التدوين في أخبار قزوين
من ورد قزوين من
التابعين رضي الله عنهم أجمعين
...
وأما التابعون
فمنهم إبراهيم بْن يزيد بْن عمر والنخعي أبو عمران ورفع الخليل
(1/87)
الحافظ في نسبه فقال إبراهيم بْن يزيد بْن
عمرو بْن ربيع بْن حارثة بْن سعد ابن مالك وذكر أنه ورد قزوين وقال ثنا
مُحَمَّد بْن إسحاق بْن مُحَمَّد الكيساني أنبأ أبي ثنا أبو حاتم
الرازي ثنا محبوب بْن موسى والمسيب بْن واضح قالا نبأ أبو إسحاق
القزاري عن سليمان الأعمش.
قَالَ: كان عَبْد الرحمن بْن يزيد وإبراهيم النخعي وعمارة بْن عمير
يغزون في أيام الحجاج قلت: أين كانوا يغزون؟ قَالَ: طبرستان والديلم
وغير ذلك فقال رجل: كانوا يكرهون على ذلك, قَالَ: لا كانوا يخفون فيه
ويعجبهم ذلك وأدرك إبراهيم عائشة وأنسا رضي اللَّه عنهما وروي عن علقمة
ومسروق وخالد الأسود بْن يزيد وروي عنه الحكم ومنصور وسلمة ابن كهيل
وتوفي سنة ست وتسعين متواريا من الحجاج ودفن ليلا ويقال أنه لم يكن في
جنازته إلا سبعة رجال وحمل الإمام البخاري ما روي أنه بلغ موت الحجاج
فخر ساجدا على أنه سمع به ولم يكن كما أسمع ويروى أن الشعبي لما بلغه
موت إبراهيم قَالَ: مات رجل ما ترك بعده مثله بالكوفة ولا بالبصرة ولا
بالمدينة ولا بالشام.
كَتَبَ إِلَيْنَا أَبُو الْفَتْحِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْبَاقِي
وَقَرَأْتُ عَلَى يُوسُفَ بْنِ عُمَرَ بِسَمَاعِهِ مِنْهُ قَالَ
أَنْبَأَ أَبُو الْفَضْلِ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ خَيْرُونَ
أَنْبَأَ أَبُو عَلِيٍّ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَسَنِ
بْنِ شَادَانَ أَنْبَأَ أَبُو بَكْرِ بْنُ كَامِلٍ ثَنَا الْقَاسِمُ
بْنُ الْعَبَّاسِ ثَنَا زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى الْخَرَّازُ ثَنَا
إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبَّادٍ ثَنَا شَرِيكٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ
إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: خَرَجَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ مَنْ
بَيْتِ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ وَأَتَى بَيْتَ أُمِّ سَلَمَةَ وَكَانَ
يَوْمُهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه واله وسلم.
(1/88)
فَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ جَاءَ عَلِيٌّ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ فَدَقَّ الْبَابَ دقا خفيفا فأثبت النبي الدَّقَّ
وَأَنْكَرَتْهُ أُمُّ سَلَمَةَ فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عليه واله وَسَلَّمَ "قُومِي فَافْتَحِي لَهُ" قَالَتْ: يا
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ واله وسلم مَنْ هَذَا الَّذِي
بَلَغَ مِنْ خَطَرِهِ مَا أَفْتَحُ لَهُ الْبَابَ أَتَلْقَاهُ
بِمَعَاصِمِي وَقَدْ نَزَلَتْ فِيَّ آيَةٌ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ
تَعَالَى بِالأَمْسِ فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ كَهَيْئَةِ الْمُغْضَبِ: "أَنَّ طَاعَةَ
الرَّسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وسلم كَطَاعَةِ
اللَّهِ وَمَنْ عَصَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ
وسلم فَقَدْ عَصَى اللَّهَ.
"إِنَّ بِالْبَابِ رَجُلا لَيْسَ بِنَزِقٍ وَلا غَلِقٍ يُحِبُّ اللَّهَ
وَرَسُولَهُ وَيُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ لَمْ يَكُنْ لِيَدْخُلَ
حَتَّى يُقْطَعَ الْوَطَا" قَالَتْ: فَقُمْتُ وَأَنَا أَخْتَالُ فِي
مِشْيَتِي وَأَنَا أَقُولُ بَخٍ بَخٍ مَنِ الَّذِي يُحِبُّ اللَّهَ
وَرَسُولَهُ وَيُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ فَفَتَحْتُ الْبَابَ
فَأَخَذَ بِعُضَادَتَيِ الْبَابِ حَتَّى إِذَا لَمْ يُسْمَعْ حَسِيسًا
وَلا حَرَكَةً وَصَبَرْتُ فِي خِدْرِي اسْتَأْذَنَ فَدَخَلَ فَقَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: "يَا
أُمَّ سَلَمَةَ أَتَعْرِفِينَهُ؟ " قَالَتْ: نَعَمْ يَا رَسُولَ
اللَّهِ.
هَذَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: "صَدَقْتِ سَيِّدٌ أُحِبُّهُ
لَحْمُهُ مِنْ لَحْمِي وَدَمُهُ مِنْ دَمِي وَهُوَ عَيْبَةُ عِلْمِي
اسْمَعِي وَاشْهَدِي وَهُوَ قَاتِلُ النَّاكِثِينَ وَالْمَارِقِينَ
وَالْقَاسِطِينَ مِنْ بَعْدِي فَاسْمَعِي وَاشْهَدِي وَهُوَ قَاصِمُ
عُدَاتِي فَاسْمَعِي وَاشْهَدِي لَوْ أَنَّ عَبْدًا عَبَدَ اللَّهَ
أَلْفَ عَامٍ وَأَلْفَ عَامٍ وَأَلْفَ عَامٍ بَيْنَ الرُّكْنِ
وَالْمَقَامِ ثُمَّ لَقِيَ اللَّهَ تَعَالَى مُبْغِضًا لِعَلِيِّ بْنِ
أَبِي طَالِبٍ وَعِتْرَتِي أَكَبَّهُ اللَّهُ عَلَى مِنْخَرَيْهِ
يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ".
تخفيف الدق أدب ليلا ينزعج من في البيت وقوله: أثبت الدق
(1/89)
أي أعرف أنه دق من يقال أثبت وتثبت والمعصم
موضع السوار من اليد وقولها نزلت فِيَّ آيَةٌ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ
تعالى يمكن أن يريد به آية الحجاب ويناسبه قولها أتلقاه بمعاصمي ويمكن
أن يريد الآيات الواردة في فضيلة زوجات النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَآلِهِ وَسَلَّمَ ويناسبه استبعادها فتح الباب له وعلى التقديرين
المعنى في وفي مثلي.
النزق الطياش يقال: نزق ينزق أي طاش ويقال غلق الرجل أي غضب والغلق
الذي يغضب كثيرا ويجوز أن يكون اللفظ ولا علق بالعين يقال: علق به
وعلقه إذا هو به ويقال نظرة من ذي علق أي ذي هوى يعني أنه ضابط لنفسه
يعرف أدب الدخول ووقته وقولها وأنا أختال في مشيتي.
يجوز أن يكون الاختيال تعجبها مما وصف به النبي صلى اللَّه عيه وآله
وسلم الدق به ويجوز أن يكون السبب بتججها بفتح الباب لمن وصفه به وحسيس
الشيء حسه ويقال أراد بالمناكثين الذي بغوا على علي رضي اللَّه عنه
وبالمارقين الخوارج قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ
يمرقون من الدين وبالقاسطين1 الكفار قَالَ تعالى: {وَأَمَّا
الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً} .
يروى عن كلام إبراهيم رحمه الله أنه قال استتماز رجل من رجل به بلاء
فابتلي به استماز منه أي تحاشى وتباعد وأصله من الميز وهو الفصل
__________
1 المراد بالناكثين الزبير وطلحة واتباعهما، وبالمارتين الخوارج،
وبالقاسطين معاوية واتباعه - راجع التعليقات.
(1/90)
بين الشيئين يقال من ذا من ذا قَالَ
النابغة.
ولكنني كنت امرأ لي جانب ... من الأرض فيه مستماز ومذهب
أويس القرني أبو عمرو يقال هو أويس بْن أنيس ويقال أويس ابن عامر ويقال
أويس بْن عمرو وذكره الحافظ أبو عَبْد اللَّه بْن منده في كتاب معرفة
الصحابة فقال أويس بْن أنيس ويقال: ابن عامر وهو منسوب إلى قرن بفتحتين
بْن ردمان بْن ناجية بْن مراد كذلك نقل أبو الحسن الدارقطني الحافظ
والحفاظ وأما قرن الذي هو أحد المواقيت فالراء منه ساكنة على الصحيح
وادعى الجوهري في صحاح اللغة أن الراء منه متحركة وأن أويسا منسوب إليه
ولا يكاد يثبت وقد ورد في الخبر أن أويسا خير التابعين.
أَنْبَأَنَا يَحْيَى بْنُ ثَابِتِ بْنِ بُنْدَارٍ عَنْ أَبِيهِ
أَنْبَأَ الْقَاضِي أَبُو الْحُسَيْنِ أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ أَنْبَأَ
أَبُو حَفْصِ بْنُ شَاهِينَ نَبَّأَ عَبْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ نَبَّأَ
إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ الكَوْسَجُ نَبَّأَ عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ
ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ الْجُرَيْرِيِّ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ
عَنْ أَسِيرِ بْنِ جَابِرٍ عَنْ عُمَرَ بْن الخطاب رضي اللَّه عنه
أَنَّهُ قَالَ لأُوَيْسٍ اسْتَغْفِرْ لِي قَالَ: وَكَيْفَ أَسْتَغْفِرُ
لَكَ وَأَنْتَ صَاحِبَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه واله
وَسَلَّمَ فَقَالَ إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "خَيْرُ التَّابِعِينَ رَجُلٌ
يُقَالُ لَهُ أُوَيْسٌ". أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ مِنْ
حَدِيثِ زُهَيْرٍ وَابْنُ الْمُثَنَّى عَنْ عَفَّانَ.
رَوَى لنا غَيْرُ وَاحِدٍ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ أَحْمَدَ عَنْ أَبِي
نُعْيَمٍ ثَنَا أبي حامد
(1/91)
ابن مَحْمُودٍ ثَنَا سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ
ثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْحَرَّانِيُّ ثَنَا مُحَمَّدُ
بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُبَيْدٍ حَدَّثَنِي مَخْلَدُ بْنُ يَزِيدَ
عَنْ نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عن الضحاك ابن مُزَاحِمٍ عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ قَالَ: بيننا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ واله
وَسَلَّمَ فِي حَلَقَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ إِذْ قَالَ: "لَيُصَلِّيَنَّ
مَعَكُمْ غَدًا رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ".
قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَطَمِعْتُ أَنْ أَكُونَ ذَلِكَ الرَّجُلَ
فَغَدَوْتُ فَصَلَّيْتُ خَلْفَ النبي فَأَقَمْتُ فِي الْمَسْجِدِ
حَتَّى انْصَرَفَ النَّاسُ وَبَقِيتُ أَنَا وَهُوَ فَبَيْنَا نَحْنُ
كَذَلِكَ إِذْ أَقْبَلَ رَجُلٌ أَسْوَدُ مُتَّزِرٌ بِخِرْقَةٍ مُرْتَدٍ
بِرُقْعَةٍ فَجَاءَ حَتَّى وَضَعَ يَدَهُ فِي يَدِ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عليه واله وَسَلَّمَ ثُمَّ قَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ
ادْعُ لِي فَدَعَا لَهُ النبي بِالشَّهَادَةِ وَإِنَّا لَنَجِدُ مِنْهُ
رِيحَ الْمِسْكِ الأَذْفَرِ.
فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ أَهُوَ هُوَ؟ قَالَ: "نَعَمْ إِنَّهُ مَمْلُوكُ
بَنِي فُلانٍ " قُلْتُ: أَفَلا تَشْتَرِيهِ فَتَعْتِقَهُ يَا نَبِيَّ
اللَّهِ؟ قَالَ: "وَأَنَّى لِي ذَلِكَ إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ
يَجْعَلَهُ مِنْ مُلُوكِ أَهْلِ الْجَنَّةِ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ إِنَّ
لأَهْلِ الْجَنَّةِ مُلُوكًا وَسَادَةً وَأَنَّ هَذَا الأَسْوَدَ
أَصْبَحَ مِنْ مُلُوكِ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَسَادَتِهِمْ يَا أَبَا
هُرَيْرَةَ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ مِنْ خَلْقِهِ الأَصْفِيَاءَ الشعثة
رؤوسهم الْمُغْبَرَّةَ وُجُوهِهِمْ الْخَمِصَةَ بُطُونِهِمْ مِنْ كسب
الحلال.
