بِهِ عَهْدًا عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ]
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا يَعْقُوبُ، ثَنَا أَبِي، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ حَدَّثَنِي أَبِي إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ مِقْسَمٍ أَبِي الْقَاسِمِ مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ نَوْفَلٍ، عَنْ مَوْلَاهُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ: اعْتَمَرْتُ مَعَ عَلِيٍّ فِي زَمَانِ عُمَرَ أَوْ زَمَانِ عُثْمَانَ، فَنَزَلَ عَلَى أُخْتِهِ أُمِّ هَانِئٍ بِنْتِ أَبِي طَالِبٍ، فَلَمَّا فَرَغَ مَنْ عُمْرَتِهِ رَجَعَ، فَسُكِبَ لَهُ غُسْلٌ فَاغْتَسَلَ، فَلَمَّا فَرَغَ مَنْ غُسْلِهِ دَخَلَ عَلَيْهِ نَفَرٌ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ فَقَالُوا: يَا

(8/146)


أَبَا حَسَنٍ، جِئْنَاكَ نَسْأَلُكَ عَنْ أَمْرٍ نُحِبُّ أَنْ تُخْبِرَنَا عَنْهُ. قَالَ: أَظُنُّ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ يُحَدِّثُكُمْ أَنَّهُ كَانَ أَحْدَثَ النَّاسِ عَهْدًا بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالُوا: أَجَلْ، عَنْ ذَلِكَ جِئْنَا نَسْأَلُكَ. قَالَ: «أَحْدَثُ النَّاسِ عَهْدًا بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُثَمُ بْنُ عَبَّاسٍ» . تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ. وَقَدْ رَوَاهُ يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ بِهِ مِثْلَهُ سَوَاءً ; إِلَّا أَنَّهُ قَالَ قَبْلَهُ: عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: «كَانَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ يَقُولُ: أَخَذْتُ خَاتَمِي فَأَلْقَيْتُهُ فِي قَبْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقُلْتُ حِينَ خَرَجَ الْقَوْمُ: إِنَّ خَاتَمِي قَدْ سَقَطَ فِي الْقَبْرِ، وَإِنَّمَا طَرَحْتُهُ عَمْدًا ; لِأَمَسَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَكُونَ آخِرَ النَّاسِ عَهْدًا بِهِ» .
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ فَحَدَّثَنِي وَالِدِي إِسْحَاقُ بْنُ يَسَارٍ، عَنْ مِقْسَمٍ، عَنْ مَوْلَاهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ: اعْتَمَرْتُ مَعَ عَلِيٍّ. فَذَكَرَ مَا تَقَدَّمَ، وَهَذَا الَّذِي ذُكِرَ عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، لَا يَقْتَضِي أَنَّهُ حَصَلَ لَهُ مَا أَمَّلَهُ، فَإِنَّهُ قَدْ يَكُونُ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، لَمْ يُمَكِّنْهُ مِنَ النُّزُولِ فِي الْقَبْرِ بَلْ أَمَرَ غَيْرَهَ فَنَاوَلَهُ إِيَّاهُ، وَعَلَى مَا تَقَدَّمَ يَكُونُ الَّذِي أَمَرَهُ بِمُنَاوَلَتِهِ لَهُ قُثَمَ بْنَ عَبَّاسٍ.
وَقَدْ قَالَ الْوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ قَالَ: «أَلْقَى الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ خَاتَمَهُ فِي قَبْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ عَلِيٌّ: إِنَّمَا أَلْقَيْتُهُ لِتَقُولَ: نَزَلْتُ فِي قَبْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَنَزَلَ فَأَعْطَاهُ،

(8/147)


أَوْ أَمَرَ رَجُلًا فَأَعْطَاهُ» .
وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا بَهْزٌ وَأَبُو كَامِلٍ قَالَا: ثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْجَوْنِيِّ، عَنْ أَبِي عَسِيبٍ أَوْ أَبِي عَسِيمٍ، قَالَ بَهْزٌ: «إِنَّهُ شَهِدَ الصَّلَاةَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالُوا: كَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْهِ؟ قَالَ: ادْخُلُوا أَرْسَالًا أَرْسَالًا. فَكَانُوا يَدْخُلُونَ مِنْ هَذَا الْبَابِ، فَيُصَلُّونَ عَلَيْهِ، ثُمَّ يَخْرُجُونَ مِنَ الْبَابِ الْآخَرِ. قَالَ: فَلَمَّا وُضِعَ فِي لَحْدِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الْمُغِيرَةُ: قَدْ بَقِيَ مِنْ رِجْلَيْهِ شَيْءٌ لَمْ يُصْلِحُوهُ. قَالُوا: فَادْخُلْ فَأَصْلِحْهُ. فَدَخَلَ وَأَدْخَلَ يَدَهُ فَمَسَّ قَدَمَيْهِ، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، فَقَالَ: أَهِيلُوا عَلَيَّ التُّرَابَ. فَأَهَالُوا عَلَيْهِ حَتَّى بَلَغَ أَنْصَافَ سَاقَيْهِ، ثُمَّ خَرَجَ، فَكَانَ يَقُولُ: أَنَا أَحْدَثُكُمْ عَهْدًا بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» .

[مَتَى وَقَعَ دَفْنُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ]
قَالَ يُونُسُ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ حَدَّثَتْنِي فَاطِمَةُ بِنْتُ مُحَمَّدٍ امْرَأَةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ - وَأَدْخَلَنِي عَلَيْهَا، قَالَ: حَتَّى تَسْمَعَهُ مِنْهَا - عَنْ عَمْرَةَ، عَنْ

(8/148)


عَائِشَةَ، أَنَّهَا قَالَتْ: «مَا عَلِمْنَا بِدَفْنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى سَمِعْنَا صَوْتَ الْمَسَاحِي فِي جَوْفِ لَيْلَةِ الْأَرْبِعَاءِ» .
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي سَبْرَةَ عَنِ الْحُلَيْسِ بْنِ هَاشِمٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَهْبٍ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: «بَيْنَا نَحْنُ مُجْتَمِعُونَ نَبْكِي لَمْ نَنَمْ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بُيُوتِنَا، وَنَحْنُ نَتَسَلَّى بِرُؤْيَتِهِ عَلَى السَّرِيرِ، إِذْ سَمِعْنَا صَوْتَ الْكَرَازِينِ فِي السَّحَرِ. قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: فَصِحْنَا وَصَاحَ أَهْلُ الْمَسْجِدِ، فَارْتَجَّتِ الْمَدِينَةُ صَيْحَةً وَاحِدَةً، وَأَذَّنَ بِلَالٌ بِالْفَجْرِ، فَلَمَّا ذَكَرَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَكَى فَانْتَحَبَ، فَزَادَنَا حُزْنًا، وَعَالَجَ النَّاسُ الدُّخُولَ إِلَى قَبْرِهِ، فَغُلِقَ دُونَهُمْ، فَيَا لَهَا مِنْ مُصِيبَةٍ! مَا أُصِبْنَا بَعْدَهَا بِمُصِيبَةٍ إِلَّا هَانَتْ إِذَا ذَكَرْنَا مُصِيبَتَنَا بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» .
وَقَدْ رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ «رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُوُفِّيَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ، وَدُفِنَ لَيْلَةَ الْأَرْبِعَاءِ» . وَقَدْ تَقَدَّمَ مِثْلُهُ فِي غَيْرِ مَا حَدِيثٍ، وَهُوَ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْأَئِمَّةِ سَلَفًا وَخَلَفًا، مِنْهُمْ سُلَيْمَانُ بْنُ طَرْخَانَ التَّيْمِيُّ، وَجَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ

(8/149)


الصَّادِقُ، وَابْنُ إِسْحَاقَ، وَمُوسَى بْنُ عُقْبَةَ وَغَيْرُهُمْ.
وَقَدْ رَوَى يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ بَكَّارٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ شُعَيْبٍ، عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ أَنَّهُ قَالَ: «تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ قَبْلَ أَنْ يَنْتَصِفَ النَّهَارُ، وَدُفِنَ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ» .
وَهَكَذَا رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: «أُخْبِرْتُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَاتَ فِي الضُّحَى يَوْمَ الِاثْنَيْنِ، وَدُفِنَ مِنَ الْغَدِ فِي الضُّحَى» .
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، عَنِ الدَّرَاوَرْدِيِّ، عَنْ شَرِيكِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي نَمِرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ قَالَ: «تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ، وَدُفِنَ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ» .

