النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة
*** [ما وقع من
الحوادث سنة 405]
السنة التاسعة عشرة من ولاية الحاكم منصور على مصر وهى سنة خمس
وأربعمائة.
فيها منع الحاكم النساء من الخروج من بيوتهنّ، وقتل بسبب ذلك عدّة
نسوة.
(4/236)
وفيها جلس الخليفة القادر ببغداد وأحضر
العلويّين والعباسيّين والقضاة، وأحضر الخلع السلطانية ما عدا التاج
ولواء واحدا، وقرئ عهد أبى طاهر ركن الدين بن بهاء الدولة، ولقّبه
بجلال الدولة وجمال الملّة ركن الدين. قلت: وهذا أوّل لقب سمعناه في
الإسلام (أعنى ركن الدين) . ولا أدرى متى لقّب به ابن بهاء الدولة
المذكور، غير أننى سمعت من بعض علماء العجم أنّ ابن بهاء الدولة
المذكور مشى بين يدى الخليفة القادر، فقال له الخليفة: اركب ركن الدين؛
فسمّى بذلك.
والله أعلم.
وفيها حجّ بالناس من العراق أبو الحسن محمد بن الحسن العلوىّ
الأقساسىّ.
وفيها توفّى بدر بن حسنويه بن الحسين أبو النجم الكردىّ، كان من أهل
الجبال، وولّاه عضد الدولة الجبال وهمذان ودينور ونهاوند وسابور وتلك
النواحى بعد وفاة أبيه حسنويه. وكان شجاعا عادلا كثير الصدقات.
والخليفة القادر كناه أبا النجم، ولقّبه ناصر الدولة، وعقد له لواء
بيده.
وفيها توفّى بكر بن شاذان بن بكر أبو القاسم المقرئ الواعظ البغدادىّ،
قرأ القرآن، وسمع الحديث، وكان عابدا زاهدا، وكانت وفاته في شوّال.
وفيها توفّى عبد الله بن محمد بن عبد الله أبو محمد بن الأكفانىّ
الحنفىّ القاضى الأسدىّ، كان عالما ديّنا، ولد سنة ستّ عشرة وثلثمائة.
قال أبو إسحاق الطبرىّ:
من قال: إن أحدا أنفق على العلم مائة ألف دينار غير أبى محمد [بن]
الأكفانىّ فقد كذب. قلت: هذا هو العلم الخالص لوجه الله تعالى.
وفيها توفّى عبد الرّحمن بن محمد بن محمد بن عبد الله بن إدريس الحافظ
أبو سعيد، كان أبوه من أستراباد وسكن سمرقند وصنّف" تاريخ سمرقند"
وعرضه على الدارقطنىّ فاستحسنه، وكان ثقة.
(4/237)
وفيها توفّى عبد السلام بن الحسين بن محمد
أبو أحمد البصرىّ اللغوىّ، كان رجلا فاضلا عارفا «1» بالقرآن سمحا
جوادا.
وفيها توفّى عبد العزيز بن عمرو «2» بن محمد بن يحيى بن حميد بن نباتة
(ونباتة بضم النون «3» ) أبو نصر البغدادىّ، كان من الشعراء المجيدين،
مات ببغداد في شوال. ومن شعره: [الكامل]
وإذا عجزت من العدوّ فداره ... وامزج «4» له إنّ المزاج وفاق
فالنار بالماء الذي هو ضدّها ... تعطى النّضاج وطبعها الإحراق
وفيها توفّى عبد «5» الغفار بن عبد الرّحمن أبو بكر الدينورىّ؛ لم يكن
ببغداد مفت على مذهب سفيان الثورىّ غيره، وهو آخر من أفتى بجامع
المنصور على مذهب الثورىّ.
قلت: لعلّ ذلك كان بالشرق، وأمّا بالغرب فدام مذهب الثورىّ بعد هذا
التاريخ عدّة سنين. كان عبد العفار عالما فاضلا مناظرا، ومات في شوال.
وفيها توفّى محمد بن عبد الله بن محمد بن حمدويه بن نعيم الحافظ أبو
عبد الله الحاكم النيسابورىّ، ويعرف بابن البيّع، الضّبىّ، ولد سنة
إحدى وعشرين وثلثمائة، كان أحد أركان الاسلام، وسيّد المحدّثين وإمامهم
في وقته والمرجوع إليه في هذا الشأن؛ رحل [إلى] البلاد، وصنّف الكتب،
وسمع الكثير، وروى عنه الجمّ الغفير، ومات في صفر.
