المغرب في حلى المغرب

145 - أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن مُحَمَّد بن ذكْوَان
من كتاب ابْن حَيَّان أَن ابْن أبي عَامر قَلّدهُ الْقَضَاء بعد خَاله قَالَ وَالنَّاس ينسبون بني ذكْوَان إِلَى برابر فحص البلوط وهم يَزْعمُونَ أَنهم من بني سليم من موَالِي بني أُميَّة واتصلت ولَايَته إِلَى قيام الْفِتْنَة وسعى عَلَيْهِ ابْن القطاع فعزل ثمَّ رد إِلَيْهَا واعتلت مَنْزِلَته فِي مُدَّة المظفر بن أبي عَامر وأخيه النَّاصِر وقلده النَّاصِر الوزارة وَكَانَ يكْتب عَنهُ من الْوَزير قَاضِي الْقُضَاة وَهُوَ أول من كتب عَنهُ بذلك من قُضَاة الأندلس فَلَا كَانَ قَضَاء الْقُضَاة من خطط الدولة المروانية لأَنهم لم يفوضوا أَمر الْقُضَاة إِلَى قَاض

(1/215)


فِي وَقت من الْأَوْقَات وَمَال إِلَى البرابر فِي الْفِتْنَة فَقبض عَلَيْهِ وَاضح مولى أبي عَامر مُدبر دولة هِشَام أَسْوَأ قبض وَنفي إِلَى بر العدوة فِي وَقت تنكر الْبَحْر فسلمه الله إِلَى وهران إِلَى أَن قتل وَاضح فَاسْتَرْجع إِلَى قرطبة وَلم يقبل خطة الْقَضَاء بِوَجْه وَكَانَ السُّلْطَان لَا يقطع أمرا دونه وصحبته الرياسة بَقِيَّة مدَّته إِلَى أَن مَاتَ على تِلْكَ الْحَال فَدفن صَلَاة الْعَصْر من يَوْم الْأَحَد لتسْع بَقينَ من رَجَب سنة ثَلَاث عشرَة وَأَرْبَعمِائَة بمقبرة الْعَبَّاس مَعَ سلفه وَلم يتَخَلَّف عَنهُ كَبِير أحد من الْخَاصَّة والعامة وَشهد الْخَلِيفَة يحيى بن عَليّ بن حمود جنَازَته
146 - أَبُو الْمطرف عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن فطيس
من كتاب ابْن حَيَّان أَنه ولي الْقَضَاء بَين مدتي أبي الْعَبَّاس بن ذكْوَان وَهُوَ أحد الأعاظم من وزراء السُّلْطَان فِي أحد الْبيُوت المولوية الَّتِي انْتهى إِلَيْهَا الشّرف وَمِمَّنْ جمع إِلَى ذَلِك الارتسام بِالْعلمِ وَالرِّوَايَة الواسعة والتقدم بِالْعَمَلِ فِي الْحُكُومَة بالمظالم والشرطة وَكَانَ مَشْهُورا بالصلابة فِي الْحق وإعزاز الْحُكُومَة إِلَّا أَنه كَانَ يخلط صرامته ببطش وعجلة وحدة لَا تلِيق بِالْأَحْكَامِ وَكَانَ الْغَالِب عَلَيْهِ الرِّوَايَة وَالْبَصَر بطرِيق الحَدِيث وصاهره ابْن القطاع صَاحب الدولة العامرية وَكَانَت وَفَاته صدر الْفِتْنَة فَدفن يَوْم الثُّلَاثَاء لِلنِّصْفِ من ذِي الْقعدَة سنة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعمِائَة

(1/216)