(8/150)


وَقَالَ ابْنُ خُزَيْمَةَ حَدَّثَنَا سَلْمُ بْنُ جُنَادَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ كُرَيْبٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ، وَدُفِنَ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ» .
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنِي أُبَيُّ بْنُ الْعَبَّاسِ بْنِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: «تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ، وَدُفِنَ لَيْلَةَ الثُّلَاثَاءِ» .
وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي الدُّنْيَا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدٍ: «تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ لِثِنْتَيْ عَشْرَةَ لَيْلَةً خَلَتْ مِنْ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، وَدُفِنَ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ» .
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي الدُّنْيَا: ثَنَا الْحَسَنُ بْنُ إِسْرَائِيلَ أَبُو مُحَمَّدٍ النَّهْرُتِيرِيُّ، ثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي أَوْفَى يَقُولُ: «مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ، فَلَمْ يُدْفَنْ إِلَّا يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ» . وَهَكَذَا قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَأَبُو جَعْفَرٍ الْبَاقِرُ.

(8/151)


وَقَالَ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ: ثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، وَعَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُوُفِّيَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ. فَلَبِثَ ذَلِكَ الْيَوْمَ وَتِلْكَ اللَّيْلَةَ وَيَوْمَ الثُّلَاثَاءِ إِلَى آخِرِ النَّهَارِ» . فَهُوَ قَوْلٌ غَرِيبٌ، وَالْمَشْهُورُ عَنِ الْجُمْهُورِ مَا أَسْلَفْنَاهُ مِنْ أَنَّهُ، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، تُوُفِّيَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ، وَدُفِنَ لَيْلَةَ الْأَرْبِعَاءِ.
وَمِنَ الْأَقْوَالِ الْغَرِيبَةِ فِي هَذَا أَيْضًا مَا رَوَاهُ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ بَكَّارٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ شُعَيْبٍ، عَنِ النُّعْمَانِ، عَنْ مَكْحُولٍ قَالَ: «وُلِدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ، وَأُوحِيَ إِلَيْهِ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ، وَهَاجَرَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ، وَتُوُفِّيَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ لِثِنْتَيْنِ وَسِتِّينَ سَنَةً وَنِصْفٍ، وَمَكَثَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ لَا يُدْفَنُ، يَدْخُلُ عَلَيْهِ النَّاسُ أَرْسَالًا أَرْسَالًا يُصَلُّونَ لَا يُصَفُّونَ، وَلَا يَؤُمُّهُمْ عَلَيْهِ أَحَدٌ» . فَقَوْلُهُ: إِنَّهُ مَكَثَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ لَا يُدْفَنُ. غَرِيبٌ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ مَكَثَ بَقِيَّةَ يَوْمِ الِاثْنَيْنِ وَيَوْمَ الثُّلَاثَاءِ بِكَمَالِهِ، وَدُفِنَ لَيْلَةَ الْأَرْبِعَاءِ كَمَا قَدَّمْنَا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَضِدُّهُ مَا رَوَاهُ سَيْفٌ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: «تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ

(8/152)


الِاثْنَيْنِ، وَغُسِّلَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ، وَدُفِنَ لَيْلَةَ الثُّلَاثَاءِ» . قَالَ سَيْفٌ: وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ مَرَّةً بِجَمِيعِهِ، عَنْ عَمْرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ مِثْلَهُ، وَهَذَا غَرِيبٌ جِدًّا.
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي عَوْنٍ، عَنْ أَبِي عَتِيقٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: «رُشَّ عَلَى قَبْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَاءُ رَشًّا، وَكَانَ الَّذِي رَشَّهُ بِلَالُ بْنُ رَبَاحٍ بِقِرْبَةٍ، بَدَأَ مِنْ قِبَلِ رَأْسِهِ مِنْ شِقِّهِ الْأَيْمَنِ حَتَّى انْتَهَى إِلَى رِجْلَيْهِ، ثُمَّ ضَرَبَ بِالْمَاءِ إِلَى الْجِدَارِ ; لَمْ يَقْدِرْ عَلَى أَنْ يَدُورَ مِنَ الْجِدَارِ.»

[فَصْلٌ فِي صِفَةِ قَبْرِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ]
قَدْ عُلِمَ بِالتَّوَاتُرِ أَنَّهُ، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، دُفِنَ فِي حُجْرَةِ عَائِشَةَ الَّتِي كَانَتْ تَخْتَصُّ بِهَا شَرْقِيَّ مَسْجِدِهِ فِي الزَّاوِيَةِ الْغَرْبِيَّةِ الْقِبْلِيَّةِ مِنَ الْحُجْرَةِ، ثُمَّ دُفِنَ بَعْدَهُ فِيهَا أَبُو بَكْرٍ، ثُمَّ عُمَرُ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا.
وَقَدْ قَالَ الْبُخَارِيُّ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، ثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ سُفْيَانَ التَّمَّارِ، أَنَّهُ حَدَّثَهُ أَنَّهُ رَأَى قَبْرَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُسَنَّمًا. تَفَرَّدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ.

(8/153)


وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ، ثَنَا ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ، أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ بْنِ هَانِئٍ، عَنِ الْقَاسِمِ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ، وَقُلْتُ لَهَا يَا أُمَّهْ، اكْشِفِي لِي عَنْ قَبْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَاحِبَيْهِ، فَكَشَفَتْ لِي عَنْ ثَلَاثَةِ قُبُورٍ لَا مُشْرِفَةٍ وَلَا لَاطِئَةٍ، مَبْطُوحَةٌ بِبَطْحَاءِ الْعَرْصَةِ الْحَمْرَاءِ.
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
تَفَرَّدَ بِهِ أَبُو دَاوُدَ.
وَقَدْ رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ أَبِي فُدَيْكٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ، عَنِ الْقَاسِمِ قَالَ: فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، مُقَدَّمًا وَأَبُو بَكْرٍ رَأْسُهُ بَيْنَ كَتِفَيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعُمَرُ رَأْسُهُ عِنْدَ رَجُلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ قُبُورَهُمْ مُسَطَّحَةٌ ; لِأَنَّ الْحَصْبَاءَ لَا تَثْبُتُ إِلَّا عَلَى الْمُسَطَّحِ. وَهَذَا عَجِيبٌ مِنَ الْبَيْهَقِيِّ، رَحِمَهُ اللَّهُ ; فَإِنَّهُ لَيْسَ فِي الرِّوَايَةِ ذِكْرُ الْحَصْبَاءِ بِالْكُلِّيَّةِ، وَبِتَقْدِيرِ ذَلِكَ فَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مُسَنَّمًا، وَعَلَيْهِ الْحَصْبَاءُ مَغْرُوزَةً بِالطِّينِ وَنَحْوِهُ.

(8/154)


وَقَدْ رَوَى الْوَاقِدِيُّ، عَنِ الدَّرَاوَرْدِيِّ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: جُعِلَ قَبْرُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُسَطَّحًا.
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: ثَنَا فَرْوَةُ بْنُ أَبِي الْمَغْرَاءِ، ثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: لَمَّا سَقَطَ عَلَيْهِمُ الْحَائِطُ فِي زَمَانِ الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ أَخَذُوا فِي بِنَائِهِ، فَبَدَتْ لَهُمْ قَدَمٌ فَفَزِعُوا فَظَنُّوا أَنَّهُ قَدَمُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمَا وُجِدَ وَاحِدٌ يَعْلَمُ ذَلِكَ، حَتَّى قَالَ لَهُمْ عُرْوَةُ: لَا وَاللَّهِ مَا هِيَ قَدَمُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا هِيَ إِلَّا قَدَمُ عُمَرَ.
وَعَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّهَا أَوْصَتْ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ لَا تَدْفِنِّي مَعَهُمْ، وَادْفِنِّي مَعَ صَوَاحِبِي بِالْبَقِيعِ، لَا أُزَكَّى بِهِ أَبَدًا.
قُلْتُ: كَانَ الْوَلِيدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ حِينَ وَلِيَ الْإِمَارَةَ فِي سَنَةِ سِتٍّ وَثَمَانِينَ، قَدْ شَرَعَ فِي بِنَاءِ جَامِعِ دِمَشْقَ، وَكَتَبَ إِلَى نَائِبِهِ بِالْمَدِينَةِ، ابْنِ عَمِّهِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أَنْ يُوَسِّعَ فِي مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ فَوَسَّعَهُ حَتَّى مِنْ نَاحِيَةِ الشَّرْقِ، فَدَخَلَتِ الْحُجْرَةُ النَّبَوِيَّةُ فِيهِ.
وَقَدْ رَوَى الْحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ بِسَنَدِهِ، عَنْ زَاذَانَ مَوْلَى الْفُرَافِصَةِ، وَهُوَ الَّذِي بَنَى الْمَسْجِدَ النَّبَوِيَّ أَيَّامَ وِلَايَةِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَلَى الْمَدِينَةِ فَذَكَرَ عَنْ

(8/155)


سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ نَحْوَ مَا ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ، وَحَكَى صِفَةَ الْقُبُورِ، كَمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.