الذي إِذَا اسْتَأْذَنُوا عَلَى الأُمَرَاءِ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُمْ
وَإِنْ خَطَبُوا الْمُتَنَعِّمَاتِ لَمْ يُنْكَحُوا وَإِنْ غَابُوا
لَمْ يُفْتَقَدُوا وَإِنْ حَضَرُوا لَمْ يُدَعَوْا وَإِنْ طَلَعُوا
لَمْ يُفْرَحْ بِطَلْعَتِهِمْ وَإِنْ مَرِضُوا لَمْ يُعَادُوا وَإِنْ
مَاتُوا لَمْ يُشْهَدُوا" قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ لَنَا
بِرَجُلٍ؟ قَالَ: "ذَاكَ أُوَيْسٌ الْقَرَنِيُّ" قَالُوا: وما أويس
القرني؟
(1/92)
قَالَ: "أَشْهَلُ ذُو صُهُوبَةٍ بَعِيدُ
مَا بَيْنَ الْمَنْكِبَيْنِ مُعْتَدِلُ الْقَامَةِ آدَمٌ شَدِيدُ
الأُدْمَةِ ضَارِبٌ بِذَقْنِهِ إِلَى صَدْرِهِ رَامٍ بَصَرَهُ إِلَى
مَوْضِعِ سُجُودِهِ وَاضِعٌ يَمْنِيهِ عَلَى شِمَالِهِ يَتْلُوا
الْقُرْآنَ يَبْكِي عَلَى نَفْسِهِ ذُو طِمْرَيْنِ لا يَؤْبَهُ لَهُ
مُتَّزِرٍ بِإِزَارٍ مِنْ صُوفٍ وَرِدَاءٍ مِنْ صُوفٍ مَجْهُولٌ فِي
الأَرْضِ مَعْرُوفٌ فِي السَّمَاءِ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ
لأَبَرَّ قَسَمَهُ.
أَلا وَإِنَّ تَحْتَ مَنْكِبِهِ الأَيْسَرِ لَمْعَةٌ بَيْضَاءُ أَلا
وَأَنَّهُ إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ قِيلَ لِلْعِبَادِ
ادْخُلُوا الْجَنَّةَ وَيُقَالُ لأُوَيْسٍ قِفْ فَاشْفَعْ
فَيُشَفِّعُهُ اللَّهُ فِي مِثْلِ عَدَدِ رَبِيعَةَ وَمُضَرَ يَا
عُمَرُ وَيَا عَلِيُّ إِذَا أَنْتُمَا لَقِيتُمَاهُ فَاطْلُبَا
إِلْيَهِ يَسْتَغْفِرُ لَكُمَا". فَمَكَثَا يَطْلُبَانِهِ عَشْرَ
سِنِينَ لا يَقْدِرَانِ عَلَيْهِ فَلَمَّا كَانَ فِي آخِرِ السَّنَةِ
الَّتِي تُوُفِّيَ فِيهَا عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَامَ عَلَى
أَبِي قَيْسٍ فَنَادَى بِأَعْلَى صَوْتِهِ يَا أَهْلَ الْحَجِيجِ مِنْ
أَهْلِ الْيَمَنِ أَفِيكُمْ أُوَيْسٌ مِنْ مُرَادٍ.
فَقَامَ شَيْخٌ كَبِيرٌ طَوِيلُ اللِّحْيَةِ فَقَالَ: أَنَا لا أَدْرِي
مَا أُوَيْسٌ وَلَكِنَّ ابْنَ أَخٍ لِي يُقَالُ لَهُ: أُوَيْسٌ وَهُوَ
أَخْمَلُ ذِكْرًا وَأَقَلُّ مَالا وَأَهْوَنُ أَمْرًا مِنْ أَنْ
نَرْفَعَهُ إِلَيْكَ وَأَنَّهُ لَيَرْعَى إِبِلَنَا حَقِيرٌ بَيْنَ
أَظْهُرِنَا فَعَمَى عَلَيْهِ عُمَرُ كَأَنَّهُ لا يُرِيدُ قَالَ
أَيْنَ ابْنُ أَخِيكَ هَذَا يَخْدُمُنَا هُوَ قَالَ: نَعَمْ, قال: وأين
نصاب؟ 1 قَالَ: بِأَرَاكِ عَرَفَاتٍ قَالَ: فَرَكَبَ عُمَرُ وَعَلِيٌّ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا سِرَاعًا إِلَى عَرَفَاتٍ فَإِذَا هُوَ
قَائِمٌ يُصَلِّي إِلَى شَجَرَةٍ وَالإِبِلُ حَوْلَهُ تَرْعَى فَشَدَّا
حِمَارَيْهِمَا ثُمَّ أقبلا إليه فقالا السلام عليكم وَرَحْمَةُ
اللَّهِ.
فَخَفَّفَ أُوَيْسٌ الصَّلاةَ ثُمَّ قَالَ السَّلامُ عَلَيْكُمْ
وُرَحْمَةُ الله وبركاته قالا
__________
1 في الناصرية: يصاب.
(1/93)
مَنِ الرَّجُلُ؟ قَالَ: رَاعِي إِبِلٍ
وَأَجِيرُ قَوْمٍ قَالا: لَسْنَا نَسْأَلُكَ عَنِ الرِّعَايَةِ وَلا
عَنِ الإِجَارَةِ مَا اسْمُكَ؟ قَالَ: عَبْدُ اللَّهِ قالا: علمنا أن
أهل السموات وَالأَرْضِ كُلَّهُمْ عَبِيدُ اللَّهِ فَمَا اسْمُكَ
الَّذِي سَمَّتْكَ أُمُّكَ؟ قَالَ: يَا هَذَانِ مَا تُرِيدَانِ
إِلَيَّ؟ قَالا: وَصَفَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَآلِهِ وَسَلَّمَ أُوَيْسًا الْقَرَنِيَّ فَقَدْ عَرَفْنَا
الصُّهُوبَةَ وَالشَّهْلَةَ وَأَخْبَرَنَا أَنَّ تَحْتَ مَنْكِبِكَ
الأَيْسَرِ لَمْعَةً بَيْضَاءَ فَأَوْضِحْهَا لَنَا فَإِنْ كَانَ بِكَ
فَأَنْتَ هُوَ.
فَأَوْضَحَ مَنْكِبَهُ فَإِذَا اللَّمْعَةُ فَابْتَدَرَاهُ يقبلانه
وقالا: نَشْهَدُ أَنَّكَ أُوَيْسٌ الْقَرَنِيُّ فَاسْتَغْفِرْ لَنَا
يَغْفِرُ اللَّهُ لَكَ قَالَ: مَا أَخُصُّ نَفْسِي بِالاسْتِغْفَارِ
وَلا أَحَدًا مِنْ وَلَدِ آدَمَ وَلَكِنَّهُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ
فِي الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُسْلِمِينَ
وَالْمُسْلِمَاتِ يَا هَذَانِ قَدْ أَشْهَرَ اللَّهُ لَكُمَا حَالِي
وَعَرَّفَكُمَا أَمْرِي فَمَنْ أَنْتُمَا؟ قَالَ عَلِيٌّ: أَمَّا هَذَا
أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ وَأَمَّا أَنَا فَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ
فَاسْتَوَى أُوَيْسٌ قَائِمًا.
فَقَالَ: السَّلامُ عَلَيْكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةُ
اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ وَأَنْتَ يَا ابْنَ أَبِي طَالِبٍ فَجَزَاكُمَا
عَنْ هَذِهِ الأُمَّةِ خَيْرًا قَالا: وَأَنْتَ فجزاك لله عَنْ
نَفْسِكَ خَيْرًا فَقَالَ عُمَرُ: مَكَانَكَ يَرْحَمُكَ اللَّهُ حَتَّى
أَدْخُلَ مَكَّةَ فَآتِيكَ بِنَفَقَةٍ مِنْ عَطَائِي وَفَضْلٍ كِسْوَةِ
مِنْ ثِيَابِي هَذَا الْمَكَانُ بَيْنِي وَبَيْنَكَ فَقَالَ: يَا
أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لا مِيعَادَ بَيْنِي وَبَيْنَك أَرَاكَ بَعْدَ
الْيَوْمِ تَعْرِفُنِي مَا أَصْنَعُ بِالنَّفَقَةِ مَا أَصْنَعُ
بِالْكُسْوَةِ.
أَمَا تَرَانِي عَلَى إِزَارٍ مِنْ صُوفٍ وَرِدَاءٍ مِنْ صُوفٍ مَتَى
تَرَانِي أُخْرِقُهُمَا أَمَا تَرَى أَنَّ نَعْلَيَّ مَخْصُوفَتَانِ
مَتَى تَرَانِي أُبْلِيهِمَا أَمَا تَرَانِي قَدْ أَخَذْتُ.
(1/94)
مِنْ رِعَايَتِي أَرْبعَةَ دَرَاهِمَ مَتَى
تَرَانِي آكُلُهُمَا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّ بَيْنَ يَدَيَّ
وَيَدَيْكَ عَقَبَةً كُؤُدًا لا يُجَاوِزُهَا إِلا ضَامِرٌ مُخْفٍ
مَهْزُولٌ فَأَخْفِ يَرْحَمُكَ اللَّهُ.
فَلَمَّا سَمِعَ ذَلِكَ مِنْ كَلامِهِ ضَرَبَ بِدِرَّتِهِ الأَرْضَ
ثُمَّ نَادَى بِأَعْلَى صَوْتِهِ أَلا لَيْتَ أَنَّ أُمَّ عُمَرَ لَمْ
تَلِدْهُ يَا لَيْتَهَا كَانَتْ عَاقِرًا لَمْ تُعَالِجْ حملها إلا من
نأخذها بِمَا فِيهَا وَلَهَا ثُمَّ قَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ
خُذْ أَنْتَ مَا هُنَا حَتَّى آخُذَ أَنَا هَاهُنَا فَوُلِّيَ عُمَرُ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ نَاحِيَةَ مَكَّةَ وَسَاقَ أُوَيْسٌ إِبِلَهُ
فَوَافَى الْقَوْمَ إِبِلَهُمْ وَخَلَّى عَنِ الرِّعَايَةِ وَأَقْبَلَ
عَلَى الْعِبَادَةِ حَتَّى لَحِقَ بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَهَذَا مَا
أَنَا عَنْ أُوَيْسٍ خَيْرِ التَّابِعِينَ. قَالَ سَلَمَةُ بْنُ
شَبِيبٍ: كَتَبْنا غَيْرَ حَدِيثٍ فِي قِصَّةِ أُوَيْسٍ مَا كَتَبْنَا
أَتَمَّ مِنْهُ.
قوله: "وإني ذلك لي إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يجعله من ملوك
الجنة" يجوز أن يكون معناه كيف أشتريه وأعتقه والله يريد أن يجعله من
ملوك الجنة بإبقاء الرق فيه ليطيع اللَّه ويطيع مولاه فيوفيه اللَّه
الأجر مرتين كما ورد في الخبر ويتدرج بالمملوكية في الدنيا إلى الملكية
في العقبى ويجوز أن يكون المعنى أني محتاج إلى الشراء والإعتاق وهو
منتهي إلى ملك الآخرة وإليه تتمته لا إلى العتق في الدنيا.
قوله: "الخمصة بطونهم من كسب الحلال" يمكن أن يريد به أنهم بقوا خماصا
لاشتغالهم باكتساب الحلال قياما بأمر العيال وتعففا عن السؤال ويمكن أن
يريد أن بطونهم خاوية عن الحلال فضلا عن الحرام تودعا.
(1/95)
قوله: وما أويس القرني؟ قد يحمل ما على من
وقد يجعل الكلمة إشارة إلى بعد ذهنهم عنه وشدة خمول المسمى بهذا الاسم
عندهم كما قَالَ فرعون وما رب العالمين والمعنى فيه أن من يعبر عنه عن
باعتبار أنه يعقل ويعلم قد يعبر عنه بما باعتبار أنه شيء وذات فإذا
جهلت صفاته الخاصة استعمل فيه ما إشارة إلى الجهل بصفاته وأحواله
الخاصة.
قوله: "ضارب بذقنه إلى صدره" عبارة عن خضوعه وإخباته ويقرب منه قوله
رام ببصره إلى موضع سجوده ويمكن أن هذا كناية عن إدامته الصلاة لأن
المستحب أن يكون نظر المصلي إلى موضع سجوده يؤيده قوله على أثره واضع
يمينه على شماله.
قول ذلك الشيخ: لا أدري ما أويس ولكن لي ابن أخ يقال له: أويس, يعني لا
أدري من تطلبون ولكن لي ابن أخ هذا اسمه استبعد أن يكون ابن أخيه على
خموله بغيتهما.
قوله: فعمى عليه عمر رضي اللَّه عنه كأنه خاف أن يطلع أويس على أنه
يطلب فيخفي نفسه هربا من الناس.
قوله: فابتدرا فأقبلا يقبلانه, الكناية يرجع إلى أويس دون اللمع كان
المراد أنهما لما وجدا العلامة أيقنا أنه أويس فأقبلا يقبلان ما
أمكنهما من أعضائه وسؤاله عنهما من أنتما قد يتعجب منه وقد اشتهر عنه
أنه عرف هرم بْن حيان انتهى إليه ولم يتلاقيا قط فسلم عليه وخاطبه
باسمه ونسبه لكن الحال قد يختلف فقد يكون للولي شعور بنفسه ورجوع
إليها.
