المنتظم في تاريخ الأمم والملوك
باب ذكر الملوك بعد عِيسَى عَلَيْهِ السلام
ذكر ما يتعلق باليونانيين وأهل الشام
قَالَ مؤلف الكتاب [1] : وثبت اليهود بالمسيح [2] والرئاسة ببيت المقدس
حينئذ لقيصر، والملك عَلَى بيت المقدس من قبل قيصر هيردوس، ثم مات
هيردوس [3] فولى مكانه ابنه أركلاوس، ثم مات فولى مكانه هيردوس الصغير
[4] الذي صلب شبه المسيح فِي ولايته.
وكانت الرئاسة فِي ذلك الوقت لملوك اليونانية والروم، فكان هيردوس
وابنه [5] من قبلهم، إلَّا أنهم كانوا يسمون [6] بالملك، وكان الملوك
الكبار يسمون [7] بقيصر، وكان ملك بيت المقدس فِي وقت الصلب لهيردوس
الصغير من قبل طيباريوس بْن أغوسطوس دون القضاء وكان القضاء لرجل رومي
يقال له فيلاطوس [8] من قبل قيصر [9] ، وكان ملك
__________
[1] بياض في ت مكان: «باب ذكر الملوك بعد عِيسَى عَلَيْهِ السلام. ذكر
ما يتعلق باليونانيين وأهل الشام.
قَالَ مؤلف الكتاب» .
[2] في الأصل: «وثقت اليهود بالمسيح» . وفي ت: «كانت اليهود وثبت
بالمسيح» .
[3] «ثم مات هيردوس» سقطت من ت.
[4] في ت: «ثم مات هيردوس الأصغر الّذي صلب ... » .
[5] في ت، والطبري 1/ 605: «وولده» .
[6] في الطبري 1/ 605: «يلقبون» .
[7] في ت، والطبري 1/ 605. «يلقبون» .
[8] في الأصل: «فيلاطيبوس» . وفي ت: «أصرطوس» . وما أثبتناه من الطبري.
[9] العبارة من أول الباب إلى هنا من الطبري 1/ 605. مع اختلاف طفيف.
(2/45)
طبناروس [1] ثلاثا وعشرين [2] سنة، منها
إِلَى وقت رفع [عِيسَى] [3] المسيح/ ثماني عشرة سنة وأيام، ومنها بعد
ذلك خمس سنين، فصار ملك الشام بعده إِلَى ابنه جايوس [4] فملك أربع
سنين.
ثم ملك بعده ابن له آخر يقال له: قلوديوس [5] أربع عشرة سنة.
ثم ملك بعده نيرون [6] الذي قتل فطرس [7] وبولس أربع عشرة سنة.
ثم ملك بعده بوطلايوس [8] أربعة أشهر.
ثم ملك بعده اسفسيانوس عشر سنين [9] .
وبمضي ثلاث سنين من ملكه، وتمام أربعين سنة من وقت رفع عِيسَى عَلَيْهِ
السلام، وجه اسفسيانوس [10] ابنه ططورس [11] إِلَى بيت المقدس حَتَّى
هدمه، وقتل من قتل من بني إسرائيل غضبا للمسيح.
ثم ملك ططورس [12] بعد أبيه سنتين [13] .
[ثم ملك بعده دومطيانوس ست عشرة سنة] [14] .
__________
[1] في ت: «طياريوس» .
[2] والعبارة من هنا إلى آخر الباب بالنص من الطبري 1/ 606، 607، 608.
وانظر كذلك الكامل 1/ 247 وما بعدها.
[3] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل، وأثبتناه من ت.
[4] في ت: «حابوس» . وفي الأصل بلا نقط.
[5] في الأصل: «قلوريوس» .
[6] في الأصل: «فيرون» والتصحيح من الطبري.
[7] في الأصل: «قرطس» وما أثبتناه من الطبري، وفي ت: «فطرس» .
[8] في ت «يوطلايوس» .
[9] في ت: «اسفيديانوس عشرين سنة» وما في الأصل موافق للطبري.
[10] في ت: «اسيدينايوس» .
[11] في ت: «ابنه واسمه ططوس» .
[12] في الطبري: «ططوس» .
[13] في ت: «بعد أربعين سنة لابنه سنتين» .
[14] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل، وأثبتناه من ت والطبري.
(2/46)
ثم ملك بعده باذاوس [1] ست سنين.
ثم من بعده طرطياوس [2] تسع عشرة سنة.
ثم من بعده هدريانوس إحدى وعشرين سنة.
ثم من بعده ططورس [3] بْن بطيانوس اثنتين وعشرين سنة.
ثم من بعده مرقوس وأولاده تسع عشرة سنة.
ثم من بعده قوذوموس [4] ثلاث عشرة سنة.
ثم من بعده فرطناجوس [5] ستة أشهر.
ثم من بعده سبروس [6] أربع عشرة سنة.
ثم من بعده أنطينايوس [7] أربع سنين.
[ثم بعده مرقيانوس ست سنين.
ثم بعده أنطنيانوس أربع سنين] [8] .
ثم الحندروس ثلاث عشرة سنة.
قَالَ مؤلف الكتاب [9] : ثم تملك بعده أربعون رجلا واحدا بعد واحد،
أسماؤهم من هَذَا [10] الجنس فلا طائل فِي الإطالة بذكرها.
ثم ملك بعد الأربعين رجلا هرقل الذي كتب [11] إليه رسول اللَّه صَلَّى
اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثلاثين سنة.
فمن وقت عمارة بيت المقدس [12] بعد تخريب بخت نصر له إِلَى زمان هجرة
نبينا ألف سنة ونيف.
__________
[1] في الطبري: «نارواس» .
[2] في ت: «طوطيايوس» . وفي الطبري: «طرايانوس» .
[3] في الأصل: «ططوس» .
[4] في الأصل: «سودنوس» . بلا نقط. وفي ت: «فردهوس» . وما أثبتناه من
الطبري 1/ 606.
[5] في ت: «قطياحوس» .
[6] في ت: «شيروس» .
[7] في ت: «أوطيايوس» . وفي الطبري: «أنطيناوس» وفي إحدى نسخ الطبري:
«أنطيناوس» .
[8] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل، ت، وأثبتناه من الطبري 1/ 607.
[9] «قال مؤلف الكتاب» سقطت من ت.
[10] في الأصل: «من هذه الجنس» .
[11] في ت: «إلى أن كتب» .
[12] «فمن وقت عمارة بيت المقدس» سقط في ت ومكانه بياض.
(2/47)
فمن تملك الإسكندر اليوناني إلى الهجرة
تسعمائة ونيف وعشرون سنة من ذلك من وقت [1] ظهوره إلى مولد عيسى عليه
السلام ثلاثمائة وثلاث سنين، ومن مولده إِلَى وقت رفعه [ثلاث وثلاثون
سنة، ومن وقت رفعه] [2] إِلَى زمان [3] الهجرة خمسمائة وخمس وثمانون
سنة وأشهر، وكان قتل يَحْيَى بْن زكريا فِي عهد أردشير بْن بابك لثماني
سنين خلت من ملكه [4]
. ذكر الأحداث/ المتعلقة بالعرب
قَالَ مؤلف الكتاب [5] : لما مات بخت نصر انضم الذين أسكنوا الحيرة من
العرب إِلَى أهل [6] الأنبار، وبقي الحيرة خرابا [7] ، فغبروا [8] بذلك
زمانا طويلا، لا يطلع عليهم أحد من العرب، وَفِي الأنبار أهلها ومن
انضم إليهم [9] من أهل الحيرة ومن قبائل العرب من بني إسماعيل ومن معد
بْن عدنان، وكثروا وملئوا بلادهم من تهامة وما يليها، ثم فرقتهم [10]
حروب وقعت بينهم، وأحداث حدثت فيهم، فخرجوا يطلبون الريف فيما يليهم من
بلاد اليمن والمشارق [11] ، ونزل بعضهم البحرين، وكان بها جماعة من
الأزد كانوا نزلوها فِي زمان عمران بن عمرو، مزيقياء. ومزيقياء لقب
عمرو، وإنما لقّب مزيقياء [12]
__________
[1] في الأصل: «إلى وقت» ، وأثبتناه من ت، والطبري.
[2] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل وأثبتناه من ت، والطبري.
[3] في ت: «إلى وقت الهجرة» .
[4] انظر: الكامل 1/ 247: 260. والطبري 1/ 605- 608.
[5] بياض في ت مكان: «ذكر الأحداث المتعلقة بالعرب قَالَ مؤلف الكتاب»
.
[6] في الأصل: «من أهل الأنبار» . والأنبار مدينة على الفرات غربي
بغداد، سميت كذلك لأنه كان يجمع بها أنابير الحنطة والشعير.
[7] في ت: «وبقيت الحيرة خرابا» .
وفي الأصل: «وبقي الحيرة خرابا» وما أثبتناه من الطبري 1/ 609.
[8] في ت: «فغيروا» .
[9] في الأصل: «انضم إليها» .
[10] في الأصل: «فرقهم» وما أثبتناه من ت والطبري.
[11] في الطبري: «مشارف الشام» .
[12] «وإنما لقب مزيقياء» سقط من ت.
(2/48)
لأنه كان يتخذ كل يوم حلتين من حلل الملوك،
فإذا أمسى مزقهما واستبدل بهما من الغد أخريين، لأنه لم يكن يرى أحدا
أهلا أن يلبس ثيابه. وهو ابن عامر ويلقب عامر: «ماء السماء بْن حارثة»
وهو الغطريف بْن ثعلبة بْن امرئ القيس بْن مازن بْن الأزد [1] .
فاجتمع بالبحرين جماعة من قبائل العرب، فتحالفوا [عَلَى] [2] التنوخ
[3]- وهو المقام- وتعاقدوا عَلَى [التوازر] [4] والتناصر، فضمهم [اسم]
[5] تنوخ.
فدعا مالك بْن زهير جذيمة الأبرش بْن مالك بْن فهم أن يقيم معه، فأقام
فزوجه أخته لميس [6] ابنة زهير.
وكان [7] هَذَا كله فِي أزمان [8] ملوك الطوائف الذين ملكهم الإسكندر،
وفرق البلدان بينهم عند قتله دارا [بْن دارا ملك فارس، إِلَى أن ظهر
أردشير بْن بابك] [9] ملك فارس عَلَى ملوك الطوائف، وقهرهم ودان له
الناس، وضبط [له] [10] الملك.
وإنما سموا ملوك الطوائف، لأن كل ملك منهم كان ملكه قليلا من الأرض.
فتطلعت أنفس من كان بالبحرين من العرب إِلَى ريف العراق، وطمعوا فِي
غلبة الأعاجم عَلَى ما يلي بلاد العرب منه، أو مشاركتهم فيه، فانقسموا
فخرج كل رئيس من العرب بمن معه على قوم.
__________
[1] «ومازن هو جماع غسان، وغسان ماء شرب منه مازن فسموا غسان، ولم تشرب
منه خزاعة ولا أسلم ولا بارق ولا أزد عمان، فلا يقال لواحد من هذه
القبائل غسان، وإن كان من أولاد مازن» معجم البلدان 3/ 278.
[2] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل وأثبتناه من ت والطبري.
[3] في ت: «التناحم» .
[4] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل، ت وأثبتناه من الطبري.
[5] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل، ت وأثبتناه من الطبري.
[6] في الأصل: «أنيس بنت زهير» . وهذه الفقرة مضطربة في ت.
[7] «وكان» سقط من ت.
[8] في ت: «في زمان» .
[9] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل، وأثبتناه من ت والطبري.
[10] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل، ت وأثبتناه من الطبري.
(2/49)
ولم يزالوا كذلك لا يدينون للأعاجم ولا
تدين لهم الأعاجم [1] إِلَى أن قدم الأنبار تبع- وهو/ أسعد أَبُو كرب
بْن مليكرب [2]- فِي جيوشه، فخلف بها من لم يكن فيه قوة للقتال [3] ،
وخرج للغزو.
ونزل كثير من تنوخ الأنبار والحيرة، وما بين الحيرة إِلَى طف الفرات
وغربيه فِي الأبنية والمظال، لا يسكنون بيوت المدر [4] . وكانوا يسمون:
عرب الضاحية، فكان أول من ملك منهم فِي زمان ملوك الطوائف مالك بْن
فهم، وكان منزله فيما يلي الأنبار.
ثم مات [مالك] [5] ، فملك بعده أخوه عمرو بْن فهم، ثم هلك [6] فملك
بعده جذيمة بْن الأبرش [بْن مالك] [7] بْن فهم بْن غنم [8] بْن دوس
الأزدي، وكان من قبل أردشير بْن بابك [9] .
وكان من أفضل ملوك العرب رأيا، وأشدهم نكاية، وأبعدهم غورا [10] ، وهو
أول من استجمع له الملك بأرض العراق، وضم إليه العرب، وكان به برص،
فكنت [11] العرب عنه إعظاما له. فقيل: جذيمة الوضاح، وجذيمة الأبرش،
وكانت منازله فيما بين الحيرة والأنبار [وبقة] [12] وهيت [وناحيتها]
[13] ، وعين التمر، وأطراف البر.
__________
[1] في الأصل ولا يدينون لهم الأعاجم وقد سقط من ت. والتصحيح من
الطبري.
[2] في الأصل: «بن مالك» ، وفي الطبري «ملكيكرب» .
[3] في ت: «قوة القتال» . وفي الطبري: «قوة من الناس» .
[4] المدر: الطين اللزج المتماسك، والقطعة منه: مدرة. وأهل المدر سكان
البيوت المبنية خلاف أهل الوبر، وهم البدو سكان الخيام.
[5] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل، ت، وأثبتناه من الطبري.
[6] في ت: «ثم مات» .
[7] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل، ت، وأثبتناه من الطبري.
[8] في الأصل: «بن غانم» .
[9] من أول ذكر الأحداث المتعلقة بالعرب، وحتى هنا من الطبري 1/ 609،
612 مع اختلاف في الألفاظ والاختصار، والّذي نقله عن هشام بن محمد.
وانظر كذلك الكامل 1/ 261، 262.
[10] في الطبري 1/ 613: «وأبعدهم مغارا» . ومن أول هذه الفقرة نقله
المصنف من الطبري 1/ 613 الّذي نقله عن ابن الكلبي.
[11] في الأصل: «وكنت» .
[12] ما بين المعقوفتين: من الطبري فقط.
[13] ما بين المعقوفتين: من الطبري فقط.
(2/50)
وكان لا ينادم أحدا كبرا، بل ينادم
الفرقدين، فإذا شرب قدحا صب لها قدحا.
وكانت تجبى [1] إِلَيْهِ الأموال، وتفد عَلَيْهِ [2] الوفود، فخرج
إِلَى غزو طسم وجديس، فأصاب حسان بْن تبع قد أغار عَلَى طسم وجديس،
فانكفأ جذيمة راجعا بمن معه [3] .
وكانت فيهم الزرقاء، واسمها: اليمامة، وبها سمي بلدها: اليمامة، وهي
[4] من بنات لقمان بْن عاد، وقيل: هي من جديس وطسم.
فلما قصدهم جيش حسان بْن تبع بقي بينه وبينهم مسيرة ثلاثة أيام،
فأبصرتهم وقد حمل كل رجل منهم شجرة يسير بها، فقالت: «تاللَّه [5] ،
لقد دب الشجر- أو حمير قد أخذت شيئا تجر» . فلم يصدقوها، فقالت: «أقسم
باللَّه لقد رأى رجلا منهم ينهش كتفا أو يخصف نعلا» ، فلم يستعدوا.
فصبحهم حسان فاجتاحهم، فأخذها فشق عينيها [6] ، وإذا فيها عروق من
الأثمد [7] .
قَالَ مؤلف الكتاب [8] : وبنظر هَذِهِ المرأة يضرب المثل. / وكانت
زرقاء اليمامة قد نظرت إِلَى سرب من حمام طائر [9] ، [فإذا فيه] [10]
ست وستون حمامة، وعندها حمامه واحدة، فقالت:
ليت الحمام ليه ... إِلَى حمامتيه ونصفه قديه
ثم الحمام مية
__________
[1] في ت: «وكانت تجيء» .
[2] في ت: «تغد إليه» .
[3] إلى هنا الطبري 1/ 613.
[4] في ت: «واسمها اليمامة، وهي من بنات لقمان بْن عاد، وبها سمّي
بلدها اليمامة» وانظر القصة في مجمع الأمثال للميداني 1/ 158 المثل رقم
574، تحقيق نعيم زرزور ط. دار الكتب العلمية.
[5] في ت: «أقسم باللَّه» .
[6] في ت: والطبري: «عيناها» .
[7] في ت: «عروق من أثمد» .
[8] «قال مؤلف الكتاب» سقط من ت.
[9] في ت: «إلى سرب من الحمام» وسقطت كلمة «طائر» .
[10] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل، وأثبتناه من ت.،
(2/51)
فَقَالَ النابغة يخاطب النعمان ويقول [1] :
واحكم كحكم فتاة الحي إذا نظرت ... إِلَى حمام سراع وارد الثمد
أراد [2] : كن حكما.
وكان جذيمة قد تنبأ وتكهن، واتخذ صنمين يقال: لهما: الضيزنان [3]-
ومكانهما بالحيرة معروف- وكان يستسقي بهما ويستنصرهما عَلَى العدو.
وكانت إياد بعين أباغ، وأباغ رجل من العماليق نزل بتلك العين، فكان
يغازيهم، فذكر لجذيمة غلام من لخم فِي أخواله من إياد، يقال له: عدي
بْن نصر بْن ربيعة، له جمال وظرف، فغزاهم جذيمة، فبعث [4] إياد قوما
منهم فسقوا سدنة الصنمين [5] الخمر، وسرقوهما، فأصبحا فِي إياد، فبعث
[6] إِلَى جذيمة: إن صنميك أصبحا فينا زهدا فيك ورغبة [7] فينا، فإن
أوثقت [8] لنا ألا تغزونا رددناهما إليك.
فَقَالَ: وعدي بْن نصر تدفعونه إلي [مع الصنمين] [9] فدفعوه إليه مع
الصنمين، فانصرف عنهم، وضم عديا إِلَى نفسه وولاه شرابه.
فأبصرته رقاش بنت مالك، أخت جذيمة، فعشقته [10] وراسلته وَقَالَت: يا
عدي، اخطبني إِلَى الملك فإن لك حسبا وموضعا. فَقَالَ: لا أجترئ عَلَى
كلامه فِي ذلك، ولا أطمع أن يزوجنيك. قالت: فإذا جلس عَلَى شرابه وحضر
ندماؤه فاسقه صرفا، واسق القوم مزاجا، فإذا أخذت الخمر منه [11]
فاخطبني إليه، فإنه لن يردك ولن يمتنع منك، فإذا زوّجك [12] فأشهد
القوم.
__________
[1] «فقال النابغة يخاطب النعمان ويقول» سقط من ت، ومكانها بياض.
[2] في ت: «أي» .
[3] في ت: «العبرتان» .
[4] في الأصل، ت: «فبعثت» ، وما أثبتناه من الطبري.
[5] في الأصل: «الصنم» .
[6] في ت: «فبعثت» .
[7] في الأصل: «رغبا فينا» .
[8] في الأصل: «فإن وثقت لنا» .
[9] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل، وكذا الطبري، وأثبتناه من ت.
[10] انظر القصة في مجمع الأمثال للميداني تحقيق نعيم زرزور طبعة دار
الكتب العلمية الجزء 2/ 164 المثل رقم 3017 و 2/ 470 المثل رقم 4567
وكذلك ما أشار إليه في الحاشية.
[11] في الطبري: «أخذت الخمرة فيه» .
[12] «ولن يمتنع منك، فإذا زوّجك» سقط من ت.
(2/52)
ففعل [الفتى] [1] ما أمرته، فلما [2] أخذت
الخمر مأخذها، خطبها إليه فأملكه إياها، فأعرس [3] بها من ليلته، وأصبح
مضرجا بالخلوق. فَقَالَ له جذيمة: ما هَذِهِ/ الآثار يا عدي؟ قَالَ:
آثار العرس، قَالَ: أي عرس؟ قَالَ: عرس رقاش! قَالَ: من زوجكها [4] ؟
قَالَ: الملك.
فضرب جذيمة بيده عَلَى جبهته وأكب عَلَى الأرض ندامة وتلهفا، وخرج عدي
عَلَى وجهه هاربا فلم ير له أثر، ولم يسمع له بذكر، وأرسل إليها جذيمة
فَقَالَ:
حدثيني وأنت لا تكذبيني ... أبحر زنيت أم بهجين!
أم بعَبْد فأنت أهل [5] لعَبْد ... أم بدون فأنت أهل لدون
فقالت: لا [6] ، بل أنت زوجتني أمرأ عربيا، معروفا حسيبا، ولم تستأمرني
فِي نفسي، ولم أكن مالكة لأمري. فكف عنها وعرف [7] عذرها.
ورجع عدي بْن نصر إِلَى [8] أياد، فكان فيهم، فخرج ذات يوم مع فتية [9]
متصيّدين، فرمى به فتى منهم بين جبلين فمات.
واشتملت [10] رقاش عَلَى حمل، فولدت غلاما سمته عمرو، حَتَّى إذا ترعرع
عطرته وألبسته وحلته، وأزارته خاله جذيمة، فلما رآه أعجب به وأحبه.
وكان مع ولده، فخرج جذيمة متبديا بأهله وولده فِي سنة ذات خصب، فضرب
لهم أبنية في روضة ذات
__________
[1] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل، وأثبتناه من ت، والطبري.
[2] في الأصل: «ولما» .
[3] في الطبري: «فانصرف إليها فأعرس بها من ليلته» .
[4] في الأصل، ت: «من زوجك» .
[5] في الأصل: «أهلا» .
[6] «لا» سقطت من ت.
[7] «وعرف» سقط من ت.
[8] في الأصل: «بن أياد» .
[9] في ت: «معه فتية» .
[10] في ت: «ويمت» .
(2/53)
زهرة وغدر [1] ، وخرج ولده وعمرو معهم
يجتنون الكمأة [2] ، فكانوا إذا أصابوا كمأة جيدة أكلوها، وإذا أصابها
عمرو خبأها فِي حجزته [3] ، فانصرفوا إِلَى جذيمة يتعادون وعمرو يقول
[4] :
هَذَا جناي وخياره فيه ... إذ كل جان يده إِلَى فيه
فضمه إليه جذيمة والتزمه وسر بقوله وفعله، وأمر فجعل له حلي من فضة
وطوق من فضة. فكان أول عربي ألبس طوقا، فكان يسمى عمرو ذا [الطوق] [5]
. فبينما هو عَلَى أحسن حاله استطاره الجن [فاستهوته] [6] ، فضرب جذيمة
فِي الآفاق فلم يقدر عَلَيْهِ.
وأقبل رجلان أخوان من بلقين [بهدايا يريدان جذيمة] [7] يقال لهما: مالك
وعقيل [8] فنزلا ببعض الطريق منزلا ومعهما قينة [9] لهما يقال لها: أم
عمرو، فقدمت إليهما طعاما، / فبينما هما يأكلان أقبل فتى عريان شاحب،
قد تلبد شعره وطالت أظفاره وساءت حاله، فجاء حَتَّى جلس حجرة [10]
منهما، فمد يده إليهما يريد الطعام، فناولته القينة كراعا [11]
[فأكلها] [12] ثم مد يده إليها، فقالت: «تعطي العَبْد كراعا فيطمع فِي
الذراع» . فذهبت مثلا ثم ناولت الرجلين من شراب كان معها فأوكت زقها
[13] ، فَقَالَ عمرو بْن عدي:
__________
[1] غدر: جمع غدير.
[2] الكمء: فطر من الفصيلة الكمئيّة، وهي أرضية، تنتفخ حاملات أبواغها
فتجبى وتؤكل مطبوخة، ويختلف حجمها بحسب الأنواع.
[3] الحجزة: معقد الإزار.
[4] انظر الشعر في: ديوان الإمام علي جمعه وشرحه نعيم زرزور طبعة دار
الكتب العلمية ص 213، وما أشار إليه في حاشيته الطبعة الأولى والّذي
يعكف على استزادته والتعليق عليه في طبعة ثانية إن شاء الله.
[5] «الطوق» . من الطبري وانظر المثل 3017 من مجمع الأمثال للميداني
(شب عمر عن الطوق) .
[6] «فاستهوته» من الطبري.
[7] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل، وأثبتناه من ت.
[8] في ت: «يقال لأحدهما مالك والآخر، عقيل» .
[9] القينة: المغنية.
[10] الحجرة: الناحية.
[11] الكراع: مستدق الساق من البقر والغنم.
[12] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل، وأثبتناه من ت.
[13] الزق: السقاء، وأوكى الزق: ربطه وشد عليه.
(2/54)
صددت الكأس عنا أم عمرو ... وكان الكأس
مجراها اليمينا
وما شر الثلاثة أم عمرو ... بصاحبك الذي لا تصحبينا
[1] ! فَقَالَ مالك وعقيل: من أنت يا فتى؟ فَقَالَ: أنا عمرو بْن عدي.
فنهضا إليه فضماه وغسلا رأسه، وقلما أظفاره، وأخذا من شعره وألبساه مما
كان معهما من الثياب، وَقَالَا: ما كنا لنهدي لجذيمة هدية هي أنفس
عنده، ولا أحب إليه من ابن أخته، وقد رده اللَّه عَلَيْهِ بنا.
فخرجا به إِلَى جذيمة بالحيرة، فسر بذلك سرورا شديدا، وأرسل به إلى
أمه، فمكث عندها أياما ثم أعادته إليه، فَقَالَ: لقد رأيته يوم ذهب
وعليه طوق، فما ذهب عَنْ عيني ولا قلبي إِلَى الساعة. فأعادوا عَلَيْهِ
الطوق، فلما نظر إليه قَالَ: «شب [2] عمرو عَنِ الطوق» ، فأرسلها مثلا،
وَقَالَ لمالك وعقيل: حكمكما، فقالا: حكمنا منادمتك ما بقينا وبقيت،
فهما ندمانا جذيمة [3] اللذان ذكرا فِي أشعار العرب.
وَفِي ذلك يقول أَبُو خراش الهذلي الشاعر [4] :
لعمرك ما ملت كبيشة طلعتي ... وإن ثوائي عندها لقليل
ألم تعلمي أن قد تفرق قبلنا ... نديما صفاء مالك وعقيل
[5] وَقَالَ متمم بْن نويرة [6] :
وَكُنَّا كَنَدْمَانَيْ جَذِيمَةَ حِقْبَة ... مِنَ الدَّهْرِ حَتَّى
قِيلَ لَنْ يَتَصَدَّعَا
فَلَمَّا تَفَرَّقْنَا كَأَنِّي وَمَالِكًا ... لطول اجتماع لم نبت
ليلة معا
وكان ملك العرب بأرض الجزيرة [7] ومشارف بلاد الشام عمرو بن
__________
[1] الأبيات من معلقات عمرو بن كلثوم ص 211.
[2] في ت: «كبر عمرو» . الشعر ومصادره في «شعر الردة في الإسلام» رسالة
دبلوم الدراسة العليا إعداد نعيم زرزور الجامعة اللبنانية- كلية الآداب
(مخطوطة) .
[3] في الأصل: «ندما» وفي ت: «ندماء» .
[4] «الشاعر» سقطت من ت، والطبري.
[5] الأبيات من ديوان الهذليين 2/ 116.
[6] في ت: «وفي ذلك متمم بن نويرة يقول» .
[7] في ت: «بأرض الحيرة» .
(2/55)
ظرب- وقيل [1] : ظريف- بْن حسان بْن أذينة
بْن السميدع بْن هوبر العليقمي [2] .
فجمع جذيمة جموعه من العرب، فسار إليه يريد غزاته فالتقوا فاقتتلوا [3]
قتالا شديدا، فقتل عمرو بْن ظرب وفضت جموعه، وانصرف جذيمة بمن معه
سالمين غانمين.
فملكت من بعد عمرو ابنته الزباء، واسمها: نائلة، وكان جنود الزباء
بقايا من العماليق، والعارية الأولى من قبائل قضاعة، وكان للزباء أخت
يقال لها: زبيبة، فبنت لها قصرا حسنًا [4] عَلَى شاطئ الفرات الغربي،
وكانت تشتو [5] عند أختها، وتربع ببطن النجار، وتصير إِلَى تدمر.
فلما أن استجمع لها أمرها واستحكم لها ملكها، أجمعت لغزو جذيمة الأبرش
تطالب بثأر أبيها، فقالت لها أختها زبيبة- وكانت عَلَى الشام والجزيرة
من قبل الروم، وكانت ذات رأي ودهاء: يا زباء، إنك إن غزوت جذيمة فإنما
هو يوم [6] له ما بعده، إن ظفرت أصبت ثأرك، وإن قتلت ذهب ملكك، والحرب
[7] سجال [8] ، وعثراتها لا تقال [9] ، وإن كعبك لم يزل ساميا عَلَى من
ناوأك وساماك، ولم تري [10] بؤسا ولا غيرا [11] ، ولا تدرين لمن تكون
العاقبة، [ولا] [12] على من تكون [13] الدائرة! فقالت لها الزباء: قد
أديت النصيحة، وأحسنت الروية، وإن الرأي ما رأيت، والقول ما قلت.
__________
[1] في ت: «ويقال» .
[2] في الطبري: «العملقي، ويقال العمليقي» .
[3] في الأصل: «فاقتتلا» .
[4] في الطبري 1/ 618، ت: «قصرا حصينا» .
[5] في الأصل: «تشتي» .
[6] «يوم» سقطت من ت.
[7] في ت: «والحروب» .
[8] في الأصل: «سيجال» .
[9] في ت: «تستقال» .
[10] في ت: «لم تري» .
[11] في الأصل: «دعزا» .
[12] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل، وأثبتناه من ت.
[13] «تكون» سقطت من ت.
(2/56)
فانصرفت عما كانت أجمعت عَلَيْهِ من غزو
جذيمة، وأتت أمرها من وجه [1] الخداع والمكر. فكتبت إِلَى جذيمة تدعوه
إِلَى نفسها وملكها، وأن يصل بلاده ببلادها، وكان فيما كتبت إليه: أنها
لم تجد ملك النساء إلا قبح فِي [2] السماع، وضعف السلطان، وقلة ضبط
المملكة، وإنها لم تجد لملكها موضعا [3] ولا لنفسها كفئا غيره، فاجمع
ملكي إِلَى ملكك، وصل بلادي ببلادك، وتقلد أمري مع أمرك.
فلما انتهى كتاب الزباء/ إِلَى جذيمة استخفه ما دعته إليه، ورغب فيما
أطمعته فيه، وجمع إليه أهل [الحجي] [4] والنهى، من ثقات أصحابه، وهو
بالبقة من شاطئ الفرات، فعرض عليهم ما دعته إليه الزباء، واستشارهم،
فأجمع رأيهم عَلَى أن يسير إليها، ويستولي عَلَى ملكها، وكان فيهم رجل
يقال له: قصير بْن سعد بْن عمرو، وكان سعد قد تزوج أمة لجذيمة، فولدت
له قصيرا، وكان حازما مقدما عند جذيمة، فخالفهم فيما أشاروا به،
وَقَالَ: «رأي فاتر، وعدو [5] حاضر» . فذهبت مثلًا [6] .
وَقَالَ لجذيمة: اكتب إليها، فإن كانت صادقة فلتقبل إليك، وإلا لم
تمكنها من نفسك ولم تقع فِي حبالها، وقد قتلت أباها. فلم يوافق جذيمة
ما أشار به عَلَيْهِ [7] قصير، وَقَالَ له: «إنك امرؤ رأيك فِي الكن لا
فِي الضح» . فذهبت مثلا.