[ذِكْرُ مَا أَصَابَ الْمُسْلِمِينَ مِنَ الْمُصِيبَةِ الْعَظِيمَةِ بِوَفَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ]
قَالَ الْبُخَارِيُّ: ثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، ثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، ثَنَا ثَابِتٌ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: لَمَّا ثَقُلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ يَتَغَشَّاهُ الْكَرْبُ، فَقَالَتْ فَاطِمَةُ: وَاكَرْبَ أَبَتَاهْ. فَقَالَ لَهَا: «لَيْسَ عَلَى أَبِيكِ كَرْبٌ بَعْدَ الْيَوْمِ " فَلَمَّا مَاتَ قَالَتْ: يَا أَبَتَاهْ أَجَابَ رَبًّا دَعَاهْ، يَا أَبَتَاهْ، مِنْ جَنَّةِ الْفِرْدَوْسِ مَأْوَاهْ، يَا أَبَتَاهُ، إِلَى جِبْرِيلَ نَنْعَاهْ. فَلَمَّا دُفِنَ قَالَتْ فَاطِمَةُ: يَا أَنَسُ، أَطَابَتْ أَنْفُسُكُمْ أَنْ تَحْثُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التُّرَابَ؟ !» تَفَرَّدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ، رَحِمَهُ اللَّهُ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ، ثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، ثَنَا ثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ، قَالَ أَنَسٌ: فَلَمَّا دَفَنَّا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ فَاطِمَةُ: يَا أَنَسُ أَطَابَتْ أَنْفُسُكُمْ أَنْ دَفَنْتُمْ

(8/156)


رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي التُّرَابِ وَرَجَعْتُمْ؟ ! وَهَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ مُخْتَصَرًا مِنْ حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ بِهِ. وَعِنْدَهُ: قَالَ حَمَّادٌ: فَكَانَ ثَابِتٌ إِذَا حَدَّثَ بِهَذَا الْحَدِيثِ بَكَى حَتَّى تَخْتَلِفَ أَضْلَاعُهُ. وَهَذَا لَا يُعَدُّ نِيَاحَةً بَلْ هُوَ مِنْ بَابِ ذِكْرِ فَضَائِلِهِ الْحَقِّ، عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ، وَإِنَّمَا قُلْنَا هَذَا ; لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنِ النِّيَاحَةِ.
وَقَدْ رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ، سَمِعْتُ قَتَادَةَ، سَمِعْتُ مُطَرِّفًا يُحَدِّثُ، عَنْ حَكِيمِ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِيهِ - فِيمَا أَوْصَى بِهِ إِلَى بَنِيهِ - أَنَّهُ قَالَ: وَلَا تَنُوحُوا عَلَيَّ ; فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُنَحْ عَلَيْهِ. وَقَدْ رَوَاهُ إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ الْقَاضِي فِي " النَّوَادِرِ "، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَرْزُوقٍ، عَنْ شُعْبَةَ بِهِ. ثُمَّ رَوَاهُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنِ الصَّعْقِ بْنِ حَزْنٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُطَيَّبٍ، عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، عَنْ قَيْسِ بْنِ عَاصِمٍ بِهِ قَالَ: لَا تَنُوحُوا عَلَيَّ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُنَحْ عَلَيْهِ، وَقَدْ سَمِعْتُهُ يَنْهَى عَنِ النِّيَاحَةِ. ثُمَّ رَوَاهُ عَنْ عَلِيٍّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ، عَنِ الصَّعْقِ، عَنِ الْقَاسِمِ، عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ عَاصِمٍ بِهِ.
وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ: ثَنَا عُقْبَةُ بْنُ سِنَانٍ، ثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُثْمَانَ، ثَنَا

(8/157)


مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُنَحْ عَلَيْهِ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا عَفَّانُ، ثَنَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، ثَنَا ثَابِتٌ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: «لَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الَّذِي قَدِمَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ أَضَاءَ مِنْهَا كُلُّ شَيْءٍ، فَلَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الَّذِي مَاتَ فِيهِ أَظْلَمَ مِنْهَا كُلُّ شَيْءٍ» . قَالَ: وَمَا نَفَضْنَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْأَيْدِيَ حَتَّى أَنْكَرْنَا قُلُوبَنَا. وَهَكَذَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ جَمِيعًا، عَنْ بِشْرِ بْنِ هِلَالٍ الصَّوَّافِ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ سُلَيْمَانَ الضُّبَعِيِّ بِهِ. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ.
قُلْتُ، وَإِسْنَادُهُ عَلَى شَرْطِ " الصَّحِيحَيْنِ "، وَمَحْفُوظٌ مِنْ حَدِيثِ جَعْفَرِ بْنِ سُلَيْمَانَ، وَقَدْ أَخْرَجَ لَهُ الْجَمَاعَةُ، رَوَاهُ النَّاسُ عَنْهُ كَذَلِكَ.
وَقَدْ أَغْرَبَ الْكُدَيْمِيُّ، وَهُوَ مُحَمَّدُ بْنُ يُونُسَ، رَحِمَهُ اللَّهُ، فِي رِوَايَتِهِ لَهُ حَيْثُ قَالَ: ثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الطَّيَالِسِيُّ، ثَنَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ الضُّبَعِيُّ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: «لَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَظْلَمَتِ الْمَدِينَةُ حَتَّى لَمْ يَنْظُرْ بَعْضُنَا إِلَى بَعْضٍ» ، وَكَانَ أَحَدُنَا يَبْسُطُ يَدَهُ فَلَا يَرَاهَا أَوْ لَا يُبْصِرُهَا، وَمَا فَرَغْنَا مِنْ دَفْنِهِ حَتَّى أَنْكَرْنَا قُلُوبَنَا. رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِهِ كَذَلِكَ، وَقَدْ رَوَاهُ مِنْ طَرِيقِ غَيْرِهِ مِنَ الْحُفَّاظِ، عَنْ أَبِي الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيِّ، كَمَا قَدَّمْنَا،

(8/158)


وَهُوَ الْمَحْفُوظُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَدْ رَوَى الْحَافِظُ الْكَبِيرُ أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ عَسَاكِرَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي حَفْصِ بْنِ شَاهِينَ، ثَنَا حُسَيْنُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ بِسْطَامَ بِالْأُبُلَّةِ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ الرُّوَاسِيُّ، ثَنَا مَسْلَمَةُ بْنُ عَلْقَمَةَ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: «لَمَّا دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ أَضَاءَ مِنْهَا كُلُّ شَيْءٍ، فَلَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الَّذِي مَاتَ فِيهِ أَظْلَمَ مِنْهَا كُلُّ شَيْءٍ» .
وَقَالَ ابْنُ مَاجَهْ: ثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، ثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَطَاءٍ الْعِجْلِيُّ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنَّمَا وَجْهُنَا وَاحِدٌ، فَلَمَّا قُبِضَ نَظَرْنَا هَكَذَا وَهَكَذَا.
وَقَالَ أَيْضًا: ثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ الْحِزَامِيُّ، ثَنَا خَالِي مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ السَّائِبِ بْنِ أَبِي وَدَاعَةَ السَّهْمِيُّ، حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ الْمَخْزُومِيُّ، حَدَّثَنِي مُصْعَبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ بِنْتِ أَبِي أُمَيَّةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا قَالَتْ: كَانَ النَّاسُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَامَ الْمُصَلِّي يُصَلِّي لَمْ يَعُدْ

(8/159)


