البداية والنهاية، ط. دار هجر
[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ خَمْسٍ
وَعِشْرِينَ]
[مَا وَقَعَ فِيهَا مِنْ أَحْدَاثٍ]
وَفِيهَا نَقَضَ أَهْلُ إِسْكَنْدَرِيَّةَ الْعَهْدَ، وَذَلِكَ أَنَّ
مَلِكَ الرُّومِ بَعَثَ إِلَيْهِمْ مَنَوِيلَ الْخَصِيَّ فِي مَرَاكِبَ
مِنَ الْبَحْرِ، فَطَمِعُوا فِي النُّصْرَةِ وَنَقَضُوا ذِمَّتَهُمْ،
فَغَزَاهُمْ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ فِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ مِنْهَا،
فَافْتَتَحَ الْأَرْضَ عَنْوَةً، وَافْتَتَحَ الْمَدِينَةَ صُلْحًا.
وَفِيهَا حَجَّ بِالنَّاسِ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ، رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ.
وَفِيهَا فِي قَوْلِ سَيْفٍ عَزَلَ عُثْمَانُ سَعْدًا عَنِ الْكُوفَةِ
وَوَلَّى الْوَلِيدَ بْنَ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ مَكَانَهُ.
فَكَانَ هَذَا مِمَّا نُقِمَ عَلَى عُثْمَانَ.
وَفِيهَا وَجَّهَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ عَبْدَ اللَّهَ بْنَ سَعْدِ
بْنِ أَبِي سَرْحٍ لِغَزْوِ بِلَادِ الْمَغْرِبِ، وَاسْتَأْذَنَهُ
ابْنُ أَبِي سَرْحٍ فِي غَزْوِ إِفْرِيقِيَّةَ فَأَذِنَ لَهُ.
وَيُقَالُ: فِيهَا أَيْضًا عَزَلَ عُثْمَانُ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ
عَنْ مِصْرَ وَوَلَّى عَلَيْهَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَعْدِ بْنِ أَبِي
سَرْحٍ. وَقِيلَ: بَلْ كَانَ هَذَا فِي سَنَةِ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ.
كَمَا سَيَأْتِي. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَفِيهَا فَتَحَ مُعَاوِيَةُ الْحُصُونَ. وَفِيهَا وُلِدَ ابْنُهُ
يَزِيدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ.
(10/223)
[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ سِتٍّ وَعِشْرِينَ]
قَالَ الْوَاقِدِيُّ: فِيهَا أَمَرَ عُثْمَانُ بِتَجْدِيدِ أَنْصَابِ
الْحَرَمِ، وَفِيهَا وَسَّعَ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ، وَفِيهَا عَزَلَ
سَعْدًا عَنِ الْكُوفَةِ وَوَلَّى الْوَلِيدَ بْنَ عُقْبَةَ، وَكَانَ
سَبَبُ عَزْلِ سَعْدٍ أَنَّهُ اقْتَرَضَ مِنِ ابْنِ مَسْعُودٍ مَالًا
مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فَلَمَّا تَقَاضَاهُ بِهِ ابْنُ مَسْعُودٍ وَلَمْ
يَتَيَسَّرْ قَضَاؤُهُ تَقَاوَلَا وَجَرَتْ بَيْنَهُمَا خُصُومَةٌ
شَدِيدَةٌ، فَغَضِبَ عَلَيْهِمَا عُثْمَانُ فَعَزَلَ سَعْدًا
وَاسْتَعْمَلَ الْوَلِيدَ بْنَ عُقْبَةَ - وَكَانَ عَامِلًا لِعُمَرَ
عَلَى عَرَبِ الْجَزِيرَةِ - فَلَمَّا قَدِمَهَا أَقْبَلَ عَلَيْهِ
أَهْلُهَا، فَأَقَامَ بِهَا خَمْسَ سِنِينَ وَلَيْسَ عَلَى دَارِهِ
بَابٌ وَكَانَ فِيهِ رِفْقٌ بِرَعِيَّتِهِ.
قَالَ الْوَاقِدِيُّ: وَفِيهَا حَجَّ بِالنَّاسِ عُثْمَانُ بْنُ
عَفَّانَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. وَقَالَ غَيْرُهُ: وَفِيهَا
افْتَتَحَ عُثْمَانُ بْنُ أَبِي الْعَاصِ سَابُورَ صُلْحًا عَلَى
ثَلَاثَةِ آلَافِ أَلْفٍ وَثَلَاثِمِائَةِ أَلْفٍ.
