البداية والنهاية، ط. دار هجر
[ذِكْرُ بَعْضِ مَا رُثِيَ بِهِ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ]
قَالَ مَجَالِدٌ عَنِ الشَّعْبِيِّ: مَا سَمِعْتُ مِنْ مَرَاثِي
عُثْمَانَ أَحْسَنَ مِنْ قَوْلِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ:
فَكَفَّ يَدَيْهِ ثُمَّ أَغْلَقَ بَابَهُ ... وَأَيْقَنَ أَنَّ اللَّهَ
لَيْسَ بِغَافِلِ
وَقَالَ لِأَهْلِ الدَّارِ لَا تَقْتُلُوهُمُ ... عَفَا اللَّهُ عَنْ
كُلِّ امْرِئٍ لَمْ يُقَاتِلِ
فَكَيْفَ رَأَيْتَ اللَّهَ صَبَّ عَلَيْهِمُ ... الْعَدَاوَةَ
وَالْبَغْضَاءَ بَعْدَ التَّوَاصُلِ
(10/341)
وَكَيْفَ رَأَيْتَ الْخَيْرَ أَدْبَرَ
بَعْدَهُ
عَنِ النَّاسِ إِدْبَارَ النَّعَامِ الْجَوَافِلِ
وَقَدْ نَسَبَ هَذِهِ الْأَبْيَاتِ سَيْفُ بْنُ عُمَرَ إِلَى
الْمُغِيرَةِ بْنِ الْأَخْنَسِ بْنِ شَرِيقٍ.
وَقَالَ سَيْفُ بْنُ عُمَرَ: وَقَالَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ:
مَاذَا أَرَدْتُمْ مِنْ أَخِي الدِّينِ بَارَكَتْ ... يَدُ اللَّهِ فِي
ذَاكَ الْأَدِيمِ الْمُقَدَّدِ
قَتَلْتُمْ وَلِيَّ اللَّهِ فِي جَوْفِ دَارِهِ ... وَجِئْتُمْ
بِأَمْرٍ جَائِرٍ غَيْرَ مُهْتَدِ
فَهَلَّا رَعَيْتُمْ ذِمَّةَ اللَّهِ بَيْنَكُمْ ... وَأَوْفَيْتُمُ
بِالْعَهْدِ عَهْدِ مُحَمَّدِ
أَلَمْ يَكُ فِيكُمْ ذَا بَلَاءٍ وَمَصْدَقٍ ... وَأَوْفَاكُمُ قِدْمًا
لَدَى كُلِّ مَشْهَدِ
فَلَا ظَفِرَتْ أَيْمَانُ قَوْمٍ تَبَايَعُوا ... عَلَى قَتْلِ
عُثْمَانَ الرَّشِيدِ الْمُسَدَّدِ
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: وَقَالَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ، رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ:
مَنْ سَرَّهُ الْمَوْتُ صِرْفًا لَا مِزَاجَ لَهُ ... فَلْيَأْتِ
مَأْسَدَةً فِي دَارِ عُثْمَانَا
(10/342)
مُسْتَشْعِرِي حَلَقَ الْمَاذِيِّ قَدْ
شُفِعَتْ
قَبْلَ الْمَخَاطِمِ بَيْضٌ زَانَ أَبْدَانَا ... ضَحَّوْا بَأَشْمَطَ
عُنْوَانُ السُّجُودِ بِهِ
يُقَطِّعُ اللَّيْلَ تَسْبِيحًا وُقُرْآنَا ... صَبْرًا فِدًى لَكُمُ
أُمِّي وَمَا وَلَدَتْ
قَدْ يَنْفَعُ الصَّبْرُ فِي الْمَكْرُوهِ أَحْيَانَا ... فَقَدْ
رَضِينَا بَأَرْضِ الشَّامِ نَافِرَةً
وَبِالْأَمِيرِ وَبِالْإِخْوَانِ إِخْوَانَا ... إِنِّي لَمِنْهُمْ
وَإِنْ غَابُوا وَإِنْ شَهِدُوا
مَا دُمْتُ حَيًّا وَمَا سُمِّيتُ حَسَّانَا ... لَتَسْمَعُنَ وَشِيكًا
فِي دِيَارِهِمُ
اللَّهُ أَكْبَرُ يَا ثَارَاتِ عُثْمَانَا ... يَا لَيْتَ شِعْرِي
وَلَيْتَ الطَّيْرَ تُخْبِرُنِي
مَا كَانَ شَأْنُ عَلِيٍّ وَابْنِ عَفَّانَا
وَقَالَ رَاعِي الْإِبِلِ النُّمَيْرِيُّ فِي عُثْمَانَ:
(10/343)
عَشِيَّةَ يَدْخُلُونَ بِغَيْرِ إِذْنٍ ...
عَلَى مُتَوَكِّلٍ أَوْفَى وَطَابَا
خَلِيلُ مُحَمِّدٍ وَوَزِيرُ صِدْقٍ ... وَرَابِعُ خَيْرِ مَنْ وَطِئِ
التُّرَابَا
[كَيْفِيَّةُ قَتْلِ عُثْمَانَ بِالْمَدِينَةِ وَبِهَا جَمَاعَةٌ مِنْ
كِبَارِ الصَّحَابَةِ]
فَصْلٌ (كَيْفِيَّةُ قَتْلِ عُثْمَانَ بِالْمَدِينَةِ وَبِهَا
جَمَاعَةٌ مِنْ كِبَارِ الصَّحَابَةِ)
إِنْ قَالَ قَائِلٌ: كَيْفَ وَقَعَ قَتْلُ عُثْمَانَ، رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ، بِالْمَدِينَةِ وَفِيهَا جَمَاعَةٌ مِنْ كِبَارِ الصَّحَابَةِ،
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ؟ فَجَوَابُهُ مِنْ وُجُوهٍ:
أَحَدُهَا، أَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ، بَلْ أَكْثَرُهُمْ أَوْ
كُلُّهُمْ، لَمْ يَكُنْ يَظُنُّ أَنَّهُ يَبْلُغُ الْأَمْرُ إِلَى
قَتْلِهِ، فَإِنَّ أُولَئِكَ الْأَحْزَابَ لَمْ يَكُونُوا يُحَاوِلُونَ
قَتْلَهُ عَيْنًا، بَلْ طَلَبُوا مِنْهُ أَحَدَ أُمُورٍ ثَلَاثَةٍ ;
إِمَّا أَنْ يَعْزِلَ نَفْسَهُ، أَوْ يُسَلِّمَ إِلَيْهِمْ مَرْوَانَ
بْنَ الْحَكَمِ، أَوْ يَقْتُلُوهُ، فَكَانُوا يَرْجُونَ أَنْ يُسَلِّمَ
إِلَى النَّاسِ مَرْوَانَ، أَوْ أَنْ يَعْزِلَ نَفْسَهُ وَيَسْتَرِيحَ
مِنْ هَذِهِ الضَّائِقَةِ الشَّدِيدَةِ. وَأَمَّا الْقَتْلُ فَمَا
كَانَ يَظُنُّ أَحَدٌ أَنَّهُ يَقَعُ، وَلَا أَنَّ هَؤُلَاءِ
يَجْتَرِئُونَ عَلَيْهِ إِلَى مَا هَذَا حَدُّهُ، حَتَّى وَقَعَ مَا
وَقَعَ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
الثَّانِي، أَنَّ الصَّحَابَةَ مَانَعُوا دُونَهُ أَشَدَّ
الْمُمَانَعَةِ، وَلَكِنْ لَمَّا وَقَعَ التَّضْيِيقُ الشَّدِيدُ
عَزَمَ عُثْمَانُ عَلَى النَّاسِ أَنَّ يَكُفُّوا أَيْدِيَهُمْ
وَيُغْمِدُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَفَعَلُوا، فَتَمَكَّنَ أُولَئِكَ مِمَّا
أَرَادُوا، وَمَعَ هَذَا مَا ظَنَّ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ أَنَّهُ
يُقْتَلُ بِالْكُلِّيَّةِ.
الثَّالِثُ، أَنَّ هَؤُلَاءِ الْخَوَارِجَ لَمَّا اغْتَنَمُوا غَيْبَةَ
كَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ فِي أَيَّامِ الْحَجِّ، وَلَمْ
تَقْدِمِ الْجُيُوشُ مِنَ الْآفَاقِ لِلنُّصْرَةِ، بَلْ لَمَّا
اقْتَرَبَ مَجِيئُهُمْ، انْتَهَزُوا فُرْصَتَهُمْ، قَبَّحَهُمُ
اللَّهُ، وَصَنَعُوا مَا صَنَعُوا مِنَ الْأَمْرِ الْعَظِيمِ.
الرَّابِعُ، أَنَّ هَؤُلَاءِ الْخَوَارِجُ كَانُوا قَرِيبًا مِنْ
أَلْفَيْ مُقَاتِلٍ مِنَ الْأَبْطَالِ، وَرُبَّمَا لَمْ
(10/344)
يَكُنْ فِي أَهْلِ الْمَدِينَةِ هَذِهِ
الْعِدَّةُ مِنَ الْمُقَاتِلَةِ ; لِأَنَّ النَّاسَ كَانُوا فِي
الثُّغُورِ وَفِي الْأَقَالِيمِ فِي كُلِّ جِهَةٍ وَفِي الْحَجِّ.
وَمَعَ هَذَا كَانَ كَثِيرٌ مِنَ الصَّحَابَةِ قَدِ اعْتَزَلَ هَذِهِ
الْفِتْنَةَ وَلَزِمُوا بُيُوتَهُمْ، وَمَنْ كَانَ يَحْضُرُ مِنْهُمُ
الْمَسْجِدَ لَا يَجِيءُ إِلَّا وَمَعَهُ السَّيْفُ يَضَعُهُ عَلَى
حَبْوَتِهِ إِذَا احْتَبَى، وَالْخَوَارِجُ مُحْدِقُونَ بِدَارِ
عُثْمَانَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. وَرُبَّمَا لَوْ أَرَادُوا
صَرْفَهُمْ عَنِ الدَّارِ لَمَا أَمْكَنَ ذَلِكَ.
وَلَكِنَّ كِبَارَ الصَّحَابَةِ قَدْ بَعَثُوا أَوْلَادَهُمْ إِلَى
الدَّارِ يُجَاحِفُونَ عَنْ عُثْمَانَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، لِكَيْ
تَقْدَمَ الْجُيُوشُ مِنَ الْأَمْصَارِ لِنُصْرَتِهِ، فَمَا فَجَأَ
النَّاسَ إِلَّا وَقَدْ ظَفِرَ أُولَئِكَ بِالدَّارِ مِنْ خَارِجِهَا،
وَأَحْرَقُوا بَابَهَا، وَتَسَوَّرُوا عَلَيْهِ حَتَّى قَتَلُوهُ.
وَأَمَّا مَا يَذْكُرُهُ بَعْضُ النَّاسِ مِنْ أَنَّ بَعْضَ
الصَّحَابَةِ أَسْلَمَهُ وَرَضِيَ بِقَتْلِهِ، فَهَذَا لَا يَصِحُّ
عَنْ أَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ أَنَّهُ رَضِيَ بِقَتْلِ عُثْمَانَ،
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، بَلْ كُلُّهُمْ كَرِهَهُ، وَمَقَتَهُ، وَسَبَّ
مَنْ فَعَلَهُ، وَلَكِنَّ بَعْضَهُمْ كَانَ يَوَدُّ لَوْ خَلَعَ
نَفْسَهُ مِنَ الْأَمْرِ ; كَعَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ، وَمُحَمَّدِ بْنِ
أَبِي بَكْرٍ، وَعَمْرِو بْنِ الْحَمِقِ وَغَيْرِهِمْ.
قَالَ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: دَفَنُوا عُثْمَانَ، رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ بِحَشِّ كَوْكَبٍ، وَكَانَ قَدِ اشْتَرَاهُ وَزَادَهُ
فِي الْبَقِيعِ.
وَلَقَدْ أَحْسَنَ بَعْضُ السَّلَفِ حَيْثُ يَقُولُ وَقَدْ سُئِلَ عَنْ
عُثْمَانَ: هُوَ أَمِيرُ الْبَرَرَةِ، وَقَتِيلُ الْفَجَرَةِ،
مَخْذُولٌ مَنْ خَذَلَهُ، مَنْصُورٌ مَنْ نَصَرَهُ.
(10/345)
وَقَالَ شَيْخُنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ
الذَّهَبِيُّ فِي آخِرِ تَرْجَمَةِ عُثْمَانَ وَفَضَائِلِهِ، بَعْدَ
حِكَايَتِهِ هَذَا الْكَلَامَ: قُلْتُ: الَّذِينَ قَتَلُوهُ أَوْ
أَلَّبُوا عَلَيْهِ قَتَلُوا إِلَى عَفْوِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ،
وَالَّذِينَ خَذَلُوهُ خَذَلُوا وَتَنَغَّصَ عَيْشُهُمْ، وَكَانَ
الْمُلْكُ بَعْدَهُ فِي نَائِبِهِ مُعَاوِيَةَ وَابْنَيْهِ، ثُمَّ فِي
وَزِيرِهِ مَرْوَانَ وَثَمَانِيَةٍ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ، اسْتَطَالُوا
حَيَاتَهُ وَمَلُّوهُ مَعَ فَضْلِهِ وَسَوَابِقِهِ، فَتَمَلَّكَ
عَلَيْهِمْ مَنْ هُوَ مِنْ بَنِي عَمِّهِ بِضْعًا وَثَمَانِينَ سَنَةً،
فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ. وَهَذَا لَفْظُهُ
بِحُرُوفِهِ.
(10/346)
[الْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ فِي فَضَائِلِ
عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ]
[نَسَبُهُ]
فَصْلٌ فِي الْإِشَارَةِ إِلَى شَيْءٍ مِنَ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ
فِي فَضَائِلِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
هُوَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ
عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ قُصَيِّ بْنِ كِلَابِ بْنِ
مُرَّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبِ بْنِ فِهْرِ بْنِ
مَالِكِ بْنِ النَّضْرِ بْنِ كِنَانَةَ بْنِ خُزَيْمَةَ بْنِ
مُدْرِكَةَ بْنِ إِلْيَاسَ بْنِ مُضَرَ بْنِ نِزَارِ بْنِ مَعَدِّ بْنِ
عَدْنَانَ، أَبُو عَمْرٍو، وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ، الْقُرَشِيُّ،
الْأُمَوِيُّ، أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ، ذُو النُّورَيْنِ، وَصَاحِبُ
الْهِجْرَتَيْنِ، وَالْمُصَلِّي إِلَى الْقِبْلَتَيْنِ، وَزَوْجُ
الِابْنَتَيْنِ. وَأُمُّهُ أَرْوَى بِنْتُ كُرَيْزِ بْنِ رَبِيعَةَ
بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ، وَأُمُّهَا أُمُّ حَكِيمٍ ; وَهِيَ الْبَيْضَاءُ
بِنْتُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ عَمَّةُ رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَهُوَ أَحَدُ الْعَشْرَةِ الْمَشْهُودِ لَهُمْ
بِالْجَنَّةِ، وَأَحَدُ السِّتَّةِ أَصْحَابِ الشُّورَى، وَأَحَدُ
الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خَلَصَتْ لَهُمُ الْخِلَافَةُ مِنَ السِّتَّةِ،
ثُمَّ تَعَيَّنَتْ فِيهِ بِإِجْمَاعِ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ،
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، فَكَانَ ثَالِثَ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ،
وَالْأَئِمَّةِ الْمَهْدِيِّينَ، الْمَأْمُورِ بِاتِّبَاعِهِمْ
وَالِاقْتِدَاءِ بِهِمْ.
أَسْلَمَ عُثْمَانُ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَدِيمًا عَلَى يَدَيْ
أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، وَكَانَ سَبَبُ إِسْلَامِهِ عَجِيبًا،
فِيمَا ذَكَرَهُ الْحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ، وَمُلَخَّصُ ذَلِكَ
أَنَّهُ لَمَّا بَلَغَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، زَوَّجَ ابْنَتَهُ رُقَيَّةَ - وَكَانَتْ ذَاتَ
جَمَالٍ - مِنَ ابْنِ عَمِّهَا عُتْبَةَ بْنِ أَبِي لَهَبٍ، تَأَسَّفَ
إِذْ لَمْ يَكُنْ هُوَ تَزَوَّجَهَا، فَدَخَلَ عَلَى أَهْلِهِ
مَهْمُومًا
(10/347)
فَوَجَدَ عِنْدَهُمْ خَالَتَهُ سُعْدَى
بِنْتَ كُرَيْزٍ - وَكَانَتْ كَاهِنَةً - فَقَالَتْ لَهُ:
أَبْشِرْ وَحُيِّيِتَ ثَلَاثًا تَتْرَا ... ثُمَّ ثَلَاثًا وَثَلَاثًا
أُخْرَى
ثُمَّ بِأُخْرَى كَيْ تَتِمَّ عَشْرَا ... أَتَاكَ خَيْرٌ وَوُقِيتَ
شَرَّا
أُنْكِحْتِ وَاللَّهِ حَصَانًا زَهْرَا ... وَأَنْتَ بِكْرٌ وَلَقِيتَ
بِكْرَا وَافَيْتَهَا بِنْتَ عَظِيمٍ قَدْرَا
بَنَيْتَ أَمْرًا قَدْ أَشَادَ ذِكْرَا
قَالَ عُثْمَانُ: فَعَجِبْتُ مِنْ قَوْلِهَا ; حَيْثُ تُبَشِّرُنِي
بِامْرَأَةٍ قَدْ تَزَوَّجَتْ بِغَيْرِي، فَقُلْتُ: يَا خَالَةُ مَا
تَقُولِينَ! فَقَالَتْ: عُثْمَانُ
لَكَ الْجَمَالُ وَلَكَ اللِّسَانُ ... هَذَا نَبِيٌّ مَعَهُ
الْبُرْهَانُ
أَرْسَلَهُ بِحَقِّهِ الدَّيَّانُ ... وَجَاءَهُ التَّنْزِيلُ
وَالْفُرْقَانُ
فَاتْبَعْهُ لَا تَغْتَالُكَ الْأَوْثَانُ
قَالَ: فَقُلْتُ إِنَّكِ لَتَذْكُرِينَ أَمْرًا مَا وَقَعَ
بِبَلَدِنَا. فَقَالَتْ: مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، رَسُولٌ مِنْ
عِنْدِ اللَّهِ، جَاءَ بِتَنْزِيلِ اللَّهِ، يَدْعُو بِهِ إِلَى
اللَّهِ. ثُمَّ قَالَتْ:
مِصْبَاحُهُ مِصْبَاحُ ... وَدِينُهُ فَلَاحُ
وَأَمْرُهُ نَجَاحُ ... وَقَرْنُهُ نَطَاحُ
ذَلَّتْ لَهُ الْبِطَاحُ ... مَا يَنْفَعُ الصِّيَاحُ
(10/348)
لَوْ وَقَعَ الذِّبَاحُ
وَسُلَّتِ الصِّفَاحُ ... وَمُدَّتِ الرِّمَاحُ
قَالَ عُثْمَانُ: فَانْطَلَقْتُ مُفَكِّرًا فَلَقِيَنِي أَبُو بَكْرٍ
فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: وَيْحَكَ يَا عُثْمَانُ، إِنَّكَ لَرَجُلٌ
حَازِمٌ، مَا يَخْفَى عَلَيْكَ الْحَقُّ مِنَ الْبَاطِلِ، مَا هَذِهِ
الْأَصْنَامُ الَّتِي يَعْبُدُهَا قَوْمُنَا؟ أَلَيْسَتْ مِنْ
حِجَارَةٍ صُمٍّ ; لَا تَسْمَعُ وَلَا تُبْصِرُ وَلَا تَضُرُّ وَلَا
تَنْفَعُ؟ قَالَ: قُلْتُ: بَلَى، وَاللَّهِ إِنَّهَا لَكَذَلِكَ.
فَقَالَ: وَاللَّهِ لَقَدْ صَدَقَتْكَ خَالَتُكَ، هَذَا رَسُولُ
اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَدْ بَعَثَهُ اللَّهُ إِلَى
خَلْقِهِ بِرِسَالَتِهِ، هَلْ لَكَ أَنْ تَأْتِيَهُ؟ فَاجْتَمَعْنَا
بِرَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «يَا
عُثْمَانُ أَجِبِ اللَّهَ إِلَى جَنَّتِهِ، فَإِنِّي رَسُولُ اللَّهِ
إِلَيْكَ وَإِلَى خَلْقِهِ» . قَالَ: فَوَاللَّهِ مَا تَمَالَكْتُ
حِينَ سَمِعْتُ قَوْلَهُ أَنْ أَسْلَمْتُ وَشَهِدْتُ أَنْ لَا إِلَهَ
إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ
وَرَسُولُهُ، ثُمَّ لَمْ أَلْبَثْ أَنْ تَزَوَّجْتُ رُقَيَّةَ بِنْتَ
رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكَانَ يُقَالُ:
أَحْسَنُ زَوْجٍ رَآهُ إِنْسَانٌ، رُقْيَةُ وَزَوْجُهَا عُثْمَانُ.