بَصَرُ أَحَدِهِمْ مَوْضِعَ قَدَمَيْهِ، فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكَانَ النَّاسُ إِذَا قَامَ أَحَدُهُمْ يُصَلِّي لَمْ يَعُدْ بَصَرُ أَحَدِهِمْ مَوْضِعَ جَبِينِهِ، فَتُوُفِّيَ أَبُو بَكْرٍ، وَكَانَ عُمَرُ، فَكَانَ النَّاسُ إِذَا قَامَ أَحَدُهُمْ يُصَلِّي لَمْ يَعُدْ بَصَرُ أَحَدِهِمْ مَوْضِعَ الْقِبْلَةِ، فَتُوُفِّيَ عُمَرُ وَكَانَ عُثْمَانُ، وَكَانَتِ الْفِتْنَةُ، فَتَلَفَّتَ النَّاسُ يَمِينًا وَشِمَالًا.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ، ثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ أُمَّ أَيْمَنَ بَكَتْ لَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقِيلَ لَهَا: مَا يُبْكِيكِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقَالَتْ: إِنِّي قَدْ عَلِمْتُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَيَمُوتُ، وَلَكِنِّي إِنَّمَا أَبْكِي عَلَى الْوَحْيِ الَّذِي رُفِعَ عَنَّا. هَكَذَا رَوَاهُ مُخْتَصَرًا.
وَقَدْ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أَنْبَأَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ نُعَيْمٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ النَّضْرِ الْجَارُودِيُّ قَالَا: ثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْحُلْوَانِيُّ، ثَنَا عَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ الْكِلَابِيُّ، ثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: «ذَهَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أُمِّ أَيْمَنَ زَائِرًا، وَذَهَبْتُ مَعَهُ، فَقَرَّبَتْ إِلَيْهِ شَرَابًا، فَإِمَّا كَانَ صَائِمًا وَإِمَّا كَانَ لَا يُرِيدُهُ، فَرَدَّهُ، فَأَقْبَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُضَاحِكُهُ. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ بَعْدَ وَفَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعُمَرَ انْطَلِقْ بِنَا إِلَى أُمِّ أَيْمَنَ نَزُورُهَا. فَلَمَّا انْتَهَيْنَا إِلَيْهَا بَكَتْ، فَقَالَا لَهَا: مَا يُبْكِيكِ؟ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَتْ: وَاللَّهِ مَا أَبْكِي أَنْ لَا أَكُونَ أَعْلَمُ أَنَّ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَكِنْ أَبْكِي أَنَّ الْوَحْيَ انْقَطَعَ مِنَ السَّمَاءِ. فَهَيَّجَتْهُمَا عَلَى الْبُكَاءِ فَجَعَلَا

(8/160)


يَبْكِيَانِ.» وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مُنْفَرِدًا بِهِ، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ عَاصِمٍ بِهِ.
وَقَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ فِي قِصَّةِ وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَخُطْبَةِ أَبِي بَكْرٍ فِيهَا، قَالَ: وَرَجَعَ النَّاسُ حِينَ فَرَغَ أَبُو بَكْرٍ مِنَ الْخُطْبَةِ، وَأُمُّ أَيْمَنَ قَاعِدَةٌ تَبْكِي، فَقِيلَ لَهَا مَا يُبْكِيكِ؟ قَدْ أَكْرَمَ اللَّهُ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَدْخَلَهُ جَنَّتَهُ، وَأَرَاحَهُ مِنْ نَصَبِ الدُّنْيَا. فَقَالَتْ: إِنَّمَا أَبْكِي عَلَى خَبَرِ السَّمَاءِ، كَانَ يَأْتِينَا غَضًّا جَدِيدًا، كُلَّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، فَقَدِ انْقَطَعَ وَرُفِعَ، فَعَلَيْهِ أَبْكِي. فَعَجِبَ النَّاسُ مِنْ قَوْلِهَا.
وَقَدْ قَالَ مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ فِي " صَحِيحِهِ ": وَحُدِّثْتُ، عَنْ أَبِي أُسَامَةَ، وَمِمَّنْ رَوَى ذَلِكَ عَنْهُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعِيدٍ الْجَوْهَرِيُّ: ثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، حَدَّثَنِي بُرَيْدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ إِذَا أَرَادَ رَحْمَةَ أُمَّةٍ مِنْ عِبَادِهِ قَبَضَ نَبِيَّهَا قَبْلَهَا، فَجَعْلَهُ لَهَا فَرَطًا وَسَلَفًا يَشْهَدُ لَهَا، وَإِذَا أَرَادَ هِلْكَةَ أُمَّةٍ عَذَّبَهَا وَنَبِيُّهَا حَيٌّ، فَأَهْلَكَهَا وَهُوَ يَنْظُرُ إِلَيْهَا، فَأَقَرَّ عَيْنَهُ بِهَلَكَتِهَا حِينَ كَذَّبُوهُ وَعَصَوْا أَمْرَهُ» تَفَرَّدَ بِهِ مُسْلِمٌ إِسْنَادًا وَمَتْنًا.
وَقَدْ قَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ: حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ مُوسَى، ثَنَا عَبْدُ الْمَجِيدِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي رَوَّادٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ

(8/161)


زَاذَانَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، هُوَ ابْنُ مَسْعُودٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ لِلَّهِ مَلَائِكَةً سَيَّاحِينَ، يُبَلِّغُونِي عَنْ أُمَّتِي السَّلَامَ» قَالَ: وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «حَيَاتِي خَيْرٌ لَكُمْ تُحَدِّثُونَ، وَيُحَدَّثُ لَكُمْ، وَوَفَاتِي خَيْرٌ لَكُمْ تُعْرَضُ عَلَيَّ أَعْمَالَكُمْ فَمَا رَأَيْتُ مِنْ خَيْرٍ حَمِدْتُ اللَّهَ عَلَيْهِ، وَمَا رَأَيْتُ مِنْ شَرٍّ اسْتَغْفَرْتُ اللَّهَ لَكُمْ» ثُمَّ قَالَ الْبَزَّارُ: لَا نَعْرِفُ آخِرَهُ يُرْوَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ. قُلْتُ: وَأَمَّا أَوَّلُهُ، وَهُوَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «إِنَّ لِلَّهِ مَلَائِكَةً سَيَّاحِينَ يُبَلِّغُونِي عَنْ أُمَّتِي السَّلَامَ» فَقَدْ رَوَاهُ النَّسَائِيُّ مِنْ طُرُقٍ مُتَعَدِّدَةٍ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَعَنِ الْأَعْمَشِ كِلَاهُمَا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ السَّائِبِ، بِهِ.
وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ الْجُعْفِيُّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ، عَنْ أَبِي الْأَشْعَثِ الصَّنْعَانِيِّ، عَنْ أَوْسِ بْنِ أَوْسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مِنْ أَفْضَلِ أَيَّامِكُمْ يَوْمُ الْجُمُعَةِ، فِيهِ خُلِقَ آدَمُ، وَفِيهِ قُبِضَ، وَفِيهِ النَّفْخَةُ، وَفِيهِ الصَّعْقَةُ فَأَكْثِرُوا عَلَيَّ مِنَ الصَّلَاةِ فِيهِ، فَإِنَّ صَلَاتَكُمْ مَعْرُوضَةٌ عَلَيَّ» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ تُعْرَضُ صَلَاتُنَا عَلَيْكَ وَقَدْ أَرِمْتَ؟ يَعْنِي قَدْ

(8/162)


بَلِيتَ. قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَرَّمَ عَلَى الْأَرْضِ أَنْ تَأْكُلَ أَجْسَادَ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ» وَهَكَذَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، عَنْ هَارُونَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَعَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ، وَالنَّسَائِيُّ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ مَنْصُورٍ، ثَلَاثَتُهُمْ عَنْ حُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ بِهِ. وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ حُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ جَابِرٍ، عَنْ أَبِي الْأَشْعَثِ، عَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ، فَذَكَرَهُ. قَالَ شَيْخُنَا أَبُو الْحَجَّاجِ الْمِزِّيُّ: وَذَلِكَ وَهْمٌ مِنَ ابْنِ مَاجَهْ، وَالصَّحِيحُ أَوْسُ بْنُ أَوْسٍ، وَهُوَ الثَّقَفِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
قُلْتُ: وَهُوَ عِنْدِي فِي نُسْخَةٍ جَيِّدَةٍ مَشْهُورَةٍ عَلَى الصَّوَابِ كَمَا رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ: عَنْ أَوْسِ بْنِ أَوْسٍ.
ثُمَّ قَالَ ابْنُ مَاجَهْ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ سَوَّادٍ الْمِصْرِيُّ، ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَيْمَنَ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ نُسَيٍّ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَكْثِرُوا الصَّلَاةَ عَلَيَّ يَوْمَ

(8/163)


الْجُمُعَةِ، فَإِنَّهُ مَشْهُودٌ تَشْهَدُهُ الْمَلَائِكَةُ، وَإِنَّ أَحَدًا لَنْ يُصَلِّيَ عَلَيَّ إِلَّا عُرِضَتْ عَلَيَّ صَلَاتُهُ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْهَا» قَالَ: قُلْتُ: وَبَعْدَ الْمَوْتِ؟ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَى الْأَرْضِ أَنْ تَأْكُلَ أَجْسَادَ الْأَنْبِيَاءِ، عَلَيْهِمُ السَّلَامُ، فَنَبِيُّ اللَّهِ حَيٌّ يُرْزَقُ» وَهَذَا مِنْ أَفْرَادِ ابْنِ مَاجَهْ رَحِمَهُ اللَّهُ.
وَقَدْ عَقَدَ الْحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ هَاهُنَا بَابًا فِي إِيرَادِ الْأَحَادِيثِ الْمَرْوِيَّةِ فِي زِيَارَةِ قَبْرِهِ الشَّرِيفِ، صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ دَائِمًا إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَمَوْضِعُ اسْتِقْصَاءِ ذَلِكَ فِي كِتَابِ " الْأَحْكَامِ الْكَبِيرِ " إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