(1/96)
فيعرف من كان بينه وبين نفسه تعارف على ما
ورد في قصة هرم وقد تكون في مشاهدة التي تذهله عن نفسه وإذا ذهل عن
نفسه فهو عمن يناسبها ويؤالفها أشد ذهولا.
قوله: أراك بعد اليوم تعرفني, أي إذا عرفت أني أويس المنعوت لك عرفت
أني ما أرغب في النفقة والكسوة.
قوله: ضرب بدرته الأرض, أي ألقاها من يده وقوله من يأخذها بما فيها
ولها أي من يرغب في الخلافة ويأخذها بما فيها من الخوف والحظر وما لها
من القدر والحظر.
قوله خذ أنت هاهنا حتى آخذ أنا هاهنا, أي خذ في طريقك لآخذ في طريقي
ونفترق.
قوله: فوافى القوم إبلهم إلى آخره, كأنه ترك ما كان عليه إخفاء لنفسه
كيلا يستدل عليه بذلك وربما تأثر بلقاء أميري المؤمنين فزاد في
العبادة.
به عن أبي نعيم قَالَ: ثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ مَالِكٍ ثَنَا عَبْدُ
اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ ثَنَا أَبِي ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ
مَهْدِيٍّ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الأَشْعَثِ بْنِ سَوَّارٍ عَنْ
مُحَارِبِ بْنِ دِثَارٍ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
واله وَسَلَّمَ: "مِنْ أُمَّتِي مَنْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَأْتِيَ
مَسْجِدَهُ أَوْ مُصَلاهُ مِنَ الْعُرَى يَحْجِزُهُ إِيمَانُهُ أَنْ
يَسْأَلَ مِنْهُم أُوَيْسُ الْقَرَنِيُّ وَفُرَاتُ بْنُ حَيَّانَ".
يقال: أويسا استشهد1 في حرب الديلم فطلبوا مكانا ليدفنوه فيه
__________
1 أويس القرنى استشهد مع على عليه السلام في وقعة صفين - راجع
التعليقات.
(1/97)
فظهر بيت منجد فأدخلوه فيه ثم انضم البيت
وخفي عليهم ولذلك عده الحافظ أبو يعلى الخليلي فيمن ورد هذه الناحية من
التابعين وذكر أنه رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمَا وَقَالَ حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عُمَرَ بْنِ
أَبِي رَجَاءٍ أَنْبَأَ سَعِيدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ نَصْرٍ
الْهَمْدَانِيُّ بِقَزْوِينَ ثَنَا علي بن نصر ابن عَبْدِ الْعَزِيزِ
الرَّازِيُّ ثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْجُرْجَانِيُّ ثَنَا
سُلَيْمَانُ بن داؤد عَنْ سُفْيَانَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَدْهَمَ
عَنْ مُوسَى بْنِ يَزِيدَ عَنْ أُوَيْسٍ الْقَرَنِيِّ عَنْ عُمَرَ
وَعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالا.
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ:
"إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَانَيْنِ فِي الأَرْضِ أَنَا أَوَّلُهُمَا
وَالثَّانِي الاسْتِغْفَارُ فَاسْتَكْثِرُوا مِنَ الاسْتِغْفَارِ
فَإِنَّهُ أَمَانٌ مِنَ النَّارِ وَذَلِكَ مِنْ قَوْلِ اللَّهِ
تَعَالَى: {َمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا
كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} .
فَالاسْتِغْفَارُ أَمَانٌ بَعْدِي".
الربيع بْن خثيم أبو يزيد الكوفي الثوري من ثور بْن عبد مناة بْن إد
بْن طابخة بْن إلياس بْن مضر كذلك ذكره البخاري وغيره وورد الربيع على
ما سبقت الرواية قزوين وسكنها قاله الخليل الحافظ ويقال: أنه توفي بها
وهو من كبار التابعين علما وزهدا ومن الزهاد الثمانية سمع ابن مسعود
وروى عنه إبراهيم الشعبي والمنذر بْن يعلى وبكر بْن ماعز قرأت على
والدي قدس اللَّه روحه أخبركم سعيد بْن مُحَمَّد بْن عمر ثنا أبو الفضل
أَحْمَد بْنُ الْحَسَنِ بْنِ خَيْرُونَ أَنْبَأَ أبو طالب عمر بْن
إبراهيم الزهري أنبأ عبيد اللَّه ابن عَبْد اللَّه بْن أبي ثمرة البغوي
ثنا مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن سليمان الواسطي ثنا مُحَمَّد بْن
المصطفى ثنا يحيى بْن سعيد الحمصي ثنا يزيد
(1/98)
ابن عطا عن علقمة بْن مرثد قَالَ انتهى
الزهد إلى ثمانية من التابعين رحمة اللَّه عليهم عامر بْن عَبْد اللَّه
وأويس القرني وهرم بْن حيان والربيع ابن خيثم وأبي مسلم الخولاني
والأسود بْن يزيد ومسروق بْن الأجدع والحسن بْن أبي الحسن وذكر بعض
أحوالهم وسيرهم.
قَالَ عند ذكر الربيع: قيل له حين أصابه الفالج لو تداويت فقال: قد
عرفت أن الدواء حق ولكن ذكرت عادا وثمودا وقرونا بين ذلك كثيرا كانت
فيهم الأوجاع وكانت فيهم الأطباء فما بقي المداوي ولا المداوى ولا
الناعت ولا المنعوت وقيل له: ألا تذكر الناس؟ فقال: ما أنا عن نفسي
براض فأتفرغ من ذمها إلى ذم الناس إن الناس خافوا اللَّه في ذنوب الناس
وآمنوا على ذنوبهم.
قيل له: كيف أصبحت؟ قَالَ: أصبحنا ضعفاء مذنبين نأكل أرزاقنا وننتظر
آجالنا قَالَ: وكان عَبْد اللَّه بْن مسعود رضي اللَّه عنه إذا رآه
قَالَ: وبشر المخبتين لو رآك محمد صلى اللَّه عليه وآله وسلم لأحبك,
قَالَ: وكان الربيع يقول: أما بعد فأعد زادك وخذ في جهازك وكن وصي
نفسك.
أنبأنا العدد الجم عن أبي علي عن أبي نعيم ثنا أَحْمَد بْن سنان ثنا
مُحَمَّد بْن إسحاق ثنا مُحَمَّد بن الصباح ثنا سفيان قَالَ: قَالَ
رجل: صحبنا الربيع بْن خثيم عشرين سنة فما تكلم إلا بكلمة تصعد وقال
آخر: صحبته سنين فما كلمني إلا بكلمتين.
عن سرية الربيع قالت: لما حضر الربيع الوفاة بكت ابنته فقال يا بنية لم
تبكين قولي يا بشرى لقي أبي الخير.
(1/99)
ويروى عن الربيع أنه قَالَ: لا تقولن أحدكم
أستغفر اللَّه وأتوب إليه فيكون ذلك ذنبا جديدا إذا لم يفعل ولكن ليقل:
اللهم اغفر لي وتب علي.
عنه أنه كان يقول السراير السراير اللاتي يخفين على الناس وهن عند
اللَّه بواد دواؤهن أن تتوب ولا تعود.
وَكَتَبَ إِلَيْنَا طَاهِرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَقْدِسِيُّ أَنَّ أَبَا
مَنْصُورٍ الْمُقَوِّمِيَّ أَخْبَرَهُ بِالرَّيِّ سَنَةَ أَرْبَعٍ
وَثَمَانِينَ وأربعمائة عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ قَالَ:
أَنْبَأَ عَلًيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَهْرَوَيْهِ أَنَا عَلِيُّ بْنُ
عَبْدِ الْعَزِيزِ.
أَنْبَأَ أَبُو عُبَيْدٍ ثَنَا حَجَّاجٌ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ مَنْصُورٍ
عَنْ هِلالِ بْنِ يَسَافٍ عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ خُثَيْمٍ عَنْ عَمْرِو
بْنِ مَيْمُونٍ عَنِ امْرَأَةٍ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الأَنْصَارِيِّ
عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه واله وسلم قَالَ: " {قُلْ هُوَ اللَّهُ
أَحَدٌ} ثُلُثُ الْقُرْآنِ".
رَوَى مَعْنَاهُ الرَّبِيعُ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى
الله عليه واله وسلم وَرَوَاهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه
واله وسلم أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ وَأَبُو مَسْعُودٍ
الأَنْصَارِيُّ وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ وعدة ثلث القرآن يمكن أن يكون
باعتبار أن جملة ما في القرآن إما وصف للخالق أو للخلق والثاني" إما أن
يتعلق بالدنيا والعقبى فالأقسام ثلاثة.
سعيد بْن جبير بْن هشام أبو عَبْد اللَّه مولى بني والبة من أسد بْن
خزيمة وهو والبة بْن الحارث بْن ثعلبة بْن دودان بْن أسد بْن خزيمة بْن
مدركة بْن إلياس بْن مضر من مشاهير علماء التابعين كثير العلم والرواية
سمع عباد اللَّه ابن عمر وابن عباس وابن الزبير وابن عمرو وابن مغفل
وأبا هريرة
(1/100)
وأبا موسى الأشعري وعدي بْن حاتم.
يروى عن ابن مهدي أن سفيان كان يقدم سعدا على إبراهيم في العلم وعن
خصيف بْن عَبْد الرحمن قَالَ كان أعلمهم بالطلاق سعيد بْن المسيب
وبالحج عطاء وبالحلال والحرام طاؤس وبالتفسير مجاهد وأجمعهم لذلك كله
سعيد بْن جبير.
عن جعفر بْن المغيرة قَالَ: كان ابن عباس إذا أتاه أهل الكوفة يستفتونه
يقول أليس فيكم ابن أم الدهماء يعني سعيدا وكان مستجاب الدعوة.
روى عن أصبغ بْن زيد قَالَ كان لسعيد بْن جبير ديك يقوم إلى الصلاة إذا
صاح فلم يصح ليلة من اليالي فأصبح سعيد ولم يصل قَالَ فشق عليه ذلك
فقال له قطع اللَّه صوتك قَالَ فما سمع ذلك الديك يصيح بعدها فقالت له
أمه أي بني لا تدع على شيء قتله الحجاج بْن يوسف سنة خمس وتسعين وكان
ابن تسع وأربعين وورود سعيد قزوين ومبيته في مسجد التوت مشهور وقد مر
ذكره.
وقال أبو الشيخ الحافظ في كتاب ثواب الأعمال حدثني خالي ثنا أبو حاتم
ثنا أبو حجر ثنا عَبْد اللَّه بْن سعيد الدشتكي عن أبي سنان قَالَ قدم
سعيد بْن جبير قزوين وهو متوار من الحجاج فبات بها ليلة فلما كان عند
وجه الصبح قَالَ ليجتهد عباد المسجد من أن يدركوا مثل ليلتي هذه.
قَرَأْتُ عَلَى أَبِي بَكْرِ بْنِ الْخَلِيلِ أَنْبَأَ أَبُو عَمْرٍو
الْمُقْرِي أَنْبَأَ إِبْرَاهِيمُ أَنْبَأَ مُحَمَّدُ بْنُ الْمَكِّيِّ
أَنْبَأَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ أَنْبَأَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ
ثَنَا عَبْدُ الله بن
(1/101)
مُحَمَّدٍ ثَنَا عَبْدُ الرَّازَّقِ
أَنْبَأَ مَعْمَرٌ عَنْ أَيُّوبَ السَّخْتِيَانِيِّ وَكَثِيرِ بْنِ
كَثِير بْنِ الْمُطِّلِبِ بْنِ أَبِي وَدَاعَةَ يَزِيدُ أَحَدُهُمَا
عَلَى آخَرَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ: أَوَّلُ مَا اتَّخَذَ النِّسَاءُ الْمَنْطِقَ مِنْ
قِبَلِ أُمِّ إِسْمَاعِيلَ عَلَيْهِ السَّلامُ.
اتَّخَذَتْ مَنْطِقًا لِتَعْفِيَ أَثَرَهَا عَلَى سَارَةَ ثُمَّ جَاءَ
بِهَا إِبْرَاهِيمُ وَبِابْنِهَا إِسْمَاعِيلَ عَلَيْهِمَا السَّلامُ
وَهِيَ مُرْضِعَةٌ حَتَّى وَضَعَهَا عِنْدَ الْبَيْتِ عِنْدَ دَوْحَةٍ
فَوْقَ زمزم في أعلا الْمَسْجِدِ وَلَيْسَ بِمَكَّةَ يَوْمَئِذٍ أَحَدٌ
وَلَيْسَ بِهَا مَاءٌ فَوَضَعَهُمَا هُنَاكَ وَوَضَعَ عِنْدَهُمَا
جِرَابًا فِيهِ تَمْرٌ وَسِقَاءٌ فِيهِ مَاءٌ ثُمَّ قَفَّى
إِبْرَاهِيمُ مُنْطَلِقًا فَتَبِعَتْهُ أُمُّ إِسْمَاعِيلَ.
