البداية والنهاية، ط. دار هجر
[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ ثَلَاثٍ
وَثَلَاثِينَ وَأَرْبَعِمِائَةٍ]
[مَا وَقَعَ فِيهَا مِنَ الْأَحْدَاثِ]
فِيهَا مَلَكَ طُغْرُلْبَكُ جُرْجَانَ وَطَبَرِسْتَانَ، ثُمَّ عَادَ
إِلَى نَيْسَابُورَ مُؤَيَّدًا مَنْصُورًا.
وَفِيهَا وَلِيَ ظَهِيرُ الدَّوْلَةِ أَبُو مَنْصُورِ بْنُ عَلَاءِ
الدَّوْلَةِ أَبِي جَعْفَرِ بْنِ كَاكَوَيْهِ بَعْدَ وَفَاةِ أَبِيهِ،
فَوَقَعَ الْخُلْفُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخَوَيْهِ ; أَبِي كَالِيجَارَ
وَكُرْشَاسِفَ.
وَفِيهَا دَخَلَ أَبُو كَالِيجَارَ هَمَذَانَ وَدَفَعَ الْغُزَّ
عَنْهَا.
وَفِيهَا شَغَبَتِ الْأَتْرَاكُ بِبَغْدَادَ بِسَبَبِ تَأَخُّرِ
الْعَطَاءِ عَنْهُمْ. وَسَقَطَتْ قَنْطَرَةُ بَنِي زُرَيْقٍ عَلَى
نَهْرِ عِيسَى، وَكَذَا الْقَنْطَرَةُ الْعَتِيقَةُ الَّتِي
تُقَارِبُهَا.
وَفِيهَا دَخَلَ بَغْدَادَ رَجُلٌ مِنَ الْبَلْغَرِ يُرِيدُ الْحَجَّ،
وَذَكَرَ أَنَّهُ مِنْ كِبَارِهِمْ، فَأُنْزِلَ بِدَارِ الْخِلَافَةِ،
وَأُجْرِيَ عَلَيْهِ الْأَرْزَاقُ، وَذَكَرَ أَنَّهُمْ مُوَلَّدُونَ
مِنَ التُّرْكِ وَالصَّقَالِبَةِ، وَأَنَّهُمْ فِي أَقْصَى بِلَادِ
التُّرْكِ، وَأَنَّ النَّهَارَ يَقْصُرُ عِنْدَهُمْ حَتَّى يَكُونَ
سِتَّ سَاعَاتٍ،
(15/684)
وَكَذَا اللَّيْلُ، وَعِنْدَهُمْ عُيُونٌ
وَزُرُوعٌ وَثِمَارٌ عَلَى الْمَطَرِ وَالسَّقْيِ. وَفِي هَذِهِ
السَّنَةِ قُرِئَ الِاعْتِقَادُ الْقَادِرِيُّ الَّذِي كَانَ جَمَعَهُ
الْخَلِيفَةُ الْقَادِرُ بِاللَّهِ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ، وَأُخِذَتْ
خُطُوطُ الْعُلَمَاءِ وَالزُّهَّادِ بِأَنَّهُ اعْتِقَادُ
الْمُسْلِمِينَ، وَمَنْ خَالَفَهُ فَقَدْ فَسَقَ وَكَفَرَ، فَكَانَ
أَوَّلَ مَنْ كَتَبَ عَلَيْهِ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ
عُمَرَ الْقَزْوِينِيُّ، ثُمَّ كَتَبَ بَعْدَهُ الْعُلَمَاءُ، وَقَدْ
سَرَدَهُ الشَّيْخُ أَبُو الْفَرَجِ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "
مُنْتَظَمِهِ " بِتَمَامِهِ، وَفِيهِ جُمْلَةٌ جَيِّدَةٌ مِنِ
اعْتِقَادِ السَّلَفِ.
[مَنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ]
وَمِمَّنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ:
بَهْرَامُ بْنُ مَافَنَّةَ، أَبُو مَنْصُورٍ الْوَزِيرُ لِأَبِي
كَالِيجَارَ
كَانَ عَفِيفًا نَزِهَا صِيِّنَا، عَادِلًا فِي سِيرَتِهِ، وَقَدْ
وَقَفَ خِزَانَةَ كُتُبٍ فِي مَدِينَةِ فِيرُوزَابَاذَ، تَشْتَمِلُ
عَلَى سَبْعَةِ آلَافِ مُجَلَّدٍ، مِنْ ذَلِكَ أَرْبَعَةُ آلَافِ
وَرَقَةٍ بِخَطِّ أَبِي عَلِيٍّ وَأَبِي عَبْدِ اللَّهِ ابْنَىْ
مُقْلَةَ.
مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، أَبُو الْحُسَيْنِ
الْمَعْرُوفُ بِالْجَهْرَمِيِّ، قَالَ الْخَطِيبُ الْبَغْدَادِيُّ:
هُوَ أَحَدُ الشُّعَرَاءِ الَّذِينَ لَقِينَاهُمْ وَسَمِعْنَا
مِنْهُمْ، وَكَانَ يُجِيدُ الْقَوْلَ وَمِنْ شِعْرِهِ:
(15/685)
يَا وَيْحَ قَلْبِي مِنْ تَقَلُّبِهِ ...