ودعا جذيمة ابن أخته عمرو بْن عدي فاستشاره، فشجعه على السير. فاستخلف
عمرو، وسار في وجوه أصحابه، فلما نزل رحبة طوق [8] دعا قصيرا، فَقَالَ:
ويحك ما الرأي؟ قَالَ له: «ببقة تركت الرأي» ، فذهبت مثلا.
__________
[1] في ت: «من جهة» .
[2] في الطبري: «إلا قبيح» .
[3] «موضعا» سقطت من ت.
[4] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل، ت، وأثبتناه من الطبري 1/ 619.
[5] في الطبري 1/ 619: «وغدر حاضر» .
[6] في الطبري 1/ 619 زيادة: «فرادوه الكلام ونازعوه الرأي، فقال: «إني
لأرى أمرا ليس بالخسا ولا الزكا» ، فذهبت مثلا. وقال لجذيمة ... » .
[7] «عليه» سقطت من ت.
[8] في الطبري 1/ 620: «فلما نزل الفرضة دعا قصيرا» .
(2/57)
واستقبلته رسل الزباء بالهدايا والألطاف،
فَقَالَ: [يا قصير] [1] ، كيف ترى؟ قَالَ:
«خطر يسير فِي خطب كبير» . فذهبت مثلا.
وَقَالَ له قصير: ستلقاك الخيول، فإن سارت أمامك فالمرأة صادقة، وإن
أحاطت بك فالقوم غادرون، فاركب العصا- وكانت فرسا لجذيمة لا تجارى-
فإني راكبها ومسايرك [عليها] [2] .
فلقيته [3] الخيول فحالت بينه وبين العصا، فركبها قصير موليا، فَقَالَ:
«ويل أمه حزما عَلَى ظهر العصا!» فذهبت مثلا.
فجرت به إِلَى غروب الشمس ثم نفقت وقد قطعت أرضا بعيدة، فبنى عليها
برجا يقال له: برج العصا.
ودخل جذيمة عَلَى الزباء فقتلته [4] ، ورجع قصير إِلَى عمرو بْن عدي،
فَقَالَ: تهيأ ولا تطل دم خالك. قَالَ: «وكيف لي بها وهي أمنع من عقاب
الجو» . فذهبت مثلا.
/ وكانت الزباء سألت كاهنة لها عَنْ ملكها وأمرها، فقالت: أرى [5]
هلاكك بسبب غلام مهين، وهو عَمْرو بْن عدي، ولكن حتفك بيدك، ومن قبله
يكون ذلك.
فحذرت من عمرو، وأخذت نفقا من مجلسها الذي كانت تجلس فيه إِلَى حصن لها
داخل مدينتها، وَقَالَت: إن فجأني أمر دخلت النفق إِلَى حصني. ودعت
رجلا مصورا، فجهزته وَقَالَت [له] [6] : سر حَتَّى تقدم عَلَى عمرو بْن
عدي متنكرا، فتخلو بحشمه وتخالطهم، ثم أثبت عمرو بْن عدي معرفة فصوره
جالسا وقائما، وراكبا ومتفضلا [7] ، ومتسلحا بهيئته وثيابه، فإذا أحكمت
ذلك فأقبل إليّ.
__________
[1] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل، ت، وأثبتناها من الطبري.
[2] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[3] في الأصل: «فلحقته» ، وما أثبتناه من ت والطبري.
[4] ذكر الطبري كيفية قتله 1/ 621 فلينظر هناك.
[5] «أرى» سقطت من ت.
[6] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[7] في ت: «متنصلا» .
(2/58)
فانطلق وصنع ما أمرته به، وأرادت أن تعرف
عمرو بْن عدي فلا تراه عَلَى حال إلا عرفته وحذرته وعلمت علمه. فَقَالَ
قصير لعمرو بْن عدي: أجدع أنفي واضرب ظهري، ودعني وإياها فَقَالَ
عَمْرو: ما أنا بفاعل وما أنت لذلك بمستحق [1] مني. فَقَالَ قصير:
«خل عني إذا وخلاك ذم» . فذهبت مثلًا.
وَقَالَ ابن الكلبي: كان أبوها اتخذ لها [2] النفق ولأختها، وكان الحصن
لأختها فِي داخل مدينتها، قَالَ: فَقَالَ له عمرو: فأنت أبصر، فجدع
أنفه وضرب ظهره فقالت العرب: «لمكر ما جدع قصير أنفه» .
وَفِي ذلك يقول الملتمس:
ومن حذر الأوتار ما جز أنفه ... قصير وخاض الموت بالسيف بيهس
[3] ثم خرج قصير كأنه هارب، وأظهر أن عمرا فعل به ذلك، وأنه يزعم أنه
مكر بخاله جذيمة، وغره من الزباء. فسار قصير حَتَّى قدم عليها، فتسبب
فِي قتلها [4] .
وَقَالَ مؤلف الكتاب: وقد رويت لنا هَذِهِ القصة عَلَى خلاف هَذَا، وأن
جذيمة طرد الزباء ثم طلب أن يتزوجها، ونحن نوردها لتعلم قدر الاختلاف.
أَنْبَأَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الملك بْن خيرون أَنْبَأَنَا أحمد بْن
علي بْن ثابت [الخطيب] قَالَ: أَخْبَرَنَا عَليّ بْن الحسين بْن موسى
العلوي، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّد: سهل بْن أحمد الديباجي،
قَالَ: أَخْبَرَنَا قاسم بْن جعفر السراج، قَالَ: أَخْبَرَنَا يعقوب
بْن الناقد، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عمرو بْن الفرج، قَالَ:
أَخْبَرَنَا أبي، عَنْ يونس بْن حبيب النحوي.
قَالَ الديباجي: وَحَدَّثَنَا القاضي أَبُو مُحَمَّد: عَبْد الله بن
أحمد الربعي، قال:
__________
[1] في ت: «بمستحق ذلك» .
[2] في ت، والطبري: «كان أبو الزباء اتخذ النفق لها» .
[3] في الأصل: «ينهس» . «وبيهس» رجل من فزارة كان يجمعه، فقتل له سبعة
إخوة، فجعل يلبس القميص مكان السراويل، والسراويل مكان القميص، فإذا
سئل عن ذلك قال: ألبس لكل عيشة لبوسها إما نعيمها وإما بؤسها. فتوصل
بما صوره من حاله عند الناس إلى أن طالب بدماء إخوته (الحماسة 2/ 658)
.
[4] ذكر الطبري كيفية قتلها 1/ 623- 625، وهي قصة مقاربة لما سيذكره
المصنف بسنده فيما يلي.
(2/59)
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْن عبيد بْن ناصح،
قَالَ: حَدَّثَنَا ابن مُحَمَّد الكلبي، عَنْ أبيه [1] ، قَالَ:
كان جذيمة بْن مالك ملكا عَلَى الحيرة وعلى ما حولها من السواد- ملك
ستين سنة- وكان به وضح، وكان شديد السلطان، قد خافته العرب، وتهيبه
العدو، فتهيبت العرب أن يقولوا الأبرص، فقالوا: الأبرش. فغزا مليح بْن
البراء، وكان ملكا عَلَى الحضر [2] ، وهو الحاجز بين الروم والفرس.
وهو الذي ذكره عدي بْن زيد فِي قوله:
وأخو الحضر إذ بناه وإذ دجلة ... تجبى إليه والخابور
[3] فقتله جذيمة، وطرد الزباء إِلَى الشام، فلحقت بالروم، وكانت عربية
اللسان، حسنة البيان، شديدة السلطان، كبيرة الهمة.
قَالَ ابن الكلبي: ولم تكن فِي نساء عصرها أجمل منها، وكان اسمها:
فارعه، وكان لها شعر إذا مشت سحبته وراءها، وإذا نشرته جللها، فسميت
الزباء.
قَالَ ابن الكلبي: فبعث عِيسَى ابن مريم بعد قتل أبيها، فبلغت بها
همتها أن جمعت الرجال، وبذلت الأموال، وعادت إِلَى ديار أبيها ومملكته،
فأزالت جذيمة الأبرش [4] عنها، وابتنت عَلَى عراقي الفرات مدينتين
متقابلتين من شرقي الفرات وغربيه، وجعلت بينهما نفقا تحت الفرات، فكان
إذا رهقها عدو أوت إليه وتحصنت به، وكانت قد اعتزلت الرجال، فهي عذراء
بتول، وكان بينها وبين جذيمة مهادنة، فحدث جذيمة/ نفسه بخطبتها، فجمع
خاصته فشاورهم فِي ذَلِكَ، وكان له ابن عم يقال له:
قصير بْن سعد، وكان عاقلا لبيبا، وكان خازنه وصاحب أمره وعميد دولته،
فسكت القوم وتكلم قصير فَقَالَ: أبيت اللعن أيها الملك، إن الزباء
امرأة قد حرمت الرجال، فهي
__________
[1] حذف السند في ت وكتب بدلا منه: «أَنْبَأَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد
الملك بْن خيرون حدثنا أحمد الخطيب بإسناده عن هِشَامُ بْنُ مُحَمَّدٍ
الْكَلْبِيُّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ» .
[2] في الأصل: «الحصين» .
[3] الخابور: اسم لنهر كبير بين رأس عين والفرات من أرض الجزيرة.
والبيت ذكره الطبري 2/ 50 مع غيره.
[4] «الأبرش» سقطت من ت.
(2/60)
عذراء بتول، لا ترغب فِي مال ولا جمال ولها
عندك ثأر، والدم لا ينام، وإنما تاركتك وهنة وحذارا من بطشك، والحقد
دفين فِي سويداء القلب، له كمون ككمون النّار في الحجر، إن أقدحته
أورى، وإن تركته توارى، وللملك فِي بنات الأكفاء متسع، ولهن فيه مقنع،
وقد رفع الله قدرك عَنِ الطمع فِي من دونك وعظم شأنك، فما أحد فوقك.
فَقَالَ جذيمة: يا قصير، الرأي ما رأيته، والحزم فيما قلته، و [لكن]
[1] النفس تواقة، وإلى ما تحب وتهوى مشتاقة، ولكل امرئ قدر لا مفر منه
ولا وزر.
فوجه إليها خاطبا، وَقَالَ: ائت الزباء فاذكر لها ما يرغبها فيه وتصبو
إليه. فجاءها خطيبه، فلما سمعت كلامه وعرفت مراده، قالت له: أنعم بك
عينا وبما جئت به وله [2] .
وأظهرت لَهُ السرور به، والرغبة فيه، وأكرمت مقدمه ورفعت موضعه،
وَقَالَت: [قد كنت] [3] أضربت عَنْ هَذَا الأمر خوفا أن لا أجد كفؤا،
والملك فوق قدري، وأنا دون قدره، وقد أجبت إِلَى ما سأل، ورغبت فيما
قَالَ، ولولا أن السعي فِي مثل هَذَا الأمر بالرجال أجمل لسرت إليه،
ونزلت عَلَيْهِ [4] . وأهدت له هدية سنية، فساقت العبيد، والإماء،
والكراع، والسلاح، والأموال، والإبل، والغنم، وحملت من الثياب والعين
والورق.
فلما رجع إليه [5] خطيبه أعجبه ما سمع من الجواب، وأبهجه ما رأى من
اللطف، فظن أن ذلك بحصول رغبة، فأعجبته نفسه، وسار من فوره فِي من يثق
به من خاصته وأهل مملكته، وفيهم قصير خازنه.
واستخلف عَلَى ملكه [6] ابن أخته عمرو بْن عدي اللخمي/، وهو أول ملوك
الحيرة [من لخم] [7] ، وكان ملكه عشرين ومائة سنة، وهو الذي اختطفته
الجن وهو
__________
[1] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل، وأثبتناه من ت.
[2] «وله» سقطت من ت.
[3] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل، وأثبتناه من ت.
[4] في ت: «ونزلت به» .
[5] «إليه» سقطت من ت.
[6] «وفيهم قصير خازنه، واستخلف على ملكه» سقطت من ت.
[7] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل، وأثبتناه من ت.
(2/61)
صبي وردته وقد شب وكبر، فقالت أمه: ألبسوه
الطوق، فَقَالَ خاله جذيمة: «شب عمرو عَنِ الطوق» . فذهبت مثلا.
وسار إِلَى الزباء، فلما صار معه نزل فتصيد وأكل وشرب، واستغنى
بالمشورة [1] والرأي من أصحابه، فسكت القوم وافتتح الكلام قصير بْن
سعد، فَقَالَ: أيها الملك، كل عزم لا يؤيد بحزم فإلى آخر ما يكون كون
فلا يثق به خرف قول لا محصول له، ولا يعقد [2] الرأي بالهوى فيفسد، ولا
الحزم بالمنى فينفذ، والرأي عندي للملك أن يعقب [3] أمره بالتثبت،
ويأخذ حذره بالتيقظ، ولولا أن الأمور تجري بالمقدور لعزمت عَلَى الملك
عزما بتا أن لا يفعل.
فأقبل جذيمة عَلَى الجماعة فَقَالَ: ما عندكم أنتم فِي هَذَا الأمر؟
فتكلموا بحسب ما عرفوا من رغبة الملك فِي ذلك وصوبوا رأيه، وقووا عزمه،
فَقَالَ جذيمة: الرأي مع الجماعة، والصواب ما رأيتم، فَقَالَ قصير:
«أرى القدر سابق بالحذر [4] فلا يطاع لقصير أمر» . فأرسلها مثلا.
وسار جذيمة فلما قرب من ديار الزباء نزل فأرسل إليها يعلمها بمجيئه،
فرحبت به، وأظهرت السرور [5] والرغبة به، وأمرت أن تحمل إليه الأموال
[6] والعلو، فأتت وَقَالَت لجندها، وخاصة أهل مملكتها وعامة أهل
دولتها: تلقوا سيدكم وملك دولتكم.
وعاد الرسول إليه بالجواب بما رأى وسمع، فلما أراد جذيمة أن يسير، دعا
قصيرا، فَقَالَ: أنت عَلَى رأيك؟ قَالَ: نعم وقد زادت [بصيرتي فيه،
أفأنت عَلَى عزمك؟
قَالَ: نعم وقد زادت] [7] رغبتي فِيهِ. فَقَالَ قصير: ليس للأمور بصاحب
من لم ينظر فِي العواقب، وقد يستدرك الأمر قبل فوته، وَفِي يد الملك
بقية هو بها متسلط على استدراك
__________
[1] في ت: «وأسقاه المشورة» .
[2] «ولا يعقد» كذلك في ت.
[3] في ت: «يتعقب» .
[4] في ت: «إن القدر سابق الحذر» .
[5] في الأصل: «السرو» .
[6] في ت: «الأنزال» .
[7] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل، وأثبتناه من ت.
(2/62)
الصواب، فإن وثقت بأنك ذو ملك وسلطان، وعزة
ومكان، فإنك قد نزعت يدك من سلطانك، وفارقت عشيرتك ومكانك، وألقيتها
فِي يدي/ من لست آمن عليك مكره وغدره، فإن كنت ولا بد فاعلا، ولهواك
تابعا، فإن القوم أن يلقوك غدا فرقا وساروا أمامك، وجاء قوم وذهب قوم
فالأمر بعد فِي يدك، والرأي فيه إليك، فإن تلقوك زردقا واحدا، وقاموا
لك صفين حَتَّى إذا توسطتهم انقضوا عليك من كل جانب فأحدقوا بك فقد
ملكوك وصرت فِي قبضتهم، وهذه العصا [1] لا تسبق غبارها- وكانت لجذيمة
فرس تسبق الطير، وتجاري الرياح يقال لها: عصا- فإذا كان كذلك فتجلل
ظهرها، فهي ناجية بك إن ملكت ناصيتها، فسمع جذيمة كلامه، ولم يرد
جوابا، وسار.
وكانت الزباء لما رجع رسول جذيمة من عندها قالت لجندها: إذا أقبل جذيمة
[غدا] [2] فتلقوه بأجمعكم وقوموا له صفين من عَنْ يمينه ومن [3] عَنْ
شماله، فإذا توسط جمعكم فتفوضوا عَلَيْهِ من كل جانب حَتَّى تحدقوا به،
وإياكم أن يفوتكم.
وسار جذيمة وقصير عَنْ يمينه، فلما لقيه القوم زردقا [4] واحدا قاموا
له صفين، فلما توسطهم انقضوا عَلَيْهِ من كل جانب انقضاض الأجدل [5]
عَلَى فريسته [6] ، فأحدقوا به [7] ، وعلم أنهم قد ملكوه، وكان قصير
يسايره، فأقبل عَلَيْهِ، وَقَالَ: صدقت يا قصير.
فَقَالَ قصير: أيها الملك، «أبطأت بالجواب حَتَّى فات الصواب» . فأرسلت
[8] مثلا.
فَقَالَ: كيف الرأي الآن؟ فَقَالَ: هَذِهِ العصا فدونكها، لعلها تنجو
بك [9]- أو
__________
[1] في الأصل: «العصي» .
[2] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل، وأثبتناه من ت.
[3] في ت: «صفين عن يمينه وعن شماله» .
[4] الزّردق: خيط يمدّ، والزردق: الصف القيام من الناس، والزردق: الصف
من النخل. وهو بالفارسية:
«زرده» .
[5] الأجدل: الصّقر، صفة غالبة، وأصله من الجدل الّذي هو الشّدّة.
[6] في الأصل: «فرسه» .
[7] في ت: «فأحدقوا إليه» .
[8] في الأصل: «فأرسله مثلا» .
[9] في ت: «لعلك تنجو بها» .
(2/63)
قَالَ: تنجو بها وهو الأصح [1]- فأنف جذيمة
من ذلك، وسارت به الجيوش، فلما رأى قصير أن جذيمة قد استسلم للأسر
وأيقن بالقتل جمع نفسه، فصار عَلَى ظهر العصا وأعطاها عنانها وزجرها،
فذهبت به تهوي هوي الريح [2] ، فنظر إليه جذيمة وهي تتطاول به.
وأشرفت الزباء من قصرها، فقالت: ما أحسنك من عروس/ تجلي علي وتزف إلي.
حَتَّى دخلوا [به] [3] عَلَى الزباء ولم يكن معها فِي قصرها إلا جوار
أبكار أتراب، وكانت جالسة عَلَى سريرها وحولها ألف وصيفة، كل واحدة لا
تشبه صاحبتها فِي خلق ولا زي، وهي بينهن كأنها قمر قد حفت به النجوم
تزهر، وأمرت بالأنطاع [4] فبسطت، وَقَالَت لوصيفاتها: خذوا بيد سيدكن
وبعل مولاتكن. فأخذن بيده، فأجلسنه عَلَى الأنطاع بحيث تراه ويراها،
[وتسمع كلامه ويسمع كلامها] [5] ، ثم أمرت الجواري فقطعن دواهيه، ووضعت
الطشت تحت يده، فجعلت دماؤه تشخب فِي الطشت، فقطرت قطرة فِي النطع،
فقالت لجواريها: لا تضيعوا دم الملك، فَقَالَ جذيمة: لا يحزنك دم أراقه
أهله.
فلما مات قالت: والله ما وفى دمك ولا شفى قتلك، ولكنه غيض [6] من فيض.
ثم أمرت به فدفن.
وكان جذيمة قد استخلف عَلَى مملكته ابن أخته: عمرو بْن عدي، وكان يخرج
كل يوم إِلَى ظهر الحيرة يطلب الخبر، ويقتفي الأثر من خاله، فخرج ذات
يوم ينظر إِلَى فارس [قد أقبل] [7] تهوي بِهِ فرسه هوي الريح، فَقَالَ:
أما الفرس ففرس جذيمة، وأما الراكب فكالبهيمة لأمر ما جاءت العصا،
فأشرف عليهم قصير، فقالوا: ما وراءك؟ قَالَ:
سعى القدر بالملك إِلَى حتفه رغم أنفي [8] وأنفه فاطلب بثأرك من
الزّباء، فقال عمرو:
__________
[1] «أو قال: تنجو بها وهو الأصح» لم يثبتها الناسخ لأنه اختارها في
المتن.
[2] في ت: «فذهبت تهوي به هوي» .
[3] ما بين المعقوفتين سقطت من الأصل، وأثبتناه من ت.
[4] الأنطاع: جمع نطع، والنطع من الأدم.
[5] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل، وأثبتت من ت.
[6] في الأصل (غيظ) وما أثبتناه من: ت.
[7] ما بين المعقوفتين في الأصل، وأثبتناه في ت.
[8] في ت: «على الرغم من أنفي وأنفه» .
(2/64)
وأي [1] ثأر يطلب من الزباء وهي أمنع من
عقاب الجو، فَقَالَ قصير: قد علمت نصحي [كيف] [2] كان لخالك، وكان
الأجل رائده، وإني والله لا أنام عَنِ الطلب بدمه ما لاح نجم وطلعت
شمس، أو أدرك به ثأرا أو تحرم نفسي فاعذر.
ثم أنه عمد إِلَى أنفه فجدعه، ثم لحق بالزباء هاربا من عمرو بْن عدي،
فقيل لها: هَذَا قصير ابن عم جذيمة وخازنه وصاحب أمره قد جاءك، فأذنت
له، فقالت: ما الذي جاء بك يا قصير وبيننا وبينك دم عظيم الخطر،
فَقَالَ: يا ابنة/ الملوك العظام، لقد أتيت فيما يأتي [3] مثلك فِي
مثله، لقد كان دم الملك يطلبه حَتَّى أدركه، وقد جئتك مستجيرا بك من
عمرو بْن عدي، فإنه اتهمني بخاله وبمشورتي عَلَيْهِ فِي المسير [إليك]
[4] ، فجدع أنفي، وأخذ مالي، وحال بيني وبين عيالي، وتهددني بالقتل،
وإني خشيت عَلَى نفسي فهربت منه إليك، وأنا مستجير بك، ومستند إِلَى
كهف عزك.
فقالت: أهلا وسهلا، لك حق الجوار ودية المستجير. وأمرت به فأنزل
[وأجريت له الأنزال] [5] ووصلته وكسته، وأخدمته وزادت فِي إكرامه،
فأقام مدة لا يكلمها ولا تكلمه، وهو يطلب الحيلة عليها، وموضع الفرصة
منها، وكانت متمنعة بقصر مشيد عَلَى باب النفق تعتصم به فلا يقدر أحد
عليها [6] .
فَقَالَ لها قصير [يوما] [7] إن لي بالعراق مالا كثيرا وذخائر نفيسة
مما يصلح للملوك، فإن أذنت لي بالخروج [8] إِلَى العراق، وأعطيتني شيئا
أتعلل به فِي التجارة، وأجعله سببا إِلَى الوصول إِلَى مالي أتيتك بما
قدرت عليه من ذلك.
فأعطته مالا بعد ما أذنت له [9] ، فقدم العراق وبلاد كسرى، فأطرفها
وألطفها
__________
[1] في ت: «أي ثأر» بدون الواو.
[2] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل، وأثبتناه من ت.
[3] في ت: «أتيت فيه ما يأتي» .
[4] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل، وأثبتناه من ت.
[5] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل، وأثبتناه من ت.
[6] في ت: «فلا يقدر عليها أحد» .
[7] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل، وأثبتناه من ت.
[8] في ت: «فإن أذنت لي في الخروج» .
[9] في ت: «فأذنت له فأعطته مالا فقدم ... » .
(2/65)
وسرها، وبنت له عندها منزلا، وعاد إِلَى
العراق ثانية، فقدم بأكثر من ذلك طرفا من الجواهر [1] ، والبز، والخز،
والقز، والديباج، فازداد مكانه عندها [2] ، وازدادت منزلته عندها،
ورغبتها فيه، ولم يزل قصير يتلطف حَتَّى عرف موضع النفق الذي تحت
الفرات، والطريق إليه.
ثم خرج ثالثة فقدم بأكثر من الأوليين طرائف ولطائف، فبلغ مكانه [منها]
[3] وموضعه عندها إلى أن كانت تستعين به فِي مهمها وملمها، فاسترسلت
إليه وعولت عَلَيْهِ فِي أمورها كلها [4] . وكَانَ قصير رجل حسن العقل
والوجه، حصيفا أديبا لبيبا، فقالت له يوما: أريد أن أغزو البلد الفلاني
من أرض الشام، فاخرج إِلَى العراق فأتني بكذا وكذا من السلاح والكراع
والعبيد والثياب/ فَقَالَ قصير: ولي فِي بلاد عمرو بْن عدي ألف بعير
وخزانة من السلاح فيها كذا وكذا، وما يعلم عمرو بْن عدي [5] بها، ولو
علم لأخذها واستعان بها عَلَى حربك، وكنت أتربص به المنون وأنا أخرج
متنكرا من حيث لا يعلم فآتيك بها مع الذي سألت.
فأعطته من المال ما أراد، وَقَالَت: يا قصير، الملك يحسن بمثلك وعلى يد
مثلك يصلح أمره، ولقد بلغني أن أمر جذيمة كان إيراده وإصداره إليك، وما
تقصر يدك عَنْ شَيْء تناله يدي، ولا يقعد بك حال تنهض بي.
فسمع كلامها رجل من خاصة قومها، فَقَالَ: أسد خادر وليث زائر، قد تحفز
للوثبة. ولما رأى قصير مكانه منها وتمكنه من قلبها، قَالَ: الآن طاب
المصاع. وخرج من عندها، فأتى عمرو بْن عدي وَقَالَ: أصبت الفرصة من
الزباء فانهض فعجل الوثبة، فَقَالَ له عمرو: قل يسمع [6] ، ومر أفعل،
فأنت طبيب هَذِهِ القرحة، فَقَالَ: الرجال والأموال. فَقَالَ: حكمك
فيما عندنا مسلط. فعمد إِلَى ألفي رجل من فتاك قومه
__________
[1] في ت: «من الجوهر» .
[2] في ت: «مكانه منها» .
[3] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل وأثبتناه من ت.
[4] في ت: «وعولت في أمورها كلها عليه» .
[5] «بن عدي» سقط من ت.
[6] في ت: «قل أسمع» .
(2/66)
وصناديد [1] أهل مملكته، فحملهم عَلَى ألف
بعير فِي الغرائر السود، وألبسهم السلاح والسيوف والحجف [2] ، وأنزلهم
فِي الغرائر، وجعل [رءوس] [3] المسوح من أسافلها مربوطة من داخل، وكان
عمرو فيهم. وساق الخيل والعبيد والكراع والسلاح والإبل [4] محملة.
فجاءها البشير فَقَالَ [5] : قد جاء قصير. ولما قرب من المدينة حمل
الرجال فِي الغرائر متسلحين السيوف والحجف، وَقَالَ: إذا توسطت الإبل
المدينة والأمارة بيننا كذا وكذا فاخرطوا الربط. فلما قربت العير من
مدينة الزباء فِي قصرها فرأت الإبل تتهادى بأحمالها فارتابت منها [6] ،
وقد كان وشي بقصير إليها، وحذرت منه، فقالت للواشي [به إليها] [7] إن
قصير اليوم منا، وهو ربيب هَذِهِ النعمة، وصنيعة هَذِهِ الدولة، وإنما
يبعثكم [عَلَى] [8] ذلك الحسد، وأن ليس فيكم مثله، فهالها [9] ما رأت
من كثرة الإبل/ وعظم [10] أحمالها فِي نفسها [مع ما عندها] [11] من قول
الواشي به إليها:
أرى الجمال سيرها وئيدا [12] ... أجندلا يحملن أم حديدا
__________
[1] الصناديد: الشدائد من الأمور والدواهي. وصناديد الرجال: الأقوياء
حماة العسكر الشجعان، وهم أيضا السادات.
[2] «الحجف» سقطت من ت والحجف: ضرب من التّرسة، واحدتها حجفة، وقيل: هي
من الجلود خاصة، وقيل: هي من جلود الإبل مقورة وقال ابن سيده: هي من
جلود الإبل يطارق بعضها ببعض (لسان العرب 787) .
[3] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل وأثبتناه من ت. وفي الأصل: «وجعل
المسوح من أسافلها ... » .
[4] «الإبل» سقطت من ت.
[5] في الأصل: «قال» .
[6] في ت: «فارتابت لها» .
[7] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل وأثبتناه من ت.
[8] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل وأثبتناه من ت.
[9] في ت: «فقدح ما رأت» .
[10] في ت: «وعظيم أحمالها» .
[11] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل، وأثبتناه من ت.
[12] في الطبري 1/ 625: «ما للجمال مشيها وئيدا» . وفي ت: «أرى الجمال
مشيها وئيدا» .
(2/67)
أم صرفانا باردا شديدا ... أم الرجال فِي
المسوح سودا
[1] ثم أقبلت عَلَى جواريها وَقَالَت: «أرى الموت الأحمر فِي الغرائر
السود» - فذهبت مثلا- حتى [2] إذا توسطت الإبل المدينة وتكاملت، ألغز
[3] إليهم الأمارة، فاخترطوا رءوس الغرائر، فوقع [4] إِلَى الأرض ألفا
ذراع بألفي باتر ونادوا [5] : يا لثأر القتيل غدرا.
وخرجت الزباء تمضي [6] تريد النفق، فسبقها إليه قصير، فحال بينها
وبينه، فلما رأت أن قد أحيط [بها] [7] وملكت التقمت خاتما فِي يدها تحت
فصه سم ساعة، وَقَالَت:
«بيدي لا بيدك يا عمرو» [8] فأدركها عمرو وقصير، فضرباها بالسيف حَتَّى
هلكت، وملكا مملكتها، واحتويا على مملكيها [9] ونعمتها، وخط قصير عَلَى
جذيمة قبرا، وضرب عَلَيْهِ فسطاطا، وكتب عَلَى قبره يقول [10] :
ملك تمنع بالعساكر والقنا ... والمشرفية عزة ما توصف
فسعت منيته إِلَى أعدائه ... وهو المتوج والحسام المرهف
قَالَ علماء السير [11] : وصار الملك من بعد جذيمة لابن أخته عمرو بْن
عدي، وهو أول من اتخذ الحيرة منزلا من ملوك العرب، وأول من مجده أهل
الحيرة فِي كتبهم من ملوك العرب بالعراق، وإليه ينسبون، وهم ملوك آل
نصر.
قالوا: عمرت الأنبار خمسمائة سنة وخمسين سنة، إِلَى أن عمرت الحيرة في
زمن عمرو بن عديّ.
__________
[1] في ت: «في المسوح الصوت» .
[2] «حتى» سقطت من ت.
[3] في الأصل: «ألقوا إليهم» .
[4] في ت: «فسقط» .
[5] في ت: «يقولون» .
[6] «تمضى» سقطت من ت.
[7] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[8] في ت: «بيدي لا بيد عمرو» .
[9] «مملكيها» سقطت من ت. انظر خبر جذيمة الأبرش في الكامل 1/ 262- 269
والطبري ما قبل 1/ 627.
[10] «يقول» سقطت من ت.
[11] الطبري 1/ 627. والكامل 1/ 269، 270.
(2/68)
وعمرت الحيرة خمسمائة سنة وبضعا وثلاثين
سنة إِلَى أن وضعت الكوفة، ونزلها أهل الْإسْلَام، فلم يزل عمرو بْن
عدي ملكا إِلَى أن مات وهو ابن مائة وعشرين سنة.
قيل: مائة وثماني عشرة سنة.
ومن ذلك فِي زمن أردشير، / ومن ملوك الطوائف خمس وتسعون سنة.
وَفِي [زمن] [1] ملوك فارس ثلاث [2] وعشرون.
ومن ذلك فِي زمن أردشير بْن بابك أربع عشرة سنة وعشرة أشهر.
وَفِي زمن سابور بْن أردشير ثماني سنين وشهران.