فَقَالَتْ: يَا إِبْرَاهِيمُ أَيْنَ تَذْهَبَ وَتَتْرُكُنَا بِهَذَا
الْوَادِي لَيْسَ فِيهِ أَنِيسٌ وَلا شَيْءٌ فَقَالَتْ لَهُ ذَلِكَ
مِرَارًا وَجَعَلَ لا يَلْتَفِتُ إِلَيْهَا فَقَالَتْ لَهُ: وَاللَّهُ
أَمَرَكَ بِهَذَا؟ قَالَ: نَعَمْ قَالَتْ: إِذًا لا يُضَيِّعُنَا.
ثُمَّ رَجَعْتَ فَانْطَلَقَ إِبْرَاهِيمُ حَتَّى إِذَا كَانَ عِنْدَ
الثَّنِيَّةِ حَيْثُ لا يَرَوْنَهُ اسْتَقْبَلَ بِوَجْهِهِ الْبَيْتَ
ثُمَّ دَعَا بِهَؤُلاءِ الدعوات.
فقال: {رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ
ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ} حَتَّى بَلَغَ {يَشْكُرُونَ}
وَجَعَلَتْ أُمُّ إِسْمَاعِيلَ تُرْضِعُ إِسْمَاعِيلَ وَتَشْرَبُ من
ذلك الماء حتى نفذ مَا فِي السِّقَاءِ عَطِشَتْ وَعَطِشَ ابْنُهَا
وَجَعَلَتْ تَنْظُرُهُ يَتَلَوَّى أَوْ قَالَ: يَتَلَبَّطُ
فَانْطَلَقَتْ كَرَاهِيَةَ أَنْ تَنْظُرَ إِلَيْهِ فَوَجَدَتِ الصَّفَا
أَقْرَبَ جَبَلٍ فِي الأَرْضِ يَلِيهَا فَقَامَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ
اسْتَقْبَلَتِ الْوَادِيَ تَنْظُرُ هل ترى أحدا.
(1/102)
فَلَمْ تَرَى أَحَدًا فَهَبَطَتْ مِنَ
الصَّفَا حَتَّى إِذَا بَلَغَتِ الْوَادِي رَفَعَتْ طَرْفَ دِرْعِهَا
ثُمَّ سَعَتْ سَعْيَ الإِنْسَانِ الْمَجْهُودِ حَتَّى جَاوَزَتِ
الْوَادِي ثُمَّ أَتَتِ الَّمَرْوَةَ فَقَامَتْ عَلَيْهَا فَنَظَرَتْ
هَلْ تَرَى أَحَدًا فَلَمْ تَرَ أَحَدًا فَفَعَلَتْ ذَلِكَ سَبْعَ
مَرَّاتٍ.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ واله
وسلم: "فَلِذَلِكَ سَعَى النَّاسُ بَيْنَهُمَا" فَلَمَّا أَشْرَفَتْ
عَلَى الْمَرْوَةِ سَمِعْتَ صَوْتًا فَقَالَتْ: صَهٍ تُرِيدُ نَفْسَهَا
ثُمَّ فَسَمِعْتَ أَيْضًا فَقَالَتْ: قَدْ أَسْمَعْتَ إِنْ كَانَ
عِنْدَكَ غَوَاثٌ فَإِذَا هي بالملك عند مَوْضِعِ زَمْزَمَ فَبَحَثَ
بِعَقِبِهِ أَوْ قَالَ بِجَنَاحِهِ حَتَّى ظَهَرَ الْمَاءُ فجعلت تحوضه
ويقول بِيَدِهَا هَكَذَا: وَجَعَلَتْ تَغْرِفُ مِنَ الْمَاءِ فِي
صَفَائِهَا وَهُوَ يَفُورُ بَعْدَ مَا تَغْرِفُ.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه واله
وسلم: "يَرْحَمُ اللَّهُ أُمَّ إِسْمَاعِيلَ لَوْ تَرَكَتْ زَمْزَمَ"
أَوْ قَالَ: "لَوْ لَمْ تَغْرِفْ مِنَ الْمَاءِ لَكَانَتْ زَمْزَمُ
عَيْنًا مَعِينًا" قَالَ: فَشَرِبَتْ وَأَرْضَعَتْ وَلَدَهَا فَقَالَ
لَهَا الْمَلَكُ: لا تَخَافُوا الضَّيْعَةَ فَإِنَّ هَاهُنَا بَيْتَ
اللَّهِ يَبْنِي هَذَا الْغُلامُ وَأَبُوهُ وَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ
أَهْلَهُ.
كَانَ الْبَيْتُ مُرْتَفِعًا مِنَ الأرض كالرابية نأتيه السُّيُولُ
فَتَأْخُذُ عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ فَكَانَتْ كَذَلِكَ حَتَّى
مَرَّتْ بِهِمْ رُفْقَةٌ مِنْ جُرْهُمَ أَوْ أَهْلِ بَيْتٍ مِنْ
جُرْهُمَ مُقْبِلِينَ مِنْ طَرِيقِ كَذَا فَنَزَلُوا فِي أَسْفَلِ
مَكَّةَ فَرَأَوْا طَايِرًا عَايِفًا فَقَالُوا: إِنَّ هَذَا
الطَّايِرَ لَيَدُورُ عَلَى مَاءٍ لِعَهْدِنَا بِهَذَا الْوَادِي وَمَا
فِيهِ مَاءٌ فَأَرْسَلُوا جَرِيًّا أَوْ جَرِيَتَيْنِ فَإِذَا هُمْ
بِالْمَاءِ فَرَجَعُوا فَأَخْبَرُوهُمْ بِالْمَاءِ فَأَقْبَلُوا
وَأُمُّ إِسْمَاعِيلَ عِنْدَ الْمَاءِ فَقَالُوا: أَتَأْذَنِينَ لَنَا
أَنْ نَنْزِلَ عِنْدَكَ؟ قَالَتْ: نعم
(1/103)
وَلَكِنْ لا حَقَّ لَكُمْ فِي الْمَاءِ
قَالُوا: نَعَمْ.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه واله
وسلم: "فألقي ذَلِكَ أُمَّ إِسْمَاعِيلَ وَهِيَ تُحِبُّ الأُنْسَ
فَنَزَلُوا وَأَرْسَلُوا إِلَى أَهْلِيهِمْ فَنَزَلُوا مَعَهُمْ حَتَّى
إِذَا كَانَ بِهَا أَهْلُ أَبْيَاتٍ مِنْهُمْ وَشَبَّ الْغُلامُ
وَتَعَلَّمَ الْعَرَبِيَّةَ مِنْهُمْ وَأَنْفَسَهُمْ وَأَعْجَبَهُمْ
حِينَ شَبَّ فَلَمَّا أَدْرَكَ زَوَّجُوهُ امْرَأَةً مِنْهُمْ
وَمَاتَتْ أُمُّ إِسْمَاعِيلَ فَجَاءَ إِبْرَاهِيمُ بَعْدَ مَا
تَزَوَّجَ إِسْمَاعِيلُ يُطَالِعُ تَرِكَتَهُ فَلَمْ يَجِدْ
إِسْمَاعِيلَ فَسَأَلَ امْرَأَتَهُ فَقَالَتْ: خَرَجَ يَبْتَغِي لَنَا.
ثُمَّ سَأَلَهَا عَنْ عَيْشِهِمْ وَهَيْئَتِهِمْ فَقَالَتْ: نَحْنُ
بَشَرٍّ نَحْنُ فِي ضِيقٍ وَشِدَّةٍ فَشَكَتْ إِلَيْهِ قَالَ: فَإِذَا
جَاءَ زوجك اقرأي عَلَيْهِ السَّلامَ وَقُولِي لَهُ يُغَيِّرُ عَتَبَةَ
بَابِهِ, فَلَّمَا جَاءَ إِسْمَاعِيلُ كَأَنَّهُ آنَسَ شَيْئًا, قَالَ:
هَلْ جَاءَكُمْ مِنْ أَحَدٍ؟ قَالَتْ: نَعَمْ جَاءَنَا شَيْخٌ كَذَا
وَكَذَا فَسَأَلَنَا عَنْكَ فَأَخْبَرْتُهُ وَسَأَلَنِي كَيْفَ
عَيْشُنَا فَأَخْبَرْتُهُ أَنَّا فِي جَهْدٍ وَشِدَّةٍ.
قَالَ: فَهَلْ أَوْصَاكِ بِشَيْءٍ؟ قَالَتْ: نعم أمرني أن أقرء
عَلَيْكَ السَّلامَ وَيَقُولُ: غَيِّرْ عَتَبَةَ بَابِكَ, قَالَ:
ذَلِكَ أَبِي وَقَدْ أَمَرَنِي أَنْ أُفَارِقَكِ الْحَقِي بِأَهْلِكِ
فَطَلَّقَهَا وَتَزَوَّجَ مِنْهُمْ أُخْرَى فَلَبِثَ عَنْهُمْ
إِبْرَاهِيمُ مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ أَتَاهُمْ بَعْدَ فَلَمْ
يَجِدْهُ وَدَخَلَ عَلَى امْرَأَتِهِ فَسَأَلَهَا عَنْهُ فَقَالَتْ:
خَرَجَ يَبْتَغِي لَنَا قَالَ: كَيْفَ أَنْتُمْ؟ وَسَأَلَهَا عَنْ
عَيْشِهِمْ وَهَيْئَتِهِمْ فَقَالَتْ: نَحْنُ بِخَيْرٍ وَسَعَةٍ
وَأَثْنَتْ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ قال: ما طعامكم؟ قلت:
اللَّحْمُ, قَالَ: فَمَا شَرَابُكُمْ؟ قَالَتْ: الْمَاءُ قَالَ
اللَّهُمَّ بَارِكْ لَهُمْ فِي اللَّحْمِ وَالْمَاءِ".
قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه واله وسلم: "وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ
يَوْمَئِذٍ حَبٌّ
(1/104)
وَلَوْ كَانَ لَهُمْ دَعَا لَهُمْ فيه"
قال: "فهما لا يخلوا عَلَيْهِمَا أَحَدٌ بِغَيْرِ مَكَّةَ إِلا لَمْ
يُوَافِقَاهُ قَالَ: "فَإِذَا جَاءَ زوجك فاقرأي عَلَيْهِ السَّلامَ
وَمُرِيهِ يُثْبِتُ عَتَبَةَ بَابِهِ فَلَمَّا جَاءَ إِسْمَاعِيلُ
قَالَ: هَلْ أَتَاكُمْ مَنْ أَحَدٍ؟ قَالَتْ: نَعَمْ أَتَانَا شَيْخٌ
حَسَنُ الْهَيْئَةِ وَأَثْنَتْ عَلَيْهِ فَسَأَلَنِي عَنْكَ
فَأَخْبَرْتُهُ فسألني كيف عيشا فَأَخْبَرْتُهُ أَنَّا بِخَيْرٍ قَالَ:
فَأَوْصَاكِ بِشَيْءٍ؟ قَالَتْ: نَعَمْ هُوَ يَقْرَأُ عَلَيْكَ
السَّلامَ وَيَأْمُرَكَ أَنْ تُثْبِتَ عَتَبَةَ بَابِكَ.
قَالَ: ذَاكَ أَبِي وَأَنْتِ الْعَتَبَةُ أَمَرَنِي أَنْ أُمْسِكَكِ
ثُمَّ لَبِثَ عَنْهُمْ مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ جَاءَ بَعْدَ ذَلِكَ
وإسماعيل يبري نبلاله تَحْتَ دَوْحَةٍ قَرِيبًا مِنْ زَمْزَمَ فَلَمَّا
رَآهُ قَامَ إِلَيْهِ فَصَنَعَا كَمَا يَصْنَعُ الْوَالِدُ بِالْوَلَدِ
وَالْوَلَدُ بِالْوَالِدِ ثُمَّ قَالَ: يَا إِسْمَاعِيلُ إِنَّ اللَّهَ
أَمَرَنِي بِأَمْرٍ قَالَ: فَاصْنَعْ مَا أَمَرَكَ رَبُّكَ قَالَ:
وَتُعِينُنِي قَالَ: وَأُعِينُكَ قَالَ: فَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي
أَنْ أَبْنِيَ هَاهُنْا بَيْتًا وَأَشَارَ إِلَى أَكَمَةٍ مُرْتَفِعَةٍ
عَلَى مَا حَوْلَهَا قَالَ: فَعِنْدَ ذَلِكَ رَفَعَا الْقَوَاعِدَ مِنَ
الْبَيْتِ فَجَعَلَ إِسْمَاعِيلُ يَأْتِي بِالْحِجَارَةِ
وَإِبْرَاهِيمُ يَبْنِي حَتَّى إِذَا ارْتَفَعَ الْبِنَاءُ جاء بهذا
الحجر موضع لَهُ.
فَقَامَ عَلَيْهِ وَهُوَ يَبْنِي وَإِسْمَاعِيلُ يُنَاوِلُهُ
الْحِجَارَةَ وَهُمَا يَقُولانِ: {رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ
أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} قَالَ: فَجَعَلا يَبْنِيَانِ حَتَّى
يَدُورَا حوله الْبَيْتِ وَهُمَا يَقُولانِ: {رَبَّنَا تَقَبَّلْ
مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} .