فَقَالَتْ فِي ذَلِكَ سُعْدَى بِنْتُ كُرَيْزٍ:
هَدَى اللَّهُ عُثْمَانَا بِقَوْلِي إِلَى الْهُدَى ... وَأَرْشَدَهُ
وَاللَّهُ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ
فَتَابَعَ بِالرَّأْيِ السَّدِيدِ مُحَمَّدًا ... وَكَانَ بِرَأْيٍ لَا
يَصُدُّ عَنِ الصِّدْقِ
وَأَنْكَحَهُ الْمَبْعُوثُ بِالْحَقِّ بِنْتَهُ ... فَكَانَا كَبَدْرٍ
مَازَجَ الشَّمْسَ فِي الْأُفْقِ
فِدَاؤُكَ يَا ابْنَ الْهَاشِمِيِّينَ مُهْجَتِي ... وَأَنْتَ أَمِينُ
اللَّهِ أُرْسِلْتَ لِلْخَلْقِ
(10/349)
قَالَ: ثُمَّ جَاءَ أَبُو بَكْرٍ مِنَ
الْغَدِ بِعُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ، وَبِأَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ
الْجَرَّاحِ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، وَأَبِي سَلَمَةَ بْنِ
عَبْدِ الْأَسَدِ، وَالْأَرْقَمِ بْنِ أَبِي الْأَرْقَمِ، فَأَسْلَمُوا
وَكَانُوا مَعَ مَنِ اجْتَمَعَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; ثَمَانِيَةً وَثَلَاثُونَ رَجُلًا.
ثُمَّ هَاجَرَ إِلَى الْحَبَشَةِ أَوَّلَ النَّاسِ وَمَعَهُ زَوْجَتُهُ
رُقَيَّةُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
ثُمَّ عَادَ إِلَى مَكَّةَ وَهَاجَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ، فَلَمَّا
كَانَتْ وَقْعَةُ بَدْرٍ اشْتَغَلَ بِتَمْرِيضِ ابْنَةِ رَسُولِ
اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَقَامَ بِسَبَبِهَا
فِي الْمَدِينَةِ، فَضَرَبَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِسَهْمِهِ مِنْهَا وَأَجْرِهِ فِيهَا، فَهُوَ
مَعْدُودٌ فِيمَنْ شَهِدَهَا. فَلَمَّا تُوُفِّيَتْ زَوَّجَهُ رَسُولُ
اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِأُخْتِهَا أُمِّ
كُلْثُومٍ، فَتُوُفِّيَتْ أَيْضًا فِي صُحْبَتِهِ، وَقَالَ رَسُولُ
اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَوْ كَانَ عِنْدَنَا
أُخْرَى لَزَوَّجْنَاهَا بِعُثْمَانَ» . وَشَهِدَ أُحُدًا وَفَرَّ
يَوْمَئِذٍ فِيمَنْ تَوَلَّى، وَقَدْ نَصَّ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى
الْعَفْوِ عَنْهُمْ، وَشَهِدَ الْخَنْدَقَ وَالْحُدَيْبِيَةَ،
وَبَايَعَ عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
يَوْمَئِذٍ بِإِحْدَى يَدَيْهِ، وَشَهِدَ خَيْبَرَ وَعُمْرَةَ
الْقَضَاءِ، وَحَضَرَ الْفَتْحَ وَهَوَازِنَ وَالطَّائِفَ وَغَزْوَةَ
تَبُوكَ، وَجَهَّزَ فِيهَا جَيْشَ الْعُسْرَةِ. فَتَقَدَّمَ فِي
رِوَايَةٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ خَبَّابٍ أَنَّهُ جَهَّزَهُمْ
يَوْمَئِذٍ بِثَلَاثِمِائَةِ بَعِيرٍ بِأَقْتَابِهَا وَأَحْلَاسِهَا.
وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ أَنَّهُ جَاءَ يَوْمَئِذٍ
بِأَلْفِ دِينَارٍ فَصَبَّهَا فِي حِجْرِ رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ النَّبِيُّ،
(10/350)
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا
ضَرَّ عُثْمَانَ مَا فَعَلَ بَعْدَ هَذَا الْيَوْمِ» . مَرَّتَيْنِ.
وَحَجَّ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
حَجَّةَ الْوَدَاعِ، وَتُوُفِّيَ وَهُوَ عَنْهُ رَاضٍ.
وَصَحِبَ أَبَا بَكْرٍ فَأَحْسَنَ صُحْبَتَهُ، وَتُوُفِّيَ وَهُوَ
عَنْهُ رَاضٍ. وَصَحِبَ عُمَرَ فَأَحْسَنَ صُحْبَتَهُ، وَتُوُفِّيَ
وَهُوَ عَنْهُ رَاضٍ - وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي أَهْلِ الشُّورَى
السِّتَّةِ، فَكَانَ خَيْرَهُمْ، كَمَا سَيَأْتِي - فَوَلِيَ
الْخِلَافَةَ بَعْدَهُ فَفَتَحَ اللَّهُ عَلَى يَدَيْهِ كَثِيرًا مِنَ
الْأَقَالِيمِ وَالْأَمْصَارِ، وَتَوَسَّعَتِ الْمَمْلَكَةُ
الْإِسْلَامِيَّةُ، وَامْتَدَّتِ الدَّوْلَةُ الْمُحَمَّدِيَّةُ،
وَبُلِّغَتِ الرِّسَالَةُ الْمُصْطَفَوِيَّةُ فِي مَشَارِقِ الْأَرْضِ
وَمَغَارِبِهَا، وَظَهَرَ لِلنَّاسِ مِصْدَاقُ قَوْلِهِ تَعَالَى:
{وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ
لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ
قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ
وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي
لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ
هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور: 55] . وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {هُوَ الَّذِي
أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى
الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} [الصف: 9] .
وَقَوْلِهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ زَوَى
لِيَ الْأَرْضَ فَرَأَيْتُ مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا، وَسَيَبْلُغُ
مُلْكُ أُمَّتِي مَا زَوَى لِي مِنْهَا» . وَقَوْلِهِ، صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا هَلَكَ قَيْصَرُ فَلَا قَيْصَرَ بَعْدَهُ،
وَإِذَا هَلَكَ كِسْرَى فَلَا كِسْرَى بَعْدَهُ، وَالَّذِي نَفْسِي
بِيَدِهِ لِتُنْفِقُنَّ كُنُوزَهُمَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ» . وَهَذَا
كُلُّهُ تَحَقَّقَ وُقُوعُهُ وَتَأَكَّدَ وَتَوَطَّدَ فِي زَمَانِ
عُثْمَانَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
(10/351)
وَقَدْ كَانَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ،
حَسَنَ الشَّكْلِ، مَلِيحَ الْوَجْهِ، كَرِيمَ الْأَخْلَاقِ، ذَا
حَيَاءٍ كَثِيرٍ، وَكَرَمٍ غَزِيرٍ، يُؤْثِرُ أَهْلَهُ وَأَقَارِبَهُ
فِي اللَّهِ تَأْلِيفًا لِقُلُوبِهِمْ مِنْ مَتَاعِ الْحَيَاةِ
الدُّنْيَا الْفَانِي ; لَعَلَّهُ يُرَغِّبُهُمْ فِي إِيثَارِ مَا
يَبْقَى عَلَى مَا يَفْنَى، كَمَا كَانَ النَّبِيُّ، صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يُعْطِي أَقْوَامًا وَيَدَعُ آخَرِينَ ; يُعْطِي
أَقْوَامًا خَشْيَةَ أَنْ يَكُبَّهُمُ اللَّهُ عَلَى وُجُوهِهِمْ فِي
النَّارِ، وَيَكِلُ آخَرِينَ إِلَى مَا جَعَلَ اللَّهُ فِي قُلُوبِهِمْ
مِنَ الْهُدَى وَالْإِيمَانِ، وَقَدْ عَابَهُ بِسَبَبِ هَذِهِ
الْخَصْلَةِ أَقْوَامٌ، كَمَا عَابَ بَعْضُ الْخَوَارِجِ عَلَى رَسُولِ
اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِي الْإِيثَارِ. وَقَدْ
قَدَّمْنَا ذَلِكَ فِي غَزْوَةِ حُنَيْنٍ حَيْثُ قَسَّمَ غَنَائِمَهَا.
وَقَدْ وَرَدَتْ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ فِي فَضْلِ عُثْمَانَ، رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ، نَذْكُرُ مَا تَيَسَّرَ مِنْهَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ
تَعَالَى، وَبِهِ الثِّقَةُ ; وَهِيَ قِسْمَانِ:
[فِيمَا وَرَدَ فِي فَضَائِلِهِ مَعَ غَيْرِهِ]
الْأَوَّلُ: فِيمَا وَرَدَ فِي فَضَائِلِهِ مَعَ غَيْرِهِ
فَمِنْ ذَلِكَ: الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي "
صَحِيحِهِ ": حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، ثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ
سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ أَنَسًا حَدَّثَهُمْ قَالَ: «صَعِدَ
النَّبِيُّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أُحُدًا وَمَعَهُ
أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ فَرَجَفَ، فَقَالَ: " اسْكُنْ
أُحُدُ - أَظُنُّهُ ضَرَبَهُ بِرِجْلِهِ - فَلَيْسَ عَلَيْكَ إِلَّا
نَبِيٌّ وَصِدِّيقٌ وَشَهِيدَانِ» تَفَرَّدَ بِهِ دُونَ مُسْلِمٍ.
وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: ثَنَا قُتَيْبَةُ، ثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ
بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، كَانَ عَلَى حِرَاءَ هُوَ وَأَبُو بَكْرٍ
(10/352)
وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي
طَالِبٍ وَطَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ، فَتَحَرَّكَتِ الصَّخْرَةُ فَقَالَ
النَّبِيُّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اهْدَأْ فَمَا
عَلَيْكَ إِلَّا نَبِيٌّ أَوْ صِدِّيقٌ أَوْ شَهِيدٌ» . ثُمَّ قَالَ:
وَفِي الْبَابِ: عَنْ عُثْمَانَ، وَسَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ، وَابْنِ
عَبَّاسٍ، وَسُهَيْلِ بْنِ سَعْدٍ، وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ،
وَبُرَيْدَةَ الْأَسْلَمِيِّ، وَهَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ. قُلْتُ:
وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، عَنْ عُثْمَانَ
فِي خُطْبَتِهِ يَوْمَ الدَّارِ، وَقَالَ عَلَى ثَبِيرٍ
حَدِيثٌ آخَرُ: وَهُوَ مَا ثَبَتَ فِي " الصَّحِيحَيْنِ " مِنْ حَدِيثِ
أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ، عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ
قَالَ: «كُنْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، فِي حَائِطٍ، فَأَمَرَنِي بِحِفْظِ الْبَابِ، فَجَاءَ
رَجُلٌ يَسْتَأْذِنُ، فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: أَبُو بَكْرٍ.
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "
ائْذَنْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ ". ثُمَّ جَاءَ عُمَرُ فَقَالَ:
" ائْذَنْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ ". ثُمَّ جَاءَ عُثْمَانُ
فَقَالَ: " ائْذَنْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ عَلَى بَلْوَى
تُصِيبُهُ ". فَدَخَلَ وَهُوَ يَقُولُ: اللَّهُمَّ صَبْرًا. وَفِي
رِوَايَةٍ: اللَّهُ الْمُسْتَعَانُ» . رَوَاهُ عَنْهُ قَتَادَةُ،
وَأَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ. وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: وَقَالَ
حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ: حَدَّثَنَا
(10/353)
عَاصِمٌ الْأَحْوَلُ وَعَلِيُّ بْنُ
الْحَكَمِ، سَمِعَا أَبَا عُثْمَانَ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي مُوسَى
الْأَشْعَرِيِّ بِنَحْوِهِ، وَزَادَ عَاصِمٌ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ،
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَ قَاعِدًا فِي مَكَانٍ فِيهِ
مَاءٌ قَدِ انْكَشَفَ عَنْ رُكْبَتَيْهِ، أَوْ رُكْبَتِهِ، فَلَمَّا
دَخَلَ عُثْمَانُ غَطَّاهَا. وَهُوَ فِي " الصَّحِيحَيْنِ " أَيْضًا،
مِنْ حَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي مُوسَى وَفِيهِ:
أَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ دَلَّيَا أَرْجُلَهُمَا مَعَ رَسُولِ
اللَّهِ فِي بَابِ الْقُفِّ وَهُوَ فِي الْبِئْرِ، وَجَاءَ عُثْمَانُ
فَلَمْ يَجِدْ لَهُ مَوْضِعًا فَجَلَسَ نَاحِيَةً. قَالَ سَعِيدُ بْنُ
الْمُسَيَّبِ فَأَوَّلْتُ ذَلِكَ قُبُورَهُمُ ; اجْتَمَعَتْ
وَانْفَرَدَ عُثْمَانُ.
وَقَدْ وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ
هَارُونَ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ قَالَ:
قَالَ نَافِعُ بْنُ الْحَارِثِ: «خَرَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ،
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى دَخَلَ حَائِطًا فَقَالَ
لِي: " أَمْسِكْ عَلَيَّ الْبَابَ ". فَجَاءَ حَتَّى جَلَسَ عَلَى
الْقُفِّ وَدَلَّى رِجْلَيْهِ، فَضُرِبَ الْبَابُ فَقُلْتُ: مَنْ
هَذَا؟ فَقَالَ: أَبُو بَكْرٍ. قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا
أَبُو بَكْرٍ. قَالَ: " ائْذَنْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ ".
فَدَخَلَ فَجَلَسَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، عَلَى الْقُفِّ وَدَلَّى رِجْلَيْهِ فِي الْبِئْرِ، ثُمَّ
ضُرِبَ الْبَابُ، فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: عُمَرُ. قُلْتُ: يَا
رَسُولَ اللَّهِ هَذَا عُمَرُ. قَالَ: " ائْذَنْ لِي وَبَشِّرْهُ
بِالْجَنَّةِ ". فَفَعَلْتُ فَجَاءَ فَجَلَسَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ،
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَلَى الْقُفِّ وَدَلَّى
رِجْلَيْهِ فِي
(10/354)
الْبِئْرِ، ثُمَّ ضُرِبَ الْبَابُ
فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: عُثْمَانُ. قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ
هَذَا عُثْمَانُ. قَالَ: " ائْذَنْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ
مَعَهَا بَلَاءٌ ". فَأَذِنْتُ لَهُ وَبَشَّرْتُهُ بِالْجَنَّةِ،
فَجَلَسَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ، صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَدَلَّى رِجْلَيْهِ فِي الْبِئْرِ» . هَكَذَا
وَقَعَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ. وَقَدْ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ
وَالنِّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَلَمَةَ.
فَيُحْتَمَلُ أَنَّ أَبَا مُوسَى وَنَافِعُ بْنُ عَبْدِ الْحَارِثِ
كَانَا مُوَكَّلَيْنِ بِالْبَابِ، أَوْ أَنَّهَا قِصَّةٌ أُخْرَى
وَقَدْ رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، عَنْ عَفَّانَ، عَنْ وُهَيْبٍ،
عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ سَمِعْتُ أَبَا سَلَمَةَ يُحَدِّثُ، وَلَا
أَعْلَمُهُ إِلَّا عَنْ نَافِعِ بْنِ عَبْدِ الْحَارِثِ: «أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، دَخَلَ حَائِطًا
فَجَلَسَ عَلَى قُفِّ الْبِئْرِ، فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ فَاسْتَأْذَنَ
فَقَالَ لِأَبِي مُوسَى: " ائْذَنْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ ".
ثُمَّ جَاءَ عُمَرُ فَقَالَ: " ائْذَنْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ
". ثُمَّ جَاءَ عُثْمَانُ فَقَالَ: " ائْذَنْ لَهُ وَبَشِّرْهُ
بِالْجَنَّةِ وَسَيَلْقَى بَلَاءً» وَهَذَا السِّيَاقُ أَشْبَهُ مِنَ
الْأَوَّلِ، عَلَى أَنَّهُ قَدْ رَوَاهُ النِّسَائِيُّ، مِنْ حَدِيثِ
صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ،
عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ نَافِعِ بْنِ عَبْدِ الْحَارِثِ، عَنْ
أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ، فَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ، أَنَا هَمَّامٌ،
عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ
(10/355)
وَمُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: «كُنْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ فَاسْتَأْذَنَ،
فَقَالَ: " ائْذَنْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ ". ثُمَّ جَاءَ
عُمَرُ فَاسْتَأْذَنَ، فَقَالَ: " ائْذَنْ لَهُ وَبَشِّرْهُ
بِالْجَنَّةِ ". ثُمَّ جَاءَ عُثْمَانُ فَاسْتَأْذَنَ فَقَالَ: "
ائْذَنْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ ". قَالَ: قُلْتُ: فَأَيْنَ
أَنَا؟ قَالَ: " أَنْتَ مَعَ أَبِيكَ» . تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ.
وَقَدْ رَوَاهُ الْبَزَّارُ، وَأَبُو يَعْلَى مِنْ حَدِيثِ أَنَسِ بْنِ
مَالِكٍ، بِنَحْوِ مَا تَقَدَّمَ.
حَدِيثٌ آخَرٌ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، ثَنَا
لَيْثٌ، حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ
سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْعَاصِ أَخْبَرَهُ أَنَّ
عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
وَعُثْمَانَ حَدَّثَاهُ، أَنَّ أَبَا بَكْرٍ اسْتَأْذَنَ عَلَى
النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ مُضْطَجِعٌ
عَلَى فِرَاشِهِ لَابِسٌ مِرْطَ عَائِشَةَ، فَأَذِنَ لِأَبِي بَكْرٍ
وَهُوَ كَذَلِكَ، فَقَضَى إِلَيْهِ حَاجَتَهُ، ثُمَّ انْصَرَفَ،
فَاسْتَأْذَنَ عُمَرُ فَأَذِنَ لَهُ وَهُوَ عَلَى تِلْكَ الْحَالَةِ،
فَقَضَى إِلَيْهِ حَاجَتَهُ ثُمَّ انْصَرَفَ، قَالَ عُثْمَانُ: ثُمَّ
اسْتَأْذَنْتُ عَلَيْهِ، فَجَلَسَ وَقَالَ: " اجْمَعِي عَلَيْكِ
ثِيَابَكِ ". فَقَضَيْتُ إِلَيْهِ حَاجَتِي ثُمَّ انْصَرَفْتُ.
فَقَالَتْ عَائِشَةُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَالِي لَا أَرَاكَ فَزِعْتَ
لِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ كَمَا فَزِعْتَ لِعُثْمَانَ؟ فَقَالَ رَسُولُ
اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ عُثْمَانَ رَجُلٌ
حَيِيٌّ، وَإِنِّي خَشِيتُ إِنْ أَذِنْتُ لَهُ عَلَى تِلْكَ الْحَالَةِ
لَا يُبْلِغُ إِلَيَّ حَاجَتَهُ» . قَالَ اللَّيْثُ: وَقَالَ جَمَاعَةُ
النَّاسِ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
قَالَ لِعَائِشَةَ: «أَلَا أَسْتَحِي مِمَّنْ تَسْتَحِي مِنْهُ
الْمَلَائِكَةُ!» . وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ
(10/356)
حَدِيثِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ بِهِ،
وَمِنْ حَدِيثِ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ بِهِ.
وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ، مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي حَرْمَلَةَ،
عَنْ عَطَاءٍ وَسُلَيْمَانَ ابْنَيْ يَسَارٍ، وَأَبِي سَلَمَةَ، عَنْ
عَائِشَةَ. وَرَوَاهُ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ، مِنْ حَدِيثِ
سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ. وَرَوَاهُ جُبَيْرُ بْنُ
نُفَيْرٍ، وَعَائِشَةُ بِنْتُ طَلْحَةَ عَنْهَا.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا مَرْوَانُ، ثَنَا عَبْدُ
اللَّهِ بْنُ يَسَارٍ سَمِعْتُ عَائِشَةَ بِنْتَ طَلْحَةَ تَذْكُرُ
عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ، صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَ جَالِسًا كَاشِفًا عَنْ فَخِذِهِ،
فَاسْتَأْذَنَ أَبُو بَكْرٍ، فَأَذِنَ لَهُ وَهُوَ عَلَى حَالِهِ،
ثُمَّ جَاءَ عُمَرُ فَاسْتَأْذَنَ، فَأَذِنَ لَهُ وَهُوَ عَلَى
حَالِهِ، ثُمَّ اسْتَأْذَنَ عُثْمَانُ فَأَرْخَى عَلَيْهِ ثِيَابَهُ،
فَلَمَّا قَامُوا قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، اسْتَأْذَنَ عَلَيْكَ
أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ فَأَذِنْتَ لَهُمَا وَأَنْتَ عَلَى حَالِكَ،
فَلَمَّا اسْتَأْذَنَ عُثْمَانُ أَرْخَيْتَ عَلَيْكَ ثِيَابَكَ!
فَقَالَ: «يَا عَائِشَةُ أَلَا أَسْتَحِي مِنْ رَجُلٍ، وَاللَّهِ إِنَّ
الْمَلَائِكَةَ تَسْتَحِي مِنْهُ» ! .
(10/357)
تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ مِنْ هَذَا
الْوَجْهِ.
طَرِيقٌ أُخْرَى عَنْ حَفْصَةَ: رَوَاهُ الْحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ،
وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ عَنْ رَوْحِ بْنِ عُبَادَةَ، عَنِ ابْنِ
جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِي أَبُو خَالِدٍ عُثْمَانُ بْنُ خَالِدٍ، عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَدَنِيِّ، حَدَّثَتْنِي
حَفْصَةُ، فَذَكَرَ مِثْلَ حَدِيثِ عَائِشَةَ، وَفِيهِ: فَقَالَ «أَلَا
اسْتَحِي مِمَّنْ تَسْتَحِي مِنْهُ الْمَلَائِكَةُ!» .
طَرِيقٌ أُخْرَى عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: قَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ
الْبَزَّارُ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، ثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ،
ثَنَا النَّضْرُ - هُوَ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَبُو عُمَرَ
الْخَزَّازُ الْكُوفِيُّ - عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«أَلَا أَسْتَحِي مِمَّنْ تَسْتَحِي مِنْهُ الْمَلَائِكَةُ ;»
عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ. ثُمَّ قَالَ الْبَزَّارُ: لَا نَعْلَمُهُ
يُرْوَى عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ إِلَّا بِهَذَا الْإِسْنَادِ. قُلْتُ:
هُوَ عَلَى شَرْطِ التِّرْمِذِيِّ، وَلَمْ يُخَرِّجُوهُ.
طَرِيقٌ أُخْرَى عَنِ ابْنِ عُمَرَ: قَالَ الطَّبَرَانِيُّ: حَدَّثَنَا
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
أَبِي بَكْرٍ الْمُقَدِّمِيُّ، ثَنَا أَبُو مَعْشَرٍ، حَدَّثَنِي
إِبْرَاهِيمُ
(10/358)
بْنُ عُمَرَ بْنِ أَبَانَ، حَدَّثَنِي
أَبِي - عُمَرُ بْنُ أَبَانَ - عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ
اللَّهِ بْنَ عُمَرَ يَقُولُ: بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، جَالِسٌ وَعَائِشَةُ وَرَاءَهُ إِذِ
اسْتَأْذَنَ أَبُو بَكْرٍ فَدَخَلَ، ثُمَّ اسْتَأْذَنَ عُمَرُ
فَدَخَلَ، ثُمَّ اسْتَأْذَنَ سَعْدُ بْنُ مَالِكٍ فَدَخَلَ، ثُمَّ
اسْتَأْذَنَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ وَرَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَتَحَدَّثُ كَاشِفًا عَنْ رُكْبَتِهِ
فَمَدَّ ثَوْبَهُ عَلَى رُكْبَتِهِ حِينَ اسْتَأْذَنَ عُثْمَانُ،
وَقَالَ لِامْرَأَتِهِ: اسْتَأْخِرِي. فَتَحَدَّثُوا سَاعَةً ثُمَّ
خَرَجُوا، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ دَخَلَ أَبِي
وَأَصْحَابُهُ، فَلَمْ تُصْلِحْ ثَوْبَكَ عَلَى رُكْبَتِكَ وَلَمْ
تُؤَخِّرْنِي عَنْكَ. فَقَالَ النَّبِيُّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: «أَلَا أَسْتَحِي مِنْ رَجُلٍ تَسْتَحِي مِنْهُ
الْمَلَائِكَةُ! وَالَّذِي نَفْسُ رَسُولِ اللَّهِ بِيَدِهِ إِنَّ
الْمَلَائِكَةَ لَتَسْتَحْيِي مِنْ عُثْمَانَ، كَمَا تَسْتَحِي مِنَ
اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَلَوْ دَخَلَ وَأَنْتِ قَرِيبٌ مِنِّي لَمْ
يَتَحَدَّثْ وَلَمْ يَرْفَعْ رَأْسَهُ حَتَّى يَخْرُجَ» . هَذَا
حَدِيثٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَفِيهِ زِيَادَةٌ عَلَى مَا
قَبْلَهُ، وَفِي إِسْنَادِهِ ضَعْفٌ. قُلْتُ: وَفِي الْبَابِ عَنْ
عَلِيٍّ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى، وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ.
(10/359)
وَرَوَى أَبُو مَرْوَانَ الْقُرَشِيُّ،
عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الْأَعْرَجِ،
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، قَالَ: «عُثْمَانُ حَيِيٌّ تَسْتَحِي مِنْهُ
الْمَلَائِكَةُ» .
حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ
سُفْيَانَ، عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ
أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، «أَرْحَمُ أُمَّتِي أَبُو بَكْرٍ، وَأَشَدُّهَا فِي دِينِ
اللَّهِ عُمَرُ، وَأَشَدُّهَا حَيَاءً عُثْمَانُ، وَأَعْلَمُهَا
بِالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، وَأَقْرَؤُهَا
لِكِتَابِ اللَّهِ أُبَيٌّ، وَأَعْلَمُهَا بِالْفَرَائِضِ زَيْدُ بْنُ
ثَابِتٍ، وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَمِينٌ، وَأَمِينُ هَذِهِ الْأُمَّةِ
أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ» . وَهَكَذَا رَوَاهُ
التِّرْمِذِيُّ، وَالنِّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ
خَالِدٍ الْحَذَّاءِ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَفِي "
صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ "، وَ " مُسْلِمٍ " آخِرُهُ " «وَلِكُلِّ
أُمَّةٍ أَمِينٌ، وَأَمِينُ هَذِهِ الْأُمَّةِ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ
الْجَرَّاحِ» ".
وَقَدْ رَوَى هُشَيْمٌ عَنْ كَوْثَرِ بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ
ابْنِ عُمَرَ مِثْلَ حَدِيثِ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ أَنَسٍ، أَوْ
نَحْوَهُ.
(10/360)
حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ:
حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ رَبِّهِ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَرْبٍ،
حَدَّثَنِي الزُّبَيْدِيُّ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ
أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ
كَانَ يُحَدِّثُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، قَالَ: ( «أُرِيَ اللَّيْلَةَ رَجُلٌ صَالِحٌ أَنَّ أَبَا
بَكْرٍ نِيطَ بِرَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
وَنِيطَ عُمَرُ بِأَبِي بَكْرٍ، وَنِيطَ عُثْمَانُ بِعُمَرَ» . قَالَ
جَابِرٌ: فَلَمَّا قُمْنَا مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قُلْنَا: أَمَّا الرَّجُلُ الصَّالِحُ
فَرَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَمَّا مَا
ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِنْ
نَوْطِ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ فَهُمْ وُلَاةُ هَذَا الْأَمْرِ الَّذِي
بَعَثَ اللَّهُ بِهِ نَبِيَّهُ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ
بْنِ حَرْبٍ، ثُمَّ قَالَ: وَرَوَاهُ يُونُسُ وَشُعَيْبٌ، فَلَمْ
يَذْكُرَا عُمَرَ.
حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ -
عُمَرُ بْنُ سَعْدٍ - ثَنَا بَدْرُ بْنُ عُثْمَانَ، عَنْ عُبَيْدِ
اللَّهِ بْنِ مَرْوَانَ، عَنْ أَبِي عَائِشَةَ، عَنِ ابْنِ
(10/361)
عُمَرَ قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ
اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ذَاتَ غَدَاةٍ بَعْدَ
طُلُوعِ الشَّمْسِ فَقَالَ: «رَأَيْتُ قُبَيْلَ الْفَجْرِ كَأَنِّي
أُعْطِيتُ الْمَقَالِيدَ وَالْمَوَازِينَ، فَأَمَّا الْمَقَالِيدُ
فَهَذِهِ الْمَفَاتِيحُ، وَأَمَّا الْمَوَازِينُ فَهِيَ الَّتِي
تَزِنُونَ بِهَا، فَوُضِعْتُ فِي كِفَّةٍ، وَوُضِعَتْ أُمَّتِي فِي
كِفَّةٍ، فَوُزِنْتُ بِهِمْ فَرَجَحْتُ، ثُمَّ جِيءَ بِأَبِي بَكْرٍ
فَوُزِنَ بِهِمْ فَوَزَنَ، ثُمَّ جِيءَ بِعُمَرَ فَوُزِنَ فَوَزَنَ،
ثُمَّ جِيءَ بِعُثْمَانَ فَوَزَنَ بِهِمْ، ثُمَّ رُفِعَتْ» تَفَرَّدَ
بِهِ أَحْمَدُ.
وَقَالَ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ: حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ،
ثَنَا عَمْرُو بْنُ وَاقِدٍ، ثَنَا يُونُسُ بْنُ مَيْسَرَةَ، عَنْ
أَبِي إِدْرِيسَ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنِّي رَأَيْتُ أَنِّي
وُضِعْتُ فِي كِفَّةٍ وَأُمَّتِي فِي كِفَّةٍ فَعَدَلْتُهَا، ثُمَّ
وُضِعَ أَبُو بَكْرٍ فِي كِفَّةٍ وَأُمَّتِي فِي كِفَّةٍ فَعَدَلَهَا،
ثُمَّ وُضِعَ عُمَرُ فِي كِفَّةٍ وَأُمَّتِي فِي كِفَّةٍ فَعَدَلَهَا،
ثُمَّ وُضِعَ عُثْمَانُ فِي كِفَّةٍ وَأُمَّتِي فِي كِفَّةٍ
فَعَدَلَهَا» .
حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ أَبُو يَعْلَى: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
مُطِيعٍ، ثَنَا هُشَيْمٌ، عَنِ الْعَوَّامِ، عَمَّنْ حَدَّثَهُ، عَنْ
عَائِشَةَ قَالَتْ: «لَمَّا أَسَّسَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مَسْجِدَ الْمَدِينَةِ جَاءَ بِحَجَرٍ فَوَضَعَهُ،
وَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ بِحَجَرٍ فَوَضَعَهُ، وَجَاءَ عُمَرُ بِحَجَرٍ
فَوَضَعَهُ، وَجَاءَ عُثْمَانُ بِحَجَرٍ فَوَضَعَهُ، قَالَتْ: فَسُئِلَ
رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَنْ ذَلِكَ،
فَقَالَ: هَذَا أَمْرُ الْخِلَافَةِ مِنْ بَعْدِي» وَقَدْ تَقَدَّمَ
هَذَا الْحَدِيثُ فِي بِنَاءِ مَسْجِدِهِ أَوَّلَ
(10/362)
مَقْدِمِهِ الْمَدِينَةَ عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ.
وَكَذَلِكَ تَقَدَّمَ فِي دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ مِنْ حَدِيثِ
الزُّهْرِيِّ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ فِي تَسْبِيحِ الْحَصَا
فِي يَدِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، ثُمَّ فِي كَفِّ أَبِي
بَكْرٍ، ثُمَّ فِي كَفِّ عُمَرَ، ثُمَّ فِي كَفِّ عُثْمَانَ، رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمْ. وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ: فَقَالَ: رَسُولُ
اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَذِهِ خِلَافَةُ
النُّبُوَّةِ
وَسَيَأْتِي حَدِيثُ سَفِينَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «الْخِلَافَةُ بَعْدِي ثَلَاثُونَ سَنَةً
ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا» فَكَانَتْ وِلَايَةُ عُثْمَانَ، وَمُدَّتُهَا
ثِنْتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً، مِنْ جُمْلَةِ هَذِهِ الثَّلَاثِينَ بِلَا
خِلَافٍ بَيْنِ الْعُلَمَاءِ الْعَامِلِينَ، كَمَا أَخْبَرَ بِهِ
سَيِّدُ الْمُرْسَلِينَ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعَلَى
آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.
حَدِيثٌ آخَرُ: وَهُوَ مَا رُوِيَ مِنْ طُرُقٍ مُتَعَدِّدَةٍ عَنْ
رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ شَهِدَ
لِلْعَشَرَةِ بِالْجَنَّةِ، وَعُثْمَانُ مِنْهُمْ بِنَصِّ النَّبِيِّ،
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَلَى ذَلِكَ.
حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
حَاتِمِ بْنِ بَزِيعٍ، ثَنَا شَاذَانُ، ثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ
أَبِي سَلَمَةَ الْمَاجِشُونُ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ،
«عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: كُنَّا فِي زَمَنِ النَّبِيِّ، صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَا نَعْدِلُ بِأَبِي بَكْرٍ أَحَدًا،
ثُمَّ عُمَرَ، ثُمَّ عُثْمَانَ، ثُمَّ نَتْرُكُ أَصْحَابَ النَّبِيِّ،
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَا نُفَاضِلُ بَيْنَهُمْ» .
تَابَعَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ
(10/363)
عَبْدِ الْعَزِيزِ. تَفَرَّدَ بِهِ
الْبُخَارِيُّ. وَرَوَاهُ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ، وَالْفَرَجُ
بْنُ فَضَالَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ، عَنْ
نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ. وَرَوَاهُ أَبُو يَعْلَى، عَنْ أَبِي
مَعْمَرٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ، عَنِ اللَّيْثِ، عَنْ يَزِيدَ
بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ بِهِ.
طَرِيقٌ أُخْرَى عَنِ ابْنِ عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: قَالَ
الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، ثَنَا سُهَيْلُ
بْنُ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: كُنَّا
نَعُدُّ وَرَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَيٌّ
وَأَصْحَابُهُ مُتَوَافِرُونَ ; أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ،
ثُمَّ نَسْكُتُ.
طَرِيقٌ أُخْرَى عَنِ ابْنِ عُمَرَ بِلَفْظٍ آخَرَ: قَالَ الْحَافِظُ
أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ وَعُقْبَةُ
بْنُ مُكْرَمٍ قَالَا: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ
مُحَمَّدٍ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: «كُنَّا نَقُولُ فِي
عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَبُو
بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ،
(10/364)
يَعْنِي فِي الْخِلَافَةِ» . وَهَذَا
إِسْنَادٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ،
لَكِنْ قَالَ الْبَزَّارُ: وَهَذَا الْحَدِيثُ قَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ
عُمَرَ مِنْ وُجُوهٍ، وَعُمَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ لَمْ يَكُنْ
بِالْحَافِظِ، وَذَلِكَ فِي حَدِيثِهِ مُتَبَيَّنٌ إِذَا رَوَى عَنْ
غَيْرِ سَالِمٍ.
وَقَدْ رَوَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الضُّعَفَاءِ، عَنِ الزُّهْرِيِّ،
عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ بِهِ، وَقَدِ اعْتَنَى الْحَافِظُ - ابْنُ
عَسَاكِرَ بِجَمْعِ طُرُقِهِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ فَأَفَادَ وَأَجَادَ.
فَأَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ: حَدَّثَنَا
سَعِيدُ بْنُ عَبْدَوَيْهِ الصَّفَّارُ الْبَغْدَادِيُّ، حَدَّثَنَا
عَلِيُّ بْنُ جَمِيلٍ الرَّقِيُّ، أَنَا جَرِيرٌ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ
مُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فِي الْجَنَّةِ شَجَرَةٌ أَوْ مَا فِي
(10/365)
الْجَنَّةِ شَجَرَةٌ - شَكَّ عَلِيُّ بْنُ
جَمِيلٍ - مَا عَلَيْهَا وَرَقَةٌ إِلَّا مَكْتُوبٌ عَلَيْهَا: لَا
إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ، أَبُو بَكْرٍ
الصِّدِّيقُ، عُمَرُ الْفَارُوقُ، عُثْمَانُ ذُو النُّورَيْنِ» .
فَإِنَّهُ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ، فِي إِسْنَادِهِ مَنْ تُكُلِّمَ فِيهِ،
وَلَا يَخْلُو مِنْ نَكَارَةٍ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
[فِيمَا وَرَدَ مِنْ فَضَائِلِهِ وَحْدَهُ]
الْقِسْمُ الثَّانِي فِيمَا وَرَدَ مِنْ فَضَائِلِهِ وَحْدَهُ: قَالَ
الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، ثَنَا أَبُو
عَوَانَةَ، ثَنَا عُثْمَانُ بْنُ مَوْهَبٍ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ مِنْ
أَهْلِ مِصْرَ حَجَّ الْبَيْتَ، فَرَأَى قَوْمًا جُلُوسًا فَقَالَ:
مَنْ هَؤُلَاءِ الْقَوْمُ؟ قَالُوا: هَؤُلَاءِ قُرَيْشٌ. قَالَ: فَمَنِ
الشَّيْخُ فِيهِمْ؟ قَالُوا: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ قَالَ: يَا
ابْنَ عُمَرَ إِنِّي سَائِلُكَ عَنْ شَيْءٍ فَحَدِّثْنِي ; هَلْ
تَعْلَمُ أَنَّ عُثْمَانَ فَرَّ يَوْمَ أُحُدٍ؟ قَالَ: نَعَمْ.
فَقَالَ: تَعْلَمُ أَنَّهُ تَغَيَّبَ عَنْ بَدْرٍ وَلَمْ يَشْهَدْهَا؟
قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: تَعْلَمُ أَنَّهُ تَغَيَّبَ عَنْ بَيْعَةِ
الرِّضْوَانِ فَلَمْ يَشْهَدْهَا؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: اللَّهُ
أَكْبَرُ. قَالَ ابْنُ عُمَرَ: تَعَالَ أُبَيِّنْ لَكَ ; أَمَّا
فِرَارُهُ يَوْمَ أُحُدٍ فَأَشْهَدُ أَنَّ اللَّهَ عَفَا عَنْهُ
وَغَفَرَ لَهُ، وَأَمَّا تَغَيُّبُهُ عَنْ بَدْرٍ فَإِنَّهُ كَانَتْ
تَحْتَهُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
وَكَانَتْ مَرِيضَةً، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ لَكَ أَجْرَ رَجُلٍ مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا
وَسَهْمَهُ» ، وَأَمَّا تَغَيُّبُهُ عَنْ
(10/366)
بَيْعَةِ الرِّضْوَانِ فَلَوْ كَانَ أَحَدٌ
أَعَزَّ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ عُثْمَانَ لَبَعَثَهُ مَكَانَهُ ;
فَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
عُثْمَانَ - وَكَانَتْ بَيْعَةَ الرِّضْوَانِ بَعْدَ مَا ذَهَبَ
عُثْمَانُ - إِلَى مَكَّةَ، فَقَالَ النَّبِيُّ، صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِيَدِهِ الْيُمْنَى: هَذِهِ يَدُ عُثْمَانَ.
فَضَرَبَ بِهَا عَلَى يَدِهِ فَقَالَ: هَذِهِ لِعُثْمَانَ. فَقَالَ
لَهُ ابْنُ عُمَرَ: اذْهَبْ بِهَا الْآنَ مَعَكَ. تَفَرَّدَ بِهِ دُونَ
مُسْلِمٍ.