وما زال عقب عمرو بْن عدي بعده لهم الملك متصلا عَلَى كل من بنواحي
العراق وبادية الحجاز من العرب باستعمال ملوك فارس إياهم عَلَى ذلك
واستكفائهم أمر من وليهم من العرب إِلَى أن قتل أبرواز بْن هرمز
النعمان بْن المنذر، ونقل ما كانت ملوك فارس يجعلونه إليهم إِلَى
غيرهم. والنعمان من أولاد نصر أيضا، لأنه النعمان بْن المنذر بْن ماء
السماء بْن عمرو بْن عدي بْن نصر بن ربيعة.
قال أبو جعفر بن الطبري [3] : ما زال عَلَى ثغر العرب من قبل ملوك
الفرس من آل ربيعة إِلَى أن ولى عمرو بْن هند، ثم ولي بعده [أخوه] [4]
قابوس بْن المنذر، ثم ولي أربع سنين من ذلك في زمن أنوشروان ثمانية
أشهر، وَفِي زمن هرمز ثلاث سنين وأربعة أشهر، ثم ولي بعده السهرب، ثم
[ولي] [5] بعده المنذر أَبُو النعمان بْن المنذر أربع سنين، ثم بعده
النعمان بْن المنذر أبو قابوس اثنتين وعشرين سنة من ذلك فِي زمن هرمز
سبع سنين وثمانية أشهر، وَفِي زمن أبرويزا أربع عشرة سنة، وأربعة أشهر،
ثم ولي إياس بْن قبيصة الطائي تسع [6] سنين، ولسنة [7] وثمانية أشهر من
[8] ولايته بعث رسول
__________
[1] ما بين المعقوفتين: سقطت من الأصل، وأثبتناه من ت.
[2] في ت: «ثمان وعشرون» .
[3] «قال أبو جعفر الطبري» بياض في ت. انظر الطبري 2/ 213، 214. مع
اختلاف واختصار.
[4] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل، وأثبتناه من ت.
[5] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل، وأثبتناه من ت.
[6] في الأصل: «سبع» ، وما أثبتناه من ت.
[7] «ولسنة» سقطت من ت.
[8] في ت: «وفي ولايته ... » .
(2/69)
الله صلى الله عليه وسلم، ثم استخلف ازادية
الهمداني سبعة عشر سنة، ثم استخلف ولي المنذر بن النعمان بن المنذر
ثمانية أشهر إِلَى أن قدم خالد بْن الوليد الحيرة، وكان آخر من بقي من
آل نصر.
فجميع ملوك آل نصر عشرون [1] ملكا، ملكوا خمس مائة واثنتين وعشرين سنة
وثمانية أشهر.
فصل [فِي سبب نزول ملوك آل نصر الحيرة] [2]
وكان سبب نزولهم الحيرة رؤيا رآها نصر بْن ربيعة اللخمي [3] ، وكان
ملكه بين التبابعة. فرأى رؤيا هالته، فبعث فِي مملكته فلم يدع كاهنا
ولا منجما إلا جمعه إليه، ثم قَالَ لهم: / إني قد [4] رأيت رؤيا
هالتني، فأخبروني بتأويلها، فقالوا: اقصصها علينا، فَقَالَ: إنه لا
يعرف تأويلها إلا من يعرفها قبل أن أخبره بها، قالوا: فإن كان الملك
يريد ذلك فليبعث إلى سطيح، وشقّ، فإنه ليس أحد أعلم منهما. واسم سطيح:
ربيع بْن ربيعة بْن مسعود بْن مازن. وشق بْن صعب بْن يشكر [5] بْن فهم.
فبعث إليهما، فقدم سطيح قبل شق، ولم يكن فِي زمانهما مثلهما من الكهان،
فَقَالَ له: يا سطيح، إني قد رأيت رؤيا هالتني فإن أصبتها أصبت
تأويلها. فَقَالَ: رأيت جمجمة [6] خرجت من ظلمة فوقعت بأرض ثهمة، فأكلت
منها كل ذات جمجمة. فَقَالَ الملك: ما أخطأت منها شيئا يا سطيح، فما
عندك من تأويلها؟ قَالَ: أحلف بما بين الحرتين من حنش، ليهبطن أرضكم
الحبش، فليملكن ما بين أبين إلى جرش.
__________
[1] في الأصل، «خمس وعشرون» ، وما أثبتناه من ت، والطبري.
[2] هذا العنوان ليس في أي نسخة، وهو من عندنا أثبتناه للتوضيح.
[3] في الطبري 2/ 112. «ربيعة بن نصر» وكذلك في البداية والنهاية 2/
162.
[4] «قد» سقطت من ت.
[5] في الأصل: «مصعب بن شكر» .
[6] قال الطبري 2/ 113: «وقد وجدته في مواضع أخر: رأيت حممة» . ونقول:
«وهي رواية ابن هشام في السيرة النبويّة» .
(2/70)
قَالَ له الملك: وأبيك يا سطيح، إن هَذَا
لغائظ موجع، فمتى هو كائن؟ فِي زماني أم بعده [1] ؟ قَالَ: لا [2] بل
بعده بحين، الحين من ستين إِلَى سبعين. قَالَ: فهل يدوم ذلك من ملكهم
أو ينقطع؟ قال [3] : لا بل ينقطع لبضع وسبعين يمضين من السنين، ثم
يخرجون منها هاربين. قَالَ: ومن يلي ذلك؟ قال: إرم ذي يزن، يخرج عليهم
من عدن، فلا يترك أحد منهم باليمن. قَالَ: أفيدوم ذلك من سلطانه أو
ينقطع؟ قَالَ: لا بل ينقطع. قَالَ: ومن يقطعه؟ قَالَ: نبي زكي، يأتيه
الوحي من العلي قَالَ: وممن هَذَا النبي؟ قَالَ: رجل من ولد غالب بْن
فهر بْن مالك بْن النضر، يكون الملك فِي قومه إِلَى آخر الدهر. قَالَ:
وهل [للدهر] [4] يا سطيح من آخر؟ قَالَ: نعم، يوم يجمع فيه [5] الأولون
والآخرون، ويسعد فيه المحسنون ويشقى فيه المسيئون. قَالَ: أحق ما
تخبرنا يا سطيح؟ فَقَالَ: نعم، والشفق والغسق والفلق إذا اتسق، إن ما
أنبأتك به لحق.
فلما فرغ قدم شق/ فدعاه فَقَالَ: يا شق إني قد رأيت رؤيا فأخبرني بها،
قَالَ:
نعم، رأيت جمجمة خرجت من ظلمة فوقعت بين روضة [6] وأكمة، فأكلت منها كل
ذات نسمة، قَالَ: صدقت، فما عندك من تأويلها؟ قَالَ: أحلف بما بين
الحرتين من إنسان لينزلن أرضكم السودان، فليغلبن عَلَى كل طفلة البنان
[7] ، وليملكن ما بين أبين إِلَى نجران.
فَقَالَ له الملك: وأبيك يا شق، إن هَذَا لغائظ موجع، فمتى هو كائن؟
أفي زماني أم بعده؟ [قَالَ بعدكم] [8] بزمان، ثم يستنقذكم منه عظيم ذو
شأن، ويذيقهم منه أشد الهوان قَالَ: ومن هَذَا العظيم الشأن؟ قَالَ:
غلام من بيت ذي يزن. قال: فهل يدوم ملكه
__________
[1] في الأصل: «أم بعدي» .
[2] «لا» سقطت من الأصل.
[3] من هنا حتى: « ... قَالَ: لا بل ينقطع قَالَ: ومن يقطعه قال: نبي
... » . ساقط من ت.
[4] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل، ت وأثبتناه من الطبري 1/ 113.
[5] «فيه» سقطت من ت.
[6] في ت: «في روضة» .
[7] في الأصل: «طفلة إنسان» وما أثبتناه من ت والطبري.
[8] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل، وأثبتناه من ت.
(2/71)
أم ينقطع؟ قَالَ: بل ينقطع برسول يأتي
بالحق وبالعدل [1] ، يكون الملك فِي قومه إِلَى يوم الفصل. قال: وما
يوم الفصل؟ قَالَ: يوم يجزى فيه الولاة، ويجمع الناس للميقات.
فوقع فِي نفسه أن [2] ما قالا كائن من [3] أمر الحبشة، فجهز بنيه وبني
[4] أهل بيته إِلَى العراق، وكتب لهم إِلَى ملك من ملوك الفرس [5] يقال
له: سابور، فأسكنهم الحيرة، وما زالت الحيرة يسكنها الملوك [6] .
فصل
[7] قَالَ مؤلف الكتاب [8] : وقد روينا عَنْ بعض ملوك الحيرة قصة
مستطرفة يحسن ذكرها.
أَخْبَرَنَا المبارك بْن علي الصيرفي، قَالَ: أخبرتنا فاطمة بنت عَبْد
اللَّه بْن إِبْرَاهِيم الحيري، قالت: أخبرنا علي بن الحسن بن الفضل،
قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن خالد
الكاتب، قَالَ: أَخْبَرَنَا علي بْن عَبْد اللَّه بْن المغيرة الجوهري،
قَالَ:
حَدَّثَنَا أحمد بن سعيد الدمشقي، قَالَ: حدثني الزبير بْن بكار،
قَالَ: حدثني عمي مصعب بْن عَبْد اللَّه، عَنِ الهيثم بْن عدي، عن أبيه
[9] ، قَالَ:
كان المنصور أمير المؤمنين ضم الشرقي من قطامي إِلَى المهدي حين وضعه
__________
[1] في ت «والعدل» .
[2] في ت: «أنه» .
[3] «من» سقطت من ت.
[4] «وبني» سقطت من ت.
[5] في ت: «ملوك فارس» .
[6] «وما زالت الحيرة يسكنها الملوك» سقطت من ت. وخبر ربيعة بن نصر في
البداية والنهاية 2/ 162، 163.
[7] «فصل» سقطت من ت.
[8] في ت: «قال المصنف رحمه الله» .
[9] حذف السند من ت وكتب بدلا منه: «أخبرنا المبارك بن علي الصيرفي
بإسناد له إلى الهيثم بن عدي قال» .
(2/72)
بالري، فأمره أن يأخذه بالحفظ لأيام العرب
ومكارم أخلاقها ودراسة أخبارها [1] وقراءة أشعارها، فَقَالَ له المهدي
ذات ليلة: يا شرقي، مرح قلبي [الليلة] [2] بشَيْء يلهيه، قَالَ: نعم،
أصلح اللَّه الأمير، ذكروا أنه كان فِي ملوك/ الحيرة ملك له نديمان قد
نزلا من قلبه منزلة نفيسة، وكانا لا يفارقانه فِي لهوه وبأسه، ويقظته
ومنامه [3] ، وكان لا يقطع أمرا دونهما، ولا يصدر إلا عَنْ رأيهما،
فغبر بذلك دهرا طويلا.
فبينما هو ذات ليلة فِي شغله ولهوه، إذ غلب عَلَيْهِ الشراب فأثر فيه
تأثيرا أزال عقله، فدعا بسيفه فانتضاه وشد عليهما فقتلهما، وغلبته
عيناه فنام، فلما أصبح سأل عنهما فأخبر بما كان منه، فأكب عَلَى الأرض
عاضا عليها [4] تأسفا عليهما وجزعا لفراقهما، فامتنع من الطعام والشراب
وتسلب عليهما ثم حلف ألا [5] يشرب شرابا يخرج عقله ما عاش، فواراهما
وبنى عَلَى قبريهما الغرنين، وسن أن لا يمر بهما أحد من الملك فمن دونه
إلا سجد لهما.
قَالَ: وكان إذا سن الملك سنة توارثوها وأحيوا ذكرها، وأوصى بها الآباء
أعقابهم.
قَالَ: فغبر الناس بذلك دهرا طويلا لا يمر بقبرهما أحد [6] صغيرا ولا
كبيرا إلا سجد لهما، فصار ذلك سنة لازمة، وأمرا كالشريعة والفريضة،
وحكم فِي من أبى أن يسجد لهما بالقتل بعد أن يحكم فِي خصلتين يجاب
إليهما كائنا ما كانتا.
قَالَ: فمر يوما قصار [7] ومعه كارة ثيابه، وفيها مدقته، فَقَالَ
الموكلون بالقبر للقصار: اسجد! فأبى أن يفعل، فقالوا: إنك مقتول إن لم
تسجد، فأبى، فرفع إِلَى الملك وأخبر بقصته. فَقَالَ: ما منعك أن تسجد؟
فقال: قد سجدت، ولكن كذبوا
__________
[1] «أخبارها» سقطت من ت.
[2] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[3] في ت: «ومنامه ويقظته» .
[4] في الأصل: «عاضا عليهما» .
[5] في الأصل: «حلف لا» .
[6] في الأصل: أحدا.
[7] القصّار: هو الّذي يقصر الثياب، وهي حرفة اختص بها أهل خوارزم وآمل
وطبرستان (الأنساب 10/ 165) .
(2/73)
عَلَى، قالوا الباطل. قَالَ الملك: فاحتكم
فِي خصلتين فإنك مجاب إليهما وإني قاتلك، قَالَ: ولا بد من قتلي بقول
هَؤُلاءِ؟ قَالَ: لا بد من ذلك، قَالَ: فإني أحكم أن أضرب رقبة الملك
بمدقتي هَذِهِ، قَالَ له الملك: يا جاهل، لو حكمت بما يجدي عَلَى من
تخلف كان أصلح لهم. قال: ما أحكم إلا بضربة لرقبة الملك. فَقَالَ الملك
لوزرائه: ما ترون فيما حكم به هَذَا الجاهل، قالوا: نرى إن هَذِهِ سنة
أنت سننتها، وأنت تعلم ما فِي نقض/ السنن من العار والبوار وعظيم
الإثم، ومتى نقضت سنة نقضت أخرى ثم أخرى، ثم يكون ذلك لمن بعدك كما كان
لك، فتبطل السنن. قَالَ: فاطلبوا لي القصار أن يحكم بما شاء ويعفيني من
هَذِهِ، فإني أجيبه إِلَى ذلك ولو بلغ شطر ملكي.
فطلبوا إليه، قَالَ: ما أحكم إلا بضربة فِي رقبته، فلما رأى الملك ما
عزم عَلَيْهِ القصار عقد [1] له مجلسا عاما، وأحضر القصار وأبدى مدقته
فضرب بها عنق الملك ضربة أزاله [عن موضعه] [2] ، فخر الملك مغشيا
عَلَيْهِ، فأقام ستة أشهر عليلا [3] ، وبلغت به العلة حدا كان يجرع
فيها الماء بالقطن.
فلما أفاق وتكلم، وطعم وشرب سأل عَنِ القصار، فقيل له: إنه محبوس، فأمر
بإحضاره، وَقَالَ: قد بقيت لك خصلة فاحكم فيها فإني قاتلك لا محالة.
فَقَالَ القصار:
فإذا كان ولا بد فإني أحكم أن أضرب الجانب الآخر ضربة أخرى، فلما سمع
الملك بذلك خر عَلَى وجهه من الجزع، وَقَالَ: ذهبت والله إذا نفسي. ثم
قَالَ للقصار: ويلك دع عنك ما لا ينفعك، فإنه لن ينفعك [4] ما مضى
فاحكم بغيره أنفذه لك كائنا ما كان، قَالَ: ما راحتي إلا فِي ضربة [5]
أخرى. فَقَالَ الملك لرؤسائه ووزرائه: ما ترون؟ قالوا:
تموت عَلَى السنة، قَالَ: ويلكم والله إنه إن ضرب الجانب الآخر لم أشرب
الماء البارد أبدا، لأني أعلم بما قد مر بي. قالوا: فما عندنا حيلة.
__________
[1] في الأصل: «قعد» .
[2] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل، وأثبتناه من ت.
[3] في ت: «فأقام وقيذا ستة أشهر» وفي الأصل: «عليل» وهو خطأ.
[4] في ت: «لم ينفعك» .
[5] في ت: «لا راحتي إلا بضربة أخرى» .
(2/74)
فلما رأى ذلك وما قد أشرف عَلَيْهِ، قَالَ
للقصار: أخبرني، ألم أكن قد سمعتك يوم جاء بك الشرط أنك قد سجدت؟
قَالَ: نعم. فوثب من مجلسه وقبل رأسه، وَقَالَ:
أشهد أنك أصدق من أولئك، وأنهم كذبوا عليك. فانصرف راشدا، فحمل كارته
ومضى.
فضحك المهدي حَتَّى فحص برجله، وَقَالَ: أحسنت والله، ووصله وبره
. ذكر ما كان من طسم وجديس
قَالَ مؤلف الكتاب [1] : كانوا فِي أيام ملوك الطوائف، وكان فناء جديس
عَلَى يد حسان بْن تبع [2] .
قَالَ علماء السير: / كان طسم وجديس من ساكني اليمامة، وهي إذ ذاك من
أخصب البلاد وأعمرها وأكثرها خيرا، فيها من صنوف الثمار ومعجبات
الحدائق والقصور الشامخة، وكان عليهم ملك من طسم، ظلوم غشوم، لا ينهاه
شَيْء عَنْ هواه، يقال له: عملوق.
وكان مما لقوا من ظلمه أنه أمر بألا تهدى بكر من جديس إِلَى زوجها
حَتَّى تدخل عَلَيْهِ فيفترعها [3] ، فَقَالَ رجل من جديس يقال له
الأسود بْن غفار لرؤساء قومه: قد ترون ما نحن فيه من العار والذل الذي
ينبغي للكلاب أن تعافه وتمتعض منه، فأطيعوني، فإني أدعوكم إِلَى عز
الدهر ونفي الذل، قالوا: وما ذاك؟ قَالَ: إني صانع للملك وقومه طعاما،
فإذا جاءوا نهضنا إليهم بأسيافنا، فأنفرد به فأقتله، وليجهز كل رجل
منكم عَلَى جليسه.
فأجابوه إِلَى ذلك وأجمع رأيهم عَلَيْهِ، فأعد طعاما، وأمر قومه
فانتضوا سيوفهم ودفنوها في الرمل، وَقَالَ: إذا أتاكم القوم يرفلون فِي
حللهم فخذوا سيوفهم [4] ، ثم
__________
[1] «ذكر ما كان من طسم وجديس قَالَ مؤلف الكتاب» بياض في ت مكان هذه
العبارة.
[2] الطبري 1/ 629.
[3] يفترعها: يفتضّها، والفرعة: دمها، وقيل له افتراع لأنه أول جماعها
(لسان العرب ص 3395 فرع) .
[4] في ت، والأصل: «سيوفكم» .
(2/75)
شدوا عليهم قبل أن يأخذوا مجالسهم، ثم
اقتلوا الرؤساء، فإنكم إذا قتلتم الرؤساء [1] لم تكن السفلة شيئا.
ففعلوا ذلك فأفنوهم، فهرب رجل من طسم يقال له: رياح [2] بْن مرة،
حَتَّى أتى حسان بْن تبع فاستغاث به، فخرج حسان فِي حمير [3] ، فلما
كان من اليمامة عَلَى ثلاث، قَالَ له رياح: أبيت اللعن! إن لي أختا
متزوجة فِي جديس، يقال لها: اليمامة، ليس عَلَى وجه الأرض أبصر منها،
إنها لتبصر الراكب من مسيرة ثلاث، وأنا أخاف أن تنذر القوم بك، فمر
أصحابك فليقلع [4] كل رَجُل منهم شجرة فليجعلها أمامه، ويسير وهي فِي
يده.
فأمرهم حسان بذلك ففعلوا، ثم سار [5] ، فنظرت اليمامة إليهم فأخبرت
بحالهم- عَلَى ما تقدم- وصبحهم حسان فأبادهم [6] وهدم قصورهم وحصونهم،
وقتل اليمامة- وكانت فيما ذكر [7] أول من اكتحل بالإثمد [8] .
وحسان هَذَا يقال/ له: تبع بْن تبع [بْن] أسعد أبي كرب بْن ملكيكرب [9]
بْن تبّع، وهو أبو تبّع الأصغر بْن حسان، الذي يزعم أهل اليمن أنه قدم
مكة وكسى الكعبة شعب المطابخ [10] ، وإنما سمي بهذا الاسم لنصبه
المطابخ فِي ذلك الموضع وإطعامه الناس، وأن أجيادا إنما سمي أجيادا،
لأن خيله كانت هناك، وأنه قدم يثرب، فنزل منزلا يقال له: منزل الملك،
وقتل من اليهود مقتلة عظيمة بسبب شكاية [11] من شكاهم إليه من
__________
[1] في الطبري، ت: «إذا قتلتموهم» .
[2] في تاريخ ابن خلدون: «رباح» وكذا عند ياقوت.
[3] في ت: «من حمير» .
[4] في الطبري: «فليقطع» .
[5] في ت: «ثم ساروا» .
[6] في الأصل: «فأباده هم» .
[7] في ت: «فيما ذكروا» وكذا الطبري.
[8] إلى هنا في الكامل 1/ 271- 73 خبر طسم وجديس.
[9] في الأصل: «مكيوب» .
[10] في ت: «وهو أسعد المطابخ» .
[11] في الأصل: «شكاة» .
(2/76)
الأوس والخزرج بسوء الجوار، وأنه وجه ابنه
حسان إِلَى السند وسمرا ذا الجناح إِلَى خرسان، وأمرهما أن يستبقا
إِلَى الصين، فمر سمر [1] بسمرقند، فأقام عليها حَتَّى افتتحها، وقتل
مقاتلتها [وسبى] [2] وحوى ما فيها، ونفذ إِلَى الصين، فوافى حسان بها.
فمن أهل اليمن من يزعم أنهما ماتا هنالك، ومنهم من يزعم أنهما انصرفا
إِلَى تبع بالأموال والغنائم [3]
. ذكر الأحداث المتعلقة بالفرس
قَالَ مؤلف الكتاب [4] : وقد ذكرنا أن الإسكندر اليوناني قتل دارا بْن
دارا الذي كان ملك الفرس بالعراق ملك أقليم بابل، ثم فرق الممالك بين
ملوك الطوائف، وقد بينا أن [معنى] [5] ملوك الطوائف: أن كل ملك يملك
بناحية معروفة ولا يتعداها [إِلَى غيرها] [6] فأما السواد فإنها بقيت
بعد هلاك [7] الإسكندر فِي يد الروم أربعا وخمسين سنة [8] ، وكان فِي
ملوك الطوائف رَجُل من نسل الملوك وولده عَلَى السواد، وكانوا إنما
يملكون سواد الكوفة ويتطرفون الجبال وناحية الأهواز وفارس إِلَى أن خرج
رجل يقال له: أشك [9] ، وهو ابن دارا الأكبر، وكان مولده ومنشأه بالري،
فجمع جمعا كبيرا، وسار يريد أنطيخس الرومي، فلقيه فقتل أنطيخس [10]
وغلب السواد، وصار فِي يده من الموصل إِلَى الري وأصبهان، فعظمه سائر
ملوك الطوائف لنسبه وشرفه فيهم، وسمّوه ملكا، وأهدوا إليه [11] .
__________
[1] في الأصل: «فمر بثمر بسمرقند» . وكذا في ت.
[2] «وسبى» من الطبري 1/ 632.
[3] إلى هنا من الطبري 1/ 629- 632.
[4] «ذكر الأحداث المتعلقة بالفرس. قَالَ مؤلف الكتاب» مكانها بياض في
ت.
[5] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل، وأثبتناه من ت.
[6] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل، وأثبتناه من ت.
[7] «هلاك» سقطت من ت.
[8] في ت: «أربعمائة وخمسين سنة» .
[9] في ت: «أشنك» .
[10] في ت: «فلقيه فقتله وغلب على السواد» .
[11] «لنسبه وشرفه فيهم، وسموه ملكا وأهدوا إليه» هذه العبارة ساقطة من
ت.
(2/77)
ثم ملك بعده جوذرز بْن أشكان [1] ، ويقال:
/ ابن سابور، وقيل: هو الذي غزا بني إسرائيل فِي المرة الثانية، سلط
عليهم لقتلهم يحيى بْن زكريا، فأثخن فيهم ولم يعد لهم جماعة، ورفع
اللَّه منهم النبوة، وأنزل عليهم الذل.
وكانت الروم قد أقبلت إِلَى بلاد [2] فارس لطلب ثأر أنطيخش [3] ، وملك
بابل يومئذ بلاش أَبُو أردوان [4] ، فكتب إِلَى ملوك الطوائف يعلمهم
قصد الروم إِلَى بلادهم فأمدوه، فاجتمع عنده أربعمائة ألف، فولى عليهم
ملكا من ملوك الطوائف يلي ما بين انقطاع السواد إِلَى الحيرة، فسار بهم
حَتَّى لقي ملك الروم فقتله، واستباح عسكره، وذلك هو الذي هيج الروم
على بناء قسطنطينية، ونقل الملك من رومية [5] إليها، وكان الذي ولي
إنشاءها قسطنطين الملك، وهو أول ملك من ملوك الروم تنصر، وهو الذي أجلى
من بقي من إسرائيل عَنْ فلسطين والأردن لقتلهم عِيسَى، وأخذ الخشبة
التي زعموا أنهم صلبوا عليها عِيسَى [6] عَلَيْهِ السلام [7] ، فعظمها
الروم وأدخلوها خزائنهم، فهي عندهم إِلَى الآن [8] ، ولم يزل ملك فارس
متفرقا حتى ملك أردشير بن بابك بْن ساسان بْن بابك بْن زرار [9] بْن
بهافريذ [10] بْن ساسان الأكبر بْن بهمن بْن إسفنديار [11] بْن بشتاسب
[12] بْن لهراسب فنهض بفارس طالبا بزعمه دم ابن عمه دارا
__________
[1] في الأصل: «جوذر ابن أشكان» .
وفي ت: «جوذر ابن أشكار» . وما أثبتناه من الطبري 1/ 580.
[2] «بلاد» سقطت من ت.
[3] في الأصل: «أنطيحش» . وفي ت: «أنطيحس» .
[4] في الأصل: «بلاس ابن أردوان» .
[5] في ت: «الروميّة» .
[6] في ت: «أنهم صلبوا عيسى عليها» .
[7] «عليه السلام» سقطت من ت.
[8] في ت: «إلى اليوم» .
[9] في الأصل: «زرزار» . وما أثبتناه من ت، والطبري.
[10] في ت: «شافرند» .
[11] في الأصل: «اسفندنار» .
[12] في ت: «بشاسب» .
(2/78)
ابن دارا بْن بهمن الذي حارب الإسكندر
حَتَّى قتله [حاجباه] ، ومريدا [1] بزعمه رد الملك إِلَى أهله الذي لم
يزل عَلَيْهِ سلفه وآباؤه الذين مضوا قبل ملوك الطوائف، وكان مولده
بأصطخر، وكان جده ساسان شجاعا [2] بلغ من شجاعته أنه حارب وحده ثمانين
رجلا من أهل أصطخر ذوي نجدة فهزمهم، وكان ساسان قيما عَلَى بيت نار
أصطخر، فولد له بابك، فلما احتنك [3] قام بأمر النَّاس بعده ابنه، ثم
ولد له أردشير فملك وفتك بجماعة من الملوك، وفتح البلدان، وسمي:
شاهنشاه، وبنى الجوسق، وبنى المدينة التي فِي شرقي المدائن، ومدينة
غربية، وأقام/ بالمدائن، وكان قد حلف لا يستبقي أحدا من ملوك الطوائف،
أوجب ذلك عَلَى عقبه، فوجد جارية فِي دار المملكة فأعجبته، وكانت بنت
أردوان الملك وهو من ملوك الطوائف، واسمها: سورا، فَقَالَ لها وهو لا
يعلم أنها ابنة أردوان: أبكر أنت أم ثيب؟ فقالت: بكر، فواقعها واتخذها
لنفسه، فعلقت منه، فلما علمت أنها حامل عرفته نسبها فنفر طبعه عنها،
ودعى شيخا مسنا وسلمها إليه وَقَالَ: أودعها [4] بطن الأرض، ولما أخذها
الشيخ أعلمته أنها حامل من الملك أردشير فجعلها فِي سرب وقطع مذاكيره
وجعلها فِي حق وسلم الحق إِلَى أردشير وسأله أن يختم عَلَيْهِ بخاتمه،
ويكون فِي بعض خزائنه ففعل ووضعت الجارية غلاما، فأخذ الشيخ طالعه فعلم
أنه سيملك فسماه سابور [5] ، فلما نشأ دخل الشيخ عَلَى الملك فرآه
حزينا فَقَالَ: ما لك أيها الملك؟ فَقَالَ: لي هَذَا الملك وما لي ولد.
فَقَالَ: أيها الملك انظر [6] إِلَى الحق الذي كنت سألتك وضعه فِي بعض
الخزائن.
فأحضره وفتحه فلما أبصر ما فيه حدثه الشيخ حديث الجارية وولدها،
فاستدعاه مع ألف صبي من أقرانه فلعبوا بالصوالجة وهو ينظر إليهم، فدخلت
الكرة إيوان الملك، فأحجم الكل عنها، ودخل سابور وحده فأخذها، فعلم
أردشير أنه ولده فعقد له التاج ورسمه بالملك من بعده، وتوجه بتاجه فِي
حياته، ولم يزل أردشير محمود السير والأثر، ذاك
__________
[1] في ت: «ويريد» وما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[2] «شجاعا» سقطت من ت.
[3] في الأصل، ت: «فلما اختل» والتصحيح من الطبري 2/ 38.
[4] في ت: «أودعتها» .
[5] في الطبري 2/ 45: «شاه بور» .
[6] في الأصل: «تنظر» .
(2/79)
رأيه، وأثخن فِي الأرض، وكان معدودا من
الحكماء [1] .
[أَنْبَأَنَا عَبْد الوهاب بْن المبارك بإسناد له عَنْ أحمد بْن يحيى
السندي قَالَ:
سمعت مُحَمَّد بْن سلام يقول: كان] [2] مما حفظ عنه أَنَّهُ قَالَ يوما
لوزرائه وخاصته بحسبكم، دلالة عَلَى فضيلة العلم أنه يمدح بكل لسان
وبحسبكم دلالة عَلَى عيب [3] الجهل أن كل الناس ينتفي منه ويغضب أن
يسمى به.
وكتب أردشير إِلَى الملوك كتابا فيه: من ملك الملوك أردشير بْن بابك/
إلى من يخلفه بعده [4] من ملوك فارس، أما بعد: فإن صنيع [5] الملوك
عَلَى غير صنيع الرعية، فالملك يطبعه العز والأمن والسرور والقدرة
والجرأة والعبث والبطر، ثم كل ما ازداد فِي العمر تنفسا وَفِي الملك
[6] سلامة زاده فِي هَذِهِ الطبائع حَتَّى يسلمه إِلَى سكر الشراب
فينسى النكبات والعثرات والعبر والدوائر فيرسل يده ولسانه بالفعل
والقول، وقد قال الأولون منا: عند حسن الظن بالأيام تحدث العبر.
وقد كان من الملوك من تذكره غرة [7] الذل، وأمنه الخوف، وسروره الكآبة،
وقدرته العجز. وقد قَالَ الأولون منا: رشاد الوالي خير للرعية من خصب
الزمان، واعلموا أن الملك والدين أخوان توأمان، لا قوام لأحدهما إلا
بصاحبه، لأن الدين أس الملك وعماده، والملك يعد حارس [8] الدين، فلا بد
للملك من أسه، ولا بد للدين من حارسه، فإن ما لا حارس له ضائع، وما لا
أس له مهدوم، واعلموا إنما سلطانكم عَلَى أجساد الرعية، وأنه لا سلطان
للملوك عَلَى القلوب وَفِي سكر الملك بالسلطان [9] ما
__________
[1] الطبري 2/ 44، 45، 46، والكامل 1/ 297.
[2] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل وأثبتناه من ت.
[3] في الأصل: «على فضيلة» .
[4] في ت: «بعقبه» .
[5] في ت: «صنع» وكذلك في الموضع التالي.
[6] «وفي الملك» سقط من ت.
[7] في ت: «من يذكره عزة» .
[8] في الأصل: «بعده حراس» .
