العبر في خبر من غبر، من سنة 81 إلى 90

سنة إحدى وثمانون
فيها قام مع ابن الأشعث عامة أهل البصرة مع العلماء والعباد. فاجتمع له جيش عظيم. والتقوا عسكر الحجاج يوم الأضحى، فانكشف عسكر الحجاج وانهزم هو، وتمت بينهما بعد ذلك عدة وقعات، حتى قيل كان بينهما أربع وثمانون وقعة على الحجاج، والآخرة كانت له.
وفيها، وقيل سنة اثنتين، توفي أبو القاسم محمد بن علي بن أبي طالب الهاشمي ابن الحنفية، عن سبعين إلا سنة. وكانت الشيعة قد لقبته المهدي. وتزعم شيعته أنه لم يمت، وأنه بجبل رضوى مختفياً عنده عسل وماء.
وفيها توفي سويد بن غفلة الجعفي بالكوفة. وقدم المدينة وقد دفنوا النبي صلى الله عليه وسلم. ومولده عام الفيل فيما قيل. وكان فقيهاً إماماً عابداً كبير القدر.

(1/68)


وفيها توفي عبد الله بن زرير الغافقي المصري. روى عن عمر وعلي.
وفيها حجت أم الدرداء الأوصابية الحميرية. وكان لها نصيب وافر من العلم والعمل. ولهاحرمة زائدة بالشام. وقد خطبها معاوية بعد وفاة أبي الدرداء فامتنعت. وقتل مع ابن الأشعث ليلة دجيل أبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود الهذلي. روى عن طائفة. ولم يدرك السماع من والده. وقتل معه ليلتئذ عبد الله بن شداد بن الهاد الليثي ابن خالة خالد ابن الوليد. وكان فقيها " كثير الحديث، لقي كبار الصحابة وأدرك معاذ بن جبل
سنة اثنتين وثمانون
وفيها كانت الحروب تستعر بالعراق بين الحجاج وابن الأشعث وكاد ابن الأشعث أن يغلب على العراق. وبلغ جيشه ثلاثة وثلاثين ألف فارس ومئة وعشرين ألف راجل. ولم يتخلف عنه كثير. قاموا معه على الحجاج لله.
وفيها توفي أبو عمر زاذان مولى كندة. وقد شهد خطبة عمر بالجابية. وكان من علماء الكوفة.

(1/69)


وفيها توفي أبو مريم زر بن حبيش الأسدي القاري بالكوفة، عن مئة وعشرين سنة، وكان عبد الله بن مسعود يسأله عن العربية فيما قيل.
وفيها قتل الحجاج كميل بن زياد النخعي صاحب علي. وكان شريفاً مطاعاً شيعياً متعبداً.
وفيها في ذي الحجة توفي بمرو الروذ المهلب بن أبي صفرة الأزدي أمير خراسان وصاحب الحروب والفتوحات.
قال أبو إسحاق السبيعي: لم أر أميراً أيمن نقيبةً، ولا أشجع لقاءً، ولا أبعد مما يكره، ولا أقرب مما يحب من المهلب.
قلت: ومولده عام الفتح، ولأبيه صحبة.
وفيها قتل مع ابن الأشعث سليم بن أسود المحاربي الكوفي.
وفيها قتل الحجاج محمد بن سعد أبي وقاص لقيامه مع ابن الأشعث.
سنة ثلاث وثمانين
فيها في قول الفلاس وغيره: وقعة دير الجماجم. وكان شعار الناس: يا ثارات الصلاة. لأن الحجاج، قاتله الله، كان يميت الصلاة ويؤخرها حتى يخرج وقتها.
فقتل مع ابن الأشعث أبو البخترى الطائي مولاهم، واسمه سعيد بن فيروز،

(1/70)