المنطق النطاق وهو ثوب تلبسه المرأة وتشد وسطها بحبل ثم ترسل الأعلى
على الأسفل وأم إسماعيل عليه السلام هاجر وربما قيل لها آجر وعفى الشيء
أي محاه كأنها أرادت أن لا تعرف أثرها سارة فتقصدها بمكروه فإنها كانت
قد غارت عليها.
(1/105)
عفا بالتخفيف لازم ومتعد ويقال عفت الريح
المنزل فعفا ولو كانت الرواية لتعفو لجاز.
الدوحة الشجرة العظيمة وفسر قوله قفي بولي أخذا من المعنى المشهور من
معنى التقفية اتباع الإنسان الإنسان قَالَ تعالى: {وَقَفَّيْنَا
بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ} . ولو كانت الرواية بالتخفيف لجاز يقال قفا
أثره أي اتبع فيكون المعنى قفى أثره في مجيئه أو منزله الذي جاء منه.
في قوله: استقبل بوجهه البيت دليل على أن موضع البيت كان معظما وكان
إبراهيم صلى اللَّه عليه وآله وسلم عالما بشرفه قبل أن يبنيه.
قوله: يتلبط أي يضرب نفسه على الأرض ويتقلب عطشا.
قوله ثم سعت سعى الإنسان المجهود المجهود الذي أصابه الجهد وهو المشقة
ويقال الجهد بالضم الطاقة وبالفتح المبالغ وعن ابن دريد أنهما لغتان.
يقال: بلغ الرجل جهده وجهده قرى قوله تعالى: {لا يَجِدُونَ إِلَّا
جُهْدَهُمْ} . بالضم والفتح ويشبه أن يكون الموضع الذي سعت فيه هو الذي
أمرنا بشدة السعي فيه بين الصفا والمروة وصه أي اسكت.
قوله: تريد نفسها المعنى أنها سمعت حسا فسكنت نفسها وتسمعته والغواث
والغواث الاسم من أغاث يغيث وكذلك الغوث وعن الفراء أنه يقال أجاب
اللَّه دعاءه وغواثه وغواثه وأنه لم يأت من الأصوات بالفتح شيء غيره
إنما يأتي بالضم كالدعاء والبكاء وبالكسر كالصياح والنداء.
(1/106)
قوله: فإذا هي بالملك يعني جبرئيل عليه
السلام على ما هو مبين في بعض الروايات ولذلك عرف.
قوله: تحوضه أي تحفر له كالحوض ليستقر الماء فيه أو يسيل إليه.
المعين قيل هو مفعول كمبيع ومكيل أي جار من العيون وقيل هو فعيل إما من
الماعون والمعن وهو المعروف أو من الماعون الذي هو الماء يقال معن
الماء وأمعن إذا سال.
جرهم قبيلة كانت تسكن مكة وكان يسكنها قبيلة أخرى يقال لها طسم.
قوله: من طريق كذا أهملوا بيانه في هذا الموضع وربما ظن أن اللفظة كذا
وأنها كناية كما يقال الطريق الفلاني لكن المشهور أنه كداء بالدال وفتح
الكاف والمد وهي ثنية بأعلى مكة مشهورة في المناسك كأنهم أقبلوا من
طريقها ونزلوا بأسفل مكة.
قوله: عايفا, أي دايرا حول الماء يقال عاف يعيف والجري عن الخليل أنه
الرسول لأنك تجريه في الحوائج وعن أبي عبيدة أنه الوكيل وعلى ذلك حمل
قوله: لا يستجرينكم الشيطان أي يستتبعنكم فيجدكم كالوكيل الطائع.
قوله: فألقى ذلك أم إسماعيل قيل معناه وافقها قولهم ووجدته لايقا
بحالها.
قوله: وأنفسهم قَالَ الخطابي أي أعجبهم لكن أعجبهم مذكور معه وفي اللغة
أنفسني فيه أي رغبني فالأولى أن يحمل اللفظ عليه.
(1/107)
قوله: يطالع تركته, أي ولده وأهله اللذين
تركهما هناك.
آنس: أي أبصر وتفرس كأنه وجد ريح أبيه فبحث عن الحال.
قوله: شيخ كذا وكذا, يريد أنها سبته وحقرته.
قوله: لا يَخْلُو عَلَيْهِمَا أَحَدٌ بِغَيْرِ مَكَّةَ إلا لم يوافقاه
أي لا يقتصر عليهما أحد بغير مكة إلا مرض منه وأضر به واستفاد المعبرون
من القصة تأويل عتبة الدار في المنام على المرأة وأصل الحديث لابن عباس
ثم أنه ضمنه كلام رسول اللَّه صلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ
فِي غير موضع.
سماك بْن خرشة الأنصاري حكى الحافظ أبو الحسن الدارقطني عن سيف بْن عمر
أن سماكا هذا أول من ولي مصالح الدستبي وقاتل الديلم وأنه ليس بأبي
دجانة صاحب الآثار المشهورة والمقامات المحمودة مع النَّبِيَّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وسلم لكنه يشاركه في اسمه واسم أبيه وفي
النسبة إلى الأنصار وسماك بْن مخرمة الأسدي الكوفي وهو الذي نسب إليه
مسجد سماك بالكوفة وكان خالي سماك بْن حرب المشهور في التابعين.
سماك بْن عبيد العبسي ذكر الخليل الحافظ أنه دخل قزوين في وفود أهل
الكوفة حين غزو الديلم وعن سيف ابن عمر أن هؤلاء الثلاثة قدموا على عمر
رضي اللَّه عنه فيمن وفد من أهل الكوفة وانتسبوا له سماك وسماك وسماك
فقال عمر: بارك الله فيكم اللهم اسمك بهم الإسلام وأيدهم.
قوله: اسمك بهم أي ارفع يقال سمك أي رفع وسمك السنام
(1/108)
ارتفع متعد ولازم بالمعنى الأول قَالَ
الفرزدق:
ان الذي سمك السماء بنى لنا ... بيتا دعائه أعز وأطول
تردد الإمام هبة اللَّه ابن زاذان في ورود هؤلاء الثلاثة هذه الناحية
وقال لم أجده في تواريخ الري.
شمر بْن عطية بْن عَبْد الرحمن الأسدي الكاهلي الكوفي روى عن المغيرة
بْن سعد بْن الأخرم.
شهر بْن حوشب قَالَ: الخليل الحافظ وعن أسامة بْن زيد وسويد بْن غفلة
روى عنه أبو إسحاق السبيعي والأعمش مات في ولاية خالد بْن عَبْد اللَّه
القسري وهو ممن ورد قزوين روى الخليل عن مُحَمَّد بْن إسحاق الكيساني
عن أبيه عن علي بْن سهل بْن حماد عن عَبْد الرحمن بْن الحكم بْن بشير
عن حكام بْن سلم الرازي عن أبي سنان قَالَ: قدم علينا شمر بْن عطية
قزوين فقوم فرسه ودرعه أحدهما ثلاثة آلاف والآخر أربع آلاف وسائر ثيابه
باثني عشر درهما.
أَنْبَأَنَا يَحْيَى بْنُ ثَابِتِ بْنِ بُنْدَارٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ
أَبِي الْقَاسِمِ عُبَيْدُ الله ابن أَحْمَدَ بْنِ عُثْمَانَ
الصَّيْرَفِيُّ الأَزْهَرِيُّ أَنْبَأَ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ
عُمَرَ الدَّارَقُطْنِيُّ ثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ ثَنَا
أَبُو هِشَامٍ الرِّفَاعِيُّ ثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ عَنِ
الأَعْمَشِ عَنْ شِمْرِ بْنِ عَطِيَّةَ عن المغيرة بْن سعد بْن
الأَخْرَمِ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "لا تَتَّخِذُوا
الضَّيْعَةَ فَتَرْغَبُوا فِيهَا".
شهر بْن حوشب أبو عَبْد الرحمن الأشعري روى عن أم سلمة
(1/109)
وعَبْد اللَّه بْن عمر وابن عمرو1 وابن
عباس وأبي هريرة وروى عنه قتادة ومعاوية بْن قرة ويحكي توثيقه عن يحيى
بْن معين وأبي زرعة الرازي وتكلم فيه متكلمون وفي حقه قيل أن شهرا
نزكوه يقال نزكه ينزكه إذا عابه وأصل النزك الطعن بالنيزك وهو أصغر من
الرمح وصحف بعضهم نزكوه بتركوه وتوفي سنة ثمان وتسعين وقيل بعد المائة
ورأيت في بعض التواريخ أنه دخل قزوين غازيا والله أعلم.
قَرَأْتُ عَلَى وَالِدِي قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ أَنْبَأَ عَبْدُ
الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْجَنْزِيُّ أَنْبَأَ مُحَمَّدُ
بْنُ أَحْمَدَ أَنْبَأَ أَبُو مَالِكٍ الْبَلْخِيُّ أَنْبَأَ نَصْرُ
بْنُ مُحَمَّدٍ ثَنَا مَنْصُورُ بْنُ الدَّبُوسِيِّ ثَنَا عِيسَى بْنُ
أَحْمَدَ بْنِ حُمٍّ ثَنَا عِيسَى بْنُ أَحْمَدَ ثَنَا عَلِيُّ بْنُ
عَاصِمٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ شَهْرِ بْنِ
حَوْشَبٍ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ قَالَتْ سَمِعْتُ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "مَنْ
شَرِبَ الْخَمْرَ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ صَلاةٌ سَبْعًا فَإِنْ هِيَ
أَذْهَبَتْ عَقْلَهُ لَمْ تُقْبَلْ صَلاتُهُ أَرْبَعِينَ يَوْمًا
وَإِنْ مَاتَ مَاتَ كَافِرًا وَإِنْ تَابَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ
وَإِنْ عَادَ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يَسْقِيَهُ طِينَةَ
الْخَبَالِ".
قوله: "مات كافرا" أي لأنعم اللَّه تعالى وأشبه الكفار في لحوق العقوبة
الشديدة.
"طينة الخبال" مفسرة في الحديث بأنها عصارة أهل النار وصديدهم والخبال:
الفساد قيل أضيفت إليه لإفسادها أجسامهم.
صخر أو الضحاك بْن قيس بْن معاوية بْن حصين أو بحر السعدي
__________
1 كذا ويحتمل ان يكون ابن عمرو بن العاص.
(1/110)
المشهور بالأحنف وهو لقب واختلف في اسمه
فقيل صخر وبه قَالَ ابن قتيبة وقيل الضحاك وهو الذي ذكره البخاري
والحاكم أبو عَبْد اللَّه وأورداه في باب الألف اعتبارا بلقبه وهو من
بني سعد بْن زيد مناة بْن تميم ابن مر سمع عمر بْن الخطاب وعثمان وعليا
العباس رضي اللَّه عنهم وأدرك زمان النبي صلى اللَّه عليه واله وسلم.
ذكر ابن قتيبة أنه أسلم حينئذ لكنه لم يفد إلى النبي صلى اللَّه عليه
واله وسلم وكان حليما حكيما رئيسا بليغا محمود السير وجبر كمال صفاته
ما كان من نقصان في ذاته فعن عَبْد الملك بْن عمير أنه كأنه صعل الرأس
متراكب الأسنان مائل الذقن ناتى الوجنة باحق العين خفيف العارضين أحنف
الرجلين ولكنه كان إذا تكلم جلى عن نفسه.
صعل الرأس صغيرة وكانوا لا يحمدون ذلك.
باحق العين المنخسف العين وكانت قد ذهبت إحدى عينيه قيل بالجدري وقيل
أصيبت حين خرج إلى خراسان بسمرقند ويعد في العور الأشراف.
أحنف الرجل الذي يميل ويقبل كل واحدة من إبهاميه على الأخرى وقيل
الأحنف الذي يمشي على ظهر قدميه وكان مع ذلك نحيف الجسم.
روى الإمام مُحَمَّد بْن إسماعيل البخاري في التاريخ عن حجاج بْن منهال
ثنا حماد بْن سلمة عن علي بْن زيد عن الحسن عن الأحنف قَالَ: بينا أنا
أطوف بالبيت زمن عثمان رضي اللَّه عنه أخذ بيدي رجل من بني ليث
(1/111)
فقال: ألا أبشرك قلت: نعم قَالَ: أما تذكر
إذ بعثني النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وسلم إلى قومك
بني سعد فجعلت أعرض عليهم الإسلام فقلت: أنه يدعو إلى خير ويأمر بالخير
فبلغت النبي صلى اللَّه عليه واله وسلم فقال: "اللهم اغفر لأحنف" فقال
الأحنف: ما عمل أرجي لي منه.
نزل الأحنف قزوين على ما حكى الخليل الحافظ وحارب الديلم وحدث مُحَمَّد
ابن إسحاق عن أبيه قَالَ: ثنا أبو زرعة ثنا عثمان بْن أبي شيبة ثنا
جرير عن ثعلبة قَالَ: خرج الديلم فعسكروا عسكرا بالري وعسكرا بهمدان
وعسكرا بماه1 فتوجه لهم الأحنف فانتهى إلى العسكر الأول فاستباحهم
وقتلهم وبادر إلى العسكر الآخر قبل أن يبلغهم الخبر واستباحهم وبادر
إلى العسكر الثالث قبل أن يبلغهم الخبر فبيتهم وقتلهم وولد الأحنف ابنا
واحدا يقال له بحر وولد بحر بنتا واحدة وماتت وانقرض نسله.