[ذِكْرُ مَا وَرَدَ مِنَ التَّعْزِيَةِ بِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ]
قَالَ ابْنُ مَاجَهْ: حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ السُّكَيْنِ، ثَنَا أَبُو هَمَّامٍ، وَهُوَ مُحَمَّدُ بْنُ الزِّبْرِقَانِ الْأَهْوَازِيُّ، ثَنَا مُوسَى بْنُ عُبَيْدَةَ، ثَنَا مُصْعَبُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: فَتَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَابًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ، أَوْ كَشَفَ سِتْرًا، فَإِذَا النَّاسُ يُصَلُّونَ وَرَاءَ أَبِي بَكْرٍ، فَحَمِدَ اللَّهَ عَلَى مَا رَأَى مِنْ حُسْنِ حَالِهِمْ ; رَجَاءَ أَنْ يَخْلُفَهُ اللَّهُ فِيهِمْ بِالَّذِي رَآهُمْ، فَقَالَ: «يَا أَيُّهَا

(8/164)


النَّاسُ، أَيُّمَا أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ أَوْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أُصِيبَ بِمُصِيبَةٍ، فَلْيَتَعَزَّ بِمُصِيبَتِهِ بِي عَنِ الْمُصِيبَةِ الَّتِي تُصِيبُهُ بِغَيْرِي، فَإِنَّ أَحَدًا مِنْ أُمَّتِي لَنْ يُصَابَ بِمُصِيبَةٍ بَعْدِي أَشَدَّ عَلَيْهِ مِنْ مُصِيبَتِي» تَفَرَّدَ بِهِ ابْنُ مَاجَهْ.
وَقَالَ الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ: أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفَقِيهُ، ثَنَا شَافِعُ بْنُ مُحَمَّدٍ، ثَنَا أَبُو جَعْفَرِ بْنُ سَلَامَةَ الطَّحَاوِيُّ، ثَنَا الْمُزَنِيُّ، ثَنَا الشَّافِعِيُّ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ حَفْصٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رِجَالًا مِنْ قُرَيْشٍ دَخَلُوا عَلَى أَبِيهِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، فَقَالَ أَلَا أُحَدِّثُكُمْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالُوا: بَلَى. فَحَدَّثَنَا عَنْ أَبِي الْقَاسِمِ، قَالَ: «لَمَّا مَرِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَاهُ جِبْرِيلُ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ إِنَّ اللَّهَ أَرْسَلَنِي إِلَيْكَ ; تَكْرِيمًا لَكَ وَتَشْرِيفًا لَكَ، وَخَاصَّةً لَكَ أَسْأَلُكَ عَمَّا هُوَ أَعْلَمُ بِهِ مِنْكَ، يَقُولُ: كَيْفَ تَجِدُكَ؟ قَالَ: " أَجِدُنِي يَا جِبْرِيلُ مَغْمُومًا، وَأَجَدُنِي يَا جِبْرِيلُ مَكْرُوبًا " ثُمَّ جَاءَهُ الْيَوْمَ الثَّانِيَ، فَقَالَ لَهُ ذَلِكَ، فَرَدَّ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا رَدَّ أَوَّلَ يَوْمٍ، ثُمَّ جَاءَهُ الْيَوْمَ الثَّالِثَ، فَقَالَ لَهُ كَمَا قَالَ أَوَّلَ يَوْمٍ، وَرَدَّ عَلَيْهِ كَمَا رَدَّ، وَجَاءَ مَعَهُ مَلَكٌ يُقَالُ لَهُ: إِسْمَاعِيلُ عَلَى مِائَةِ أَلْفِ مَلَكٍ، كُلُّ مَلَكٍ عَلَى مِائَةِ أَلْفِ مَلَكٍ، فَاسْتَأْذَنَ عَلَيْهِ، فَسَأَلَ عَنْهُ، ثُمَّ قَالَ جِبْرِيلُ: هَذَا مَلَكُ الْمَوْتِ يَسْتَأْذِنُ عَلَيْكَ، مَا اسْتَأْذَنَ عَلَى آدَمِيٍّ قَبْلَكَ، وَلَا يَسْتَأْذِنُ عَلَى آدَمِيٍّ بَعْدَكَ. فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: " ائْذَنْ لَهُ " فَأَذِنَ لَهُ، فَدَخَلَ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ، إِنَّ اللَّهَ أَرْسَلَنِي إِلَيْكَ، فَإِنْ أَمَرْتَنِي أَنْ أَقْبِضَ رُوحَكَ قَبَضْتُهُ، وَإِنْ أَمَرْتَنِي أَنْ أَتْرُكَهُ تَرَكْتُهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَوَتَفْعَلُ يَا مَلَكَ الْمَوْتِ؟ " قَالَ: نَعَمْ، وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ، وَأُمِرْتُ أَنْ أُطِيعَكَ. قَالَ:

(8/165)


فَنَظَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى جِبْرِيلَ، فَقَالَ لَهُ جِبْرِيلُ: يَا مُحَمَّدُ، إِنَّ اللَّهَ قَدِ اشْتَاقَ إِلَى لِقَائِكَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَلَكِ الْمَوْتِ: " امْضِ لِمَا أُمِرْتَ بِهِ " فَقَبَضَ رُوحَهُ، فَلَمَّا تُوُفِّيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَاءَتِ التَّعْزِيَةُ سَمِعُوا صَوْتًا مِنْ نَاحِيَةِ الْبَيْتِ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، إِنَّ فِي اللَّهِ عَزَاءً مِنْ كُلِّ مُصِيبَةٍ، وَخَلَفًا مَنْ كُلِّ هَالِكٍ، وَدَرَكًا مَنْ كُلِّ فَائِتٍ، فَبِاللَّهِ فَثِقُوا، وَإِيَّاهُ فَارْجُوا، فَإِنَّمَا الْمُصَابُ مَنْ حُرِمَ الثَّوَابَ. فَقَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَتَدْرُونَ مَنْ هَذَا؟ هَذَا الْخَضِرُ، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ» . وَهَذَا الْحَدِيثُ مُرْسَلٌ، وَفِي إِسْنَادِهِ ضَعْفٌ بِحَالِ الْقَاسِمِ الْعُمَرِيِّ هَذَا، فَإِنَّهُ قَدْ ضَعَّفَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْأَئِمَّةِ، وَتَرَكَهُ بِالْكُلِّيَّةِ آخَرُونَ. وَقَدْ رَوَاهُ الرَّبِيعُ، عَنِ الشَّافِعِيِّ، عَنِ الْقَاسِمِ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، فَذَكَرَ مِنْهُ قِصَّةَ التَّعْزِيَةِ فَقَطْ، مَوْصُولًا، وَفِي الْإِسْنَادِ الْعُمَرِيُّ الْمَذْكُورُ، قَدْ نَبَّهْنَا عَلَى أَمْرِهِ لِئَلَّا يُغْتَرَّ بِهِ.
عَلَى أَنَّهُ قَدْ رَوَاهُ الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ، عَنِ الْحَاكِمِ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الْبَغْدَادِيِّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَارِثِ أَوْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْمُرْتَعِدِ الصَّنْعَانِيُّ، ثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ الْمَخْزُومِيُّ، ثَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: لَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَزَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ، يَسْمَعُونَ الْحِسَّ وَلَا يَرَوْنَ الشَّخْصَ، فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، إِنَّ فِي اللَّهِ

(8/166)


