البدء والتاريخ

الفصل الحادي عشر في ذكر ملوك العرب والعجم وما كان من مشهور أمرهم وأيّامهم إلى مبعث نبيّنا صلى الله عليه وسلم
زعمت الأعاجم في كتبها والله أعلم بحقها وباطلها أن أول من ملك من بني آدم اسمه كيومرث وأنه كان عريانا يسيح في الأرض وكان ملكه ثلاثين سنة وقد قال المسعودي في قصيدته المحبّرة بالفارسيّة [هزج]
نخستين كيومرث امذ بشاهي ... كرفتش بگيتى درون بيش كاهى
چوسى سالى بگيتى پادشا بوذ ... كى فرمانش بهر جايى روا بوذ
وإنما ذكرت هذه الأبيات لأني رأيت الفرس يعظمون هذه الأبيات والقصيدة ويصورونها [1] ويرونها كتاريخ لهم ومنهم من يزعم أن كيومرث كان قبل آدم قالوا ثمّ ملك هوشنك پيش داذ ومعناه أول حاكم حكم بين الناس وأوّل من دعا الناس إلى
__________
[1] . ويصونوها
rectionmarginale:

(3/138)


عبادة الله وأول من كتب بالعبرية والفارسية واليونانية وزعم بعضهم أن هذا بمنزلة ادريس النبي صلى الله عليه أو هو ادريس وهو هوشنك بن فراوك [1] بن سيامك بن ميشى بن كيومرث وعند بعضهم أن ميشى هو آدم نبت من دم كيومرث مع اختلاف كثير وتخليط ظاهر والله أعلم قالوا وكان ملكه أربعين سنة وهو الذي قدر المياه وحض الناس على الزراعة وأمر بالطحين وعرفهم منافع الطعام والشراب قالوا ثم بقيت الأرض بعد وفاته ثلاثمائة سنة بغير ملك حتّى ملك طهمورث بن بوسكهيار بن اسكمد بن نكمد بن هوشنك وهو الذي أمر الناس باقتناء الأنعام والانتفاع بسلائها وأصوافها وأوبارها وفي أيامه ظهر رجل بأرض الهند ودعا الناس إلى ملة الصابئين اسمه بوذاسف فتفرق الناس واختلف أديانهم ووقعت المحاربة بينه وبين الشياطين فنفاهم وطردهم وزعم بعضهم أنه اتخذ ابليس مركبا وأسرجه وألجمه وركبه يجول به الآفاق حيث شاء وزعم بعض المتأولين أن معنى ركوبه ابليس وإلجامه قهره إياه وعصيانه عليه بطاعة الله وكان ملكه ثلاثين سنة ويقال ألفا
__________
[1] . فراول
Ms.

(3/139)


وثلاثين سنة ثم ملك جم شاذ [1] ومعنى شيذ الشعاع والضياء وهو جم شاذ بن خرمه بن و [؟] ونكهيار بن هوشنك [100] [2] فيش داذ ويصفون هذا الإنسان بمعجزات وعجائب فمنها أنهم يزعمون أنه ملك الأقاليم السبعة وملك الجن والإنس وأنه أمر الشياطين فاتخذوا له عجلة فركبها وجعل يسير في الهواء حيث يشاء وأنه أول يوم ركبها كان أول يوم من فروردين ماه فاطلع بنوره وبهائه فسمي ذلك اليوم النيروز وأنه استأثر علم النجوم والطب واتخذ القوارير والآجر والنورة والحمام ويزيدون وصفه على ما وصف به سليمان بن داود النبي ويزعمون أنه كان مجاب الدعوة وسأل ربه أن يرفع عن أهل مملكته الموت والسقم فكثر الخلق حتى ضاقت بهم الأرض فسأل ربه أن يوسعها لهم فامره الله أن يأتي جبل ألبرز وهو جبل قاف محيط بالأرض فيأمره أن يتّسع ثلاثمائة ألف فرسخ في دور الأرض ففعل قالوا ثم طغى وكفر عند ما رأى من صنع الله له فسقط إلى الأرض وذهب بهاؤه وشعاعه وهرب
__________
[1] . جمشيد
Corr.marg.
[2] . بن
Lems.ajoute:

(3/140)


يجول في الأرض مائة سنة ثم ظفر به الضحّاك فنشره بالمنشار واعلم أنّ من آمن بمعجزات الأنبياء يلزمه الإيمان بمثل هذه الأشياء إذا صحت من جهة النقل والرواية فإن كان ما ذكروا من هذا حقا فالرجل نبي لا شك وإن كان غير ذلك فوضع وتزوير [و] الله أعلم ثمّ ملك بيورسب وهو الضحّاك يقال له اژدهاق ذو الحيّتين والأفواه الثلاثة والأعين الست الداهي الساحر الخبيث المتمرد ومعنى بيورسب أنه كان له اثنا عشر ألف مركب ورفعت الفرس نسبه إلى نوح بأربعة آباء فقالوا بيورسب بن اروند بن طوح بن دابة بن نوح النبي والله أعلم ويصفون من أمره ما لم يوصف به نبي ولا يجوز القدرة عليه لبشر فمن ذلك أنهم قالوا ملك الأقاليم السبعة وكان عمل في محلته وهو نازل فيها سبع مشارات لكل اقليم مشارة وهي منفخة من ذهب فكلما أراد أن يرسل سحره على أقليم موتا أو رزية أو مجاعة نفخ في تلك المشارة فأصاب ذلك الإقليم من معرته بقدر نفخه وكان إذا رأى في تلك الإقليم جارية حسنة أو دابة فارهة نفخ في المشارة فاجترها إليه بسحره وإن ابليس أتاه في صورة غلام فقبل منكبيه فنبتت

(3/141)


منها حيتان طعامها أدمغة الناس فجعل يقتل كل يوم غلامين لذلك حتى اشتد ذلك على الناس وملوا الحياة وكان ملكه ألف سنة إلا يوما ونصف يوم ثم رأى في المنام كأن ملكا نزل من السماء فضربه بمقمع من حديد فوثب من نومه مروعا ملعونا مصوعا مطعونا وقص رؤياه على المنجمين والهرابذة قالوا يولد مولود حتى يكون انقضاء ملكك على يديه فأمر بقتل كل مولود ذكر قال وأتي بأم افريذون الملك وهي حامل به وبجارية فأمر القابلة أن يدخل الموسى قبلها فتقطع الولد في بطنها قالوا فدفع الغلام الجارية نحو الموسى بإلهام الله إياه فقطعتها وأخرجتها وخلى سبيل أم افريذون فوضعت به وأخفته عن الناس وكان افريذون يشبّ شبابا حسنا وهذا نظير قول أهل الكتاب في يعقوب وعيصو والقصة شبيهة بقصة مولد إبراهيم عم حتى لقد قال كثير من المجوس أن افريذون هو إبراهيم والله أعلم قالوا واجحف قتل الولدان بالرعية وانتقصت فخرج رجل باصفهان يقال له كاوى وعقد لواء من مسك جدى ويقال من جلد أسد ودعا الناس إلى محاربة الضحاك فهابهم وهرب منهم ثم أخذوا افريذون فملكوه

(3/142)


[100] وأقعدوه على السرير وخرج افريذون في طلب الضحاك فظفر به وشده وعقله في جبال دماوند وكان ذلك اليوم يوم المهرجان فعظمته الفرس واتخذته عيدا وكان لبيورسب طباخ يقال له ازمايل وكان إذا دفع إليه الغلمان للذبح استبقى أحدهما ونفاه إلى الصحاري يقال فمنهم الأكراد قالوا وتيمنت الفرس بذلك اللواء فصيرته بالذهب والديباج ولم يزل محفوظاً عندهم إلى أن أقام الإسلام وأعلم أن كثيرا من هذه القصة شبيه بأمر الأنبياء عم وكثير ترهات ووساوس فأما الحيتان اللتان نبتا من منكبيه فهما سلعتان خرجتا عليه ويشبه أن يكون أمران يطليهما بدماغ الناس وإنما تملكه الأقاليم السبعة وسحره فيها فكأنه كان دعوى منه وتمويها على الناس بأنه يجتر إليه ما شاء ويرسل على الأقاليم السبعة ما شاء يخوفهم بذلك ويعظم أمره وبسطته وقدرته كما كان يقول فرعون أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى 79: 24 وكان يعلم أنه كاذب في دعواه وقد أخبرناك في غير موضع أن مثل هذه الآيات لا يخلو من وجوه ثلاثة إما أن يكون معجزة لنبي أو في زمن نبي فقد جر إلى سليمان عرش بلقيس كما قيل أو يكون وضعا وتمويها وتصرفا

(3/143)


وتمثّلا غير أنّ المئونة في السماع خفيفة وفي معرفة قصص الأوائل وأخبار القدماء عبر في هذه العجائب مناقضة على من ينكر من المجوس معجزات الأنبياء عم وهو يروج على أصحابه أمثالها،،،
ثم ملك افريذون وهو التاسع من ولد حام بن نوح
قالوا أيضا وهو ملك الأقاليم السبعة وأمر الناس بعبادة الله بعد ما كان أضلهم بيورسب ورد المظالم إلى أهلها وقام بالحق والعدل وفي زمانه تكلمت الفلاسفة ووضعوا الكتب وقرأت في بعض سير العجم أن إبراهيم عم ولد سنة ثلاثين من ملك افريذون بعد ما قال بعضهم أنه هو إبراهيم بعينه وقال آخرون أنّه انقضى أمر إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب ويوسف وموسى ويوشع وكاليب وحزقيل في ملك الضحاك وأنه بقى إلى أن أغرق الله فرعون وكان عاملا له على مصر وإلى أن خرج فرع [1] بنهب ملك من ملوك العمالقة من ناحية اليمن ثم خرج عليه كاوى وافريذون والله أعلم قالوا وكان لافريذون ثلاثة بنين سلم وطوج وايرج فقسم الأرض بينهم أثلاثا فصار الترك
__________
[1] . كذا في الأصل
otationmarginale:

(3/144)


والصين لطوج وصار الروم والمغرب لسلم وصار العراق وفارس لا يرج ثم طلب لثلاث أخوات متفقات في الحسن والجمال ليزوجهن ببنيه الثلاثة فوجدهن عند فرع بنهب فزوجهن إياهم قالوا وحسد سلم وطوج ايرج [1] وكان أصغرهم فقتلاه فدعا افريذون ربه أن لا يميته حتى يرى من نسل ايرج من يطلب بثأره قال ووقع غلام من نسل ايرج إلى أرض خراسان فكثر بها وتناسل وملك وتكاثف جمعه ثم خرج من عقبه رجل اسمه منوجهر فجاء طالبا بثأر أبيه وقاتل سلما وطوجا بأرض بابل وقتلهما ودعاه افريذون ووضع تاج الملك على رأسه وخر له ساجدا إذا استجاب الله فيه دعاءه ومات من ساعته قالوا وكان ملك افريذون خمس مائة سنة وفيه يقول بعض الشعراء [2] [رمل]
وقسمنا ملكنا في دهرنا ... قسمة اللحم على ظهر الوضم
فجعلنا الشام والروم إلى ... مغرب الشمس لغطريف سلم
__________
[1] . وايرج
Ms.
[2] . من شعراء الفرس
Additionmarg.

(3/145)


ولطوج جعلنا الترك له ... وبلاد الصين يحييها برغم
ولايرج جعلنا عبرة ... فارس الملك وفزنا بالنعم
ثم ملك منوجهر بن منشخور [1]
العاشر من ولد ايرج وهو صاحب زمن موسى عم زعم قوم أنه في زمانه [101] بعث موسى عم إلى أرض مصر قالت الفرس وكان ملكه مائة وعشرين سنة وخرج عليه افراسياب التركي وكان من نسل طوج [2] يطلب قتلة أبيه وحاصره سنين ثم تراضوا على أن يعطيه افراسياب قدر رمية من مملكته فأمروا رجلاً يقال له آرش أن يرمي وكان أيدا ثقفا [3] فأتكا على قوسه فاغرق فيها ثم أرسل سهمه من طبرستان فوقع بأعلى طخارستان ومات آرش مكانه ثم اختلفوا فزعموا أن الله عز وجل أرسل ريحا فاختطفت النشابة حتى وقعت حيث وقعت وزعم بعض أن الله عز وجل بعث ملكا فاحتملها ووضعها بحيث وضع فإن لم يكن ثم نبوة فالمعنى والله أعلم أنهما تراميا والخطر لمن فضل وغلب من طبرستان إلى طخارستان هذا إذا صح الخبر والله أعلم وأحكم،،،
__________
[1] . مسجور
Ms.
[2] . ايرج
Correct. ;marg. ;ms.
[3] . ثقفا
Ms.