وَمن كتاب نُجُوم السَّمَاء فِي حلى الْعلمَاء
147 - أَبُو عمر أَحْمد بن سعيد بن إِبْرَاهِيم الْهَمدَانِي الْمَعْرُوف بِابْن الْهِنْدِيّ
ذكره ابْن بشكوال فِي كتاب الْأَعْلَام وَأخْبر أَنه روى عَن أبي عَليّ صَاحب الأمالي وَعَن قَاسم بن أصبغ وَكَانَ حَافِظًا لأخبار أهل الأندلس بَصيرًا بِعقد الوثائق وَله فِيهَا ديوَان كَبِير كثير الْمَنْفَعَة
وَلَا عَن زوجه بالجامع فِي قرطبة فِي سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ وثلاثمائة فعوتب فِي ذَلِك وَقيل لَهُ مثلك يفعل هَذَا فَقَالَ أردْت إحْيَاء سنة
قَالَ ابْن بشكوال وَكَانَت وَفَاته فِي شهر رَمَضَان سنة تسع وَتِسْعين وثلاثمائة وَصلى عَلَيْهِ القَاضِي أَحْمد بن ذكْوَان ومولده لعشر بَقينَ من محرم سنة عشْرين وثلثمائة

(1/217)


بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
صلى الله على سيدنَا مُحَمَّد
أما بعد حمد الله وَالصَّلَاة على سيدنَا مُحَمَّد وَنبيه وَآله وَصَحبه فَهَذَا = الْكتاب الرَّابِع
من الْكتب الَّتِي تشْتَمل عَلَيْهَا
الكورة القرطبية وَهُوَ كتاب الوردة فِي حلى مَدِينَة شقندة
كَانَت فِي قديم الزَّمَان مَدِينَة ثمَّ خرجت وَصَارَت قَرْيَة وَهِي مطلة عَلَيْهَا مجاورة لَهَا مِنْهَا
148 - أَبُو الْوَلِيد الشقندي
وحسبه من التَّنْبِيه على مَحَله فِي الْأَدَب رسَالَته الَّتِي تقدّمت فِي صدر كتاب الأندلس وَكَانَ شَاهدا عدلا يتَوَلَّى الْقَضَاء فِي مثل بياسة وأبدة

(1/218)


وتفنن فِي الْعُلُوم الْقَدِيمَة والحديثة وارتقى إِلَى أَن كَانَ مِمَّن يحضر مجْلِس مَنْصُور بني عبد الْمُؤمن وَكَانَ وَالِدي يقدمهُ وأبصرته فِي إشبيلية فِي مُدَّة ابْن هود وَبهَا توفّي بعد سنة سبع وَعشْرين وسِتمِائَة
لَهُ فِي مطلع قصيدة فِي مَنْصُور بني عبد المومن وَقد نَهَضَ لِلنَّصَارَى عَام الأرك ... إِذا نهضت فَإِن السعد منتهض ... ترمي السُّعُود سهاماً والعدا غَرَض
لَك البسيطة تطويها وتنشرها ... فَلَيْسَ فِي كل مَا قد رمت معترض ...

وَأنْشد الْوَزير ابْن جَامع قصيدة فِيهَا ... استوقف الركب قد لاحت لَك الدَّار ... واسأل بِربع تناءت عَنهُ أقمار
لَا خفف الله عني بعد بَينهم ... فإنني سرت والأحباب مَا سَارُوا
أَلا رعى الله ظَبْيًا فِي قبابهم ... مِنْهُ لَهُم فِي ظلام اللَّيْل أنوار
غَدا أنيساً بهم لَا شَيْء يذعره ... لكنه عَن جنابي الدَّهْر نفار ...

فَقَالَ لَهُ الْوَزير يَا أَبَا الْوَلِيد هَذَا الظبي نفارك فَمن تواقك فَخَجِلَ وَله ... عللاني بِذكر من هَمت فِيهِ ... وعداني عَنهُ بِمَا أرتجيه
وَإِذا مَا طربتما لارتياحي ... فاجعلا خمرتي مدامة فِيهِ
لَيْت شعري وَكم أطيل الْأَمَانِي ... أَي يَوْم فِي خلْوَة ألتقيه
وَإِذا مَا ظَفرت يَوْمًا بشكوى ... قَالَ لي أَيْن كل مَا تدعيه
لَا دموع وَلَا سقام فَمَاذَا ... شَاهد عَنْك بِالَّذِي تخفيه
قلت دَعْنِي أمت بدائي فَإِنِّي ... لَو براني الغرام لَا أبديه ...