أَبَدًا يَحِنُّ إِلَى مُعَذِّبِهِ
قَالُوا كَتَمْتَ هَوَاهُ عَنْ جَلَدٍ ... لَوْ أَنَّ لِي جَلَدًا
لَبُحْتُ بِهِ
بِأَبِي حَبِيبٍ غَيْرَ مُكْتَرِثٍ ... عَنِّي وَيُكْثِرُ مِنْ
تَعَتُّبِهِ
حَسْبِي رِضَاهُ مِنَ الْحَيَاةِ وَيَا ... قَلَقِي وَمَوْتِي مِنْ
تَغَضُّبِهِ
مَسْعُودٌ الْمَلِكُ بْنُ الْمَلِكِ مَحْمُودِ بْنِ الْمَلِكِ
سُبُكْتِكِينَ
صَاحِبُ بِلَادِ غَزْنَةَ وَابْنُ صَاحِبِهَا، قَتَلَهُ ابْنُ عَمِّهِ
أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مَحْمُودٍ، فَانْتَقَمَ لَهُ ابْنُهُ
مَوْدُودُ بْنُ مَسْعُودٍ، فَقَتَلَ عَمَّهُ وَابْنَ عَمِّهِ وَأَهْلَ
بَيْتِهِ مِنْ أَجْلِ أَبِيهِ، وَاسْتَتَبَّ لَهُ الْأَمْرُ وَحْدَهُ
مِنْ غَيْرِ مُنَازِعٍ مِنْ قَوْمِهِ كَمَا تَقَدَّمَ.
بِنْتُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ الْمُتَّقِيِّ لِلَّهِ
تَأَخَّرَتْ مُدَّتُهَا حَتَّى كَانَتْ وَفَاتُهَا فِي رَجَبٍ مِنْ
هَذِهِ السَّنَةِ عَنْ إِحْدَى وَتِسْعِينَ سَنَةً بِالْحَرِيمِ
الطَّاهِرِيِّ، وَدُفِنَتْ بِالرُّصَافَةِ، رَحِمَهَا اللَّهُ
وَإِيَّانَا بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ، لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ.
(15/686)
[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ أَرْبَعٍ
وَثَلَاثِينَ وَأَرْبَعِمِائَةٍ]
[مَا وَقَعَ فِيهَا مِنَ الْأَحْدَاثِ]
فِيهَا أَمَرَ الْمَلِكُ جَلَالُ الدَّوْلَةِ أَبُو طَاهِرٍ
بِجِبَايَةِ أَمْوَالِ الْجَوَالَى، وَمَنَعَ أَصْحَابَ الْخَلِيفَةِ
مِنْ قَبْضِهَا، فَانْزَعَجَ الْقَائِمُ بِأَمْرِ اللَّهِ وَعَزَمَ
عَلَى الْخُرُوجِ مِنْ بَغْدَادَ وَأَرْسَلَ لِلْفُقَهَاءِ
وَالْقُضَاةِ وَالْأَعْيَانِ فِي التَّأَهُّبِ لِلْخُرُوجِ صُحْبَتَهُ،
وَارْتَجَّتْ بَغْدَادُ بِسَبَبِ ذَلِكَ.
وَفِيهَا كَانَتْ زَلْزَلَةٌ عَظِيمَةٌ بِمَدِينَةِ تِبْرِيزَ هَدَمَتْ
قَلْعَتَهَا وَسُورَهَا وَأَسْوَاقَهَا وَدُورَهَا، حَتَّى مِنْ دَارِ
الْإِمَارَةِ عَامَّةَ قُصُورِهَا، وَمَاتَ تَحْتَ الْهَدْمِ خَمْسُونَ
أَلْفًا، وَلَبِسَ أَهْلُهَا الْمُسُوحَ لِشِدَّةِ مُصَابِهِمْ.
وَفِيهَا اسْتَوْلَى السُّلْطَانُ طُغْرُلْبَكُ عَلَى أَكْثَرِ
الْبِلَادِ الشَّرْقِيَّةِ، فَمِنْ ذَلِكَ مَدِينَةُ خُوَارِزْمَ
وَدِهِسْتَانُ وَطَبَسُ وَالرَّيُّ وَبِلَادُ الْجَبَلِ وَكَرْمَانُ
وَأَعْمَالُهَا وَقَزْوِينُ. وَخُطِبَ لَهُ فِي تِلْكَ النَّوَاحِي
كُلِّهَا، وَعَظُمَ شَأْنُهُ جِدًّا، وَاتَّسَعَ صِيتُهُ.
وَفِيهَا مَلَكَ سَمَّاكُ بْنُ صَالِحِ بْنِ مِرْدَاسٍ حَلَبَ
أَخَذَهَا مِنَ الْفَاطِمِيِّينَ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ الْمِصْرِيُّونَ
مَنْ حَارَبَهُ.
(15/687)
وَلَمْ يَحُجَّ أَحَدٌ فِي هَذِهِ
السَّنَةِ وَلَا فِيمَا قَبْلَهَا.
[مَنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ]
وَمِمَّنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ:
أَبُو ذَرٍّ الْهَرَوِيُّ عَبَدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ
الْحَافِظُ الْفَقِيهُ الْمَالِكِيُّ
سَمِعَ الْكَثِيرَ، وَرَحَلَ إِلَى الْأَقَالِيمِ، وَخَرَجَ إِلَى
مَكَّةَ ثُمَّ تَزَوَّجَ فِي الْعَرَبِ، وَأَقَامَ بِالسَّرَوَاتِ،
وَكَانَ يَحُجُّ كُلَّ سَنَةٍ، وَيُقِيمُ بِمَكَّةَ أَيَّامَ
الْمَوْسِمِ، وَيَسْمَعُ النَّاسَ عَلَيْهِ، وَأَخَذَ عَنْهُ
الْمَغَارِبَةُ مَذْهَبَ الشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيِّ
عَنِ الْقَاضِي الْبَاقِلَّانِيِّ، وَكَانَ يَقُولُ: إِنَّهُ أَخَذَ
مَذْهَبَ مَالِكٍ عَنِ الْبَاقِلَّانِيِّ، وَقَدْ كَانَ ثِقَةً
حَافِظًا ضَابِطًا، تُوُفِّيَ فِي ذِي الْقَعْدَةِ مِنْ هَذِهِ
السَّنَةِ.
مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، أَبُو
الْفَتْحِ الشَّيْبَانِيُّ الْعَطَّارُ
وَيُعْرَفُ بِقُطَيْطٍ، سَافَرَ الْكَثِيرَ إِلَى الْبِلَادِ
الشَّاسِعَةِ، وَسَمِعَ الْكَثِيرَ، وَكَانَ شَيْخًا ظَرِيفًا،
يَسْلُكُ طَرِيقَ التَّصَوُّفِ، وَكَانَ يَقُولُ: لَمَّا وُلِدْتُ
سُمِّيتُ قُطَيْطًا عَلَى أَسْمَاءِ الْبَادِيَةِ، ثُمَّ سَمَّانِي
بَعْضُ أَهْلِي مُحَمَّدًا.
(15/688)
[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ خَمْسٍ
وَثَلَاثِينَ وَأَرْبَعِمِائَةٍ]
[مَا وَقَعَ فِيهَا مِنَ الْأَحْدَاثِ]
فِيهَا رُدَّتِ الْجَوَالَى إِلَى نُوَّابِ الْخَلِيفَةِ. وَفِيهَا
وَرَدَ كِتَابٌ مِنْ جَلَالِ الْمُلْكِ طُغْرُلْبَكَ إِلَى جَلَالِ
الدَّوْلَةِ يَأْمُرُهُ بِالْإِحْسَانِ إِلَى الرَّعَايَا وَالْوَصَاةِ
بِهِمْ.
ذِكْرُ مُلْكِ أَبِي كَالِيجَارَ بَغْدَادَ، بَعْدَ وَفَاةِ أَخِيهِ
جَلَالِ الدَّوْلَةِ بْنِ بَهَاءِ الدَّوْلَةِ
وَفِيهَا تُوُفِّيَ جَلَالُ الدَّوْلَةِ أَبُو طَاهِرٍ بْنُ بَهَاءِ
الدَّوْلَةِ، فَمَلَكَ بَغْدَادَ بَعْدَهُ أَخُوهُ سُلْطَانُ
الدَّوْلَةِ أَبُو كَالِيجَارَ بْنُ بَهَاءِ الدَّوْلَةِ، وَخُطِبَ
لَهُ بِهَا عَنْ مُمَالَأَةِ أُمَرَائِهَا، وَأَخْرَجُوا الْمَلِكَ
الْعَزِيزَ أَبَا مَنْصُورِ بْنَ جَلَالِ الدَّوْلَةِ، فَتَنَقَّلَ فِي
الْبِلَادِ، وَتَشَرَّدَ مِنْ مَمْلَكَتِهِ إِلَى غَيْرِهَا حَتَّى
تُوفِيَ سَنَةَ إِحْدَى وَأَرْبَعِينَ، وَحُمِلَ فَدُفِنَ عِنْدَ
أَبِيهِ بِمَقَابِرِ قُرَيْشٍ.
وَفِيهَا أَرْسَلَ الْمَلِكُ مَوْدُودُ بْنُ مَسْعُودٍ عَسْكَرًا
كَثِيفًا إِلَى خُرَاسَانَ فَبَرَزَ إِلَيْهِمْ أَلْبُ أَرْسَلَانَ
بْنُ دَاوُدَ بْنِ مِيكَائِيلَ بْنِ سَلْجُوقَ فِي عَسْكَرٍ آخَرَ،
فَاقْتَتَلَا قِتَالًا عَظِيمًا.
(15/689)
وَفِيهَا فِي صَفَرٍ مِنْهَا أَسْلَمَ مِنَ
التَّرْكِ الَّذِينَ كَانُوا يَطْرُقُونَ بِلَادَ الْمُسْلِمِينَ
نَحْوٌ مِنْ عَشْرَةِ آلَافِ خَرْكَاهُ، وَضَحَّوْا فِي يَوْمِ عِيدِ
الْأَضْحَى بِعِشْرِينَ أَلْفَ رَأْسٍ مِنْ غَنَمٍ، وَتَفَرَّقُوا فِي
الْبِلَادِ، وَلَمْ يُسْلِمْ مِنَ الْخَطَا وَالتَّتَرِ أَحَدٌ، وَهُمْ
بِنَوَاحِي الصِّينِ.
وَفِيهَا نَفَى مَلِكُ الرُّومِ مِنَ الْقُسْطَنْطِينِيَّةِ كُلَّ
غَرِيبٍ لَهُ دُونَ الْعِشْرِينَ سَنَةً فِيهَا.