(4/238)
وفيها توفّى هبة الله بن عيسى، كاتب مهذّب
«1» الدولة البطائحىّ ووزيره، كان فاضلا راوية للأخبار وشاعرا فصيحا.
أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم ثلاث أذرع سواء. مبلغ الزيادة
ستّ عشرة ذراعا وإصبعان.
*** [ما وقع من الحوادث سنة 406]
السنة العشرون من ولاية الحاكم منصور على مصر وهى سنة ستّ وأربعمائة.
فيها منع فخر الملك «2» يوم عاشوراء من النوح مخافة الفتنة؛ وكان
الشريف الرضى قد توفّى في خامس المحرّم فاشتغلوا به؛ وكان قد وقع
بالعراق وباء عظيم خصوصا بالبصرة. وفي صفر قلّد الشريف المرتضى نقابة
الطالبيّين والحجّ والمظالم بعد موت أخيه الشريف الرضى بإشارة سلطان
الدولة فخر الملك.
وفيها ولّى الحاكم ساتكين «3» سهم «4» الدولة دمشق، وعزله سنة ثمان.
وفيها لم يحجّ أحد من العراق، وحجّ الناس من مصر وغيرها.
وفيها توفّى أحمد بن محمد بن أحمد أبو حامد الإسفراينى الفقيه
الشافعىّ، كان إماما فقيها عالما، انتهت إليه رياسة مذهب الشافعىّ في
زمانه. كان يقال: لو رآه الشافعىّ لفرح به. وكان يتوسّط بين الخليفة
القادر وبين السلطان محمود بن سبكتكين. ومات ليلة السبت «5» لإحدى عشرة
ليلة بقيت من شوّال.
(4/239)
وفيها توفى محمد بن الحسين بن موسى بن محمد
بن موسى بن إبراهيم بن موسى ابن جعفر بن محمد بن على بن الحسين بن علىّ
بن أبى طالب، رضى الله عنه، الشريف أبو الحسن الرضى الموسوىّ؛ ولد سنة
تسع وخمسين وثلثمائة. كان عارفا باللغة والفرائض والفقه والنحو، وكان
شاعرا فصيحا، عالى الهمّة متديّنا، إلّا أنه كان على مذهب القوم إماما
للشّيعة هو وأبوه وأخوه. ومن شعره من جملة أبيات:
[البسيط]
يا صاحبىّ قفالى واقضيا وطرا ... وحدّثانى عن نجد بأخبار
هل روّضت قاعة الوعساء أو مطرت ... خميلة الطّلح ذات البان والغار
تضوع أرواح نجد من ثيابهم ... عند القدوم لقرب العهد بالدار
وفيها توفّى محمد بن الحسن بن فورك أبو بكر الأصبهانىّ الفقيه
المتكلّم، كان إماما عالما، استدعى الى نيسابور وتخرّج به جماعة في
الأصول والكلام، وله فيهما تصانيف. وكان رجلا صالحا، سمع الحديث، وروى
عنه أبو بكر البيهقىّ «1» وأبو القاسم القشيرىّ «2» وغيرهما. قتله
محمود بن سبكتكين بالسمّ لكونه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم
رسولا في حياته فقط، وإنّ روحه قد بطل وتلاشى، وليس هو في الجنة عند
الله تعالى (يعنى روحه) صلى الله عليه وسلم.
وفيها كان الطاعون العظيم بالبصرة.
أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم ذراع وعشرون إصبعا. مبلغ الزيادة
ستّ عشرة ذراعا وإصبعان.
(4/240)
*** [ما وقع من
الحوادث سنة 407]
السنة الحادية والعشرون من ولاية الحاكم منصور على مصر وهى سنة سبع
وأربعمائة.
فيها وقعت القبّة الكبيرة التى على الصخرة ببيت المقدس.
وفيها كانت الفتنة بين الرافضة وأهل السنّة بواسط، ونهبت دور الشّيعة
والعلويّين، وقصدوا علىّ بن مزيد «1» واستنصروا به.
وفيها احترق مشهد الحسين بن علىّ بكر بلاء من شمعتين غفلوا عنهما.