قد حكى ابن أبي خيثمة عن سلمان بْن أبي شيخ أن أم الأحنف كانت ترقصه في
صباه وتقول:
والله لولا حنف برجله ... وفلة أخافها من نسله
ما كان في فتياتكم من مثله
مات الأحنف بالكوفة سنة إحدى وسبعين وصلى عليه مصعب ابن الزبير وقال
ذهبت اليوم الرأي والحزم.
طليحة بْن خويلد الأسدي حكى الخليل الحافظ عن بكر بْن الهيثم أن البراء
بْنُ عَازِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ غزا الدستبى ومعه خمسمائة رجل من
__________
1 ماه كلمة فارسية معناها قصبة البلد منها ما الكوفة - راجع التعليقات
(1/112)
المسلمين فيهم طليحة بْن خويلد وأولادهم
سكنوها وتوارثوا الضياع بعد ما بنوها وعمروها.
عبد خير بْن يزيد الهمداني ثم الخيواني أبو عمارة الكوفي روى عن علي
رضي اللَّه عنه وروى عنه ابنه المسيب وعَبْد الملك بْن سلع الهمداني
الكوفي وعبد خير من المعمرين جاهلي ثم إسلامي روى عن مسهر بْن عَبْد
الملك عن أبيه قَالَ قلت لعبد خيركم أتى عليك قَالَ عشرون ومائة سنة
قلت هل تذكر من أمر الجاهلية شيئا قَالَ اذكر إني كنت ببلدنا باليمن
فجاءنا كتاب النبي صلى اللَّه عليه واله وسلم فنودي بالصلوة فخرجوا إلى
حز واسع فكان أبي ممن خرج فلما ارتفع النهار جاء أبي فقالت له أمي: ما
حبسك؟ وهذه القدر قد بلغت وهؤلاء عيالك يتضورون يريدون الغدا.
فقال: يا أم فلان أسلمنا فاسلمي واستصبينا فاستصبىء فقلت له: فما قوله
استصبينا؟ فقال: هو في كلام العرب أسلمنا قَالَ: وآمرك بهذا القدر
فلترق للكلاب كانت ميتة فهذا ما أذكره من أمر الجاهلية
قوله: فنودي للصلاة يشبه أن يريد بنداء كما ينادي للصلاة ويمكن أن يكون
لهم صلاة فنادوا لها فاجتمع الناس والحيز شبه الحظيرة أو الحمى.
التضور: القلق والاضطراب من الجوع وقوله كانت ميتة من كلام عبد خير
بقوله إنما أبي بإراقتها لأن ذبيحتهم ميتة وعبد خير ممن ورد هذا
النواحي.
(1/113)
حدث مُحَمَّد بْن إسحاق عن أبيه ثنا أبو
حاتم الرازي ثنا الحسين بْن عمرو ثنا أبي عن أسباط بْن نصر عن السدي عن
عبد خير قَالَ غزونا مع سلمان بْن ربيع بلنجر حتى خرجنا على جيلان
وموقان والديلم.
حَدَّثَنَا الإِمَامُ وَالِدِي رَحِمَهُ اللَّهُ أَنْبَأَ عَبْدُ
الْوَهَّابِ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الصَّيْرَفِيُّ أَنْبَأَ عَبْدُ
الْوَاحِدِ بْنُ عَبْدِ الْكَرِيمِ أَنْبَأَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ
الْمَلِكِ بْنِ بِشْرَانَ أَنْبَأَ أَبُو الْحَسَنِ الدَّارَقُطْنِيُّ
ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مَخْلَدٍ ثنا أَبُو عَقِيلٍ الْجَمَّالُ نَبَأَ
حَسَنُ بْنُ جَمِيلٍ الْجَزَرِيُّ عَنْ شُعَيْبِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنِ
ابْنِ لَهِيعَةَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ رَجُلٍ عَنْ
عَبْدِ خَيْرٍ قَالَ وَضَّأْتُ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
بِرَحَبَةِ الْكُوفَةِ قَالَ يَا عَبْدَ خَيْرٍ سَلْنِي قُلْتُ: عَمَّ
أَسْأَلُكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ.
فَتَبَسَّمَ ثُمَّ قَالَ: وَضَّأْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ كَمَا وَضَّأْتَنِي فَقُلْتُ: مَنْ أَوَّلُ
مَنْ يُدْعَى إِلَى الْحِسَابِ يوم القيامة؟ فقال: "أنا أقف بَيْنَ
يَدَيْ رَبِّي تَعَالَى مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ أَخْرُجُ وَقَدْ
غَفَرَ لِي" قُلْتُ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: "أَبُو بَكْرٍ يَقِفُ كَمَا
وَقَفْتُ مَرَّتَيْنِ وَيَخْرُجُ وَقَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ" قُلْتُ:
ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: "عُمَرُ يَقِفُ كَمَا يَقِفُ أَبُو بَكْرٍ
مَرَّتَيْنِ وَيَخْرُجُ وَقَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ" قُلْتُ: ثُمَّ
مَنْ؟ قَالَ: "ثُمَّ أَنْتَ يَا عَلِيٌّ" قُلْتُ: فَأَيْنَ عُثْمَانُ
يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "عُثْمَانُ رَجُلٌ ذُو حَيَاءٍ سَأَلْتُ
رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ أَنْ لا يُوقِفَهُ لِلْحِسَابِ فَشَفَّعَنِي
فِيهِ" تَجْوِيزُ التَّوْضِيَةِ وَبَيَانُ أَنَّ مَنْ هُوَ أَعْلَى
مَرْتَبَةً يَكُونُ وُقُوفُهُ لِلْحِسَابِ أَخَفَّ وَفِي السِّيَاقِ
مَا يُشْعِرُ بِتَقْدِيمِ عُثْمَانَ عَلَى عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمَا.
عَبْد الرحمن بْن يزيد بْن قيس النخعي أبو بكر الكوفي أخو الأسود ابن
يزيد وهما خالا إبراهيم النخعي وسمع عَبْد الرحمن عثمان وابن مسعود
(1/114)
وهو موصوف بالزهد وحسن السيرة ويروي عن
الأعمش أنه قَالَ: سمعتهم يذكرون أن عَبْد الرحمن بْن يزيد لم يعمل
عملا قط إلا وهو يريد وجه اللَّه تعالى وعنه أن عَبْد الرحمن ممن غزا
الديلم وطبرستان.
في الإرشاد للخليل أنه دخل قزوين في البعث في أيام علي رضي اللَّه عنه
روى عنه ابنه مُحَمَّد بْن عَبْد الرحمن أبو جعفر وله ابن آخر يقال له
عَبْد الرحمن بْن عَبْد الرحمن محتج به في الصحيحين.
قَرَأْتُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي الْفُتُوحِ أَنْبَأَ عَبْدُ
الْمَلِكِ بْنُ أَبِي الْقَاسِمِ أَنْبَأَ مَحْمُودُ بْنُ الْقَاسِمِ
أَنْبَأَ عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ مُحَمَّدٍ أَنْبَأَ أَحْمَدُ بْنُ
مُحَمَّدٍ أَنْبَأَ مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى ثَنَا قُتَيْبَةُ وَعَلِيُّ
بْنُ حُجْرٍ قَالَ قُتَيْبَةُ ثَنَا شَرِيكٌ وَقَالَ عَلِيٌّ: أَنْبَأَ
عَنْ حَكِيمِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ
بْنِ يَزِيدَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَآلِهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ سَأَلَ النَّاسَ وَلَهُ مَا يُغْنِيهِ جاء
يوم القيامة ومسئلته فِي وَجْهِهِ خُمُوشٌ أَوْ خُدُوشٌ أَوْ كُدُوحٌ"
قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا يُغْنِيهِ؟ قَالَ: "خَمْسُونَ
دِرْهَمًا أَوْ قِيمَتُهُمَا مِنَ الذَّهَبِ".
قوله: "في وجهه خموش أو كدوح" كأنه شك من بعض الرواة والألفاظ متقاربة
المعنى فالخدش قشر الجلد والخمش في معناه يقال: خمشت المرأة وجهها
تخمشه خمشا والخماشات الجراحات والجنايات وكدوح وجهه مثل خمش والكدح
أيضا السعي والعمل قَالَ تعالى: {إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ
كَدْحاً} .
أخذ جماعة من العلماء بظاهر الخبر فقالوا: من ملك خمسين درهما
(1/115)
لم تحل له الصدقة لأنه غني والصدقة لا تحل
لغني وعند الشافعي رضي اللَّه عنه لا تحديد بل المعتبر الكفاية لما روي
أنه صلى اللَّه عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "لا تحل الصدقة إلا
لثلاثة:" فذكر "رجلا أصابته جائحة فاجتاحت ماله فحلت له الصدقة حتى
يصيب سدادا من عيش ومن لم يجد ما يكفيه لم يصب سدادا" والسداد ما يسد
به الخلة والسداد بالفتح لغة.
عبد اللَّه بْن خليفة الهمداني روى عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ
رَضِيَ اللَّه عنه وذكرت روايته عن جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ
الأَنْصَارِيِّ ويروى أنه ممن غزا الديلم.
أَنْبَأَنَا الإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَسْنَوَيْهِ عَنْ جَدِّهِ
لأُمِّهِ الْوَاقِدِ بْنِ الْخَلِيلِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ ثَنَا عَبْدُ
اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي ثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ
النَّحْوِيُّ ثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدُّورِيُّ ثَنَا
يَحْيَى بْنُ أَبِي بُكَيْرٍ ثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن عبد الله ابن
خَلِيفَةَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:
جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه واله
وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ادْعُ اللَّهَ أَنْ
يُدْخِلُنِي الْجَنَّةَ, قَالَ: "فَعَظَّمَ اللَّهَ قَالَ: إِنَّ
كُرْسِيَّهُ وَسِعَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَلَهُ أَطِيطٌ كَأَطِيطِ
الرَّحْلِ الْحَدِيدِ مِنَ الثِّقَلِ".
قوله: "فعظم اللَّه" كأن أراد في جواب المرأة انتهى الكلام إلى تعظيم
اللَّه عز وجل.
قوله: "إن كرسيه وسع السماوات والأرض" هو كما ذكره اللَّه تعالى في آية
الكرسي واختلف في معنى الكرسي فعن ابن عباس في رواية سعيد بْن جبير إن
كرسيه علمه والمعنى أن علمه أحاط بكل شيء.
(1/116)
عنه في رواية عطا والسدي أن المراد هذا
الكرسي المعروف ويروى أنه من لؤلؤ وأن السماوات السبع فيه كسبع دراهم
ألقيت في ترس وهذا ما رضيه أبو إسحاق الزجاج وقال هو المعروف في اللغة.
ثم قيل سمي الكرسي كرسيا لتراكيب بعضه على بعض وكل ما تركب فقد تكارس
ومنه الكراسة لتراكب بعض أوراقها على بعض وقيل لثبوته ومنه الكراسة
لثبوتها ولزوم بعضها بعضا.
منهم من فسر الكرسي بالملك والسلطان يقال: كرسي فلان من كذا إلى كذا أي
ملكه ويقرب منه قول من قَالَ كرسيه قدرته والمعنى أنه يمسك بقدرته
السماوات والأرض جميعا.
قوله: "وسع" أي احتمل وأطاق يقال وسع فلان الشيء يسعه سعة أي احتمله
فأطاقه.
الأطيط: نقيض صوت المحامل وأطيط الإبل صوتها يقال لا أفعله ما أطت
الإبل والرحل رحل البعير وهو من مراكب الرجال والرحل أيضا منزل الرجل
ومسكنه ومنه قوله فالصلوة في الرحال وإذا كان الرحل حديدا كان أكثر
أطيطا وقد يقال كيف يستمر قوله وله أطيط من الثقل مع قوله تعالى: {َلا
يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا} . أي لا يثقل الكرسي حفظهما والجواب أن الصحيح
في التفسير عود الكناية في قوله ولا يؤده إلى اللَّه تعالى والحديث يدل
على أن المراد من الكرسي هذا المعروف دون العلم والقدرة.
عبيد اللَّه بْن خليفة الهمداني أبو الغريف الأرحبي الكوفي ولم يذكروا
(1/117)
أهو وعَبْد اللَّه أخوان أم لا روى عن علي
والحسن بْن علي وصفوان ابن عسال رضي اللَّه عنهم وروى عنه أبو روق
الحسن بْن صالح وعامر ابن السمط وأبو الغريف كنيته غريبة نعم في
الأسماء الغريف بْن الديلمي روى عن واثله بْن الأسقع وغريب اليماني
العابد وورد أبو الغريف قزوين عاملا.
حدث الخليل بْن عَبْد اللَّه عن مُحَمَّد بْن علي بْن الجارود قَالَ
أخبرني هارون بْن علي قَالَ: وجدت في كتاب عتيق لبعض المتقدمين من أهل
قزوين أنه كان لعلي رضي اللَّه عنه أربعة من الولاة على قزوين الربيع
بْن خثيم ومرة وأبو الغريف والرابع أظنه عبيد.
