المنتظم في تاريخ الأمم والملوك
ذكر الحوادث فِي سنة أربع عشرة من مولده
صلى اللَّه عَلَيْهِ وعلى آله وصحبه وسلم [1]
[منها الفجار الأخير] [2] :
قَالَ مؤلف الكتاب [3] : وكان هَذَا الفجار بين هوازن وقريش، وحضره
رسول اللَّه صلى اللَّه عَلَيْهِ وسلم وله أربع عشرة سنة، وَقَالَ:
«كنت أنبل عَلَى أعمامي يوم الفجار» يعني: كنت أناولهم النبل [4] .
وقد روي: أن هَذِهِ الحرب كانت ولرسول اللَّه صلى اللَّه عَلَيْهِ وسلم
عشرون سنة [عَنْ عَبْد اللَّه بْن يزيد الهذلي] [5] .
وإنما سمي الفجار لأن بني كنانة وهوازن استحلوا الحرم ففجروا [6] .
أَخْبَرَنَا أَبُو بكر بْن أبي طاهر البزاز قَالَ: أخبرنا أبو محمد
الجوهري قال: أخبرنا أبو طاهر عمر بْن حيوية قَالَ: أَخْبَرَنَا
أَحْمَد بْن معروف قال: أخبرنا الحارث بن أبي أسامة قَالَ: حَدَّثَنَا
الضحاك بْن عثمان قَالَ: أَخْبَرَنَا محمد بن عمر بن واقد قال: حدثني
الضحاك بْن عثمان عَنْ إِبْرَاهِيم بْن عَبْد الرحمن بْن عَبْد اللَّه
بْن أبي ربيعة.
قَالَ: مُحَمَّد بْن عمر: وَأَخْبَرَنَا موسى بْن مُحَمَّد بْن عمرو،
أَخْبَرَنَا موسى بْن مُحَمَّد بن إبراهيم التيمي، عن أبيه قال.
__________
[1] بياض في ت مكان: «ذكر الحوادث فِي سنة أربع عشرة من مولده صلى الله
عليه وسلم وعلى آله وصحبه وسلم،
[2] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
وفي ت زيادة: «وكان هذا الفجار الأخير» . ثم ضرب عليها بالقلم.
[3] «قال مؤلف الكتاب» سقط من ت.
[4] السيرة النبويّة لابن هشام 1/ 186، وفيه: «أي أردّ عليهم نبل عدوهم
إذا رموهم بها» .
[5] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[6] السيرة النبويّة لابن هشام 1/ 186.
(2/296)
وَأَخْبَرَنَا عَبْد اللَّه بْن يزيد
الهذلي، عَنْ يعقوب بْن عتبة الأخنسي قَالَ: وغير هَؤُلاءِ أيضا قد
حدَّثَنِي ببعض هَذَا الحديث قالوا [1] :
كان سبب حرب الفجار [2] أن النعمان بْن المنذر بعث بلطيمة له إِلَى سوق
عكاظ [للتجارة] وأجارها له الرحال [3] عروة بْن عتبة بْن جعفر بْن
كلاب، فنزلوا عَلَى ماء يقال له: أوارة، فوثب البراض بْن قيس أحد بني
بكر بْن عَبْد مناة بْن كنانة- وكان خليعا- عَلَى عروة فقتله، وهرب
إِلَى خيبر واستخفى [4] بها، ولقي بشر بْن أبي حازم الأسدي الشاعر
فأخبره الخبر، وأمره أن يعلم ذلك عَبْد اللَّه بْن جدعان، وهشام بْن
المغيرة، وحرب بْن أمية، ونوفل بن معاوية، [وبلعاء بْن قيس] [5] فوافى
عكاظ فأخبرهم، فخرجوا موائلين [6] منكشفين إِلَى الحرم، وبلغ قيسا
الخبر آخر ذلك اليوم، فَقَالَ أَبُو براء: ما كنا من قريش إلا فِي
خدعة، فخرجوا فِي آثارهم، فأدركوهم وقد دخلوا الحرم، فناداهم رجل من
بني عامر يقال له: الأدرم بأعلى صوته: إن ميعاد ما بيننا وبينكم هَذِهِ
الليالي من قابل.
ولم يقم تلك السنة سوق عكاظ فمكثت قريش وغيرها من كنانة وأسد بن خزيمة،
ومن لحق بهم من الأحابيش يتأهبون لهذه الحرب، ثم حضروا من قابل ورؤساء
قريش:
عَبْد اللَّه بْن جدعان، وهشام بْن المغيرة وحرب بْن أمية، وأبو أحيحة
سعيد بن العاص،
__________
[1] حذف السند من ت وكتب بدلا منه: «أخبرنا أبي بكر بن طَاهِرٍ
بِإِسْنَادٍ لَهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدٍ ... » ثم أكمل السند بعد
ذلك كما في الأصل.