(1/219)


بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
صلى الله على سيدنَا مُحَمَّد أما بعد حمد الله وَالصَّلَاة على سيدنَا مُحَمَّد وَآله وَصَحبه فَهَذَا الْكتاب الْخَامِس
من الْكتب الَّتِي يشْتَمل عَلَيْهَا
كتاب الكورة القرطبية وَهُوَ كتاب الجرعة السيغة فِي حلى قَرْيَة وزغة
من قرى قرطبة ينْسب إِلَيْهَا
149 - أَبُو جَعْفَر أَحْمد بن يحيى الْحِمْيَرِي الوزغي
خطيب جَامع قرطبة الْمصدر بِهِ فِي الْمِائَة السَّابِعَة لإقراء النَّحْو وفنون الْأَدَب الْمَشْهُور بالظرف واللطافة كَانَ يعشق غُلَاما اسْمه عِيسَى فَقَرَأَ عَلَيْهِ غُلَام اسْمه مُحَمَّد فَمَال إِلَيْهِ وَقَالَ ... تبدلت من عِيسَى بحب مُحَمَّد ... هديت وَلَوْلَا الله مَا كنت أهتدي
وَمَا عَن ملال كَانَ ذَاك وَإِنَّمَا ... شَرِيعَة عِيسَى عطلت بِمُحَمد ...

(1/220)


150 - ابْن أَخِيه الْحَافِظ أَبُو زَكَرِيَّا
كَانَ لَهُ نَوَادِر مضخكات مَعَ كَونه كَانَ حَافِظًا لأكْثر السِّيرَة وَكثير من كتب اللُّغَة وتقرب إِلَى سُلْطَان إفريقية ابْن عبد الْوَاحِد بِمَا حكى لَهُ عَنهُ من الْغَفْلَة والبله إِلَى أَن صَار يحضرهُ وَكَانَ على رَأسه طاقية وسخة فَأعْطَاهُ عِمَامَة كَبِيرَة فَكَانَ يعمم قدر ثلثهَا وَيجْعَل الثُّلثَيْنِ فِي كمه وَيُقَال لَهُ إِذا كَبرت عَلَيْك اقطعها فَيَقُول إنعام السُّلْطَان لَا أجسر على قطعه
ورأيته يَوْمًا فِي عَسْكَر السُّلْطَان وَهُوَ رَاكب بغلة وَقد انحدرت بِهِ وَجَاء جمل من فَوْقه فَقَالَ مُخَاطبا للجمل بِفَضْلِك أَلا اصبر حَتَّى أمضي عَنْك وَكَانَ يُخَاطب السُّلْطَان من الْأَلْفَاظ العامية المحشوة بِسوء الْأَدَب بِمَا يضْحك وَقد مَاتَ بالفسطاط

(1/221)


بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
صلى الله على سيدنَا مُحَمَّد
أما بعد حمد الله وَالصَّلَاة على سيدنَا مُحَمَّد وَآله وَصَحبه فَهَذَا = الْكتاب الثَّانِي
من الْكتب الَّتِي يشْتَمل عَلَيْهَا
كتاب المملكة القرطبية
وَهُوَ
كتاب الدرة المصونة فِي حلى كورة بلكونة
الحالي مِنْهَا قاعدتها مَدِينَة بلكونة وَهِي آهلة مَشْهُورَة الِاسْم فِي عصرنا مَعْرُوفَة بالفرسان فِيهَا ثَلَاث تراجم
151 - سعيد بن هِشَام بن دحون
أخبر الحجاري أَنه من ولد دحون المرواني الْمُتَقَدّم الذّكر فِي تراجم بني أُميَّة وَبَنُو دحون أَعْيَان بلكونة إِلَى الْآن وَقَالَ إِنَّه لما دخل إِلَى بلكونة سَأَلَ فِيهَا عَمَّن يتسم بالأدب وَقَول الشّعْر فَدلَّ على سعيد بن هِشَام فَوَجَدَهُ فِي قَرْيَة من قراها فِي زِيّ الفلاحين فتأنس بِهِ واستنشده من شعره فأنشده قَوْله