وفيها في أوّلها تشعّب الركن اليمانىّ من البيت الحرام.
وفيها كانت الوقعة بين سلطان الدولة وبين أخيه أبى الفوارس، وانهزم أبو
الفوارس.
وفيها ملك السلطان محمود بن سبكتكين خوارزم.
وفيها توفّى أحمد بن محمد بن يوسف بن محمد بن دوست أبو عبد الله، كان
حافظا متقنا، مات في شهر رمضان.
وفيها توفّى سليمان بن الحكم الأموىّ المغربىّ صاحب الأندلس. وثب عليه
رجلان ادّعيا أنهما من الأشراف وتغلّبا على الأندلس. وكانت مدّة ولاية
سليمان هذا على الأندلس ثلاث سنين وثلاثة أشهر وثلاثة أيام. وانقطعت
بموته ولاية بنى أميّة على الأندلس سبع سنين وثمانية أشهر وأيّاما، ثم
عادت سنة أربع عشرة وأربعمائة.
(4/241)
وفيها توفّى محمد بن علىّ بن خلف أبو غالب
الوزير فخر الملك. أصله من واسط، وكان أبوه صيرفيّا؛ فتنقّلت به الأيام
الى أن استوزره بهاء الدولة، وبعثه نائبا عنه إلى بغداد. وكان جوادا
ممدّحا، أثّر ببغداد الآثار الجميلة.
أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم أربع أذرع سواء. مبلغ الزيادة
سبع عشرة ذراعا وأربع أصابع.
*** [ما وقع من الحوادث سنة 408]
السنة الثانية والعشرون من ولاية الحاكم منصور على مصر وهى سنة ثمان
وأربعمائة.
فيها عزل الحاكم ساتكين من إمرة دمشق، وكان ظالما غشوما، وهو الذي بنى
جسر الحديد تحت قلعة دمشق، واتفق أنّ يوم فراغ الجسر [قال «1» ] :
لا يعبر غدا أحد عليه. فلما أصبح جلس على الباب ينظر إليه وقد عزم على
أن يكون أوّل من يركب ويعبر عليه، واذا بفارس قد أقبل فعبر عليه؛
فأنكره وقال:
من أين؟ قال: من مصر؛ وناوله كتابا من الحاكم بعزله، فقال بعض أهل
دمشق:
[الرمل]
عقد الجسر وقد حل عراه بيديه ... ما درى أنّ عليه يعبر العزل إليه
ولم يحجّ أحد في هذه السنين الى سنة اثنتى عشرة وأربعمائة؛ أعنى من
العراق.
(4/242)
وفيها توفّى شباشى «1» المشطّب، ولقبه
السعيد وكنيته أبو طاهر، مولى شرف الدولة بن عضد الدولة بن بويه.
ولقّبه بهاء الدولة بالسعيد وذى الفضيلتين، ثم لقّب بهاء الدولة أبا
الهيجاء بختكين «2» بالمناصح، وأشرك بينهما في أمور الأتراك ببغداد.
وكان السعيد هذا كثير الصدقات فائض المعروف والإحسان لأهل بغداد، كان
يكسو الأيتام والضعفاء وينظر في حال الفقراء، وكان من محاسن الدنيا،
وعاش بعد المناصح رفيقه ستّة أشهر ومات. وكان رفيقه المناصح أيضا من
رجال الدهر وعقلائهم ومن أعلاهم همّة، ولم يخلف بعده مثله.
وفيها توفّى محمد بن إبراهيم بن محمد أبو الفتح الطرسوسى المجاهد في
سبيل الله، استوطن بيت المقدس بنية الرّباط، وتوفّى به.
أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم خمس أذرع وعشرون إصبعا.
مبلغ الزيادة ستّ عشرة ذراعا وستّ عشرة إصبعا.
*** [ما وقع من الحوادث سنة 409]
السنة الثالثة والعشرون من ولاية الحاكم منصور على مصر وهى سنة تسع
وأربعمائة.
فيها توفّى عبد الله بن أبى علّان أبو محمد قاضى الأهواز وأحد شيوخ
المعتزلة، كان فاضلا، صنّف الكتب الكثيرة في علم الكلام وغيره. ومن
جملة تصانيفه:
كتاب جمع فيه فضائل النّبيّ صلى الله عليه وسلم، ذكر له فيه ألف معجزة؛
وكان له مال عظيم وضياع كثيرة.