وَفِيهَا خَطَبَ الْمُعِزُّ أَبُو تَمِيمِ بْنُ بَادِيسَ صَاحِبُ
إِفْرِيقِيَّةَ بِبِلَادِهِ لِلْخَلِيفَةِ الْعَبَّاسِيِّ، وَقَطَعَ
خُطْبَةَ الْفَاطِمِيِّينَ، وَأَحْرَقَ أَعْلَامَهُمْ، وَأَرْسَلَ
إِلَيْهِ الْقَائِمُ بِأَمْرِ اللَّهِ الْخِلَعَ وَاللِّوَاءَ
وَالْمَنْشُورَ، وَفِيهِ تَعْظِيمٌ لَهُ وَثَنَاءٌ عَلَيْهِ.
وَفِيهَا أَرْسَلَ الْخَلِيفَةُ الْقَائِمُ بِأَمْرِ اللَّهِ أَقَضَى
الْقُضَاةِ أَبَا الْحَسَنِ عَلِيَّ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ حَبِيبٍ
الْمَاوَرْدِيَّ قَبْلَ وَفَاةِ جَلَالِ الدَّوْلَةِ إِلَى الْمَلِكِ
طُغْرُلْبَكَ لِيُصْلِحَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ جَلَالِ الدَّوْلَةِ
وَأَبِي كَالِيجَارَ، فَسَارَ إِلَيْهِ، فَالْتَقَاهُ بَجُرْجَانَ،
فَتَلَقَّاهُ الْمَلِكُ عَلَى أَرْبَعَةِ فَرَاسِخَ إِكْرَامًا لِمَنْ
أَرْسَلَهُ، وَأَقَامَ عِنْدَهُ إِلَى السَّنَةِ الْآتِيَةِ. فَلَمَّا
قَدِمَ أَخْبَرَهُ بِطَاعَتِهِ وَإِكْرَامِهِ لَهُ وَاحْتِرَامِهِ مِنْ
أَجْلِ الْخَلِيفَةِ.
[مَنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ]
وَمِمَّنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ:
الْحُسَيْنُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ سَهْلِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ
الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي دُلَفٍ الْعِجْلِيُّ
أَبُو سَعْدٍ، أَحَدُ الرَّحَّالِينَ فِي طَلَبِ الْحَدِيثِ إِلَى
الْبِلَادِ الْمُتَبَايِنَةِ، ثُمَّ أَقَامَ بِبَغْدَادَ مُدَّةً
وَحَدَّثَ بِهَا، وَرَوَى عَنْهُ الْخَطِيبُ، وَقَالَ: كَانَ صَدُوقًا،
ثُمَّ انْتَقَلَ فِي
(15/690)
آخِرِ عُمُرِهِ إِلَى مَكَّةَ فَسَكَنَهَا
حَتَّى مَاتَ بِهَا فِي شَوَّالٍ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ.
عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي الْفَتْحِ أَحْمَدَ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ
الْفَرَجِ بْنِ الْأَزْهَرِ، أَبُو الْقَاسِمِ الْأَزْهَرِيُّ
الْحَافِظُ الْمُحَدِّثُ الشَّهِيرُ، وَيُعْرَفُ بِابْنِ
السَّوَادِيِّ، سَمِعَ مِنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ مَالِكٍ وَخَلْقٍ
يَطُولُ ذِكْرُهُمْ، وَكَانَ ثِقَةً صَدُوقًا دَيِّنًا، صَحِيحَ
الِاعْتِقَادِ حَسَنَ السِّيرَةِ، وَكَانَتْ وَفَاتُهُ لَيْلَةَ
الثُّلَاثَاءِ التَّاسِعَ عَشَرَ مِنْ صَفَرٍ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ
عَنْ ثَمَانِينَ سَنَةً وَعَشَرَةِ أَيَّامٍ.
الْمَلِكُ جَلَالُ الدَّوْلَةِ، أَبُو طَاهِرِ بْنُ بَهَاءِ
الدَّوْلَةِ بْنِ عَضُدِ الدَّوْلَةِ بْنِ رُكْنِ الدَّوْلَةِ بْنِ
بُوَيْهِ الدَّيْلَمِيُّ
صَاحِبُ بَغْدَادَ وَغَيْرِهَا مِنَ الْبِلَادِ، كَانَ فِيهِ مَحَبَّةً
عَظِيمَةً لِلْعِبَادِ وَيَزُورُهُمْ، وَيَلْتَمِسُ الدُّعَاءَ
مِنْهُمْ، وَقَدْ نُكِبَ مَرَّاتٍ عَدِيدَةً، وَخَالَفَهُ الْأَتْرَاكُ
غَيْرَ مَرَّةٍ وَأَخْرَجُوهُ مِنْ دَارِهِ وَمِنْ بَغْدَادَ
بِالْكُلِّيَّةِ غَيْرَ مَا طَرِيقٍ، ثُمَّ يَعُودُ إِلَيْهِمْ
وَيَرْضَوْنَ عَنْهُ حَتَّى اعْتَرَاهُ وَجَعٌ فِي كَبِدِهِ، هَذِهِ
السَّنَةَ، فَمَاتَ مِنْ ذَلِكَ فِي لَيْلَةِ الْجُمُعَةِ الْخَامِسِ
مِنْ شَعْبَانِ هَذِهِ السَّنَةِ، وَلَهُ مِنَ الْعُمُرِ إِحْدَى
وَخَمْسُونَ سَنَةً وَأَشْهُرٌ، وَوَلِيَ بَغْدَادَ مِنْ ذَلِكَ سِتَّ
عَشْرَةَ سَنَةً وَأَحَدَ عَشَرَ شَهْرًا.