[9] في ت: «وفي سكر السلطان بالملك» .
(2/80)
يكفيه من سكر [الشراب] [1] ، واعلموا أنه
ليس للملك أن يكذب لأنه لا يقدر أحد عَلَى استكراهه، وليس له أن يغضب،
لأن الغضب والعداوة لقاح الشر والندامة، وليس له أن يلعب، لأن اللعب من
عمل الفراغ، وليس له أن يحسد إلا ملوك الأمم عَلَى حسن التدبير،
واعلموا أنه لكل ملك بطانة، ولكل رجل من بطانته بطانة، ثم لكل امرئ من
بطانة البطانة بطانة حتى يجمع في ذلك أهل المملكة، فإذا أقام الملك
بطانته عَلَى حال الصواب أقام كل آمر منهم بطانته عَلَى ذلك، حَتَّى
يجتمع عَلَى الصلاح عامة الرعية، واعلموا أن الملك قد تهون عَلَيْهِ
العيوب لأنه لا/ يستقل بها حَتَّى يرى الناس يتكاتمونها، وهذا من
الأبواب الداعية إِلَى طاعة الهوى، فاحذروا [2] إفشاء السر عند صغار
أهاليكم وخدمكم [3] ، واعلموا أن الملك ورعيته جميعا يحق عليهم أن لا
يكون للفراغ عندهم موضع، فإن التضييع فِي فراغ الملك، وفساد المملكة
فِي فراغ الرعية.
فصل
فلما هلك أردشير قام بملك فارس بعده ابنه سابور فقسم الأموال، وبان فضل
سيرته وغزا البلدان، فكان بجبال تكريت بين دجلة والفرات مدينة يقال
لها: الحضر، وبها رجل يقال له: الساطرون، وهو الذي يقول فيه أَبُو داود
الأبادي [4] :
وأرى الموت قد تدلى من الحضر ... عَلَى رب أهله الساطرون
[5] والعرب تسميه: الضيزن، فرحل سابور، وأقام عَلَى ذلك الحضر أربع
سنين، وتحصن الضيزن فِي الحصن، فلم يقدر عَلَيْهِ، فخرجت بنت الضيزن-
ويقال لها:
النضيرة- إِلَى ربض [6] المدينة، وكانت من أجمل نساء [7] زمانها، وكان
سابور من
__________
[1] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[2] في الأصل: «واحذر» .
[3] في الأصل: «صغار أهاليك وخدمك» .
[4] في الأصل زيادة: «حيث يقول» .
[5] انظر: أخبار ملوك الفرس 402. ومعجم البلدان 3/ 290. وتاريخ الطبري
2/ 47.
[6] ربض: الربض هو ما حول المدينة من الخارج.
[7] في ت: «أجمل أهل زمانها» .
(2/81)
أجمل رجال زمانه، فرأته ورآها فعشقته
وعشقها، فأرسلت إليه: ما تجعل لي إن دللتك عَلَى ما تهدم به سور هَذِهِ
المدينة وتقتل أبي؟ قَالَ: أتزوجك، وأرفعك عَلَى نسائي وأحظيك بنفسي
دونهن. قالت: عليك بحمامة ورقاء [1] مطوقة، فاكتب فِي رجليها بحيض
جارية بكر زرقاء، ثم أرسلها، فإنها تقع عَلَى حائط المدينة، فتتداعى
المدينة، وكان ذلك طلسم [2] المدينة [3] لا يهدمها إلا هَذَا، ففعل
وتداعت المدينة، ففتحها عنوة، وقتل الضيزن، وأخرب المدينة، فاحتمل
النضيرة فعرس بها بعين التمر، فذكر أنها لم تزل ليلتها تضور من خشونة
فرشها، وهو من حرير محشوة بريش [4] الطير، فالتمس ما كان يؤذيها، فإذا
ورقة آس ملتزمة بعكنة من عكنها قد أثرت فيها، وكان ينظر إِلَى/ مخها من
لين بشرتها، فَقَالَ لها سابور: ويحك، بأي شَيْء كان يغذوك أبوك؟ قالت:
بالزبد والمخ وشهد الأبكار من النحل وصفو الخمر. فَقَالَ: أنا أحدث
عهدا بك من أبيك. فأمر رجلا فركب فرسا جموحا، ثم عصب غدائرها بذنبه ثم
استركضها فقطّعها قطعا، فذلك قول الشاعر:
أقفر الحصن من نضيرة فالمرباع ... منها فجانب الثرثار
وَقَالَ عدي بْن زيد:
وأخو الحضر إذ بناه وإذ دجلة ... تجبى إليه والخابور
شاده مرمرا وجلله كلسا ... فللطير فِي ذراه وكور
لم يهبه ريب المنون فباد ... الملك عنه فبابه مهجور
فلما احتضر سابور ملك ابنه هرمز، وكان ملكه ثلاثين سنة [وقيل: إحدى
وثلاثين سنة وستة أشهر] [5] ، فقام بالملك هرمز سنة وعشرة أيام [6] .
__________
[1] في ت: «بحمامة زرقاء» . وما أثبتناه من الطبري وجميع المصادر.
[2] طلسم: هو السر المكتوم.
[3] «وكان ذلك طلسم المدينة» سقط من ت.
[4] في ت، والطبري: «محشوة بالقز» .
[5] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل، وأثبتناه من ت.
[6] «فقام بالملك هرمز سنة وعشرة أيام» سقط من ت.
(2/82)
ثم قام بالملك ابنه بهرام بْن هرمز وكان ذا
[حلم] [1] وبر وحسن سيرة، وكان ملكه ثلاث سنين وثلاثة أشهر.
ثم قام بعده بهرام بْن بهرام بْن هرمز [2] ، وكان أيضا [3] حسن السيرة،
فبقي ثماني عشرة سنة، وقيل: سبع عشرة سنة.
ثم ملك بعده بهرام بْن بهرام بْن بهرام بْن هرمز، ولقب: بشاهنشاه. فبقي
أربع سنين.
ثم ملك بعده نرسي بْن بهرام، وهو أخو بهرام الثالث، فأحسن السيرة تسع
سنين.
ثم ملك هرمز بْن نرسي بْن بهرام بْن بهرام [بْن بهرام] [4] بْن هرمز
بْن سابور بْن أردشير، فسار بالعدل وعمارة البلاد ست سنين، وقيل: سبعة،
وهلك ولا ولد له، وإنما كان له حمل ذكر له المنجمون أنه ذكر، وأنه يملك
الأرض، فأوصى بالملك للحمل ومات.
فوضع التاج عَلَى بطن الأم وكتب منه إِلَى ملوك الآفاق وهو جنين، وسموه
سابور، وهو سابور ذو الأكتاف، ولا/ يعرف أحد ملك وهو فِي بطن أمه سواه،
فولد فاستبشر الناس بولادته وبثوا خبره فِي الآفاق، ووجهوا بذلك البرد
فِي الأطراف فشاع أن القوم لا ملك لهم، وإنما ينتظرون صبيا [5] فِي
المهد، فطمعت فِي ملكهم الترك والروم، وكانت بلاد العرب أدنى البلاد
إِلَى فارس، وكانوا [أحوج] الناس إِلَى المعاش [6] لسوء حالهم وسوء
عيشهم، فسار منهم جمع عظيم [7] فِي البحر، فوصلوا إِلَى رستاق فارس
فغلبوا
__________
[1] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل، وأثبتناه من ت.
[2] «بن هرمز» سقطت من ت.
[3] «أيضا» سقطت من ت.
[4] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل، وأثبتناه من ت.
[5] في ت: «جنينا» .
[6] في الأصل: «وكانوا الخلق إلى المعاش لسوء» .
[7] في ت: «فسار جمع عظيم منهم في البحر» .
(2/83)
عليها وعلى حروثهم ومواشيهم ومكثوا كذلك
[1] حينا لا يغزوهم أحد من فارس، حَتَّى ترعرع سابور فأول ما عرف من
تدبيره أنه سمع ضجة الناس وقت السحر، فسأل عَنْ ذلك فقيل: الناس
يزدحمون عَلَى جسر دجلة، فأمر باتخاذ جسر آخر ليكون أحد الجسرين
للمقبلين والآخر للمدبرين، فاستبشر الناس بفطنته مع صغر سنه ولم يزل
يظهر منه حسن التدبير إِلَى أن بلغ ست عشرة سنة فخرج فِي ألف مُقَاتِل،
فاوقع بالعرب فقتل منهم خلقا كثيرا [2] ، وسار إِلَى بلاد عَبْد القيس،
فأباد أهلها، [ثم] [3] إِلَى اليمامة فقتل من وجد بها، ولم يمر بماء
للعرب إلَّا عوره [4] ، ولا بعين إلا طمها، [واجتاز بيثرب ففعل مثل
ذلك] [5] ، وقتل وأسر ورجع إِلَى العراق، وأمر بحفر نهر فوهته بهيت
وأخرجه قريبا من القادسية ثم إِلَى كاظمة، ثم إِلَى البحر وجعل
عَلَيْهِ مناظر وروابط ومسالج، وجعل فِي تلك المناظر الرجال والخيل،
فكان من أراد من العرب أن يدخل إِلَى ملك فارس لقضاء حاجته [عرض نفسه
عَلَى صاحب الحصن الذي يدخل منه فيثبت اسمه ويختم يده، فإذا قضى حاجته]
[6] لم يخرج إلا من الحصن الذي دخل منه، فيعرض نفسه عَلَى صاحب الحصن
فيكسر الختم الذي عَلَى يده ويعلم عَلَى اسمه، ثم يخرج إِلَى البادية.
فاستقامت بذلك مملكة فارس وحفظت من العرب، ويسمى هَذَا النهر: الحاجز
وهو العتيق، وجعل بإزاء ذلك النهر دهاقين فأقطعهم القطائع، وكانوا رداء
لأهل الحصون، وكان إذا طرقهم طارق من العرب بالليل [7] أوقدوا النار،
وإن صبحهم نهارا دخنوا، فيعلم أهل القرية بهذه العلامة ما حدث،
فيأتونهم.
ومن جملة ملك الحصون: حصن مهيب، ومنظرة بخطيرة، ومنظرة حديثة النورة،
منظرة بالأنبار، ومنظرة بدير الجماجم، ومنظرة بالقادسية، وحصن بذي قار،
وبنى الكرخ، وسجستان، ونيسابور.
__________
[1] في ت: «بذلك» .
[2] «كثيرا» سقطت من ت.
[3] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[4] في الكامل 1/ 302: «غوره» والمعنى واحد وهو أن يكيس بالتراب ويردم
فيصبح غير صالح للاستعمال.
[5] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل، وأثبتناه من ت.
[6] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل، وأثبتناه من ت.
[7] في الأصل: «بالقرب» . وما أثبتناه من ت.
(2/84)
وَقَالَ [1] ابن قتيبة: وهو الذي بنى
الإيوان بالمدائن، والسوس، وغزا أرض الروم فسبى سبيا كثيرا.
وهادن [2] قسطنطين ملك الروم، وكان قسطنطين أول من تنصر، وفرق ملكه بين
ثلاث بنين ملوك كانوا له، فملكت الروم عليهم رجلا من أهل بيت قسطنطين
يقال له:
لليانوس، وكان يدين بملة الروم التي كانت قبل ذلك، ويسر ذلك ويظهر
النصرانية. قبل أن يملك، فلما ملك أظهر ملة الروم، وأمرهم بإحيائها،
وأمر بهدم البيع، وقتل الأساقفة وأحبار النصارى، وجمع جموعا من الروم
والخزر، ومن كان فِي مملكته من العرب، ليقاتل بهم سابور وجنود فارس.
فانتهزت العرب بذلك الفرصة من الانتقام من سابور لأجل ما فتك بالعرب،
وقتل منهم، فاجتمع فِي عسكر لليانوس من العرب مائة ألف وسبعون [3]
ألفا، فوجههم مع رجل من بطارقة [4] الروم، بعثه عَلَى مقدمته يسمى:
يوسانوس، وسار لليانوس حَتَّى نزل بلاد فارس، فلما بلغ الخبر إِلَى
سابور هاله ذلك، ووجه عيونا تأتيه بخبرهم، فاختلفت [5] أقوال العيون،
فتنكر سابور، وسار فِي أناس من ثقاته ليعاين عسكرهم، فلما قرب من عسكر
يوسانوس صاحب مقدمة لليانوس، وجه رهطا إِلَى عسكر يوسانوس ممن كان معه
ليأتوه بالخبر على حقيقته، فنذرت [6] بهم الروم فأخذوهم ودفعوهم إِلَى
يوسانوس، فلم يقر أحد منهم بالأمر الذي توجهوا له، إلَّا رجل واحد،
فإنه أخبر بالقصة عَلَى وجهها، وبمكان سابور، وَقَالَ: وجه معي جندا،
حَتَّى أدفع إليهم سابور/، فأرسل يوسانوس إِلَى سابور رجلا من بطانته
ينذره، فارتحل سابور من الموضع الّذي كان فيه إِلَى عسكره. ثم تقدمت
العرب فحاربت سابور، ففضّوا جموعه، وقتلوا مقتلة
__________
[1] في ت: «وقالت» .
[2] نقلا عن تاريخ الطبري 2/ 58. وما بعدها باختصار وتصرّف.
[3] في الأصل: «وسبعين» .
[4] في ت: «من رجل من بطارقة» .
[5] في الأصل: «فاختلف» .
[6] في الأصل: «فتهرب منهم» وفي ت: «فغدرت» . وما أثبتناه من الأصل.
(2/85)
عظيمة، وهرب سابور فيمن بقي من جنده،
واحتوى لليانوس عَلَى مدينة سابور [1] ، وظفر ببيوت أمواله، وكتب سابور
إِلَى من بالآفاق من جنوده يعلمهم بما لقي، ويأمرهم أن يقدموا
عَلَيْهِ، فاجتمعت إليه الجيوش، فانصرف فحارب لليانوس، فاستنقذ [2]
منهم محلته وكان لليانوس يوما جالسا فأصابه سهم غرب [3] فقتله، فتحير
جنوده وسألوا يوسانوس أن يتملك عليهم فأبى وَقَالَ: أنا عَلَى ملة
النصرانية، والرؤساء يخالفون في الملّة. فأخبرته الروم أنهم عَلَى
ملته، وإنما كانوا يكتمون ذلك لمخافة لليانوس، فملكوه عليهم، وأظهروا
النصرانية.
فلما علم سابور بهلاك لليانوس أرسل إِلَى قواد جنود الروم أن [4]
سرّحوا [5] إلينا رئيسا منكم، فأتاه يوسانوس فِي ثمانين رجلا، فتلقاه
وعانقه شكرا لما كان منه فِي أمره، وأرسل سابور إِلَى قواد جند الروم:
إنكم لو ملكتم غير يوسانوس لجرى هلاككم، وإنما تمليكه سبب نجاتكم.
وقوي أمر يوسانوس، ثم قَالَ: إن الروم قتلوا بشرا كثيرا من بلادنا،
وخربوا عمرانها، فإما أن يدفعوا إلينا قيمة ما أفسدوا، وإما أن يعوضونا
من ذلك نصيبين من بلاد فارس. وإنما غلب عليها الروم، فدفعوا إليه
نصيبين، فبلغ أهلها فخرجوا عنها لعلمهم مخالفة سابور لدينهم، فنقل
سابور اثني عشر ألف بيت من أهل إصطخر وأصبهان وغيرها إِلَى نصيبين،
وانصرف يوسانوس إِلَى مملكة الروم، فبقي زمنا يسيرا ثم هلك.
وإن سابور ضري بقتل العرب، ونزع أكتاف رؤسائهم، وكان ذلك سبب تسميتهم
إياه: ذا الأكتاف.
وذكر بعض العلماء بالأخبار [6] أن سابور لما أثخن في العرب/ وأجلاهم عن
__________
[1] واسمها: «طيسبون» كما ذكر الطبري 2/ 59.
[2] في ت: «فاستقد» .
[3] سهم غرب: لا يعلم راميه.
[4] «أن» سقطت من ت.
[5] في الأصل: «يسرحوا» .
[6] «وذكر بعض العلماء بالأخبار» سقطت من ت. وفي هذا الموضع في الأصل
تكرار وتداخل أصلحناه وما يوافق النسخة ت والطبري.
(2/86)
نواحي فارس والبحرين واليمامة ذهب إِلَى
الشام والروم، وأعلم أصحابه أنه عزم [1] عَلَى دخول الروم ليبحث عَنْ
أسرارهم، فدخل وبلغه أن قيصر أولم وجمع الناس، فانطلق سابور عَلَى هيئة
[2] السؤال، حَتَّى شهد ذلك الجمع لينظر إِلَى قيصر، ففطن له وأخذ،
وأمر به قيصر فأدرج فِي جلد ثور، ثم سار بجنوده إِلَى أرض فارس، ومعه
سابور عَلَى تلك الحالة، فأكثر من القتل وخراب القرى حتى انتهى إلى
مدينة جنديسابور، وقد تحصن أهلها، فنصب المجانيق [3] ، وهدم بعضها،
فبينما هم كذلك ذات يوم إذ غفل الروم الموكلون بحراسة سابور، وكان
بقربه قوم من سبي الأهواز، فأمرهم أن يلقوا عَلَى القد الذي كان
عَلَيْهِ زيتا، ففعلوا فلان الجلد، فانسل منه، فلم يزل يدب حَتَّى دنا
من باب المدينة، وأخبر حراسها باسمه، فلما دخلها ارتفعت أصوات أهلها
بالحمد، فانتبه أصحاب قيصر بأصواتهم، وجمع سابور من كان فِي المدينة
وعبأهم، [وخرج] [4] إِلَى الروم سحرا، فقتلهم وخرج وأخذ قيصر أسيرا [5]
، وغنم أمواله ونساءه، وأثقله بالحديد، وأخذه بعمارة ما أخرب، ثم قطع
عقبه، وبعث به إِلَى الروم عَلَى حمار.
ثم أقام سابور حينا، ثم غزا الروم، فقتل وسبى، ثم استصلح العرب، وأسكن
بعضهم للأهواز وكرمان وبقي فِي مملكته اثنتين وسبعين سنة.
فصل
[6] وَفِي زمن سابور ظهر ماني الزنديق.
قَالَ يحيى بْن بشر بْن عمير النهاوندي: كان ماني أسقفا من أساقفة
النصارى، كبيرا فيهم، محمود السيرة عندهم، وكان فِي أيام سابور ذي
الأكتاف [ملك فارس] [7]
__________
[1] «عزم» سقطت من ت، والطبري 2/ 60.
[2] في الأصل: «على هذه» .
[3] في الأصل: «المناجنيق» . وفي ت: «المناجيق» .
[4] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[5] في الأصل: «أسرا» .
[6] بياض في ت مكان «فصل» .
[7] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
(2/87)
فزنى، فسقطت مرتبته فِي النصرانية، وكان
مطارنة زمانه يحسدونه، فلما ظهر منه ما ظهر وجدوا السبيل/ إِلَى ما
أرادوا فيه فأسقطوا مرتبته، وكان عالما فيهم بالديانات المتقدمة، عارفا
باختلاف الناس فيها، فلما رأى حاله وما آل إليه أمره أخذ فِي الرد
عَلَى أصحابه وَقَالَ: إني لم أزن [1] ، ولكن أهل الدير حسدوني وأنكروا
مخالفتي فِي أهل دينهم، إذ كانوا يقرون بالمسيح اللاهوتي ويأخذون
شرائعهم عَنِ ابْنِ مريم رسول الشيطان [2] . ثم وضع كتبا- إذ كانوا
يقرون بالمسيح اللاهوتي [3]- فابتدأ بالطعن عَلَى أصحاب الشرائع، ومال
إِلَى شريعة المجوس القائلين بالهين [4] الذين اعتقدوا أن إِبْرَاهِيم
وموسى وعيسى كانوا رسل الظلماني، فبني ماني عَلَى أصلهم، وشيد مقالتهم،
وَقَالُوا: إنا نرى الأشياء متضادة، والحيوان معادنا [5] ، فلو كانت
هَذِهِ الأشياء من فعال حكيم لم تتضاد، فلا بد أن يكون من اثنين
متضادين ليس إلا النور والظلمة.
وشرع لأصحابه شرائع بواقعاته الباردة، وعمل لسابور كتابا سماه ب
«الشابرمان» [6] شرح فيه مذهبه، فهم سابور بالميل إليه فشق ذلك عَلَى
المؤايدة، فقالوا لسابور: إنه يقول إنك شيطان، وإذا شئت فسله عَنْ يدك
هَذِهِ من خلق؟ فسأله فَقَالَ: من خلق الشيطان، فشق ذلك عَلَى سابور
فَقَالَ: أصلبوه. فصلب فقام عَلَى خشبته فَقَالَ مسبحا مهللا: أنت أيها
المعبود النوراني، بلغت ما أمرتني به، وهاك عادتهم فِي، وأنت الحليم،
وها أنا مار إليك، وما أذنبت صامتا [ولا] [7] ناطقا، فتباركت أنت
وعالموك النورانينون الأزليون، فكان هَذَا آخر قوله وظهر بعده تلميذ له
يقال له: كشطا، فقوى مذهبه.
__________
[1] هكذا في ت، والأصل.
[2] في الأصل «رسول السلطان» .
[3] «إذا كانوا يقرون بالمسيح اللاهوتي» سقطت من ت. ومكانها هنا في
الأصل غير مناسب.
[4] في الأصل: «بالعين» .
[5] في ت: «متعاديا» .
[6] في الأصل: «بالساريان» .
[7] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
(2/88)
فصل
[1] وهلك [2] في عهد سابور عامله على ضاحية [3] مضر [و] ربيعة امرؤ
القيس بْن عمرو بْن عدي بْن ربيعة بْن نصر، فاستعمل عَلَى عمله ابنه
عمرو بْن امرئ القيس [4] .
[فصل] [5]
[فلما هلك سابور] [6] أوصى بالملك [بعده] [7] لأخيه أردشير بْن هرمز
بْن نرسي بْن بهرام بْن هرمز بْن سابور بْن أردشير بْن بابك [8] ، فلما
استقر له الملك عطف عَلَى العظماء [9] وذوي الرئاسة، فقتل منهم خلقا
كثيرا، فخلعه الناس بعد أربع سنين من ملكه.
ثم ملك سابور بْن سابور ذي الأكتاف، فاستبشرت الرعية برجوع ملك أبيه
إليه، واستعمل الرفق، وأمر به، وخضع له عمه أردشير المخلوع.
[وهلك فِي أيامه عمرو بْن امرئ القيس الذي ولي لسابور ضاحية مضر
وربيعة، فولى سابور مكانه أوس بْن قلام، وهو من العماليق] [10] .
وأن العظماء وأهل البيوتات قطعوا أطناب فسطاط كان ضرب على سابور، فسقط
الفسطاط عليه فقتله، وكان ملكه خمس سنين [11] .
__________
[1] «فصل» سقطت من ت ومكانها بياض.
[2] في الأصل، ت: «وهلكت» .
[3] في ت: «على ما ضاحية» .
[4] نقلا عن تاريخ الطبري 2/ 61، 62 باختصار.
[5] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل، ت.
[6] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[7] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[8] «بن هرمز بن زس بْن بهرام بْن هرمز بْن سابور بْن أردشير بن بابك»
سقط من ت.
[9] في الأصل: «العلماء» ، وما أثبتناه في ت والطبري 2/ 62.
[10] هذه الفقرة مكررة في الفصل السابق، وليس هذا مكانها، ففي الطبري
2/ 62 جاءت العبارة خالية من هذه الفقرة، ولذلك وضعناها بين معقوفتين.
[11] انظر: تاريخ الطبري 2/ 62 باختصار وتصرف.
(2/89)
فصل
[1] ثم ملك بعده أخوه بهرام بْن سابور ذي الأكتاف، وكان يلقب بكرمان
شاه، وذلك أن أباه سابور ولاه فِي حياته كرمان، فكتب إِلَى قواده كتابا
يحثهم عَلَى الطاعة، وبنى بكرمان مدينة، وكان حسن السياسة [2] ، وَفِي
زمانه هلك أوس بْن قلام المتولي عَلَى العرب، وكانت ولاية أوس خمس
سنين- ويقال اسمه: ياوس وهو الأصح- فاستخلف بعده امرؤ القيس بْن عمرو
بْن امرئ القيس بْن عمرو بْن عدي.
وكان ملك بهرام هَذَا إحدى عشرة سنة، ثم ثار إليه بعض الفتاك فرماه
بنشابة فقتله [3]
. فصل
[4] ثم قام بالملك بعده يزدجرد الملقب بالأثيم، فبعضهم يقول: هو ابن
المقتول قبله، وبعضهم يَقُولُ: هو أخوه، وكان فظا غليظا مستطيلا على
الناس، سيّئ الخلق، يعاقب بما لا يطاق، ويسفك الدماء، فلذلك سمي الأثيم
[5] ، لأن ملوك فارس كانوا يستعملون العدل، فأظهر هو الظلم، فجار الناس
إِلَى اللَّه تعالى من ظلمه، وابتهلوا إليه يسألون تعجيل الانتقام منه.
فبينا هو بجرجان إذ أقبل فرس عائر [6] لم ير مثله فِي الخيل، فوقف
عَلَى بابه، فتعجب الناس منه، وأخبر يزدجرد خبره، فأمر به أن يسرج
ويلجم، ويدخل عَلَيْهِ، فحاول الناس إلجامه وإسراجه، فلم يمكنه، فأنهي
إليه ذلك، فخرج فألجمه بيده وأسرجه، فلم يتحرك/ الفرس، حَتَّى إذا رفع
ذنبه ليثفره [7] رمحه عَلَى فؤاده رمحة [8] فهلك منها، وملأ الفرس
فروجه جريا فلم يدرك، فقالت الرعية: هَذَا من رأفة اللَّه تعالى بنا،
وكان ملكه اثنتين وعشرين سنة، وخمسة أشهر، وستة عشر يوما.
وقيل: إحدى وعشرين سنة، وخمسة أشهر، وثمانية عشر يوما.
__________
[1] «فصل» بياض في ت مكانها.
[2] إلى هنا من الطبري 2/ 62.
[3] الطبري 2/ 63.
[4] «فصل» بياض في ت مكانها.
[5] في الأصل: «الظليم» .
[6] يقال: عار الفرس، إذا ذهب كأنه منفلت من صاحبه.
[7] أثفر الدابة: أي عمل لها ثفرا، والثفر: السير الّذي في مؤخر السرج.
[8] في ت: «إذا رفع ذنبه رمحه الفرس على فؤاده رمحة» .
(2/90)
[فصل] [1]
وَفِي زمان يزدجرد هَذَا هلك امرؤ القيس بْن عمرو بْن امرئ القيس،
واستخلف مكانه ابنه النعمان بْن امرئ القيس بْن عمرو بْن عدي، وهو صاحب
الخورنق.
وكان سبب بناء الخورنق [2] : أن يزدجرد الأثيم كان لا يبقى له ولد
[فولد له بهرام] [3] فسأل عن منزل صحيح من الأدواء والأسقام. فدلّ على
ظهر [4] الحيرة. فدفع ابنه بهرام جور إِلَى النعمان هَذَا، وأمره ببناء
الخورنق مسكنا له، وأنزله إياه، فبعث إِلَى الروم فأتي منها برجل مشهور
بعمل الحصون والقصور للملوك يقال له: سنمار، فكان يبني مدة يغيب [5]-
يقصد بذَلِكَ أن يطمأن إلينا، فبناه فِي سنتين، فلما فرغ من بنائه صعد
النعمان عَلَيْهِ ومعه وزيره وسنمار فرأى البر والبحر، وصيد الظبيان
والظباء والحمير، ورأى صيد الحيتان والطير، وسمع غناء الملاحين وأصوات
الحدأة، فعجب بذلك إعجابا شديدا، وكان البحر حينئذ يضرب إِلَى النجف،
فَقَالَ له سنمار متقربا إليه بالحذق وحسن الصنعة: إني لأعرف من هذا
البناء موضع حجر لو زال لزال جميع البنيان. فَقَالَ: لا جرم لا رغبة،
ولا يعلم مكان ذلك الحجر أحد. ثم أمر به فرمي من أعلى البنيان فتقطع
[6] .
وقيل: إنهم لما تعجبوا من حسنه وإتقان عمله قَالَ سنمار-[وكان قد جاءوا
به من الروم لبنائه] [7] : لو علمت أنكم توفونني أجرتي وتصنعون لي ما
أنا أهله بنيته بناء يدور مع الشمس حيثما دارت، فَقَالَ [8] : وإنك
لتقدر عَلَى أن تبني ما هو أفضل منه ثم لم تبنه! ثم أمر بِهِ فطرح من
رأس الخورنق [فمات] [9] فكانت العرب تضرب بذلك مثلا [10] فتقول: [وكان]
جزاء سنمار» .
قَالَ سليط بن سعد/ [11] :
__________
[1] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل، ت.
[2] «وكان سبب بناء الخورنق» سقط من ت.
[3] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل، ت وأثبتناه من الطبري 1/ 65.
[4] في ت: «قالوا على ظهر ... » .
[5] في الأصل: «بعث» .
[6] «فتقطع» سقطت من ت.
[7] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[8] في ت: «فقالت» .
[9] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل، وأثبتناه من ت.
[10] في ت: «فكان ذلك مثلا فيقال: كان جزاء سنمار» .
[11] في الأصل: «سليط بن سعيد» .
(2/91)
جزى بنوه أبا الغيلان عَنْ كبر ... وحسن
فعل كما يجزى سنمار
وَقَالَ آخر:
جزاني جزاه اللَّه شر جزائه ... جزاء سنمار وما كان ذا ذنب
[1] وكان النعمان هَذَا قد غزا الشام مرارا، وسبى وغنم، وكان أشد
الملوك نكاية فِي عدوه، وكان ملك فارس قد جعل معه كتيبتين يقال
لإحداهما: دوسر وهي لتنوخ، والأخرى: الشهباء وهي لفارس [2] فكان يغزو
بهما بلاد الشام، ومن [3] لم يدن له من العرب.
وإنه جلس يوما فِي مجلسه من الخورنق، فأشرف منه عَلَى النجف وما يليه
من البساتين والنخيل والأنهار مما يلي المغرب، وعلى الفرات مما يلي
المشرق [4] فِي يوم من أيام الربيع، فأعجب بما رأى من الخضرة والأنهار
فَقَالَ لوزيره: هل رأيت مثل هَذَا المنظر قط! فَقَالَ: لا، لو كان
يدوم!؟. قَالَ: فما الذي يدوم؟ قَالَ: ما عند اللَّه فِي الآخرة.
قَالَ: فبم ينال ذَلِكَ؟ قَالَ: بترك الدنيا وعبادة اللَّه. فترك ملكه
من ليلته، ولبس المسوح، وخرج مستخفيا هاربا لا يعلم به أحد، وأصبح
الناس لا يعلمون بحاله.
وَفِي ذلك يقول عدي بْن زيد [5] :
وتبين رب الخورنق إذ ... أصبح يوما وللهدى تفكير
سره حاله وكثرة ما يلقاه ... والبحر معرض والسدير
فارعوى قلبه فَقَالَ وما ... غبطة حي إِلَى الممات يصير
[6] وكان ملك النعمان إِلَى أن تركه وساح فِي الأرض تسعا وعشرين سنة
وأربعة
__________
[1] البيت من الحيوان 1/ 23، وثمار القلوب 109، والروض الأنف 1/ 67،
والطبري 2/ 66.
[2] في ت: «والأخرى الشهباء، فدوسر لتنوخ والشهباء لفارس» .
[3] «من» سقطت من ت.
[4] في الأصل: «ما يلي الغرب وعلى الفرات مما يلي الشرق» .
[5] في الأصل زيادة: «حيث يقول» .
[6] الأبيات في الأغاني 2/ 139، والطبري 2/ 68.