(4/243)
وفيها توفّى عبد الغنى بن سعيد بن على بن
سعيد بن بشر بن مروان بن عبد العزيز ابن مروان الحافظ أبو محمد المصرىّ
المحدّث المشهور، مولده في ثانى ذى القعدة سنة اثنتين وثلاثين
وثلثمائة، وسمع الكثير، وبرع في علم الحديث، وصنّف الكتب:
منها كتاب «المؤتلف والمختلف «1» » ، وكان عالما بأسامى الرجال وعلل
الحديث.
وكان الدار قطنىّ يعظّمه ويقول: ما رأيت في طريقى مثله، ما اجتمعت به
وانفصلت منه إلا بفائدة. ومات بمصر في شوّال.
وفيها توفّى على بن نصر أبو الحسن مهذّب الدولة صاحب البطيحة، كان
جوادا ممدّحا صاحب ذمّة ووفاء؛ وهو الذي استجار به القادر بالله قبل أن
يتخلّف، فأجاره ومنع الطائع منه، وقام في خدمته أحسن قيام.
وفيها توفّى محمد بن الحسين أبو عبد الله العلوىّ؛ ولّاه الحاكم القضاء
والنقابة والخطابة بدمشق، وكان في القضاء قبل ذلك نائبا عن مالك بن
سعيد ابن أخت الفارقىّ قاضى قضاة الحاكم، وكانت وفاته بدمشق في شهر
رمضان.
أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم خمس أذرع وثمانى أصابع.
مبلغ الزيادة ست عشرة ذراعا وثلاث وعشرون إصبعا.
*** [ما وقع من الحوادث سنة 410]
السنة الرابعة والعشرون من ولاية الحاكم منصور على مصر وهى سنة عشر
وأربعمائة.
فيها جلس الخليفة القادر بالله ببغداد، وحضر القضاة والشهود وكتب عهد
أبى الفوارس بن بهاء الدولة على كرمان وأعمالها، وبعث إليه بالخلع
السلطانية على العادة.
(4/244)
وفيها ورد كتاب السلطان يمين الدولة محمود
بن سبكتكين على الخليفة القادر بما فتحه من بلاد الهند وما وصل إليه من
غنائمهم.
وفيها توفّى إبراهيم بن مخلد بن جعفر بن إسحاق أبو إسحاق الباقرحىّ،
كان محدّثا صدوقا جيّد النقل حسن الضبط، من أهل الديانة والعلم والأدب،
وكان يتفقّه على مذهب محمد بن جرير الطبرىّ.
وفيها توفى محمد بن المظفّر بن عبد الله أبو الحسن المعدّل «1» ، كان
فاضلا شاعرا؛ مات ببغداد في جمادى الأولى.
وفيها توفّى هبة الله بن سلامة أبو القاسم الضرير البغدادىّ، كان من
أحفظ الناس لتفسير القرآن، وسمع الحديث ورواه، وكان ثقة صالحا.
وفيها توفّى أحمد بن موسى بن مردويه الحافظ أبو بكر الأصبهانىّ في شهر
رمضان؛ قاله الذهبىّ. وكان إماما حافظا ثقة سمع الكثير، وروى عنه
جماعة.
وفيها توفّى عبد الواحد بن محمد بن [عبد «2» الله بن محمد بن] مهدىّ
الحافظ أبو «3» عمر الفارسىّ البزاز في شهر رجب عن إحدى وتسعين سنة
وأشهر، وكان إماما فقيها محدّثا ثقة من كبار المشايخ.
وفيها توفّى عبد الصمد بن منصور بن الحسن بن بابك أبو القاسم الشاعر
المشهور أحد الشعراء المجيدين المكثرين، وديوانه في ثلاثة مجلدات. ومن
شعره بيت من جملة قصيدة في غاية الرقة:
(4/245)
[الوافر]
ومرّ بى النسيم فرقّ حتّى ... كأنّى قد شكوت إليه مابى
ومات ببغداد. وبابك بفتح الباءين الموحدتين وبينهما ألف وفي الآخر كاف.
أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم ستّ أذرع وعشرون إصبعا.
مبلغ الزيادة تسع عشرة ذراعا وثمانى أصابع.