عَزَاءً مَنْ كُلِّ مُصِيبَةٍ، وَخَلَفًا مَنْ كُلِّ فَائِتٍ، وَدَرَكًا مَنْ كُلِّ هَالِكٍ، فَبِاللَّهِ فَثِقُوا، وَإِيَّاهُ فَارْجُوا، فَإِنَّمَا الْمَحْرُومُ مَنْ حُرِمَ الثَّوَابَ، وَالسَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ. ثُمَّ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: هَذَانَ الْإِسْنَادَانِ وَإِنْ كَانَا ضَعِيفَيْنِ، فَأَحَدُهُمَا يَتَأَكَّدُ بِالْآخَرِ، وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ لَهُ أَصْلًا مِنْ حَدِيثِ جَعْفَرٍ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ بَالُوَيْهِ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرِ بْنِ مَطَرٍ، ثَنَا كَامِلُ بْنُ طَلْحَةَ: ثَنَا عَبَّادُ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: لَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْدَقَ بِهِ أَصْحَابُهُ فَبَكَوْا حَوْلَهُ وَاجْتَمَعُوا، فَدَخَلَ رَجُلٌ أَشْهَبُ اللِّحْيَةِ جَسِيمٌ صَبِيحٌ، فَتَخَطَّى رِقَابَهُمْ فَبَكَى، ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: إِنَّ فِي اللَّهِ عَزَاءً مَنْ كُلِّ مُصِيبَةٍ، وَعِوَضًا مَنْ كُلِّ فَائِتٍ، وَخَلَفًا مَنْ كُلِّ هَالِكٍ، فَإِلَى اللَّهِ فَأَنِيبُوا، وَإِلَيْهِ فَارْغُبُوا، وَنَظَرُهُ إِلَيْكُمْ فِي الْبَلَايَا، فَانْظُرُوا، فَإِنَّ الْمُصَابَ مَنْ لَمْ يَجْبُرْهُ. فَانْصَرَفَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: تَعْرِفُونَ الرَّجُلَ؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ وَعَلِيٌّ: نَعَمْ، هَذَا أَخُو رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْخَضِرُ. ثُمَّ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: عَبَّادُ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ ضَعِيفٌ، وَهَذَا مُنْكَرٌ بِمَرَّةٍ.
وَقَدْ رَوَى الْحَارِثُ بْنُ أَبِي أُسَامَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدٍ أَنْبَأَنَا هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ، ثَنَا صَالِحٌ الْمُرِّيُّ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ الْمَدَنِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ قَبَضَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، دَخَلَ الْمُهَاجِرُونَ فَوْجًا فَوْجًا يُصَلُّونَ عَلَيْهِ وَيَخْرُجُونَ، ثُمَّ دَخَلَتِ

(8/167)


الْأَنْصَارُ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ، ثُمَّ دَخَلَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ حَتَّى إِذَا فَرَغَتِ الرِّجَالُ دَخَلَتِ النِّسَاءُ، فَكَانَ مِنْهُنَّ صَوْتٌ وَجَزَعٌ كَبَعْضِ مَا يَكُونُ مِنْهُنَّ، فَسَمِعْنَ هَدَّةً فِي الْبَيْتِ فَفَرِقْنَ فَسَكَتْنَ، فَإِذَا قَائِلٌ يَقُولُ: إِنَّ فِي اللَّهِ عَزَاءً مَنْ كُلِّ هَالِكٍ، وَعِوَضًا مَنْ كُلِّ مُصِيبَةٍ، وَخَلَفًا مَنْ كُلِّ فَائِتٍ، وَالْمَجْبُورُ مَنْ جَبَرَهُ الثَّوَابُ، وَالْمُصَابُ مَنْ لَمْ يَجْبُرْهُ الثَّوَابُ.

(8/168)


[فَصْلٌ فِيمَا رُوِيَ مِنْ مَعْرِفَةِ أَهْلِ الْكِتَابِ بِيَوْمِ وَفَاتِهِ، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ]
قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيِّ قَالَ: كُنْتُ بِالْيَمَنِ، فَلَقِيتُ رَجُلَيْنِ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ ; ذَا كَلَاعٍ وَذَا عَمْرٍو، فَجَعَلْتُ أُحَدِّثُهُمَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ: فَقَالَا لِي: إِنْ كَانَ مَا تَقُولُ حَقًّا فَقَدْ مَضَى صَاحِبُكَ عَلَى أَجَلِهِ مُنْذُ ثَلَاثٍ. قَالَ: فَأَقْبَلْتُ وَأَقْبَلَا مَعِي حَتَّى إِذَا كُنَّا فِي بَعْضِ الطَّرِيقِ رُفِعَ لَنَا رَكْبٌ مِنْ قِبَلِ الْمَدِينَةِ، فَسَأَلْنَاهُمْ فَقَالُوا: قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَاسْتُخْلِفَ أَبُو بَكْرٍ، وَالنَّاسُ صَالِحُونَ. قَالَ: فَقَالَا لِي: أَخْبِرْ صَاحِبَكَ أَنَّا قَدْ جِئْنَا، وَلَعَلَّنَا سَنَعُودُ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ. قَالَ: وَرَجَعَا إِلَى الْيَمَنِ، فَلَمَّا أَتَيْتُ أَخْبَرْتُ أَبَا بَكْرٍ بِحَدِيثِهِمْ، قَالَ: أَفَلَا جِئْتَ بِهِمْ. فَلَمَّا كَانَ بَعْدُ قَالَ: لِي ذُو عَمْرٍو: يَا جَرِيرُ، إِنَّ بِكَ عَلَيَّ كَرَامَةً، وَإِنِّي مُخْبِرُكَ خَبَرًا، إِنَّكُمْ، مَعْشَرَ الْعَرَبِ، لَنْ تَزَالُوا بِخَيْرٍ مَا كُنْتُمْ إِذَا هَلَكَ أَمِيرٌ تَأَمَّرْتُمُ فِي آخَرَ، وَإِذَا كَانَتْ

(8/169)


بِالسَّيْفِ كُنْتُمْ مُلُوكًا تَغْضَبُونَ غَضَبَ الْمُلُوكِ، وَتَرْضَوْنَ رِضَا الْمُلُوكِ. هَكَذَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ. وَهَكَذَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ، عَنِ الْحَاكِمِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ سُفْيَانَ عَنْهُ.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَنْبَأَنَا الْحَاكِمُ، أَنْبَأَنَا عَلِيُّ بْنُ الْمُؤَمَّلِ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُونُسَ ثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِسْحَاقَ الْحَضْرَمِيُّ، ثَنَا زَائِدَةُ، عَنْ زِيَادِ بْنِ عِلَاقَةَ، عَنْ جَرِيرٍ قَالَ: لَقِيَنِي حَبْرٌ بِالْيَمَنِ، وَقَالَ لِي: إِنْ كَانَ صَاحِبُكُمْ نَبِيًّا فَقَدْ مَاتَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ. هَكَذَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ.
وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ، ثَنَا زَائِدَةُ، ثَنَا زِيَادُ بْنُ عِلَاقَةَ، عَنْ جَرِيرٍ قَالَ: قَالَ لِي حَبْرٌ بِالْيَمَنِ: إِنْ كَانَ صَاحِبُكُمْ نَبِيًّا فَقَدْ مَاتَ الْيَوْمَ. قَالَ جَرِيرٌ «فَمَاتَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» .

(8/170)


وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَنْبَأَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ الْمُعَدَّلُ بِبَغْدَادَ، أَنْبَأَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْهَيْثَمِ، ثَنَا سَعِيدُ بْنُ كَثِيرِ بْنِ عُفَيْرٍ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ كَعْبِ بْنِ عَلْقَمَةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ عَدِيٍّ التَّنُوخِيُّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ نَاعِمِ بْنِ أُجَيْلٍ، عَنْ كَعْبِ بْنِ عَدِيٍّ قَالَ: أَقْبَلْتُ فِي وَفْدٍ مِنْ أَهْلِ الْحَيْرَةِ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَعَرَضَ عَلَيْنَا الْإِسْلَامَ فَأَسْلَمْنَا، ثُمَّ انْصَرَفْنَا إِلَى الْحِيرَةِ فَلَمْ نَلْبَثْ أَنْ جَاءَتْنَا وَفَاةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَارْتَابَ أَصْحَابِي، وَقَالُوا: لَوْ كَانَ نَبِيًّا لَمْ يَمُتْ. فَقُلْتُ: قَدْ مَاتَ الْأَنْبِيَاءُ قَبْلَهُ. وَثَبَتُّ عَلَى إِسْلَامِي، ثُمَّ خَرَجْتُ أُرِيدُ الْمَدِينَةَ فَمَرَرْتُ بِرَاهِبٍ كُنَّا لَا نُقْطَعُ أَمْرًا دُونَهُ، فَقُلْتُ لَهُ: أَخْبِرْنِي عَنْ أَمْرٍ أَرَدْتُهُ لَقِحَ فِي صَدْرِي مِنْهُ شَيْءٌ. فَقَالَ: ائْتِ بِاسْمٍ مِنَ الْأَسْمَاءِ. فَأَتَيْتُهُ بِكَعْبٍ، فَقَالَ: أَلْقِهِ فِي هَذَا السِّفْرِ. لِسِفْرٍ أَخْرَجَهُ، فَأَلْقَيْتُ الْكَعْبَ فِيهِ فَصَفَحَ فِيهِ، فَإِذَا بِصِفَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا رَأَيْتُهُ، وَإِذَا هُوَ يَمُوتُ فِي الْحِينِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، قَالَ: فَاشْتَدَّتْ بَصِيرَتِي فِي إِيمَانِي، وَقَدِمْتُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَأَعْلَمْتُهُ وَأَقَمْتُ عِنْدَهُ فَوَجَّهَنِي إِلَى الْمُقَوْقِسِ فَرَجَعْتُ، وَوَجَّهَنِي أَيْضًا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَقَدِمْتُ عَلَيْهِ بِكِتَابِهِ، فَأَتَيْتُهُ وَقْعَةَ الْيَرْمُوكِ وَلَمْ أَعْلَمْ بِهَا، فَقَالَ