(10/224)
[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ سَبْعٍ
وَعِشْرِينَ]
[مَا وَقَعَ فِيهَا مِنْ أَحْدَاثٍ]
قَالَ الْوَاقِدِيُّ وَأَبُو مَعْشَرٍ: وَفِيهَا عَزَلَ عُثْمَانُ
عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ عَنْ مِصْرَ وَوَلَّى عَلَيْهَا عَبْدَ اللَّهِ
بْنَ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ - وَكَانَ أَخَا عُثْمَانَ لِأُمِّهِ -
وَهُوَ الَّذِي شَفَعَ لَهُ يَوْمَ الْفَتْحِ حِينَ كَانَ أَهْدَرَ
رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، دَمَهُ. وَكَانَ
يَكْتُبُ الْوَحْيَ ثُمَّ ارْتَدَّ عَنِ الْإِسْلَامِ، فَأَبَاحَ
دَمَهُ يَوْمَ الْفَتْحِ. وَهَذَا أَيْضًا مِمَّا نُقِمَ عَلَى
عُثْمَانَ.
[غَزْوَةُ إِفْرِيقِيَّةَ]
أَمَرَ عُثْمَانُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ أَنْ
يَغْزُوَ بِلَادَ إِفْرِيقِيَّةَ، فَإِذَا فَتَحَهَا اللَّهُ عَلَيْهِ
فَلَهُ خُمْسُ الْخُمْسِ مِنَ الْغَنِيمَةِ نَفْلًا. فَسَارَ إِلَيْهَا
فِي عَشَرَةِ آلَافٍ فَافْتَتَحَهَا؛ سَهْلَهَا وَجَبَلَهَا، وَقَتَلَ
خَلْقَا كَثِيرًا مِنْ أَهْلِهَا، ثُمَّ اجْتَمَعُوا عَلَى الطَّاعَةِ
وَالْإِسْلَامِ، وَحَسُنَ إِسْلَامُهُمْ، وَأَخَذَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
سَعْدٍ خُمْسَ الْخُمْسِ مِنَ الْغَنِيمَةِ، وَبَعَثَ بِأَرْبَعَةِ
أَخْمَاسِهِ إِلَى عُثْمَانَ، وَقَسَمَ أَرْبَعَةَ أَخْمَاسِ
الْغَنِيمَةِ بَيْنَ الْجَيْشِ فَأَصَابَ الْفَارِسُ ثَلَاثَةَ آلَافِ
دِينَارٍ وَالرَّاجِلُ أَلْفَ دِينَارٍ.
قَالَ الْوَاقِدِيُّ: وَصَالَحَهُ بِطْرِيقُهَا عَلَى أَلْفَيْ أَلْفِ
دِينَارٍ وَخَمْسِمِائَةِ أَلْفِ دِينَارٍ وَعِشْرِينَ أَلْفِ دِينَارٍ
فَأَطْلَقَهَا كُلَّهَا عُثْمَانُ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ لِآلِ الْحَكَمِ.
(10/225)
وَيُقَالُ: لِآلِ مَرْوَانَ.
[غَزْوَةُ الْأَنْدَلُسِ]
لَمَّا افْتُتِحَتْ إِفْرِيقِيَّةُ بَعَثَ عُثْمَانُ عَبْدَ اللَّهِ
بْنَ نَافِعِ بْنِ الْحُصَيْنِ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ نَافِعِ بْنِ
عَبْدِ قَيْسٍ مِنْ فَوْرِهِمَا إِلَى الْأَنْدَلُسِ، فَأَتَيَاهَا
مِنْ قِبَلِ الْبَحْرِ، وَكَتَبَ عُثْمَانُ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا
إِلَيْهَا يَقُولُ: إِنَّ الْقُسْطَنْطِينِيَّةَ إِنَّمَا تُفْتَحُ
مِنْ قِبَلِ الْبَحْرِ، وَأَنْتُمْ إِذَا فَتَحْتُمُ الْأَنْدَلُسَ
فَأَنْتُمْ شُرَكَاءُ لِمَنْ يَفْتَتِحُ قُسْطَنْطِينِيَّةَ فِي
الْأَجْرِ آخِرَ الزَّمَانِ، وَالسَّلَامُ. قَالَ: فَسَارُوا إِلَيْهَا
فَافْتَتَحُوهَا. وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ.