*** [ما وقع من الحوادث سنة 411]
السنة الخامسة والعشرون من ولاية الحاكم منصور على مصر وهى التى مات
فيها الحاكم حسب ما ذكرناه في ترجمته. والسنة المذكورة سنة إحدى عشرة
وأربعمائة.
فيها توفّى محمد بن عبد الله بن أحمد أبو الفرج الدمشقىّ ويعرف بابن
المعلّم، وهو الذي بنى الكهف بقاسيون «1» ، ويقال له كهف جبريل، وفيه
المغارة التى يقال:
إنّ الملائكة عزّت آدم عليه السلام فيها لمّا قتل قابيل هابيل. وكان
محمد هذا شيخا صالحا زاهدا عابدا، مات في شهر رجب، ودفن بمقبرة الكهف.
وفيها توفّى الحسن بن الحسن بن علىّ بن المنذر أبو القاسم، كان إماما
فاضلا محدّثا؛ ومات ببغداد في هذه السنة.
وممن ذكر الذهبىّ وفاتهم، قال: وتوفّى أبو نصر أحمد بن محمد بن أحمد بن
حسنون النّرسىّ «2» . والحاكم منصور بن العزيز العبيدىّ صاحب مصر (يعنى
صاحب
(4/246)
الترجمة) . وأبو القاسم الحسن بن الحسن بن
علىّ بن المنذر ببغداد. وأبو القاسم علىّ بن أحمد الخزاعىّ ببلخ.
انتهى.
- أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم ثمانى أذرع وخمس أصابع.
مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا وثلاث أصابع.
ذكر ولاية الظاهر على مصر
هو الظاهر لإعزاز دين الله أبو هاشم، وقيل: أبو الحسن، علىّ بن الحاكم
بأمر الله أبى علىّ منصور بن العزيز بالله نزار بن المعزّ لدين الله
معدّ بن المنصور إسماعيل بن القائم محمد بن المهدىّ عبيد الله العبيدىّ
الفاطمىّ المغربىّ الأصل، المصرىّ المولد والمنشأ والوفاة، الرابع من
خلفاء مصر من بنى عبيد والسابع من المهدىّ. مولده بالقاهرة في ليلة
الأربعاء عاشر شهر رمضان سنة خمس وتسعين وثلثمائة؛ وولى الخلافة بعد
قتل أبيه الحاكم في شوّال من سنة إحدى عشرة وأربعمائة؛ حسب ما ذكرناه
مفصّلا في أواخر ترجمة أبيه الحاكم، وقيام عمّته ستّ الملك في أمره.
وقال صاحب مرآة الزمان: «وولى الخلافة في يوم عيد النحر سنة إحدى عشرة
وأربعمائة، وله ستّ عشرة سنة وثمانية أشهر وخمسة أيّام وتمّ أمره» .
ووافقه على ذلك القاضى شمس الدين بن خلكان، لكنّه قال: «وكانت ولايته
بعد أبيه بمدّة، لأنّ أباه فقد في السابع والعشرين من شوّال سنة إحدى
عشرة وأربعمائة، وكان الناس يرجون ظهوره، ويتّبعون آثاره إلى أن
تحقّقوا [عدمه «1» ] ، فأقاموا ولده المذكور في يوم النحر» . انتهى
كلام ابن خلكان.