وكان من كبار فقهاء الكوفة. روى عن ابن عباس وطبقته.
وغرق مع ابن الأشعث بدجيل عبد الرحمن بن أبي ليلى الأنصاري الكوفي الفقيه المقرئ.
قال ابن سيرين: رأيت أصحابه يعظمونه كأنه أمير.
قلت: أخذ عن عثمان وعلي، ورأى عمر يمسح على الخفين.
وفيها توفي أبو الجوزاء الربعي البصري. واسمه أوس بن عبد الله. روى عن عائشة وجماعة.
وفيها توفي قاضي مصر عبد الرحمن بن جحيرة الخولاني. روى عن أبي ذر وغيره. وكان عبد العزيز بن مروان يرزقه في السنة ألف دينار فلا يدخرها.
سنة أربع وثمانين
فيها افتتح موسى بن نصير أوربة من المغرب وبلغ عدد السبي خمسين ألفاً.
وفيها فتحت المصيصة على يد عبد الله بن عبد الملك بن مروان.
وفيها قتل الحجاج أيوب بن القرية أحد الفصحاء والبلغاء. وكان قد خرج مع ابن الأشعث.
وفيها ظفروا بعبد الرحمن بن محمد بن الأشعث بن قيس الكندي وقتلوه بسجستان، وطيف برأسه في البلدان.

(1/71)


وفيها توفي عبد الله بن الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب الهاشمي بعمان. هارباً من الحجاج. وهو ابن أخت معاوية. ولما ولد أتي به النبي صلى الله عليه وسلم فحنكه.
وفيها توفي عتبة بن الندر السلمي بالشام. له صحبة وحديثان.
وفيها توفي عمران بن حطان السدوسي البصري آخر رؤوس الخوارج وشاعرهم البليغ.
وفيها توفي أبو زرعة روح بن زنباع الجذامي سيد جذام وأمير فلسطين. وكان معظماً عند عبد الملك لا يكاد يفارقه. وهو عنده بمنزلة وزير. وكان ذا علم وعقل ودين.
سنة خمس وثمانين
وفيها غزا محمد بن مروان بن الحكم أرمينية. فأقام سنة، وأمر ببناء مدينة أردبيل وبرذعة.
وفيها كانت وقعة بين المسلمين والروم بطوانة أصيب فيها المسلمون واستشهد نحو الألف.

(1/72)


وفيها توفي أبو عمر عبد العزيز بن مروان بن الحكم أمير مصر والمغرب في جمادى الأولى. وأرخه جماعة وقال بعضهم: مات في العام الماضي وبقي على مصر عشرين سنة. وروى عن أبي هريرة وغيره. وكان ولي العهد بعد عبد الملك. عقد لهما أبوهما ذلك. فلما مات عقد العهد من بعده عبد الملك لولديه، وبعث إلى عاملة على المدينة هشام بن إسماعيل المخزومي ليبايع له الناس بذلك. فامتنع عليه سعيد بن المسيب وصمم.
فضربه هشام ستين سوطاً وطوف به.
وفيها أو في سنة ست توفي واثلة بن الأسقع الليثي. أحد فقراء الصفة. شهد غزوة تبوك. وعاش ثمانياً وتسعين سنة. وكان فارساً شجاعاً فاضلاً.
وفيها توفي عمرو بن حريث المخزومي. وله صحبة ورواية. مولده قبيل الهجرة.
وفيها، في قول، عمرو بن سلمة الجرمي البصري الذي صلى بقومه في عهد النبي صلى الله عليه وسلم. ويقال له صحبة.
وفيها توفي أسير بن جابر بالعراق، وله أربع وثمانون سنة.
[روى عن عبد الله وغيره]

(1/73)


عمرو بن سلمة الهمداني. سمع علياً وابن مسعود. ولم يخرجوا له في الكتب الستة شيئاً. وهو مقل.
وفيها توفي عبد الله بن عامر بن ربيعة العتري حليف آل عمر بن الخطاب. ولد سنة ست من الهجرة. وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثاً ليس بمتصل. خرجه أبو داود. وله عن الصحابة.
سنة ست وثمانين
فيها ولي قتيبة بن مسلم الباهلي خراسان وافتتح بلاد صاغان من الترك صلحاً.
وفيها توفي أبو أمامة الباهلي صدي بن عجلان نزيل حمص.
وقد قال: كنت يوم حجة الوداع ابن ثلاثين سنة فيكون عمره مئة وست سنين.
وافتتح مسلمة بن عبد الملك حصنين من بلاد الروم.
وفيها، وقيل سنة ثمان، عبد الله بن أبي أوفى الأسلمي. وهو آخر الصحابة موتاً بالكوفة. وآخر من شهد بيعة الرضوان الذين رضي الله عنهم بنص القرآن. ولا يدخل أحد منهم النار بنص السنة.