(8/171)


لِي: أَعَلِمْتَ أَنَّ الرُّومَ قَتَلَتِ الْعَرَبَ وَهَزَمَتْهُمْ؟ فَقُلْتُ: كَلَّا. قَالَ: وَلِمَ؟ قُلْتُ: إِنَّ اللَّهَ وَعَدَ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ، وَلَيْسَ بِمُخْلِفٍ الْمِيعَادَ. قَالَ فَإِنَّ نَبِيَّكُمْ قَدْ صَدَقَكُمْ ; قُتِلَتِ الرُّومُ وَاللَّهِ قَتْلَ عَادٍ. قَالَ: ثُمَّ سَأَلَنِي عَنْ وُجُوهِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرْتُهُ، فَأَهْدَى إِلَى عُمَرَ وَإِلَيْهِمْ. وَكَانَ مِمَّنْ أَهْدَى إِلَيْهِ عَلِيٌّ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ وَالزُّبَيْرُ. وَأَحْسَبُهُ ذَكَرَ الْعَبَّاسَ، قَالَ كَعْبٌ: وَكُنْتُ شَرِيكًا لِعُمَرَ فِي الْبَزِّ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَلَمَّا أَنْ فَرَضَ الدِّيوَانَ فَرَضَ لِي فِي بَنِي عَدِيِّ بْنِ كَعْبٍ. وَهَذَا أَثَرٌ غَرِيبٌ، وَفِيهِ نَبَأٌ عَجِيبٌ وَهُوَ صَحِيحٌ.

[فَصْلٌ فِي أُمُورٍ وَقَعَتْ بَعْدَ وَفَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ]
فَصْلٌ
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: وَلَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَظُمَتْ بِهِ مُصِيبَةُ الْمُسْلِمِينَ، فَكَانَتْ عَائِشَةُ، فِيمَا بَلَغَنِي، تَقُولُ: لَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ارْتَدَّتِ الْعَرَبُ، وَاشْرَأَبَّتِ الْيَهُودِيَّةُ وَالنَّصْرَانِيَّةُ، وَنَجَمَ النِّفَاقُ، وَصَارَ الْمُسْلِمُونَ كَالْغَنَمِ الْمَطِيرَةِ فِي اللَّيْلَةِ الشَّاتِيَةِ ; لِفَقْدِ نَبِيِّهِمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى جَمَعَهُمُ اللَّهُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ وَحَدَّثَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ وَغَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، أَنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ مَكَّةَ لَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَمُّوا بِالرُّجُوعِ عَنِ الْإِسْلَامِ وَأَرَادُوا ذَلِكَ، حَتَّى خَافَهُمْ عَتَّابُ بْنُ أَسِيدٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَتَوَارَى، فَقَامَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ ذَكَرَ وَفَاةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ إِنَّ ذَلِكَ لَمْ يَزِدِ الْإِسْلَامَ إِلَّا قُوَّةً فَمَنْ رَابَنَا ضَرَبْنَا عُنُقَهُ. فَتَرَاجَعَ النَّاسُ وَكَفُّوا

(8/172)


عَمَّا هَمُّوا بِهِ، فَظَهَرَ عَتَّابُ بْنُ أَسِيدٍ فَهَذَا الْمَقَامُ الَّذِي أَرَادَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - يَعْنِي حِينَ أَشَارَ بِقَلْعِ ثَنِيَّتِهِ حِينَ وَقَعَ فِي الْأُسَارَى يَوْمَ بَدْرٍ - «إِنَّهُ عَسَى أَنْ يَقُومَ مَقَامًا لَا تَذُمُّهُ» .
قُلْتُ: وَسَيَأْتِي عَمَّا قَرِيبٍ إِنْ شَاءَ اللَّهُ ذِكْرُ مَا وَقَعَ بَعْدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الرِّدَّةِ فِي أَحْيَاءٍ كَثِيرَةٍ مِنَ الْعَرَبِ، وَمَا كَانَ مِنْ أَمْرِ مُسَيْلِمَةَ بْنِ حَبِيبٍ الْمُتَنَبِّئِ بِالْيَمَامَةِ، وَالْأَسْوَدِ الْعَنْسِيِّ بِالْيَمَنِ، وَمَا كَانَ مِنْ أَمْرِ النَّاسِ حَتَّى فَاءُوا وَرَجَعُوا إِلَى اللَّهِ تَائِبِينَ نَازِعِينَ عَمَّا كَانُوا عَلَيْهِ فِي حَالِ رِدَّتِهِمْ مِنَ السَّفَاهَةِ وَالْجَهْلِ الْعَظِيمِ الَّذِي اسْتَفَزَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِهِ، حَتَّى نَصَرَهُمُ اللَّهُ وَثَبَّتَهُمْ، وَرَدَّهُمْ إِلَى دِينِهِ الْحَقِّ عَلَى يَدَيِ الْخَلِيفَةِ الصِّدِّيقِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَرْضَاهُ، كَمَا سَيَأْتِي مَبْسُوطًا مُبَيَّنًا مَشْرُوحًا، إِنْ شَاءَ اللَّهُ.

[فَصْلٌ فِيمَا قِيلَ فِي رِثَائِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ]
فَصْلٌ
وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ وَغَيْرُهُ قَصَائِدَ لِحَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فِي وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمِنْ أَجَلِّ ذَلِكَ وَأَفْصَحِهِ وَأَعْظَمِهِ، مَا رَوَاهُ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ هِشَامٍ، رَحِمَهُ اللَّهُ عَنْ أَبِي زَيْدٍ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّ حَسَّانَ بْنَ ثَابِتٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ يَبْكِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
بَطَيْبَةَ رَسْمٌ لِلرَّسُولِ وَمَعْهَدُ ... مُنِيرٌ وَقَدْ تَعْفُو الرُّسُومُ وَتَهْمُدُ

(8/173)


وَلَا تَمْتَحِي الْآيَاتُ مِنْ دَارِ حُرْمَةٍ بِهَا مِنْبَرُ الْهَادِي الَّذِي كَانَ يَصْعَدُ
وَوَاضِحُ آيَاتٍ وَبَاقِي مَعَالِمٍ ... وَرَبْعٌ لَهُ فِيهِ مُصَلًّى وَمَسْجِدُ
بِهَا حُجُرَاتٌ كَانَ يَنْزِلُ وَسْطَهَا مِنَ اللَّهِ نُورٌ يُسْتَضَاءُ وَيُوقَدُ ... مَعَارِفُ لَمْ تُطْمَسْ عَلَى الْعَهْدِ آيُهَا
أَتَاهَا الْبِلَى فَالْآيُ مِنْهَا تَجَدَّدُ ... عَرَفْتُ بِهَا رَسْمَ الرَّسُولِ وَعَهْدَهُ وَقَبْرًا بِهَا وَارَاهُ فِي التُّرْبِ مَلْحَدُ
ظَلِلْتُ بِهَا أَبْكِي الرَّسُولَ فَأَسْعَدَتْ ... عُيُونٌ وَمِثْلَاهَا مِنَ الْجَفْنِ تُسْعِدُ
يُذَكِّرْنَ آلَاءَ الرَّسُولِ وَلَا أَرَى لَهَا مُحْصِيًا نَفْسِي فَنَفْسِي تَبَلَّدُ ... مُفَجَّعَةٌ قَدْ شَفَّهَا فَقْدُ أَحْمَدٍ
فَظَلَّتْ لِآلَاءِ الرَّسُولِ تَعَدَّدُ ... وَمَا بَلَغَتْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ عَشِيرَهُ وَلَكِنْ لِنَفْسِي بَعْدُ مَا قَدْ تَوَجَّدُ
أَطَالَتْ وُقُوفًا تَذْرِفُ الْعَيْنُ جُهْدَهَا ... عَلَى طَلَلِ الْقَبْرِ الَّذِي فِيهِ أَحْمَدُ
فَبُورِكْتَ يَا قَبْرَ الرَّسُولِ وَبُورِكَتْ بِلَادٌ ثَوَى فِيهَا الرَّشِيدُ الْمُسَدَّدُ ...