(1/222)


.. اسْتعَار الرَّوْض مِمَّن ... هَمت فِيهِ ورد خَدّه
وَرَآهُ ذَا احْتِيَاج ... فحباه غُصْن قده
ثمَّ أوفى نرجس الأل ... حاظ مَعَ رمان نهده
فَمن الْإِنْصَاف مهما ... سمى الرَّوْض بِعَبْدِهِ
فَلهَذَا يزدهى الرو ... ض علينا فَوق حَده ...

وَقَوله فِي أبي عبد الله بن حمدين قَاضِي قرطبة ... إِلَى أَي وَقت أرتجيك وَإِنَّمَا ... يُرْجَى الْفَتى أَيَّانَ يسعده السعد
وَهَذَا أَوَان لحت فِيهِ محكماً ... يطيعك أهل الْعلم وَالْمَال والجند
فَمن لي بوعد إِن تَأَخّر حَاضر ... فقد ينعش النَّفس المؤملة الْوَعْد ...

152 - الْقَائِد أَبُو الْحسن عَليّ بن ودَاعَة السّلمِيّ البلكوني
ذكر الحجاري أَنه كَانَ من أعيانها ووليها لبني عَامر وَكَانَ فِي الْمِائَة الْخَامِسَة وَكَانَ فَارِسًا شجاعاً أديباً شَاعِرًا وخاض فِي فتْنَة ابْن عبد الْجَبَّار فَقتل فِيهَا وَمن شعره قَوْله ... قفوا سَاعَة حَتَّى أوفي بالعهد ... وأبدي إِلَيْكُم من جوى بعض مَا عِنْدِي
أَمر على الأطلال لم تجر أدمعي ... وَلَا مهجتي ذَابَتْ عَلَيْهَا من الوجد
وَأَيْنَ وَفَاء كنت أَعنِي بأَمْره ... لقد غيرت مني الْحَوَادِث بالبعد
وَمَا حلت لكني جليد على النَّوَى ... أَمُوت وَمَا أخفيه لَيْسَ لَهُ مبدي ...

(1/223)


.. على أَن لي فِي جَانب الشوق رقة ... كَمَا أرهفت بعد الصدا ظبة الْهِنْد
أيا دعد كم أبْكِي عَلَيْك تشوقاً ... كَأَنِّي قد أخرجت من جنَّة الْخلد
ذكرتك والأعداء من كل جَانب ... وَقد جلت مَا بَين المطهمة الجرد
على سَاعَة لَا يذكر الْمَرْء قلبه ... يقد بهَا الْهِنْدِيّ قداً إِلَى قد
لَئِن عَادَتْ الْأَيَّام بيني وَبَيْنكُم ... لأشكو لكم مَا أثر الدمع فِي خدي
وَمَا أحرقت من مهجتي جَمْرَة النَّوَى ... وَيَا لَيْت شعري هَل أرى ذَلِكُم يجدي ...