(3/146)


ثم ملك افراسياب التركي
فعاث وأفسد وخرب الديار وعور الأنهار وقال قوم ملك الساعون في هلاك البرية سعيا أن ينشا له خلق جديد فقد طال مكثهم قالوا وحبس المطر عن الناس والحيوان ثم ملك رجل لم يكن من أهل بيت الملك يقال له زر بن طهماسب فطرد افراسياب [1] وألحقه ببلاده ثمّ ملك كيقباد من ولد افريذون مائة سنة ثم ملك كيكاوس ابن كايونة بن كيقباذ وهو الذي سار إلى حمير لقتالهم فأسروه وحطوه في جبّ وأطبقوا عليه حجرا فيه ثقبه يطرح له كل يوم شيء من الطعام وكانت سعدى بنت ملك حمير تلاطفه وتطعمه [2] إلى أن خرج رستم من سجستان لنصرته فاستنقذه ويذكرون في صفته من العجائب،،،
قصة رستم كيف استنقذ كيكاوس من وثاق حمير
زعموا أن كيكاوس كان مظفرا مصنوعا له في كل حال فخطر منه الإطلاع إلى السماء ثقة منه بما كان الله أتاه من العز والظفر خطرة ضلال فبنى الصرح الذي ببابل وصعده فغضب الله عليه وتخلّى
__________
[1] . افراستان
Ms.
[2] . وكان من ملكه مائة وعشرين
Enmarge

(3/147)


فاتّضعت رفعته وافتقرت مقدرته وبعث الله ملكا فضرب بناءه بسوط من نار فقطعه وهده واستعصت عليه الملوك فخرج إلى ملك اليمن وقاتله وكانت الدائرة [1] عليه فأخذوه وأسروه واستوثقوا منه كما ذكرنا وفي هذه القصّة مشابهة من قصة نمروذ كما يروى قالوا فخرج رستم من سجستان في جمع عظيم وسأل العنقاء أن تخرج [2] معه فقالت هذه ريشة من جناحي [3] فإن احتجت إلي فدخنها حتى آتيك في يومك ومر رستم حتى ورد اليمن وقاتلهم قتالا شديدا قالوا وكان ملك حمير ساحرا فاحتمل مدينته بسحره وعلقها بين السماء والأرض فدخن رستم ريش العنقاء فإذا هو بها فحملت رستم على ظهرها وأخذت فرسه بمخالبها وطارت في جوّ السماء حتّى إذا حاذت المدينة انقضّت ولها دوى فنزلت بهم فقتل منهم رستم مقتلة عظيمة وأخرج كيكاوس من الجب وأخرج سعدى معه وردهما إلى أرض بابل ثم ذكروا حالا وقعت بين سعدى وبين سياوش بن
__________
[1] . الديرة
Ms.
[2] . يخرج
Ms.
[3] . جناحه
Ms.

(3/148)


كيكاوس مثل قصة يوسف وزليخا التي راودته عن نفسه سواء قالوا وإن سعدى شعفت به واحتالت في استمالته وإن لم يجبها إلى ما سألته فسعت به إلى أبيه حتى حبسه وهم بقتله وبلغ الخبر رستم فعلم أنه من كيد [1] سعدى ومكرها فجاء واستخرجها من بيتها وقطع رأسها ثم إن سياوش قتل بأرض الترك وكان ملك كيكاوس مائة وخمسين سنة وكل ما ذكرنا في هذه القصة ممكن غير ممتنع إلا قصة عنقاء وقد حكي أن في جهة الجنوب طيرا يحمل دابّة مثل الفيل أو أعظم منها ويذكر في باب القضاء والقدر خبر أن جارية [101] حملتها عنقاء في عهد سليمان عم والله أعلم ثم ملك بعد كيكاوس [2] كيخسرو بن سياوش بن كيكاوس [2] ستين سنة ثم ملك كيلهراسب الجبار مائة وعشرين سنة وهو الذي اخرب بيت المقدس وشرد من كان بها من اليهود وهو الذي بنى مدينة بلخ الحسناء ثم ملك بعده ابنه گشتاسب بن كيلهراسب وفي زمانه ظهر زردشت نبي المجوس ودعا الناس إلى المجوسية فأجابه ودان
__________
[1] . كيدي
Ms.
[2] . كيقاوس
Ms.

(3/149)


له ثم وضع بيت النيران ووكل بها الهرابذة وقتل من خالفه وهو الذي سمي بهران جد بهرام جوبينه بالري إلى شرف المرتبة ثم ملك بهمن بن اسفنديار بن گشتاسب مائة واثنتي عشرة سنة ثم ملكت هماي بنت بهمن ثم ملك دارا بن بهمن وهو دارا الأكبر،،،
قصة هماي ودارا
زعموا أن هماي كانت حاملا من أبيها بهمن عند هلاكه وأنها لما وضعت حملته في مهد واسترضعته في قوم وأعطتهم مالا جليلا وأخرجتهم من دار ملكها فخرج القوم بابنها وركبوا السفينة حتّى إذا بلغوا المذار عصفت بهم الريح فغرقت السفينة ومن فيها وطفا المهد فوق الماء حتى وقع إلى قصار على شاطئ دجلة يغسل الثياب فأخذ المهد فإذا فيه صبي وبجنبه سفط فيه من الجواهر النفيسة والياقوت الأحمر ما لا يقدر قدره فحمله الرجل إلى منزله وجعلت امرأته ترضعه إلى أن ترعرع ونشأ مع صبيانهم ثم سلموه إلى الأدب فتأدب وكان ذكيا نقيا فنازعته نفسه إلى أدب الفرسان وتحرك إلى ذلك عرقه فلما رأى القصار ذلك صرفه إليهم فنفذ في ذلك أياما وحذق وفاق أستاذيه ثم لما بلغ نظر في نفسه وفي ولد

(3/150)


القصار فلم ير فيهم أحداً يشبهه ويشاكله فساءه ذلك ونفرت نفسه منهم وقال للقصار لست أشبهكم ولا تشبهونني فاصدقني عن نفسي وعن نفسك وكان ينسب إليه فأخبره بخبره كيف كان فهيأ الغلام وأخذ سلاحه وركب فرسه وقصد باب الملكة [1] هماي وهي متصيفة بماسبذان [2] قد هيئت ميدانا للفرسان يلعبون فيه بالصوالجة ويرمون بالنشابة وهي مشرفة عليهم فوق مظلة فمن أصاب وأجاد أجزلت له الجاه والتكرمة فدخل الغلام الميدان فقالوا له من أنت فقال لا عليكم أن تسألوني عن نسبي حتى يتبين لكم أثري وذلك أنه استحيا أن يعتزى إلى القصار فالتقف من أيديهم الكرة فبلغ به الشأو في ركضه أخذه ثم أخذ القوس والنشابة ونضلهم ثم أخذ الرمح فثقفهم ثم راكضهم فسبقهم وهماي في المنظرة مشرفه عليهم معجبة به مع صباحة وجهه وحداثة سنه وكثرة شبهه بها فقال إن رأت الملكة أن تعفيني من هذه الخصلة فإني والناس كلهم عبيدها ثم در ثدياها وتحركت نفسها فنهضت من مجلسها وقالت للحاجب ائذن له فدخل وقالت أصدقني عن نفسك فقد
__________
[1] . الملك
Ms.
[2] . بماسندان
Ms.

(3/151)


أنكرت نفسي فيك فاخبرها بما أخبره به القصار فوثبت إليه وعانقته وقالت ابني والله ودعت الناس وأخبرتهم القصة ووضعت التاج على رأسه وقالت هذا ملككم وكان ملكها ثلاثين سنة ودارا كان شجاعاً حازماً فضبط المملكة وغزا الروم فقتل مقاتلها وسبى ذراريها وأتى بملكها أسيرا حتى مات في حبسه حتف أنفه ووظف عليهم الفدية وكان ملكه اثنتي عشر سنة ثم ملك ابنه دارا بن دارا الأصغر الذي بنى مدينة دارا بأرض نصيبين وبنى دارا بجرد بأرض فارس وهو الّذي قتله الإسكندر،،،
[102] وهذه قصة دارا والاسكندر
قالوا أن دارا الأكبر قتل ملك الروم وأخذ منهم الفدية فلما مات وصار الأمر إلى ابنه دارا الأصغر كتب إلى فيلقوس أبي الاسكندر وكان ملك بلاد اليونانيين فبعث إليه بالجزية وكانت ارض الروم حينئذ طوائف لم يكن لهم ملك بجمعهم فلما مات فيلقوس وصار الأمر إلى الاسكندر جمع ملك الروم إلى نفسه ولم يحمل إلى دارا الخراج الذي كان يؤديه أبوه فكتب إليه دارا يونبه بسوء صنيعه ويعيره بحداثة سنّه وبعث إليه بصولجان وكرة وقفيز

(3/152)


سمسم يريد به أنك صبي تلعب وأن عسكري في عدد السمسم كثرة فنظر إليه الاسكندر واعتذر إليه وحلف أنه لم يأمر به ولم يأت لقتله وإنما كان يطلب الفدية [1] كما كان آباؤهم يؤدونها إليه فزوجه دارا ابنته روشنك وقال أنها ملكة وأنت ملك كفو لها وسأله أن يقيد من قاتله وأن لا يهدم بيوت [2] النيران ولا يهيج الهرابذة قالوا فملك الاسكندر أربعة عشر سنة وهدم بيوت النيران وقتل الهرابذة وأحرق كتاب دينهم الذي جاءهم به زردشت وقيل أنه كان مكتوبا في اثني عشر ألف جلد من جلود البقر فيه مذكور كل ما كان وما هو كائن إلى قيام الساعة حتى ملك العرب ومدة أيامهم قالوا وهم الاسكندر بقتل ملوك المشرق لما رأى من هيئاتهم وعددهم فكتب إلى معلمه ارسطاطاليس وكان خلفه لكبر سنه إبقاء أو شفقة عليه يستشيره ويوامره فيهم فكتب إليه أن الأحرار وذوي الاحساب أنصح للملوك وأوفى عهدا من سلفهم وعبيدهم وممارسة الرؤساء أيسر من ممارسة
__________
[1] . القديمة
Ms.
[2] . بيت
Correctionmarg. ;ms.

(3/153)


الأخسّاء ولكن فرقهم وعصب بينهم واجعلهم طوائف قال فصير ما بين فرغانه وقشمير إلى أرض الشام سبعين ملكا لا يكون لأحدهم على الآخر طاعة ثم رفع البلاد وفتح الهند وغلب على الصين وكثير من الناس يرون هذا ذا القرنين وكان قيل له أن موتك يكون بأرض بابل على أرض من حديد تحت سماء من ذهب فلما استوسقت له الأمور وألقت اليها بأزمّتها أراد أن يقطع البرية إلى الاسكندرية وتطير من دخول بابل فرارا من القدر فانتهى إلى ناحية السواد وغلبة النوم فطرحت تحته الأمة [درعا] فاضطجع عليها واظل عليها بمحفة من ذهب فلما انتبه نظر إلى حالته فاستيقن بالموت فأوصى أن تجعل جثته في تابوت من زجاج ويحمل إلى الاسكندرية وكتب إلى والدته كتابا بالوصاة [1] والتعزية وجعله درج كتاب، مضمون ما في الدرج إذا أتاك كتابي هذا فاصنعي طعاما وادعي الناس إليه ولا تأذني لأحد في تناول شيء من طعامك إلا من لم يصب بأب ولا أم ولا أخ ولا أخت ولا ابن ولا ابنه ولا قريب ولا حبيب ثم فكي الكتاب المدرج فيه واعملي
__________
[1] . بالوصايا
Correctionmarg.:

(3/154)


عليه واتعظي باللَّه والسلم ففعلت الوالدة كما أمر فلم يمس أحد من الناس شيئا من الطعام ثم فكت الكتاب وقرأته ولم تدمع عينها ولا تغيرت حالتها لبليغ عظته وحسن وصيّته قالوا ولمّا وضع الاسكندر في تابوته قامت الحكماء الذين كانوا يصاحبونه ويسايرونه فتكلم كل واحد بكلام وخبر بليغ وبقى ملوك الطوائف على ما صيرهم عليه مائتي سنة وستا وستين سنة ويقال أربع مائة سنة وكانوا يعظمون اشك بن دارا ويسمونه الملك وكان في يده من الموصل إلى الري واصبهان،،،
[102] ذكر ملوك الطوائف يقال الأشغانيون
ملك اشك الاشغاني عشر سنين ثم ملك شابور الاشغاني ستين سنة وفي زمانه ظهر عيسى عم بأرض فلسطين وغزا ططوس بن اسفيانوس ملك الرومية بيت المقدس بعد ارتفاع عيسى فقتل المقاتلة وسبى الذرية وهدم البناء حتى لم يدع حجرا على حجر فلم يزل كذلك إلى أن أقام الإسلام وولى عمر بن الخطّاب رضي الله عنه بقول الله تعالى وَمن أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَساجِدَ الله أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعى في خَرابِها 2: 114 الآية ثم ملك جوذرزين عشر سنين ثمّ ملك بيزن [1]
__________
[1] . بيزن
Ms.