(4/247)
وقال أبو المظفر في المرآة: وملك الظاهر
لإعزاز دين الله سائر ممالك والده، مثل الشام والثغور وإفريقية، وقامت
عمّته ستّ الملك بتدبير مملكته أحسن قيام، وبذلت العطاء في الجند وساست
الناس أحسن سياسة. وكان الظاهر لإعزاز دين الله عاقلا سمحا جوادا يميل
إلى دين وعفّة وحلم مع تواضع. أزال الرسوم التى جدّدها أبوه الحاكم الى
خير، وعدل في الرعيّة وأحسن السيرة، وأعطى الجند والقوّاد الأموال،
واستقام له الأمر مدّة؛ وولّى نوّابه بالبلاد الشامية، إلى أن خرج عليه
صالح بن مرداس الكلابىّ وقصد حلب وبها مرتضى الدولة أبو [نصر بن «1» ]
لؤلؤ الحمدانىّ نيابة عن الظاهر هذا؛ فحاصرها صالح المذكور إلى أن
أخذها. ثم تغلّب حسّان بن المفرّج البدوىّ صاحب الرملة على أكثر الشأم؛
وتضعضعت دولة الظاهر، واستوزر الوزير نجيب الدولة علىّ بن أحمد
الجرجرائىّ. وكان الوزير هذا من بيت حشمة ورياسة، وكان أقطع اليدين من
المرفقين، قطعهما الحاكم بأمر الله فى سنة أربع وأربعمائة؛ وكان يكتب
عنه العلامة القاضى أبو عبد الله القضاعىّ، وكانت العلامة «2» «الحمد
لله شكرا لنعمته» . ولم يظهر أمر هذا الوزير إلا بعد موت عمّة الظاهر
ستّ الملك بعد سنة خمس عشرة وأربعمائة. وكان الظاهر لإعزاز دين الله
كثير الصدقات منصفا من نفسه، لا يدّعى دعاوى والده وجدّه في معرفة
النجوم وغيرها من الأشياء المنكرة، لا سيما لمّا وقع من بعض حجّاج
المصريّين كسر الحجر الأسود بالبيت الحرام في سنة ثلاث عشرة وأربعمائة.
وكان أمر الحجر أنّه لمّا وصل الحاجّ المصرىّ الى مكة المشرّفة، وثب
شخص من الحاجّ الى الحجر الأسود وهو مكانه من البيت الحرام، وضربه
بدبّوس كان في يده حتى شعثه وكسر قطعا
(4/248)
منه، وعاجله الناس فقتلوه؛ وثار المكيّون
بالمصريّين فقتلوا منهم جماعة ونهبوهم، حتّى ركب أبو الفتوح الحسن بن
جعفر فأطفأ الفتنة ودفع عن المصريّين. وقيل:
إنّ الرجل الذي فعل ذلك كان من الجهّال الذين استغواهم الحاكم وأفسد
عقائدهم.
فلمّا بلغ الظاهر ذلك شقّ عليه وكتب كتابا في هذا المعنى.
قال هلال بن الصابئ:" وجدت كتابا كتب من مصر في سنة أربع عشرة
وأربعمائة على لسان المصريّين، وهو كتاب طويل، فمنه:" وذهبت طائفة من
النّصيريّة «1» الى الغلوّ «2» فى أبينا أمير المؤمنين علىّ بن أبى
طالب، رضوان الله عليه، غلت وادّعت فيه ما ادّعت النصارى في المسيح.
ونجمت من هؤلاء الكفرة فرقة سخيفة العقول ضالّة بجهلها عن سواء السبيل؛
فغلوا فينا غلوّا كبيرا، وقالوا في آبائنا وأجدادنا منكرا من القول
وزورا؛ ونسبونا بغلوّهم الأشنع، وجهلهم المستفظع، إلى ما لا يليق بنا
ذكره. وإنا لنبرأ الى الله تعالى من هؤلاء الجهلة الكفرة الضّلّال «3»
. ونسأل الله أن يحسن معونتنا على إعزاز دينه وتوطيد «4» قواعده
وتمكينه، والعمل بما أمرنا به جدّنا المصطفى، وأبونا علىّ المرتضى،
وأسلافنا البررة أعلام الهدى. وقد علمتم يا معشر أوليائنا ودعاتنا ما
حكمنا به من قطع دابر هؤلاء الكفرة الفسّاق، والفجرة المرّاق؛ وتفريقنا
لهم في البلاد كل مفرّق؛ فظعنوا في الآفاق هاربين، وشردوا مطرودين
خائفين. وكان من جملة من دعاه الخوف منهم الى الانتزاح رجل من أهل
البصرة أهوج أثول «5» ، ضالّ مضلّ، سار مع الحجيج الى مكّة- حرسها
الله- فرقا «6» من وقع
(4/249)
الحسام، وتستّرا بالحجّ الى بيت الله
الحرام. فلمّا حصل في البيت المفضّل المعظّم، والمحل المقدّس «1»
المكرّم؛ أعلن بالكفر وما كان يخفيه من المكر، وحمله [لمم في «2» عقله]
على قصد الحجر الأسود حتّى قصده وضربه بدبّوس ضربات متواليات، أطارت
منه شظابا وصلت بعد ذلك. ثم إنّ هذا الكافر عوجل بالقتل على أسوء حاله
وأضلّ أعماله، وألحق بأمثاله من الكفرة الواردين موارد ضلاله؛ ذلك لهم
خزى فى الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم. ولعمرى إنّ هذه لمصيبة في
الإسلام قادحة، ونكاية فادحة؛ فإنّا لله وإنّا إليه راجعون. لقد ارتقى
هذا الملعون مرتقى عظيما ومقاما جسيما، أذكر به ما كان أقدم عليه غلام
ثقيف المعروف بالحجّاج- لعنه الله- من إحراق البيت وهدمه، وإزالة
بنيانه وردمه" ثم ذكر كلاما طويلا في هذا المعنى يطول الشرح في ذكره» .