وَبَينه وَبَين صاعد مُخَاطبَة وَهُوَ مَذْكُور فِي الجذوة
153 - سعيد بن جهير البلكوني الشَّاعِر
ذكر الحجاري أَنه كَانَ فِي الْمِائَة الْخَامِسَة خَبِيث الهجو سيء الْخلق وَله هجو فِي عبيد الله ين الْمهْدي وَلما أَكثر من هجو أَعْيَان قرطبة نفوه مِنْهَا فَانْتهى إِلَى مصر فاضطر إِلَى جَوَاز النّيل وَهُوَ فِي مُعظم تياره فَطلب مِنْهُ صَاحب مركب الْجَوَاز أُجْرَة التَّعْدِيَة فَلم يحتملها لسوء خلقه وبخله فَأخذ ثِيَابه وَجعلهَا على رَأسه وَسبح قَاطعا للنيل فَكَانَ آخر الْعَهْد بِهِ وَلم يحفظ الدحوني من شعره إِلَّا قَوْله ... تثقل بالزيارة كل يَوْم ... وتزعم أَن شخصك لَا يمل ...

وبيتين فِي عبيد الله بن الْمهْدي وَقد تقدما فِي تَرْجَمته

(1/224)


بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم صلى الله على سيدنَا مُحَمَّد
أما بعد حمداً لله وَالصَّلَاة على سيدنَا مُحَمَّد وَآله وَصَحبه فَهَذَا = الْكتاب الثَّالِث
من الْكتب الَّتِي يشْتَمل عَلَيْهَا
كتاب المملكة القرطبية وَهُوَ = كتاب محادثة السّير فِي حلى كورة الْقصير
الحالي مِنْهَا حصن الْقصير فِي شَرْقي قرطبة على النَّهر
ذكر وَالِدي أَنه حضر لَدَيْهِ مَعَ أبي الْحُسَيْن الوقشي فِي رَوْضَة مدبجة على النَّهر فَصنعَ أَبُو الْحُسَيْن ... شربنا على وَادي الْقصير عَشِيَّة ... وَقد ركضت فِيهِ الْجِيَاد النواسم
على نرجس مثل الدَّنَانِير بددت ... على بسط خَز والبهار دَرَاهِم
وَقد ضحِكت للأقحوان مباسم ... تقبلهما من حسنهنَّ المباسم
ورق رِدَاء للأصيل مدبج ... فأنق فِيهِ من يَد الشَّمْس رَاقِم
ومالت عَلَيْهِ للغمام ذوائب ... فخيل لي أَن الْغَمَام عمائم ...

(1/225)


.. هُنَالك لَو أبصرتني لَوَجَدْتنِي ... وَقد حسدتني فِي الهديل الحمائم
وَقد مَلَأت عيناى قلبِي مَسَرَّة ... وَغَابَ نصيح عَن جنابي ولائم
وَلما انْقَضى ذَاك النَّعيم شَككت فِي ... تمكنه حَتَّى كَأَنِّي حالم ...

154 - عبد الغافر بن رجلون المرواني
أَخْبرنِي وَالِدي لِأَن مولده بحصن الْقصير وَأَنه من ولد سُلَيْمَان بن عبد الْملك اجْتمع بِهِ فِي غَزْوَة الْمَنْصُور بطليطلة وَأخْبر أَنه كَانَ أَسْوَأ النَّاس خلقا ينفرون من عشرته لذَلِك وشعره ضَعِيف أحْسنه قَوْله ... هَذَا هُوَ الْغُصْن النَّضِير ... هَذَا هُوَ الظبي الغرير
هَذَا هُوَ اللَّيْل الْبَهِي ... م بدا على الْقَمَر الْمُنِير
قومُوا انظروه فَإِنَّهُ ... مَا إِن لَهُ أبدا نَظِير ...

وَوَقع لَهُ فِي زجل مَا هُوَ مستحسن ... أوقد فِي قلبِي النَّار ... ولس يُرِيد يطفيه
وسد بَاب الدَّار ... أَي خذل فِيهِ وَأي تيه
يَا أحسن الغزلان ... يَا كَوْكَب دري
لَك تسْجد الأغصان ... ويمدح القمرى
ويخجل النُّعْمَان ... وَأَنت لَا تَدْرِي
وَالْعقل فك قد حَار ... وَالْوَصْف والتشبيه ...