(3/155)


إحدى وعشرين سنة ثم ملك جوذر تسع عشر سنة ثم ملك نرسي الاشغاني أربعين سنة ثم ملك هرمز سبع عشرة سنة ثم ملك اردوان اثنتي عشرة سنة ثم ملك كسرى الاشغاني أربعا وأربعين سنة ثم ملك بلاس أربعا وعشرين سنة ثم ملك اردوان الأصغر ثلث عشرة سنة تمّ ملوك الطوائف وصار الأمر إلى بني ساسان وأوّل من ملك من بني ساسان اردشير بن بابك بن ساسان الجامع وهو من ولد دارا فيكون مدتهم في هذا الحساب مائتين وسبعين سنة،،،
ثم ملك اردشير الجامع ويقال له شاهنشاه
قالوا وكان اردشير رجلا بين الفضل في بعد رأيه وذكاء لبه مع صرامته وبأسه ونجدته ولما أفضى الأمر إليه أمر أهل الفقه بجمع ما قدروا عليه من كتب دينهم التي احترقت وتأليفها وتقييدها فانه لا يجمع القلوب المتعادية والأهواء المتنافرة إلا الدين فجمعوا ما أصابوا منها وهو الذي في أيديهم اليوم قالوا ثم عمد إلى كتب الطب والنجوم فجددها وأعادها وبث كتبه في من قرب منه ونأى عن الملوك يأمرهم بإقامة الدين والسنة ويحذرهم معصيته ومخالفته فصفت له المملكة أربع عشر سنة وستة أشهر،،،

(3/156)


ثم ملك شابور بن اردشير
فغزا الروم وسبى منهم سبيا كثيرا وأنزلهم في مدينة سابور بفارس ومدينتي جنديسابور [1] وتشتر بالأهواز فمن ثم كثر علم الطب والأطباء في هذه المدن وفي زمان شابور بعث الله على سبا سيل العرم فتفرقوا في البلاد بقول الله عزّ وجلّ وَمَزَّقْناهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ 34: 19 وفي زمانه ظهر ماني الزنديق وذلك أن أول ما ظهر في الأرض من أمر الزندقة إلا أن الاسامي يختلف عليها إلى أن سمي اليوم علم الباطن والباطنيّة وفي زمانه قتلت الزباء جذيمة الأبرص وهو الذي حاصر الضيزن [2] ملك الحضر [3] فأشرفت عليه النضيرة [4] بنت الضيزن وهويته فكتب في سهم يدل على عورة الحصن فأتتها من مدخل الماء ورمت بالسهم إليه فقطع الماء عنهم حتى أجهدهم العطش ثم استندبهم على حكمه وقتل النضيرة [5]
__________
[1] . جندسابور
Ms.
[2] . الصيرين
Ms.
[3] . الحصر
Ms.
[4] . النضيرة
Ms.
[5] . النضيرة
Ms.

(3/157)


لغدرها بأبيها وهذا يسمى سابور الجنود لكثرة جنوده ودوام مسيره وقيل أنّه أمر بذؤابتها فشدت في ذنب مهر غير مروض وضرب وجهه وفيها يقول عدىّ بن زيد [منسرح]
[103] والحضر صبت عليه داهية ... شديدة أيد مناكبها
ربيبة لم ترق والدها ... لحبها إذا ضاع راقبها
وكان حظّ العروس إذ جشر ... الصّبح دماء تجري سبائبها [1]
قالوا وكان ملكه ثلاثين سنة،،،
ثمّ ملك بعده هرمز البطل
ويقال له هرمز الجريء وأتاه ماني يدعوه إلى الزندقة فقال إلام تدعوني فقال إلى خراب الدنيا وترك العمارة فيها للآخرة فقال لأخربن بدنك فأمر به فقتل وحشى جلده تبنا وصلب بباب جنديسابور فهو إلى اليوم يسمى باب ماني ويقال أنه سلب بباب نيسابور بخراسان وكان ملكه سنة وعشرة أشهر ويقال أن ابنه بهرام بن هرمز قتل ماني وكان ملكه ثلاث سنين وثلاثة أشهر وثلاثة أيام ثم ملك ابنه بهرام ابن هرمز وهو الذي يقال له بهرام الصلف وكان فظا [2] غليظا هان
__________
[1] . دما بحر سبابها
Ms.
[2] . فطّا
Ms.

(3/158)


عليه الناس واستخف بهم حتى فزعوا إلى موبذ موبذان فقال إذا أصبحتم فالزموا بيوتكم ومنازلكم ولا يخرج إليه أحد ولو رآه قائما على بابه وأمر غلمانه وحاشيته أن لا يقوم على رأسه ولا يجيبه إذا دعاه ولا يطيعه فيما أمره ففعلوا ذلك وأصبح بهرام من غده على سجيته وجاء حتى قعد على سريره فلم ير أحداً من غلمانه ومرازبته ونظر إلى مجلس الوزراء والكتّاب فلم ير فيه أحدا ثم نادى بالحاجب فلم يجبه ودعا بالغلمان فلم يجيبوه فهاله ذلك وارتاع له ولم يدر ما السبب فبينما هو متفكر في نصيبه متعجب من أمره إذ دخل عليه موبذان موبذ ففرح به لما رآه وافرح عنه روعه وسأله عن الحال فقال تعلم أنك ملك ما أطاعوك ولا يطيعك الجماعة بغير رفق ففطن لهم بهرام وراجع نفسه وهجر الفظاظة ولزم الرفق ثم ملك بهرام بن بهرام أربعة أشهر ثم ملك نرسى بن بهرام تسع سنين ثم ملك هرمز بن نرسى سبع سنين وخمسة أشهر ثم ملك ابنه شابور ذو ولا كتاف،،،
وهذه قصة شابور ذي [1] الأكتاف
قالوا وهلك هرمز ولا
__________
[1] . ذو
Ms.

(3/159)


ولد له فوجدوا ببعض نسائه حبلا فسألوها عن حالها فقالت إني أرى من نضارة لوني وحركة الجنين في الشق الأيمن ما أرجو أن يكون تحقيقا لما قال المنجمون فأقعدوا التاج على بطن المرأة ثم لما وضعته سموه شاه شابور وجعل الوزراء يدبرون أمره والأعداء يزحفون إليه من كل جانب قالوا فلما أينع الغلام وترعرع سمع ضجيج الناس وأصواتهم وصراخهم فقال ما هذا فقيل ازدحم الناس على الجسر فقال هلا جعلتم جسرين أحدهما للذاهبين والآخر للجائين فلا يزحم بعضهم بعضا فاعجب من حضره من مقالته وحسن فطنته في صباه وصغر سنه قالوا فلم تغرب الشمس من يومهم حتى عقدوا جسرا آخر ثم لما بلغ خمس [1] عشرة سنة وأطاق ركوب الخيل وحمل السلاح خرج لمحربة الأعراب التي زحفت من كاظمة البحرين وتطرقوا نواحيه يغيرون عليها ويفسدون فيها وجعل يقتلهم وينزع أكتافهم ويتبعهم في بواديهم وديارهم حتى أفنى إيادا خاصة إلا من بالروم [103] وروى أن معاوية لما كتب إلى تميم يغريهم بعلي عم ويأمرهم بالوثوب عليه خطب علي ثمّ قال في كلامه [خفيف]
__________
[1] . خمسة
Ms.

(3/160)


ان حيا يرى الصلاح فسادا ... ويرى الغي للشقاء رشادا
لقريب من الهلاك كما أهلك ... شابور بالسّواد إيادا
قالوا ولم يكف شابور عن قتلهم حتى جلست عجوز على طريقه وصاحت به وكانت سيرة الملوك من صاح بهم وقفوا عليه فقالت إن كنت تطلب ثأرا فقد أدركته وإن كنت تقتل سرفا فإن لهذا قصاص فكف حينئذ عن القتل ولقد سمعت غير واحد من أهل العلم يقول عنت العجوز بقولها أمر النبيّ صلى الله عليه وسلم وادراكه من الفرس ثأر العرب قالوا ثم دخل شابور الروم متنكرا متجسسا أخبارهم ويطلع على عورة بلادهم ووافقته وليمة لقيصر فدخل عليها على هيئة السؤال ليشاهد أحوالهم وأخلاقهم فبينما هو واقف عليهم إذ أتى بإناء فيه تمثال شابور منقش فقال رجل من حكمائهم إن هذا التمثال يشبه صورة هذا السائل فقبضوا عليه وألحوا وخوفوه بالقتل حتى أقر فجعلوه في جلد بقرة وكتبوا إلى عظماء فارس انا قد ظفرنا بملككم فإما أن نقتله وإما أن تفتدوه فأرسلوا إليهم بأموالهم وخزائنهم وما ملكته أيديهم فأخذوا المال ولم يخلوا عنه

(3/161)


ثم سار قيصر إلى بلادهم فقتل المقاتلة وأخرب المدن وعقر النخل وشابور معه في تابوت يسير حيث سار حتى انتهى إلى جنديسابور فنزل بساحتهم وقد تحصن أهله فحاصرهم شهورا قالوا وأتت ليلة عيدهم فغفلوا عن شابور ونامت عنه الرقباء ونظر شابور إلى قوم أسارى وزقاق من زيت فقال لبعضهم أفرغوا على من هذا الزيت فأفرغوا عليه فلانت الجلدة عليه وانسلخت عنه وقام يدب على الأربع كالدواب حتى أقتحم سور المدينة ونادى أنا شابور الملك فاجتمعوا عليه وتباشروا به وخرج من ليلته والقوم في شغل من عيدهم فقتلهم أبرح قتل واستباح أموالهم وأسر قيصر ملكهم قال أني مستجبيك كما استجبيتني وأخذه برد ما أخذ من الأموال وإصلاح ما خرب من المدن من سرة [1] بلاده وأن يغرس مكان كل نخلة عقرها زيتونة ولم يكن بالعراق حينئذ شجر الزيتون فحملوا الطين من أرض الروم في السفن والعجلات حتى عمروا ما خرب بأيديهم ثم رتقه وقطع عقبه وخلى سبيله وفيه يقول الشاعر [وافر]
__________
[1] . سريّة
rectionmarginale:

(3/162)


هم ملكوا جميع الناس طرا ... وهم رتقوا هرقلا بالسواد
وهم قتلوا أبا قابوس غضبا ... وهم كشفوا البسيطة عن إياد
وكان ملكه اثنين وسبعين سنة وملك الحيرة في أيامه امرؤ القيس الأول ثم ملك اردشير بن هرمز أخو شابور ذي الأكتاف إحدى عشرة سنة،،،
وهذه قصة يزدجرد الأثيم [1]
ثم ملك يزدجرد الأثيم ويقال له الخشن وهو يزدجرد بن بهرام بن شابور ذي الأكتاف وكان فظا غليظا مهيبا للناس سفاكا للدماء ركوبا للمآثم فشكوا إلى الله عز وجل ودعوا الله عليه فجاء فرس لم ير مثله في حسنه وكمال تقطيعه حتى وقف ببابه فلما خرج رمحه رمحة فقضي عليه وملأ فروجه جريا فلم يدرك [104] فقالت الفرس هذا ملك جاء فأراحنا منه وكان له ابن اسمه بهرام تربى في حجر آل المنذر بأرض العرب،،،
وهذه قصة بهرام جور [2]
ثم ملك ابنه بهرام جور فأحسن السيرة وأحيا الناس قالوا وقصده خاقان ملك الخزر [3] من نحو باب
__________
itreporteenmarge. [1]
Id. [2]
[3] . الحزر
Ms.

(3/163)


الأبواب [1] في مائة ألف فخرج بهرام [2] يشبه المتصيد في رابطته وبلغ الخبر خاقان بأن بهرام قد هرب وخلى مملكته لما سمع من كثرة جيوشك فاغفل الحذر وترك الحزم فانقض عليه بهرام من جبال أذربيجان فقتلهم أبرح قتل وجاء برأس خاقان وهو الذي يقول فيه الشاعر [طويل]
أقول له لما فضضت جموعه ... كأنك لم تسمع بصولات بهرام
فإني حامي ملك فارس كلها ... وما خير ملك لا يكون له حامي
قالوا وأمر بإحصاء ما أصاب من الغنائم فإذا هي مثل خراج مملكته لثلاث سنين فوضع الخراج على الرعية بمقدار ذلك وأمرهم بالتفرغ للتلذذ والتنعم قالوا وخرج بهرام يوما متصيدا وقد أردف جارية مغنية فعرض له وحش فقال للجارية أين تريدين أن أضع نشابتي قالت أريد أن تشبه ذكرانها بإناثها وإناثها بذكرانها فرمى ذكرا من الظباء بنشابة ذات شعبتين فاقتلع قرنيه ورمى الأنثى بنشابتين أثبتهما في موضع القرنين ثم قالت وأريد أن تصل ظلف ظبي بأذنه فرمى ظبيا بجلاهق أهوى
__________
[1] . من الأبواب
Ms.
[2] . بهران
Ms.