انتهى كلام ابن الصابئ.
وروى ابن ناصر بإسناد إلى أبى عبد الله محمد بن علىّ العلوىّ، قال:
" وفي سنة ثلاث عشرة وأربعمائة كسر الحجر الأسود لمّا صلّيت الجمعة يوم
النّفر الأوّل بمنى، ولم يكن رجع الناس بعد من منى، قام رجل ممن ورد من
ناحية مصر بيده سيف مسلول وبالأخرى دبّوس بعد ما قضى الإمام الصلاة،
فقصد الحجر الأسود ليستلمه على الرسم، فضرب وجه الحجر ثلاث ضربات
متواليات بالدبّوس، وقال: إلى متى يعبد الحجر! ولا محمد ولا علىّ
يقدران على منعى عما أفعله؛ إنى أريد أن أهدم هذا البيت وأرفعه.
فاتّقاه الحاضرون وتراجعوا عنه، وكاد يفلت. وكان رجلا تامّ القامة أحمر
اللون أشقر الشعر سمينا، وكان على باب المسجد عشرة فرسان على أن
ينصروه؛ فاحتسب رجل من أهل اليمن أو من أهل مكّة أو غيرها نفسه،
(4/250)
فوجأه بخنجر واحتوشه «1» الناس فقتلوه،
وقطّعوه وأحرقوه بالنار، وثارت الفتنة؛ فكان الظاهر من القتلى أكثر من
عشرين غير ما أخفى منهم. وتقشّر بعض وجه الحجر فى وسطه من تلك الضربات
وتخشّن. وزعم بعض الحجّاج أنه سقط منه ثلاث قطع، وكأنه نقب ثلاثة نقوب،
وتساقطت منه شظايا مثل الأظفار؛ وموضع الكسر أسمر يضرب إلى صفرة، محبّب
مثل الخشخاش. فجمع بنو شيبة ما تفرّق منه وعجنوه بالمسك، وحشوا تلك
المواضع وطلوها بطلاء من اللّك «2» فهو بيّن لمن تأمّله، وهو على حاله
الى اليوم» . انتهى.
ثم بعد هذه الواقعة بلغ الظاهر هذا أنّ السلطان يمين الدولة محمود بن
سبكتكين عظم أمره، فأحبّ أن يكتب إليه كتابا يدعوه إلى طاعته؛ فكتب
إليه وارسل إليه بالخلع، وأن يخطب باسمه بتلك البلاد. وكان أبوه الحاكم
بأمر الله أرسل إليه قبل ذلك، فخرق محمود بن سبكتكين كتاب الحاكم وبصق
فيه؛ ومات الحاكم وفي قلبه من ذلك أمور، وقد ذكرنا ذلك في ترجمته. فلما
علم الظاهر هذا بما كان والده الحاكم عزم عليه من أمر محمود المذكور
أخذ هو أيضا في ذلك، وكاتب السلطان محمودا؛ فلم يلتفت محمود لكتابه،
وبعث به وبالخلع الى الخليفة القادر العباسىّ، وتبرأ من الظاهر هذا.
فجمع القادر القضاة والأشراف والجند وغيرهم ببغداد، وأخرج الخلع الى
باب النوبىّ، وكانت سبع جبب وفرجّية ومركب ذهب، وأضرمت النار وألقيت
الثياب فيها، وسبك المركب الذهب، فظهر منه أربعون ألف دينار وخمسائة،
وقيل: أخرج منه دراهم هذا العدد؛ فتصدّق بها الخليفة القادر على ضعفاء
بنى هاشم.
وبلغ الظاهر فقامت قيامته، وانكف عن مكاتبة محمود بعدها.