(1/226)


بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
صلى الله على سيدنَا مُحَمَّد
أما بعد حمد الله وَالصَّلَاة على سيدنَا مُحَمَّد نبيه وَآله وَصَحبه فَهَذَا = الْكتاب الرَّابِع
من الْكتب الَّتِي يشْتَمل عَلَيْهَا
كتاب المملكة القرطبية
وَهُوَ
كتاب الوشي المصور فِي حلى كورة المدور
الحالي مِنْهَا حصن المدور المعقل الْعَظِيم الْمَشْهُور فِي الأندلس وَقد ذكر ابْن غَالب أَنه كَانَ للروم بِهِ اعتناء فِي الْقَدِيم وَعَلِيهِ اعْتِمَاد وَأخْبر أَن ملك الْقُسْطَنْطِينِيَّة توجه إِلَيْهِ أحد أرسال بني أُميَّة وَلم يسْأَله عَن شَيْء سُؤَاله عَن طليطلة والمدور وَفِي أَهله شجاعة وجفاء للغريب على كل حَالَة وَمَا التجأ إِلَيْهِم مقهور مسلوب من دولة إِلَّا خذلوه وصاروا عَلَيْهِ وَذكر الْحَضْرَمِيّ أَنه اجتاز بهَا مرّة فَبينا هُوَ قَاعد أَمَام الدَّار الَّتِي نزل بهَا ينظر إِلَى مُنَازع بداتها المطبوعين على الْجفَاء والبداوة إِذْ مر بِهِ بدوي غَرِيب فَسَأَلَهُ عَن طَرِيق الْجَامِع قَالَ فَقلت لَهُ مَا أعرف فَإِنِّي غَرِيب فابتدر لي بدوي من جهالها برمحه فِي يَده وسدده إِلَى نحري قَالَ لي ولد ملعونة زنديق لَك فِي الْبَلَد أَكثر من خَمْسَة أَيَّام وَلم تسْأَل عَن جامعنا وَلم تصل فِيهِ وَاجْتمعَ على كثير من أجناسه وَقلت هَذَا آخر يومي من الدُّنْيَا فَمَا خلصني مِنْهُم إِلَّا شيخ من شيوخهم فِيهِ بعض تَهْذِيب بِدُخُول الْبِلَاد

(1/227)


وَمن المدور
155 - أَبُو بكر مُحَمَّد الْأَعْمَى المَخْزُومِي
من المسهب بشار الأندلس انطباعاً ولسناً وأذاة وَهُوَ الَّذِي أَحْيَا سيرة الحطيئة بالأندلس فمقت وَكَانَ لَا يسلم من هجوه أحد وَلَا يزَال يخبط الْآفَاق بعصاه وَيَقَع فِيمَن أطاعه أَو عَصَاهُ وَأَصله من المدور وَقَرَأَ بقرطبة ثمَّ جال على الْبلدَانِ وَأكْثر الْإِقَامَة فِي غرناطة وَتعرض لشاعرتها نزهون وهجاها بقوله ... أَلا قل لنزهونة مَا لَهَا ... تجر من التيه أذيالها
وَلَو أَبْصرت فيشة شمرت ... كَمَا عودتني سربالها ...

فَقَالَت فِيهِ ... قل للوضيع مقَالا ... يُتْلَى إِلَى حِين يحْشر
من المدور أنشئ ... ت والخرا مِنْهُ أعطر
حَيْثُ البداوة أمست ... فِي جهلها تتبختر
لذَلِك أمسيت تهوي ... حُلُول كل مدور
خلقت أعمى وَلَكِن ... تهيم فِي كل أَعور
جاوبت هجواً بهجو ... فَقل لعنت من اشعر
إِن كنت فِي الْخلق أُنْثَى ... فَإِن شعري مُذَكّر ...