(3/164)


برجله ليحك أذنه رماه فوصل ظلفه بأذنه ثم ضرب بالجارية الأرض وقال لشد ما اشتططت على وأردت إظهار عجزي وقتلها وهذا والله غير ممكن إلا بالاتفاق قالوا وكان بهرام يعرف اللغات فيتكلم إذا غضب بالعربية وفي القتال بالتركية وفي مجلس العامة بالدرية ومع النساء بالهروية وكان نقش خاتمه بالأفعال تعظم الأخطار وكان صاحب لهو وغناء وصيد وكان لا يقاتل [إلا] من يقاتله ولا يتعرض لمن لا يتعرض له وبنى له النعمان بن المنذر الخورنق والسدير وفي أيامه ساح النعمان بن المنذر ملك الحيرة فملك بهرام الحيرة المنذر بن النعمان وفي أيامه تحركت أمر قريش لما أراد الله تعالى بهم وتزوج كلاب بن مرة فاطمة بنت سعد من الأزد فولدت له قصىّ ابن كلاب وزهرة بن كلاب وكان ملكه ثلاثا وعشرين سنة ثم ملك الله يزدجرد بن بهرام ثماني عشرة سنة وأربعة أشهر وثمانية عشر يوما فلما مات تنازع الملك أبناه فيروز بن يزدجرد وهرمز بن يزدجرد بن بهرام جور قالوا وأسنت الناس في أيامه سبع سنين حتى فني أكثر الحيوان ثم أغاثهم الله بغيثه فزكت الأرض ونمى الزرع وأخرجت كل حبة سبع مائة حبة

(3/165)


وسمعت بعض المفسرين يقول في قوله تعالى كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ في كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ 2: 261 لم يكن هذا إلا في زمن فيروز والله أعلم قالوا وكتب فيروز في ذلك القحط إلى العمال والولاة والوكلاء والبنادرة بقسمة ما في الخزائن على الناس وحسن التدبير لهم في المعاش فلم يهلك في تلك السنين إلا رجل باردشيرخرة [1] ثم قصد فيروز الهياطلة وهم قوم كانوا بناحية بلخ وطخارستان وملكهم اشنوار [2] فلما بلغ توجه فيروز إليهم اشتد خوفهم فاحتالوا وذلك أن رجلا منهم [104] باع نفسه من الملك على أن يكفيه مئونة أهله وعياله بعده وكان قد بلغ من السن غاية لا ينتفع معها بعيش فقطعوا يديه ورجليه والقوة على ظهر طريق فيروز فلما انتهت الخيل إليه سألوه فزعم أن اشنوار غضب عليه في تعصبه لفيروز ففعل به ما ترون فهل لكم أن أخذتكم على طريق تطلعون منه على اشنوار وجنوده مغافصة قالوا بلى فحملوه معهم وأخذ بهم على طريق معطش مهلك فساروا حتى أنفذوا ماء يسقيهم وتاهوا في متوجههم ثم صدقهم الرجل عن نفسه وحيلته عليهم فاخذ كل قوم وجهة
__________
[1] . باردسرحر
Ms.
[2] . أسوار
Ms.

(3/166)


يرجون النجاة إلا فيروز في شرذمة قليلة تخلصوا بحشاشة أنفسهم فأسرهم اشنوار واستباح عسكرهم ثم عاهدوا فيروز أن لا يتعرض لهم وخلى سبيله وكان ملكه تسعا وعشرين سنة ثم تنازع الملك بعده ابناه قباذ و پلاش فهرب قباذ إلى الترك يطلب المدد فملك بلاش أربع سنين ومات ثم عاد قباذ وملك وفي أيّامه ظهرت المزدكيّة،،،
وهذه قصة قباذ ومزدك
قالوا أن قباذ بن فيروز كان رجلا مداريا متئدا يكره الدماء والمعاقبة وكثرت الأهواء في زمانه وانتحل كل فريق ملة ومذهبا ووثب مزدك وهو رجل من أهل فساد فعمل على الناس وقال أن الله عز وجل جعل الأرزاق [1] في الأرض ليقسمها العباد بينهم بالسوية حتى لا يكون لأحد منهم فضل على الآخر ولكن الناس تظالموا وتغالبوا واستأثر كل واحد بما أحب والواجب أن يؤخذ فضل ما في أيدي الأغنياء ويرد في الفقراء حتى يستووا في الدرجة فشايعه على ذلك الغوغاء وافترضوا قوله وجعلوا يدخلون على الرجل فيغلبون على أهله وماله ونسائه وعبيده واشتدت شوكتهم
__________
(
sic) . [1] الأرض اق Ms.

(3/167)


وعظمت نكبتهم وعجز السلطان عن مقاومتهم ولم يكن عندهم لمن أبى عليهم إلا القتل ثمّ وثبوا على قباذ فخلعوه وحبسوه وملّكوا أخاه جاماسب وفسدت معايش الناس واختلطت أنسابهم فكان المولود لا يعرف أباه والضعيف لا يمتنع منه القوي ثم خرج ز [ر] مهر ابن سوخرا في من [1] تبعه من الغواة والمطوّعة وقتلوا من المزدكيّة ناسا كثيرا ورد الملك إلى قباذ فتبرأ منهم ويقال أنه كان بايعهم وفي أيامه ولد عبد المطلب وحمل إلى مكة وكان جاءه الحارث بن عمرو المعصوب بن حجر آكل المرار ودخل في دين المزدكية فملكه على العرب كلها فلما صار الأمر إلى انوشروان رد الملك إلى المنذر بن امرئ القيس وكان ملك قباذ اثنتين وأربعين سنة وفي أيامه غلبت الروم والحبشة على اليمن ثم ملك كسرى انوشروان بن قباذ وكان ملكه سبعا وأربعين سنة وسبعة أشهر فقتل ثمانين ألفا من المزدكية في يوم واحد وجمع الناس على الدين وأتم بباب الأبواب السور وغزا الروم ففتح إنطاكية وبنى بالمدائن مدينة على صورة إنطاكية وسماها الرومية وصاهر خاقان ملك الترك حتّى عاونه على
__________
[1] . فيمن
Ms.

(3/168)


الهياطلة فأدرك منهم وتر فيروز وانبسط ملكه حتى بلغ قشمير وسرنديب وهو الذي بعث وهرز إلى اليمن فنفى عنه الحبشة وعلى رأس أربعين من ملكه ولد النبيّ صلى الله عليه وسلم في قول بعضهم وكان حسن السيرة مبارك الولاية رحيما بالرعية متميزا للخيم ثم ملك ابنه هرمز بن كسرى فجار وعسف فزحفت إليه الجيوش من النواحي الأربع الروم والترك والخزر واليمن فوجّه بهرام شوبينة اصفهبذ الرىّ للالتقاء فقتلهم وسباهم ثم خلع بهرام يده عن الطاعة وتغلب على خراسان [105] وما يليها وكتب القوّاد والمرازبة يغريهم به فوثبوا عليه وسملوا عينيه وحبسوه وملكوا ابنه ابرويز بن هرمز وملك هرمز إحدى عشرة سنة وسبعة أشهر ثم ملك ابرويز وجاء بهرام شوبينة فقاتله على شط النهروان وهزمه وكان ابرويز يومئذ على فرسه شبديز فلح به فقال للنعمان بن المنذر وهو يمشي بين يديه أعطني اليحموم وهو فرس معروف مشهور له وفيه يقول الأعشى [طويل]
ويأمر لليحموم كل عشية ... بقت وتعليق وقد كان يسبق
فلم يعطه اليحموم ونزل حسان بن حنظلة الطائي عن فرسه

(3/169)


الضبيب وقال اركب أيها الملك فإن حياتك للناس خير من حياتي فركبه ابرويز ومر إلى ملك الروم موريقيس فاستنجده فزوجه ابنته مريم وأمده بمال ورجال فقاتل بهرام وهزمه إلى الترك واستولى على الملك فلم يزل يدس على بهرام حتى قتل بدار الغربة وكان ملك ابرويز ثمانيا وثلاثين سنة وفي أيامه بعث الله نبينا محمدا صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم بالرسالة وبعث النبيّ صلّى الله عليه إليه بعبد الله بن حذافة السهمي يدعوه إلى الإسلام فمزق كتابه واستخف به وكتب إلى باذان ملك اليمن أن عبدا من عبيدي قد كتب يدعوني إلى دينه فابعث إليه رجلين جلدين يأتيان به مربوطا وإن أبى عليهما فليضربا عنقه ولهذه القصة موضع غير هذا فلمّا بلغ النبيّ صلى الله عليه وسلم تمزيقه كتابه قال مزق كتابي مزق الله عليه ملكه قال الله عز وجل آلم غُلِبَتِ الرُّومُ في أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ من بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ في بِضْعِ سِنِينَ 30: 1- 4 روى أنّ عاملا لا برويز يقال له شهرابراز الفارسىّ غلبهم وسباهم وذلك أن الروم وثبت على ملكهم موريقيس فقتلوه فبعث أبرويز شهر ابراز فنكا [1]
__________
[1] . فنكى
Correct.marg.

(3/170)


فيهم نكاية عظيمة قبل الهجرة بسنة ثم أدبرت [1] الروم على ابرويز فقتله [ابنه] وفي ابرويز يقول خالد الفياض [2] [بسيط]
والكهل كسرى شهنشاه يقنصه ... سهم بريش جناح الموت مقطوب
إن كان لذته شبديز مركبه ... وغنج شيرين والديباج والطيب
بالنار آلى يمينا شد ما غلظت ... أن من بدا بنعي شبديز مصلوب
حتى إذا أصبح الشبديز منجدلا ... وكان ما مثله في الناس مركوب
ناحت عليه من الأوتار أربعة ... بالفارسية نوحا به تطريب
فراطن الهربذ الأوتار فالتهبت ... من سحر راحته اليسرى شابيب
فقال مات فقالوا أنت فهت به ... فأصبح الحنث [3] عنه وهو محدوب
لولا الهرابذ [4] والأوتار تندبه ... لم تستطع نعي شبديز المرازيب
أخنى الزمان عليهم فاجرهد بهم ... فما يرى منهم إلا الملاعيب
وابرويز الذي أمر فصور هو ودابّنه شبديز وسريته شيرين بقرميسين ليبقى له أثر
ثم ملك ابنه شيرويه [105] بن ابرويز
وأمه ابنة ملك الروم مريم بنت موريقيس فوقع الطاعون
__________
[1] . ادبلت
Ms.
[2] . العياض
Ms.
[3] . الجيب
Ms.
[4] . الفراهيد
Correct.marg. ;ms.

(3/171)


في الناس [1] وفنى تسعة أعشار الناس وهلك شيروية فيه وكان ملكه ثمانية أشهر وهو الذي سعى في قتل أبيه ليأخذ ملكه وفيه يقول الشاعر [وهو عدىّ بن زيد] [وافر]
وكسرى إذ تقسمه بنوه ... بأسياف كما اقتسم اللحام
تمخضت المنون له بيوم ... أتى ولكل حاملة تمام
وكان باذان بعث برجلين إلى المدينة كما أمره أبرويز لياتياه بالنبيّ صلى الله عليه وسلم فبينما هما عند النبيّ صلى الله عليه وسلم إذ قال لهما أن ربي أخبرني أنه قتل كسرى ابنه هذه الليلة لكذا ساعات مضين منها فانصرف الرجلان ونظرا فإذا هو كما قال النبيّ صلى الله عليه وسلم ثم وثب شهرابراز الفارسي الذي كان بناحية الروم فملك عشرين يوما ثم اغتاله بوران دخت بنت ابرويز فقتلته وملكت بوران دخت سنة ونصف سنة فأحسنت السيرة وعدلت في الرعية ولم تجب الخراج وفرقت الأموال في الأساورة والقوّاد وفيها يقول الشاعر [منسرح]
دهقانة يسجد الملوك لها ... يخبى إليها الخراج في الجرب
__________
[1] . كذا في الأصل ,
notemarg. الطاعوس Ms.

(3/172)


ولمّا بلغ النبيّ صلى الله عليه وسلم خبرها قال لا يفلح قوم يليهم امرأة وفي أيامها كانت وقعة ذي قار فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم اليوم انتصف العرب من العجم وبي نصروا ثم ملكت بعدها آزروميذ دخت بنت ابرويز أربعة أشهر فسمت فماتت ثم ملك رجل يقال له فرخ شهرا وقتل ثم طلبوا يزدجرد بن شهريار بن ابرويز وهو غلام فملكوه فمكث فيهم عشرين سنة والملك منتشر والأمر مختل مضطرب إلى أن قتله ماهوية دهقان مرو بقرية زرق سنة إحدى وعشرين من وفاة النبي صلى الله عليه وسلم في خلافة عثمان ابن عفّان رضي الله عنه وكان عبد الله بن عامر بن كريز بالطبسين وانقضى أمر ملوك الفرس وأظهر الله دينه وانجز وعده وفيه يقول ابن الجهم [سريع]
والفرس والروم لها أيام ... يمنع من تقحيمها الإسلام
ويقول المسعودي في آخر قصيدته بالفارسية
سپرى شد نشان خسروانا ... چوكام خويش راندند در جهانا
قصة ملوك العرب
ولهم ثلث [1] ديار العراق والشام واليمن ويقال
__________
(
sic) . [1] ثلت Ms.

(3/173)


أن من ملك اليمن بعد نزول قحطان بن عابر [1] بن شالخ [2] بن ارفخشذ بن سام بن نوح أتاها يعرب بن قحطان وهو أول من نطق بالعربية وأول من حياه ابنه بأبيت اللعن وأنعم صباحا ولا يدري من كان بعده حتى ملك حمير بن سبأ بن يشجب بن يعرب ولم يزل الملك في ولده إلى أن مضت قرون وحقب وصار إلى الحارث الرائش بعد خمسة آباء فمنهم فرع ينهب بن أيمن بن ذي ترجم بن واثل [3] بن الغوث بن قطن بن عريب بن زهير بن الهميسع بن حمير وهو الذي أخرج العماليق من اليمن في زمن الضحاك وصاهر افريذون كما ذكرنا آنفا وفيهم يقول الشاعر [طويل]
رأيت ملوك الناس في كل بلدة ... فلم أر في الأملاك أمثال حمير
[106] ومنهم شمر ذو الجناح وفي أيامه ظهر موسى عم بالشام وهو زمن منوجهر ببابل ومنهم غمدان بان وهو الّذي بنى غمدان ومنهم شمر [؟] بهيعيص ومنهم ذو [؟] بقرع ومنهم ذو مرابح فامّا
__________
[1] . عامر
Ms.
[2] . سالخ
Ms.
[3] . وائل
Ms.