أَنْبَاؤُنَا عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ عَنِ
الْحَافِظِ أَبِي يَعْلَى قَالَ أَنْبَأَ جَدِّي ثَنَا عَلِيُّ بْنُ
مُحَمَّدٍ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ شَاكِرٍ ثَنَا
أَبُو أُسَامَةَ ثَنَا أَبُو رَوْقٍ ثَنَا أَبُو الْغَرِيفِ
الْهَمْدَانِيُّ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَسَّالٍ الْمُرَادِيِّ قَالَ
بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ
فِي سَرِيَّةٍ فَقَالَ: "سِيرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَاتِلُوا
أَعْدَاءَ اللَّهِ لا تَغْلُوا وَلا تَغْدُرُوا وَلا تَقْتُلُوا
وَلِيدًا وَلا تُمَثِّلُوا وَلْيَمْسَحْ أَحَدُكُمْ إِذَا كَانَ
مُسَافِرًا إِذَا أَدْخَلَهُمَا 1 طَاهِرَتَيْنِ ثَلاثَةَ أَيَّامِ
وَلَيَالِيهِنَّ ويمسح المقيم يوما دليلة".
أبو روق عطية بْن الحارث كوفي وأبو أسامة حماد بْن أسامة الكوفي مولى
بني هاشم وعبيدة بْن عمرو والسلماني أبو مسلم ويقال أبو عمرو وقال ابن
قتيبة هو عبيدة بْن قيس والأشهر الأول وسلمان الذي نسب
__________
1 كذا في جميع النسخ.
(1/118)
إليه عبيدة هو سلمان بْن يشكر بْن ناجية
بْن مراد وهو من كبار فقهاء التابعين من أهل الكوفة من أصحاب ابن مسعود
سمع عمر وعليا وعَبْد اللَّه والزبير ابن العوام.
روى عنه ابن سيرين وإبراهيم وأبو إسحاق الهمداني وهو محتج به في
الصحيحين وليس في صحيح البخاري عبيدة بفتح العين سواه إلا عبيدة بْن
حميد الحذاء ولا في صحيح مسلم عبيدة سواه إلا عبيدة بْن سفيان الحضرمي
وكان قد أسلم وصلى قبل وفاة النبي بسنتين إلا أنه لم يلقه توفي سنة
اثنتين وسبعين وصلى عليه الأسود ابن يزيد بوصية وقد ورد قزوين وذكرنا
أنه كان أحد الولاة الأربعة لعلي رضي اللَّه عنه.
قَرَأْتُ عَلَى أَبِي بَكْرِ بْنِ الْخَلِيلِ عَنْ أَبِي عَمْرٍو
الْمُقْرِي عَنْ إِبْرَاهِيمَ الْعِجْلِيِّ أَنْبَأَ الْكشميهني
أَنْبَأَ مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ أَنْبَأَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ
ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ أَنْبَأَ سُفْيَانُ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ
إِبْرَاهِيمَ عَنْ عُبَيْدَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ النَّبِيَّ
صَلَّى اللَّهُ عليه واله وَسَلَّمَ قَالَ: "خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي
ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ
يَجِيءُ قَوْمٌ تَسْبِقُ شَهَادَةُ أَحَدِهِمْ يَمِينَهُ وَيَمِينُهُ
شَهَادَتَهُ". قَالَهُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ: وَكَانُوا يَضْرِبُونَنَا
عَلَى الشَّهَادَةِ وَالْعَهْدِ وَنَحْنُ صِغَارٌ وَهَذَا الْحَدِيثُ
أَصْلٌ فِي بَيَانِ فَضِيلَةِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ.
قوله: "يسبق شَهَادَةُ أَحَدِهِمْ يَمِينَهُ وَيَمِينُهُ شَهَادَتَهُ"
يجوز أن يريد به أنهم لا يحتاطون ولا يتدبرون بل يتبادر المبادر منهم
إلى اليمين في مظنة اليمين وإلى الشهادة في مظنة الشهادة فيكاد
لمبادرته وقلة مبالاته يسبق
(1/119)
شهادته يمينه وبالعكس.
عروة بْن زيد الخليل الطائي ذكر أبو عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن إبراهيم
القاضي ثم الخليل بْن عَبْد اللَّه وغيرهما أن دستبى والقاقزان فتحا
على يده في عهد عمر بْن الخطاب رضي اللَّه عنه وقد نقلنا قصة فتحها من
قبل ويروى ذلك عن لوط بْن يحيى قَالَ ولما نصر اللَّه الدين وهزم
المشركين بعد المقاتلات العظيمة استخلف عروة ابنه على الجيش وانصرف إلى
عمر رضي اللَّه عنه وبشره بالفتح.
ذكر الدارقطني وغيره أن عروة شهد القادسية وأن أخاه حريث ابن زيد له
صحبة وقد قدمنا ذكر زيد في الصحابة.
عمارة بْن عمير التيمي الكوفي وليس هو من تيم قريش رأى ابن عمر رضي
اللَّه عنه وسمع عَبْد الرحمن بْن يزيد والأسود بْن يزيد وعبد الله ابن
سخبرة أنبأ معمر وسمع منه الأعمش وسعد بْن عبيدة ختن أبي عَبْد الرحمن
السلمي توفي خلافة سليمان بْن عَبْد الملك وقد سبق عند ذكر إبراهيم
النخعي أن عمارة ممن غزا الديلم وطبرستان.
قَرَأْتُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عِمْرَانَ أَنْبَأَ عُمَرُ بْنُ
أَحْمَدَ أَنْبَأَ نَصْرُ اللَّهِ بْنُ عَلِيٍّ أَنْبَأَ أَحْمَدُ بْنُ
الْحَسَنِ أَنْبَأَ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ أَنْبَأَ الرَّبِيعُ
الشَّافِعِيُّ أَنْبَأَ سُفْيَانُ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مِهْرَانَ
عَنْ عُمَارَةَ عَنِ الأَسْوَدِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: لا
تَجْعَلَنَّ أَحَدُكُمْ للشيطان من صلاته جزأ يَرَى أَنْ حُتِّمَ
عَلَيْهِ أَنْ لا يَنْتَقِلَ إِلا عَنْ يَمِينِهِ فَلَقَدْ رَأَيْتُ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى الله عليه واله وَسَلَّمَ أَكْثَرَ مَا
يَنْصَرِفُ عَنْ يساره.
(1/120)
قوله: لا تجعلن أحدكم للشيطان من صلاته جزأ
يريد أنه إذا تحتم ما ليس بمتحتم أخذ الشيطان منه بخط فكما لا يجوز
تحليل الحرام لا يجوز تحريم الحلال والمقصود أن الانصراف عن الصلاة
جايز يمينا ويسارا فإن لم تختلف الغرض فالتيامن أولى.
قرظة بْن أرطاة العبدي عده الخليل الحافظ في التابعين الذين وردوا
قزوين وقال إنه قدمها غازيا مع كثير بْن شهاب وعن خليفة بْن خياط أنه
قدمها واليا سمع قرظة كثير بْن شهاب وروى عنه أبو إسحاق السبيعي.
كثير بْن شهاب أبو عَبْد الرحمن الحارثي ويقال أبو شهاب سمع عمر رضي
اللَّه عنه روى عنه قرظة بْن أرطاه وصبيح المري وذكر عَبْد الرحمن بْن
أبي حاتم أن أبا زرعة سئل عن كثير فقال: كان أمير الري في خلافة عمر
رضي اللَّه عنه ثم صار بعده على قزوين.
عن أبي عَبْد اللَّه بْن ماجة أن كثيرا هو الذي فتح قزوين يعني المرة
الثانية ويقال أنه أعقب بقزوين وسمعت غير واحد من القبيلة المعروفة
بالكثيرية أنهم من ولده.
أَنْبَأَنَا الْحَافِظُ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ
عُمَرَ الْغَازِيُّ أَنْبَأَ الْوَاقِدِ بْنِ الْخَلِيلِ عَنْ أَبِيهِ
أَنْبَأَ مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ ثَنَا أَبُي ثَنَا زَنْجُوَيْهِ
بْنُ خَالِدٍ. ثنا عمرو ابن رَافِعٍ ثَنَا جَرِيرٌ عَنْ حَمْزَةَ
الزَّيَّاتِ قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ إِلَى كَثِيرِ بْنِ شِهَابٍ مُرْ مَنْ قَبْلَكَ مِنَ
الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَأْكُلُوا الْخُبْزَ الْقَطِيرِ بِالْجُبْنِ
فَإِنَّهُ أَبْقَى لِلْبَطْنِ كَأَنَّ مَقْصُودَ الأَثَرِ
إِرْشَادُهُمْ إِلَى مَا يُؤَثِّرُ فِي الإِمْسَاكِ وهو من المهمات في
الأسفار
(1/121)
مُحَمَّدَ بْنَ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمِ بْن
عدي بْن نوفل بْن عبد مناف أبو سعيد القرشي يعد في أهل الحجاز قريب
النسب من رسول اللَّه صلى الله عليه واله وسلم وأبوه من مشاهير الصحابة
سمع أباه ومعاوية بْن أبي سفيان روى عنه الزهري وسعد بْن إبراهيم وعمرو
بْن دينار وبنوه عمرو وسعيد وجبير توفي بالمدينة زمن عمر بْن عَبْد
العزيز وقد مر في فصل الفضائل أنه خرج إلى قزوين للغزو ومنهم من لم
يصحح وروده قزوين.
قَرَأْتُ عَلَى وَالِدِي قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ أَخْبَرَكُمُ
الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ الْغَزَّالُ أَنْبَأَ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ
الزِّيَادِيُّ أَنْبَأَ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الْخُزَاعِيُّ أَنْبَأَ
الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ أَنْبَأَ مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى ثَنَا
سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَخْزُومِيُّ وَغَيْرُ وَاحِدٍ
قَالُوا: أَنْبَأَ سُفْيَانُ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ مُحَمَّدَ بْنَ
جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ لِي أَسْمَاءً
أَنَا مُحَمَّدٌ وَأَنَا أَحْمَدُ وَأَنَا الْمَاحِي يَمْحُو اللَّهُ
بِي الْكُفْرَ وَأَنَا الْحَاشِرُ الَّذِي يُحْشَرُ النَّاسُ عَلَى
قَدَمِي وَأَنَا الْعَاقِبُ الَّذِي لَيْسَ بَعْدَهُ نَبِيٌّ".
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْمُنْذِرِ عَنْ مَعْنِ
بْنِ عِيسَى عَنْ مَالِكٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ وَمُسْلِمٍ عَنْ عَبْدِ
الْمَلِكِ بْنِ شُعَيْبِ بْنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ
جَدِّهِ عَنْ عَقِيلٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ.
الحشر الجمع مع سوق والحاشر في أسماء النبي صلى الله عليه وآله وسلم
مفسر في الحديث بأنه الذي يحشر الناس على قدمه ثم قيل أراد على عهدي
وذمتي لأنه ليس بينه وبين الحشر نبي يقال: كان ذلك على رجل فلان وعلى
قدمه أي في عهده وقيل أراد أمامي أي يجتمعون
(1/122)
إلى يوم القيامة وقيل بعدي وهذا ما ذكره
الهروي في الغريبين فقال يحشر الناس على قدمي أي على أثري وعلى هذا
فوجهان قيل: معناه ليس ورأى إلا القيامة وقيل أي أنا أول من يبعث وتنشق
عنه الأرض ثم يبعث الناس.
العاقب الذي خلف الأنبياء يقال عقبه يعقبه عقوبا ومنه عقب الرجل لولده
وعن ابن الأعرابي أن العاقب والعقوب هو الذي يخلف من كان قبله في
الخير.
مُحَمَّد بْن الحجاج بْن يوسف الثقفي وهو الحجاج بْن يوسف بْن الحكم
ابن أبي عقيل بْن مسعود بْن عامر بْن معقب بْن مالك بْن كعب مات في
حياة أبيه وقد تقدم ذكر وروده قزوين عند ذكر مسجد التوث وكان قد لقي
أنس بْن مالك رضي اللَّه عنه.
حَدَّثَ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَلَمَةَ
فِيمَا رَأَيْتُهُ فِي بَعْضِ الأَجْزَاءِ الْعَتِيقَةِ عَنْ
إِبْرَاهِيمَ بْنِ نَصْرٍ ثنا الْحَسَنُ بْنُ بِشْرٍ حَدَّثَنِي أَبِي
عَنْ أَبَانِ بْنِ أَبِي عَيَّاشٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ:
كَتَبَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مروان إلى الحجاج ابن يُوسُفَ أَنِ
انْظُرْ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ خَادِمَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى الله عليه
واله وَسَلَّمَ فَادْنُ مَجْلِسَهُ وَأَحْسِنْ جَايِزَتَهُ
وَأَكْرِمْهُ, فَأَتَيْتُهُ ذَاتَ يَوْمٍ فَقَالَ: يَا أَبَا حَمْزَةَ
إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَعْرِضَ عَلَيْكَ خَيْلِي فَتُعْلِمُنِي أَيْنَ
هِيَ مِنَ الْخَيْلِ الَّتِي كَانَتْ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ: شَتَّانَ بَيْنَهُمَا
تِلْكَ كَانَتْ أَبْوَالُهَا وَأَوْرَاثُهَا أَجْرًا.