طَرِيقٌ أُخْرَى: وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ
بْنُ عَمْرٍو، ثَنَا زَائِدَةُ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ شَقِيقٍ قَالَ:
لَقِيَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ الْوَلِيدَ بْنَ عُقْبَةَ
فَقَالَ لَهُ الْوَلِيدُ: مَا لِي أَرَاكَ جَفَوْتَ أَمِيرَ
الْمُؤْمِنِينَ عُثْمَانَ؟ فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ:
أَبْلِغْهُ أَنِّي لَمْ أَفِرَّ يَوْمَ حُنَيْنٍ - قَالَ عَاصِمٌ:
يَقُولُ: يَوْمَ أُحُدٍ - وَلَمْ أَتَخَلَّفْ عَنْ يَوْمِ بَدْرٍ،
وَلَمْ أَتْرُكْ سُنَّةَ عُمَرَ. قَالَ: فَانْطَلَقَ فَخَبَّرَ ذَلِكَ
عُثْمَانَ فَقَالَ: أَمَّا قَوْلُهُ: إِنِّي لَمْ أَفِرَّ يَوْمَ
حُنَيْنٍ فَكَيْفَ يُعَيِّرُنِي بِذَلِكَ وَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنِّي
فَقَالَ: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى
الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا
كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ
حَلِيمٌ} [آل عمران: 155]
(10/367)
[آلِ عِمْرَانَ: 155] وَأَمَّا قَوْلُهُ:
إِنِّي تَخَلَّفْتُ يَوْمَ بَدْرٍ. فَإِنِّي كُنْتُ أُمَرِّضُ
رُقَيَّةَ بِنْتَ رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
وَقَدْ ضَرَبَ لِي رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، بِسَهْمِي وَمَنْ ضَرَبَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِسَهْمِهِ فَقَدْ شَهِدَ، وَأَمَّا
قَوْلُهُ: وَلَمْ أَتْرُكْ سُنَّةَ عُمَرَ. فَإِنِّي لَا أُطِيقُهَا
وَلَا هُوَ فَأْتِهِ فَحَدِّثْهُ بِذَلِكَ.
حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ شَبِيبِ
بْنِ سَعِيدٍ، ثَنَا أَبِي، عَنْ يُونُسَ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ:
أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ أَنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عَدِيِّ بْنِ
الْخِيَارِ، أَخْبَرَهُ أَنَّ الْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ وَعَبْدَ
الرَّحْمَنِ بْنَ الْأَسْوَدِ بْنِ عَبْدِ يَغُوثَ قَالَا: مَا
يَمْنَعُكَ أَنْ تُكَلِّمَ عُثْمَانَ لِأَخِيهِ الْوَلِيدِ، فَقَدْ
أَكْثَرَ النَّاسُ فِيهِ؟ فَقَصَدْتُ لِعُثْمَانَ حِينَ خَرَجَ إِلَى
الصَّلَاةِ. قُلْتُ: إِنَّ لِي إِلَيْكَ حَاجَةٌ، وَهِيَ نَصِيحَةٌ
لَكَ. قَالَ: يَا أَيُّهَا الْمَرْءُ - قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ:
قَالَ مَعْمَرٌ: أَرَاهُ قَالَ - أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْكَ.
فَانْصَرَفْتُ فَرَجَعْتُ إِلَيْهِمْ إِذْ جَاءَ رَسُولُ عُثْمَانَ،
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَأَتَيْتُهُ فَقَالَ: مَا نَصِيحَتُكَ؟
فَقُلْتُ: إِنَّ اللَّهَ بَعَثَ مُحَمَّدًا، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، بِالْحَقِّ، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ الْكِتَابَ، وَكُنْتَ
مِمَّنِ اسْتَجَابَ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ، فَهَاجَرْتَ
الْهِجْرَتَيْنِ، وَصَحِبْتَ
(10/368)
رَسُولَ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، وَرَأَيْتَ هَدْيَهُ، وَقَدْ أَكْثَرَ النَّاسُ فِي شَأْنِ
الْوَلِيدِ. فَقَالَ: أَدْرَكْتَ رَسُولَ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قُلْتُ: لَا، وَلَكِنْ خَلَصَ إِلَيَّ مِنْ
عِلْمِهِ مَا يَخْلُصُ إِلَى الْعَذْرَاءِ فِي سِتْرِهَا. قَالَ:
أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ اللَّهَ بَعَثَ مُحَمَّدًا بِالْحَقِّ وَكُنْتُ
مِمَّنِ اسْتَجَابَ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ، وَآمَنْتُ بِمَا بَعَثَ
بِهِ، وَهَاجَرْتُ الْهِجْرَتَيْنِ كَمَا قُلْتَ، وَصَحِبْتُ رَسُولَ
اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَبَايَعْتُهُ
فَوَاللَّهِ مَا عَصَيْتُهُ وَلَا غَشَشْتُهُ حَتَّى تَوَفَّاهُ
اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ، ثُمَّ أَبُو بَكْرٍ مِثْلُهُ، ثُمَّ عُمَرُ
مِثْلُهُ، ثُمَّ اسْتُخْلِفْتُ، أَفَلَيَسَ لِي مِنَ الْحَقِّ مِثْلُ
الَّذِي لَهُمْ؟ قُلْتُ: بَلَى. قَالَ: فَمَا هَذِهِ الْأَحَادِيثُ
الَّتِي تَبْلُغُنِي عَنْكُمْ؟ أَمَّا مَا ذَكَرْتَ مِنْ شَأْنِ
الْوَلِيدِ، فَسَنَأْخُذُ فِيهِ بِالْحَقِّ إِنْ شَاءَ اللَّهُ. ثُمَّ
دَعَا عَلِيًّا فَأَمَرَهُ أَنْ يَجْلِدَهُ فَجَلَدَهُ ثَمَانِينَ.
حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَبُو
الْمُغِيرَةِ، ثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنِي
رَبِيعَةُ بْنُ يَزِيدَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرٍ، عَنِ
النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، عَنْ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا،
قَالَتْ: «أَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، إِلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ
رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا
رَأَيْنَا إِقْبَالَ رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، عَلَى عُثْمَانَ أَقْبَلَتْ إِحْدَانَا عَلَى الْأُخْرَى
فَكَانَ مِنْ آخِرِ كَلَامٍ كَلَّمَهُ أَنْ ضَرَبَ مَنْكِبَهُ،
وَقَالَ: " يَا عُثْمَانُ إِنَّ اللَّهَ عَسَى أَنْ يُلْبِسَكَ
قَمِيصًا فَإِنْ أَرَادَكَ الْمُنَافِقُونَ
(10/369)
عَلَى خَلْعِهِ فَلَا تَخْلَعْهُ حَتَّى
تَلْقَانِي " ثَلَاثًا. فَقُلْتُ لَهَا: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ
فَأَيْنَ كَانَ هَذَا عَنْكِ؟ قَالَتْ: نُسِّيتُهُ وَاللَّهِ فَمَا
ذَكَرْتُهُ. قَالَ: فَأَخْبَرْتُهُ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ
فَلَمْ يَرْضَ بِالَّذِي أَخْبَرْتُهُ حَتَّى كَتَبَ إِلَى أُمِّ
الْمُؤْمِنِينَ أَنِ اكْتُبِي إِلَيَّ بِهِ فَكَتَبَتْ إِلَيْهِ بِهِ
كِتَابًا»
وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْجَسْرِيُّ، عَنْ عَائِشَةَ
وَحَفْصَةَ بِنَحْوِ مَا تَقَدَّمَ. وَرَوَاهُ قَيْسُ بْنُ أَبِي
حَازِمٍ وَأَبُو سَهْلَةَ عَنْهَا. وَرَوَاهُ أَبُو سَهْلَةَ، عَنْ
عُثْمَانَ: «إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، عَهِدَ إِلَيَّ عَهْدًا فَأَنَا صَابِرٌ نَفْسِي عَلَيْهِ»
. وَرَوَاهُ فَرَجُ بْنُ فَضَالَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْوَلِيدِ
الزُّبَيْدِيِّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ،
فَذَكَرَهُ. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: تَفَرَّدَ بِهِ الْفَرَجُ بْنُ
فَضَالَةَ. وَرَوَاهُ أَبُو مَرْوَانَ مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ
خَالِدٍ الْعُثْمَانِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ
أَبِي
(10/370)
الزِّنَادِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ هِشَامِ
بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ. وَرَوَاهُ ابْنُ
عَسَاكِرَ مِنْ طَرِيقِ الْمِنْهَالِ بْنِ بَحْرٍ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ
سَلَمَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْهَا.
وَرَوَاهُ أَبُو أُسَامَةَ، عَنِ الْجُرَيْرِيِّ: حَدَّثَنِي أَبُو
بَكْرٍ الْعَدَوِيُّ قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ. فَذَكَرَ عَنْهَا
نَحْوَ مَا تَقَدَّمَ. وَرَوَاهُ خُصَيْفٌ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ
عَائِشَةَ بِنَحْوِهِ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كُنَاسَةَ
الْأَسَدِيُّ أَبُو يَحْيَى، ثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ
أَبِيهِ قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ: مَا اسْتَمَعْتُ
عَلَى رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِلَّا
مَرَّةً، فَإِنَّ عُثْمَانَ جَاءَهُ فِي نَحْرِ الظَّهِيرَةِ
فَظَنَنْتُ أَنَّهُ
(10/371)
جَاءَهُ فِي أَمْرِ النِّسَاءِ،
فَحَمَلَتْنِي الْغَيْرَةُ عَلَى أَنْ أَصْغَيْتُ إِلَيْهِ
فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: «إِنَّ اللَّهَ مُلْبِسُكَ قَمِيصًا تُرِيدُكَ
أُمَّتِي عَلَى خَلْعِهِ فَلَا تَخْلَعْهُ " فَلَمَّا رَأَيْتُ
عُثْمَانَ يَبْذُلُ لَهُمْ مَا سَأَلُوهُ إِلَّا خَلْعَهُ، عَلِمْتُ
أَنَّهُ مِنْ عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، الَّذِي عَهِدَ إِلَيْهِ» .
طَرِيقٌ أُخْرَى: قَالَ الطَّبَرَانِيُّ: حَدَّثَنَا مُطَّلِبُ بْنُ
شُعَيْبٍ الْأَزْدِيُّ، ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، ثَنَا
اللَّيْثُ، عَنْ خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي
هِلَالٍ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ سَيْفٍ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ شُفَيٍّ
الْأَصْبَحِيُّ فَقَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ قَالَ:
الْتَفَتَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
فَقَالَ: «يَا عُثْمَانُ إِنْ أَلْبَسَكَ اللَّهُ قَمِيصًا فَأَرَادَكَ
النَّاسُ عَلَى خَلْعِهِ فَلَا تَخْلَعْهُ فَوَاللَّهِ لَئِنْ
خَلَعْتَهُ لَا تَرَى الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجُمَلُ فِي سَمِّ
الْخِيَاطِ»
وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
عُمَرَ، عَنْ أُخْتِهِ حَفْصَةَ أُمِّ
(10/372)
الْمُؤْمِنِينَ. وَفِي سِيَاقِ مَتْنِهِ
غَرَابَةٌ، فَاللَّهُ أَعْلَمُ
حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ
الصَّمَدِ، حَدَّثَتْنِي فَاطِمَةُ بِنْتُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَتْ:
حَدَّثَتْنِي أُمِّي أَنَّهَا سَأَلَتْ عَائِشَةَ، وَأَرْسَلَهَا
عَمُّهَا فَقَالَ: إِنَّ أَحَدَ بَنِيكِ يُقْرِئُكِ السَّلَامَ
وَيَسْأَلُكِ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، فَإِنَّ النَّاسَ قَدْ
شَتَمُوهُ! فَقَالَتْ: لَعَنَ اللَّهُ مَنْ لَعَنَهُ، فَوَاللَّهِ
لَقَدْ كَانَ قَاعِدًا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، لَمُسْنِدٌ ظَهْرَهُ إِلَيَّ، وَإِنَّ جِبْرِيلَ لَيُوحِي
إِلَيْهِ الْقُرْآنَ، وَإِنَّهُ لَيَقُولُ لَهُ: «اكْتُبْ يَا
عُثَيْمُ» قَالَتْ عَائِشَةُ: فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُنْزِلَ تِلْكَ
الْمَنْزِلَةَ إِلَّا كِرِيمًا عَلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ. ثُمَّ
رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، عَنْ يُونُسَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ
إِبْرَاهِيمَ الْيَشْكَرِيِّ، عَنْ أُمِّهِ، عَنْ أُمِّهَا أَنَّهَا
سَأَلَتْ عَائِشَةَ عِنْدَ الْكَعْبَةِ عَنْ عُثْمَانَ فَذَكَرَتْ
مِثْلَهُ.
حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ الْبَزَّارُ: حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ
قَالَ: ذَكَرَ أَبُو الْمُغِيرَةِ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ
مَاعِزٍ التَّمِيمِيِّ، عَنْ جَابِرٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ، صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ذَكَرَ فِتْنَةً، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ،
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَا أُدْرِكُهَا؟ قَالَ: " لَا ". فَقَالَ
عُمَرُ: أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ أُدْرِكُهَا؟ قَالَ: " لَا ".
فَقَالَ عُثْمَانُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَا
(10/373)
أُدْرِكُهَا؟ قَالَ: " بِكَ يُبْتَلَوْنَ»
قَالَ الْبَزَّارُ: وَهَذَا لَا نَعْلَمُهُ يُرْوَى إِلَّا مِنْ هَذَا
الْوَجْهِ.
حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَسْوَدُ بْنُ
عَامِرٍ، ثَنَا سِنَانُ بْنُ هَارُونَ، ثَنَا كُلَيْبُ بْنُ وَائِلٍ:
عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: «ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِتْنَةً فَمَرَّ رَجُلٌ، فَقَالَ: " يُقْتَلُ
فِيهَا هَذَا الْمُقَنَّعُ يَوْمَئِذٍ مَظْلُومًا ". فَنَظَرْتُ
فَإِذَا هُوَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ» .
وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ
شَاذَانَ بِهِ. وَقَالَ: حَسَنٌ غَرِيبٌ.
حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَفَّانُ، ثَنَا
وُهَيْبٌ، ثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو أُمِّي
أَبُو حَبِيْبَةَ، أَنَّهُ دَخَلَ الدَّارَ وَعُثْمَانُ مَحْصُورٌ
فِيهَا، وَأَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَسْتَأْذِنُ عُثْمَانَ فِي
الْكَلَامِ فَأَذِنَ لَهُ، فَقَامَ فَحَمِدَ اللَّهَ، وَأَثْنَى
عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: ( «إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ، صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: " إِنَّكُمْ تَلْقَوْنَ بَعْدِي
فِتْنَةً وَاخْتِلَافًا " - أَوْ قَالَ: " اخْتِلَافًا وَفِتْنَةً " -
فَقَالَ لَهُ قَائِلٌ مِنَ النَّاسِ: فَمَنْ لَنَا يَا رَسُولَ
اللَّهِ؟ قَالَ: " عَلَيْكُمْ بِالْأَمِينِ وَأَصْحَابِهِ " وَهُوَ
يُشِيرُ إِلَى عُثْمَانَ بِذَلِكَ» . تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ
وَإِسْنَادُهُ جَيِّدٌ حَسَنٌ، وَلَمْ يُخَرِّجُوهُ مِنْ هَذَا
الْوَجْهِ.
(10/374)
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا
أَبُو أُسَامَةَ - حَمَّادُ بْنُ أُسَامَةَ - أَنَا كَهْمَسُ بْنُ
الْحَسَنِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ، حَدَّثَنِي هَرِمُ بْنُ
الْحَارِثِ وَأُسَامَةُ بْنُ خُرَيْمٍ - وَكَانَا يُغَازِيَانِ -
فَحَدَّثَانِي حَدِيثًا وَلَمْ يَشْعُرْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَّ
صَاحِبَهُ حَدَّثَنِيهِ، عَنْ مُرَّةَ الْبَهْزِيِّ، قَالَ: «بَيْنَمَا
نَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِي
طَرِيقٍ مِنْ طُرُقِ الْمَدِينَةِ فَقَالَ: " كَيْفَ تَصْنَعُونَ فِي
فِتْنَةٍ تَثُورُ فِي أَقْطَارِ الْأَرْضِ كَأَنَّهَا صَيَاصِي بَقَرٍ؟
" قَالُوا: نَصْنَعُ مَاذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: " عَلَيْكُمْ
هَذَا وَأَصْحَابَهُ " - أَوْ " اتَّبِعُوا هَذَا وَأَصْحَابَهُ " -
قَالَ: فَأَسْرَعْتُ حَتَّى عَيِيتُ فَأَدْرَكْتُ الرَّجُلَ فَقُلْتُ:
هَذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: " هَذَا ". فَإِذَا هُوَ عُثْمَانُ
بْنُ عَفَّانَ، فَقَالَ: " هَذَا وَأَصْحَابُهُ» . فَذَكَرَهُ.
طَرِيقٌ أُخْرَى: وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي " جَامِعِهِ ":
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، ثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ
الثَّقَفِيُّ، ثَنَا أَيُّوبُ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ أَبِي
الْأَشْعَثِ الصَّنْعَانِيِّ «أَنَّ خُطَبَاءَ قَامَتْ بِالشَّامِ،
وَفِيهِمْ رِجَالٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، فَقَامَ آخِرُهُمْ ; رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ: مُرَّةُ بْنُ
كَعْبٍ. فَقَالَ: لَوْلَا حَدِيثٌ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ،
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مَا تَكَلَّمْتُ، وَذَكَرَ
الْفِتَنَ فَقَرَّبَهَا، فَمَرَّ رَجُلٌ مُقَنَّعٌ فِي ثَوْبٍ،
فَقَالَ:
(10/375)
" هَذَا يَوْمَئِذٍ عَلَى الْهُدَى ".
فَقُمْتُ إِلَيْهِ فَإِذَا هُوَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ، فَأَقْبَلْتُ
عَلَيْهِ بِوَجْهِهِ فَقُلْتُ: هَذَا؟ قَالَ " نَعَمْ» قَالَ
التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَفِي الْبَابِ عَنِ
ابْنِ عُمَرَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَوَالَةَ وَكَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ.
قُلْتُ: وَقَدْ رَوَاهُ أَسَدُ بْنُ مُوسَى، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ
صَالِحٍ، عَنْ سُلَيْمِ بْنِ عَامِرٍ، عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ،
عَنْ مُرَّةَ بْنِ كَعْبٍ الْبَهْزِيِّ، فَذَكَرَ نَحْوَهُ.
وَقَدْ رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ
مَهْدِيٍّ، عَنْ مُعَاوِيَةَ، عَنْ صَالِحٍ، عَنْ سُلَيْمِ بْنِ
عَامِرٍ، عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ، عَنْ كَعْبِ بْنِ مُرَّةَ
الْبَهْزِيِّ، وَالصَّحِيحُ مُرَّةُ بْنُ كَعْبٍ، كَمَا تَقَدَّمَ.
وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ حَوَالَةَ، فَقَالَ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ،
عَنْ سَعِيدٍ الْجُرَيْرِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ، عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَوَالَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كَيْفَ أَنْتَ وَفِتْنَةٌ تَكُونُ فِي
أَقْطَارِ الْأَرْضِ؟ ". قُلْتُ: مَا خَارَ اللَّهُ لِي وَرَسُولُهُ.
قَالَ: " اتَّبِعْ هَذَا الرَّجُلَ، فَإِنَّهُ يَوْمَئِذٍ وَمَنِ
اتَّبَعَهُ عَلَى الْحَقِّ ". قَالَ: فَأَتْبَعْتُهُ فَأَخَذْتُ
بِمَنْكِبِهِ فَلَفَتُّهُ، فَقُلْتُ: هَذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟
فَقَالَ: " نَعَمْ ". فَإِذَا هُوَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ» ،
(10/376)
وَقَالَ حَرْمَلَةُ، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ،
عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ
رَبِيعَةَ بْنِ لَقِيطٍ، عَنِ ابْنِ حَوَالَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ثَلَاثٌ مَنْ نَجَا
مِنْهُنَّ فَقَدْ نَجَا ; مَوْتِي، وَخُرُوجُ الدَّجَّالِ، وَقَتْلُ
خَلِيفَةٍ مُصْطَبِرٍ قَوَّامٍ بِالْحَقِّ يُعْطِيهِ» .
وَأَمَّا حَدِيثُ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ، فَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ:
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ سُلَيْمَانَ الرَّازِيُّ، أَخْبَرَنِي
مُغِيرَةُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ مَطَرٍ الْوَرَّاقِ، عَنِ ابْنِ
سِيرِينَ، عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ قَالَ: «ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ،
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِتْنَةً فَقَرَّبَهَا
وَعَظَّمَهَا. قَالَ: ثُمَّ مَرَّ رَجُلٌ مُقَنَّعٌ فِي مِلْحَفَةٍ،
فَقَالَ: " هَذَا يَوْمَئِذٍ عَلَى الْحَقِّ ". فَانْطَلَقْتُ
مُسْرِعًا - أَوْ قَالَ: مُحْضِرًا - وَأَخَذْتُ بِضَبْعَيْهِ،
فَقُلْتُ: هَذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: " هَذَا ". فَإِذَا هُوَ
عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ» .