(3/174)


ملوك اليمن فالذي يصح ذكره بعد الحارث الرائش ويقال أنه أول من غزا من ملوك اليمن وأصاب الغنائم فسمي الرائش لأنه راش الناس وكساهم وفي عصره مات لقمان صاحب النسور ويروى أن [1] له شعرا يذكر فيه نبيّنا محمّدا صلى الله عليه وسلم وملوكا يكونون قبله ويقول [وافر]
ويملك بعدهم رجل عظيم ... نبي لا يرخص في الحرام
يسمّى أحمدا ياليت أني ... أعمر بعد مبعثه بعام
قالوا وكان ملكه مائة وخمساً وعشرين سنة ثم ملك بعده أبرهة ذو المنار وسمى به لأنه غزا بلاد النسناس وجاء بهم وجوههم في صدورهم فذعر الناس لذلك وكان ملكه خمسا وعشرين سنة ثم ملك هداد بن شراحيل بن عمرو بن الحارث [2] الرائش أبو بلقيس ولم يلبث إلا يسيرا حتى هلك ثم ملكت بلقيس أربعين سنة وكان من قصتها وقصة سليمان ما ذكر الله عز وجل ثم ملك ناشر النعم لإنعامه على الناس وذكروا أنه بلغ في غزاته إلى وادي الرمل الحمارى فأمر بصنم من نحاس
__________
[1] . أنّه
Ms.
[2] . بن
Ms.intercale

(3/175)


فصنع ثم كتب عليه ليس ورائي مذهب وكان ملكه خمسا وثمانين سنة ثم ملك شمر بن افريقيس بن ذي المنار [بن] الرائش وهو الذي يدعى بشمر [1] بن رعش لرعشة أصابته وهو الذي غزا الصين وافتتح عامة فارس وسجستان وخراسان [2] وخرب سمرقند فسميت شمركند وكان ملكه مائة وسبعا وثلاثين سنة وفيه يقول ابن الجهم [رجز]
وظهرت باليمن التبابعة ... شمر يرعش [3] وملوك خالعة
ثم ملك بعده ابنه الأقرن بن شمر وغزا الروم قبل ظهور عيسى عم وكان أهلها عبدة الأصنام والأوثان فمات بناحية منها يقال لها وادي الياقوت وكان ملكه ثلاثا وخمسين سنة ثم ملك بعده تبع بن الأقرن وهو تبع الأكبر وكان أقام سنوات لا يغزو فسمته حمير موثبان وموثبان بلغتهم القاعد فغضب لذلك وأخذ في الغزو حتّى بلغ الصين وخلف رابطة بتبت فأعقابهم اليوم بها وهو القائل فيما يروى [كامل]
__________
[1] . إلى شمر
Ms.
[2] . خرسان
Ms.
I.2 -3. [3] بن 910 بن plongpourlemetre ;corriged ecenomdansTabari ,I بن شمر بهرعيش Ms.

(3/176)


قطع البقاء بقلب الشمس ... وطلوعها من حيث لا يمسى
وطلوعها بيضاء إذ طلعت ... وغروبها صفراء كالورس
تجري على كبد السماء كما ... يجري حمام الموت بالنفس
اليوم ينظر ما يجيء به ... ومضى لفضل قضائه أمس
وكان ملكه مائة وثلاثا وستين [سنة] ثم ملك بعده ملكيكرب ابن تبع خمسا وثلاثين سنة ثم ملك ابنه تبع الأوسط وهو أسعد أبو كرب وكان يغزو بالنجوم ويسير بها حتّى بلغ الهند والروم وإيّاه عنى الطائىّ بقوله [بسيط]
وبرزة الوجه قد أعيت رياضتها ... كرى وصدت صدودا عن أبي كرب
قالوا وطالت مدته واشتدت وطأته وملته حمير لكثرة غزاته وهو الّذي [قال] فيما يروى [متقارب]
شهدت على أحمد أنه ... رسول من الله باري النسم
فلو مد عمري إلى عمره ... لكنت وزيرا له وابن عم
[106] وهو الذي قتل يهود يثرب وأراد أن يخربها فأخبر أنها مهاجر نبي فآمن به وتركها كما يزعمون وكان ملكه ثلاثمائة [؟]

(3/177)


وعشرين سنة ثم ملك ابنه حسّان بعد ما وثبت حمير على أبيه فقتلوه ثم لقب حسّان هذا ذو جيشان وهو الذي أباد جديس وقد [مرت] قصتهم وأخذ حسان يتجنى على قتله فقتلهم واحدا واحدا حتى بايعوا أخاه عمرو بن تبع على أن يقتل حسّانا [1] فقتله فلما قتله منع النوم فسأل الغلمان عن ذلك فقالوا إنك قتلت أخاك ظلما ولن يؤاتيك النوم حتى تقتل من أشار عليك بقتله فقتلهم كلهم إلا ذا رعين فإنه نهاه عن ذلك وكان قال حين سهر [وافر]
ألا من يشتري سهرا بنوم ... سعيد من يبيت قرير عين
فإن تك حمير غدرت وخانت ... فمعذرة الإله لذي رعين
لنا معراج ملك حيث كنا ... تناوله المقاول باليدين
ملكنا بعد تبعنا زمانا ... وعبدنا ملوك المشرقين
زبرنا في ظفار زبور مجد ... ليقرأه جميع الخافقين
ونحن الواقفون بكل هون ... إذا قال المقاول أين أين
قالوا وكان هذا في زمن ملوك الطوائف بعد الإسكندر وفي
__________
[1] . يقتله حسّان
Ms.

(3/178)


ملكه تزوج عمرو بن حجر الكندي جد امرئ القيس الشاعر ابنة حسان بن تبع أخى عمرو بن تبع [1] فولدت له الحارث ابن عمرو وفي أيامه أحس عمرو [2] بن عامر بسيل العرم فخرج من سبأ بمن تبعه وهو أبو ملوك الحيرة والشام وعمان وكان ملكه ثلاثا وستين سنة ثم ملك بعده عبد كلال بن مثوب [3] أربعا وسبعين سنة وآمن بعيسى عم ثم ملك بعده تبع الأصغر وهو تبع بن حسان ثمانيا وسبعين سنة وهو الذي قتل يهود يثرب في أصح الروايات وقصة ذلك قال محمد بن إسحاق كان الأوس والخزرج مستضعفين متهضمين في أيدي اليهود وملكهم القيطون لا يزف عروس إلا اقتضها فلما تزوج مالك بن عجلان الخزرجي أخته وأدخلها على القيطون تشبه مالك بن عجلان بالنساء وتستر بثيابهن [4] ودخل معهن واختبأ في ناحية من داره فلما هم القيطون بأخته قام إليه مالك بن عجلان فقتله ثم خرج إلى تبع فاستصرخه فجاء حتى قتل من رؤساء اليهود
__________
[1] . امرئ القيس
Ms.
[2] . عبد الله
Ms.
[3] . عبد بن كلّاب بن ميوّب
Ms.
[4] . بنياتهنّ
Ms.

(3/179)


وأعلامهم ثلاثمائة وخمسين رجلا غيلة بذي حرض موضع بالمدينة فقالت امرأة من يهود ترثيهم [وافر]
بأهلى لمّه لم تغن شيئا ... بذي حرض تصفقها الرياح
شباب من قريظة أتلفتها ... سيوف الخزرجية والرماح
ولو اربوا بأمرهم لحالت ... هنالك دونهم خود رداح
ويقال أن هذا كان ملك الشام الحارث الأعرج والله أعلم قال وهم تبع بإخراب المدينة فقالت له يهود إن هذا غير ممكن ولا أنت واصل إليه قال ولم قالوا لأنها مهاجر نبي يخرج من مكة فقبل [1] تبّع اليهود [ية] ودان بها وأخذ حبرين من أحبارهم معه إلى اليمن ومر بالبيت وكساه البرود وهو أوّل من كساه وفيه يقول اليمانون [خفيف]
وكسونا البيت الّذي كرّم الله ... ملاء معضدا [2] وبرودا
فلما قدموا اليمن اختلفوا عليه لمتابعته اليهود وكانت لهم
__________
[1] . فقتل
Ms.
[2] . معصدا
Ms.

(3/180)


[نار] [1] تخرج من جبل يتحاكمون إليها يزعمون أنها تصيب الظالم ولا تمس المظلوم والله أعلم ويشبه أنهم كانوا يقولون هذا القول على جهة التخويف فتحاكموا إليها فخرجت فأحرقت عبدة الأوثان وتركت الحبرين ومن معهما [107] فتهود خلق كثير من اليمن وعلى اليهودية أحرق الناس بقول الله عز وجل قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ النَّارِ ذاتِ الْوَقُودِ إِذْ هُمْ عَلَيْها قُعُودٌ 85: 4- 6 ثم ملك مرثد بن عبد كلال [2] إحدى وأربعين سنة وتفرق ملك حمير فلم يعد ملكهم اليمن وذلك في زمن اردشير الجامع فملك ذو فايش وذو مجن وذو نواس وذو الكلاع وذو رعين وذو عكيلان ثم ملك وليعة بن مرثد سبعا وثلاثين سنة وفي زمانه أرسل الله على سباء سيل العرم فبادوا ثم ملك ابرهة بن الصباح ثلاثاً وسبعين سنة ثم ملك حيان بن عمرو سبعا وخمسين سنة ثم ملك ذو شناتر [3] ولم يكن من أهل بيت الملوك ولكنه من أبناء المقاول وكان لا يسمع بغلام نشأ من أبناء المقاول
__________
Lacunedansl original. [1]
[2] . كلاب
Ms.
[3] . سناتر
Ms.

(3/181)


بعث إليه فأفسده حتى قتله ذو نواس وقصة ذلك أنه بلغه من ذي نواس ظرافة وملاحة فبعث إليه فأحضر وكان له ذؤابتان تنوسان على عاتقه وهو على دين اليهود. وهو صاحب الأخدود وكان قد خبأ سكينا صغيرة تحت ثيابه فلما راوده [1] على الفاحشة وخلا به وثب عليه ذو نواس وبعج بطنه وقتله فحمدت حمير مذهبه وملكوه على أنفسهم،،،
قصّة أصحاب الأخدود
روى محمد بن إسحاق عن وهب قال كان رجل من بقايا أهل دين عيسى يقال له فيمون [2] خرج من الشام مع سيارة من العرب فأخذوه وباعوه من أهل نجران وكان أهل نجران يعبدون نخلة لهم فقال لهم فيمون إن هذه النخلة لا تضر [3] ولا تنفع فلم تعبدون ولو دعوت ربي الذي أعبده لأهلكها قالوا فافعل فدعا فيمون ربه فجاءت ريح فجعفتها عن أصلها فاتبعه أهل نجران وآمنوا بعيسى وبلغ الخبر ذا نواس فسار إليهم بجنوده فحاصرهم زمانا ثم آمنهم فأعطاهم
__________
[1] . أراده
Ms.
[2] . قيمون
Ms.
[3] . يضرّ
Ms.

(3/182)


عهدا لا يغدر بهم إن هم نزلوا فلمّا نزلوا خد بهم الاخدود وأوقد فيه النار ثم جعل يجاء بفوج بعد فوج ويخيرون بين اليهودية والنار فمن أبى عليه قذفه في النار قالوا حتى أتي بامرأة معها صبي لها ترضعه فلما نظرت إلى النار ذعرت لذلك وكادت تعرض عن دينها فقال لها الصبي مه يا أماه امضي على دينك فإنه لا نار بعدها فرمى بالمرأة وابنها في النار قال بعضهم فجعل الله النار عليهما بردا وسلاما فكف ذو نواس عن ذلك ومضى رجل من أهل اليمن يقال له ذو ثعلبان إلى ملك الحبشة ومعه صحف محرقة من الإنجيل يستصرخه فبعث بجيش إلى اليمن وانهزم ذو نواس من بين أيديهم فخاض في البحر بفرس حتّى غرق وفيه يقول عمرو بن معديكرب [واف [؟]]
أتوعدني كأنك ذو رعين ... بأنعم عيشة أو ذو نواس
وكاين كان قبلك من نعيم ... وملك ثابت في الناس راسي
قديم عهده من عهد عاد ... عظيم قاهر الجبروت قاسي
فأمسى أهله بادوا وأمسى ... يحول في أناس من أناس
وانقضى ملك اليمن وغلبت الحبشة عليها وكان بين ملك أ

(3/183)