(1/74)


وفيها، على الصحيح، وقيل سنة ثمان أيضاً، عبد الله بن الحارث بن جزء الزبيدي. آخر الصحابة موتاً بمصر.
وفيها قبيصة بن ذؤيب الخزاعي المدني الفقيه بدمشق. روى عن أبي بكر وعمر.
قال مكحول: ما رأيت أعلم منه.
وقال الزهري: كان من علماء الأمة.
وفي شوال مات الخليفة أبو الوليد عبد الملك بن مروان، وله ستون سنة. وكانت خلافته المجتمع عليها من بعد ابن الزبير ثلاث عشرة سنة وأشهراً. وكان أبيض، طويلاً، كبير العينين، مشرف الأنف، رقيق الوجه، ليس بالبادن. عدة أبو الزناد في الفقيه في طبقة ابن المسيب.
وقال نافع: لقد رأيت أهل المدينة وما فيها شاب أشد تشميراً ولا أفقه ولا أنسك ولا أقرأ لكتاب الله من عبد الملك.
سنة سبع وثمانين
فيها استعمل الوليد على المدينة عمر بن عبد العزيز، إلى أن عزله سنة ثلاث وتسعين بأبي بكر بن حزم.
وفيها كانت ملحمة هائلة بناحية بخارا بين قتيبة والكفار. ونصر الله الإسلام.

(1/75)


وفيها فتحت سردانية من المغرب.
وفيها ابتدأ بنيان جامع دمشق. ودام العمل والجد والاجتهاد في بنائه وزخرفته أكثر من عشر سنين. وكان فيه اثنا عشر ألف صانع.
وفيها توفي بحمص صاحب النبي صلى الله عليه وسلم عتبة بن عبد السلمي، وله أربع وتسعون سنة.
وفيها توفي المقدام بن معدي كرب الكندي صاحب النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن إحدى وتسعين سنة. مات بحمص أيضاً.
سنة ثمان وثمانين
فيها زحفت الترك وأهل فرغانة والصغد وعليهم ابن أخت ملك الصين في جمع لم يسمع بمثله. فيقال: كانوا مائتي ألف. فالتقاهم قتيبة بن مسلم فهزمهم.
وفيها اقتتلت الروم في جمع عظيم. فالتقاهم مسلمة فكسرهم أيضاً. فلله الشكر والمنة. وافتتح مسلمة حرثومة وطوانة.
وفيها توفي عبد الله بن بسر المازني بحمص. فكان آخر من مات بالشام من الصحابة.

(1/76)


سنة تسع وثمانين
فيها جهز موسى بن نصير ولده عبد الله. فافتتح جزيرتي ميورقة ومنورقة.
وجهز ولده الآخر مروان فغزا السوس الأقصى. وبلغ السبي أربعين ألفاً.
وغزا مسلمة عمورية. فالتقى الروم وهزمهم.
وفيها توفي على الصحيح عبد الله بن ثعلبة بن أبي صعير العذري المدني. مسح النبي صلى الله عليه وسلم رأسه ودعا له. فوعى ذلك. وسمع من عمر.
سنة تسعين
فيها غزا قتيبة وردان خداه الغزوة الثانية. فاستصرخ عليه بالترك، فالتقاهم قتيبة وكسرهم.
وفيها غزا مسلمة سورية وافتتح الحصون الخمسة.
وفيها غدر ملك الطالقان واستعان بترك طرخان على قتيبة. ثم ظفر قتيبة بأهل الطالقان فقتل منهم صبراً مقتلة لم يسمع بمثلها. وصلب منهم سماطين طول كل سماط أربعة فراسخ في نظام واحد.

(1/77)


وفيها ولي مصر قرة بن شريك. وكان جباراً ظالماً.
وفيها توفي أبو ظبيان حصين بن جندب الجنبي الكوفي والد قابوس.
وفيها، على الأصح، خالد بن يزيد بن معاوية الأموي الدمشقي وكان موصوفاً بالعلم والدين والعقل.
وفيها عبد الرحمن بن المسور بن مخرمة الزهري المدني الفقيه.
وأبو الخير مرثد بن عبد الله اليزني المصري مفتي أهل مصر في وقته، وعلى عقبة بن عامر تفقه.