(2/92)
أشهر، من ذلك في زمن يزدجرد خمس عشرة سنة،
وَفِي زمن بهرام جور بْن يزدجرد أربع عشرة سنة [1] .
فصل
قَالَ مؤلف الكتاب [2] : وبهرام جور هَذَا ملك [3] بعد أبيه يزدجرد،
ويقال له:
بهرام جور بْن يزدجرد الخشن [4] / بْن بهرام كرمان شاه بْن سابور ذي
الأكتاف.
ولما ولد بهرام هَذَا أمر أبوه المنجمين أن ينظروا فِي النجوم ليعلموا
ما يؤول إليه أمره، فنظروا، فأمروا أن تجعل تربيته وحضانته إِلَى
العرب، [فدعا بالمنذر بْن النعمان، فاستحضنه بهرام وشرفه وملكه عَلَى
العرب] [5] ، وأمر له بصلة وكسوة، وأمره أن يسير بهرام إِلَى بلاد
العرب، فسار به المنذر إِلَى محلته، واختار لإرضاعه [6] ثلاث نسوة ذوات
أجسام ضخام، وأذهان ذكية، وآداب رضية، من بنات الأشراف، منهن امرأتان
من بنات العجم [7] ، وأمر لهن بما يصلحهن، فتداولن إرضاعه [8] ثلاث
سنين، وفطم فِي السنة الرابعة، حَتَّى إذا أتت عَلَيْهِ خمس سنين قَالَ
للمنذر: أحضرني مؤدبين ذوي علم ليعلموني الكتابة والرمي والفقه.
فَقَالَ له المنذر: إنك بعد صغير السن، ولم يأن لك.
فَقَالَ: أنا لعمري صغير، ولكن عقلي عقل محتنك، وأولى ما كلف به الملوك
صالح العلم، فعجل علي بما سألتك من المؤدبين.
فوجه المنذر ساعة سمع هَذَا إِلَى باب الملك من أتاه برهط من فقهاء
الفرس، ومعلّمي الرّمي والكتابة، وجمع له حكماء ومحدثين من العرب،
فألزمهم بهرام، ووقّت
__________
[1] انظر قصة سنمار في تاريخ الطبري 2/ 65- 68. والأغاني 2/ 144- 146.
[2] «فصل قال مؤلف الكتاب» مكانها بياض في ت. انظر ذكر ملك بهرام جور
في الطبري 2/ 68 وما بعدها.
[3] في ت: «وبهرام ملك هذا بعد أبيه» .
[4] في ت: «الحسن» .
[5] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[6] في ت: «لرضاعه» .
[7] في الطبري 2/ 69: «منهن امرأتان من بنات العرب» .
[8] في ت: «رضاعه» .
(2/93)
لكل منهم وقتا يأتيه فيه، فتفرغ لهم [1]
بهرام، فبلغ اثنتي عشرة سنة، وقد استفاد كل ما أفيد وحفظه وفاق
[معلميه] [2] حَتَّى اعترفوا له بفضله عليهم، فأثاب بهرام المنذر
ومعلميه [3] ، وأمرهم بالانصراف عنه، وأمر معلمي الرمي والفروسية
بالإقامة عنده، ليأخذ عنهم ما ينبغي له إحكامه، وأمر بهرام النعمان أن
يحضروا خيولهم فأحضروها وأخّروها فسبق فرس [4] أشقر للمنذر تلك الخيل
[5] جميعا، فقرّبه المنذر إِلَى بهرام، وَقَالَ: يبارك اللَّه لك فيه.
فأمر بقبضة، وركبه يوما إِلَى الصيد، فبصر بنعانة [6] ، فرمى وقصد
نحوها، فإذا بأسد [قد شد] [7] على عير كان فيها، فتناول ظهره، فرماه
بهرام رمية نفذت من بطنه وبطن العير [8] وسرته حَتَّى أفضت إِلَى
الأرض/، فأمر بهرام فصور ما جرى له مع الأسد والعير فِي بعض مجالسه.
ثم رحل إِلَى أبيه، وكان أبوه لا يحفل بولد، فاتخذ بهرام للخدمة، فلقي
[بهرام] [9] من ذلك عناء.
ثم إن يزدجرد وفد عَلَيْهِ أخ لقيصر، يقال له: ثياذوس، فِي طلب الصلح
والهدنة، فسأله بهرام أن يسأل يزدجرد أباه أن يأذن له فِي الانصراف
إِلَى المنذر، فأذن له [10] ، فانصرف إِلَى بلاد العرب، وأقبل عَلَى
النعم واللذة [11] والتلذذ، فهلك يزدجرد وبهرام غائب، فتعاقد ناس من
العظماء وأرباب البيوتات ألا [12] يملكوا أحدا من ذرية يزدجرد لسوء
سيرته، وقالوا: إن يزدجرد لم يخلف ولدا يحتمل الملك غير بهرام، ولم يل
بهرام ولاية قط يبلى [13] بها خبره، ويعرف بها [حاله] [14] ، ولم يتأدب
بأدب العجم، وإنما أدبه
__________
[1] «لهم» سقطت من ت.
[2] ما بين المعقوفتين: سقط من ت والأصل وأثبتناه من الطبري 2/ 70.
[3] في الأصل: «فأثاب المنذر معلمي بهرام» وما أثبتناه من ت، والطبري
2/ 70.
[4] في ت: «فبدر فرس» وكذلك في الطبري 2/ 70.
[5] في الأصل: «تلك الخيول» .
وفي ت: «من تلك الخيل» .
[6] العانة: القطيع من حمر الوحش.
[7] في الأصل، ت: «فإذا أسد» . وما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[8] في الطبري 2/ 71: «فنفذت النشابة من بطنه وظهر العير» .
[9] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[10] «فأذن له» سقطت من ت» .
[11] «اللذة» سقطت من ت والطبري 2/ 72.
[12] في ت: «أن يملكوا» . وفي الأصل: «أن لا» .
[13] في الأصل، ت: «يبتلى» وكذلك في إحدى نسخ الطبري.
[14] ما بين المعقوفتين: سقط من ت والأصل وأثبتناه من الطبري 2/ 71.
(2/94)
أدب العرب، وخلقه كخلقهم لنشأته بينهم،
واجتمعت كلمتهم وكلمة العامة عَلَى صرف الملك عَنْ بهرام إِلَى رجل من
عترة أردشير بْن بابك يقال له: كسرى، فلم يعتموا حَتَّى ملكوه [1] ،
فانتهى إِلَى بهرام هلاك أبيه يزدجرد وتمليكهم كسرى وهو ببادية العرب
فدعا بالمنذر والنعمان ابنه وناس من علية [2] العرب، وَقَالَ لهم: لا
أحسبكم تجحدون خصيصي والدي، [كان] [3] أتاكم معشر العرب بإحسانه
وإنعامه مع فظاظته [4] وشدته عَلَى الفرس، وأخبرهم بالذي أتاه من نعي
أبيه، وتمليك الفرس من ملكوا.
فَقَالَ المنذر: لا يهولنك ذلك حَتَّى ألطف الحيلة فيه. وإن المنذر جهز
عشرة آلاف رجل من فرسان العرب، ووجههم مع ابنه إِلَى مدينتين للملك،
وأمره أن يعسكر قريبا منهما، ويدمن إرسال طلائعه [5] إليهما، فإن تحرك
أحد لقتاله قاتله وأغار عَلَى ما والاهما، وأسر وسبى، ونهى عَنْ سفك
دم.
فسار النعمان حَتَّى نزل قريبا من المدينتين، ووجه طلائعه إليهما،
واستعظم قتال الفرس، وإن من بالباب [6] من العظماء وأهل البيوتات
أرسلوا جواني صاحب رسائل يزدجرد إِلَى المنذر، وكتبوا إليه يعلمونه أمر
النعمان، فلما ورد جواني عَلَى المنذر وقرأ الكتاب الَّذِي كتب إليه،
قَالَ له: الق الملك بهرام، ووجه معه من يوصله إليه. فدخل جواني على
بهرام فراعه ما رأى من وسامته وبهائه، وأغفل السجود دهشا، فعرف بهرام
أنه إنما ترك السجود لما راعه من روائه، فكلمه بهرام، ووعده من نفسه
أحسن الوعد، ورده إِلَى المنذر، وأرسل إليه أن يجيب فِي الذي كتب،
فَقَالَ المنذر لجواني: قد تدبرت الكتاب الذي أتيتني بِهِ، وإنما وجه
النعمان إِلَى ناحيتكم الملك بهرام حيث ملكه اللَّه بعد أبيه، وخوله
إياكم.
فلما سمع جواني مقالة المنذر، وتذكر ما عاين من رواء بهرام وهيبته عند
نفسه، وأنّ جميع من شاور فِي صرف الملك عَنْ بهرام مخصوم محجوج، قَالَ
للمنذر: إني لست محيرا جوابا، ولكن سر إن رأيت إِلَى محلة الملوك
فيجتمع إليك من بها من
__________
[1] في الطبري 2/ 72: «فلم يقيموا أن ملكوه» .
[2] في الأصل: «غليمه» .
[3] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[4] في الأصل: «فضاضته» .
[5] في ت: «طوالعه» .
[6] في ت: «من الباب» .
(2/95)
العظماء وأهل البيوتات، وتشاوروا فِي ذلك.
وأت فيه ما يجمل، فإنهم لن يخالفوك فِي شَيْء مِمَّا تشير به.
فرد المنذر جواني إِلَى من أرسله إليه، واستعد وسار بعد فصول جواني من
عنده بيوم ببهرام فِي ثلاثين ألف رجل من فرسان العرب وذوي البأس
والنجدة منهم إِلَى مدينتي الملك، حَتَّى إذا وردهما، أمر فجمع الناس،
وجلس بهرام عَلَى منبر من ذهب مكلل بجوهر، وجلس المنذر عَنْ يمينه،
وتكلم عظماء الفرس وأهل البيوتات، وفرشوا للمنذر بكلامهم فظاظة يزدجرد
أبي بهرام كانت، وسوء سيرته، وأنه أخرب بسوء رأيه الأرض، وأكثر القتل
ظلما، حَتَّى قتل الناس فِي البلاد التي كان يملكها، وأمورا غير ذلك
فظيعة. وذكروا أنهم تعاقدوا وتواثقوا عَلَى صرف الملك عَنْ ولد يزدجرد
لذلك، وسألوا المنذر ألا يجبرهم فِي أمر الملك عَلَى ما يكرهونه.
فوعى المنذر ما بثوا من ذلك، وَقَالَ لبهرام: أنت أولى بإجابة القوم
مني. فَقَالَ بهرام [1] : وأنا كنت/ أكره فعله، وأرجو أن أملك مكانه
فأصلح ما أفسد، فإن أتت لملكي سنة ولم أف لكم تبرأت من الملك طائعا،
وقد أشهدت اللَّه بذلك علي وملائكته موبذان موبذ، وأنا مع هذا قد رضيت
بتمليككم من يتناول التاج والزينة من بين أسدين ضاريين فهو الملك.
فأجابوا إِلَى ذلك وَقَالُوا: يترك التاج والزينة بين أسدين، وتنازع
أنت وكسرى، فأيكما يتناولهما من بينهما سلمنا له الملك.
فرضي بهرام بمقالتهم، فأتى بالتاج والزينة موبذان موبذ، الموكل كان
يعقد التّاج على رأس كلّ ملك فوضعهما فِي ناحية، وجاءوا بأسدين ضاريين
مشبلين [2] ، فوقف أحدهما عَلَى جانب الموضع الذي وضع فيه التاج
والزينة، والآخر بحذائه، فأرخى وثاقهما، ثم قَالَ [بهرام لكسرى [3] :
دونك التاج والزينة. فقال] [4] كسرى: أنت أولى
__________
[1] ورد في أصل المخطوط: «وأرسلوا إليه رسولا وقالوا: إنا كنا نكره
ولاية يزدجرد لظلمه، فقال: «وما أثبتناه بين معقوفين من تاريخ الطبري
1/ 408 ط. دار الكتب العلمية وذلك لإزالة التشويش والإبهام في النص
الأصلي.
[2] في الأصل، «مسبلين» .
[3] في ت: «كسرى» وهي ساقطة من الأصل.
[4] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل، وأثبتناه من ت والطبري 2/ 74.
(2/96)
بتناولهما مني، لأنك تطلب الملك بوراثة،
وأنا فيه مغتصب. فلم يكره بهرام قوله بثقته وبطشه، وتوجه نحو التاج
والزينة، فَقَالَ موبذان موبذ: هَذَا عَنْ غير رأي أحد، ونحن برآء
إِلَى اللَّه عز وجل من إتلافك نفسك. فَقَالَ: أنتم من ذلك برآء. ومشى
نحوهما فبدر إليه أحدهما، فوثب وثبة فعلا ظهره، وعصر جنبيه بفخذيه عصرا
أثخنه، وجعل يضرب رأسه بشَيْء فِي يده، ثم شد الأسد الآخر عَلَيْهِ
فقبض عَلَى أذنيه، وعركهما بكلتا يديه، ولم يزل يضرب رأسه برأس الأسد
الذي كان راكبه حَتَّى دمغهما وتناول التاج والزينة، فأذعن الكل له،
وَقَالُوا: رضينا بِهِ ملكا. وكان ابن عشرين سنة.
ثم جلس للناس بعد ذلك سبعة أيام متوالية [1] يعدهم بالخير، ويأمرهم
بتقوى اللَّه عز وجل وبطاعته.
ثم صار يؤثر اللهو، فكثرت ملامة رعيته له، وطمع من حوله من الملوك فِي
استباحة بلاده [2] ، وكان أول من سبق بالمكاثرة [3] له: خاقان ملك
الترك، فإنه غزاه فِي مائتين [4] وخمسين ألف [5] من الترك، فلما بلغ
الفرس إقبال خاقان هالهم ذلك، فدخل عَلَى بهرام جماعة من الرؤساء
فقالوا: / إن فيما قد أزف ما يشغل عَنِ اللهو، فلم يقبل عليهم ولم يترك
اللهو.
وإنه تجهز فسار [6] إِلَى أذربيجان لينسك [7] فِي بيت نارها، ويتوجّه
منها إلى أرمينية ويطلب الصيد فِي آجامها [8] ويلهو فِي سبعة [9] رهط
من العظماء وأهل البيوتات وثلاثمائة رجل من رابطته [10] من [11] ذوي
بأس ونجدة، واستخلف أخا له يسمى:
نرسي عَلَى ما كان يدبر من أمر [12] ملكه، فلم يشك الناس حين بلغهم
مسير بهرام فيمن
__________
[1] في ت: «متواليات» ، وما أثبتناه من الأصل والطبري 2/ 75.
[2] في ت: «بلده» .
[3] في ت: «بالمكايدة» وما أثبتناه من الأصل، والطبري 2/ 75.
[4] في ت: «مائتي» .
[5] في ت: «ألفا» .
[6] في الأصل: «ثم أنه تجهز فصار» .
[7] في الأصل: «ليتنسك» . وما أثبتناه من ت، والطبري 2/ 75.
وينسك: يتعبد.
[8] في الأصل: «في أكنافها» .
وفي ت: «في اكامها» وما أثبتناه من الطبري 2/ 76.
[9] والآجام: جمع أجمة، وهو الشجر الكثير الملتف.
[10] في ت: «سبع» .
[11] في الأصل: «رباطته» .
[12] «من» سقطت من ت.
«أمر» سقطت من ت، والطبري.
(2/97)
سار، واستخلافه أخاه أن ذلك هرب من عدوه،
واستلام لملكه [1] ، وتآمروا فِي إنفاذ وفد إِلَى خاقان والإقرار له
بالخراج، مخافة أن يستبيح [2] بلادهم، ويصطلم مُقَاتِلتهم [3] ، فبلغ
ذلك خاقان، فآمن ناحيتهم، فأتى بهرام عين كان وجهه ليأتيه بخبر خاقان،
فأخبره بأمر خاقان وعزمه، فسار إليه بهرام فِي العدة الذين كانوا معه،
فبيته [4] ، وقتل خاقان بيده، وأفشى القتل فِي جنده، وانهزم [5] من كان
سلم منهم [6] متوجها إِلَى بلاده، وخلفوا عسكرهم وذراريهم [7] ، فأمعن
بهرام فِي طلبهم يقتلهم ويحوي ما غنم منهم ويسبي ذراريهم [8] ، وانصرف
وجنده [9] سالمين. وظفر [10] بهرام بتاج خاقان وإكليله، وغلب عَلَى
بلاده من بلاد [11] الترك، واستعمل عَلَى ما غلب عَلَيْهِ مرزبانا حباه
[12] بسرير من فضة، وأتاه أناس [13] من أهل البلاد المتاخمة لما غلب
عَلَيْهِ من بلاد الترك خاضعين له بالطاعة، وسألوه أن يعلمهم حد ما
بينه وبينهم فلا يتعدوه، فحد لهم حدّا، فبنى [14] لهم منارة، ووجه
قائدا من قواده إِلَى [15] ما وراء النهر منهم، فقاتلهم حَتَّى أقروا
لبهرام بالعبودية وأداء الجزية.
وأن بهرام انصرف إِلَى أذربيجان، راجعا إِلَى محلته، وأمر بما كان فِي
إكليل خاقان من ياقوت أحمر وسائر الجواهر فعلق عَلَى بيت نار أذربيجان،
ثم سار وورد مدينة طيسبون [16] ، / فنزل دار المملكة بها، ثم كتب إِلَى
جنده وعماله بقتله خاقان، وما كان من أمره. ثم ولى أخاه نرسي خراسان،
وأمره أن ينزل بلخ [17] .
وذكر أن بهرام [18] . لما انصرف من غزوه الترك، خطب أهل [19] مملكته
أياما
__________
[1] في الأصل: «واستلام لملكه» .
وفي ت: «وإسلام ملكه» .
[2] في الأصل: «يستفتح» .
[3] في الأصل: «مقابلتهم» .
[4] في الأصل: «فكسبه» .
[5] في الأصل: «فانهزم» .
[6] في ت: «سلم منه» .
[7] في الأصل: «ديارهم» .
[8] في الأصل: «ديارهم» .
[9] في ت: «وانصرف جنده» .
[10] في ت: «وظهر» وكذلك وكذلك في إحدى نسخ الطبري.
[11] في الأصل: «وغلب على بلاد من بلاد» .
[12] في ت: «مرزبان أخاه» .
[13] في ت والأصل: «ناس» .
[14] في ت «فبنيت» وفي الطبري 2/ 76:
«وأمر فبنيت» .
[15] في الأصل: «على ما وراء النهر» .
[16] في ت: «طيستون» .
[17] تاريخ الطبري 2/ 76، 77.
[18] بياض في ت مكان: «وذكر أن بهرام» .
[19] في ت: «خطب الناس أهل مملكته» .
(2/98)
متوالية، فحثهم عَلَى لزوم الطاعة، وأعلمهم
[أن] [1] بنيته التوسعة عليهم، وإيصال الخير إليهم، وأنهم إن زالوا
عَنِ الاستقامة نالهم من غلظته أكثر مما كان نالهم من أبيه، وأن أباه
كان افتتح أمرهم باللين والمعدلة [2] ، فجحدوا ذلك [أو من جحده منهم]
[3] فأصاره [4] ذلك إِلَى الغلظة، ثم رفع عَنِ الناس الخراج ثلاث سنين
شكرا لما لقي من النصر عَلَى الأعداء، وقسم فِي الفقراء والمساكين مالا
عظيما، وَفِي أهل [5] البيوتات وأصحاب [6] الأحساب عشرين ألف [ألف] [7]
درهم.
وقد كان بهرام حين أفضى له الملك أمر أن يرفع عَنْ أهل الخراج البقايا
التي بقيت عليهم من الخراج، فأعلم أن ذلك سبعون ألف ألف درهم، فأمر
بتركها وترك ثلث خراج [8] السنة التي ولي فيها [9] .
ودخل بهرام أرض الهند [متنكرا] [10] فمكث فيها حينا، فبلغه أن فِي
ناحية من أرضهم فيلا قد قطع السبل [11] ، وقتل [12] ناسا كثيرا، فسأل
عَنْ مكانه فدل عَلَيْهِ. ليقتله، فانتهى [13] ذلك إِلَى ملكهم، فدعا
به، وأرسل معه رسولا يخبره بخبره، فلما انتهى بهرام والرسول إِلَى
الأجمة التي فيها الفيل، رقي الرسول إِلَى شجرة لينظر إِلَى صنيع بهرام
بالفيل [14] ، [فصاح بهرام بالفيل] [15] فخرج مزبدا، فرماه رمية وقعت
بين عينيه، ووقذه
__________
[1] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل، ت وأثبتناه من الطبري 2/ 77.
[2] في الأصل: «والعدرة» .
[3] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل، وأثبتناه من ت، والطبري 2/ 77.
[4] في ت: «فصار» .
[5] «أهل» ليست في ت ولا في الطبري.
[6] في ت، والطبري 2/ 77: «وذوي الأحساب» .
[7] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل، وأثبتناه من ت والطبري.
[8] في ت: «الخراج» .
[9] تاريخ الطبري 2/ 78.
[10] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[11] في الأصل: «السبيل» وما أثبتناه من ت والطبري 2/ 78.
[12] في ت: «ونقل» .
[13] في الأصل: «فأنهي» .
[14] «بالفيل» سقطت من ت.
[15] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل، وأثبتناه من ت. وفي الطبري 2/
78: «فصاح به فخرج» .
(2/99)
بالنشاب، ثم وثب عَلَيْهِ فأخذ بمشفره،
فاجتذبه جذبة حَتَّى جثا [1] الفيل، ثم احتز [2] رأسه وذهب بِهِ. فأخبر
الرسول الملك [3] بما جرى، فحباه مالا عظيما، وسأل عَنْ أمره فَقَالَ
بهرام: أنا رجل من عظماء الفرس، سخط علي ملك فارس فهربت منه إِلَى
جوارك [4] .
ثم إن عدوا لذلك الملك خرج عَلَيْهِ، فعزم الملك عَلَى الخضوع [له] [5]
، فنهاه بهرام، وخرج فقاتله، فانصرف محبورا [6] ، فأنكحه الملك ابنته،
ونحله الديبل ومكران وما يليها من أرض السند، وأشهد له شهودا بذلك [7]
، فأمر بتلك البلاد/ فضمت إِلَى أرض [8] العجم، فانصرف بهرام مسرورا
[9] .
ومضى بهرام إِلَى بلاد السودان من ناحية اليمن، فأوقع [10] بهم، فقتل
منهم مقتلة عظيمة، وسبى منهم خلقا، ثم انصرف إِلَى مملكته [11] .
فصل
[12] وكان لبهرام ولد قد رسمه للأمر بعده، فرآه ناقص الهمة، فوكل من
يؤدبه.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بن ناصر قال: أخبرنا المبارك بن عبد الجبار
قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو القاسم التنوخي قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّد
بْن عبد الرحيم المازني قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو علي الحسين بْن
القاسم الكوكبي قَالَ: حَدَّثَنَا عِيسَى بْن مُحَمَّد أَبُو ناظرة
السدوسي قال: حدّثني
__________
[1] «حتى جثا» سقطت من ت، ومكانها: «لها» . فتكون العبارة في ت:
«فاجتذبه جذبة لها الفيل» .
[2] في ت: «اجتز» .
[3] في الأصل، ت: «فأخبر الملك رسوله بما جرى» .
[4] تاريخ الطبري 2/ 78، 79.
[5] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[6] في ت: «مجبورا» .
[7] في ت: وأشهد له على ذلك شهود» .
[8] في ت: «إلى الأرض العجم» .
[9] تاريخ الطبري 2/ 79.
[10] في الأصل: «فوقع بهم» .
[11] تاريخ الطبري 2/ 80.
[12] بياض مكان «فصل» في النسخة ت.
(2/100)
قبيصة بْن مُحَمَّد المهلبي قَالَ: أخبرني
اليمان بْن عمرو- مولى ذي الرئاستين- قَالَ [1] :
كان ذو الرئاستين يبعثني ويبعث [2] أحداثا من أحداثه [3] إِلَى شيخ
بخراسان له أدب وحسن معرفة بالأمور، ويقول لنا: تعلموا منه الحكمة،
فإنه حكيم، فكنا نأتيه، فإذا انصرفنا من عنده سألنا ذو الرئاستين،
فاعترض [4] ما حفظناه فنخبره به [5] ، فصرنا ذات يوم إِلَى الشيخ
فَقَالَ لنا: أنتم أدباء، وقد سمعتم الحكمة، ولكم جدات ونعم، فهل فيكم
[6] عاشق؟ فقلنا: لا. فَقَالَ: اعشقوا فإن العشق مطلق اللسان العي،
ويفتح حيلة البليد والمختل [7] ، ويبعث عَلَى التنظف وتحسين الثياب،
وتطييب المطعم، ويدعو إِلَى الحركة والذكاء وشرف الهمة، وإياكم
والحرام.
فانصرفنا من عنده إِلَى ذي الرئاستين، فسألنا عما أفدنا يومنا ذلك [8]
، فهبنا أن نخبره، فعزم علينا، فقلنا له إنه أمرنا بكذا وكذا، وَقَالَ
لنا كذا وكذا. قَالَ: صدق والله، تعلمون من أين أخذ هَذَا؟ قلنا: لا.
قَالَ ذو الرئاستين: إن بهرام جور كان له ابن، وكان قد رسمه للأمر
بعده، فنشأ الفتى ناقص الهمة، ساقط المروءة، خامل النفس، سيئ الأدب،
فغمه ذلك، فوكل [9] به المؤدبين والحكماء ومن يلازمه ويعلمه، وكان
يسألهم عنه فيحكون [10] ما يغمه من سوء فهمه وقلة أدبه، إِلَى أن سأل
بعض مؤدبيه يوما فَقَالَ له المؤدب: قد/ كنا نخاف سوء أدبه فحدث من
أمره ما صرنا إِلَى اليأس من صلاحه.
__________
[1] حذف السند في ت وكتب بدلا منه: «أخبرنا محمد بن ناصر بإسناد له إلى
اليمان بْن عمرو مولى ذي الرئاستين قَالَ» .
[2] في الأصل: «فبعثه أحداثا» .
[3] في ت: «من أهله» .
[4] في ت: «واعترض» .
[5] «به» سقطت من ت.
[6] في ت: «فهل منكم» .
[7] في ت: «والمخبل» .
[8] في ت: «عما أخذنا ذلك» .
[9] في الأصل: «ووكل به» .
[10] في ت: «وكان إذا سألهم عنه يحكون» .
(2/101)
قَالَ: وما ذاك الذي قد حدث؟ قَالَ: رأى
ابنة فلان المرزبان فعشقها حَتَّى غلبت عَلَيْهِ، وهو لا يهذي إلا بها،
ولا يتشاغل إلا بذكرها فَقَالَ بهرام: الآن رجوت فلانة، ثم دعا بأبي
الجارية فَقَالَ: إني مسر إليك سرا فلا يعدونك، فضمن له سره [1] فأعلمه
أن ابنه قد عشق ابنته، وأنه يريد أن ينكحها إياه، وأمره أن يأمرها
بإطماعه فِي نفسها ومراسلته من غير أن يراها وتقع عيناه عليها، فإذا
استحكم طمعه فيها تجنت عَلَيْهِ وهجرته، فإن استعتبها أعلمته أنها لا
تصلح إلا لملك، ومن همته همة الملوك [2] ، وأنه يمنعها من مواصلته أنه
لا يصلح للملك، ثم ليعلمه خبرها وخبره. ولا يطلعها عَلَى ما أسر إليه.
فقبل أبوها ذلك منه.
ثم قَالَ للمؤدب الموكل بتأديبه: خوفه بي، وشجعه عَلَى مراسلة المرأة.
ففعل ذلك، وفعلت المرأة ما أمرها به أبوها، فلما انتهت إِلَى التجني
عَلَيْهِ، وعلم الفتى السبب الذي كرهته لأجله [3] ، أخذ فِي الأدب،
وطلب الحكمة والعلم والفروسية والرماية، وضرب الصوالجة حَتَّى مهر فِي
ذلك، ثم رفع [4] إِلَى أبيه أنه يحتاج من الدواب والآلات والمطاعم [5]
والملابس والندماء إلى فوق ما يقدر.
فسر الملك بذلك [وأمر له به] [6] فدعا مؤدبه فَقَالَ: إن الموضع الّذي
وضع به ابني نفسه من حب هَذِهِ المرأة لا يزرى به، فتقدم إليه أن يرفع
إلي أمرها، ويسألني أن أزوجه إياها. ففعل، فرفع الفتى ذلك إِلَى أبيه،
فدعا بأبيها فزوجها إياه، وأمر بتعجيلها، وَقَالَ: إذا اجتمعت أنت [7]
وهي فلا تحدث شيئا حَتَّى أصير إليك. فلما اجتمعا صار إليه فَقَالَ: يا
بني، لا يضعن منها عندك مراسلتها إياك، وليست فِي حبالك، فإني أنا
أمرتها بذلك، وهي أعظم الناس منة عليك بما دعتك إليه من طلب الحكمة
والتخلّق بأخلاق
__________
[1] في ت: «فضمن له ستره» .
[2] في ت: «من همته همة ملك» .
[3] «لأجله» سقطت من ت.
[4] في ت: «ورفع» .
[5] «والمطاعم» سقطت من ت.
[6] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[7] «أنت» سقطت من ت.
(2/102)
الملوك حَتَّى [1] بلغت الحد الذي تصلح معه
للملك من بعدي، فزدها من التشريف والإكرام بقدر ما يستحق منك. ففعل
الفتى ذلك، / وعاش مسرورا بالجارية، وعاش أبوه مسرورا به، وأحسن ثواب
أبيها، فرفع [2] مرتبته وشرفه بصيانته سره وطاعته إياه، وأحسن جائزة
المؤدب بامتثاله ما أمره به، وعقد لابنه عَلَى الملك بعده.
قَالَ اليمان مولى ذي الرئاستين: ثم قَالَ لنا ذو الرئاستين: سلوا
الشيخ الآن لم حملكم على العشق. فسألنا فحَدَّثَنَا بحديث بهرام جور
وابنه
. فصل
[3] قَالَ مؤلف الكتاب [4] : ثم إن بهرام فِي آخر ملكه ركب للصيد، فشد
عَلَى عير وأمعن [5] فِي طلبه، فارتطم [6] فِي جب، فغرق، فبلغ والدته
فسارت إِلَى ذلك الجب بأموال عظيمة [7] ، وأقامت قريبة منه، [وأمرت
بإنفاق تلك الأموال عَلَى من يخرجه منه] [8] فنقلوا من الجب طينا كثيرا
وحمأة حَتَّى جمعوا من ذلك آكاما عظاما، ولم يقدروا عَلَى جثة بهرام
[9] .
واختلفوا فِي ملكه، فَقَالَ قوم: [كان ملكه] [10] ثماني عشرة سنة،
وعشرة أشهر وعشرين يوما. وَقَالَ آخرون: [كان ملكه] ثلاثا وعشرين سنة،
وعشرة أشهر، وعشرين يوما [11] .
__________
[1] «حتى» سقطت من ت.
[2] في ت: «ورفع» .
[3] في الأصل: «لابنه» .
[4] «فصل. قال مؤلف الكتاب» بياض مكان هذه العبارة في ت.
[5] في ت: «فأمعن» .
[6] في الأصل: «فارطم» .
[7] في ت: «بالأموال العظيمة» .
[8] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[9] تاريخ الطبري 2/ 77.
[10] ما بين المعقوفتين: من الطبري فقط، وكذلك في الموضع التالي.
[11] تاريخ الطبري 2/ 80، 81.