الرائش إلى هلاك ذي نواس ألف سنة وستمائة سنة وستون سنة وقد قيل في قصة الأخدود غير هذا وقد ذكرناه في كتاب المعاني ثم ملكت الحبشة وذلك في زمن قباذ وأنوشروان قالوا ولما قتل ذو نواس أهل نجران وأحرقهم وذهب صريخهم إلى النجاشي ملك الحبشة [107] يستنجده قال عندي رجال وليس عندي سفن فكتب إلى قيصر ملك الروم وبعث إليه بالأوراق المحرقة من الإنجيل يغريه بذلك ويحفظه ويسأله أن يعينه بالمعابر ليطلب بثأر دينهم فبعث إليه بسفن كثيرة فحمل النجاشي فيها جيشا كثيرا [1] إلى اليمن فلما سمع ذو نواس صنع مفاتيح كثيرة وتلقاهم بها وقال هذه مفاتيح كنوز اليمن خذوها واستبقوا الرجال والذرية فقبلوا منه ثم فرقهم في المخاليف والقرى وأعطاهم تلك المفاتيح وكتب إلى كل مقول في مخلاف إذا كان يوم كذا وكذا فاذبح كل ثور أسود عندك ففطنوا لذلك وقتلوا أولئك الحبشة في يوم واحد ولم ينج منهم إلا الشريد وبلغ النجاشي الخبر فبعث بسبعين ألف مقاتل وأمرهم أن لا يدعوا رجلا إلا قتلوه ولا بناء إلا هدموه فعلم
__________
[1] . عظيما
Correctionmarg.:

(3/184)


ذو نواس أنه لا طاقة له بهم فاستعرض البحر واقتحم اللجة وكان آخر العهد به [1] وجاءت الحبشة فاستولوا على اليمن ورئيسهم ابرهة الأشرم [2] فخربوا المدن وقتلوا الرجال وسبوا النساء والولدان ولم يبعثوا إلى النجاشي بشيء من ذلك فبعث النجاشي أرياط [3] في جيش كثيف للقاء أبرهة فاتعد للقتال يوما وتواقفا فغدر بارياط أبرهة وقتله ورفع النجاشي الخبر فزعج نفسه وحلف بالمسيح أن لا يكون له ناهية حتى يهريق دم أبرهة ويجز ناصيته ويطأ تربته ففزع لذلك أبرهة وارتاع وبعث إليه بهدايا والأموال وكتب إليه يستعينه ويستعطفه ويعتذر إليه من صنيعه بارياط وبعث إليه بقارورة من دمه وجراب من تربة أرضه وجزّة [4] من ناصيته وقال يطأ الملك التراب ويريق الدم ويجز الشعر فيبر قسمه بذلك فرضى عنه النجاشي وأعفاه واستجمع لأبرهة ملك اليمن فبنى كنيسة لم ير الناس مثلها في شرفها
__________
[1] . العهديّة
Ms.
[2] . الأثرم
Correctionmarg.:
[3] . ارباط
Ms.
[4] . جزّ
Ms.

(3/185)


وحسنها ونقشها بالذهب والفضة والزجاج والفسقيا [1] والألوان والأصباغ وصنوف الجواهر وسمّاها القليس وأمر الناس أن يجعلوا حجهم إليها ويتركوا حج مكة فجاء رجل من النساة [2] وقعد في كنيسه فغضب لذلك أبرهة وهم بغزو قريش وأوقد نارا لطعامهم فلمّا ارتحلوا عصفت الريح واشعلت النار وأحرقت القليس فعند ذلك خرج الأشرم بالفيل إلى مكة يهدم البيت،،،
قصة أصحاب الفيل
وسار بخيله ورجله يقدمهم الفيل لا يطأ بلدا إلا استباحهم وقتلهم فلقيه نفيل بن حبيب الخثعميّ وقاتله فهزمه أبرهة وأسره وكاد يقتله فقال أنا رجل دليل خرّيت للفوات فاستبقني يكن خيراً لك فتركه يدله وسار وبلغ الخبر قريشا فتحصّنت في الشعاب ورءوس الجبال ولم يتخلف بمكة غير عبد المطلب جدّ النبيّ صلع لأبيه وعمرو بن عائذ [3] بن عمران بن مخزوم جدّ النبيّ صلى الله عليه وسلم لأمه وجاء أبرهة حتى نزل عرفات وأرسل إلى أموال قريش فجمعها وساقها وأخذ لعبد
__________
[1] . والفسيفساء.
Ilfautlire: كذا وجدت في النسخةotationmarginale:
[2] . النساك
Ms.
[3] . عامر
Ms.

(3/186)


المطلب مائتي ناقة فجاء عبد المطلب يطلب إبله واستأذن على أبرهة فأذن له فلما دخل عليه رحب به وعظمه وقال [ما] حاجتك قال إبلي قال له أبرهة قد كنت فيك راغبا فزهدت تسألني إبلك وتترك بيتك الذي هو دينك فقال عبد المطلب أنا رب هذه الإبل وللبيت رب إن شاء منعه فلما أصبحوا جهزوا الجيش ووجهوا الفيل نحو الكعبة فلما بلغ الحرم برك وانصرف راجعا نحو اليمن [108] وَأَرْسَلَ 105: 3 الله عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبابِيلَ تَرْمِيهِمْ بِحِجارَةٍ من سِجِّيلٍ 105: 3- 4 كما ذكر الله عز وجل في القرآن فأهلكهم ووقعت الأكلة في جسد أبرهة فحمل إلى اليمن فهلك بها وفي هذه القصة اختلاف كثير في كيفية مجيء الطير وعدد الفيلة ووجود المعجزة في غير زمان نبي مبعوث فذكرناها في كتاب المعاني ولا معنى لإنكار من ينكر هذه القصة ويزعم أن القوم كان أحرقهم ثمار اليمن وأوباهم ماءها وهواءها فحصبوا أو جدروا فهلكوا ذلك أشيع فيهم وأفشى فيهم من أن يأتي عليه الكتمان ولهم فيه من الأشعار ما لا يعترض شك في صدقه فمنه قول عبد الله بن الزبعري [1] [كامل]
__________
[1] . عبد الله الزهرىّ
Ms.

(3/187)


فنكبوا عن بطن مكة أنها ... كانت قديما لا يرام حريمها
سائل أمير الجيش عنها ما رأى ... ولسوف ينبي الجاهلين حليمها
ستّون ألفا لم يؤوبوا أرضهم ... ولم يعش بعد الإياب سقيمها
ومنه قول الآخر [خفيف]
كاده الأشرم الّذي جاء بالفيل ... فولّى وجيشه مهزوم
فاستهلّت عليهم الطير ... بالجندل حتى كأنه مرجوم
وفي عام الفيل ولد رسول الله صلع والملك أنوشروان وعلى الحيرة النعمان بن المنذر ثم لما هلك [1] أبرهة ملك ابنه يكسوم [2] بن أبرهة اغتصب ريحانه بنت ذي جدن امرأة ذي يزن أبي مرة الفياض فاستنكحها وكانت ولدت لذي يزن سيف بن ذي يزن ثم ولدت لأبرهة وكان خرج ذو يزن إلى كسرى أنوشروان يستنجده ويستعينه على السودان وامتدحه بالحميرية فاعجب كسرى بقصيدته لما ترجمت له فواصله وحباه وقال سأنظر في أمرك وكان مقيما ببابه على شبه العبدة حتى هلك وشبّ
__________
[1] . ملك
Ms.
[2] . مكيسوم
Ms.

(3/188)


ابن ذي يزن ونشأ وهو يظن أنه ابن أبرهة فقال له مسروق لعنك الله ولعن أباك فرجع سيف إلى أمه وقال من أبي قالت أبرهة قال لا والله لو كان أبي أبرهة ما سبني ولا سبه مسروق فصدقته أمه الحديث وأن أباه ذهب إلى كسرى فما غيره فتهيأ الغلام وخرج إلى قيصر فشكا إليه فلم يشكه فجاء حتى أتى النعمان بن المنذر ملك الحيرة واستشاره في قصد كسرى فقال له النعمان إن لي عليه في كل عام وفادة فأقم حتى يكون ذلك ففعل ثم قدم معه إلى كسرى فاعترضه سيف بن ذي يزن وهو يسير فصاح أن لي عندك أيها الملك ميراثا فقال أنا ابن الشيخ الذي أتاك يستنجدك فاوعدته فعرف كسرى ذلك وسار حتى دخل القصر وجلس في الإيوان تحت التاج وكان تاجه مثل العقنقل العظيم معلقا بسلاسل من ذهب فلا يراه أحد إلا برك هيبة له واستأذن النعمان بن المنذر لسيف بن ذي يزن فأذن له فلما رأى كسرى خر ساجدا له من هيبته ثم قال غلبتنا على بلادنا [الأغربة] فجئتك لتنصرني ويكون ملك بلادي لك فقال بعدت بلادك مع قلة خيرها [1] وما كنت
__________
[1] . حرّها
Ms.

(3/189)


لأورط جيشاً من فارس ثم رق له كسرى لما ذكر حال أبيه ومقامه ببابه إلى أن مات وأمر له بعشر آلاف درهم وخلع فاخرة ودواب وقال الحق بلادك فإنك لا تزال أكثر قومك مالا فخرج سيف من عنده وجعل ينثر تلك الورق [108] وينهبها الناس فدعاه كسرى فقال تنثر حبائي وتنهب عطيتي فقال لم [1] آتك أيها الملك للمال وإنما آتيك للرجال وما تراب بلدي إلا من هذا يرغبه في بلاده فاستصوب كسرى ذلك من فعله وجمع المرازبة والموابذة واستشارهم في أمره فقالوا أيها الملك إن في سجونك رجالا قد حبستهم للقتل وهم أهل بأس وشدة وحدة فنرى أن تبعثهم معه فإن أصابوا كان لك وإن هلكوا فذاك ما أردت فأمر بمن في السجون فأحضروا فوجدوهم ثماني مائة رجل وكان فيهم أسوار يقال له وهرز يعد بعشرة آلاف إسوار في مكيدته وبأسه فاستعمله عليهم وحملهم في السفن حتّى خرجوا بساحل حضر موت وخرج سيف بن ذي يزن فأخذ على طريق البرّ وجمع من قومه من أطاعه إلى وهرز وهلك يكسوم وملك أخوه مسروق
__________
[1] . لم
Ms.

(3/190)


ابن أبرهة فسار إليهم في مائة ألف من الحبشة وحمير والأعاريب وأرسل إلى وهرز لقد غدرت بنفسك حين طمعت في ناحيتنا مع هذه الفئة القليلة وإن شئت أذنت لك فرجعت إلى بلادك وإن شئت أخرتك حتى تنظر في أمرك فقال وهرز بل نضرب بيننا أجلا لا يتعرض بعضنا لبعض حتّى ينقضي الأجل ففعلوا قالوا وركب ابن لوهرز يسير على فرس له تحيت عسكرهم فجع به فرسه فأسقطه وثارت الحبشة إليه فقتلته فأرسل إليهم وهرز أن قد نقضتم العهد واخفرتم الذمة ثم أمر بابنه فطرح في صعيد ينظر هو وأصحابه إليه ليدبرهم ولم يظهر جزعا ولا أسفا فلما انقضى الأجل خرج وهرز إلى السفن التي جاء فيها فأحرقها ودعا بكل ناد كان مع القوم وجمعهم وقال كلوا ثم أمر بما فضل فألقى في البحر وعمد إلى فراشهم ورحالهم كلها فأحرقها ثم قام فيهم خطيبا فقال أما ما أحرقت من سفنكم إلا وأردت أن أعلمكم أن لا سبيل إلى بلادكم فإن أطاق أحدكم أن يركب البحر بلا مركب فليعبر وأما ما ألقيت من زادكم فإني كرهت أن يطمع أحدكم أن يكون معه زاد يعيش به يوما واحدا فيفر طمعا في الحياة بذلك الزاد وأما

(3/191)


ما أحرقت من ثيابكم ومفارشكم وأثقالكم فانه كان يغيظني ان كانت الدائرة [1] عليكم أن يلبسها الحبشة ويفترشها بعدكم وإن ظفرتم لم تعدموا أمثالها وإن هلكتم فما حاجة الأموات إلى الأموال والمطارح والمفارش ثم قال أصدقوني يا قوم عن نفسكم فإن كنتم تحدثون أنفسكم بالفرار فأخبروني حتى أتكي على سيفي ولا أحتمل عار الدهر فقالوا جميعا نحن لك تبع وأنفسنا لك النّداء ثمّ هيأ عسكره وعباهم وقال أوتروا قسيكم ولم يكن رئي النشاب قبل ذلك باليمن وأقبل مسروق على فيل له وعلى رأسه تاج وبين عينيه ياقوتة حمراء وكان وهرز شيخا معمرا دهريا قد كل بصره من الهرم وسقط حاجباه على عينيه وفيه من بقية القوة ما لا يوتر قوسه غيره فعصب حاجبيه بعصابة وأوتر قوسه وقال أين ملكهم قالوا على فيل قال إنه على مركب ملك قالوا قد نزل من الفيل وركب فرسا قال نزل عن بعض الملك قالوا نزل عن الفرس وركب بغلا فقال بالفارسية أين كوذك خرست يعني ابن الحمار ذهب ملكه ثم قال لغلامه أخرج من الجعبة نشّابة وأنّ من رسمهم أن
__________
[1] . الديرة
Ms.