ثُمَّ رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ، عَنْ
هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ كَعْبِ
بْنِ عُجْرَةَ، فَذَكَرَ مِثْلَهُ.
وَرَوَاهُ أَبُو يَعْلَى، عَنْ هُدْبَةَ، عَنْ هَمَّامٍ، عَنْ
قَتَادَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ
(10/377)
سِيرِينَ، عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ.
وَكَذَا رَوَاهُ أَبُو عَوْنٍ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ كَعْبِ بْنِ
عُجْرَةَ
وَقَدْ تَقَدَّمَ حَدِيثُ أَبِي ثَوْرٍ الْفَهْمِيِّ عَنْهُ، فِي
قَوْلِهِ فِي الْخُطْبَةِ الَّتِي خَاطَبَ بِهَا النَّاسَ مِنْ
دَارِهِ: وَاللَّهِ مَا تَعَتَّيْتُ وَلَا تَمَنَّيْتُ، وَلَا زَنَيْتُ
فِي جَاهِلِيَّةٍ وَلَا إِسْلَامٍ، وَلَا مَسَسْتُ فَرْجِي بِيَمِينِي
مُنْذُ بَايَعْتُ بِهَا رَسُولَ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ. وَأَنَّهُ كَانَ يُعْتِقُ كُلَّ يَوْمِ جُمُعَةٍ عَتِيقًا،
فَإِنْ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ أَعْتَقَ فِي الْجُمُعَةِ الْأُخْرَى
عَتِيقَيْنِ. وَقَالَ مَوْلَاهُ حُمْرَانُ: كَانَ عُثْمَانُ يَغْتَسِلُ
كُلَّ يَوْمٍ مُنْذُ أَسْلَمَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ
عَيَّاشٍ، ثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، أَنَا الْأَوْزَاعِيُّ،
عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ أَنَّهُ
حَدَّثَهُ عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى
عُثْمَانَ وَهُوَ مَحْصُورٌ، فَقَالَ: إِنَّكَ إِمَامُ الْعَامَّةِ،
وَقَدْ نَزَلَ بِكَ مَا تَرَى، وَإِنِّي أَعْرِضُ عَلَيْكَ خِصَالًا
ثَلَاثًا اخْتَرْ إِحْدَاهُنَّ ; إِمَّا أَنْ تَخْرُجَ
فَتَقَاتِلَهُمْ، فَإِنَّ مَعَكَ عَدَدًا وَقُوَّةً وَأَنْتَ عَلَى
الْحَقِّ وَهُمْ عَلَى الْبَاطِلِ، وَإِمَّا أَنْ تَخْرِقَ بَابًا
سِوَى الْبَابِ الَّذِي هُمْ عَلَيْهِ فَتَقْعُدَ عَلَى رَوَاحِلِكَ
فَتَلْحَقَ بِمَكَّةَ، فَإِنَّهُمْ لَنْ يَسْتَحِلُّوكَ وَأَنْتَ
بِهَا، وَإِمَّا أَنْ تَلْحَقَ بِالشَّامِ، فَإِنَّهُمْ أَهْلُ
الشَّامِ وَفِيهِمْ مُعَاوِيَةُ.
(10/378)
فَقَالَ عُثْمَانُ: أَمَّا أَنْ أَخْرَجَ
فَأُقَاتِلُ، فَلَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ خَلَفَ رَسُولَ اللَّهِ،
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِي أُمَّتِهِ بِسَفْكِ
الدِّمَاءِ، وَأَمَّا أَنْ أَخْرُجَ إِلَى مَكَّةَ فَإِنَّهُمْ لَنْ
يَسْتَحِلُّونِي بِهَا، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ، صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «يُلْحِدُ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ
بِمَكَّةَ يَكُونُ عَلَيْهِ نِصْفُ عَذَابِ الْعَالَمِ. فَلَنْ أَكُونَ
أَنَا، وَأَمَّا أَنْ أَلْحَقَ بِالشَّامِ، فَإِنَّهُمْ أَهْلُ
الشَّامِ وَفِيهِمْ مُعَاوِيَةُ فَلَنْ أُفَارِقَ دَارَ هِجْرَتِي
وَمُجَاوَرَةَ رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» .
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا أَبُو الْمُغِيرَةِ، ثَنَا
أَرْطَاةُ - يَعْنِي ابْنَ الْمُنْذِرِ - حَدَّثَنِي أَبُو عَوْنٍ
الْأَنْصَارِيُّ أَنَّ عُثْمَانَ قَالَ لِابْنِ مَسْعُودٍ: " هَلْ
أَنْتَ مُنْتَهٍ عَمَّا بَلَغَنِي عَنْكَ؟ فَاعْتَذَرَ بَعْضَ
الْعُذْرِ، فَقَالَ عُثْمَانُ: وَيْحَكَ! إِنِّي قَدْ سَمِعْتُ
وَحَفِظْتُ - وَلَيْسَ كَمَا سَمِعْتَ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ، صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «سَيُقْتَلُ أَمِيرٌ وَيَنْتَزِي
مُنْتَزٍ. وَإِنِّي أَنَا الْمَقْتُولُ، وَلَيْسَ عُمَرَ، إِنَّمَا
قَتَلَ عُمَرَ وَاحِدٌ، وَإِنَّهُ يُجْتَمَعُ عَلَيَّ» . وَهَذَا
الَّذِي قَالَهُ لِابْنِ مَسْعُودٍ قَبْلَ مَقْتَلِهِ بِنَحْوٍ مَنْ
أَرْبَعِ سِنِينَ، فَإِنَّهُ مَاتَ قَبْلَهُ بِنَحْوِ ذَلِكَ.
حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ: ثَنَا عُبَيْدُ
اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْقَوَارِيرِيُّ، ثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ
الْحَكَمِ بْنِ أَوْسٍ الْأَنْصَارِيُّ، حَدَّثَنِي أَبُو عُبَادَةَ
الزُّرَقِيُّ الْأَنْصَارِيُّ - مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ - عَنْ
زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: شَهِدْتُ عُثْمَانَ يَوْمَ
حُصِرَ فِي مَوْضِعِ الْجَنَائِزِ وَلَوْ أُلْقِيَ حَجَرٌ لَمْ يَقَعْ
إِلَّا عَلَى رَأْسِ رَجُلٍ، فَرَأَيْتُ عُثْمَانَ أَشْرَفَ مِنَ
الْخَوْخَةِ الَّتِي تَلِي بَابَ مَقَامِ جِبْرِيلَ، فَقَالَ: أَيُّهَا
النَّاسُ، أَفِيكُمْ طَلْحَةُ؟
(10/379)
فَسَكَتُوا ثُمَّ قَالَ: أَيُّهَا
النَّاسُ، أَفِيكُمْ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ؟ فَسَكَتُوا،
ثُمَّ قَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ أَفِيكُمْ طَلْحَةُ؟ فَقَامَ طَلْحَةُ
بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ فَقَالَ لَهُ عُثْمَانُ: أَلَا أَرَاكَ
هَاهُنَا؟ مَا كُنْتُ أَرَى أَنَّكَ تَكُونُ فِي جَمَاعَةِ قَوْمٍ
تَسْمَعُ نِدَائِي آخَرَ ثَلَاثِ مَرَّاتٍ، ثُمَّ لَا تُجِيبُنِي؟
أَنْشُدُكَ اللَّهَ يَا طَلْحَةُ، تَذْكُرُ يَوْمَ كُنْتُ أَنَا
وَأَنْتَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
فِي مَوْضِعِ كَذَا وَكَذَا لَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِهِ
غَيْرِي وَغَيْرُكَ؟ فَقَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَقَالَ لَكَ رَسُولُ
اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّهُ مَا مِنْ
نَبِيٍّ إِلَّا وَمَعَهُ مِنْ أَصْحَابِهِ رَفِيقٌ مِنْ أُمَّتِهِ
مَعَهُ فِي الْجَنَّةِ، وَإِنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ هَذَا -
يَعْنِينِي - رَفِيقِي فِي الْجَنَّةِ "؟ فَقَالَ طَلْحَةُ: اللَّهُمَّ
نَعَمْ» . تَفَرَّدَ بِهِ.
حَدِيثٌ آخَرُ، عَنْ طَلْحَةَ: قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو
هِشَامٍ الرِّفَاعِيُّ، ثَنَا يَحْيَى بْنُ الْيَمَانِ، عَنْ شَيْخِ
بْنِ زُهْرَةَ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي
ذُبَابٍ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لِكُلِّ نَبِيٍّ
رَفِيقٌ، وَرَفِيقِي فِي الْجَنَّةِ عُثْمَانُ» . ثُمَّ قَالَ: هَذَا
حَدِيثٌ غَرِيبٌ وَلَيْسَ إِسْنَادُهُ بِالْقَوِيِّ، وَإِسْنَادُهُ
مُنْقَطِعٌ. وَرَوَاهُ أَبُو مَرْوَانَ مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ، عَنْ
أَبِيهِ،
(10/380)
عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ
الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ
الْبَغْدَادِيُّ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ قَالُوا: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ
زُفَرَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ زِيَادٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ
عَجْلَانَ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: «أُتِيَ
رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِجِنَازَةِ
رَجُلٍ لِيُصَلِّيَ عَلَيْهِ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِ، فَقِيلَ: يَا
رَسُولَ اللَّهِ مَا رَأَيْنَاكَ تَرَكْتَ الصَّلَاةَ عَلَى أَحَدٍ
قَبْلَ هَذَا؟ فَقَالَ: " إِنَّهُ كَانَ يُبْغِضُ عُثْمَانَ
فَأَبْغَضَهُ اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ» ". ثُمَّ قَالَ التِّرْمِذِيُّ:
هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ، وَمُحَمَّدُ بْنُ زِيَادٍ هَذَا صَاحِبُ
مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ ضَعِيفُ الْحَدِيثِ جِدًّا، وَمُحَمَّدُ بْنُ
زِيَادٍ صَاحِبُ أَبِي هُرَيْرَةَ بَصْرِيٌّ ثِقَةٌ يُكَنَّى أَبَا
الْحَارِثِ، وَمُحَمَّدُ بْنُ زِيَادٍ الْأَلْهَانِيُّ صَاحِبُ أَبِي
أُمَامَةَ ثِقَةٌ شَامِيٌّ يُكَنَّى أَبَا سُفْيَانَ.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَى الْحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ، مِنْ حَدِيثِ أَبِي
مَرْوَانَ الْعُثْمَانِيِّ، حَدَّثَنِي أَبِي، عُثْمَانُ بْنُ خَالِدٍ،
عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ
الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ، صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَقِيَ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ عَلَى
بَابِ الْمَسْجِدِ فَقَالَ: «يَا عُثْمَانُ هَذَا جِبْرِيلُ
يُخْبِرُنِي أَنَّ اللَّهَ قَدْ زَوَّجَكَ أُمَّ كُلْثُومٍ بِمِثْلِ
صَدَاقِ رُقَيَّةَ عَلَى مِثْلِ مُصَاحَبَتِهَا» وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ
عَسَاكِرَ أَيْضًا، مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَائِشَةَ،
وَعُمَارَةَ بْنِ رُوَيْبَةَ، وَعِصْمَةَ بْنِ مَالِكٍ الْخَطْمِيِّ،
وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، وَابْنِ عُمَرَ، وَغَيْرِهِمْ. وَهُوَ غَرِيبٌ
وَمُنْكَرٌ مِنْ جَمِيعِ طُرُقِهِ.
(10/381)
وَرُوِيَ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ، عَنْ
عَلِيٍّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
قَالَ: «لَوْ كَانَ لِي أَرْبَعُونَ ابْنَةً لَزَوَّجْتُهُنَّ
بِعُثْمَانَ وَاحِدَةً بَعْدَ وَاحِدَةٍ، حَتَّى لَا يَبْقَى مِنْهُنَّ
وَاحِدَةٌ» .
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدٍ الْأُمَوِيُّ، عَنْ يُونُسَ بْنِ أَبِي
إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الْمُهَلَّبِ بْنِ أَبِي صُفْرَةَ
قَالَ: سَأَلْتُ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، لِمَ قُلْتُمْ فِي عُثْمَانَ: أَعْلَاهَا فُوقًا؟ قَالُوا:
لِأَنَّهُ لَمْ يَتَزَوَّجْ رَجُلٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَالْآخَرِينَ
ابْنَتَيْ نَبِيٍّ غَيْرُهُ. رَوَاهُ ابْنُ عَسَاكِرَ.
وَقَالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «مَا رَأَيْتُ رَسُولَ
اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، رَافِعًا يَدَيْهِ حَتَّى
يَبْدُوَ ضَبْعَيْهِ إِلَّا لِعُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، إِذَا دَعَا
لَهُ» .
وَقَالَ مِسْعَرٌ، عَنْ عَطِيَّةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ:
«رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِنْ
أَوَّلِ اللَّيْلِ إِلَى أَنْ طَلَعَ الْفَجْرُ رَافِعًا يَدَيْهِ
يَدْعُو لِعُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، يَقُولُ: " اللَّهُمَّ عُثْمَانُ
رَضِيتُ عَنْهُ فَارْضَ عَنْهُ» . وَفِي رِوَايَةٍ يَقُولُ لِعُثْمَانَ
" غَفَرَ اللَّهُ لَكَ مَا قَدَّمْتَ وَمَا أَخَّرْتَ، وَمَا
أَسْرَرْتَ وَمَا أَعْلَنْتَ، وَمَا كَانَ مِنْكَ وَمَا هُوَ كَائِنٌ
إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. وَرَوَاهُ الْحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ عَنْ
مُحَمَّدِ بْنِ الْقَاسِمِ
(10/382)
الْأَسَدِيِّ، عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ، عَنْ
حَسَّانَ بْنِ عَطِيَّةَ، عَنِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، مُرْسَلًا.
وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ، عَنْ أَبِي يَعْلَى، عَنْ عَمَّارِ بْنِ
يَاسِرٍ الْمُسْتَمْلِيِّ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ
الْمُسْتَمْلِيِّ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ
حُذَيْفَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، بَعَثَ إِلَى عُثْمَانَ يَسْتَعِينُهُ فِي غَزَاةٍ
غَزَاهَا، فَبَعَثَ إِلَيْهِ عُثْمَانُ بِعَشَرَةِ آلَافِ دِينَارٍ،
فَوَضَعَهَا بَيْنَ يَدَيْهِ، فَجَعَلَ يُقَلِّبُهَا بَيْنَ يَدَيْهِ
وَيَدْعُو لَهُ: " غَفَرَ اللَّهُ لَكَ يَا عُثْمَانُ مَا أَسْرَرْتَ
وَمَا أَعْلَنْتَ وَمَا أَخْفَيْتَ، وَمَا هُوَ كَائِنٌ إِلَى يَوْمِ
الْقِيَامَةِ، مَا يُبَالِي عُثْمَانُ مَا فَعَلَ بَعْدَ هَذَا» ".
حَدِيثٌ آخَرُ: وَقَالَ لَيْثُ بْنُ أَبِي سُلَيْمٍ: «أَوَّلُ مَنْ
خَبَصَ الْخَبِيصَ عُثْمَانُ ; خَلَطَ بَيْنَ الْعَسَلِ وَالنَّقِيِّ،
ثُمَّ بَعَثَ بِهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، إِلَى مَنْزِلِ أُمِّ سَلَمَةَ فَلَمْ يُصَادِفْهُ،
فَلَمَّا جَاءَ وَضَعُوهُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَالَ: مَنْ بَعَثَ
بِهَذَا؟ قَالُوا: عُثْمَانُ. قَالَتْ: فَرَفَعَ يَدَيْهِ إِلَى
السَّمَاءِ، فَقَالَ: " اللَّهُمَّ إِنَّ عُثْمَانَ يَتَرَضَّاكَ
فَارْضَ عَنْهُ» ".
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَى أَبُو يَعْلَى، عَنْ شَيْبَانَ بْنِ فَرُّوخَ،
عَنْ طَلْحَةَ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ عُبَيْدَةَ بْنِ حَسَّانَ، عَنْ
عَطَاءٍ الْكَيْخَارَنِيِّ، عَنْ جَابِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
(10/383)
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
اعْتَنَقَ عُثْمَانَ، وَقَالَ: «أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا
وَوَلِيِّي فِي الْآخِرَةِ» .
حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ: حَدَّثَنَا
حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، وَحَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنِ الْجُرَيْرِيِّ،
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَوَالَةَ
قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
تَهْجُمُونَ عَلَى رَجُلٍ مُعْتَجِرٍ بِبُرْدَةٍ مِنْ أَهْلِ
الْجَنَّةِ، يُبَايِعُ النَّاسَ. قَالَ: فَهَجَمْنَا عَلَى عُثْمَانَ
بْنِ عَفَّانَ مُعْتَجِرًا يُبَايِعُ النَّاسَ» .
(10/384)
[ذِكْرُ شَيْءٍ مِنْ سِيرَتِهِ وَهِيَ
دَالَّةٌ عَلَى فَضِيلَتِهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ]
فَصْلٌ فِي ذِكْرِ شَيْءٍ مِنْ سِيرَتِهِ وَهِيَ دَالَّةٌ عَلَى
فَضِيلَتِهِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: لَمَّا تُوُفِّيَ عُمَرُ بَايَعْنَا خَيْرَنَا
وَلَمْ نَأْلُ. وَفِي رِوَايَةٍ: بَايَعُوا خَيْرَهُمْ وَلَمْ
يَأْلُوا.
وَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ
عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، قَالَ: كَانَ نَقْشُ خَاتَمِ
عُثْمَانَ: آمَنْتُ بِالَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُبَارَكِ: بَلَغَنِي أَنَّهُ كَانَ نَقْشُ
خَاتَمِ عُثْمَانَ: آمَنَ عُثْمَانُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ.
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ فِي " التَّارِيخِ ": ثَنَا مُوسَى بْنُ
إِسْمَاعِيلَ، ثَنَا مُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ
الْحَسَنَ يَقُولُ: أَدْرَكْتُ عُثْمَانَ عَلَى مَا نَقَمُوا عَلَيْهِ،
قَلَّمَا يَأْتِي عَلَى النَّاسِ يَوْمٌ إِلَّا وَهُمْ يَقْتَسِمُونَ
فِيهِ خَيْرًا، يُقَالُ لَهُمْ: يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ، اغْدُوا
عَلَى أَعْطِيَاتِكُمْ. فَيَأْخُذُونَهَا وَافِرَةً، ثُمَّ يُقَالُ
لَهُمُ: اغْدُوا عَلَى أَرْزَاقِكُمْ. فَيَأْخُذُونَهَا وَافِرَةً،
ثُمَّ يُقَالُ لَهُمُ: اغْدُوا عَلَى السَّمْنِ وَالْعَسَلِ،
الْأَعْطِيَاتُ جَارِيَةٌ، وَالْأَرْزَاقُ دَارَّةٌ، وَالْعَدُوُّ
مُتَّقًى، وَذَاتُ الْبَيْنِ حَسَنٌ، وَالْخَيْرُ
(10/385)
كَثِيرٌ، وَمَا مِنْ مُؤْمِنٍ يَخَافُ
مُؤْمِنًا، مَنْ لَقِيَهُ فَهُوَ أَخُوهُ مَنْ كَانَ ; أُلْفَتُهُ
وَنَصِيحَتُهُ وَمَوَدَّتُهُ، قَدْ عَهِدَ إِلَيْهِمْ أَنَّهَا
سَتَكُونُ أَثَرَةً، فَإِذَا كَانَتْ فَاصْبِرُوا. قَالَ الْحَسَنُ:
فَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حِينَ رَأَوْهَا لَوَسِعَهُمْ مَا كَانُوا
فِيهِ مِنَ الْعَطَاءِ وَالرِّزْقِ وَالْخَيْرِ الْكَثِيرِ، قَالُوا:
لَا وَاللَّهِ مَا نُصَابِرُهَا. فَوَاللَّهِ مَا رُدُّوا وَمَا
سَلِمُوا، وَالْأُخْرَى كَانَ السَّيْفُ مُغْمَدًا عَنْ أَهْلِ
الْإِسْلَامِ فَسَلُّوهُ عَلَى أَنْفُسِهِمْ، فَوَاللَّهِ مَا زَالَ
مَسْلُولًا إِلَى يَوْمِ النَّاسِ هَذَا، وَايْمُ اللَّهِ إِنِّي
لِأُرَاهُ سَيْفًا مَسْلُولًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.
وَقَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ، عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ
عُثْمَانَ يَأْمُرُ فِي خُطْبَتِهِ بِذَبْحِ وَقَتْلِ الْكِلَابِ.
وَرَوَى سَيْفُ بْنُ عُمَرَ أَنَّ أَهْلَ الْمَدِينَةِ اتَّخَذَ
بَعْضُهُمُ الْحَمَامَ، وَرَمَى بَعْضُهُمْ بِالْجُلَاهِقَاتِ،
فَوَكَّلَ عُثْمَانُ رَجُلًا مِنْ بَنِي لَيْثٍ يَتَتَبَّعُ ذَلِكَ،
فَيَقُصُّ الْحَمَامَ وَيَكْسِرُ الْجُلَاهِقَاتِ، وَهِيَ قِسِيُّ
الْبُنْدُقِ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ: أَنْبَأَنَا الْقَعْنَبِيُّ، وَخَالِدُ
بْنُ مَخْلَدٍ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ هِلَالٍ، عَنْ جَدَّتِهِ -
وَكَانَتْ تَدْخُلُ عَلَى عُثْمَانَ وَهُوَ مَحْصُورٌ - فَوَلَدَتْ
هِلَالًا، فَفَقَدَهَا يَوْمًا، فَقِيلَ لَهُ: إِنَّهَا قَدْ وَلَدَتْ
هَذِهِ اللَّيْلَةَ غُلَامًا. قَالَتْ: فَأَرْسَلَ إِلَيَّ بِخَمْسِينَ
دِرْهَمًا وَشُقَيْقَةً سُنْبُلَانِيَّةً، وَقَالَ: هَذَا عَطَاءُ
ابْنِكِ وَكِسْوَتُهُ، فَإِذَا مَرَّتْ بِهِ سَنَةٌ رَفَعْنَاهُ إِلَى
مِائَةٍ.
(10/386)
وَرَوَى الزُّبَيْرُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ،
عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَّامٍ، عَنِ ابْنِ دَابٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ
سَعِيدِ بْنِ يَرْبُوعِ بْنِ عَنْكَثَةَ الْمَخْزُومِيُّ: انْطَلَقْتُ
وَأَنَا غُلَامٌ فِي الظَّهِيرَةِ وَمَعِي طَيْرٌ أُرْسِلُهُ فِي
الْمَسْجِدِ، وَالْمَسْجِدُ يُبْنَى، فَإِذَا شَيْخٌ جَمِيلٌ حَسَنُ
الْوَجْهِ نَائِمٌ، تَحْتَ رَأْسِهِ لَبِنَةٌ أَوْ بَعْضُ لَبِنَةٍ،
فَقُمْتُ أَنْظُرُ إِلَيْهِ أَتَعَجَّبُ مِنْ جَمَالِهِ، فَفَتَحَ
عَيْنَيْهِ، فَقَالَ: مَنْ أَنْتَ يَا غُلَامُ؟ فَأَخْبَرْتُهُ،
فَنَادَى غُلَامًا نَائِمًا، قَرِيبًا مِنْهُ، فَلَمْ يَجُبْهُ،
فَقَالَ لِيَ: ادْعُهُ. فَدَعَوْتُهُ، فَأَمَرَهُ بِشَيْءٍ وَقَالَ
لِيَ: اقْعُدْ. قَالَ: فَذَهَبَ الْغُلَامُ فَجَاءَ بِحُلَّةٍ، وَجَاءَ
بِأَلْفِ دِرْهَمٍ، وَنَزَعَ ثُوبِي وَأَلْبَسَنِي الْحُلَّةَ،
وَجَعَلَ الْأَلْفَ دِرْهَمٍ فِيهَا، فَرَجَعْتُ إِلَى أَبِي
فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: يَا بُنَيَّ مَنْ فَعَلَ هَذَا بِكَ؟
فَقُلْتُ: لَا أَدْرِي إِلَّا أَنَّهُ رَجُلٌ فِي الْمَسْجِدِ نَائِمٌ
لَمْ أَرَ قَطُّ أَحْسَنَ مِنْهُ. قَالَ: ذَاكَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ
عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ.
وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ: أَخْبَرَنِي يَزِيدُ
بْنُ خَصِيفَةَ، عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ
عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عُثْمَانَ التَّيْمِيَّ عَنْ صَلَاةِ طَلْحَةَ
بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ؟ قَالَ: إِنْ شِئْتَ أَخْبَرْتُكَ عَنْ صَلَاةِ
عُثْمَانَ؟ قَالَ:
(10/387)
نَعَمْ. قَالَ: قُلْتُ لَأَغْلِبَنَّ
اللَّيْلَةَ النَّفَرَ عَلَى الْحَجَرِ - يَعْنِي الْمَقَامَ -
فَلَمَّا قُمْتُ إِذَا رَجُلٌ يَزْحَمُنِي مُقَنَّعًا، قَالَ:
فَالْتَفَتُّ فَإِذَا بِعُثْمَانَ فَتَأَخَّرْتُ عَنْهُ، فَصَلَّى
فَإِذَا هُوَ يَسْجُدُ سُجُودَ الْقُرْآنِ حَتَّى إِذَا قُلْتُ: هَذَا
هُوَ أَذَانُ الْفَجْرِ. أَوْتَرَ بِرَكْعَةٍ لَمْ يُصَلِّ غَيْرَهَا،
ثُمَّ انْطَلَقَ. وَقَدْ رُوِيَ هَذَا مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ أَنَّهُ
صَلَّى بِالْقُرْآنِ الْعَظِيمِ فِي رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ عِنْدَ
الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ، أَيَّامَ الْحَجِّ. وَقَدْ كَانَ هَذَا مِنْ
دَأْبِهِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. وَلِهَذَا رُوِّينَا عَنِ ابْنِ
عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ
آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو
رَحْمَةَ رَبِّهِ} [الزمر: 9] قَالَ: هُوَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {هَلْ يَسْتَوِي هُوَ
وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}
[النحل: 76] . قَالَ: هُوَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ.
وَقَالَ حَسَّانُ:
ضَحَّوْا بِأَشْمَطَ عُنْوَانُ السُّجُودِ بِهِ ... يُقَطِّعُ
اللَّيْلَ تَسْبِيحًا وَقُرْآنَا
وَقَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ: ثَنَا إِسْرَائِيلُ بْنُ مُوسَى،
سَمِعْتُ الْحَسَنَ يَقُولُ: قَالَ عُثْمَانُ: لَوْ أَنَّ قُلُوبَنَا
طَهُرَتْ مَا شَبِعْنَا مِنْ كَلَامِ رَبِّنَا، وَإِنِّي لَأَكْرَهُ
أَنْ يَأْتِيَ عَلَيَّ يَوْمٌ لَا أَنْظُرُ فِي الْمُصْحَفِ، وَمَا
مَاتَ عُثْمَانُ حَتَّى خَرَقَ مُصْحَفَهُ مِنْ كَثْرَةِ مَا
(10/388)
يُدِيمُ النَّظَرَ فِيهِ.
وَقَالَ أَنَسٌ وَمُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ: قَالَتِ امْرَأَةُ
عُثْمَانَ يَوْمَ الدَّارِ: اقْتُلُوهُ أَوْ دَعُوهُ فَوَاللَّهِ
لَقَدْ كَانَ يُحْيِي اللَّيْلَ بِالْقُرْآنِ فِي رَكْعَةٍ. وَقَالَ
غَيْرُ وَاحِدٍ: إِنَّهُ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، كَانَ لَا يُوقِظُ
أَحَدًا مِنْ أَهْلِهِ إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ لِيُعِينَهُ عَلَى
وُضُوئِهِ، إِلَّا أَنْ يَجِدَهُ يَقْظَانَ، وَكَانَ يَصُومُ
الدَّهْرَ، وَكَانَ يُعَاتَبُ فَيُقَالُ لَهُ: لَوْ أَيْقَظْتَ بَعْضَ
الْخَدَمِ؟ فَيَقُولُ: لَا، اللَّيْلُ لَهُمْ يَسْتَرِيحُونَ فِيهِ.
وَكَانَ إِذَا اغْتَسَلَ لَا يَرْفَعُ الْمِئْزَرَ عَنْهُ، وَهُوَ فِي
بَيْتٍ مُغْلَقٍ عَلَيْهِ، وَلَا يَرْفَعُ صُلْبَهُ جَيِّدًا مِنْ
شِدَّةِ حَيَائِهِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
(10/389)
[فِي ذِكْرِ شَيْءٍ مِنْ خُطَبِهِ]
فَصْلٌ فِي ذِكْرِ شَيْءٍ مِنْ خُطَبِهِ
قَالَ الْوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ
الْمَخْزُومِيُّ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عُثْمَانَ لَمَّا بُويِعَ خَرَجَ
إِلَى النَّاسِ فَخَطَبَهُمْ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ،
ثُمَّ قَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ أَوَّلَ كُلِّ مَرْكَبٍ صَعْبٌ،
وَإِنَّ بَعْدَ الْيَوْمِ أَيَّامًا، وَإِنْ أَعِشْ تَأْتِكُمُ
الْخُطْبَةُ عَلَى وَجْهِهَا، وَمَا كُنَّا خُطَبَاءَ،
وَسَيُعَلِّمُنَا اللَّهُ.
وَقَالَ الْحَسَنُ: خَطَبَ عُثْمَانُ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى
عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا اللَّهَ فَإِنَّ
تَقْوَى اللَّهِ غُنْمٌ، وَإِنَّ أَكْيَسَ النَّاسِ مَنْ دَانَ
نَفْسَهُ وَعَمِلَ لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ، وَاكْتَسَبَ مِنْ نُورِ
اللَّهِ نُورًا لِظُلْمَةِ الْقَبْرِ، وَلْيَخْشَ عَبْدٌ أَنْ
يَحْشُرَهُ اللَّهُ أَعْمَى وَقَدْ كَانَ بَصِيرًا، وَقَدْ يَكْفِينِي
الْحَكِيمُ جَوَامِعَ الْكَلِمِ، وَالْأَصَمُّ يُنَادَى مِنْ مَكَانٍ
بَعِيدٍ، وَاعْلَمُوا أَنَّ مَنْ كَانَ اللَّهُ مَعَهُ لَمْ يَخَفْ
شَيْئًا، وَمَنْ كَانَ اللَّهُ عَلَيْهِ فَمَنْ يَرْجُو بَعْدَهُ؟
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: خَطَبَ عُثْمَانُ فَقَالَ: ابْنَ آدَمَ، اعْلَمْ
أَنَّ مَلَكَ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكَ لَمْ يَزَلْ يُخْلِفُكَ
وَيَتَخَطَّى إِلَى غَيْرِكَ مُنْذُ أَنْتَ فِي الدُّنْيَا،
وَكَأَنَّهُ قَدْ تَخَطَّى غَيْرَكَ إِلَيْكَ وَقَصَدَكَ، فَخُذْ
حِذْرَكَ وَاسْتَعِدَّ لَهُ، وَلَا تَغْفُلْ فَإِنَّهُ لَا يَغْفُلُ
عَنْكَ، وَاعْلَمْ
(10/390)
ابْنَ آدَمَ، إِنْ غَفَلْتَ عَنْ نَفْسِكَ
وَلَمْ تَسْتَعِدَّ لَهَا، لَمْ يَسْتَعِدَّ لَهَا غَيْرُكَ، وَلَا
بُدَّ مِنْ لِقَاءِ اللَّهِ، فَخُذْ لِنَفْسِكَ وَلَا تَكِلْهَا إِلَى
غَيْرِكَ. وَالسَّلَامُ.
وَقَالَ سَيْفُ بْنُ عُمَرَ، عَنْ بَدْرِ بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ عَمِّهِ
قَالَ: آخَرُ خُطْبَةٍ خَطَبَهَا عُثْمَانُ فِي جَمَاعَةٍ: إِنَّ
اللَّهَ إِنَّمَا أَعْطَاكُمُ الدُّنْيَا لِتَطْلُبُوا بِهَا
الْآخِرَةَ، وَلَمْ يُعْطِكُمُوهَا لِتَرْكَنُوا إِلَيْهَا، إِنَّ
الدُّنْيَا تَفْنَى وَإِنَّ الْآخِرَةَ تَبْقَى، لَا تُبْطِرَنَّكُمُ
الْفَانِيَةُ وَلَا تَشْغَلَنَّكُمْ عَنِ الْبَاقِيَةِ، فَآثِرُوا مَا
يَبْقَى عَلَى مَا يَفْنَى، فَإِنَّ الدُّنْيَا مُنْقَطِعَةٌ، وَإِنَّ
الْمَصِيرَ إِلَى اللَّهِ، اتَّقُوا اللَّهَ فَإِنَّ تَقْوَاهُ جُنَّةٌ
مِنْ بَأْسِهِ، وَوَسِيلَةٌ عِنْدَهُ، وَاحْذَرُوا مِنَ اللَّهِ
الْغِيَرَ، وَالْزَمُوا جَمَاعَتَكُمْ، لَا تَصِيرُوا أَحْزَابًا
{وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً
فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا}
[آل عمران: 103] إِلَى آخِرِ الْآيَتَيْنِ [آلِ عِمْرَانَ: 103، 104] .
[مَنَاقِبُهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ]
فَصْلٌ (مَنَاقِبُهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ)
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
قَيْسٍ الْأَسَدِيُّ، عَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ قَالَ: سَمِعْتُ
عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ وَالْمُؤَذِّنُ
يُقِيمُ الصَّلَاةَ، وَهُوَ يَسْتَخْبِرُ النَّاسَ يَسْأَلُهُمْ عَنْ
أَخْبَارِهِمْ وَأَسْعَارِهِمْ.
وَقَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، ثَنَا
يُونُسُ - يَعْنِي ابْنَ عُبَيْدٍ - حَدَّثَنِي عَطَاءُ بْنُ فَرُّوخَ
مَوْلَى الْقُرَشِيِّينَ أَنَّ عُثْمَانَ اشْتَرَى مِنْ رَجُلٍ أَرْضًا
فَأَبْطَأَ
(10/391)
عَلَيْهِ، فَلَقِيَهُ فَقَالَ: مَا
مَنَعَكَ مِنْ قَبْضِ مَالِكَ؟ قَالَ: إِنَّكَ غَبَنْتَنِي، فَمَا
أَلْقَى مِنَ النَّاسِ أَحَدًا إِلَّا وَهُوَ يَلُومُنِي. قَالَ:
أَوَذَلِكَ يَمْنَعُكَ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَاخْتَرْ بَيْنَ
أَرْضِكَ وَمَالِكَ. ثُمَّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَدْخَلَ اللَّهُ الْجَنَّةَ رَجُلًا
كَانَ سَهْلًا ; مُشْتَرِيًا، وَبَائِعًا، وَقَاضِيًا، وَمُقْتَضِيًا»
.
وَرَوَى ابْنُ جَرِيرٍ أَنَّ طَلْحَةَ لَقِيَ عُثْمَانَ وَهُوَ خَارِجٌ
إِلَى الْمَسْجِدِ، فَقَالَ لَهُ طَلْحَةُ: إِنَّ الْخَمْسِينَ أَلْفًا
الَّتِي لَكَ عِنْدِي قَدْ حَصَلَتْ، فَأَرْسِلْ مَنْ يَقْبِضُهَا.
فَقَالَ لَهُ عُثْمَانُ: إِنَّا قَدْ وَهَبْنَاكَهَا لِمُرُوءَتِكَ.
وَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ: اسْتَعْمَلَ ابْنُ عَامِرٍ قَطَنَ بْنَ عَوْفٍ
الْهِلَالِيَّ عَلَى كَرْمَانَ، فَأَقْبَلَ جَيْشٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ
- أَرْبَعَةُ آلَافٍ - وَجَرَى الْوَادِي فَقَطَعَهُمْ عَنْ
طَرِيقِهِمْ، وَخَشِيَ قَطَنٌ الْفَوْتَ فَقَالَ: مَنْ جَازَ الْوَادِي
فَلَهُ أَلْفُ دِرْهَمٍ. فَحَمَلُوا أَنْفُسَهُمْ عَلَى الْعُظْمِ،
فَكَانَ إِذَا جَازَ الرَّجُلُ مِنْهُمْ قَالَ قَطَنٌ: أَعْطُوهُ
جَائِزَتَهُ. حَتَّى جَازَوْا جَمِيعًا وَأَعْطَاهُمْ أَرْبَعَةَ
آلَافِ دِرْهَمٍ، فَأَبَى ابْنُ عَامِرٍ أَنْ يَحْسِبَهَا لَهُ،
فَكَتَبَ بِذَلِكَ إِلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، فَكَتَبَ عُثْمَانُ
أَنِ احْسِبْهَا لَهُ، فَإِنَّهُ إِنَّمَا أَعَانَ الْمُسْلِمِينَ فِي
سَبِيلِ اللَّهِ، فَمِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ سُمِّيَتِ الْجَوَائِزُ
لِإِجَازَةِ الْوَادِي، فَقَالَ الْكِنَانِيُّ ذَلِكَ:
(10/392)
فِدًى لِلْأَكْرَمِينَ بَنِي هِلَالٍ ...
عَلَى عِلَّاتِهِمْ أَهْلِي وَمَالِي
هُمُ سَنُّوا الْجَوَائِزَ فِي مَعَدٍّ ... فَعَادَتْ سُنَّةً أُخْرَى
اللَّيَالِي
رِمَاحُهُمُ تَزِيدُ عَلَى ثَمَانٍ ... وَعَشْرٍ قَبْلَ تَرْكِيبِ
النِّصَالِ
[مَنَاقِبُهُ الْكِبَارُ وَحَسَنَاتُهُ الْعَظِيمَةُ]
فَصْلٌ (مَنَاقِبُهُ الْكِبَارُ وَحَسَنَاتُهُ الْعَظِيمَةُ)
وَمِنْ مَنَاقِبِهِ الْكِبَارِ وَحَسَنَاتِهِ الْعَظِيمَةِ أَنَّهُ
جَمَعَ النَّاسَ عَلَى قِرَاءَةٍ وَاحِدَةٍ، وَكَتَبَ الْمُصْحَفَ
عَلَى الْعَرْضَةِ الْأَخِيرَةِ، الَّتِي دَرَّسَهَا جِبْرِيلُ رَسُولَ
اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِي آخِرِ سِنِي
حَيَاتِهِ، وَكَانَ سَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ
كَانَ فِي بَعْضِ الْغَزَوَاتِ، وَقَدِ اجْتَمَعَ فِيهَا خَلْقٌ مِنْ
أَهْلِ الشَّامِ مِمَّنْ يَقْرَأُ عَلَى قِرَاءَةِ الْمِقْدَادِ بْنِ
الْأَسْوَدِ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ، وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ
مِمَّنْ يَقْرَأُ عَلَى قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ
وَأَبِي مُوسَى، وَجَعَلَ مَنْ لَا يَعْلَمُ بِسَوَغَانِ الْقِرَاءَةِ
عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ يُفَضِّلُ قِرَاءَتَهُ عَلَى قِرَاءَةِ
غَيْرِهِ، وَرُبَّمَا خَطَّأَ الْآخَرَ أَوْ كَفَّرَهُ، فَأَدَّى
ذَلِكَ إِلَى اخْتِلَافٍ شَدِيدٍ وَانْتِشَارٍ فِي الْكَلَامِ
السَّيِّئِ بَيْنَ النَّاسِ، فَرَكِبَ حُذَيْفَةُ إِلَى عُثْمَانَ،
فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، أَدْرِكْ هَذِهِ الْأُمَّةَ
قَبْلَ أَنْ تَخْتَلِفَ فِي كِتَابِهَا كَاخْتِلَافِ الْيَهُودِ
وَالنَّصَارَى فِي كُتُبِهِمْ. وَذَكَرَ لَهُ مَا شَاهَدَ مِنَ
اخْتِلَافِ النَّاسِ فِي الْقِرَاءَةِ، فَعِنْدَ ذَلِكَ جَمَعَ
عُثْمَانُ الصَّحَابَةَ وَشَاوَرَهُمْ فِي ذَلِكَ، وَرَأَى أَنْ
يَكْتُبَ الْمُصْحَفَ عَلَى حَرْفٍ وَاحِدٍ، وَأَنْ يَجْمَعَ النَّاسَ
فِي سَائِرِ الْأَقَالِيمِ عَلَى الْقِرَاءَةِ بِهِ دُونَ مَا سِوَاهُ
; لِمَا رَأَى فِي ذَلِكَ مِنْ مَصْلَحَةِ كَفِّ الْمُنَازَعَةِ
وَدَفْعِ
(10/393)
الِاخْتِلَافِ، فَاسْتَدْعَى بِالصُّحُفِ
الَّتِي كَانَ الصِّدِّيقُ أَمَرَ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ بِجَمْعِهَا،
وَكَانَتْ عِنْدَ الصِّدِّيقِ أَيَّامَ حَيَاتِهِ، ثُمَّ كَانَتْ
عِنْدَ عُمَرَ، فَلَمَّا تُوُفِّيَ صَارَتْ إِلَى حَفْصَةَ أُمِّ
الْمُؤْمِنِينَ، فَاسْتَدْعَى بِهَا عُثْمَانُ وَأَمَرَ زَيْدَ بْنَ
ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيَّ أَنْ يَكْتُبَ، وَأَنْ يُمْلِيَ عَلَيْهِ
سَعِيدُ بْنُ الْعَاصِ الْأُمَوِيُّ، بِحَضْرَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
الزُّبَيْرِ الْأَسَدِيِّ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ
هِشَامٍ الْمَخْزُومِيِّ، وَأَمَرَهُمْ إِذَا اخْتَلَفُوا فِي شَيْءٍ
أَنْ يَكْتُبُوهُ بِلُغَةِ قُرَيْشٍ، فَكَتَبَ لِأَهْلِ الشَّامِ
مُصْحَفًا وَلِأَهْلِ مِصْرَ آخَرَ، وَبَعَثَ إِلَى الْبَصْرَةِ
مُصْحَفًا وَإِلَى الْكُوفَةِ بِآخَرَ، وَأَرْسَلَ إِلَى مَكَّةَ
مُصْحَفًا وَإِلَى الْيَمَنِ مِثْلَهُ، وَأَقَرَّ بِالْمَدِينَةِ
مُصْحَفًا، وَيُقَالُ لِهَذِهِ الْمَصَاحِفِ: الْأَئِمَّةُ. وَلَيْسَتْ
كُلُّهَا بِخَطِّ عُثْمَانَ، بَلْ وَلَا وَاحِدٌ مِنْهَا، وَإِنَّمَا
هِيَ بِخَطِّ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، وَإِنَّمَا يُقَالُ لَهَا:
الْمَصَاحِفُ الْعُثْمَانِيَّةُ ; نِسْبَةً إِلَى أَمْرِهِ وَزَمَانِهِ
وَإِمَارَتِهِ. كَمَا يُقَالُ: دِينَارٌ هِرَقْلِيُّ. أَيْ ضُرِبَ فِي
زَمَانِهِ وَدَوْلَتِهِ.