(15/691)
[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ سِتٍّ وَثَلَاثِينَ
وَأَرْبَعِمِائَةٍ]
[مَا وَقَعَ فِيهَا مِنَ الْأَحْدَاثِ]
فِيهَا دَخَلَ الْمَلِكُ أَبُو كَالِيجَارَ بَغْدَادَ وَأَمَرَ
بِضَرْبِ الطَّبْلِ فِي أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ، وَلَمْ
تَكُنِ الْمُلُوكُ قَبْلَهُ تَفْعَلُهُ، إِنَّمَا كَانَ يُضْرَبُ
لِعَضُدِ الدَّوْلَةِ ثَلَاثَةَ أَوْقَاتٍ، وَمَا كَانَ يُضْرَبُ فِي
الْأَوْقَاتِ الْخَمْسِ إِلَّا لِلْخَلِيفَةِ، وَكَانَ دُخُولُهُ فِي
رَمَضَانَ، وَقَدْ فَرَّقَ عَلَى الْجُنْدِ أَمْوَالًا جَزِيلَةً،
وَبَعَثَ إِلَى الْخَلِيفَةِ بِعَشَرَةِ آلَافِ دِينَارٍ، وَخَلَعَ
عَلَى مُقَدِّمِي الْجُيُوشِ، وَهُمُ الْبَسَاسِيرِيُّ،
وَالنَّشَاوَوْرِيُّ، وَالْهُمَامُ أَبُو اللِّقَاءِ، وَلَقَبَّهُ
الْخَلِيفَةُ مُحْيِيَ الدَّوْلَةِ، وَخُطِبَ لَهُ فِي بِلَادٍ
كَثِيرَةٍ بِأَمْرِ مُلُوكِهَا، وَخُطِبَ لَهُ بِهَمَذَانَ وَلَمْ
يَبْقَ لِنُوَّابِ طُغْرُلْبَكَ فِيهَا أَمْرٌ.
وَفِيهَا اسْتَوْزَرَ طُغْرُلْبَكُ أَبَا الْقَاسِمِ عَلِيَّ بْنَ
عَبْدِ اللَّهِ الْجُوَيْنِيَّ، وَهُوَ أَوَّلُ وَزِيرٍ وَزَرَ لَهُ.
وَفِيهَا وَزَرَ أَبُو نَصْرٍ أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ لِصَاحِبِ مِصْرَ،
وَكَانَ يَهُودِيًّا، فَأَسْلَمَ بَعْدَ مَوْتِ الْجَرْجَرَائِيِّ.
وَفِيهَا تَوَلَّى نِقَابَةَ الْعَلَوِيِّينَ الشَّرِيفُ أَبُو
أَحْمَدَ بْنُ عَدْنَانَ بْنِ الشَّرِيفِ الرَّضِيُّ، وَذَلِكَ بَعْدَ
وَفَاةِ عَمِّهِ الْمُرْتَضَى أَبِي الْقَاسِمِ عَلِيٍّ. وَسَتَأْتِي
تَرْجَمَتُهُ.
(15/692)
وَفِيهَا وَلِيَ الْقَضَاءَ أَبُو
الطَّيِّبِ الطَّبَرِيُّ ; قَضَاءَ الْكَرْخِ، مُضَافًا إِلَى مَا
كَانَ يَتَوَلَّاهُ مِنَ الْقَضَاءِ بِبَابِ الطَّاقِ، وَذَلِكَ بَعْدَ
مَوْتِ الْقَاضِي أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الصَّيْمَرِيِّ.
وَفِيهَا نَظَرَ رَئِيسُ الرُّؤَسَاءِ أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ
الْمُسْلِمَةِ فِي كِتَابَةِ دِيوَانِ الْخَلِيفَةِ، وَكَانَ عِنْدَهُ
بِمَنْزِلَةٍ عَالِيَةٍ. وَلَمْ يَحُجَّ فِي هَذِهِ السَّنَةِ أَحَدٌ
مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ.
[مَنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ]
وَمِمَّنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ:
الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، أَبُو عَبْدِ
اللَّهِ الصَّيْمَرِيُّ
نِسْبَةً إِلَى نَهْرٍ بِالْبَصْرَةِ، يُقَالُ لَهُ: الصَّيْمَرُ،
عَلَيْهِ عِدَّةُ قُرَى. أَحَدُ أَئِمَّةِ الْحَنَفِيَّةِ، وَلِيَ
قَضَاءَ الْمَدَائِنِ، ثُمَّ قَضَاءَ رَبْعِ الْكَرْخِ، وَحَدَّثَ عَنْ
أَبِي بَكْرٍ الْمُفِيدِ، وَابْنِ شَاهِينَ وَغَيْرِهِمَا، وَكَانَ
صَدُوقًا، وَافِرَ الْعَقْلِ، جَمِيلَ الْمُعَاشَرَةِ، حَسَنَ
الْعِبَارَةِ، عَارِفًا بِحُقُوقِ الْعُلَمَاءِ. تُوُفِّيَ فِي
شَوَّالٍ عَنْ خَمْسٍ وَثَمَانِينَ سَنَةً.
عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مَنْصُورِ بْنِ أَحْمَدَ، أَبُو الْحُسَيْنِ
الْمَعْرُوفُ بِابْنِ الْمُشْتَرِي، الْأَهْوَازِيُّ، كَانَ عَلَى
قَضَاءِ الْأَهْوَازِ وَنَوَاحِيهَا، شَافِعِيُّ الْمَذْهَبِ، كَانَ
لَهُ مَنْزِلَةٌ كَبِيرَةٌ عِنْدَ السُّلْطَانِ، وَكَانَ صَدُوقًا،
كَثِيرَ الْمَالِ، حَسَنَ السِّيرَةِ، رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى.
الشَّرِيفُ الْمُرْتَضَى، عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ مُوسَى بْنِ
مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرَ بْنِ مُحَمَّدِ
بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ،
(15/693)
الشَّرِيفُ الْمُوسَوِيُّ
الْمُلَقَّبُ بِالْمُرْتَضَى ذِي الْمَجْدَيْنِ - كَانَ أَكْبَرَ مِنْ
أَخِيهِ الرَّضِيِّ، ذِي الْحَسَبَيْنِ - نَقِيبُ الطَّالِبِيِّينَ،
وَكَانَ جَيِّدَ الشِّعْرِ، عَلَى مَذْهَبِ الْإِمَامِيَّةِ
وَالِاعْتِزَالِ، يُنَاظَرُ عَلَى ذَلِكَ، وَكَانَ يُنَاظَرُ عِنْدَهُ
فِي كُلِّ الْمَذَاهِبِ، وَلَهُ تَصَانِيفُ فِي التَّشَيُّعِ ;
أُصُولًا وَفُرُوعًا.
وَقَدْ نَقَلَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي تَرْجَمَتِهِ أَشْيَاءَ مِنْ
تَفَرُّدَاتِهِ فِي التَّشَيُّعِ، فَمِنْ ذَلِكَ: أَنَّهُ لَا يَصِحُّ
السُّجُودُ إِلَّا عَلَى الْأَرْضِ أَوْ مَا كَانَ مِنْ جِنْسِهَا.
وَأَنَّ الِاسْتِجْمَارَ إِنَّمَا يُجْزِئُ فِي الْغَائِطِ لَا فِي
الْبَوْلِ. وَأَنَّ الْكِتَابِيَّاتِ حَرَامٌ، وَذَبَائِحَ أَهْلِ
الْكِتَابِ حَرَامٌ، وَكَذَا مَا وَلُوهُ هُمْ وَسَائِرُ الْكُفَّارِ
مِنَ الْأَطْعِمَةِ. وَأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَقَعُ إِلَّا بِحَضْرَةِ
شَاهِدَيْنِ، وَالْمُعَلَّقَ مِنْهُ لَا يَقَعُ وَإِنْ وُجِدَ
شَرْطُهُ. وَمَنْ نَامَ عَنْ صَلَاةِ الْعِشَاءِ حَتَّى انْتَصَفَ
اللَّيْلُ وَجَبَ قَضَاؤُهَا، وَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُصْبِحَ
صَائِمًا كَفَّارَةً لِمَا وَقَعَ مِنْهُ. وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّ
الْمَرْأَةَ إِذَا جَزَّتْ شَعْرَهَا يَجِبُ عَلَيْهَا كَفَّارَةُ
قَتْلِ الْخَطَأِ. وَمَنْ شَقَّ ثَوْبَهُ فِي مُصِيبَةٍ وَجَبَ
عَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ. وَمَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً لَهَا زَوْجٌ
لَا يَعْلَمُهُ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِخَمْسَةِ
دَرَاهِمَ. وَأَنَّ قَطْعَ السَّارِقِ مِنْ أُصُولِ الْأَصَابِعِ.
قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: نَقَلْتُهَا مِنْ خَطِّ أَبِي الْوَفَاءِ
بْنِ عُقَيْلٍ. قَالَ: وَهَذِهِ مَذَاهِبٌ عَجِيبَةٌ تَخْرُقُ
الْإِجْمَاعَ، وَأَعْجَبُ مِنْهَا ذَمُّ الصَّحَابَةَ، رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمْ. ثُمَّ سَرَدَ مِنْ كَلَامِهِ شَيْئًا قَبِيحًا فِي تَكْفِيرِ
عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَائِشَةَ وَحَفْصَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ،
وَقَبَّحَهُ وَأَمْثَالَهُ إِنْ لَمْ يَكُنْ تَابَ، فَقَدْ
(15/694)
رَوَى ابْنُ الْجَوْزِيِّ، قَالَ:
أَنْبَأَنَا ابْنُ نَاصِرٍ، عَنْ أَبِي الْحَسَنِ بْنِ الطُّيُورِيِّ،
قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الْقَاسِمِ بْنَ بُرْهَانَ يَقُولُ: دَخَلْتُ
عَلَى الشَّرِيفِ الْمُرْتَضَى أَبِي الْقَاسِمِ الْعَلَوِيِّ فِي
مَرَضِهِ، وَإِذَا قَدْ حَوَّلَ وَجْهَهُ إِلَى الْجِدَارِ،
فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرَ وَلِيَا فَعَدَلَا،
وَاسْتَرْحَمَا فَرَحِمَا، أَفَأَنَا أَقُولُ: ارْتَدَّا بَعْدَ مَا
أَسْلَمَا؟! قَالَ: فَقُمْتُ فَمَا بَلَغْتُ عَتَبَةَ الْبَابِ حَتَّى
سَمِعْتُ الزَّعْقَةَ عَلَيْهِ. وَكَانَتْ وَفَاتُهُ فِي هَذِهِ
السَّنَةِ عَنْ إِحْدَى وَثَمَانِينَ سَنَةً. وَقَدْ ذَكَرَهُ ابْنُ
خَلِّكَانَ وَأَوْرَدَ شَيْئًا مِنْ أَشْعَارِهِ الرَّائِقَةِ. قَالَ:
وَيُقَالُ: إِنَّهُ هُوَ الَّذِي وَضَعَ كِتَابَ " نَهْجِ الْبَلَاغَةِ
".
مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
الْفَضْلِ، أَبُو مَنْصُورٍ الرُّويَانِيُّ
صَاحِبُ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ الْإِسْفَرَايِينِيِّ. قَالَ
الْخَطِيبُ: سَكَنَ بَغْدَادَ وَحَدَّثَ بِهَا، وَكَتَبْنَا عَنْهُ،
وَكَانَ صَدُوقًا يَسْكُنُ قَطِيعَةَ الرَّبِيعِ. وَمَاتَ فِي رَبِيعٍ
الْأَوَّلِ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ، وَدُفِنَ بِبَابِ حَرْبٍ.
أَبُو الْحُسَيْنِ الْبَصْرِيُّ الْمُعْتَزِلِيُّ، مُحَمَّدُ بْنُ
عَلِيِّ بْنِ الطَّيِّبِ أَبُو الْحُسَيْنِ الْبَصْرِيُّ
الْمُتَكَلِّمُ
شَيْخُ الْمُعْتَزِلَةِ، وَالْمُنْتَصِرُ لَهُمْ، وَالْحَامِي عَنْ
ذِمَارِهِمْ بِالتَّصَانِيفِ الْكَثِيرَةِ، وَقَدْ كَانَتْ وَفَاتُهُ
فِي رَبِيعٍ الْآخَرِ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ، وَصَلَّى عَلَيْهِ
الْقَاضِي
(15/695)
أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الصَّيْمَرِيُّ،
وَدُفِنَ فِي الشُّونِيزِيَّةِ، وَلَيْسَ لَهُ مِنْ رِوَايَةِ
الْحَدِيثِ سِوَى حَدِيثٍ وَاحِدٍ، رَوَاهُ عَنْهُ الْخَطِيبُ
الْبَغْدَادِيُّ فِي " تَارِيخِهِ ": حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
عَلِيِّ بْنِ الطَّيِّبِ، قُرِئَ عَلَى هِلَالِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ
أَخِي هِلَالٍ الرَّأْيُ بِالْبَصْرَةِ وَأَنَا أَسْمَعُ، قِيلَ لَهُ:
حَدَّثَكُمْ أَبُو مُسْلِمٍ الْكَجِّيُّ وَأَبُو خَلِيفَةَ الْفَضْلُ
بْنُ الْحُبَابِ الْجُمَحِيُّ وَالْغَلَّابِيُّ وَالْمَازِنِيُّ
وَالزُّرَيْقِيُّ، قَالُوا: حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِيُّ، عَنْ شُعْبَةَ،
عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ رَبْعِيٍّ، عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْبَدْرِيِّ،
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«إِنَّ مِمَّا أَدْرَكَ النَّاسُ مِنْ كَلَامِ النُّبُوَّةِ الْأُولَى:
إِذَا لَمْ تَسْتَحِ فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ» وَالْغَلَابِيُّ اسْمُهُ
مُحَمَّدٌ، وَالْمَازِنِيُّ اسْمُهُ مُحَمَّدُ بْنُ حَيَّانَ،
وَالزُّرَيْقِيُّ أَبُو عَلِيٍّ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ خَالِدٍ
الْبَصْرِيُّ.
(15/696)
[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ سَبْعٍ
وَثَلَاثِينَ وَأَرْبَعِمِائَةٍ]
[مَا وَقَعَ فِيهَا مِنَ الْأَحْدَاثِ]
فِيهَا بَعَثَ السُّلْطَانُ طُغْرُلْبَكُ السَّلْجُوقِيُّ أَخَاهُ
إِبْرَاهِيمَ يَنَّالَ إِلَى بِلَادِ الْجَبَلِ، فَمَلَكَهَا
وَأَخْرَجَ مِنْهَا صَاحِبَهَا كَرْشَاسِفَ بْنَ عَلَاءِ الدَّوْلَةِ،
فَالْتَحَقَ بِالْأَكْرَادِ، ثُمَّ سَارَ إِبْرَاهِيمُ يَنَّالُ إِلَى
الدِّينَوَرِ فَمَلَكَهَا، وَأَخْرَجَ مِنْهَا صَاحَبَهَا وَهُوَ أَبُو
الشَّوْكِ، فَسَارَ إِلَى حُلْوَانَ فَتَبِعَهُ إِبْرَاهِيمُ،
فَمَلَكَهَا قَهْرًا، وَأَحْرَقَ دَارَهُ، وَغَنِمَ أَمْوَالَهُ،
فَعِنْدَ ذَلِكَ تَجَهَّزَ الْمَلِكُ أَبُو كَالِيجَارَ صَاحِبُ
بَغْدَادَ لِقِتَالِ السَّلَاجِقَةِ الَّذِينَ غَزَوْا أَنْصَارَهُ،
فَلَمْ يُمْكِنْهُ ذَلِكَ لِقِلَّةِ الظَّهْرِ، وَذَلِكَ أَنَّ
الْآفَةَ اعْتَرَتْ فِي هَذِهِ السَّنَةِ الْخَيْلَ، فَمَاتَ لَهُ
فِيهَا نَحْوٌ مِنِ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ فَرَسٍ، بِحَيْثُ جَافَتْ
بَغْدَادَ مِنْ نَتَنِ الْخَيْلِ.