[2] «الحديث قالوا: كان سبب حرب الفجار» . ساقط من ت وبدلا منها كتب
«الحرب» فتكون العبارة في ت: «قد حدثني ببعض هذا الحرب أن النعمان ...
» .
[3] في ت: «وأجارها ومن الرجال عروة ... » .
وما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[4] في ت: «واختفى» .
[5] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل، ت وأضفناه من ابن سعد.
[6] في الأصل: «متوالين» .
(2/297)
وعتبة بْن ربيعة، والعاص بْن وائل، ومعمر
[1] بْن حبيب الجمحي، وعكرمة بْن عامر [2] ابن هشام، ويقال: بل أمرهم
إِلَى عَبْد اللَّه بْن جدعان.
وكان فِي قيس: أَبُو براء عامر بْن مالك بْن جعفر، وسبيع بْن ربيعة
ودريد بْن الصمة ومسعود بْن معتب، وعوف بْن أبي حارثة فهؤلاء الرؤساء.
ويقال: بل أمرهم جميعا إِلَى أبي براء، وكانت الراية بيده وهو سوى
صفوفهم، فالتقوا وكانت الدبرة أول النهار لقيس عَلَى قريش وكنانة ومن
انضوى إليهم، ثم صارت الدبرة آخر النهار لقريش وكنانة عَلَى قيس،
فقتلوهم قتلا [3] ذريعا، حَتَّى نادى عتبة بْن ربيعة يومئذ وإنه لشاب
ما كملت له ثلاثون سنة إِلَى الصلح، فاصطلحوا عَلَى أن عدوا القتلى
وودت قريش لقيس ما قتلت، وانصرفت قريش.
وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وذكر
الفجار فَقَالَ: «قد حضرته مع عمومتي ورميت فيه بأسهم وما أحبّ إني لم
أكن فعلت» فكان يوم حضر ابن عشرين سنة [4] .
قَالَ مؤلف الكتاب [5] : هكذا روي لنا، والأول أصح
. ذكر الحوادث فِي سنة خمس عشرة من مولده صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ
[6] فِي هَذِهِ السَّنَةِ: قامت سوق عكاظ، وهي سوق كانوا يبيعون فيها
ويشترون.
وقد روي أن قس بْن ساعدة الأيادي كان يقف بسوق عكاظ ويعظ الناس، وكان
خطيبا [بليغا] [7] وشاعرا حكيما. ويقال: إنه أول من علا عَلَى شرف وخطب
عليه،
__________
[1] في ت: «عمر بن حبيب» وما أثبتناه من الأصل وابن سعد.
[2] في الأصل، ت: «عامر بن عكرمة» والتصحيح من ابن سعد.
[3] في ت: «فقتلوا قتالا ذريعا» .
[4] الطبقات الكبرى لابن سعد 1/ 126- 128.
[5] «قال مؤلف الكتاب» سقط من ت.
[6] بياض في ت مكان: «ذكر الحوادث فِي سنة خمس عشرة من مولده صلى الله
عليه وسلم» .
[7] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
(2/298)
وأول من قَالَ فِي كلامه «أما بعد» وأول من
أتكأ عند خطبته عَلَى سيف أو عصا، ورآه رسول الله صلى الله عليه وسلم
بعكاظ.
وقد روينا من حديثه [1] من طرق، ولكن ليس فيها ما يثبت [2] .
فمنها: ما روى أبو صالح عن ابن عباس قال: لما قدم وفد أياد عَلَى رسول
اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: «ما فعل قس بْن ساعدة؟» قالوا: مات.
قَالَ: «كأني أنظر إليه بسوق عكاظ عَلَى جمل له أورق [3] ، وهو يتكلم
بكلام له حلاوة، ما أجدني أحفظه» . فَقَالَ رجل من القوم: أنا أحفظه،
سمعته يقول: أيها النَّاس، احفظوا وعوا [4] من عاش مات، ومن مات فات،
وكل ما هو آت آت، ليل داج، وسماء ذات أبراج، وبحار تزخر، ونجوم تزهر،
وضوء وظلام، وبر وآثام، ومطعم وملبس، ومشرب ومركب، ما لي أرى الناس
يذهبون فلا يرجعون، أرضوا بالمقام فأقاموا، أم تركوا فناموا، وإله قس
ما عَلَى وجه الأرض دين أفضل من دين قد أظلكم زمانه، وأدرككم أوانه،
فطوبى لمن أدركه وأتبعه، وويل لمن خالفه، ثم إنه أنشأ وجعل [5] يقول:
فِي الذاهبين الأولين ... من القرون لنا بصائر
لما رأيت مواردا للموت ... ليس لها مصادر
ورأيت قومي نحوها يمضي [6] ... الأكابر والأصاغر
لا يرجع الماضي إلي ... ولا من الباقين غابر
[أيقنت أني لا محالة ... حيث صار القوم صائر] [7]
سكنوا البيوت فوطنوا ... إن البيوت هي المقابر
[8]
__________
[1] في الأصل: «روينا من حديثه» والتصحيح من ت.