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي سَبْرَةَ، عَنْ
سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -
وَرَوَاهُ غَيْرُهُ، مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -
قَالَ: «لَمَّا نَسَخَ عُثْمَانُ الْمَصَاحِفَ دَخَلَ عَلَيْهِ أَبُو
هُرَيْرَةَ، فَقَالَ: أَصَبْتَ وَوُفِّقْتَ، أَشْهَدُ لَسَمِعْتُ
رَسُولَ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: " إِنَّ
أَشَدَّ أُمَّتِي حُبًّا لِي قَوْمٌ يَأْتُونَ مِنْ بَعْدِي
يُؤْمِنُونَ بِي وَلَمْ يَرَوْنِي يَعْمَلُونَ بِمَا فِي الْوَرَقِ
الْمُعَلَّقِ " فَقُلْتُ: أَيُّ وَرَقٍ؟ حَتَّى رَأَيْتُ الْمَصَاحِفَ.
قَالَ: فَأَعْجَبَ ذَلِكَ عُثْمَانَ، وَأَمَرَ لِأَبِي هُرَيْرَةَ
بِعَشَرَةِ آلَافٍ، وَقَالَ:
(10/394)
وَاللَّهِ مَا عَلِمْتُ أَنَّكَ لَتَحْبِسُ
عَلَيْنَا حَدِيثَ نَبِيِّنَا، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
ثُمَّ عَمَدَ إِلَى بَقِيَّةِ الْمَصَاحِفِ الَّتِي بِأَيْدِي النَّاسِ
مِمَّا يُخَالِفُ مَا كَتَبَهُ فَحَرَقَهُ ; لِئَلَّا يَقَعَ
بِسَبَبِهِ اخْتِلَافٌ» ، فَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي دَاوُدَ فِي
كِتَابِ " الْمَصَاحِفِ ": حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، ثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ قَالَا: ثَنَا شُعْبَةُ،
عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ سُوَيْدِ بْنِ
غَفَلَةَ قَالَ: قَالَ لِي عَلِيٌّ حِينَ حَرَقَ عُثْمَانُ
الْمَصَاحِفَ: لَوْ لَمْ يَصْنَعْهُ هُوَ لَصَنَعْتُهُ. وَهَكَذَا
رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، وَعَمْرُو بْنُ مَرْزُوقٍ،
عَنْ شُعْبَةَ مِثْلَهُ. وَقَدْ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ،
مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبَانَ - زَوْجِ أُخْتِ حُسَيْنٍ - عَنْ
عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ قَالَ: سَمِعْتُ الْعَيْزَارَ بْنَ جَرْوَلَ،
سَمِعْتُ سُوِيدَ بْنَ غَفَلَةَ قَالَ: قَالَ عَلِيٌّ: أَيُّهَا
النَّاسُ، إِيَّاكُمْ وَالْغُلُوَّ فِي عُثْمَانَ، يَقُولُونَ: حَرَقَ
الْمَصَاحِفَ. وَاللَّهِ مَا حَرَقَهَا إِلَّا عَنْ مَلَأٍ مِنْ
أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَوْ
وَلِيتُ مِثْلَ مَا وَلِيَ لَفَعَلْتُ مِثْلَ الَّذِي فَعَلَ.
(10/395)
وَقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ
أَنَّهُ تَعَتَّبَ لَمَّا أُخِذَ مِنْهُ مُصْحَفُهُ فَحُرِّقَ،
وَتَكَلَّمَ فِي تَقَدُّمِ إِسْلَامِهِ عَلَى زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ
الَّذِي كَتَبَ الْمَصَاحِفَ، وَأَمَرَ أَصْحَابَهُ أَنْ يَغُلُّوا
مَصَاحِفَهُمْ، وَتَلَا قَوْلَهُ تَعَالَى {وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ
بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [آل عمران: 161] فَكَتَبَ إِلَيْهِ
عُثْمَانُ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، يَدْعُوهُ إِلَى اتِّبَاعِ
الصَّحَابَةِ فِيمَا أَجْمَعُوا عَلَيْهِ مِنَ الْمَصْلَحَةِ فِي
ذَلِكَ، وَجَمْعِ الْكَلِمَةِ، وَعَدَمِ الِاخْتِلَافِ، فَأَنَابَ
وَأَجَابَ إِلَى الْمُتَابَعَةِ وَتَرَكَ الْمُخَالَفَةَ، رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ.
وَقَدْ قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ
أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ دَخَلَ مَسْجِدَ مِنًى، فَقَالَ:
كَمْ صَلَّى أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ الظُّهْرَ؟ قَالُوا: أَرْبَعًا.
فَصَلَّى ابْنُ مَسْعُودٍ أَرْبَعًا، فَقَالُوا: أَلَمْ تُحَدِّثْنَا
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَبَا
بَكْرٍ وَعُمَرَ صَلَّوْا رَكْعَتَيْنِ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، وَأَنَا
أُحَدِّثُكُمُوهُ الْآنَ، وَلَكِنْ أَكْرَهُ الِاخْتِلَافَ.
وَفِي " الصَّحِيحِ " أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ قَالَ: لَيْتَ حَظِّي مِنْ
أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ رَكْعَتَانِ مُتَقَبَّلَتَانِ.
وَقَالَ الْأَعْمَشُ: حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ قُرَّةَ - بِوَاسِطٍ
- عَنْ أَشْيَاخِهِ قَالُوا: صَلَّى عُثْمَانُ الظُّهْرَ بِمِنًى
أَرْبَعًا، فَبَلَغَ ذَلِكَ ابْنَ مَسْعُودٍ، فَعَابَ عَلَيْهِ، ثُمَّ
صَلَّى بِأَصْحَابِهِ الْعَصْرَ فِي رَحْلِهِ أَرْبَعًا، فَقِيلَ لَهُ:
عِبْتَ عَلَى عُثْمَانَ وَصَلَّيْتَ أَرْبَعًا؟ فَقَالَ: إِنِّي
أَكْرَهُ الْخِلَافَ. وَفِي رِوَايَةٍ: الْخِلَافُ شَرٌّ. فَإِذَا
كَانَ هَذَا مُتَابَعَةً مِنَ
(10/396)
ابْنِ مَسْعُودٍ عُثْمَانَ فِي هَذَا
الْفَرْعِ، فَكَيْفَ بِمُتَابَعَتِهِ إِيَّاهُ فِي أَصْلِ الْقُرْآنِ،
وَالِاقْتِدَاءِ بِهِ فِي التِّلَاوَةِ الَّتِي عَزَمَ عَلَى النَّاسِ
أَنْ يَقْرَأُوا بِهَا لَا بِغَيْرِهَا؟ وَقَدْ حَكَى الزُّهْرِيُّ
وَغَيْرُهُ أَنَّ عُثْمَانَ إِنَّمَا أَتَمَّ الصَّلَاةَ خَشْيَةً
عَلَى الْأَعْرَابِ أَنْ يَعْتَقِدُوا أَنَّ فَرْضَ الصَّلَاةِ
رَكْعَتَانِ. وَقِيلَ: بَلْ قَدْ تَأَهَّلَ بِمَكَّةَ. فَرَوَى أَبُو
يَعْلَى وَغَيْرُهُ، مِنْ حَدِيثِ عِكْرِمَةَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ،
حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ
بْنِ أَبِي ذُبَابٍ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عُثْمَانَ صَلَّى بِهِمْ
بِمِنًى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ:
إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
يَقُولُ: «إِذَا تَزَوَّجَ الرَّجُلُ بِبَلَدٍ فَهُوَ مِنْ أَهْلِهِ»
وَإِنِّي أَتْمَمْتُ لِأَنِّي تَزَوَّجْتُ بِهَا مُنْذُ قَدِمْتُهَا.
وَهَذَا الْحَدِيثُ لَا يَصِحُّ، وَقَدْ تَزَوَّجَ رَسُولُ اللَّهِ،
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِي عُمْرَةِ الْقَضَاءِ
بِمَيْمُونَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ وَلَمْ يُتِمَّ الصَّلَاةَ. وَقَدْ
قِيلَ: إِنَّ عُثْمَانَ تَأَوَّلَ أَنَّهُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ
حَيْثُ كَانَ. وَهَكَذَا تَأَوَّلَتْ عَائِشَةُ فَأَتَمَّتْ. وَفِي
هَذَا التَّأْوِيلِ نَظَرٌ ; فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، هُوَ رَسُولُ اللَّهِ حَيْثُ كَانَ، وَمَعَ هَذَا
مَا أَتَمَّ الصَّلَاةَ فِي الْأَسْفَارِ.
وَمِمَّا كَانَ يَعْتَمِدُهُ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ أَنَّهُ كَانَ
يُلْزِمُ عُمَّالَهُ بِحُضُورِ الْمَوْسِمِ كُلَّ عَامٍ، وَيَكْتُبُ
إِلَى الرَّعَايَا: مَنْ كَانَتْ لَهُ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْهُمْ
مَظْلِمَةٌ فَلْيُوَافِ إِلَى الْمَوْسِمِ، فَإِنِّي آخُذُ لَهُ
حَقَّهُ مِنْ عَامِلِهِ. وَكَانَ عُثْمَانُ قَدْ سَمَحَ لِكَثِيرٍ مِنْ
كِبَارِ الصَّحَابَةِ فِي الْمَسِيرِ حَيْثُ شَاءُوا مِنَ الْبِلَادِ،
وَكَانَ عُمَرُ يَحْجُرُ عَلَيْهِمْ فِي ذَلِكَ، حَتَّى وَلَا فِي
الْغَزْوِ وَيَقُولُ: إِنِّي أَخَافُ أَنْ تَرَوُا الدُّنْيَا أَوْ
أَنْ يَرَاكُمْ أَبْنَاؤُهَا. فَلَمَّا
(10/397)
خَرَجُوا فِي زَمَانِ عُثْمَانَ اجْتَمَعَ
عَلَيْهِمُ النَّاسُ، وَصَارَ لِكُلِّ وَاحِدٍ أَصْحَابٌ، وَطَمِعَ
كُلُّ قَوْمٍ فِي تَوْلِيَةِ صَاحِبِهِمُ الْإِمَارَةَ الْعَامَّةَ
بَعْدَ عُثْمَانَ، فَاسْتَعْجَلُوا مَوْتَهُ، وَاسْتَطَالُوا
حَيَاتَهُ، حَتَّى وَقَعَ مَا وَقَعَ مِنْ بَعْضِ أَهْلِ الْأَمْصَارِ،
كَمَا تَقَدَّمَ، فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ،
وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ،
الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ.
[ذِكْرُ زَوْجَاتِهِ وَبَنِيهِ وَبَنَاتِهِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ]
تَزَوَّجَ بِرُقَيَّةَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَوُلِدَ لَهُ مِنْهَا عَبْدُ اللَّهِ، وَبِهِ
كَانَ يُكَنَّى، بَعْدَ مَا كَانَ يُكَنَّى فِي الْجَاهِلِيَّةِ
بِأَبِي عَمْرٍو، ثُمَّ لَمَّا تُوُفِّيَتْ، تَزَوَّجَ بِأُخْتِهَا
أُمِّ كُلْثُومٍ، ثُمَّ تُوُفِّيَتْ، فَتَزَوَّجَ بِفَاخِتَةَ بِنْتِ
غَزْوَانَ بْنِ جَابِرٍ، فَوُلِدَ لَهُ مِنْهَا عُبَيْدُ اللَّهِ
الْأَصْغَرُ. وَتَزَوَّجَ بِأُمِّ عَمْرٍو بِنْتِ جُنْدُبِ بْنِ
عَمْرٍو الْأَزْدِيَّةِ، فَوَلَدَتْ لَهُ عَمْرًا، وَخَالِدًا،
وَأَبَانَ وَعُمَرَ، وَمَرْيَمَ، وَتَزَوَّجَ بِفَاطِمَةَ بِنْتِ
الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ الْمَخْزُومِيَّةِ، فَوَلَدَتْ لَهُ
الْوَلِيدَ وَسَعِيدًا. وَتَزَوَّجَ أُمَّ الْبَنِينَ بِنْتَ
عُيَيْنَةَ بْنِ حِصْنٍ الْفِزَارِيَّةَ، فَوَلَدَتْ لَهُ عَبْدَ
الْمَلِكِ، وَيُقَالُ: وَعُتْبَةَ. وَتَزَوَّجَ رَمْلَةَ بِنْتَ
شَيْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ
قُصَيٍّ، فَوَلَدَتْ لَهُ عَائِشَةَ، وَأُمَّ أَبَانَ، وَأُمَّ عَمْرٍو
; بَنَاتِ عُثْمَانَ. وَتَزَوَّجَ نَائِلَةَ بِنْتَ الْفَرَافِصَةِ
بْنِ الْأَحْوَصِ بْنِ عَمْرِو بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ حِصْنِ بْنِ
ضَمْضَمِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ جَنَابِ بْنِ كَلْبٍ، فَوَلَدَتْ لَهُ
مَرْيَمَ وَيُقَالُ: وَعَنْبَسَةَ.
(10/398)
وَقُتِلَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ،
وَعِنْدَهُ أَرْبَعٌ ; نَائِلَةُ، وَرَمْلَةُ، وَأُمُّ الْبَنِينَ،
وَفَاخِتَةُ. وَيُقَالُ: إِنَّهُ طَلَّقَ أُمَّ الْبَنِينَ وَهُوَ
مَحْصُورٌ.
فَصْلٌ
تَقَدَّمَ فِي دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ
الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ
الثَّوْرِيِّ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ رِبْعِيٍّ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ
نَاجِيَةَ الْكَاهِلِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «إِنَّ
رَحَى الْإِسْلَامِ سَتَدُورُ لِخَمْسٍ وَثَلَاثِينَ، أَوْ سِتٍّ
وَثَلَاثِينَ، أَوْ سَبْعٍ وَثَلَاثِينَ، فَإِنْ يَهْلِكْ فَسَبِيلُ
مَا هَلَكَ، وَإِنْ يَقْمْ لَهُمْ دِينُهُمْ، يَقُمْ لَهُمْ سَبْعِينَ
عَامًا ". قَالَ: فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَبِمَا مَضَى
أَمْ بِمَا بَقِيَ؟ قَالَ: " بَلْ بِمَا بَقِيَ» وَفِي لَفْظٍ لَهُ
وَلِأَبِي دَاوُدَ: " «تَدُورُ رَحَى الْإِسْلَامِ لِخَمْسٍ
وَثَلَاثِينَ، أَوْ سِتٍّ وَثَلَاثِينَ» . الْحَدِيثَ، وَكَأَنَّ هَذَا
الشَّكَّ مِنَ الرَّاوِي، وَالْمَحْفُوظُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ: "
خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ ". فَإِنَّ فِيهَا قُتِلَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ
عُثْمَانُ، عَلَى الصَّحِيحِ. وَقِيلَ: سَنَةَ سِتٍّ وَثَلَاثِينَ.
وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ. وَكَانَتْ أُمُورٌ شَنِيعَةٌ فَظِيعَةٌ،
وَلَكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ وَوَقَى بِحَوْلِهِ وَقُوَّتِهِ فَلَمْ
يَكُنْ بِأَسْرَعَ مِنْ أَنْ بَايَعَ النَّاسُ عَلِيَّ بْنَ أَبِي
طَالِبٍ، رَضِيَ اللَّهُ
(10/399)
عَنْهُ، وَانْتَظَمَ الْأَمْرُ،
وَاجْتَمَعَ الشَّمْلُ، وَلَكِنْ جَرَتْ بَعْدَ ذَلِكَ أُمُورٌ فِي
يَوْمِ الْجَمَلِ وَأَيَّامِ صِفِّينَ، عَلَى مَا سَنُبَيِّنُهُ، إِنْ
شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
[ذِكْرُ مَنْ تُوَفِّيَ فِي زَمَانِ دَوْلَةِ عُثْمَانَ]
فَصْلٌ (ذِكْرُ مَنْ تُوُفِّيَ فِي زَمَانِ دَوْلَةِ عُثْمَانَ)
فِي ذِكْرِ مَنْ تُوُفِّيَ فِي زَمَانِ دَوْلَةِ عُثْمَانَ مِمَّنْ لَا
يُعْرَفُ وَقْتُ وَفَاتِهِ عَلَى التَّعْيِينِ، عَلَى مَا ذَكَرَهُ
شَيْخُنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الذَّهَبِيُّ وَغَيْرُهُ.
أَنَسُ بْنُ مُعَاذِ بْنِ أَنَسِ بْنِ قَيْسٍ الْأَنْصَارِيُّ
النَّجَّارِيُّ - وَيُقَالُ لَهُ: أُنَيْسٌ أَيْضًا، شَهِدَ
الْمُشَاهِدَ كُلَّهَا، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
أَوْسُ بْنُ الصَّامِتِ، أَخُو عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ
الْأَنْصَارِيِّانِ، شَهِدَ بَدْرًا، وَأَوْسٌ هُوَ زَوْجُ
الْمُجَادِلَةِ الْمَذْكُورُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {قَدْ سَمِعَ
اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى
اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ
بَصِيرٌ} [المجادلة: 1] . وَأَمْرَأَتُهُ خَوْلَةُ بِنْتُ ثَعْلَبَةَ.
أَوْسُ بْنُ خَوَلِيٍّ الْأَنْصَارِيُّ، مِنْ بَنِي الْحُبَلَى، شَهِدَ
بَدْرًا، وَهُوَ الْمُنْفَرِدُ مِنْ بَيْنِ الْأَنْصَارِ بِحُضُورِ
غُسْلِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالنُّزُولِ
مَعَ أَهْلِهِ فِي قَبْرِهِ، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ.