قَالَ وَأَنت إِذا سَمِعت قَوْله من شعر يهجو بِهِ أحد من صبه الله عَلَيْهِ وعَلى قومه

(1/228)


.. أَلا فاعلموا أَنِّي لكم غير صابر ... على لومكم أُخْرَى اللَّيَالِي الغوابر
فعوجوا بني اللخناء نَحْو هجائكم ... إِلَى لعنة تزري بِمن فِي الْمَقَابِر
فَأنْتم سننتم كل مُحدث سبة ... وَلم تتركوا فِيهَا لحَاقًا لآخر
رأيتكم لَا تَتَّقُون مذمة ... وَلَا عنْدكُمْ من هزة نَحْو شَاكر
وأهون مَا أهْدى الزَّمَان إِلَيْكُم ... فَلَا عشتم للوم طلعة شَاعِر
فَأَيْنَ الألى كَانُوا إِذا جَاءَ ناظم ... تَلَقَّتْهُ مِنْهُم بالندى كف ناثر ...
وَقَوله ... أَلا لَا تركنن إِلَى فلَان ... فتسرى مِنْهُ فِي ليل السَّلِيم
لئيم لَيْسَ ينفع فِيهِ لؤم ... يروم وراثة الْعرق اللَّئِيم
إِذا جربته يَوْمًا ترَاهُ ... مضاع الْجَار ممطول الْغَرِيم
وَإِن كشفته لاقيت مِنْهُ ... مصون المَال مبذول الْحَرِيم ...

وَقَوله ... وأحدب لَيْسَ لَهُ همة ... وَلَا لَذَّة فِي سوى فيشة
يَقُول أَنا الْقوس فِي شكله ... فَلَا تنكروا السهْم فِي بدرتي
فضولكم أبدا زَائِد أفقحتكم تِلْكَ أم فقحتي ...

وَقَوله ... الْحق أَبْلَج لَيْسَ أَنْت وَحقّ من ... أَحْيَا بك الأجلاف مِمَّن يفلح
لَا تهتدي بفضيلة لَا ترعوى ... بملامة لَا أَنْت مِمَّن يصلح
يزْدَاد عقلك مَا كَبرت تناقصا ... وتلج فِي صمم إِذا مَا تنصح
أكل وسلح كل حِين لَا ترى ... لسواهما ... مَا دمت حَيا تطمح
أسخنت عين الْمجد يَا ابْن عميرَة ... وَلَقَد تقر عيونه لَو تذبح ...

(1/229)


وَقَوله ... قطيم يغلق أبوابه ... ويفرح بِالْبَيْتِ مهما خلا
يفرج أَوْلَاده عَامِدًا ... ويبعدهم أبدا منزلا
وَيرجع للبيت من حِينه ... لوغد أخي فيشة مبتلى
يعذبه يَوْمه منشداً ... عَلَوْت فَلَا تزهدن فِي الْعلَا
تعلم من لطفه صَنْعَة ... تصير مخرجه مدخلًا ...

علمت قدر شعره وَمَا صبه الله مِنْهُ على أهل عصره
قَالَ وَالِدي هجاء والاندلس المَخْزُومِي واليكى والأبيض وَأنْشد عَليّ بن أضحى قَاضِي غرناطة قصيدة مِنْهَا ... عجبا للزمان يطْلب ثاري ... وملاذي مِنْهُ عَليّ بن أضحى
الأبي الَّذِي يمد من البأ ... س إباه إِلَى السماكين رمحا
جَاره قد سما على النطح عزا ... لَيْسَ يخْشَى من طَالب الثأر نطحا
فَكَأَنِّي عَلَوْت قرن فلَان ... أَي تَيْس مطول الْقرن ألحى ...