(8/174)


وَبُورِكَ لَحْدٌ مِنْكَ ضُمِّنَ طَيِّبًا
عَلَيْهِ بِنَاءٌ مِنْ صَفِيحٍ مُنَضَّدُ ... تُهِيلُ عَلَيْهِ التُّرْبَ أَيْدٍ وَأَعْيُنٌ عَلَيْهِ وَقَدْ غَارَتْ بِذَلِكَ أَسْعُدُ
لَقَدْ غَيَّبُوا حِلْمًا وَعِلْمًا وَرَحْمَةً ... عَشِيَّةَ عَلَّوْهُ الثَّرَى لَا يُوَسَّدُ
وَرَاحُوا بِحُزْنٍ لَيْسَ فِيهِمْ نَبِيُّهُمْ وَقَدْ وَهَنَتْ مِنْهُمْ ظُهُورٌ وَأَعْضُدُ ... يُبَكُّونَ مَنْ تَبْكِي السَّمَاوَاتُ يَوْمَهُ
وَمَنْ قَدْ بَكَتْهُ الْأَرْضُ فَالنَّاسُ أَكْمَدُ ... وَهَلْ عَدَلَتْ يَوْمًا رَزِيَّةُ هَالِكٍ رَزِيَّةَ يَوْمٍ مَاتَ فِيهِ مُحَمَّدُ
تَقَطَّعَ فِيهِ مُنْزَلُ الْوَحْيِ عَنْهُمُ ... وَقَدْ كَانَ ذَا نُورٍ يَغُورُ وَيُنْجِدُ
يَدَلُّ عَلَى الرَّحْمَنِ مَنْ يَقْتَدِي بِهِ ... وَيُنْقِذُ مِنْ هَوْلِ الْخَزَايَا وَيُرْشِدُ
إِمَامٌ لَهُمْ يَهْدِيهِمُ الْحَقَّ جَاهِدًا ... مُعَلِّمُ صِدْقٍ إِنْ يُطِيعُوهُ يَسْعَدُوا
عَفُوٌّ عَنِ الزَّلَّاتِ يَقْبَلُ عُذْرَهُمْ ... وَإِنْ يُحْسِنُوا فَاللَّهُ بِالْخَيْرِ أَجْوَدُ
وَإِنْ نَابَ أَمْرٌ لَمْ يَقُومُوا بِحَمْلِهِ ... فَمِنْ عِنْدِهِ تَيْسِيرُ مَا يَتَشَدَّدُ
فَبَيْنَا هُمُ فِي نِعْمَةِ اللَّهِ بَيْنَهُمْ ... دَلِيلٌ بِهِ نَهْجُ الطَّرِيقَةِ يُقْصَدُ
عَزِيزٌ عَلَيْهِ أَنْ يَجُورُوا عَنِ الْهُدَى ... حَرِيصٌ عَلَى أَنْ يَسْتَقِيمُوا وَيَهْتَدُوا
عَطُوفٌ عَلَيْهِمْ لَا يُثَنِّي جَنَاحَهُ ... إِلَى كَنَفٍ يَحْنُو عَلَيْهِمْ وَيَمْهَدُ

(8/175)


فَبَيْنَاهُمُ فِي ذَلِكَ النُّورِ إِذْ غَدَا ... إِلَى نُورِهِمْ سَهْمٌ مِنَ الْمَوْتِ مُقْصِدُ
فَأَصْبَحَ مَحْمُودًا إِلَى اللَّهِ رَاجِعًا ... يُبَكِّيهِ حَقُّ الْمُرْسَلَاتِ وَيَحْمَدُ
وَأَمْسَتْ بِلَادُ الْحُرْمِ وَحْشًا بِقَاعُهَا ... لِغَيْبَةِ مَا كَانَتْ مِنَ الْوَحْيِ تَعْهَدُ
قِفَارًا سِوَى مَعْمُورَةِ اللَّحْدِ ضَافَهَا ... فَقِيدٌ يُبَكِّيهِ بَلَاطٌ وَغَرْقَدُ
وَمَسْجِدُهُ فَالْمُوحِشَاتُ لِفَقْدِهِ ... خَلَاءٌ لَهُ فِيهِ مَقَامٌ وَمَقْعَدُ
وَبِالْجَمْرَةِ الْكُبْرَى لَهُ ثَمَّ أَوْحَشَتْ ... دِيَارٌ وَعَرْصَاتٌ وَرَبْعٌ وَمَوْلِدُ
فَبَكِّي رَسُولَ اللَّهِ يَا عَيْنُ عَبْرَةً ... وَلَا أَعْرِفَنْكِ الدَّهْرَ دَمْعُكِ يَجْمُدُ
وَمَالَكِ لَا تَبْكِينِ ذَا النِّعْمَةِ الَّتِي ... عَلَى النَّاسِ مِنْهَا سَابِغٌ يَتَغَمَّدُ
فَجُودِي عَلَيْهِ بِالدُّمُوعِ وَأَعْوِلِي ... لِفَقْدِ الَّذِي لَا مِثْلُهُ الدَّهْرَ يُوجَدُ
وَمَا فَقَدَ الْمَاضُونَ مِثْلَ مُحَمَّدٍ ... وَلَا مِثْلُهُ حَتَّى الْقِيَامَةِ يُفْقَدُ
أَعَفَّ وَأَوْفَى ذِمَّةً بَعْدَ ذِمَّةٍ ... وَأَقْرَبَ مِنْهُ نَائِلًا لَا يُنَكَّدُ
وَأَبْذَلَ مِنْهُ لِلطَّرِيفِ وَتَالِدٍ ... إِذَا ضَنَّ مِعْطَاءٌ بِمَا كَانَ يَتْلَدُ
وَأَكْرَمَ صِيتًا فِي الْبُيُوتِ إِذَا انْتَمَى ... وَأَكْرَمَ جَدًّا أَبْطَحِيًّا يُسَوَّدُ

(8/176)


وَأَمْنَعَ ذِرْوَاتٍ وَأَثْبَتَ فِي الْعُلَا ... دَعَائِمَ عِزٍّ شَاهِقَاتٍ تُشَيَّدُ
وَأَثْبَتَ فَرْعًا فِي الْفُرُوعِ وَمَنْبِتًا ... وَعُودًا غَذَاهُ الْمُزْنُ فَالْعُودُ أَغْيَدُ
رَبَاهُ وَلِيدًا فَاسْتَتَمَّ تَمَامُهُ ... عَلَى أَكْرَمِ الْخَيْرَاتِ رَبٌّ مُمَجَّدُ
تَنَاهَتْ وَصَاةُ الْمُسْلِمِينَ بِكَفِّهِ ... فَلَا الْعِلْمُ مَحْبُوسٌ وَلَا الرَّأْيُ يُفْنَدُ
أَقُولُ وَلَا يُلْفَى لِمَا قُلْتُ عَائِبٌ ... مِنَ النَّاسِ إِلَّا عَازِبُ الْقَوْلِ مُبْعَدُ
وَلَيْسَ هَوَايَ نَازِعًا عَنْ ثَنَائِهِ ... لَعَلِّي بِهِ فِي جَنَّةِ الْخُلْدِ أَخْلُدُ
مَعَ الْمُصْطَفَى أَرْجُو بِذَاكَ جِوَارَهُ ... وَفِي نَيْلِ ذَاكَ الْيَوْمِ أَسْعَى وَأَجْهَدُ
وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو الْقَاسِمِ السُّهَيْلِيُّ فِي آخِرِ كِتَابِهِ " الرَّوْضِ ": وَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ يَبْكِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
أَرِقْتُ فَبَاتَ لَيْلِيَ لَا يَزُولُ ... وَلَيْلُ أَخِي الْمُصِيبَةِ فِيهِ طُولُ
وَأَسْعَدَنِي الْبُكَاءُ وَذَاكَ فِيمَا أُصِيبَ الْمُسْلِمُونَ بِهِ قَلِيلُ ... لَقَدْ عَظُمَتْ مُصِيبَتُنَا وَجَلَّتْ
عَشِيَّةَ قِيلَ قَدْ قُبِضَ الرَّسُولُ ... وَأَضْحَتْ أَرْضُنَا مِمَّا عَرَاهَا تَكَادُ بِنَا جَوَانِبُهَا تَمِيلُ
فَقَدْنَا الْوَحْيَ وَالتَّنْزِيلَ فِينَا ... يَرُوحُ بِهِ وَيَغْدُوُ جِبْرَئِيلُ

(8/177)


وَذَاكَ أَحَقُّ مَا سَالَتْ عَلَيْهِ نُفُوسُ النَّاسِ أَوْ كَرَبَتْ تَسِيلُ ... نَبِيٌّ كَانَ يَجْلُو الشَّكَّ عَنَّا
بِمَا يُوحَى إِلَيْهِ وَمَا يَقُولُ ... وَيَهْدِينَا
فَلَا نَخْشَى ضَلَالًا عَلَيْنَا وَالرَّسُولُ لَنَا دَلِيلُ ... أَفَاطِمُ إِنْ جَزِعْتِ فَذَاكَ عُذْرٌ
وَإِنْ لَمْ تَجْزَعِي ذَاكَ السَّبِيلُ ... فَقَبْرُ أَبِيكِ سَيِّدُ كُلِّ قَبْرٍ
وَفِيهِ سَيِّدُ النَّاسِ الرَّسُولُ

(8/178)