العواصم من القواصم - ط الأوقاف السعودية

 [أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عدول]
بتعديل الله ورسوله لهم
ولا ينتقص أحدا منهم إلا زنديق عقد الإمام الحافظ المحدث أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب البغدادي (392-463) فصلا نفيسا في كتابه (الكفاية) الذي طبعه صاحب السمو نظام حيدر أباد الدكن بالهند سنة 1357 (ص46-49) واعتمده شيخ الإسلام الإمام الحافظ قاضي قضاة مصر شهاب الدين أحمد بن حجر العسقلاني (773-852) في مقدمة كتابه (الإصابة) الذي طبعه في مصر سلطان المغرب مولاي عبد الحفيظ سنة 1328 (ج1ص10-11) ونحن نقتطف منه ما يلي:
عدالة الصحابة ثابتة معلومة بتعديل الله لهم، وإخباره عن طهارتهم واختياره لهم في نص القرآن.
فمن ذلك قوله تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمران: 110]
وقوله: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [البقرة: 143]
وقوله: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا} [الفتح: 18]
وقوله تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} [التوبة: 100]
وقوله: {وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ - أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ - فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ} [الواقعة: 10 - 12]
وقوله: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [الأنفال: 64]
وقوله تعالى: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ - وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الحشر: 8 - 9]

(1/32)


ووصف رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحابة مثل ذلك، وأطنب في تعظيمهم، وأحسن الثناء عليهم. فمن الأخبار المستفيضة عنه في هذا المعنى:
حديث عبد الله بن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «خير أمتي قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يجيء قوم تسبق أيمانهم شهادتهم، ويشهدون قبل أن يستشهدوا» ورواه أبو هريرة وعمران بن حصين أيضا.
وحديث أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تسبوا أصحابي، فوالذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا ما أدرك مد أحدهم ولا نصيفه» .
وحديث ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مهما أوتيتم من كتاب الله فالعمل به لا عذر لأحدكم في تركه. فإن لم يكن في كتاب الله فسنة مني ماضية فإن لم يكن سنة مني ماضية فما قال أصحابي إن أصحابي بمنزلة النجوم في السماء فأيها أخذتم به اهتديتم، واختلاف أصحابي لكم رحمة» .
وحديث سعيد بن المسيب عن عمر بن الخطاب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سألت ربي فيما اختلف فيه أصحابي من بعدي فأوحى الله إلي: يا محمد، إن أصحابك عندي بمنزلة النجوم في السماء: بعضها أضوأ من بعض، فمن أخذ بشيء مما هم عليه من اختلافهم فهو عندي على هدى» .
وحديث الإمام الشافعي بسنده إلى أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله اختارني واختار أصحابي فجعلهم أصهاري وجعلهم أنصاري. وإنه سيجيء في آخر الزمان قوم ينتقصونهم، ألا فلا

(1/33)


تناكحوهم، ألا فلا تنكحوا إليهم، ألا فلا تصلوا معهم، ألا فلا تصلوا عليهم، عليهم حلت اللعنة» .
قال الحافظ الكبير أبو بكر بن الخطيب البغدادي: والأخبار في هذا المعنى تتسع، وكلها مطابقة لما في نص القرآن، وجميع ذلك يقتضي طهارة الصحابة، والقطع على تعديلهم ونزاهتهم. فلا يحتاج أحد منهم - مع تعديل الله تعالى لهم، المطلع على بواطنهم، إلى تعديل أحد من الخلق له. . . . على أنه لو لم يرد من الله عز وجل ورسوله فيهم شيء مما ذكرناه، لأوجبت الحال التي كانوا عليها - من الهجرة، والجهاد، والنصرة، وبذل المهج والأموال، وقتل الآباء والأولاد، والمناصحة في الدين، وقوة الإيمان واليقين - القطع على عدالتهم، والاعتقاد لنزاهتهم، وأنهم أفضل من جميع المعدلين والمزكين الذين يجيئون من بعدهم أبد الآبدين.
أخبرنا أبو منصور محمد بن عيسي الهمذاني، حدثنا صالح بن أحمد الحافظ قال: سمعت أبا جعفر أحمد بن عبدل يقول: سمعت أحمد بن محمد بن سليمان التستري يقول: سمعت أبا زرعة يقول: (إذا رأيت الرجل ينتقص أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعلم أنه زنديق، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم عندنا حق، والقرآن حق، وإنما أدى إلينا هذا القرآن والسنن أصحاب رسول الله، وإنما يريدون أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنة، والجرح بهم أولى، وهم زنادقة) .
وأبو زرعة الذي أعلن زندقة من ينتقص أحدا من الصحابة، هو عبيد الله بن عبد الكريم الرازي، من موالي بني مخزوم، كان أحد أعلام الأئمة. قال عنه الإمام أحمد: ما جاز الجسر أحفظ من أبي زرعة. وقال الإمام أبو حاتم: إن أبا زرعة ما خلف بعده مثله. توفي سنة 264.

(1/34)


[خطبة المؤلف]
العواصم من القواصم
في تحقيق مواقف الصحابة
بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم

(1/35)


بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على محمد وآله قال صالح بن عبد الملك بن سعيد:
قرأت على الإمام محمد أبي بكر بن العربي رضي الله عنه قال:
الحمد لله رب العالمين، اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم. وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم، إنك حميد مجيد.
اللهم إنا نستمد بك المنحة، كما نستدفع بك المحنة، ونسألك العصمة، كما نستوهب منك الرحمة.
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا، ويسر لنا العمل كما علمتنا، وأوزعنا شكر ما آتيتنا، وانهج لنا سبيلا يهدي إليك وافتح بيننا وبينك بابا نفد منه عليك، لك مقاليد السماوات والأرض وأنت على كل شيء قدير (1) .
_________
(1) بهذا التحميد والدعاء السديد، افتتح الإمام ابن العربي الجزء الأول من كتابه (العواصم من القواصم) . فافتتحنا به هذا القسم من جزئه الثاني (من ص 98 إلى ص 193 من مطبوعة الجزائر سنة 1347) وهو ما اخترنا إفراده بهذا السفر خاصا بتحقيق مواقف الصحابة رضوان الله عليهم بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، كما أشرنا إلى ذلك في تصدير الكتاب.

(1/36)