(2/103)
فصل
ثم قَالَ بالملك بعده ابنه يزدجرد بْن بهرام جور فلما عقد التاج عَلَى
رأسه دخل عَلَيْهِ العظماء والأشراف، فدعوا له وهنئوه بالملك، فرد
عليهم ردا حسنا، وذكر [1] أباه ومناقبه، وأنه سار فيهم بأحسن السيرة،
فلم يزل رءوفا برعيته، محسنا إليهم، قامعا لعدوه [2] .
وكان له ابنان، يقال لأحدهما: هرمز، وكان ملكا عَلَى سجستان، والآخر
يقال له: فيروز، فغلب هرمز عَلَى الملك من بعد هلاك أبيه يزدجرد، فهرب
فيروز منه ولحق ببلاد الهياطلة [3] ، وأخبر ملكها بقصته وقصة أخيه
هرمز، وأنه أولى الناس منه، وسأله أن يمده بجيش يقاتل لهم [4] هرمز،
فأبى، إِلَى أن أخبر أن هرمز ظلوم جائر، فَقَالَ: إن الجور لا يرضاه
الله. فأمدّ فيروز بجيش [5] ، فأقبل بهم، وقاتل هرمز أخاه، فقتله وشتت
جمعه وغلب عَلَى الملك [6] .
وكان ملك يزدجرد ثماني عشرة سنة وأربعة أشهر [7] . وقيل: / سبع عشرة
سنة [8]
. فصل
[9] ثم ملك فيروز بْن يزدجرد بْن بهرام جور بعد أن قتل أخاه.
وقيل: بل حبسه لما ظفر به [10] ، وأظهر العدل، وقسم الأموال فِي زمان
قحط نزل
__________
[1] في الأصل: «وذكروا» .
[2] الطبري 2/ 81.
[3] في الأصل: «العياكلة» وما أثبتناه من ت والطبري 2/ 81.
[4] في الأصل: «يقاتل به» .
[5] في الأصل: «فأمر لفيروز: بجيش» وما أثبتناه من ت والطبري.
[6] تاريخ الطبري 2/ 81.
[7] «وأربعة أشهر» سقطت من ت.
[8] تاريخ الطبري 2/ 82.
[9] بياض في ت مكان: «فصل» .
[10] «لما ظفر به» سقطت من ت.
(2/104)
بهم، ثم قاتل الهياطلة الذين كانوا أعانوه
عَلَى قتال أخيه فقتلوه فِي المعركة [1] .
وقيل: سقط فِي خندق فهلك، وكان ملكه ستا وعشرين سنة، وقيل: إحدى وعشرين
[سنة] [2]
. فصل
ثم ملك بعده ابنه بلاش بْن فيروز، وكان قباذ قد نازعه الملك، فغلب بلاش
وهرب قباذ إِلَى ملك الترك، فلم يزل بلاش [3] حسن السيرة فبلغ من
مراعاته للرعية أنه كان [4] لا يبلغه أن بيتا خرب وجلا أهله [عنه] [5]
إلا عاقب صاحب القرية التي فيها [6] ذلك البيت عَلَى تركه إنعاشهم
حَتَّى اضطروا إِلَى ذلك الجلاء. وبنى بالسواد مدينة اسمها [اليوم] [7]
: ساباط، وهي قريبة من المدائن. وكان ملكه أربع سنين [8]
. فصل
ثم ملك بعده أخوه قباذ بْن فيروز، وكان قباذ لما هرب إِلَى ملك الترك
من أخيه بلاش ومعه جماعة يسيرة فيهم زرمهر [فتاقت نفسه إِلَى الجماع،
فشكا ذلك إِلَى زرمهر] [9] وسأله أن يلتمس له امرأة ذات حسب [10] فمضى
إلى امرأة [صاحب منزله،
__________
[1] تاريخ الطبري 2/ 82- 88 باختصار شديد.
[2] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل. وانظر الطبري 2/ 88.
[3] «وهرب قباذ إِلَى ملك الترك، فلم يزل بلاش» سقط من ت.
[4] في الأصل: «أن كان» .
[5] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل، وأثبتناه من ت والطبري 2/ 90.
[6] في ت: «الّذي فيها» .
[7] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل وأثبتناه من ت.
[8] تاريخ الطبري 2/ 90.
[9] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل، وأثبتناه من ت، والطبري 2/ 91.
[10] في الأصل: «ذات حسن» .
(2/105)
وكان] [1] رجلا من الأساورة، وكانت له بنت
فائقة [فِي] [2] الجمال، فتنصح لها فِي ابنتها، [3] وأشار عليها [4] أن
تبعث بها إِلَى قباذ، فأعلمت زوجها، فلم يزل زرمهر يرغب المرأة وزوجها،
ويشير عليهما، حَتَّى قفلا، وصارت البنت إِلَى قباذ، واسمها:
نيوندخت، فغشيها قباذ فِي تلك الليلة، فحملت بأنوشروان، فأمر لها
بجائزة، وأحبها حبا شديدا [5] .
ثم إن ملك الترك وجه معه جيشا، فانصرف وسأل عَنِ الجارية فقيل: وضعت
غلاما، فأمر بحملها إليه، فأتت بأنوشروان تقوده إليه، فأخبرته أنه
ابنه، فإذا هو قد نزع إليه فِي صورته [6] .
وورد الخبر عَلَيْهِ [7] بهلاك/ بلاش، فتيمن بالمولود، وأمر بحمله،
وحمل أمه، فلما صارا إِلَى المدائن، واستوثق له أمره بني مدينة الرجان
[8] ، ومدينة حلوان، ومدائن كثيرة [9] .
ولما مضى من ملكه عشر سنين أرادوا إزالته عَنْ ملكه لاتباعه لرجل يقال
له:
مزدك بن ماردا [10] .
__________
[1] في ت: «فمضى إلى رجل من الأساورة» .
وفي الأصل: «فمضى إلى امرأة رجل من الأساورة» .
وما زدناه من الطبري 2/ 91. لعدم اتساق المعنى بدونه.
[2] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[3] في ت: «فتوصل إلى امرأته وتنصح في اسمها» .
[4] في الأصل: «وأشار لها منها» .
[5] تاريخ الطبري 2/ 91.
[6] تاريخ الطبري 2/ 91 بتصرف،
[7] في الأصل: «وورد الخبر إليه» .
[8] في ت: «أرجان» .
[9] تاريخ الطبري 2/ 92.
[10] «بن ماردا» سقطت من ت.
(2/106)
فصل
[1] وكان مزدك [2] رجلا يدعو الناس إِلَى ملة زراذشت الذي ذكره تقدم
[3] ، ودعواه نبوة المجوس، وكان مزدك يلبس الصوف ويتزهد، ويكثر الصلاة
تقربا إِلَى العوام، وكان هو وأصحابه يزعمون أنه من كان عنده فضل من
الأموال والأمتعة والنساء فليس هو بأولى به من غيره [4] ، وحث الناس
عَلَى التأسي به فِي أموالهم وأهلهم [5] ، وزعم أنه من البر [6] الذي
يرضاه الله ويثيب عَلَيْهِ، فاغتنم السفلة ذلك وتابعوا مزدكا وأصحابه،
فتم للعاهر قضاء نهمته بالوصول [7] إِلَى الكرائم، فابتلي الناس بهم،
وقوي أمرهم، حَتَّى كانوا يدخلون عَلَى الرجل داره فيغلبون عَلَى
أمواله وأهله، وحملوا قباذ عَلَى تزيين ذلك، وَقَالُوا له [8] : إنك قد
أثمت فيما مضى، وليس يطهرك من هَذَا [9] إلا إباحة نسائك، وأرادوه
[على] [10] أن يدفع نفسه إليهم فيذبحوه ويجعلوه قربانا للنار، وكان
قباذ من خيار ملوكهم حَتَّى حمله مزدك [11] عَلَى ما حمله، فانتشرت
الأطراف، وفسدت الثغور [12] .
وكانت أم أنوشروان يوما بين يدي قباذ، فدخل عَلَيْهِ مزدك، فلما رآها
قَالَ لقباذ:
ادفعها إليَّ لأقضي حاجتي منها. فقال: دونكها. فوثب أنوشروان، فجعل
يسأله ويضرع إليه أن يهب له أمه إِلَى أن قبل رجله، فتركها، فبقي ذلك
في نفس
__________
[1] بياض في ت مكان: «فصل» .
[2] في ت: «كان مزدك» .
[3] في ت: «الّذي قد تقدم ذكره» .
[4] في ت: « ... والأمتعة والنساء فهو لغيره» .
[5] في ت: «على التأسي في ذلك، ويزعم» .
[6] «البر» سقطت من ت.
[7] في الأصل: «في الوصول» .
[8] «له» سقطت من ت.
[9] في ت: «من ذلك» ، وكذا في الطبري 2/ 93.
[10] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[11] «حتى حمله مزدك» مكررة في ت.
[12] تاريخ الطبري 2/ 93.
(2/107)
أنوشروان [1] ، فلما رأى زرمهر ذلك [2] خرج
بمن يتابعه [3] من الأشراف، فقتل من المزدكية ناسا كثيرا، ثُمَّ حرشت
المزدكية قباذا عَلَى زرمهر فقتله، وغزا قباذ الروم، وبنى آمد، وملك
قباذ ابنه كسرى، وكتب إليه [4] بذلك كتابا وختمه، وهلك بعد أن ملك
ثلاثا وأربعين سنة [5]
. فصل
[6] ثم ملك ابنه كسرى أنوشروان بْن قباذ بْن فيروز بْن يزدجرد بْن
بهرام جور [7] .
وولد أنوشروان باسعراس، وهي من كور نيسابور [8] .
فاستقبل الملك بجد وسياسة وحزم، ونظر فِي سيرة أردشير، فأخذ نفسه بذلك،
وبحث في سياسات الأمم فاختار ما رضيه، وفرق رئاسة البلاد بين جماعة،
وقوى المُقَاتِلة بالأسلحة والكراع، وارتجع بلادا كانت فِي [مملكة
الفرس بلغه أن طائفة من العرب أغارت عَلَى بعض حدود] [9] السواد من
ملكه، فأمر بحفر النهر المسمى بالحاجز، وإعادة المناظر والمسالح، على
ما ذكرنا فِي أخبار ذي الأكتاف، وعرف الناس منه رأيا وحزما [10] وعلما
وعقلا وبأسا مع رأفة ورحمة [11] .
فلما عقد التاج عَلَى رأسه دخل عَلَيْهِ العظماء والأشراف، فدعوا له،
فقام خطيبا،
__________
[1] الكامل 1/ 336.
[2] في ت: «فلما رأى ذلك زرمهر» .
[3] في ت: «بمن تابعه» .
[4] «إليه» سقطت من ت.
[5] تاريخ الطبري 2/ 94.
[6] بياض في ت مكان «فصل» .
[7] في ت. زيادة: «بن يزدجرد» .
[8] «وولد أنوشروان باسعراس وهي من كور نيسابور» سقطت من ت.
[9] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[10] «وحزما» سقط من ت.
[11] في ت: «ورحمة ورأفة» .
(2/108)
فبدأ بذكر نعمة اللَّه عَلَى خلقه [عند
خلقه] [1] إياهم، وتوكله [2] بتدبير أمورهم، وتقدير أقواتهم ومعايشهم،
ثم أعلم الناس بما ابتلوا به من ضياع أمورهم، وإمحاء دينهم، وفساد
حالهم فِي أولادهم ومعايشهم، وأعلمهم أنه ناظر فيما يصلح ذلك ويحسمه.
[ثم أمر] [3] برءوس المزدكية فضربت أعناقهم، وإبطال ملة زرادشت التي
كان ابتدعها فِي المجوسية فِي زمان بشتاسب، وقد سبق ذكر ذلك كله [4] ،
وكان ممن دعا الناس [5] إليها مزدك [6] .
ولما ولي أنوشروان دخل عَلَيْهِ مزدك [7] والمنذر بْن ماء السماء فقال
أنوشروان:
قد كنت أتمنى أن أملك فأستعمل هَذَا الرجل الشريف، وأتمنى أن أقتل
هَؤُلاءِ الزنادقة، فَقَالَ مزدك: أو تستطيع أن تقتل الناس جميعا؟
فقال: وإنك هاهنا يا ابن الزانية، والله ما ذهب نتن ريح جوربك من أنفي
منذ [8] قبلت رجلك إِلَى يومي هَذَا. وأمر بقتله وصلبه [9] .
وقتل من الزنادقة ما بين جازر إِلَى النهروان وإلى المدائن فِي ضحوة
واحدة مائة ألف زنديق وصلبهم [10] ، وقسمت أموالهم فِي أهل الحاجة.
وقتل جماعة ممن دخل عَلَى الناس فِي أموالهم، ورد الأموال إِلَى أهلها،
وأمر بكل مولود اختلف فيه/ عنده أن يلحق بمن هو [11] منهم، إذا لم يعرف
أبوه، وأن يعطى نصيبا من مال الرجل الّذي
__________
[1] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[2] في ت: «وتوكلهم» .
[3] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[4] في ت: «وقد سبق بيانه ذلك، وكان» .
[5] «الناس» سقطت من ت.
[6] انظر الطبري 2/ 101.
[7] «ولما ولي أنوشروان دخل عليه مزدك» سقطت من ت.
[8] في الأصل: «منذ يوم قبلت» .
[9] في ت: «وأمر بقتله فقتل وصلب» وانظر الخبر في الكامل 1/ 336.
[10] الكامل 1/ 337.
[11] في الأصل: «من هوى» .
(2/109)
يسند [1] إليه إذا قبله الرجل، وبكل [2]
امرأة غلبت عَلَى نفسها أن يؤخذ الغالب لها حَتَّى يغرم لَهَا مهرها،
ثم تخير المرأة بين الإقامة عنده، وبين التزويج بغيره [3] ، إلا أن
يكون لها زوج أول فترد إليه، وأمر بكل من كان أضر برجل فِي ماله أو ركب
مظلمة [4] أن يؤخذ منه الحق، ثم يعاقب، وأمر بعيال ذوي الأحساب الذين
مات قيمهم [5] فكتبوا له، فأنكح بناتهم الأكفاء، وجعل جهازهم من بيت
المال، وأنكح نساءهم [6] من بيوتات الأشراف وأغناهم [7] ، وخير نساء
والده أن يقمن مع نسائه فيواسين، أو يبتغي [8] لهن أكفاءهن من البعولة،
وأمر بكري [9] الأنهار وحفر القني، وإسلاف [10] أصحاب العمارات
وتقويتهم، وبإعادة كل جسر قطع، أو قنطرة كسرت، أو قرية خربت أن يرد ذلك
إِلَى أحسن ما كان عَلَيْهِ من الصلاح، وتفقد الأساورة فقواهم بالدواب
والعدة، ووكل ببيوت النيران، وبنى فِي الطرق القصور والحصون، وتخير
الحكام والعمال، وتقدم إِلَى من ولي منهم أبلغ تقدم، وبعث رجلا من
الحكماء إِلَى الهند فاستنسخ له [11] كتاب «كليلة ودمنة» طلبا لما فيه
من الحكمة، فلما استوثق له الملك ودانت [12] لَهُ البلاد سار نحو
أنطاكية بعد سنتين [13] من ملكه، وكان فيها عظماء جنود قيصر، فافتتحها،
ثُمَّ أمر أن تصور له مدينة أنطاكية عَلَى ذرعها وعدد منازلها وطرقها،
وجميع ما فيها وأن يبتنى [14] له على صورتها مدينة إلى
__________
[1] في الأصل: «يستند» .
[2] في الأصل: «وكل» .
[3] في الأصل: «لغيره» .
[4] في ت: «أو ركب مطية له» .
[5] في ت: «مات فيهم وكتبوا» .
[6] في الطبري: «وانكح شبانهم» وفي ت: «وخير نساؤهم» .
[7] في ت: «وأغنيائهم» .
[8] في الأصل: «أو يتغشّى» .
[9] في الأصل: «وأمر بجري» .
[10] إسلاف: أي إقراض.
[11] «له» سقطت من ت.
[12] في الأصل: «فدانت» .
[13] في الطبري 2/ 102: «بعد سنين» .
[14] في ت: «وأن يبنى» .
(2/110)
جنب المدائن، فبنيت المدينة المعروفة
برومية عَلَى صورة أنطاكية، ثم حمل أهل أنطاكية حتى أسكنهم إياها.
فلما دخلوا باب المدينة مضى أهل كل بيت منهم إِلَى ما يشبه [1] منازلهم
التي كانوا [فيها] [2] بأنطاكية، كأنهم لم يخرجوا عنها.
ثم/ قصد مدينة هرقل فافتتحها، ثم الإسكندرية وما دونها، وخلف طائفة من
جنوده بأرض الروم، بعد أن أذعن له قيصر، وحمل إليه الفدية [3] ، ثم
انصرف من الروم فأخذ نحو الخزر، فأدرك منهم ما كانوا وتروه فِي رعيته،
ثم انصرف نحو عدن [4] فقتل عظماء تلك البلاد، ثم انصرف إِلَى المدائن،
وملك المنذر بْن النعمان عَلَى العرب وأكرمه، ثم سار إِلَى الهياطلة
[5] مطالبا لهم [بوتر] [6] جده فيروز فِي القديم، وبنى الإيوان الموجود
اليوم [7] .
فصل [8] فِي سبب بناء الإيوان
قال [8] : وبينا كسرى أنوشروان [9] جالسا فِي إيوانه [10] القديم
البناء إذ [11] وقعت عيناه [12] عَلَى وردة، فَقَالَ لغلام [13] كان
عَلَى رأسه: هات تلك الوردة. فمضى الغلام فلم
__________
[1] في الأصل: «أهل كل بيت منهم إلى شبه منازلهم» .
[2] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[3] في ت: والأصل: «الهدايا» .
[4] في ت: «نحو عدد» .
[5] في الأصل: «الهياكلة» .
[6] ما بين المعقوفتين: أثبتناه من الطبري 2/ 103. وفي ت العبارة هكذا:
«مطالبا لهم بجده فيروز وعمر البلاد وعول وفتح اسكندرية. وبينا هو جالس
من الإيوان ... » .
[7] انظر هذا الفصل في تاريخ الطبري 2/ 101- 103. والكامل 1/ 336- 338.
[8] بياض في ت مكان: «فصل. في سبب بناء الإيوان قال:» .
[9] في ت: «وبينا هو جالسا» .
[10] في ت: «في الإيوان» .
[11] «إذا» سقطت من ت.
[12] في الأصل «عينيه» وهو خطأ لغويّ.
[13] في ت: «فقال الغلام» .
(2/111)
يرها فعاد، فَقَالَ: لم أرها. فَقَالَ:
ويحك، هي تلك. وأشار إليها فأبصرها الغلام فِي حضرته، فلما انتهى إليها
[1] لم يرها. فقام أنوشروان بنفسه، ومشى إِلَى البستان، فحين مد يده
ليقطعها [2] وقع الإيوان، فنظر إِلَى شَيْء من لطف اللَّه عز وجل فعجب
وسر [3] سرورا شديدا، وتصدق بمال جزيل [4] ، ثم أعاد بناء الإيوان أفضل
من بنائه الأول، وهذا هو الإيوان الموجود اليوم.
فلما فرغ منه رفع رأسه يوما [5] فرأى حمامة وحشية فوق المشرف، وإذا حية
عظيمة قد دنت إلى [6] الحمامة لتثب عليها وتبتلعها، فرمى الحية بقوس
البندق، فسقطت إِلَى الأرض وطارت الحمامة سليمة، فسر بإحسانه إِلَى
الحمام [7] ، ثم جاءت الحمامة بعد خمسة أيام فقعدت على تلك الشرفة،
فلما رآها أنوشروان أخذت ترمي حبا لا يدرون ما هو، فأخذه فزرعه في
بستان داره فنبت نباتا طيب [8] الريح، فَقَالَ: نعم ما كافأتنا الحمامة
به حين نجيناها من الهلاك فبحق قيل: لن يضيع المعروف، وأنا أسأل
[اللَّه] الذي ألهم هَذَا الطائر من شكرنا [ما ألهمه] [9] أن يلهم
رعيتنا فِي ذبنا عنهم، وإخراجنا إياهم من الهلكة فِي دينهم ودنياهم
إِلَى الهدى لشكرنا، / وأن يلهمنا نحن الصبر عَلَى الإحسان [10] إليهم.
ولم يزل مظفرا منصورا يهابه الأمم [11] ، يحضر بابه من وفدهم عدد كبير
[12] من
__________
[1] في ت: «فلما انتهى إلى موضعها لم يرها» .
[2] في الأصل: «ليقتطعها» .
[3] في ت: «لطف الله تعالى وعجيب فسر» .
[4] في ت: «بمال جليل» .
[5] في ت: «رفع يوما رأسه» .
[6] «إلى» سقطت من ت.
[7] في الأصل: «الحمام» .
[8] في ت: «فنبت ريحان طيب الريح» .
[9] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[10] في ت: «في الإحسان» .
[11] في ت: «يرى الأمم» .
[12] «من وفدهم عدد كبير» سقطت من ت.
(2/112)
الترك والصين والخزر، وكان مكرما للعلماء،
وملك ثمانيا وأربعين سنة. وقيل: سبعا وأربعين سنة [1] ، وثمانية أشهر
وعشرة أيام.
ذكر طرف من أخباره
[2] إنه كان مكتوبا عَلَى سرير كسرى: الدين لا يتم إلا بالملك، والملك
لا يتم إلا بالرجال، والرجال لا يتمون إلا بالمال، والمال لا يجيء إلا
بعمارة الأرض، والعمارة لا تتم إلا بالعدل.
وكان عَلَى جانبه مكتوب: عدل السلطان أنفع [للرعية] [3] من خصيب
الزمان.
ورفع إِلَى كسرى أن عامل الخراج بالأهواز قد جنى فضل ثمانية آلاف درهم
عَلَى ما يجب من الخراج، فوقع برد المال وَقَالَ: إن الملك إذا عمر [4]
بيوت أمواله بما يأخذ من الرعية كَانَ كمن عمر [5] سطح داره بما يقلعه
من قواعد بنائه [6] .
ومات لكسرى ولد فلم يجزع عَلَيْهِ، فقيل له فِي ذلك فَقَالَ: من أعظم
الجهل شغل القلب [7] بما لا مرد له.
وكان يقول: الغم مدهشة للعقل، مدهشة للطبع، مقطعة للحيلة، فإذا ورد [8]
عَلَى العاقل ما يحتاج فيه إِلَى الحيلة قمع الحزن، وفرغ العقل للحيلة.
وَقَالَ: القليل مع قلة الهم أهنأ من الكثير مع عدم الدعة.
وَقَالَ: لما فرغت من [إصلاح] [9] الأمور الخاصة والعامة إِلَى قبول ما
لا خير فيه
__________
[1] «وقيل سبعا وأربعين سنة» سقطت من ت.
[2] بياض في ت مكان: «ذكر طرف من أخباره. أنه» .
[3] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[4] في ت: «إذا عمدد» .
[5] في ت: «كمن طين» .
[6] في ت: «قواعد بيته» .
[7] في ت: «شغل الفكر» .
[8] في الأصل: «فإذا رد» .
[9] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
(2/113)
إلَّا بالأكثر [1] ، لكنني آثرت طاعة
اللَّه. ونظرنا فِي سير الروم والهند، فاصطفينا محمودها، ومن أعظم
الضرر [2] عَلَى الملوك الأنفة مع العلم.
أنبأنا عبد الوهاب بن المبارك قال: أخبرنا جعفر بْن أَحْمَد السراج
قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْد العزيز بن الحسين الضراب قَالَ: حَدَّثَنَا
أبي قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مروان قَالَ:
أَخْبَرَنَا إسماعيل بْن يونس قَالَ: أَخْبَرَنَا الرقاشي عَنِ الأصمعي
قَالَ [3] :
كان لكسرى جامان من ذهب يأكل/ فيهما [4] ، فسرق رجل من أصحابه جاما
وكسرى ينظر إليه، فلما رفعت الموائد افتقد الطباخ الجام ورجع يطلبه،
فَقَالَ له كسرى:
لا تعن، قد أخذه من لا يرده، ورآه من لا يفشي عَلَيْهِ. فدخل الرجل
إليه بعد ذلك وقد حلي سيفه ومنطقته ذهبا فَقَالَ له كسرى بالفارسية: يا
فلان بعني السيف والمنطقة [من ذاك] [5] قَالَ: نعم. ولم يفطن بذلك أحد
غيرهما وسكت.
وَرَوَى إِبْرَاهِيم بْن عبد الصمد قَالَ: لما عمل كسرى القاطول أضر
ذلك بأهل الأسافل، فانقطع عنهم الماء حَتَّى افتقروا وذهبت أموالهم،
فخرج أهل ذلك البلد إِلَى كسرى يتظلمون، فوافوه [6] وقد خرج، فتعرضوا
له وَقَالُوا: جئنا متظلمين. فَقَالَ:
ممن؟ قالوا: منك. فثنى رجله ونزل عَنْ دابته وجلس عَلَى الأرض، فأتاه
بعض من معه بشَيْء يقعد عَلَيْهِ فأبى، وَقَالَ: لا أجلس إلا عَلَى
الأرض إذا أتاني [7] قوم يتظلمون مني، ثم قَالَ: ما مظلمتكم؟ قالوا:
[أحدثت] [8] القاطول فقطع عنا شربنا، وذهبت معايشنا. قَالَ: فإني آمر
بسده. قالوا: لا يحسمك هَذَا، ولكن مر من يعمل لنا مجرى ماء من فوق
القاطول، ففعل فعمرت [9] بلادهم.
__________
[1] في الأصل: «ما لا خير فيه حب إلا بالكنى» .
[2] في الأصل: «أعظم الضر» .
[3] حذف السند من ت وكتب بدلا منه: «أَنْبَأَنَا عَبْد الوهاب بْن
المبارك بإسناد له عن الأصمعي قال:» .
[4] في ت: «يأكل فيها» .
[5] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[6] في الأصل: «فوافقوه» .
[7] في ت: «إذ أتاني» .
[8] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[9] في الأصل: «فغمرت» .
(2/114)
وكان كسرى يقول: قد خفت أن [1] يحجب عني
المظلوم. فعلق عَلَى أقرب البيوت من مجلسه سترا وعلق عَلَيْهِ الأجراس،
ونادى مناديه: من ظلم فليحرك هَذَا الستر.
ومن الحوادث فِي زمانه:
أنه رفع إليه [2] صاحب الخبر بنياسبور أنه [قد] [3] ظهر رجل لا يغادر
صورته شيء من [4] صورة الملك، وأن اسمه أنوشروان، وأنه حائك، وأنه ولد
فِي ساعة كذا وكذا من يوم كذا وكذا من سنة كذا وكذا [5] ، فنظر
أنوشروان فوجد مولده لا يغادر شيئا من مولده، فوجه رجلين من أهل الدين
والأمانة إِلَى نيسابور ليكتبا إليه بخبر الرجل، فلم يلبث أن جاءه كتاب
الأمينين [6] بصدق ما كتب صاحب الخبر، وزادا: أنا سألنا [7] عَنْ مذهب
هذا الإنسان، فأخبرونا/ ثقات جيرانه ومعامليه أنه من الصحة [8] فِي
المعاملة وصدق اللهجة [والستر] [9] السداد بحيث لا يعرفون من يقاربه في
أهل صناعته.
فتعجب أنوشروان فكتب إِلَى العامل أن يدفع [10] إِلَى هَذَا الرجل عشرة
آلاف درهم، وأن يجري له [ذلك] [11] فِي كل سنة، وأن يخير إن أحب [12]
أن لا يحوك، ويجري عَلَيْهِ زيادة من المال ما يكون وراء كفايته.
فأحضره عامل نيسابور وأقبضه المال، ورفع
__________
[1] في ت: «بأن» .
[2] «إليه» . سقطت من ت.
[3] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[4] «شيئا من» سقط من ت.
[5] في ت: «في ساعة كذا من يوم كذا من سنة كذا» .
[6] في ت: «الاثنين» .
[7] في ت: «أنا سألنا» .
[8] في ت: أنا نجده في الصحة» .
[9] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[10] «أن يدفع» سقط من ت.
[11] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[12] «إن أحب» . سقط من ت.
(2/115)
مجلسه وقال: إن الملك أنوشروان يخيرك أن
تدع هَذِهِ الصناعة ويزيدك ما يرضيك، فما الّذي تراه، فجرى الملك خيرا،
فَقَالَ: ما أحب أن يكون مكافأتي [1] للملك عَلَى إغنائه إياي نقض
شَيْء من سنته، متكلا عَلَى مال الملك [2] ، ولولا أن برك [3] اسمي فِي
مضاهاة اسم الملك قد ظهر علي لاستبدلت به، تنزيها لجلالة اسم الملك أن
يكون مثلي سميه. فكتب بخبره إلى أنوشروان، فأمر الملك أن يجعل أنوشروان
الحائك عريف الحاكة ورئيسهم، فأفاد مالا جليلا، ولم يدع صناعته. ومات
فِي السنة التي مات فيها أنوشروان الملك [4] .
ومن الحوادث: أن كسرى [أنوشروان] [5] خرج يتصيد.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن ناصر قَالَ: أَخْبَرَنَا محفوظ بْن أحمد
قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن الحسين الخالدي قَالَ: حَدَّثَنَا
المعافى بْن زكريّا قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ كامل قَالَ:
حدثني مُحَمَّد بْن مُوسَى بْن حَمَّادُ القيسي قَالَ: أَخْبَرَنَا
مُحَمَّد بْن أبي السري قَالَ:
أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ السَّائِبِ الْكَلْبِيُّ،
عَنْ أبيه قَالَ: [6] .
خرج كسرى فِي بعض [7] أيامه للصيد ومعه أصحابه [8] ، فعن له صيد فتبعه
حَتَّى انقطع عَنْ أصحابه وأظلته [9] سحابة فأمطرت مطرا [شديدا] [10]
حال بينه وبين أصحابه، فمضى لا يدري أين يقصد، فرفع له كوخ فقصده، فإذا
عجوز [11] بباب الكوخ جالسة
__________
[1] في الأصل: «مخافاتي» .
[2] في ت: «الملوك» .
[3] «برك» سقط من ت.
[4] «الملك» سقط من ت.
[5] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[6] حذف السند من ت وكتب بدلا منه: «أخبرنا ابن ناضر، بإسناد له عن
مُحَمَّد بْن السَّائِبِ الْكَلْبِيُّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ» :
[7] «بعض» سقطت من ت.
[8] في ت: «أصحاب له» .
[9] في ت: «أضلته» .
[10] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[11] في ت: «كوخ عجوز فقصده، فإذا هي» .
(2/116)
فَقَالَ لها: أنزل. قالت: انزل [1] . فنزل
فدخل الكوخ، وأدخل فرسه، فأقبل الليل، فإذا ابنة العجوز قد جاءت معها
بقرة قد رعتها/ بالنهار، فأدخلتها الكوخ، وكسرى ينظر إليها [2] ، فقامت
العجوز إِلَى البقرة [ومعها] [3] إناء فاحتلبت [البقرة لبنا] [4] صالحا
وكسرى ينظر فَقَالَ فِي نفسه: ينبغي أن تجعل عَلَى كل بقرة إتاوة- يعني
خراجا- فهذا حلاب كبير [5] . وأقام مكانه حتى مضى أكثر الليل فقالت
العجوز: يا فلانة، قومي إِلَى فلانة- تريد البقرة- فاحتلبيها [6] .