فَقَالَ لَهُ يَا أَبَا بكر هلا اقتصرت على مَا أَنْت بسبيله فكم تقع فِي النَّاس فَقَالَ أَنا أعمى وهم لَا يبرحون حفراً فَقَالَ وَالله لَا كنت لَك حُفْرَة أبدا وَجعل يوالي عَلَيْهِ يَده
وَأَخْبرنِي وَالِدي أَن جده عبد الْملك بن سعيد كَانَ كثير الْإِحْسَان لَهُ مستحفظاً من لِسَانه وَبعد ذَلِك فَمَا سلم من أذاته وَمن خَبره مَعَه أَنه قَصده مرّة وَهُوَ بقلعته فانزال وتلقاه ببر قولا وفعلاً ثمَّ إِنَّه قَالَ لغلام لَهُ اسْأَل فِي الْموضع الَّذِي نزل فِيهِ المَخْزُومِي مَتى يرحل وَكَانَ غَرَضه أَن يُرْسل

(1/230)


لَهُ زاداً وَينظر مَا يركب عَلَيْهِ فأساء الْغُلَام التَّنَاوُل وَضرب عَلَيْهِ بَابه فَخرج لَهُ الْأَعْمَى فَقَالَ يَقُول لَك الْقَائِد مَتى ترحل فَقَالَ ارْفُقْ أكتب لَك الْجَواب فَكتب لَهُ ابياتا مِنْهَا ... لَا ترجمون بني سعيد للندى ... فالظل أفيد مِنْهُم للسَّائِل
فَلَقَد مَرَرْت على مَنَازِلهمْ فَمَا ... أَبْصرت مِنْهَا غير بعد منَازِل
قوم مصيبتهم بطلعة وَافد ... وسرورهم أبدأً بخيبة راحل ...

وَفِيهِمْ يَقُول وَقد أسكنوه جوارهم ... أبنى سعيد قد شقيت بقربكم ... فلتتركوني حَيْثُ شِئْت اسير
افني المدائح فِيكُم وَلَا وَعدكُم ... يقْضِي وقلبي فِي المطال أَسِير
أعطيتم نزراً على طول المدى ... وَيَقُول وغد إِنَّه لكثير
ولشد مَا عرضتموني للعنا ... فرس عَتيق عاشرته حمير
فَإِذا صهلت غَدا النهاق ماجاوبي ... يَا رب أَنْت على الْخَلَاص قدير ...

قَالَ وَوجدت بِخَط وَالِدي مُحَمَّد وَمن نسيب المَخْزُومِي على قَتله قَوْله ... رب حسناء كالغزالة جيدا ... والتفافا تزري بحور الخلود
كَلَّمتنِي فطار قلبِي إِلَيْهَا ... وترجيت للظماء ورودي
فتجافت عَن منظري ثمَّ قَالَت ... أَتَرَى الْحور واصلات القرود
لم ألمها على الصدود لِأَنِّي ... كنت أَهلا من مثلهَا للصدود ...

قَالَ وَلم يخل فِي هَذَا من الهجاء وَلَكِن لنَفسِهِ
وَأنْشد لَهُ ابْن غَالب ... زنجيكم بالفسوق دَاري ... يُدْلِي من الْحِرْص كالحمار
يَخْلُو بنجل الْوَزير سرا ... فيولج اللَّيْل فِي النَّهَار ...

(1/231)


بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
صلى الله على سيدنَا مُحَمَّد
أما بعد حمد الله وَالصَّلَاة على سيدنَا مُحَمَّد نبيه وَآله وَصَحبه فَهَذَا الْكتاب الْخَامِس
من الْكتب الَّتِي يشْتَمل عَلَيْهَا
= كتاب المملكة القرطبية
وَهُوَ
كتاب = نيل المُرَاد فِي حلى كورة مُرَاد
فِي غربي قرطبة الحالي مِنْهَا حصن مُرَاد سكنه قَبيلَة مُرَاد فنسب إِلَيْهَا مِنْهُ