(3/192)


يكتبوا على نشابة اسم صاحبها وعلى أخرى [109] اسم أبيه وعلى الثالثة اسم الملك وعلى الرابعة اسم المرأة يتفألون بها ويتطيرون فأخرج الغلام نشابة فقال ما الذي هو مكتوب فقال اسم امرأتك فقال ردها واخرج أخرى فردها وأخرج أخرى فقال ما عليها فقال اسم امرأتك [قال] أنت المرأة وعليك طائر السوء خرجت من بلادك ولا همة لك غير النساء ردها وأخرج غيرها فردها وخرجت نشابة المرأة فتفأل بها وهو ربما كانوا يتطيرون وقال زنان زنان نضرب نضرب ثم قال إذا رميت فإن أصبت ملكهم فارموا حينئذ بالفترجان والفترجان أن يرمى الرجل خمس نشابات وإن أخطأت فلا يرمين أحدكم حتى آمره فتمعط في قوسه حتى ملأها نزعا ثم سرجها فأقبلت النشابة كأنها رشاء فصكت الياقوتة بين عيني مسروق فطارت فضاضا [1] وفلقت جبهته وتغلغلت في رأسه حتى خرجت من قفاه ولانت الحبشة وانتقضت صفوفهم ثم رموهم فترجانات فهزموهم وقتلوهم حتى كان الإسوار يسوق المائة والمائتين والثلاث مائة من الأسارى بين يديه وذكر أن رجلا ركض على جمل
__________
[1] . قصاصا
Ms.

(3/193)


له ثلاثة أيام والتفت إلى حقيبته فإذا فيها نشابة فقال أبعد ثلاث لا أم لك فظن أنها أتته من مسيرة ثلاثة أيام وصفت لوهرز اليمن ست سنين وكان فتحها سنة إحدى وأربعين من ملك انوشروان ورسول الله صلى الله عليه وسلم ابن سنة أو سنتين أو فوق ذلك ويقال بل كان ذلك في زمن هرمز بن انوشروان والله أعلم وفيه يقول أمية بن أبى الصلت [بسيط]
ليطلب الوتر أمثال ابن ذي يزن ... إذ رام في الحرب للأعداء أحوالا
فأمّ قيصر لما حان رحلته ... فلم يجد عنده بعض الذي سألا
حتى أتى ببني الأحرار يقدمهم ... إيه لعمري لقد أسرعت قلقالا
للَّه درهم من عصبة خرجوا ... ما إن أرى لهم في الناس أمثالا
بيض مرازبه غلب أساورة ... تربت في الغارات أشبالا
يرمون عن شدف [1] كأنها غبط [2] ... بزمخر [3] يعجل المرمى إعجالا
أرسلت أسداً على سود الكلاب فقد ... أضحى شريدهم في الأرض فلالا
واشرب هنيئا فقد شالت نعامتهم ... وأسئل اليوم من برديك أسبالا
تلك المكارم لا قعبان من لبن ... شيبا بماء فعاد بعد أبوالا
__________
[1] . سدق
Ms.
[2] . ع [؟] ط
Ms.
[3] . بزمجر
Ms.

(3/194)


قالوا وأقام سيف بن ذي يزن ملكا من قبل كسرى ووهرز له كالمعني والناصر إلى أن قتل وكان سبب قتله أنه أتخذ خولا لنفسه من الحبشة فخلوا به يوما في متصيدة فقتلوه ثم لما مات وهرز ملك ابنه البنجان بن وهرز ثم مات وبعث كسرى باذان فلم يزل عليها إلى أن بعث الله نبيّنا محمّد صلى الله عليه وسلم فاتبعه وآمن به،،،
وأما ملوك الحيرة والشام
فمن سبإ بقول الله عزّ وجلّ وَمَزَّقْناهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ 34: 19 زعموا أنه لما أحس عمرو بن عامر بسيل العرم قال أني قد علمت أنكم ستمزقون كل ممزق فمن كان منكم ذا هم بعيد وجمل [1] شديد [109] ومزاد [2] جديد فليلحق بكاش أو كروذ فكانت وادعة بن عمرو من كان بدن وامر ذعر [3] فليلحق بأرض شيث فكانت عوف بن عمرو من كان منكم يريد عيشا أنيسا وخرما آمنا فليلحق بالأزد [4] يعني مكة فكانت خزاعة ومن كان منكم يريد الراسيات في الوحل المطعمات في المحل فليلحق
__________
[1] . حمل
Ms.
[2] . مراد
Ms.
[3] . كذا في الأصل
otationmarginale:
[4] . بالأردن
Ms.

(3/195)


بيثرب ذات النخل فكانت الأوس والخزرج ومن كان منكم يريد خمرا وخميرا وذهبا [1] وحريرا وملكا وتأميرا فليلحق بكوفة [2] وبصرى وكانت غسان بنو جفنة ملوك العراق والشام وأول من ملك الحيرة مالك بن فهم بن غنم بن دوس الأزدي وكان ممن خرج من سبإ مع مزيقياء عمرو بن عامر في زمن اردشير الجامع أو بعده بقليل وفي كتب أهل الإسلام أن ذلك كان في الفترة والله أعلم وكان ملكه عشرين سنة ثم ملك بعده ابنه جذيمة بن مالك [3] الأبرش ويقال له الوضاح لبرص كان به وكان ولاه اردشير وكان ملكه ستّين سنة،،،
وهذه قصّة جذيمة الأبرش
زعموا أن منزل جذيمة الأبرش كان الانبار والحيرة وكان لا ينادم أحدا ذهابا بنفسه أن يكون له نظير وينادم الفرقدين فإذا شرب قدحا صبّ لهذا قدحا ولهذا قدحاً وكان له أخت مكينة عنده يقال لها رقاش أم عمرو وكان أخص خدمه وأقربهم من لخم يقال له عدىّ بن نصر بن الساطرون صاحب الحضر بأرض الجزيرة ملك السريانيّين
__________
[1] . حمرا وحميرا ودهبا
Ms.
[2] . [؟] كوفن
Ms.
[3] . بن
Ms.Ajoute

(3/196)


فعشقته رقاش أخت الجذيمة وحملت منه فلما خافت الفضيحة قالت لعدي أخطبني من الملك إذا سكر ففعل ذلك فزوجه ودخل بها فلما صحا جذيمة ندم فأمر بعدي فضرب عنقه وظهر الحمل برقاش فقال لها جذيمة اصدقينى رقاش لا تكذبيني بحر حملت أم بهجين أم لدون فأنت أهل لدون فقالت حملت ممن زوجتني به فلم يلبث أن ولدت عمرو بن عدي فبناه [1] جذيمة وعطف عليه فلما نشأ استهوته الجن فتاه في الأرض فجعل جذيمة لمن أتى به حكمه فخرج في طلبه رجلان يقال لأحدهما مالك والآخر عقيل ولم يزالا يطلبانه حتى أتيا به فقال لهما جذيمة احتكما فقالا ننادمك ما عشت فنادماه أربعين سنة وفيه يقول متمّم بن نويرة [طويل]
وكنا كندماني جذيمة حقبة ... من الدهر حتى قيل لن يتصدّعا
وقال الآخر [طويل]
ألم تعلمي أن قد تفرّق قبلنا ... نديما صفاء مالك وعقيل
وكان لعمرو طوق من ذهب صيغ له في صباه فلما ردّوه همّت
__________
[1] . فبينا
Ms.

(3/197)


أمه أن ترد عليه الطوق فقال جذيمة شب عمرو عن الطوق فذهب كلامه مثلا وكانت بأرض الجزيرة ملكة يقال لها الزباء من قبل صاحب الروم فخطبها جذيمه ونهاه غلام له عن نكاحها يقال له قصير فعصاه ونكحها وقال لا ينكح الملك إلّا الملكة فذهبت مثلا فلمّا دخل بها غدرت به فقتلته فقال غلامه لا يطاع لقصير أمر فذهبت مثلا ثم ملك بعده عمرو بن عدي ابن أخت جذيمة واحتال قصير في الطلب بثأر جذيمة فأمر عمرو حتى جزعه وصلمه ثم خرج هاربا إلى الزباء يشكو عمرا وأنه اتهمه في قتل خاله فضمته الزباء إليها وولته أعمالها ثم سألها أن تبعثه إلى هجر [110] ليأتيها من بضاعتها وتجارتها فأرسلته بمال بعد ما وثقت بناحيته وأمنت غائلته فجاء قصير على الإبل فافتك بها فاقعد رجالا شاكين في السلاح في الصناديق وحمل الصناديق على ظهر الإبل وأقبل قصير بالعير فأشرفت الزباء من فوق قصرها ويقال كانت كاهنة فقالت [رجز]
ما للجمال مشيها وئيدا ... أجندلا يحملن أم حديدا
أم صرفانا باردا شديدا ... أم الرجال جثما قعودا

(3/198)


فلما دخلت الإبل القصر خرج الرجال بأيديهم السيوف فهربت الزباء إلى نفق لها تحت الأرض كانت أعدته للحوادث فوجدت عمرو بن عدي قد كمن على فوهة السرب فأيقنت بالهلاك فمصت خاتمها وكان مسموما وقالت منيتي بيدي فذهبت مثلا وفيه يقول الدريدىّ [رجز]
فاستنزل الزباء قسرا وهي من ... عقاب لوح الجو أعلى منتمى
فلم يزل الملك في بنى عمرو بن عدي حتى كان زمن قباذ بن فيروز بن يزدجرد الأثيم فجاء الحارث بن عمرو بن حجر الكندي آكل المرار ودخل في دين المزدكية فولاه قباذ الحيرة فجاء حتى قتل المنذر بن ماء السماء وبعث ابنه حجر بن الحارث أبا امرئ القيس الشاعر على بني أسد فلما ملك أنوشروان ردّ ملك العرب إلى المنذر بن امرئ القيس بن عمرو بن عدي ثم ملك امرؤ القيس بن عمرو بن عدي ثم ملك ابنه النعمان بن امرئ القيس وهذا هو النعمان الأكبر الذي بنى الخورنق والسدير في عهد بهرام جور وكان خاصته فساح في الأرض ذكروا أنه أشرف من الخورنق في زمن الربيع فنظر نحو المشرق حتى

(3/199)


رجع نظره حسيرا عن أقاصي بلوغ خيله ونعمه فقال لمن هذا فقالوا لك أبيت اللعن ثم نظر نحو المغرب إلى بياض أنهار جارية وجنان زاكية [1] فقال لمن هذا فقالوا لك أبيت اللعن فقال فهل أوتي أحد مثل هذا فقام رجل من الرابضة والرابضة بقية من أهل العلم لا تخلو الأرض منهم فقال أبيت اللعن إنما أعجبت بفان لا يبقى وزائل لا يدوم قال فكيف المخرج فقال العمل بطاعة الرب والتخلي عن الدنيا قال فإذا فعلت ذاك فمه قال ملك دائم لا يزول ومقام ليس بعده شخوص وحياة لا تموت قال فإذا كان وقت السحر فأقرع على بابي فأتاه الرجل للوقت فإذا هو قد صب على نفسه استياحا فساح معه حتى لحقا باللَّه ويذكره عدي بن زيد في قصيدة طويلة [خفيف]
وتأمّل ربّ [2] الخورنق إذ أشرف ... يوما وللهدى تفكير
سره ما رأى وكثرة ما يملك ... والبحر معرضا والسدير
فارعوى قلبه فقال وما ... غبطة حىّ إلى الممات يصير
__________
[1] . راكية
Ms.
contraireaumetre. [2] بن وتأمّل ربّ Ms.

(3/200)


وأخو الحضر إذ بناه وإذ دجلة ... تجبى إليه والخابور
شاده مرمرا وجلّله كلسا ... فللطير في ذراه وكور
لم تهبه ريب المنون فباد ... الملك عنه فبابه مهجور
[110] أين كسرى كسرى الملوك ... أنوشروان أم أين قبله شابور
وبنوا الأصفر الكرام ملوك ... الرّوم لم يبق منهم مذكور
أيها الشامت المعير بالدّهر ... [أ] أنت المبرأ الموفور
أم لديك العهد الوثيق من الأيّام ... [بل] أنت جاهل مغرور
أم رأيت المنون أبقين أم من ... ذا عليه من أن يضام خفير
ثم بعد الفلاح والخير والأمّة ... وارتهم هناك القبور
ثم صاروا كأنهم ورق جفّ ... وألوت بها الصّبا والذّبور
ثم ملك المنذر بن النعمان وأمه يقال لها ماء السماء لحسنها وجمالها ويقال لمزيقيا أيضا ماء السماء لأنه إذا كان قحط اجتنى فأقام ماله مقام القطر ويقال هذا أبو عامر ولّاه أنوشروان بعد ما كان أبوه قباذ الملك ولي الحارث بن عمرو بن حجر المعصوب،،،
وهذه قصة الملك المعصوب [1] في زمن قباذ
ذكروا أنه لما ولاه
__________
[1] . المقصور
Ms.

(3/201)


قباذ العرب كلها استعمل ابنه حجر بن الحارث أبا امرئ القيس الشاعر على بني أسد فكان يأخذ من كل واحد منهم في كلّ عام جزّة من صوف وجراب أقط ونحيا من سمن فلما ضعف أمر قباذ وخلعته المزدكية منعوه إتاوتهم فقتل أربعين من سرواتهم بالعصى فسموا عبيد العصا ثم وثبوا عليه فقتلوه وكان قد طرد ابنه إمرأ القيس [1] لقوله الشعر فلما قتل أبوه مر إلى قيصر يستنصره على بني أسد فهويته ابنة قيصر وكان رجلا طوالا جميلا ويقال أنه خالف إليها فصرفه قيصر ووعده أن يتبعه الجيوش فلمّا كان بأنقرة منزل بالشام بعث إليه بثياب مسمومة فلما لبسها تساقط لحمه فأيقن بالهلاك وقال رب قصيدة مثعنجرة وخطبة مسحنفرة تبقى غدا بأنقرة ثم أنشأ يقول [طويل]
أجارتنا إنا [2] غريبان هاهنا ... وكل غريب للغريب نسيب
أجارتنا إنا [2] مقيمان هاهنا ... وأني مقيم ما أقام عسيب
وأنشد قصيدته السينية التي يقول فيها [طويل]
فلو أنها نفس تموت سوية ... ولكنها نفس تساقط أنفسا
__________
[1] . امرئ القيس
Ms.
[2] . انّ
Ms.