فقامت إِلَى البقرة فوجدتها حائل لا لبن فيها، فنادت:
يا أماه، قد والله أضمر لنا الملك شرا. فقالت: وما ذاك؟ قالت: هَذِهِ
فلانة حائل تبيس بقطرة. فقالت لها: امكثي فإن عليك ليلا. فقال كسرى في
نفسه: من أين علمت ما أضمرت فِي نفسي، أما إني لا أفعل ذلك. قَالَ:
فمكثت، ثم نادتها: يا بنية، قومي إِلَى فلانة فاحتلبيها [7] . فقامت
إليها فوجدتها حافل. فقالت: يا أماه، قد والله ذهب ما كان فِي نفس
الملك من الشر، هَذِهِ فلانة حافل. فاحتلبتها، وأقبل الصبح وتتبع
الرجال أثر كسرى حَتَّى أتوه بركب [8] ، فأمر بحمل العجوز وابنتها
إليه، فأحسن إليهما، وَقَالَ: كيف علمت أن الملك قد أضمر شرا، وأن الشر
الذي أضمره قد [9] رجع فيه؟ قالت [العجوز] [10] : إنا بهذا المكان منذ
كذا وكذا، ما عمل فينا بعدل إلا أخصب بلدنا، واتسع عيشنا، وما أمر فينا
بجور [11] إلا ضاق عيشنا، وانقطعت موادنا [12] والنفع عنا.
__________
[1] «قال: انزل» سقطت من ت.
[2] «إليها» سقطت من ت.
[3] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[4] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[5] في ت: «فالأحلاب كثيرة» .
[6] في ت: «فاحلبيها» .
[7] «فاحتلبيها» سقط من ت.
[8] في ت: «فركب» .
[9] في ت: «الّذي قد أضمر عاد عنه» .
[10] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[11] في ت: «بجهد» .
[12] في ت: «وانقطع مواد» .
(2/117)
ومن الحوادث: [1] أن كسرى أمر جنوده أن لا
يتعرضوا لزرع [2] أحد، فمر فارس منهم بمبطخة، فأخذ بطيخة، فتعلق بِهِ
صاحب البطيخة وَقَالَ [3] : بيني وبينك الملك. فبذل له ألف درهم فلم
يقبل [4] ، فبذل له إلى عشرة آلاف درهم فلم يقبل. فحمله إلى الملك فقص
عليه القصة، فقال للفارس: ما حملك على ما فعلت [5] . قَالَ: دنو الأجل.
قَالَ: فكم بذلت فيها؟ قَالَ: عشرة آلاف درهم وما أملك غيرها. فَقَالَ
كسرى للأكار: ويحك، ما الذي زهدك فِي عشرة آلاف درهم، ورغبك فِي دم
هَذَا البائس؟ قَالَ: ما رغبت فِي دمه، ولكني كنت فقيرا ولم/ أر إلا
الخير [6] فِي أيام الملك، فأردت أن أزيد فِي شرف أفعاله حَتَّى يقال
إن فِي أيامه بلغت بطيخة عشرة آلاف درهم [7] .
فاستحسن ذلك منه، وَقَالَ للفارس: أعطه ما بذلت. وأعطاه مثل ذلك.
ومن الحوادث في زمان أنوشروان:
ولادة عَبْد اللَّه بْن عَبْد المطلب، أبي نبينا صلى الله عليه وسلم،
فإنه ولد فِي السنة الخامسة عشرة من ملكه [8] ، وولد نبينا صلى الله
عليه وسلم في سنة أربعين من ملك أنوشروان، وهو عام الفيل [9] .
ومن الحوادث فِي زمن أنوشروان:
__________
[1] «ومن الحوادث» سقطت من ت.
[2] في ت: «بزرع» .
[3] في ت: «المطبخة فقال» .
[4] «فبذل له ألف درهم فلم يقبل» . سقط من ت.
[5] في ت: «ما صنعت» .
[6] في ت: «الخير إلا» .
[7] «درهم» . سقطت من ت.
[8] في ت: «من ملك أنوشروان» .
[9] تاريخ الطبري 2/ 103.
(2/118)
أن ملك اليمن لم يزل متصلا لا يطمح [1] فيه
طامح حَتَّى ظهرت الحبشة عَلَى بلادهم في زمن أنوشروان.
قَالَ هشام بْن مُحَمَّد: وكان سبب ظهورهم أن ذا نواس الحميري ملك
اليمن فِي ذلك الزمان كَانَ يهوديا، فتقدم عَلَيْهِ [2] يهودي [من أهل
نجران] [3] يقال له: دوس [4] من أهل نجران [5] فأخبره أن أهل نَجْران
قتلوا له بنتين [6] ظلما، فاستنصره عليهم- وأهل نجران نصارى- فحمى ذو
نواس اليهودية، فغزا أهل نجران فأكثر فيهم القتل، فخرج رجل من أهل
نجران حَتَّى قدم [7] عَلَى ملك الحبشة فأعلمه بما نكبوا [8] به، وأتاه
بالإنجيل قد أحرق النار بعضه [9] ، فَقَالَ له: الرجال عندي كثير وليس
عندي سفن، وأنا كاتب إِلَى قيصر فِي البعثة إلي بسفن أحمل فيه الرجال:
فكتب إِلَى قيصر فِي ذلك، وبعث إليه بالإنجيل المحرق [10] ، فبعث له
قيصر [11] بسفن كثيرة، فبعث معه صاحب الحبشة سبعين ألفا من الحبشة وأمر
عليهم رجلا من الحبشة يقال له: أرياط [12] ، وعهد إليه: إن أنت ظهرت
عليهم فاقتل ثلث رجالهم، وأخرب ثلث بلادهم، واسب ثلث نسائهم وأبنائهم،
فخرج أرياط ومعه جنوده وَفِي جنوده أبرهة الأشرم، فركب البحر [13] ،
وسمع بهم ذو نواس، فجمع إليه حمير ومن أطاعه ومن قبائل اليمن فتناوشوا،
ثم انهزم ذو
__________
[1] في ت: «لم يطمع» .
[2] «عليه» . سقط من ت.
[3] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[4] في الأصل: «ذو نواس» .
[5] «من أهل نجران» سقط من ت.
[6] في ت: «قتلوا ابنين ظلما» .
[7] في الأصل: «حتى قام» .
[8] في ت: «بما ركبوه» .
[9] في ت: «قد أحرق بعضها» .
[10] في ت: «المحترق» .
[11] في ت: «فبعث إليه قيصر بسفن» .
[12] في الأصل: «أبرهة» خطأ والتصحيح من ت، الطبري 2/ 125.
[13] في الأصل: «فخرج أبرهة، ومعه جنوده فركب البحر» .
(2/119)
نواس، ودخل أرياط بجموعه [1] ، فلما رأى ذو
نواس ما نزل [2] / به وبقومه وجه فرسه فِي البحر، ثم ضربه فخاض [3] فيه
فِي ضحضاح حَتَّى أفضى به إِلَى غمره فأقحمه، فكان آخر العهد به [4] .
ووطئ أرياط [5] اليمن بالحبشة [6] فقتل ثلث رجالها، وأخرب ثلث بلادها،
وبعث إِلَى النجاشي بثلث سباياها، فأقام أبرهة ملكا عَلَى صنعاء [7]
ومخاليفها، ولم يبعث إِلَى النجاشي بشَيْء [8] ، فقيل للنجاشي: إنه قد
[9] خلع طاعتك، وإنه رأى أن قد استغنى بنفسه. فوجه إليه جيشا عَلَيْهِ
[10] أرياط، فلما حل بساحته بعث إليه أبرهة: إنه يجمعني وإياك الدين
والبلد، والواجب علي وعليك [أن] [11] تنظر لأهل بلادنا [12] وديننا،
فإن شئت فبارزني [13] ، فأينا ظفر بصاحبه كان الملك له، ولم يقتل
الحبشة فيما بيننا، فرضي أرياط، فأجمع أبرهة عَلَى المكر به، فاتعدا
موضعا يلتقيان فيه [فأكمن أبرهة عَبْدا له يقال له: أرنجدة في وهدة
قريب من الموضع الّذي يلتقيان فيه] [14] ، فلما التقيا سبق أرياط فزرق
أبرهة بحربته، فزالت الحربة عَنْ رأسه وشرمت أنفه، فسمي: أبرهة الأشرم،
ونهض الكمين من الحفرة فزرق أرياط فأنفذه وقتله، فَقَالَ لإرنجدة:
احتكم.
__________
[1] في الأصل: «ورحل أبرهة بجنوده» والتصحيح من ت: والطبري 2/ 125.
[2] في ت: «لم يزل» .
[3] في ت: «فدخل» .
[4] تاريخ الطبري 2/ 125.
[5] في الأصل: «أبرهة» .
[6] في ت: «الحبشة» .
[7] في الأصل: «على ضيعاعها» .
[8] في ت: «شيئا» .
[9] «قد» سقط من ت.
[10] في الأصل: «على أرياط» .
[11] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[12] في الأصل: «بلدنا» .
[13] في ت: «فأغرني» .
[14] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل وكتب على الهامش جزء منه.
(2/120)
فقال: لا تدخل امرأة باليمن عَلَى زوجها
حَتَّى يبدأ بي. قَالَ: لك ذلك. فغبر [1] بذلك زمانا، ثم إن أهل اليمن
عدوا عَلَيْهِ فقتلوه. فَقَالَ أبرهة: قد آن لكم أن تكونوا أحرارا [2]
.
فبلغ النجاشي قتل أرياط، فآلى ألا ينتهي حَتَّى يريق دم أبرهة ويطأ
بلاده، وبلغ أبرهة آليته، فكتب إليه [3] : أيها الملك، إنما كان أرياط
عَبْدك، وأنا عَبْدك، قد هم علي [4] يريد توهين ملكك، وقتل جندك،
فسألته أن يكف عَنْ قتالي، إِلَى أن أوجه إليك رسولا، فإن أمرته [5]
بالكف عني وإلا سلمت إليه جميع ما أنا فيه، فأبى إلا أن يحاربني [6] ،
فحاربته، فظهرت عَلَيْهِ، وإنما سلطاني لك، وقد بلغني أنك حلفت [7] ألا
تنتهي حَتَّى تريق دمي، وتطأ بلادي، وقد بعثت إليك بقارورة من دمي
وجراب من تراب بلادي، وَفِي ذلك خروجك من يمينك [8] ، فاستتم أيها
الملك عندي يدك، فإنما أنا عَبْدك/، وعزي عزك، فرضي عنه النجاشي، وأقره
عَلَى عمله [9]
. فصل
قَالَ علماء السير [10] لما رضي النجاشي عَنْ أبرهة بنى أبرهة كنيسة لم
ير مثلها فِي زمانها [11] ، بناها بالرخام الأبيض والأحمر والأصفر
والأسود، وحلاها بالذهب والفضة، وحفها بالجوهر، وجعل فيها ياقوتة حمراء
عظيمة، وأوقد فيها المندل، ولطخ
__________
[1] في ت: «فنجز» .
[2] تاريخ الطبري 2/ 125، 127، 128.
[3] «إليه» سقطت من ت.
[4] في الطبري 2/ 128: «قدم عليّ» .
[5] في الأصل: «أمرت» .
[6] في ت والطبري: «إلا محاربتي» .
[7] في ت: «بلغني أنك لا تنتهي» .
[8] في ت: «عن يمينك» .
[9] تاريخ الطبري 2/ 128.
[10] بياض في ت مكان: «فصل. قال علماء السير» .
[11] في ت: «في زمانها على عملها» .
(2/121)
جوانبها بالمسك، وسماها: القليس [1] . وكتب
إِلَى النجاشي: إني قد بنيت لك أيها الملك [2] كنيسة لم يبن مثلها لملك
كان قبلك، ولست بمنته حَتَّى أصرف إليها حاج العرب.
فلما تحدثت العرب بكتاب أبرهة إِلَى النجاشي غضب رجل من بني فقيم [3] ،
فخرج حَتَّى أتاها فأحدث فيها ثم [خرج] [4] فلحق بأرضه، فأخبر بذلك
أبرهة فَقَالَ: من صنع هَذَا؟ فقيل: صنعه رجل من أهل هَذَا البيت الذي
تحج إليه العرب بمكة، لما سمع من قولك إني أريد أن أصرف إليه حاج
العرب، فغضب، فجاء فقعد [5] فيها- أي أنها ليست لذلك بأهل- فغضب أبرهة،
وحلف ليسيرن إِلَى البيت فيهدمه، وعند أبرهة رجال من العرب، منهم:
مُحَمَّد بْن خزاعي الذكواني وأخوه قيس، فأمر مُحَمَّدا عَلَى مضر،
وأمره أن يسير فِي الناس يدعوهم إِلَى حج القليس، وهي الكنيسة التي
بناها [6] .
فسار مُحَمَّد حَتَّى إذا نزل ببعض أرض بني كنانة- وقد بلغ أهل تهامة
أمره وما جاء له- بعثوا رجلا من هذيل يقال له: عروة بْن حياض، فرماه
بسهم [7] فقتله، وهرب أخوه قيس فلحق بأبرهة فأخبره، فزاد ذلك أبرهة
غيظا [8] ، وحلف ليغزون بني كنانة، وليهدمن البيت [9] .
فخرج سائرا بالحبشة ومعه الفيل، فسمعت العرب بذلك فأعظموه، ورأوا جهاده
حقا عليهم، فخرج رجل من أشراف [أهل] [10] اليمن وملوكهم يقال له: ذو
نفر إلى حرب
__________
[1] القليس: سميت كذلك لارتفاع بنائها وعلوها كما قال السهيليّ.
[2] «أيها الملك» سقط من ت.
[3] في ت: «نقيم» .
[4] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[5] في ت: «ففصد فيها» .
[6] في ت: «التي بناها أبرهة» .
[7] «بسهم» سقط من ت.
[8] في ت والطبري 2/ 131: «غضبا» .
[9] تاريخ الطبري 2/ 130، 131.
[10] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
(2/122)
أبرهة وجهاده عَنْ بيت اللَّه تعالى،
فقابله فهزم ذو نفر وأصحابه، وأخذ أسيرا فَقَالَ:
أيها الملك، لا تقتلني، فإنه عسى أن يكون كوني معك خيرا لك. فتركه فِي
وثاق، فلما وصل إِلَى أرض خثعم عرض له/ نفيل بْن حبيب الخثعمي ومن تبعه
من قبائل العرب، فقاتله، فهزمه أبرهة وأخذه أسيرا، فَقَالَ له: لا
تقتلني، فإني دليلك بأرض العرب.
فتركه فِي الحديد، حَتَّى إذا مر بالطائف خرج إليه مسعود بْن معتب فِي
رجال من ثقيف، فَقَالَ: أيها الملك، إنما نحن عبيدك، ونحن نبعث من
يدلك. فبعثوا معه أبا رغال، فمضى به حَتَّى أنزله المغمس، فمات أَبُو
رغال هناك، فرجمت العرب قبره، فهو [القبر] [1] الذي يرجم الناس
بالمغمس.
ولما نزل [2] أبرهة بالمغمس بعث رجلا من الحبشة يقال له: الأسود بْن
مقصود عَلَى خيل له، حَتَّى انتهى إِلَى مكة، فساق إليه أموال أهل مكة،
أصاب [3] فيها مائتي بعير لعَبْد المطلب- وهو يومئذ كبير قريش وسيدها-
فهمت قريش، وكنانة، وهذيل، ومن كان بالحرم من سائر الناس بقتاله، ثم
عرفوا أنه [4] لا طاقة لهم به، فتركوا ذلك.
وبعث أبرهة حناطة الحميري إِلَى مكة فَقَالَ: سل عَنْ [5] سيد هَذَا
البلد وشريفهم، فقل له [6] : إن الملك يقول لكم إني لم آت لحربكم، إنما
جئت لهدم هَذَا البيت، فإن لم تعرضوا دونه بحرب [7] فلا حاجة لي
بدمائكم، وإن لم يرد حربي فاتني [به] [8] .
فلما دخل حناطة مكة سأل عَنْ سيد قريش وشريفها، فقيل: عَبْد المطلب بن
هاشم بن عبد مناف، فجاءه فأخبره بما قَالَ أبرهة، فَقَالَ عَبْد
المطلب: [والله ما نريد حربه، وما لنا بذلك من طاقة] [9] ، هَذَا بيت
اللَّه الحرام وبيت خليله إبراهيم، فإن يمنعه
__________
[1] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[2] في الأصل: «لما نزل» .
[3] في الأصل: «فأصاب» .
[4] في ت: «أنهم لا طاقة» .
[5] في الأصل: «إلى مكة فسأل عن» وفي ت: «فقال: اسأل» .
[6] في الأصل: «فقيل له» .
[7] في الأصل: «بالحرب» .
[8] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[9] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل: وهو في ت. والطبري 2/ 133.
(2/123)
فهو بيته وحرمه، وإن يخل بينه وبينه، فو
الله ما عندنا من دفع عنه.
قَالَ: فانطلق إِلَى الملك، فإنه قد أمرني أن آتيه بك فانطلق معه عَبْد
المطلب ومعه بعض بنيه حَتَّى أتى العسكر فسأل عَنْ ذي نفر [1] ، وكان
له صديقا، حَتَّى دل عَلَيْهِ [2] ، فجاءه وهو فِي محبسه فَقَالَ له:
يا ذا نفر، هل عندك غناء فيما نزل بنا؟ فَقَالَ له ذو نفر: ما غناء رجل
أسير بيدي [3] ملك ينتظر أن يقتله غدوا أو عشيا! ما عندي غناء فيما نزل
بك إلا أن أنيسا سائس [4] الفيل لي صديق [5] ، فسأرسل [6] إليه فأوصيه
بك، وأعظم عَلَيْهِ حقك، وأسأله أن يستأذن لك عَلَى/ الملك فتكلمه بما
تريد، ويشفع لك عنده بخير إن قدر عَلَيْهِ. قَالَ: حسبي.
ثم بعث إِلَى أنيس، فجاء به فَقَالَ: يا أنيس، إن عَبْد المطلب سيد
قريش يطعم الناس بالسهل، والوحوش فِي رءوس الجبال، وقد أصاب له الملك
مائتي بعير، فاستأذن له [7] عَلَيْهِ وانفعه بما استطعت. قَالَ: أفعل.
فكلم أنيس أبرهة فَقَالَ: يا أيها الملك، هَذَا سيد قريش ببابك يستأذن
عليك فأذن له، وأحسن إليه. [فأذن له أبرهة] [8] وكان عَبْد المطلب
عظيما، وسيما، جسيما، فلما رآه أبرهة أجله وأكرمه، ونزل عَنْ سريره،
فجلس عَلَى بساطه وأجلسه معه، ثم قَالَ لترجمانه: قل: ما حاجتك؟
فَقَالَ لَهُ ذلك الترجمان، فَقَالَ عَبْد المطلب: حاجتي إِلَى الملك
أن يرد علي مائتي بعير أصابها لي. فلما قَالَ له ذلك قَالَ أبرهة
لترجمانه: قل له [9]
__________
[1] في ت: «عن ذي نقرة نقرة» .
[2] في ت: «حتى إذا دل عليه» .
[3] في ت: «في يدي» .
[4] في الأصل: «سائق» .
[5] «لي صديق» سقطت من ت، وغير واضحة في الأصل.
[6] في ت: «فأتوسل» .
[7] «له» سقط من ت.
[8] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[9] «أبرهة لترجمانه قل له» سقط من ت.
(2/124)
كنت أعجبتني حين رأيتك، ثم زهدت فيك حين
كلمتني، أتكلمني [1] فِي مائتي بعير أصبتها لك، وتترك بيتا هو دينك
ودين آبائك قد جئت لهدمه، لا تكلمني فيه! فَقَالَ له عبد المطلب: إني
أنا رب الإبل، وإن للبيت ربا سيمنعه. قَالَ: ما كان [2] ليمتنع مني.
قَالَ: أنت وذاك، أردد إلي إبلي.
وكان عَبْد المطلب قد ذهب معه حين مضى إِلَى أبرهة [عمرو بْن نفاثة بْن
عدي- وهو سيد كنانة- وخويلد بْن واثلة الهذلي- وهو] [3] سيد هذيل-
فعرضوا عَلَى أبرهة ثلث أموال تهامة عَلَى أن يرجع عنهم، ولا يهدم
البيت، فأبى عليهم [4] .
فلما رد أبرهة إبل عَبْد المطلب انصرف إِلَى قريش فأخبرهم بالخبر،
وأمرهم بالخروج من مكة، والتحرز فِي شعف الجبال والشعاب تخوفا عليهم من
معرة الجيش، ثم قام عَبْد المطلب فأخذ بحلقة باب الكعبة، وقام معه نفر
من قريش يدعون اللَّه ويستنصرونه عَلَى أبرهة وجنده، فَقَالَ عَبْد
المطلب وهو آخذ بباب الكعبة [5] :
يا رب لا أرجو لهم سواكا ... يا رب فامنع منهم حماكا
إن عدو البيت من عاداكا ... امنعهم أن يخربوا قراكا
[6] وَقَالَ أيضا:
لا هم إن العَبْد [7] يمنع ... رحله فامنع رحالك
لا يغلبن صليبهم ... ومحالهم عدوا محالك
قَالَ مؤلف الكتاب: ويروى غدوا بالغين، يعني غدا، وهي لغة، فإن أراد
الشاعر أن مع القوم أخوة غدوا [8] .
__________
[1] «أتكلمني» سقط من ت.
[2] في ت: «فما كان» .
[3] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[4] قال الطبري عند إيراده خبر ذهاب عبد المطلب وعرضه على أبرهة ثلث
أموال تهامة: «فيما زعم بعض أهل العلم» . وعادة الطبري في ذلك أنه يوهن
الخبر بقوله: «زعم» (2/ 134) .
[5] في ت: «وهو آخذ بالباب» .
[6] هذان البيتان سقطا من ت.
[7] في ت: «المرء» .
[8] «قال مؤلف الكتاب ... » حتى « ... إخوة غدوا» سقط من ت.
(2/125)
فلئن فعلت فربما ... أولى فأمر ما بدا لك
[1]
جروا جموع بلادهم ... [والفيل كي يسبوا عيالك
عمدوا حماك بكيدهم] [2] ... جهلا وما رقبوا جلالك
إن كنت تاركهم وكعبتنا ... فأمر ما بدا لك.
ثم أرسل عَبْد المطلب حلقة الباب، وانطلق ومن معه من قريش إِلَى شعف
الجبال، فتحرزوا فيها ينتظرون ما يفعل أبرهة [3] ، فلما أصبح أبرهة
تهيأ لدخول مكة، وهيأ فيله، وعبأ جيشه، فلما وجهوا الفيل أقبل نفيل بْن
حبيب الخثعمي حَتَّى أخذ بأذن الفيل فَقَالَ: ابرك وارجع [4] من حيث
جئت، فإنك فِي بلد [5] اللَّه الحرام. فبرك، ومضى نفيل يشتد فِي الجبل،
فضربوا الفيل ليقوم فأبى، [فأدخلوا محاجن فِي مراقيه ليقوم فأبى] [6] ،
فوجهوه إِلَى اليمن، فقام يهرول، ووجهوه إِلَى الشام فهرول [7] ،
ووجهوه إِلَى المشرق فهرول [8] ، ووجهوه إِلَى مكة فبرك [9] ، فأرسل
اللَّه عليهم طيرا من البحر أمثال الخطاطيف، مع كل طائر منهم ثلاثة
أحجار: حجر فِي منقاره، وحجران فِي رجليه أمثال الحمص والعدس، لا تصيب
أحدا منهم إلا هلك، فخرجوا هاربين يبتدرون الطريق [الذي جاءوا منه،
ويسألون عَنْ نفيل ليدلهم عَلَى الطريق إِلَى] [10] اليمن، فَقَالَ
نفيل حين رأى ما أنزل اللَّه عز وجل بهم من نقمته:
أين المفر والإله الطالب ... والأشرم المغلوب غير الغالب!
__________
[1] في ت: «فإنه أمر يتم به فعالك» .
ولم يذكر ابن هشام سوى هذه الأبيات الثلاثة وقال: «هذا ما صح له منها»
.
[2] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[3] في ت: «بأبرهة» .
[4] في الأصل: «أو ارجع» .
[5] في الأصل: «بلاد الله» .
[6] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[7] في ت: «فقام يهرول» .
[8] في ت: «فبرك» .
[9] «ووجهوه إلى مكة فبرك» سقط من ت.
[10] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
(2/126)
وَقَالَ نفيل أيضا:
ألا حييت عنا يا ردينا ... نعمناكم مع الإصباح عينا
[أتانا قابس منكم عشاء ... فلم يقدر لقابسكم لدينا] [1]
ردينة لو رأيت ولم تريه ... لدى جنب المحصب [2] ما رأينا
إذا لعذرتني وحمدت رأيي ... ولم تأسي عَلَى ما فات بينا
حمدت اللَّه إذ عاينت طيرا ... وخفت حجارة تلقى علينا
فكل القوم يسأل عَنْ نفيل ... كأن علي للحبشان دينا!
فخرجوا يتساقطون بكل طريق ويهلكون عَلَى كل منهل، وأصيب أبرهة فِي
جسده، وخرجوا به معهم تتساقط أنامله أنملة أنملة [3] ، كلما سقطت أنملة
تبعها دم وقيح [4] ، حَتَّى قدموا به صنعاء وهو مثل الفرخ، فما مات
حَتَّى انصدع صدره عَنْ قلبه [5] .
أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْبَاقِي الْبَزَّارُ [6] ، قَالَ:
أخبرنا أبو محمد الجوهري قال:
أخبرنا أَبُو عَمْرو بْن حيوية قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَد بن معروف
قال: أخبرنا الحارث بن أبي أسامة قَالَ: حدثنا محمد بن سعد قَالَ
أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن عمر، عَنْ أشياخ له:
أن النجاشي وجه أرياطا أبا صحم [7] فِي أربعة آلاف إِلَى اليمن فغلب
عليها، فقام رجل من الحبشة يقال له: أبرهة الأشرم فقتل أرياطا، وغلب
عَلَى اليمن، فرأى الناس يتجهزون أيام الموسم فسأل: أين يذهب الناس؟
فقيل له: يحجون بيت اللَّه بمكة فقال: ممّ هو [8] ؟ قالوا: [من] حجارة.
قَالَ: وما كسوته؟ [9] قالوا: [ما] يأتي من هاهنا
__________
[1] هذا البيت سقط من الأصل، ت وأثبتناه من الطبري 2/ 136.
[2] في الأصل: «المحسب» .
[3] «أنملة» سقطت من ت.
[4] في ت: «وفتح» .
[5] هذا الفصل نقلا عن الطبري 2/ 129- 137. وانظر كذلك السيرة النبويّة
لابن هشام 1/ 42- 46،
[6] «البزار» سقط من ت.
[7] في الأصل: «أبا أصحم» .
[8] في الأصل، ت: «ما هو» .
[9] في ت: «ما هو من حجارة. قال: ما كسوته؟ قالوا: ما يأتي من لدينا من
وصائل» .
(2/127)
من الوصائل، فَقَالَ أبرهة: والمسيح لأبنين
لكم خيرا منه! فبنى لهم بيتا عمله بالرخام الأبيض، والأحمر، والأصفر،
والأسود، وحلاه بالذهب والفضة، وحفه بالجواهر، وجعل له أبوابا عليها
صفائح الذهب ومسامير الذهب، وجعل فيه ياقوتة حمراء عظيمة، وجعل له
حجّابا وكان يوقد فيه بالمندل، ويلطخ جدره بالمسك، وأمر الناس [أن]
يحجوه [1] ، فحجه كثير من قبائل العرب سنين، ومكث فيه رجال يتعَبْدون،
وكان نفيل الخثعمي يؤرض [2] له ما يكره، فأمهل، فلما كان [3] ليلة من
الليالي لم ير أحدا يتحرك، فقام فجاء بعذرة فلطخ بها قبلته، وجمع جيفا
فألقاها فيه. فأخبر أبرهة بذلك [4] ، فغضب غضبا شديدا، وَقَالَ: إنما
فعلت هَذَا العرب/ غضبا لبيتهم، لأنقضنه حجرا حجرا.
فكتب إِلَى النجاشي يخبره بذلك، وسأله أن يبعث إليه بفيله «محمود» -
وكان فيلا لم ير قط مثله عظما وجسما وقوة- فبعث به إليه، فسار أبرهة
بالناس ومعه ملك حمير [5] ، ونفيل بْن حبيب الخثعمي، فلما دنا من الحرم
أمر أصحابه بالغارة على نعم الناس، فأصابوا إبلا لعَبْد المطلب فجاء
فَقَالَ: حاجتي أن ترد إبلي. فَقَالَ: ظننتك كلمتني فِي البيت [6] .
فَقَالَ: إن [7] للبيت ربا سيمنعه. [فردت عَلَيْهِ] [8] ، فأشعرها
وجعلها هديا [وبثها] [9] فِي الحرم لكي يصاب منها شَيْء فيغضب رب
الحرم.
فأقبلت الطير من البحر، مع كل طائر [ثلاثة أحجار:] [10] حجران فِي
رجليه وحجر فِي منقاره، فقذفتها عليهم، وبعث اللَّه عز وجل [11] سيلا
فذهب بهم فألقاهم في البحر،
__________
[1] في ت: «وأمر الناس أن يحجه فحجوه» . وفي الطبري: «وأمر الناس
محجوه، محجه كثير ... » .
[2] في ت: «يضمر» .
[3] في الأصل: ت: «كانت» .
[4] «بذلك» . سقطت من ت.
[5] في ت: «مالك بن حمير» .
[6] «فقال ظننتك كلمتني في البيت» .
[7] «إن» سقطت من ت.
[8] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل. وفي ت: «فردت فأشعرها» . وفي
الطبري: «فأمر برد إبله عليه» .
[9] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[10] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[11] في ت: «الله تعالى» .
(2/128)
وولى أبرهة هاربا بمن [1] معه، فجعل [2]
أبرهة، يسقط [3] عضوا عضوا [4]
. فصل
[5] قَالَ علماء السير: لما هلك أبرهة ملك النصرانية فِي الحبشة ابنه
يكسوم، فذلت حمير وقبائل اليمن [6] ، ووطئتهم الحبشة، ثم هلك يكسوم،
وملك أخوه مسروق بْن أبرهة، فلما طال البلاء عَلَى أهل اليمن- وكان ملك
الحبشة باليمن فيما بين أن دخلها أرياط إِلَى أن قتلت الفرس مسروقا،
وأخرجوا الحبشة من اليمن اثنتين وسبعين سنة، توارث ذلك منهم أربعة
ملوك: أرياط، ثم أبرهة، ثم يكسوم، ثم مسروق- خرج [7] سيف بْن ذي يزن
الحميري، وكان يزن يكني: أَبَا مرة [8] ، حَتَّى قدم عَلَى قيصر ملك
الروم، فشكا إليه ما هم فيه، وطلب إليه أن يخرجهم عنه، ويليهم هو،
ويبعث إليهم من شاء من [9] الروم، ويكون له ملك اليمن، فلم يشكه، ولم
يجد عنده شيئا مما يريد، فخرج حَتَّى قدم الحيرة عَلَى النعمان بْن
المنذر- وهو عامل كسرى عَلَى الحيرة وما يليها من أرض العراق- فشكا
إليه ما هم فيه من البلاء والذلّ، فقال له النعمان: إن لي عَلَى كسرى
وفادة [فِي] [10] كل عام، فأقم [عندي] [11] حَتَّى أخرج بك معي. فأقام
عنده حَتَّى خرج به إِلَى كسرى، فلما قدم النعمان عَلَى كسرى وفرغ من
حاجته، ذكر له سيف بن
__________
[1] «هاربا» سقطت من ت.
[2] في الأصل: «فحمل» .
[3] في الأصل: «فسقط» .
[4] تاريخ الطبري 2/ 137، 138.
[5] بياض في ت مكان: «فصل» .
[6] في الأصل: «قبائل العرب» .
[7] في الأصل، ت: «فخرج» .
[8] في ت: «وكان اسمه: زيد ويكنّى أبا مرة» .
[9] في الأصل: «إلى الروم» .
[10] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل، ت وأثبتناه من الطبري 2/ 139.
[11] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
(2/129)
ذي يزن، وما قدم له، وسأله أن يأذن له
عَلَيْهِ، ففعل.