[2] في ت: «ليس فيها ثبت» .
[3] في ت: «حمل أورق» .
[4] «سمعته يقول: أيها الناس احفظوا وعوا» سقطت من ت.
[5] في ت: «ثم أنشأ يقول» .
[6] في الأصل: «ورأيت يمضي نحوها الأكابر والأصاغر» .
[7] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[8] «سكنوا البيوت فوطنوا إن البيوت هي المقابر» سقط من ت.
(2/299)
فَقَالَ النبي صلى اللَّه عَلَيْهِ وسلم:
«يرحم اللَّه قسا، إني لأرجو أن يبعثه اللَّه يوم القيامة أمة وحده» .
فَقَالَ رجل: يا رسول اللَّه، لقد رأيت من قس عجبا قَالَ: «وما رأيت؟»
قَالَ: بينا أنا بجبل يقال لَهُ سمعان فِي يوم شديد الحر، إذا أنا بقس
تحت ظل شجرة عندها [1] عين ماء وحوله سباع، كلما زأر سبع منها عَلَى
صاحبه ضربه بيده وَقَالَ: كف حَتَّى يشرب الذي ورد قبلك. ففرقت،
فَقَالَ: لا تخف، وإذا بقبرين بينهما مسجد، فقلت له: ما هذان القبران؟
فَقَالَ: هذان قبرا أخوين كانا لي، فاتخذت بينهما مسجدا أعَبْد اللَّه
فيه [2] حَتَّى ألحق بهما، ثم ذكر أيامهما ثم أنشأ يقول:
[خليلي هبا طالما قد رقدتما ... أجدكما لا تقضيان كراكما] [3]
جرى النوم بين الجلد والعظم منكما ... كأن الذي يسقي العقار سقاكما [4]
ألم تريا أني بسمعان مفرد ... وما لي فيه من خليل سواكما
أقيم عَلَى قبريكما لست بارحا ... طوال الليالي أو يجيب صداكما
كأنكما والموت أقرب غاية ... بجسمي من قبريكما قد أتاكما
فلو جعلت نفس لنفس وقاية ... لجدت بنفسي أن تكون فداكما
[سأبكيكما طول الحياة وما الذي ... يرد عَلَى ذي عولة إن بكاكما]
[5] فَقَالَ النبي صلى اللَّه عَلَيْهِ وسلم: «رحم الله قسا» [6]
__________
[1] «عندها» سقطت من ت.
[2] «فيه» سقطت من ت.
[3] هذا البيت ساقط من الأصل.
[4] هذا البيت ساقط من ت.
[5] هذا البيت ساقط من الأصل.
[6] في الأصل: «درفسا» .
هذه القصة أخرجها البيهقي من دلائل النبوة 2/ 101- 113 من طرق عدة
وقال: «وقد روي من وجه آخر عن الحسن البصري منقطعا، وروي مختصرا من
حديث سعد بن أبي وقاص، وأبي هريرة، وإذا روي حديث من أوجه وإن كان
بعضها ضعيفا- دل على أن للحديث أصلا والله أعلم» .
وأورده ابن كثير في البداية والنهاية وقال: «هذه الطرق على ضعفها
كالمتعاضدة على إثبات أصل القصة» .
وقال الحافظ في الإصابة: «طرقه كلها ضعيفة» .
وأورده المصنف غلطا في الموضوعات، فالخبر كما نرى ضعيف.
(2/300)
وقد روي [1] أن هَذِهِ الأبيات لعيسى بْن قدامة الأسدي، وأنه كان له
نديمان فماتا، فكان يجلس عند القبرين وهما براوند فِي موضع يقال له:
حراف، ونصب عَلَى القبرين حَتَّى يقضي وطره، ثُمَّ ينصرف وينشد هَذِهِ
الأبيات، وفيها زيادة وهي:
خليلي هبا طال ما قد رقدتما ... أجدكما ما تقضيان كراكما
ألم تعلما ما لي براوند كلها ... ولا بخراق من صديق سواكما
أقيم علي قبريكما لست بارحا ... طوال الليالي أو يجيب صداكما
جرى النوم مجرى اللحم والعظم منكما ... كأن الذي يسقي العقار سقاكما
فأي أخ يجفو أخا بعد موته ... فلست الذي من بعد موت جفاكما
أصب عَلَى قبريكما من مدامة ... فإلا تذوقا أرو منها ثراكما
لطول منام لا تجيبان داعيا ... خليلي ما هَذَا الذي قد دهاكما
قضيت بأني لا محالة هالك ... وأني سيعروني الذي قد عراكما
سأبكيكما طول الحياة وما الذي ... يرد عَلَى ذي عول إن بكاكما |