(3/202)


ومات وكان امرؤ القيس عند خروجه إلى قيصر أودع السموأل ابن عادياء اليهودي شكة مائة رجل فلما مات امرؤ القيس جاء الحارث بن جبلة الغساني ملك الشام يطلبها منه فأبى السموأل أن يعطيه شيئا دون أمر وليه وتحصن منه فأخذوا أبنا له فقتلوه وهو ينظر إليه من القصر ولم يغدر بمال امرئ القيس فذكره الأعشى في قصيدته [بسيط]
كن كالسّموأل إذ سار الهمام له ... بجحفل كسواد الليل جرار
[111] فقال غدر وثكل أنت بينهما ... فاختر فما منهما حظ بمختار
فشك غير قليل ثم قال له ... اذبح هديك إني مانع جاري
ثم ملك عمرو بن المنذر وأمه هند بنت الحارث بن عمرو الكندي ويقال له عمرو بن هند يضرط الحجارة لشدة وطأته وإلحاحه في المضايقة ويقال له أيضا المحرق لأنه أحرق قوما،،،
وهذه قصة عمرو بن هند
ذكروا أن ناسا من بني دلم أصابوا ابنا لعمرو خطاء فآلى ليحرقن منهم مائة فأحرق منهم ثمانية وتسعين رجلا ولم يصب منهم غيرهم ثم أكملهم بامرأة نهشليّة

(3/203)


ورجل من البراجم ولذلك قيل في المثل إن الشقى وافد البراجم وقد ذكره الدريدي في قصيدته يصف ملوكا فقال فلان ثم فلان ثم ابن هند باشرت نيرانه يوم أوارة [1] تميما بالصلا وعمرو هذا قتل طرفة وأفلت المتلمّس فقال [كامل]
أودى الّذي علق الصحيفة منهما ... ونجا حذار حياته المتلمس
ثم ملك بعده النعمان بن المنذر بن امرئ القيس أبو قابوس صاحب النابغة وهو الذي قتل عبيد بن الأبرص الشاعر وعدي ابن زيد العبادي فقتله كسرى ابرويز،،،
وهذه قصة النعمان بن المنذر أبي قابوس
ذكروا أنه كان له يومان يوم بؤس لا يرى فيه أحدا إلا قتله ويوم نعمى لا يرى فيه أحدا إلا وصله فأتاه عبيد بن الأبرص في بؤسه وهو لا يعلم به وقد امتدحه بقصيدة فلما أخبر بسوء اختياره في لقائه ذلك اليوم أرتج عليه الكلام ثم لما قدم للقتل قيل أنشد قصيدتك قال حال الجريض دون القريض فذهبت مثلا فضربت عنقه وأما عدي بن زيد وكان ترجمان كسرى أبرويز وكاتبه بالعربيّة
__________
[1] . اوارات
Ms.

(3/204)


وهو الذي سعى في أمر النعمان ووصف لأبرويز منه جلادة وغناء حتى ولاه العرب فكره النعمان أن يكون لأحد عليه منة له أو صنيعة عنده فحبسه وجعل يقول الشعر في حبسه ويعظه ويستعطفه وكان أحد الحكماء من قراء الكتب فلم ينفعه شيء من ذلك وقتله أخريا فاحتال ابنه زيد بن عدي بن زيد حتى توصل إلى ابرويز أخذ مقام أبيه في الترجمة والكتابة وكان أبرويز شعفا بالنساء وقرأت في تأريخ اليمن أنه كانت عنده يوم قتل اثنتي عشر ألف امرأة وجارية فذكر زيد بن عدي نساء آل المنذر بالجمال والكمال فكتب إليه ابرويز بأن يبعث إليه من جوارى العرب ويقال بل خطب إليه بعض نسائه فلما قرأ النعمان الكتاب قال وما يصنع الملك بعربان البوادي بادية العراقيب أين هو عن مها السواد أن للملك فيهن لمندوحة وأجاب عن الكتاب فحرف زيد بن عدي الكلام عن وجهه والعرب يسمّون النساء المها والبقر والظباء والنعاج وقال يقول النعمان أن في بقر السواد لمندوحة فغضب ابرويز وبعث في طلب النعمان فهرب النعمان فاستودع شكته وعياله هاني بن مسعود وبعث ابرويز جيشا يحمل تلك الشكّة

(3/205)


فأبى هاني أن يسلمها إليهم وقاتلهم وهزمهم وهذه الوقعة تسمى [1] يوم ذي قار ثم رجع النعمان إلى ابرويز فلقيه زيد بن عدي فقال له أنت فعلت هذا يا زييد والله لئن بقيت لأسقينك بكأس أبيك فقال أنج نعيم ولقد وضعت لك آخية لا يقطعها المهر الآرن ثم أمر ابرويز بالنعمان فطرح تحت أرجل للقبلة [111] بعد ما حبس زمانا وفيه يقول الشاعر
بين فيول الهند تخبطته ... مختبطا تدمى نواحيه
وفيه يقول الأعشى [طويل]
هو المدخل النعمان بيتا سماؤه ... نحور فيول بعد بيت مسردق
وقد ذكر هذه القصة في موضع آخر ثم خرج الملك عن آل المنذر وولي ابرويز اياس بن قبيصة [2] الطائي وشهرام الفارسي ومات اياس بعين التمر وفيه يقول زيد الخيل [طويل]
فإن يك رب القوم خلى مكانه ... فكل نعيم لا محالة زائل
ثم ولي المنذر بن النعمان بن المنذر فأجلاهم العلاء بن الحضرميّ
__________
[1] . يسمّى
Ms.
[2] . قضة
Ms.

(3/206)


عن البحرين في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم واستمر بهم الانتقاض للإسلام إلى [أن] فتح السواد سعد بن أبي وقاص زمن عمر بن الخطّاب رضي الله عنهما وجفنه هو عمرو بن عامر مزيقياء [1] وولد جفنة آل العنقاء وآل محرق فهم آل غسّان بالعراق والشام فأوّلهم الحارث بن عمرو الغساني ويقال له الحارث الأكبر ثم ملك الحارث بن أبي شمر وهو الحارث الأعرج وأمه مارية ذات القرطين وسار إليه المنذر بن ماء السماء في مائة ألف فوجه إليهم لبيد بن ربيعة الشاعر وهو غلام فأظهر أنه بعثه للصلح فأحاطوا بهم وهم غارون غافلون فأصابوا منهم وهزموهم وأسروا منهم خلقا كثيرا فأتوا بهم فسأله النابغة الذبياني أن يطلق عنهم ففعل وأتاه يمدح علقمة بن عبدة في إطلاقه عن الأسارى [طويل]
إلى الحارث الوهاب أعملت ناقتي ... لكلكلها والقصريين وجيب
وفي كل حي قد خبطت بنعمة ... وحق لشاس من نداك ذنوب
فقال الحارث نعم واذنبه ثم ملك الحارث الأصغر بن الحارث
__________
devantcenom. [1] بن.Lems.ajoute كذا وجدت Notemarginale:

(3/207)


الأعرج بن الحارث الأكبر وفيهم يقول النابغة الذبيانيّ [سريع]
هذا غلام حسن وجهه. ... مستقبل الخير سريع التمام
للحارث الأكبر والحارث ... الأعرج والأصغر خير الأنام
وكان آخر ملوكهم جبلة بن الأيهم أسلم في عهد عمر بن الخطّاب رضي الله عنه ودخل الروم وانقضى ملكهم وأول من دخل الشام سليح وهم من غسان ويقال من قضاعة فدانت بالنصرانية وملك عليها ملك الروم رجلا يقال له النعمان بن عمرو بن مالك ثم ملك بعده ابنه مالك بن النعمان ثم ابنه عمرو بن مالك ولما خرج عمرو بن عامر مزيقياء [1] من اليمن تفرّق ولده في البلاد فصار إلى جفنة ملوك الشام هذا ما حفظ من تواريخ ملوك هذه الأقاليم ولا بد أن للهند والروم انتساقا [2] وتأريخا وكذلك الصين لكن لم نر العلماء تكلفوا ذلك ولا ذكروه في كتبهم فقد تصعب جميع أيام ملك وبلد واحد وشخص واحد ويفوت الضبط وقوع الاختلاف فيها فيما يحفظ ويحكى فكيف أيام ملوك الأرض ومن يحصيها إلا الله عز وجل ولعمري أن فيما
__________
[1] . بن
etajoute مرتقياءMs.
[2] . إنسانا
Ms.

(3/208)


ذكرنا موعظة وعبرة وتأديبا وتنبيها ويزعم قوم من المنجمين أن الملك ثابت في بيت رجل واحد بإقليم الصين مذ كذا وكذا ألف ألف سنة فمن يتحقق ذلك مع ما يرى من سرعة الانتقال في إقليمنا وتشوش أحوال مالكيها والله أعلم وقد ذكر شيء من تواريخ [112] ملوك الروم واليونانيين [1] مجردا من الأخبار والقصص وما أرى فيه كثير فائدة وقد حفظ من أيام دارا الأكبر وهو أول من وظف من ملوك فارس القديمة على الروم وأخذها من فليقوس أبي الاسكندر وكان يلي اليونانيين وملك الاسكندر بعد أبيه الروم وخرج فاستولى على الأرض وقتل دارا الأصغر وغصب بين ملوك المشرق ثم ملك بعده خليفته بطليموس الأديب وبطليموس بلغة يونان الملك ثم ملك بعده بطليموس لغوس محب الأخ وهو الذي غزا بني إسرائيل بأرض فلسطين فسباهم ثم أطلق عنهم وردهم إلى بيت المقدس ثم ملك بعده بطليموس الصانع [2] ثم بطليموس محب الأب ثم بطليموس الظاهر وهو صاحب علم النجوم ثم بطليموس المخلص ثم ثم ثم عشرة أنفس كلّهم ملوك وكلّهم
__________
[1] . واليونانيون
Ms.
[2] . الصايغ
Ms.

(3/209)


بطليموس وتسعة رجال وعاشرهم امرأة فهولاء الكفار كانوا ملوك اليونانيّين،،،
وأما ملوك الروم
قال العرب تسميهم القياصرة والهراقل فأول من تحرك منهم بعد الاسكندر في زمان الأشغانيين قسطنطين المظفر [1] وكان هم بغزو فارس كما فعل الاسكندر فجمع ثلاثون وأربع مائة ألف من مقاتل من جنود ملوك الطوائف وغزوا الروم فاثخنوا فيهم ووظفوا عليهم الفدية فذاك حملهم إلى بناء قسطنطينية وإنما نسب إلى قسطنطين لأنه بناها وكان ملك قبله وبعد الاسكندر عدة ملوك فلم يتعرض الفارس منهم غير اسيانس الذي غزا بني إسرائيل بعد ارميا النبي فقتلهم وسباهم ومنهم افطنجس وكان أنجس منه وأنحس وهو الذي بنى إنطاكية ويقال أن أول من ملك الروم بعد الاسكندر بلافس ثم سليفيس ثم افطنجس ثم ظهر عيسى عم بأرض الشام والملك هرادس ولا أدري من كان يملك الروم يومئذ ثم ملك طباريس بعد ما رفع عيسى عم ونصب الأوثان ودعا الخلق إلى
__________
[1] . من اليظفور لا من الظفر لأنّ لكافر.
otationmarginale: النجس لا يليق أن يقال له مظفّر

(3/210)


عبادتها وكان ينزل الرومية ثم ملك بعده فيلوذيس فقتل النصارى وقتل شمعون الصفا صخرة الإيمان والنصارى يرونه نبيّا ثم ملك ططوس بن اسفيانس فغزا بني إسرائيل وقتلهم وسباهم وخرب بيت المقدس حتى لم يبق حجر على حجر ولم يزل خرابا إلى أن قام الإسلام وهو إحدى المرتين اللتين وعد الله خرابه فقال لَتُفْسِدُنَّ في الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيراً 17: 4 ومن ثم في قول بعض أهل العلم وقعت قريظة والنضير إلى أرض الحجاز فتولوا يثرب وتنصرت الروم بأسرها وأراه في زمن ططوس أو بعده ثم تركت النصرانية في زمن قسطنطين وعبدت الأوثان ثم عادت إلى النصرانية بعده وقد اختلفت بهم الأحوال في الدين بعد عيسى عم إلى أن قام الإسلام غير مرة وكان ملكهم في عهد النبيّ صلى الله عليه وسلم هرقل وكان ملكه شهرابراز عامل ابرويز ثم من كان منهم في الإسلام إلى يومنا هذا فمحفوظة أسماءهم وآثارهم في كتب الأخبار والفتوح والله الملك الدائم والسلطان لا يسلب،،،
تمّ الجزء الثالث

(3/211)