وكان كسرى إنما يجلس فِي إيوان مجلسه الذي فيه تاجه، وكان تاجه مثل
القنفل [1] العظيم، مضروبا فيه الياقوت والزبرجد واللؤلؤ والذهب
والفضة، معلقا بسلسلة من ذهب فِي رأس طاق مجلسه ذلك، وكانت عنقه لا
تحمل [2] تاجه، [إنما] يستر [3] بالثياب حَتَّى يجلس فِي مجلسه، ثم
يدخل رأسه فِي تاجه، فإذا استوى فِي مجلسه كشف الثياب عنه، فلا يراه
أحد إلا برك هيبة لَهُ.
فلما دخل عَلَيْهِ سيف بْن ذي يزن برك، ثم قَالَ: أيها الملك غلبتنا
عَلَى بلادنا الأغربة. فَقَالَ كسرى: أي الأغربة [4] ؟ الحبشة أم
السند؟ قَالَ: الحبشة، فجئتك لتنصرني عليهم، وتخرجهم عني، وتكون لك
بلادي [5] ، فأنت أحب إلينا منهم. فَقَالَ:
بعدت أرضك من أرضنا، وهي أرض قليلة الخير، إنما بها الشاء والبعير،
وذلك مما [6] لا حاجة لنا به، فلم أكن لأورط جيشا من فارس بأرض العرب،
لا حاجة لي بذلك.
فأجيز بعشرة آلاف درهم، وكساه كسوة حسنة، فلما قبضها خرج فجعل ينثر
الورق للناس، فنهبتها الصبيان والعبيد والإماء، فلم يلبث ذلك أن دخل
عَلَى كسرى، فقيل له: العربي الذي أعطيته ما أعطيته نثره للناس ونهبته
العبيد والصبيان [7] والنساء.
فَقَالَ: إن لهذا الرجل لشأنا، ائتوني به، فلما دخل قَالَ: عمدت إِلَى
حباء الملك الذي حباك به تنثره للناس! قَالَ: وما أصنع بالذي أعطاني
الملك! ما جبال أرضي التي جئت منها إلا ذهب وفضة- يرغبه فيها لمَّا رأى
من زهادته فيها- إنما جئت إِلَى الملك ليمنعني
__________
[1] في ت: «القبة» . والقنفل: مكيال يسع ثلاثين منا، والمن: وزان
رطلين.
[2] في ت: «كان عنقه لا يحمل» . وفي الأصل: «كانت عنقه لا يحتمل» .
[3] ما بين المعقوفتين: من الطبري 2/ 140. وفي ت: «فيسير بالثياب» .
[4] في ت: «إني الأغربة» .
[5] في الطبري 2/ 140. «ويكون ملك بلادي لك» .
[6] في الأصل، ت: «ما لا حاجة» .
[7] من أول: «والعبيد والإماء ... » حتى « ... ونهبته العبيد والصبيان»
. ساقط من ت.
(2/130)
من الظلم، ويدفع عني الذل، فَقَالَ له
كسرى: أقم عندي حَتَّى أنظر فِي أمرك. فأقام عنده.
وجمع كسرى مرازبته وأهل [1] الرأي ممن كان يستشيره فاستشارهم فِي أمره،
فَقَالَ قائل: أيها الملك، [إن] [2] فِي سجونك رجالا قد حبستهم للقتل،
فلو أنك بعثتهم معه، فإن هلكوا كان الذي أردت بهم [3] ، وإن ظهروا
عَلَى بلاده كان ملكا ازددته [4] إِلَى ملكك. فَقَالَ: [إن] [5] هَذَا
الرأي! أحصوا لي كم فِي [6] سجوني من الرجال، فحسبوا فوجدوا في سجونه
ثمانمائة رجل، فَقَالَ: انظروا إِلَى أفضل رجل منهم حسبا وبيتا [7]
فاجعلوه عليهم. فنظروا فإذا رجل يقال له: وهرز.
ففعلوا، وبعثه مع سيف بْن ذي يزن، وأمره عَلَى أصحابه، ثم حملهم فِي
ثماني سفن [8] ، فغرقت سفينتان بما فيهما، فخلصوا ستمائة، فَقَالَ وهرز
لسيف: ما عندك؟
قَالَ: ما شئت من رجل عربي، وفرس عربي، ثم أجعل رجلي مع رجلك، حَتَّى
نموت جميعا أو نظهر جميعا. قَالَ: أنصفت.
فجمع إليه سيف من استطاع من قومه، وسمع بهم مسروق بْن أبرهة، فجمع جنده
من الحبشة، وسار إليهم حَتَّى إذا تقاربت العسكران، ونزل الناس بعضهم
إِلَى بعض بعث [9] وهرز ابنا له- يقال له: نوزاذ- عَلَى جريدة خيل [10]
، فقال [له] [11] :
__________
[1] «وأهل» سقطت من ت.
[2] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[3] «بهم» سقطت من ت.
[4] في الأصل: «رددته» .
[5] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[6] في الأصل: «أحصوا إليّ من في سجوني» . وما أثبتناه من ت. والطبري
2/ 140.
[7] في ت: «إلى أفضلهم رجل منهم له حسبا ونسبا» .
[8] في ت: «سفن ثمانية» .
[9] في ت: «فبعث» .
[10] في الأصل: «على خيل جريدة» .
[11] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
(2/131)
ناوشهم القتال حَتَّى ننظر كيف قتالهم.
فخرج إليهم فناوشهم فقتلوه، فزاد ذلك وهرز حنقا [1] عليهم فَقَالَ:
أروني ملكهم. فقالوا: ترى رجلا عَلَى الفيل عاقدا تاجه عَلَى رأسه، بين
عينيه ياقوتة حمراء. قَالَ: نعم. قالوا: ذاك [2] ملكهم. فوقفوا طويلا
ثم قَالَ:
علام هو؟ قالوا: قد تحوّل على فرس. فَقَالَ: اتركوه. فوقفوا طويلا، ثم
قَالَ: علام هو؟
قالوا: قد تحول عَلَى البغلة. فَقَالَ: ابنه الحمار! ذل وذل ملكه، إني
سأرميه، فإن رأيتم أصحابه وقوفا لم يتحركوا فأثبتوا حَتَّى أوذنكم،
فإني قد أخطأت الرجل، وإن رأيتم القوم قد استداروا، ولاثوا به، فقد
أصبت الرجل، فاحملوا عليهم.
ثم أوتر قوسه وضربه فصك الياقوتة التي بين عينيه، فتغلغلت النشابة فِي
رأسه، حَتَّى خرجت من قفاه، فتنكس عَنْ دابته، واستدارت الحبشة، فحملت
عليهم الفرس، فانهزموا، وقتلوا وهرب شريدهم في كل وجه، فاقبل وهرز يريد
صنعاء يدخلها، حتى إذا أتى بابها قَالَ: لا تدخل رايتي منكسة أبدا،
اهدموا الباب. فهدم باب صنعاء، ثم دخلها ناصبا رايته بين يديه.
فلما ملك اليمن ونفى عنها الحبشة كتب إِلَى كسرى: إني قد ضبطت لك
اليمن، وأخرجت من كان بها من الحبشة، وبعث إليه الأموال. فكتب إليه
كسرى أن يملك سيف بْن ذي يزن على اليمن وأرضها، وفرض كسرى عَلَى سيف
بْن ذي يزن جزية وخراجا يؤديه فِي كل عام، وكتب إِلَى وهرز أن ينصرف
إليه ففعل، وكان ذو يزن [3] أَبُو سيف من ملوك اليمن [4] .
وقيل: بل الذي قدم عَلَى كسرى ذي يزن، فمات عَلَى بابه، فقدم ابنه سيف
عَلَيْهِ، فَقَالَ: أنا ابن الشيخ اليماني الذي وعدته النصر فمات ببابك
فرق له وأعانه، وجرى له ما ذكرنا.
__________
[1] في الأصل: «حتفا» .
[2] في الأصل: «ذلك» .
[3] في الأصل: «ذو أيزن» .
[4] تاريخ الطبري 2/ 139- 142.
(2/132)
قَالَ ابن هشام بْن مُحَمَّد: لما صعدت
السفائن [1] سار إليهم مسروق فِي مائة ألف من الحبشة وحمير والأعراب،
ولحق بابن ذي يزن بشر كثير، ونزل وهرز عَلَى سيف البحر وراء ظهره، ولما
نظر مسروق إِلَى قلتهم طمع فيهم، وأرسل إِلَى وهرز وَقَالَ: ما جاء بك،
وليس معك إلا ما أرى، ومعي من تري! لقد غررت بنفسك وبأصحابك، فإن أحببت
أذنت لك، فرجعت، وإن أحببت ناجزتك، أو أجلتك حَتَّى تنظر فِي أمرك.
فَقَالَ: بل تضرب بيني وبينك أجلا. ففعل.
فلما مضى من الأجل عشرة أيام خرج [2] ابن وهرز حَتَّى دنا من عسكر
القوم فقتلوه، فلما انقضى الأجل غير يوم أمر بالسفن التي كانوا فيها
فأحرقت بالنار، وما كان معهم من فضل كسوة فأحرق، ولم يدع إلا ما كان
عَلَى أجسادهم، ثم دعا بكل زاد كان معهم فَقَالَ: كلوا. فلما فرغوا أمر
بفضله فألقي فِي البحر، ثم قَالَ: أما ما أحرقت من سفنكم، فإني أردت أن
تعلموا أنه لا سبيل إِلَى بلادكم، وأما ما أحرقت من ثيابكم، فإنّه كان
يغيظني إن ظفرت بكم الجيش، أن يصير [3] ذلك إليهم، وأما ما ألقيت من
زادكم فِي البحر، فإني/ كرهت أن يطمع أحد منكم أن يكون معه زاد يعيش به
يوما واحدا، فإن كنتم تقاتلون معي وتصبرون أعلمتموني ذلك، وإن كنتم لا
تفعلون اعتمدت عَلَى سيفي هَذَا حَتَّى يخرج من ظهري، فإني لم أكن
لأمكنهم من نفسي. فقالوا: بل نقاتل معك حَتَّى نموت [4] عَنْ آخرنا، أو
نظفر.
فلما أصبح عبّأ أصحابه، وجعل يقول: إما ظفرتم، وإما متم كراما.
ثم رمى ملك القوم فسقط، وهزموا، وغنم من عسكرهم ما لا يحصى، وغلب عَلَى
صنعاء وبلاد اليمن [5] .
وَقَالَ ابن إِسْحَاق: لما انصرف وهرز إِلَى كسرى، وخلف سيفا على اليمن
عدا
__________
[1] في ت: «السفن» .
[2] في الأصل: «حتى ابن وهرز» .
[3] في الأصل، ت: «إن أظفروا بكم أن يصير» وأثبتناه من الطبري 2/ 145.
[4] في الأصل: «تموت أو تموت» .
[5] تاريخ الطبري 2/ 144- 147.
(2/133)
عَلَى الحبشة فجعل يقتلهم إلا بقايا ذليلة،
فاتخذهم خولا،. وجعل منهم قوما يمشون بين يديه بالحراب، فلما كان يوما
فِي وسطهم وجئوه [1] بالحراب فقتلوه، ووثب رجل من الحبشة فأفسد فِي
اليمن، فبلغ الأمر كسرى، فبعث إليهم وهرز فِي أربعة آلاف من الفرس،
وأمره ألّا ترك باليمن أسود ولا ممن شرك فيه السودان [إلا قتله] [2] .
ففعل، فأقام فيها يجبيها إِلَى كسرى حَتَّى هلك [3] .
ولما احتضر وهرز دعا بقوسه ونشابته، وَقَالَ: أجلسوني. فأجلسوه، فرمى
وَقَالَ:
هناك. فوقعت نشابته وراء الدير [4] ، فلما هلك بعث كسرى إِلَى اليمن
أسوارا يقال له:
زين [5] ، وكان جبارا مسرفا فعزله، واستعمل المروزان بْن وهرز، فلما
هلك أمر بعده ابنه البينجان بْن المرزبان، فلما هلك أمر بعده خر خسره
[6] .
ثم إن كسرى غضب عَلَيْهِ، فحلف ليأتينه به أهل اليمن يحملونه عَلَى
أعناقهم، ففعلوا، فلما قدموا عَلَى كسرى تلقاه رجل من عظماء فارس،
فألقى عَلَيْهِ سيفا لأبي كسرى، فأجاره كسرى بذلك من القتل ونزعه، وبعث
باذان [7] إِلَى اليمن، فلم يزل عليها حتى بعث الله وعز وجل محمدا صلى
الله عليه وسلم [8]
. فصل
قَالَ علماء السير: وكان بين كسرى أنوشروان وبين يخطيانوس ملك الروم
هدنة وموادعة، فوقع بين رجل كان ملكه ملك الروم يقال له: خالد بْن جبلة
وبين رجل كان ملكه كسرى يقال له: المنذر بْن النعمان نائرة [9] ، فأغار
خالد على حيّز المنذر،
__________
[1] في الأصل: «وجاوه» .
[2] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل، ت وأثبتناه من الطبري 2/ 148.
[3] تاريخ الطبري 2/ 148.
[4] في الأصل، ت: «دير» .
[5] في الأصل: «ربر» وفي ت: «زين» . وما أثبتناه من الطبري 2/ 171.
[6] في الأصل: «جرحسيم» .
[7] في ت: «باذام» .
[8] تاريخ الطبري 2/ 148.
[9] النائرة: العداوة.
(2/134)
فقتل من أصحابه مقتلة عظيمة، وغنم أموالا،
فشكا ذلك المنذر إِلَى كسرى، فكتب كسرى إلى ملك الروم يذكر ما بينهما
من العهد، ويعلمه ما لقي عامله المنذر، ويسأله أن يأخذ خَالِد بأن يرد
عَلَى المنذر ما غنم من حيزه، ويدفع إليه دية من قتل، وأن لا يستخف بما
كتب إليه، فيكون في ذلك انتقاض ما بينهما من العهد.
ثم واتر الكتب بذلك فلم يحفل بها ملك الروم، فغزاه كسرى فِي بضعة
وتسعين ألف مُقَاتِل، فأخذ مدينة دارا، ومدينة الرهاء، ومدينة منبج،
ومدينة قنسرين، ومدينة حلب، ومدينة أنطاكية- وكانت أفضل مدينة بالشام-
ومدينة فامية، [ومدينة] [1] حمص، ومدنا كثيرة، واحتوى على ما كان منها،
وسبى أهل مدينة أنطاكية، ونقلهم إِلَى أرض السواد، وكان ملك الروم يؤدي
إِلَيْهِ الخراج، وكان قباذ قد أمر فِي آخر ملكه بمسح الأرض، سهلها
ووعرها، ليصح الخراج عليها، فمسحت، غير أن قباذ هلك قبل أن يستحكم أمر
المساحة، فلما ملك كسرى أمر باستتمامها وإحصاء النخل والزيتون، ثم
استشار الناس وَقَالَ: نريد أن نجمع من ذلك فِي بيوت أموالنا ما لو
أتانا عَنْ ثغر أو طرف فتق، كانت الأموال عندنا معدة. فاجتمع رأيهم
عَلَى وضع الخراج عَلَى ما يعصم الناس والبهائم، وهو الحنطة والشعير
والأرز والكرم والرّطاب والنخل والزيتون، فوضعوا عَنْ كل جريب أرض رطاب
سبعة دراهم، وعلى كل أربع نخلات فارسي درهما، وعلى كل ست نخلات دقل [2]
مثل ذلك [3] ، وعلى كل ستة أصول زيتون/ مثل ذلك، ولم يضعوا إلا عَلَى
النخل الذي تجمعه الحديقة دون الشاذ، وألزموا الناس الجزية ما خلا أهل
البيوتات والعظماء والمُقَاتِلة والهرابذة والكتاب، ومن كان فِي خدمة
الملك، وصيروها عَلَى طبقات: اثني عشر درهما، وثمانية، وستة، وأربعة،
عَلَى قدر إكثار الرجل وإقلاله، ولم يلزم الجزية من كان له من السن دون
العشرين وفوق الخمسين، واقتدى بجمهور هَذِهِ الأشياء عمر بْن الخطاب
رضي اللَّه عنه [4] .
قالوا: وكان كسرى ولى رجلا من الكتاب- ذا كفاية، يقال له: بابك بن
البيروان-
__________
[1] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل، ت وأثبتناه من الطبري 2/ 149.
[2] الدقل: أردأ أنواع التمر.
[3] «وعلى كل ست نخلات دقل مثل ذلك» . سقط من ت.
[4] تاريخ الطبري 2/ 148- 152. باختصار وتصرف.
(2/135)
ديوان المُقَاتِلة، فاستعرض العسكر ولم ير
كسرى فيهم. فقال: انصرفوا، فاستعرضهم في اليوم التالي فلم ير كسرى
فيهم، فَقَالَ: انصرفوا، وأمر مناديهم، فنادوا في اليوم الثالث: لا
يتخلفن أحد، ولا [1] من أكرم بتاج وسرير. فبلغ ذلك كسرى، فوضع تاجه،
وتسلح بسلاح المُقَاتِلة، ثُمَّ أتى بابك ليعرض عَلَيْهِ، وكان الفارس
يؤخذ بالسلاح التام، فجاء كسرى بسلاح يعوزه شَيْء يسير، فَقَالَ: أيها
الملك، إنك واقف مقام المعدلة [2] التي لا محاباة فيها، فهلم كلما
يلزمك من الأسلحة. ففعل، فلما قام بابك إِلَى كسرى قَالَ: إن غلظتي فِي
الأمر الذي أغلظت فيه اليوم عليك، إنما كان لينفذ أمري الذي وضعتني له.
فَقَالَ كسرى: ما غلظ علينا [3] أمر أريد به تدبر صلاح [4] رعيتنا.
قالوا: ولم يكن ببلاد الفرس بنات آوى فتساقط إليها من بلاد الترك فِي
زمان كسرى، فشق عَلَى كسرى، وسأل موبدان عَنْ ذلك، فَقَالَ: متى تغير
عدل بجور تساقط إِلَى أرباب ذلك ما يكرهون. فأمر كسرى عماله أن لا
يتعدوا العدل [5] .
ومن الحوادث [6] في زمن كسرى [أنوشروان] [7] : أنه غضب عَلَى وزيره
بزرجمهر فقبض عَلَيْهِ وَقَالَ: الحمد للَّه الذي أظفرني بك. فَقَالَ
له: فكافئه بما يحب كما أعطاك ما تحب. قَالَ: بماذا؟ قَالَ: بالعفو
فحبسه فِي بيت كالقبر، وصفده/ بالحديد، وألبسه الخشن من الصوف، وأمر أن
لا يزاد فِي كل يوم عَلَى قرصين من الخبز، وكف ملح جريش، ودورق ماء،
وأن تنقل ألفاظه إليه، فأقام شهورا لا يسمع له لفظة، فَقَالَ أنوشروان:
أدخلوا عَلَيْهِ أصحابه، ومروهم أن يسألوه ويفاتحوه الكلام وعرفونيه.
فدخل عَلَيْهِ جماعة من المختصين به، فقالوا له: أيها الحكيم، نراك فِي
هذا
__________
[1] في الأصل: «إلا من أكرم» والتصحيح من الطبري 2/ 152.
[2] في الأصل: «الحبرلة» والتصحيح من ت. والطبري.
[3] في ت، الأصل: «عليك» .
[4] في الأصل: «أن يريد صلاح» . وفي ت: «أراد أن يدبر صلاح» .
[5] تاريخ الطبري 2/ 152- 154. باختصار.
[6] بياض في ت مكان: «ومن الحوادث» .
[7] في ت: «في زمن أنوشروان» . وفي الأصل: «في زمن كسرى» .
(2/136)
الضيق والحديد والشدة وسحنة [1] وجهك،
وصبحة جسمك عَلَى حالها لم تتغير، فما السبب؟ فَقَالَ: إني عملت
جوارشنا من ستة أخلاط، فأخذت منه [2] فِي كل يوم شيئا، فهو الذي أبقاني
عَلَى ما ترون. قالوا: فصفه لنا.
قَالَ: الخلط الأول: الثقة باللَّه عز وجل. والثاني: علمي بأن كل مقدر
كائن.
والثالث: الصبر، خير ما استعمل الممتحن. والرابع: إن لم أصبر فأي شَيْء
أعمل [3] ولم أعين عَلَى نفسي بالجزع. والخامس: قد يمكن أن يكون فِي شر
مما أنا فيه.
والسادس: من ساعة إِلَى ساعة فرج. ثم إنه قتله.
وكان بزرجمهر حكيما، فمن كلامه: أنه قيل له: من أحب الناس إليك أن يكون
عاقلا. قَالَ: عدوي، لأني أكون منه فِي دعة [4] .
وَقَالَ: إن كان شَيْء فوق الحياة فالصحة، وإن كان مثلها فالغنى، وإن
كان شَيْء فوق الموت فالمرض، وإن كان مثله فالفقر.
ووجد فِي مكتوب له أربع كلمات: الأولى: إذا كان اللَّه أجل الأشياء
فالعلم به أجل العلوم. والثانية: إذا كان الرزق خطا مقسوما فالحرص
باطل. والثالثة: إذا كانت الأمور بمقادير اللَّه ومشيئته فما آفاتنا
ومصائبنا إلا لعلل وأسباب عرفناها أو جهلناها.
والرابعة: إذا كان الإنسان عَنْ تركيب مختلف، فطلب الحالة الواحدة منه
محال.
وقال بزرجمهر: أدل الأشياء عَلَى عقل الرجل التدبير.
وَقَالَ بزرجمهر: ينبغي للعاقل أن يكون/ كعابر نهر أو قاطع رحل [5] .
وَقَالَ: مداراة الناس نصف العقل.
وَقَالَ: لا ينبغي للعاقل أن يسكن بلدا ليس فيه خمسة: سلطان صارم، وقاض
عادل، وسوق قائمة، ونهر جار، وطبيب فاره.
__________
[1] في ت: «ولون وجهك» .
[2] في ت: «فأخذ منه» .
[3] في ت: «أصنع» .
[4] من أول: «وكان بزرجمهر حكيما ... » حتى «.... أكون منه في دعة» سقط
من ت.
[5] في ت: «قالع وحل» .
(2/137)
وَقَالَ: ما أوتي رجل مثل غزيرة عقل، فإن
حرمها فطول صمت، فإن حرمها فالموت أستر له.
وَقَالَ وقد سئل: الأغنياء أفضل أم العلماء؟ قَالَ: العلماء. قيل: فما
بال العلماء يأتون أبواب الأغنياء أكثر من الأغنياء [يأتون] [1] أبواب
العلماء؟ قَالَ: لمعرفة العلماء [2] بفضل الغني، وجهل الأغنياء بفضل
العلم
. فصل
[3] وكان في زمن كسرى أنوشروان امرؤ القيس بْن حجر بْن الحارث بْن عمرو
الكندي، واسم أمه: تملك، وقد ذكر فِي قوله حيث يقول:
ألا هل أباها والحوادث حمة ... بأن امرأ القيس بْن تملك ينفرا
أي ترك الحضر وسافر وهو من أهل نجد، والديار التي يصف فِي شعره ديار
بني أسد.
وكان قباذ قد ملك الحارث بْن عمرو عَلَى العرب، فملك ابنه حجرا على بني
أسد، وكان يأخذ منهم شيئا معلوما فامتنعوا منه، فسار إليهم فأخذ سراتهم
فقتلهم بالعصي، فسموا عبيد العصا. وأسر منهم طائفة فيهم عبيد بْن
الأبرص، ثم رحمهم وعفا عنهم وردهم إِلَى بلادهم.
ثم ملك أنوشروان فملك النعمان بْن ماء السماء فهرب الحارث، واتبعته خيل
المنذر ففاتهم فأدركوا ابنه عمرا فقتلوه، ثم إنهم قتلوا حجرا، وكان حجر
قد طرد ابنه امرأ القيس لأجل امرأة تشبب [4] بها فِي شعره يقال لها:
فاطمة، وتلقب: عنيزة، وكان يعشقها، فطلبها زمانا، فلم يصل إليها، وكان
يطلب غرتها حَتَّى كان [منها] [5] يوم الغدير
__________
[1] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[2] في الأصل: «لعرف العلماء» .
[3] بياض في ت مكان: «فصل» .
[4] في ت: «شببت» وفي الأصل «تشبت» .
[5] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
(2/138)
[ما] [1] كان بدارة جلجل، فهو الذي يقول
فيه هَذَا:
ألا رب يوم لك منهن صالح [2] ... ولا سيما يوم بدارة جلجل
/ وذلك أنه رأى نسوة يتمايلن فِي غدير، فيهن عنيزة، فأخذ ثيابهن، وأقسم
لا يعطيهن حَتَّى يخرجن فيأخذنها، فخرجن متكشفات [3] ، فبلغ ذلك أباه،
فدعا مولى له فَقَالَ: اقتل امرأ القيس وائتني بعينيه. فذبح شاة وأتاه
يعنييها، فندم حجر عَلَى ذلك فَقَالَ: أبيت اللعن، إني لم أقتله.
قَالَ: فأتني به. فانطلق فرده إليه فنهاه عَنْ قول الشعر، ثم بلغه
أَنَّهُ قَالَ:
ألا أنعم صباحا أيها الطلل البالي.
وطرده، فبلغه قتل أبيه فَقَالَ: ضيعني صغيرا وحملني دمه كبيرا، ثم
إِلَى أن لا يأكل لحما ولا يشرب خمرا حَتَّى يأخذ بثأر أبيه.
وخرج إِلَى قيصر فطلب النصر، فعشقته بنت الملك، فكان يأتيها، وفطن بذلك
الطماح بْن [4] قيس الأسدي، وكان حجر قتل أباه فوشى به إِلَى قيصر،
فهرب امرؤ القيس، فبعث قيصر فِي طلبه، فأدركه دون أنقرة [5] بيوم، ومعه
حلة مسمومة، فلبسها فِي يوم صائف، فتناثر لحمه، وتقطر جلده، فَقَالَ
حين حضرته الوفاة:
وطعنة مسحنفره ... وجفنة مثعنجرة،
تبقى غدا بأنقرة
[6] .
وهو آخر شَيْء تكلم به.
وكان امرؤ القيس قد ماتت أمه فِي صغره فأرضعه أهله بلبن كلبة، فكان إذا
عرق فاح منه ريح الكلب، وكان النساء يبغضنه.
__________
[1] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[2] في الأصل «صالح لك منهما» والتصحيح من «ت» .
[3] في الأصل: «مكسفات» .
[4] في الأصل: «الطرماح» .
[5] في الأصل: «افقدة» .
[6] في الكامل 1/ 405: «رب خطبة مسحنفره، وطعنة مثعنجره، وجفنة مستجير،
حلت بأرض أنقره» .
(2/139)
وتزوج امرأة فاستطالت ليلتها معه، فَقَالَ:
ما تكرهين مني؟ فقالت: إنك ثقيل الصدر، سريع الإراقة، بطيء الإفاقة،
ريحك ريح كلب. فطلقها.
وَقَالَ مؤلف الكتاب [1] : وقد روينا أن قوما من اليمن أقبلوا يريدون
رسول اللَّه صلى اللَّه عَلَيْهِ وسلم فضلوا الطريق، وأعوزهم الماء،
فإذا ركب عَلَى بعير، فأنشد بعضهم يقول:
ولما رأت أن الشريعة قصدها [2] ... وأن البياض من فَرَائِضِهَا دَامِي
تَيَمَّمَتِ الْعَيْنَ الَّتِي عِنْدَ ضَارِجٍ ... يفيء عليها الظل
عرمضها طامي
فقال الراكب: من يقول هَذَا؟ فقالوا: امرؤ القيس. قَالَ: ما كذب والله
هَذَا ضارج عندكم. فمشوا، فإذا ماء عذب [3] عَلَيْهِ العرمض، فشربوا
ولولا ذلك لهلكوا.
ولما وردوا أخبروا رسول اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم،
وَقَالُوا: أحيانا اللَّه ببيتين من شعر امرئ القيس.
فَقَالَ: «ذاك الرجل مشهور فِي الدنيا خامل فِي الآخرة، مذكور فِي
الدنيا منسي فِي الآخرة، معه لواء الشعراء يقودهم إِلَى النار» [4] .
أَخْبَرَنَا ابْنُ الحصين قال: أخبرنا ابن المذهب قال: أخبرنا أَحْمَدُ
بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ:
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْن أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ قال: حدثني أبي
قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْجَهْمِ، عَنِ
الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «امْرُؤُ
الْقَيْسِ صَاحِبُ لِوَاءِ الشُّعَرَاءِ إِلَى النَّارِ» [5] .
قَالَ مؤلف الكتاب: واعلموا أن أوائل الشعر لم تكن إلا الأبيات اليسيرة
يقولها الرجل عِنْدَ حدوث الحاجة له، فأول من ابتدع المعاني العجيبة
والنسيب الدقيق، مع
__________
[1] في ت: «قال المصنف» .
[2] في البداية والنهاية 2/ 219: «همّها» .
[3] في ت: «غدق» .
[4] حديث: «ذاك الرجل مشهور في الدنيا ... » . أخرجه.
[5] حديث: «امرؤ القيس صاحب لواء الشعراء ... » .
قال ابن كثير في تاريخه 2/ 218: «وقد روى هذا الحديث عن هشام جماعة
كثيرون منهم بشر بن الحكم، والحسن بن عرفة، وعبد الله بن هارون، ويحيى
بن معين. وأخرجه ابن عدي من طريق عبد الرزاق عن الزهري به. وهذا منقطع
ورديء من وجه آخر عن أبي هريرة، ولا يصح إلا من هذا الوجه» .
(2/140)
قرب المأخذ: امرؤ القيس، فمن أبياته
اللطيفة البديعة قصيدته المشهورة [1] :
قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل ... بسقط اللوى بين الدخول فحومل
فتوضح فالمقراة لم يعف رسمها ... لما نسجتها من جنوب وشمأل
كأني غداة البين يوم تحملوا ... لدى سمرات الحي ناقف حنظل [2]
وقوفا بها صحبي عَلَى مطيهم ... يقولون لا تهلك أسى وتجمل
وإن شفائي عبرة مهراقة ... فهل عند رسم دارس من معول
أغرك مني أن حبك قاتلي ... وأنك مهما تأمري القلب يفعل
وما ذرفت عيناك إلا لتضربي ... بسهميك فِي أعشار قلب مقتل
وليل كموج البحر أرخى سدوله ... على بأنواع الهموم ليبتلى
فقلت له لما تمطى بصدره ... وأردف أعجازا وناء بكلكل
ألا أيها الليل الطويل ألا انجل ... بصبح وما الإصباح فيك بأمثل
وله فيها يصف الفرس:
مكر مفر مقبل مدبر معا ... كجلمود صخر حطه السيل من عل
وله:
خليلي مرا بي عَلَى أم جندب ... نقضي لبانات [3] الفؤاد المعذب
ألم تر أني كلما جئت طارقا ... وجدت بها طيبا وإن لم تطيب
ألا ليت شعري كيف جادت بوصلها ... وكيف يضن بالإخاء المغيب
أدامت عَلَى ما بيننا من نصيحة ... أميمة أم صارت لقول المخيب
وللَّه عينا من رأى من تفرق ... أشت وأنأى من فراق المحصب
غداة غدوا فينا إِلَى بطن نخلة ... وآخر منهم جازع فخد كبكب
فإنك لم تقطع لبانة عاشق ... بمثل غدو أو رواح مؤب
وكان لكسرى أولاد، فجعل الملك بعده لابنه هرمز.
__________
[1] في ت: «فمن أبياته اللطيفة قوله» .
[2] في الأصل: «لنرى سماوات» والتصحيح من الديوان.
[3] في الأصل: «لنا حاجات» والتصحيح من الديوان.
(2/141)
|