وَفِيهَا وَقَعَ بِبَغْدَادَ بَيْنَ الرَّوَافِضِ وَالسُّنَّةِ، ثُمَّ
اتَّفَقَ الْفَرِيقَانِ عَلَى نَهْبِ دُورِ الْيَهُودِ، وَإِحْرَاقِ
الْكَنِيسَةِ الْعَتِيقَةِ الَّتِي لَهُمْ، وَاتَّفَقَ فِي هَذِهِ
السَّنَةِ مَوْتُ رَجُلٍ مِنْ أَكَابِرِ النَّصَارَى بِوَاسِطٍ،
فَجَلَسَ أَهْلُهُ لِعَزَائِهِ عَلَى بَابِ مَسْجِدٍ هُنَاكَ،
وَأَخْرَجُوا جِنَازَتَهُ جَهْرَةً، وَمَعَهَا طَائِفَةٌ مِنَ
الْأَتْرَاكِ يَحْرُسُونَهَا، فَحَمَلَتْ عَلَيْهِمُ الْعَامَّةُ،
فَأَخَذُوا الْمَيِّتَ مِنْهُمْ، وَاسْتَخْرَجُوهُ مِنْ أَكْفَانِهِ
فَأَحْرَقُوهُ، وَرَمَوْهُ فِي دِجْلَةَ، وَمَضَوْا إِلَى الدَّيْرِ
فَنَهَبُوهُ، وَعَجَزَ الْأَتْرَاكُ عَنْ دَفْعِهِمْ. وَلَمْ يَحُجَّ
أَهْلُ الْعِرَاقِ فِي هَذَا الْعَامِ.
[مَنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ]
وَمِمَّنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ:
(15/697)
فَارِسُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَنَانٍ
صَاحِبُ الدِّينَوَرِ وَحُلْوَانَ، وَكَانَتْ وَفَاتُهُ فِي هَذَا
الْأَوَانِ.
خَدِيجَةُ بِنْتُ مُوسَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْوَاعِظَةُ
وَتُعْرَفُ بِبِنْتِ الْبَقَّالِ، وَتُكَنَّى أُمَّ سَلَمَةَ، قَالَ
الْخَطِيبُ: كَتَبْتُ عَنْهَا، وَكَانَتْ فَقِيرَةً صَالِحَةً
فَاضِلَةً.
أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ الْمَنَازِيُّ
الشَّاعِرُ الْكَاتِبُ، وَزِيرُ أَحْمَدَ بْنِ مَرْوَانَ الْكُرْدِيِّ،
صَاحِبُ مَيَّافَارِقِينَ وَدِيَارِ بَكْرٍ، كَانَ فَاضِلًا بَارِعًا
لَطِيفًا، تَرَدَّدَ فِي التَّرَسُّلِ إِلَى الْقُسْطَنْطِينِيَّةِ
غَيْرَ مَرَّةٍ، وَحَصَّلَ كُتُبًا كَثِيرَةً أَوْقَفَهَا عَلَى
جَامِعَيْ آمِدَ وَمَيَّافَارِقِينَ، وَدَخَلَ يَوْمًا عَلَى أَبِي
الْعَلَاءِ الْمَعَرِّيِّ فَقَالَ لَهُ: إِنِّي مُعْتَزِلُ النَّاسِ،
وَهُمْ يُؤْذُونَنِي. فَقَالَ: وَلِمَ وَقَدْ تَرَكَتْ لَهُمُ
الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ؟! وَلَهُ دِيوَانُ شِعْرٍ قَلِيلُ النَّظِيرِ
عَزِيزُ الْوُجُودِ، حَرَصَ عَلَيْهِ الْقَاضِي الْفَاضِلُ فَلَمْ
يَقْدِرْ عَلَيْهِ، وَكَانَتْ وَفَاتُهُ فِي هَذِهِ السَّنَةِ. وَمِنْ
شِعْرِهِ فِي وَادِي بُزَاعَا قَوْلُهُ:
وَقَانَا لَفْحَةَ الرَّمْضَاءِ وَادٍ ... وَقَاهُ مُضَاعَفُ النَّبْتِ
الْعَمِيمِ
نَزَلْنَا دَوْحَهُ فَحَنَا عَلَيْنَا ... حُنُوَّ الْمُرْضِعَاتِ
عَلَى الْفَطِيمِ
وَأَرْشَفَنَا عَلَى ظَمَأٍ زُلَالًا ... أَلَذَّ مِنَ الْمُدَامَةِ
لِلنَّدِيمِ
(15/698)
يُرَاعِي الشَّمْسَ أَنَّى قَابَلَتْهُ ...
فَيَحْجُبُهَا وَيَأْذَنُ لِلنَّسِيمِ
تَرُوعُ حَصَاهُ حَالِيَةَ الْعَذَارَى ... فَتَلْمَسُ جَانِبَ
الْعِقْدِ النَّظِيمِ
قَالَ ابْنُ خَلِّكَانَ: وَهَذِهِ الْأَبْيَاتُ بَدِيعَةٌ فِي
بَابِهَا.
(15/699)
|