(10/400)
الْجَدُّ بْنُ قَيْسٍ، كَانَ سَيِّدًا فِي
الْأَنْصَارِ، وَلَكِنْ كَانَ بَخِيلًا وَمُتَّهَمًا بِالنِّفَاقِ،
يُقَالُ: إِنَّهُ شَهِدَ يَوْمَ بَيْعَةِ الرِّضْوَانِ فَلَمْ
يُبَايِعْ، وَاسْتَتَرَ بِبَعِيرٍ لَهُ. وَهُوَ الَّذِي نَزَلَ فِيهِ
قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلَا
تَفْتِنِّي أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ
لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ} [التوبة: 49] الْآيَةَ [التَّوْبَةِ: 49]
. وَقَدْ قِيلَ: إِنَّهُ تَابَ مِنْ ذَلِكَ وَأَقْلَعَ عَنْهُ.
فَاللَّهُ أَعْلَمُ.
الْحُطَيْئَةُ الشَّاعِرُ الْمَشْهُورُ، قِيلَ: اسْمُهُ جَرْوَلٌ.
وَيُكَنَّى بِأَبِي مُلَيْكَةَ، مِنْ بَنِي عَبْسٍ، أَدْرَكَ أَيَّامَ
الْجَاهِلِيَّةِ، وَأَدْرَكَ صَدْرًا مِنَ الْإِسْلَامِ، وَكَانَ
يَطُوفُ فِي الْآفَاقِ يَمْتَدِحُ الرُّؤَسَاءَ مِنَ النَّاسِ،
وَيَسْتَجْدِيهِمْ، وَيُقَالُ: كَانَ بَخِيلًا مَعَ ذَلِكَ. سَافَرَ
مَرَّةً فَوَدَّعَ امْرَأَتَهُ فَقَالَ لَهَا:
عُدِّي السِّنِينَ إِذَا خَرَجْتُ لِغَيْبَةٍ ... وَدَعِي الشُّهُورَ
فَإِنَّهُنَّ قِصَارُ
وَكَانَ مَدَّاحًا هَجَّاءً، وَلَهُ شِعْرٌ جَيِّدٌ، وَمِنْ شِعْرِهِ
مَا قَالَهُ بَيْنَ يَدَيْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرَ بْنِ
الْخَطَّابِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَاسْتَجَادَ مِنْهُ قَوْلَهُ:
(10/401)
مَنْ يَفْعَلِ الْخَيْرَ لَمْ يَعْدِمْ
جَوَازِيَهُ ... لَا يَذْهَبُ الْعُرْفُ بَيْنَ اللَّهِ وَالنَّاسِ
خُبَيْبُ بْنُ يَسَافِ بْنِ عِنَبَةَ الْأَنْصَارِيُّ، أَحَدُ مَنْ
شَهِدَ بَدْرًا.
سَلْمَانُ بْنُ رَبِيعَةَ الْبَاهِلِيُّ، يُقَالُ: لَهُ صُحْبَةٌ.
كَانَ مِنَ الشُّجْعَانِ الْأَبْطَالِ الْمَذْكُورِينَ وَالْفُرْسَانِ
الْمَشْهُورِينَ، وَلَّاهُ عُمَرُ قَضَاءَ الْكُوفَةِ، ثُمَّ وَلِيَ
فِي زَمَنِ عُثْمَانَ إِمْرَةً عَلَى جِهَادِ التُّرْكِ، فَقُتِلَ
بِبَلَنْجَرَ، فَقَبْرُهُ هُنَاكَ فِي تَابُوتٍ يَسْتَسْقِي بِهِ
التُّرْكُ إِذَا قَحَطُوا.
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حُذَافَةَ بْنِ قَيْسٍ الْقُرَشِيُّ السَّهْمِيُّ،
هَاجَرَ هُوَ وَأَخُوهُ قَيْسٌ إِلَى الْحَبَشَةِ، وَكَانَ مِنْ
سَادَاتِ الصَّحَابَةِ، وَهُوَ الْقَائِلُ: مَنْ أَبِي يَا رَسُولَ
اللَّهِ؟ - وَكَانَ إِذَا لَاحَى الرِّجَالَ دُعِيَ لِغَيْرِ أَبِيهِ -
فَقَالَ: " أَبُوكَ حُذَافَةُ ". وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بَعَثَهُ إِلَى كِسْرَى، فَدَفَعَ
كِتَابَهُ إِلَى عَظِيمِ بُصْرَى، فَبَعَثَ مَعَهُ مَنْ يُوَصِّلُهُ
إِلَى هِرَقْلَ، كَمَا تَقَدَّمَ. وَقَدْ أَسَرَتْهُ الرُّومُ فِي
زَمَنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ،
(10/402)
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فِي جُمْلَةِ
ثَمَانِينَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَأَرَادُوهُ عَلَى الْكُفْرِ فَأَبَى
عَلَيْهِمْ، فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ: قَبِّلْ رَأْسِي وَأَنَا
أُطْلِقُكَ وَمَنْ مَعَكَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ. فَقَبَّلَ رَأْسَهُ،
فَأَطْلَقَهُمْ، فَلَمَّا قَدِمَ عَلَى عُمَرَ قَالَ لَهُ: حَقٌّ عَلَى
كُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يُقَبِّلَ رَأْسَكَ. ثُمَّ قَامَ عُمَرُ فَقَبَّلَ
رَأْسَهُ، ثُمَّ قَبَّلَهُ النَّاسُ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سُرَاقَةَ بْنِ الْمُعْتَمِرِ الْعَدَوِيُّ،
صَحَابِيٌّ أُحُدِيٌّ، وَزَعَمَ الزُّهْرِيُّ أَنَّهُ شَهِدَ بَدْرًا.
فَاللَّهُ أَعْلَمُ.
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ قَيْسِ بْنِ خَالِدٍ الْأَنْصَارِيُّ
النَّجَّارِيُّ، شَهِدَ بَدْرًا.
عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَهْلِ بْنِ زَيْدٍ الْأَنْصَارِيُّ
الْحَارِثِيُّ، شَهِدَ أُحُدًا وَمَا بَعْدَهَا، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ
الْبَرِّ: شَهِدَ بَدْرًا. اسْتَعْمَلَهُ عُمَرُ عَلَى الْبَصْرَةِ
بَعْدَ مَوْتِ عُتْبَةَ بْنِ غَزْوَانَ، وَقَدْ نَهَشَتْهُ حَيَّةٌ
فَرَقَاهُ عُمَارَةُ بْنُ حَزْمٍ، وَهُوَ الْقَائِلُ لِأَبِي بَكْرٍ،
وَقَدْ جَاءَتْهُ جَدَّتَانِ فَأَعْطَى السُّدُسَ أُمَّ الْأُمِّ
وَتَرَكَ الْأُخْرَى وَهِيَ أُمُّ الْأَبِ - فَقَالَ لَهُ: أَعْطَيْتَ
الَّتِي لَوْ مَاتَتْ لَمْ يَرِثْهَا، وَتَرَكْتَ الَّتِي لَوْ مَاتَتْ
لَوَرِثَهَا. فَشَرَكَ بَيْنَهُمَا
(10/403)
عَمْرُو بْنُ سُرَاقَةَ بْنِ الْمُعْتَمِرِ
الْعَدَوِيُّ، أَخُو عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سُرَاقَةَ، وَهُوَ بَدْرِيٌّ
كَبِيرٌ، رُوِيَ أَنَّهُ جَاعَ مَرَّةً فَرَبَطَ حَجَرًا عَلَى
بَطْنِهِ مِنْ شِدَّةِ الْجُوعِ، وَمَشَى يَوْمَهُ ذَلِكَ إِلَى
اللَّيْلِ، فَأَضَافَهُ قَوْمٌ مِنَ الْعَرَبِ وَمَنْ مَعَهُ، فَلَمَّا
شَبِعَ قَالَ لِأَصْحَابِهِ: كُنْتُ أَحْسَبُ الرِّجْلَيْنِ
يَحْمِلَانِ الْبَطْنَ، فَإِذَا الْبَطْنُ، يَحْمِلُ الرِّجْلَيْنِ.
عُمَيْرُ بْنُ سَعْدٍ الْأَنْصَارِيُّ الْأَوْسِيُّ، صَحَابِيٌّ
جَلِيلُ الْقَدْرِ كَبِيرُ الْمَحَلِّ، كَانَ يُقَالُ لَهُ: نَسِيجُ
وَحْدِهِ. لِكَثْرَةِ زَهَادَتِهِ وَعِبَادَتِهِ، شَهِدَ فَتْحَ
الشَّامِ مَعَ أَبِي عُبَيْدَةَ، وَنَابَ بِحِمْصَ وَبِدِمَشْقَ
أَيْضًا فِي زَمَانِ عُمَرَ، فَلَمَّا كَانَتْ خِلَافَةُ عُثْمَانَ
عَزَلَهُ وَوَلَّى مُعَاوِيَةَ الشَّامَ بِكَمَالِهِ، وَلَهُ أَخْبَارٌ
يَطُولُ ذِكْرُهَا.
عُرْوَةُ بْنُ حِزَامٍ، أَبُو سَعِيدٍ الْعُذْرِيُّ، كَانَ شَاعِرًا
مُغْرَمًا فِي ابْنَةِ عَمٍّ لَهُ، وَهِيَ عَفْرَاءُ بِنْتُ مُهَاجِرٍ،
يَقُولُ فِيهَا الشِّعْرَ، وَاشْتُهِرَ بِحُبِّهَا فَارْتَحَلَ
أَهْلُهَا مِنَ الْحِجَازِ إِلَى الشَّامِ، فَتَبِعَهُمْ عُرْوَةُ
فَخَطَبَهَا إِلَى عَمِّهِ فَامْتَنَعَ مِنْ تَزْوِيجِهِ لِفَقْرِهِ،
وَزَوَّجَهَا بِابْنِ عَمِّهَا الْآخَرِ، فَهَلَكَ عُرْوَةُ هَذَا فِي
مَحَبَّتِهَا، وَهُوَ مَذْكُورٌ فِي كِتَابِ " مُصَارِعِ الْعُشَّاقِ "
وَمِنْ شِعْرِهِ فِيهَا قَوْلُهُ:
وَمَا هُوَ إِلَّا أَنْ أَرَاهَا فُجَاءَةً ... فَأُبْهَتُ حَتَّى مَا
أَكَادُ أُجِيبُ
(10/404)
وَأُصْرَفُ عَنْ رَأْيِي الَّذِي كُنْتُ
أَرْتَئِي
وَأَنْسَى الَّذِي أَعْدَدْتُ حِينَ تَغِيبُ
قُطْبَةُ بْنُ عَامِرٍ، أَبُو زَيْدٍ الْأَنْصَارِيُّ، عَقَبِيٌّ
بَدْرِيٌّ.
قَيْسُ بْنُ قَهْدِ بْنِ قَيْسِ بْنِ ثَعْلَبَةَ الْأَنْصَارِيُّ
النَّجَّارِيُّ، لَهُ حَدِيثٌ فِي الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْفَجْرِ.
وَزَعَمَ ابْنُ مَاكُولَا أَنَّهُ شَهِدَ بَدْرًا. قَالَ مُصْعَبٌ
الزُّبَيْرِيُّ: هُوَ جَدُّ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ.
وَقَالَ الْأَكْثَرُونَ: بَلْ
(10/405)
هُوَ جَدُّ أَبِي مَرْيَمَ عَبْدِ
الْغَفَّارِ بْنِ الْقَاسِمِ الْكُوفِيِّ، فَاللَّهُ أَعْلَمُ.
لَبِيدُ بْنُ رَبِيعَةَ أَبُو عَقِيلٍ الْعَامِرِيُّ الشَّاعِرُ
الْمَشْهُورُ. صَحَّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، قَالَ: «أَصْدَقُ كَلِمَةٍ قَالَهَا شَاعِرٌ كَلِمَةُ
لَبِيَدٍ ;
أَلَا كُلُّ شَيْءٍ مَا خَلَا اللَّهُ بَاطِلُ
.» وَتَمَامُ الْبَيْتِ:
وَكُلُّ نَعِيمٍ لَا مَحَالَةَ زَائِلُ
فَقَالَ عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ إِلَّا نَعِيمَ الْجَنَّةِ. وَقَدْ
قِيلَ: إِنَّهُ تُوُفِّيَ سَنَةَ إِحْدَى وَأَرْبَعِينَ. فَاللَّهُ
أَعْلَمُ.
الْمُسَيَّبُ بْنُ حَزْنِ بْنِ أَبِي وَهْبٍ الْمَخْزُومِيُّ، شَهِدَ
بَيْعَةَ الرِّضْوَانِ، وَهُوَ وَالِدُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ
سَيِّدِ التَّابِعِينَ.
مُعَاذُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ الْأَنْصَارِيُّ، شَهِدَ
بَدْرًا، وَضَرَبَ يَوْمَئِذٍ أَبَا جَهْلٍ بِسَيْفِهِ فَقَطَعَ
رِجْلَهُ، وَحَمَلَ عِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهِلٍ عَلَى مُعَاذٍ هَذَا
فَضَرَبَهُ بِالسَّيْفِ فَحَلَّ يَدَهُ مِنْ كَتِفِهِ، فَقَاتَلَ
بَقِيَّةَ يَوْمِهِ وَهِيَ مُعَلَّقَةٌ يَسْحَبُهَا خَلْفَهُ، قَالَ
مُعَاذٌ: فَلَمَّا آذَتْنِي وَضَعْتُ قَدَمِي عَلَيْهَا ثُمَّ
تَمَطَّأْتُ عَلَيْهَا حَتَّى طَرَحْتُهَا، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
وَعَاشَ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَى هَذِهِ السَّنَةِ سَنَةِ خَمْسٍ
وَثَلَاثِينَ.
(10/406)
مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي
طَالِبٍ، الْقُرَشِيُّ الْهَاشِمِيُّ، وُلِدَ لِأَبِيهِ وَهُوَ
بِالْحَبَشَةِ، فَلَمَّا هَاجَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ سَنَةَ خَيْبَرَ،
وَتُوُفِّيَ يَوْمَ مُؤْتَةَ شَهِيدًا، جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِلَى مَنْزِلِهِمْ، فَقَالَ لِأُمِّهِمْ
أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ " ائْتِينِي بِبَنِي أَخِي ". فَجِيءَ
بِهِمْ كَأَنَّهُمْ أَفْرُخٌ، فَجَعَلَ يُقَبِّلُهُمْ وَيَشُمُّهُمْ
وَيَبْكِي، فَبَكَتْ أُمُّهُمْ فَقَالَ: " أَتَخَافِينَ عَلَيْهِمُ
الْعَيْلَةَ وَأَنَا وَلِيُّهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ؟ ".
ثُمَّ أَمَرَ الْحَلَّاقَ فَحَلَقَ رُءُوسَهُمْ. وَقَدْ مَاتَ
مُحَمَّدٌ وَهُوَ شَابٌّ فِي أَيَّامِ عُثْمَانَ، كَمَا ذَكَرْنَا.
وَزَعَمَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ أَنَّهُ تُوُفِّيَ فِي تُسْتَرَ.
فَاللَّهُ أَعْلَمُ.
مَعْبَدُ بْنُ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، ابْنُ عَمِّ
رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قُتِلَ شَابًّا
بِإِفْرِيقِيَّةَ مِنْ بِلَادِ الْمَغْرِبِ.
مُعَيْقِيبُ بْنُ أَبِي فَاطِمَةَ الدَّوْسِيُّ، صَاحِبُ خَاتَمِ
النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قِيلَ: تُوُفِّيَ فِي
أَيَّامِ عُثْمَانَ. وَقِيلَ: قَبْلَ ذَلِكَ. وَقِيلَ: سَنَةَ
أَرْبَعِينَ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
مُنْقِذُ بْنُ عَمْرٍو الْأَنْصَارِيُّ، أَحَدُ بَنِي مَازِنِ بْنِ
النَّجَّارِ، كَانَ قَدْ أَصَابَتْهُ آمَّةٌ فِي رَأْسِهِ فَكَسَرَتْ
لِسَانَهُ، وَضَعُفَ عَقْلُهُ، وَكَانَ يُكْثِرُ مِنَ الْبَيْعِ
وَالشِّرَاءِ، وَكَانَ يُغْبَنُ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ، صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ بَايَعْتَ فَقُلْ: لَا خِلَابَةَ.
ثُمَّ أَنْتَ
(10/407)
بِالْخِيَارِ فِي كُلِّ مَا تَشْتَرِيهِ
ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ» . قَالَ الشَّافِعِيُّ: كَانَ مُخَصَّصًا
بِإِثْبَاتِ الْخِيَارِ ثَلَاثَةً فِي كُلِّ بَيْعٍ، سَوَاءٌ اشْتَرَطَ
الْخِيَارَ أَمْ لَا.
نُعَيْمُ بْنُ مَسْعُودٍ أَبُو سَلَمَةَ الْغَطَفَانِيُّ، وَهُوَ
الَّذِي خَذَّلَ بَيْنَ الْأَحْزَابِ وَبَيْنَ بَنِي قُرَيْظَةَ، كَمَا
قَدَّمْنَاهُ، فَلَهُ بِذَلِكَ الْيَدُ الْبَيْضَاءُ، وَالرَّايَةُ
الْعُلْيَا.
أَبُو ذُؤَيْبٍ خُوَيْلِدُ بْنُ خَالِدٍ الْهُذَلِيُّ، الشَّاعِرُ
الْمَشْهُورُ، أَدْرَكَ الْجَاهِلِيَّةَ، وَأَسْلَمَ بَعْدَ مَوْتِ
النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَشَهِدَ يَوْمَ
السَّقِيفَةِ، وَصَلَّى عَلَى النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، وَكَانَ أَشْعَرَ هُذَيْلٍ، وَهُذَيْلٌ أَشْعَرُ الْعَرَبِ،
وَهُوَ الْقَائِلُ:
وَإِذَا الْمَنِيَّةُ أَنْشَبَتْ أَظْفَارَهَا ... أَلْفَيْتَ كُلَّ
تَمِيمَةٍ لَا تَنْفَعُ
وَتَجَلُّدِي لِلشَّامِتِينَ أُرِيهُمُ ... أَنِّي لِرَيْبِ الدَّهْرِ
لَا أَتَضَعْضَعُ
تُوفِّيَ غَازِيًّا بِإِفْرِيقِيَّةَ فِي خِلَافَةِ عُثْمَانَ.
أَبُو رُهْمٍ سَبْرَةُ بْنُ عَبْدِ الْعُزَّى، الْقُرَشِيُّ
الْعَامِرِيُّ. ذَكَرَهُ فِي هَذَا
(10/408)
الْفَصْلِ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ وَحْدَهُ.
أَبُو زُبَيْدٍ الطَّائِيُّ، الشَّاعِرُ، اسْمُهُ حَرْمَلَةُ بْنُ
الْمُنْذِرِ، كَانَ نَصْرَانِيًّا، وَكَانَ يُجَالِسُ الْوَلِيدَ بْنَ
عُقْبَةَ، فَأَدْخَلَهُ عَلَى عُثْمَانَ، فَاسْتَنْشَدَهُ شَيْئًا مِنْ
شِعْرِهِ، فَأَنْشَدَهُ قَصِيدَةً لَهُ فِي الْأَسَدِ بَدِيعَةً،
فَقَالَ لَهُ عُثْمَانُ: تَفْتَأُ تَذْكُرُ الْأَسَدَ مَا حَيِيتَ؟
إِنِّي لَأَحْسَبُكَ جَبَانًا نَصْرَانِيًّا.
أَبُو سَبْرَةَ بْنُ أَبِي رُهْمٍ الْعَامِرِيُّ، أَخُو أَبِي سَلَمَةَ
بْنِ عَبْدِ الْأَسَدِ، أُمُّهُمَا بَرَّةُ بِنْتُ عَبْدِ
الْمُطَّلِبِ، هَاجَرَ إِلَى الْحَبَشَةِ وَشَهِدَ بَدْرًا وَمَا
بَعْدَهَا. قَالَ الزُّبَيْرُ بْنُ بِكَّارٍ: لَا نَعْلَمُ بَدْرِيًّا
سَكَنَ مَكَّةَ بَعْدَ النَّبِيِّ سِوَاهُ. قَالَ: وَأَهْلُهُ
يُنْكِرُونَ ذَلِكَ.
(10/409)
أَبُو لُبَابَةَ بْنُ عَبْدِ الْمُنْذِرِ،
أَحَدُ نُقَبَاءِ لَيْلَةِ الْعَقَبَةِ وَقِيلَ: إِنَّهُ تُوُفِّيَ فِي
خِلَافَةِ عَلِيٍّ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
أَبُو هَاشِمِ بْنُ عُتْبَةَ، تَقَدَّمَ وَفَاتُهُ فِي سَنَةِ إِحْدَى
وَعِشْرِينَ. وَقِيلَ: فِي خِلَافَةِ عُثْمَانَ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
(10/410)
|