[وَقْعَةُ جُرْجِيرَ وَالْبَرْبَرِ مَعَ الْمُسْلِمِينَ]
لَمَّا قَصَدَ الْمُسْلِمُونَ - وَهُمْ عِشْرُونَ أَلْفًا -
إِفْرِيقِيَّةَ وَعَلَيْهِمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدِ بْنِ أَبِي
سَرْحٍ، وَفِي جَيْشِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، وَعَبْدُ اللَّهِ
بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ،
صَمَدَ إِلَيْهِمْ مَلِكُ الْبَرْبَرِ جُرْجِيرُ فِي عِشْرِينَ
وَمِائَةِ أَلْفٍ. وَقِيلَ: فِي مِائَتَيْ أَلْفٍ. فَلَمَّا تَرَاءَى
الْجَمْعَانِ أَمَرَ جَيْشَهُ فَأَحَاطُوا بِالْمُسْلِمِينَ هَالَةً،
فَوَقَفَ الْمُسْلِمُونَ فِي مَوْقِفٍ لَمْ يُرَ أَشْنَعَ مِنْهُ وَلَا
أَخْوَفَ عَلَيْهِمْ
(10/226)
مِنْهُ. قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
الزُّبَيْرِ: فَنَظَرْتُ إِلَى الْمَلِكِ جُرْجِيرَ مِنْ وَرَاءِ
الصُّفُوفِ وَهُوَ رَاكِبٌ عَلَى بِرْذَوْنٍ وَجَارِيَتَانِ
تُظِلَّانِهِ بِرِيشِ الطَّوَاوِيسِ، فَذَهَبْتُ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ، فَسَأَلْتُهُ أَنْ يَبْعَثَ مَعِيَ
مَنْ يَحْمِي ظَهْرِي وَأَقْصِدُ الْمَلِكَ، فَجَهَّزَ مَعِي جَمَاعَةً
مِنَ الشُّجْعَانِ. قَالَ: فَأَمَرَ بِهِمْ فَحَمَوْا ظَهْرِي،
وَذَهَبْتُ حَتَّى اخْتَرَقْتُ الصُّفُوفَ إِلَيْهِ - وَهُمْ
يَظُنُّونَ أَنِّي فِي رِسَالَةٍ إِلَى الْمَلِكِ - فَلَمَّا
اقْتَرَبْتُ مِنْهُ أَحَسَّ مِنِّي الشَّرَّ فَفَرَّ عَلَى
بِرْذَوْنِهِ، فَلَحِقْتُهُ فَطَعَنْتُهُ بِرُمْحِي، وَذَفَفْتُ
عَلَيْهِ بِسَيْفِي، وَأَخَذْتُ رَأْسَهُ فَنَصَبْتُهُ عَلَى رَأْسِ
الرُّمْحِ، وَكَبَّرْتُ فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ الْبَرْبَرُ فَرِقُوا
وَفَرُّوا كَفِرَارِ الْقَطَا، وَأَتْبَعَهُمُ الْمُسْلِمُونَ
يَقْتُلُونَ وَيَأْسِرُونَ، فَغَنِمُوا غَنَائِمَ جَمَّةً،
وَأَمْوَالًا كَثِيرَةً، وَسَبْيًا عَظِيمًا، وَذَلِكَ بِبَلَدٍ
يُقَالُ لَهُ: سُبَيْطِلَةُ. عَلَى يَوْمَيْنِ مِنَ الْقَيْرَوَانِ.
فَكَانَ هَذَا أَوَّلَ مَوْقِفٍ اشْتَهَرَ فِيهِ أَمْرُ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ الزُّبَيْرِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَعَنْ أَبِيهِ
وَأَصْحَابِهِمَا أَجْمَعِينَ.
قَالَ الْوَاقِدِيُّ: وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ افْتُتِحَتْ إِصْطَخْرُ
ثَانِيَةً عَلَى يَدَيْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ، وَفِيهَا غَزَا
مُعَاوِيَةُ قِنَّسْرِينَ. وَفِيهَا حَجَّ بِالنَّاسِ عُثْمَانُ بْنُ
عَفَّانَ.
قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: قَالَ بَعْضُهُمْ: وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ غَزَا
مُعَاوِيَةُ قُبْرُسَ. وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: كَانَ ذَلِكَ فِي سَنَةِ
ثَمَانٍ وَعِشْرِينَ. وَقَالَ أَبُو مَعْشَرٍ: غَزَاهَا مُعَاوِيَةُ
سَنَةَ ثَلَاثٍ وَثَلَاثِينَ. فَاللَّهُ أَعْلَمُ.
(10/227)
|