فَقَالَ الْحَجَّاجُ: لَوْلا كِتَابُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ فِيكَ
لَضَرَبْتُ الذي فيه
(1/123)
عَيْنَاكَ فَقُلْتُ: مَا أَقْدَرَكَ
اللَّهُ عَلَى ذَلِكَ, قَالَ: وَلِمَ؟ قُلْتُ: لأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عليه واله وَسَلَّمَ عَلَّمَنِي دُعَاءً أَقَوُلُهُ لا
أَخَافُ مِنْ شَيْطَانٍ وَلا سُلْطَانٍ وَلا سَبْعٍ, قَالَ: يَا أَبَا
حَمْزَةَ عَلِّمْهُ ابْنَ أَخِيكَ مُحَمَّدَ بْنَ الْحَجَّاجِ
فَأَبَيْتُ عَلَيْهِ فَقَالَ لابْنِهِ: ائْتِ عَمَّكَ أَنَسًا فَسَلْهُ
أَنْ يُعَلِّمَكَ ذَلِكَ قَالَ أَبَانٌ: فَلَمَّا حَضَرَتْهُ
الْوَفَاةُ دَعَانِي فَقَالَ: يَا أَحْمَرُ إِنَّ لَكَ انْقِطَاعًا
وَقَدْ وَجَبَتْ حُرْمَتُكَ وَأَنَا مُعَلِّمُكَ ذَلِكَ الدُّعَاءَ
الَّذِي عَلَّمَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ
وَسَلَّمَ فَلا تُعَلِّمْهُ مَنْ لا يَخَافُ اللَّهَ.
"قُلْ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ بِسْمِ اللَّهِ عَلَى نَفْسِي
وَدِينِي بِسْمِ اللَّهِ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ أَعْطَانِي رَبِّي بِسْمِ
اللَّهِ خَيْرِ الأَسْماءِ بِسْمِ اللَّهِ رَبِّ الأَرْضِ وَالسَّمَاءِ
بِسْمِ اللَّهِ الَّذِي لا يَضُرُّ مَعَ اسْمِهِ شَيْءٌ بِسْمِ اللَّهِ
افْتَتَحْتُ وَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ اللَّهُ اللَّهُ رَبِّي لا
أُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِكَ
الَّذِي لا يُعْطِيهِ غَيْرُكَ عَزَّ جَارُكَ وَجَلَّ ثَنَاؤُكَ وَلا
إِلَهَ غَيْرُكَ اجْعَلْنِي فِي عِيَاذِكَ مِنْ كُلِّ سُوءٍ وَمِنَ
الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ".
"اللَّهُمَّ إِنِّي أَحْتَرِسُ بِكَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْتَ
وَأَحْتَرِزُ بِكَ مِنْهُمْ وَأُقَدِّمُ بَيْنَ يَدَيَّ بِسْمِ اللَّهِ
الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ
لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ} .
وَمِنْ خَلْفِي مِثْلَ ذَلِكَ وَعَنْ يَمِينِي مِثْلَ ذَلِكَ وَعَنْ
يَسَارِي مِثْلَ ذَلِكَ وَمِنْ فَوْقِي مِثْلَ ذَلِكَ".
قوله: كتب عَبْد الملك أن أنظر أي تأمل في الحال وتدبر ثم ابتدأ أنس
خَادِمَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه واله وسلم.
مرة ابن شراحيل الهمداني ويقال له مرة الطيب ومن
(1/124)
العجيب أن يوصف المر بالطيب لكن في الألقاب
والأسماء ما ينزل من أسماء سمع ابن مسعود وذكر أنه روى عن أبي بكر وعمر
وعلي رضي اللَّه عنهم وروى عنه عمرو ابن مرة وأبو إسحاق السبيعي
والشعبي وقد تقدم أنه خرج إلى الديلم في عدد جم في أيام علي رضي اللَّه
عنه وفي الإرشاد للخليل أنه دخلها في آخر أيام عمر رضي اللَّه عنه
وربما أتاها مرتين.
أَنْبَأَ وَالِدِي عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ
الْحُسَيْنِ وَأَنْبَانَا غَيْرُ وَاحدٍ عَنْ كِتَابِ ابْنِ
الْحُسَيْنِ أَنْبَأَ الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ أَنْبَأَ عَلِيُّ بْنُ
إِبْرَاهِيمَ أَنْبَأَ مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ ثنا يَحْيَى بْنُ
حَكِيمٍ ثنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ طَلْحَةَ عَنْ
زُبَيْدَةَ عَنْ مُرَّةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ حَبَسَ
الْمُشْرِكُونَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ
وَسَلَّمَ عَنْ صَلاةِ الْعَصْرِ حَتَّى غَابَتِ الشَّمْسُ فَقَالَ:
"حَبَسُونَا عَنْ صَلاةِ الوسطى ملاء اللَّهُ قُبُورَهُمْ
وَبُيُوتَهُمْ نَارًا".
الوسطى تأنيث الأوسط ووسط القوم بسطهم أي صار وسطهم فظهر اختلاف علماء
الصحابة فمن بعدهم في أن الصلاة الوسطى أية صلاة هي فعن زيد بْن ثابت
وعائشة وأبي سعيد الخدري وأسامة بْن زيد أنها صلاة الظهر لأنها في وسط
النهار ولأنها الوسطى من صلاة النهار وقال الأكثرون هي صلاة العصر
لأنها متوسطة بين صلاتي نهار وصلاتي ليل والحديث حجة لهذا القول.
عن قبيصة بن ذوئب أنها صلاة المغرب لتوسطها بين الطول والقصر وعن بعضهم
أنها صلاة العشاء لأنها بين صلاتين لا يقصران
(1/125)
وعن ابن عباس وابن عمر ومعاذ وطاؤس وعكرمة
وهو اختيار الشافعي أنها صلاة الصبح لوقوعها بين سواد الليل وبياض
النهار وذكر أن ذلك كان قبل نزول صلاة الخوف وإلا لما أخلى الوقت عن
الصلاة.
منارة الغامدي وغامد بطن من الأزد حكى الخليل الحافظ وغيره أن
الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عنه لما ولي قزوين سار ومعه
عروة ابن زيد الخيل حتى أتى أبهر فأقام على حصنها وهو من بناء سابور
فقاتلوه ثم طلبوا الأمان فآمنهم ثم عزا قزوين فأظهر أهلها الإسلام فرتب
البراء معهم خمسمائة رجل معهم طليحة بْن خويلد الأسدي ومنارة وميسرة
الغامديان وجماعة من تغلب على دستبى وغزا البرء الديلم.
منصور بْن عَبْد الحميد بْن راشد الخراساني من أهل مر واستوطن البصرة
وانصرف إلى خراسان بأخره ومات بسرخس وذكر أنه يكنى أبا رباح وأنه مولى
عمار بْن ياسر رأى أبا هريرة وروى عن ابن عمر وأنس وأبي أمامة رضي
اللَّه عنهم ومن التابعين عن عطاء بْن أبي رباح وطاؤس ومكحول وروى عنه
سلمة بْن سليمان ومعاذ بْن أسد المروزيان وغيرهما.
أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَسْنَوَيْهِ عَنِ الْوَاقِدِ بْنِ
الْخَلِيلِ عن أبيه نبأ الحسن ابن عَبْدِ الرَّزَّاقِ أَنْبَأَ عَلِيُّ
بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنِي أَبُو الْحُسَيْنِ مُحَمَّدُ بْنُ
عَطِيَّةَ الْقَزْوِينِيُّ حَدَّثَنِي أَبُو المنتصر مقيل بن رجاء
الحارثي بطوس ثَنَا أَبُو الْهُذَيْلِ عِيسَى بْنُ نَصْرٍ
السَّرْخَسِيُّ ثَنَا مَنْصُورُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ سَمِعْتُ أَبَا
أُمَامَةَ يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَآلِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "إِذَا قَرَأَ الرَّجُلُ الْقُرْآنَ
(1/126)
وَاحْتَشَى مِنْ أَحَادِيثِ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ وَكَانَتْ هُنَاكَ
عَزِيزَةٌ كَانَ خَلِيفَةً مِنْ خُلَفَاءِ الأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ
السَّلامُ".
قوله: "إذا قرأ الرجل القرآن" يعني قراءة فهم ومعرفة وعلى مثل ذلك حمل
الشافعي قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: "يؤم القوم
أقرأوهم لكتاب اللَّه".
قوله واحتشى من أحاديث رسول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ
وسلم ضبط بالشين وكأنه من قولهم: حشا الوشاة واحتشت الحائض بكذا ويجوز
أن يكون الرواية بالسين من قولهم حسا المرقة وتحساها واحتساها واللفظ
على التقدير الأول يشير إلى الإكثار منها وعلى الثاني إلى الحرص عليها
والغوص فيها وفي معانيها والغريزة الطبيعة والمقصود أن الطبيعة القويمة
إذا ساعدت علم الكتاب والسنة كان صاحبها من خلفاء الأنبياء ووراثتهم.
ميسرة الغامدي يقال أنه ورد مع البراء قزوين وأنه من الذين سكنوا دستبي
وأعقبوا بها وعمروا الضياع وكانت في أيديهم قبالة من السلطان أنها لهم
وسموا متقبلين لتقبلهم البلد من السلطان.
يزيد بْن كيسان اليشكري الكوفي أبو منين فيما روى عن يعلى بْن عبيد
وأبو إسماعيل فيما ذكر مروان بْن معاوية الفزاري روى عن أبي حازم
لأشجعي ويذكر أنه رأى أنس بْن مالك رضي اللَّه عنه وروى عنه يحيى بْن
سعيد القطان وعَبْد الواحد بْن زياد ومروان ابن معاوية وكتب عنه سفيان
الثوري وشريك وفي تاريخ البخاري إن يحيى القطان
(1/127)
قَالَ في يزيد أنه صالح وسط وليس ممن يعتهد
عليه لكن عن الحسين الْجُعْفِيّ أنه حدث عنه وقال كان أبو منين عندنا
من الأخيار الصالحين وأخرج عنه مسلم في الصحيح.
ذكر الخليل في الأرشاد أنه دخل قزوين مرابطا ومات بها وأما أن له
أعقابا مبرزين من أهل العلم والحديث بقزوين فهو مشهور وسيأتي ذكرهم في
تراجمهم إن شاء اللَّه.
حَدَّثَ عَلِيُّ بْنُ بَيَّاعِ الْحَدِيدِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ
مُحَمَّدٍ الذَّهَبِيُّ ثَنَا عبد الله ابن هَاشِمٍ ثَنَا يَحْيَى بْنُ
سَعِيدٍ الْقَطَّانُ ثَنَا يَزِيدُ بْنُ كَيْسَانَ عَنْ أَبِي حَازِمٍ
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ إِنْ كَانَ لَيُصَلِّي خَلْفَ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ واله وَسَلَّمَ نَيْفٌ وَسَبْعُونَ رَجُلا
مِنْ أَصْحَابِ الصُّفَّةِ لَهُمْ ثَوْبٌ وَاحِدٌ لا يَبْلُغُ
سُوقَهُمْ فَيَقُولُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ
وَسَلَّمَ للنساء: "لا ترفعن رؤسكن مِنَ السَّجْدَةِ حَتَّى يَسْتَوِيَ
هَؤُلاءِ صُفُوفًا" قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: وَأَنْتُمُ الْيَوْمَ
تُصَلُّونَ فِي الثَّوْبَيْنِ وَالثَّلاثَةِ.
فِيهِ بَيَانٌ أَنَّ جَماعَةً مِنَ الصَّحَابَةِ كَانُوا يُشْهَرُونَ
بِأَهْلِ الصُّفَّةِ وَقَدْ جَمَعَ أَسْمَاءَهُمْ جَامِعُونَ
وَتَتَبَّعَ الْحَافِظُ أَبُو نُعَيْمٍ الأَصْبَهَانِيُّ فِي
الْحِلْيَةِ مَا ذُكِرَ تَصْحِيحًا وَتَزْيِيفًا.
قوله: لهم ثوب واحد أي لكل واحد ويروى في أحوالهم أنهم ربما تناوبوا في
الثوب الفرد وفيه أن الصلاة تؤدي في الثوب الواحد.
قوله: لا يبلغ سوقهم كأنه لا يجاوز الركبة أو كان فويقها فليست هي من
العورة وليس ذلك لأن السنة تقصير الثوب إلى هذا الحد وإنما
(1/128)
كان السبب فيه قلة ذات يدهم ومنع النساء من
رفع الرؤس إلى أن يستوي القوم لئلا يقع نظرهن على شيء من العورة وفيه
أن ستر العورة يرعى من الأعلى ومن الجوانب لا من الأسفل وأن النساء كن
يقفن خلف الرجال.
قوله وأنتم تصلون في الثوبين والثلاثة يشير إلى ما كانوا عليه من
المجاهدة إلى أن وسع اللَّه عليهم فهؤلاء هم المشهورون ممن ورد قزوين
من الصحابة والتابعين رحمة اللَّه عليهم أجمعين.
(1/129)
|