(4/251)
وكان الظاهر ينظر في مصالح الرعيّة بنفسه
وفي إصلاح البلاد. فلمّا وقع الفناء فى ذوات «1» الأربع في سنة سبع
عشرة وأربعمائة، منع الظاهر من ذبح البقر السليمة من العيوب التى تصلح
للحرث وغيره، وكتب على لسانه كتاب قرئ على الناس، فمنه:
«إن الله تعالى بتتابع نعمته وبالغ حكمته، خلق ضروب الأنعام، وعمل فيها
منافع الأنام؛ فوجب أن تحمى البقر المخصوصة بعمارة الأرض، المذلّلة
لمصالح الخلق؛ فإنّ فى ذبحها غاية الفساد، وإضرارا للعباد والبلاد» .
وأباح ذبح مالا يصلح للعمل ولا يحصل به النفع. فمنع الناس ذبح البقر،
وحصل بذلك النفع التام.
ومات في أيّام الظاهر المذكور مبارك الأنماطىّ البغدادىّ التاجر، وكان
له مال عظيم، وكان قد خرج من بغداد الى مصر فتوفّى بها في سنة سبع عشرة
وأربعمائة، وكان معه ثلثمائة ألف دينار. فقال الظاهر: هل له وارث؟
فقيل: ماله سوى بنت ببغداد؛ فترك الظاهر المال كلّه للبنت ولم يأخذ منه
شيئا.
وفي سنة عشرين وأربعمائة خرج على الظاهر بالبلاد الشاميّة صالح بن
مرداس أسد الدولة وحسّان بن المفرّج بن الجرّاح، وجمعا الجموع واستوليا
على الأعمال، وانتهيا الى غزّة. فجهز الظاهر لحربهما جيشا عليه القائد
أنوشتكين منتخب الدولة التركىّ أمير الجيوش المعروف بالدّز برىّ «2» ،
فالتقى معهما؛ فانهزم حسّان بن
(4/252)
المفرّج، وقتل صالح وابنه الأصغر. وبعث
الدّزبرىّ برأس صالح الى الظاهر بمصر، وأفلت نصر بن صالح الأكبر الى
حلب. واستولى اللدزبرىّ على الشام ونزل على دمشق، وكتب الى الظاهر
كتابا مضمونه النصر، ويعرّفه فيه بما جرى؛ وكان بينه وبينهما ملحمة
هائلة. ولما فرغ الدزبرىّ من القتال مدحه مظفر «1» الدولة بن حيّوس
بأبيات بسبب هذه الواقعة، أوّلها: [الكامل]
هل للخليط المستقلّ إياب ... أم هل لأيّام مضت أعقاب
يامىّ هل لدنوّ دارك رجعة ... أم للعتاب لديكم إعتاب
لا أرتجى يوما سلوّا عنكم ... هيهات سدّت دونه الأبواب
أوصاب جسمى من جناية بعدكم ... والصبر صبر بعدكم أو صاب
ولمصطفى الملك اعتزام المصطفى ... لمّا أحاط بيثرب الأحزاب
يومان للإسلام عزّ لديهما ... دين الإله وذلّت الأعراب
طلبوا العقاب ليسلموا بنفوسهم ... فابتزهم دون العقاب عقاب
واستشعروا نصرا فكان عليهم ... وتقطّعت دون المراد رقاب
كانوا حديدا في الوغى «2» لكنّهم ... لما اصطلوا نار المظفّر ذابوا
والقصيدة أطول من هذا، وكلّها على هذا النّموذج. ولمّا انهزم شبل
الدولة نصر بن صالح المذكور الى حلب وملكها، طمع صاحب أنطاكية الرومىّ
في حلب،
(4/253)
وجمع الروم وسار اليها وأحاط بها وقاتل
أهلها؛ فكبسه شبل الدولة نصر المذكور من داخلها ومعه أهل البلد فقتلوا
معظم أصحابه؛ وانهزم ملكهم صاحب أنطاكية اليها في نفر يسير من أصحابه،
وغنم نصر أموالهم وعساكرهم. وقيل: كبسه نصر المذكور على إعزاز «1» فغنم
منه أموالا عظيمة. وسرّ الظاهر هذا بنصرة نصر لكون الإسلام يجمع
بينهما. وكان المتغلّبون على البلاد في أيّام الظاهر كثيرين جدا، وذلك
لصغر سنّه وضعف بدنه. ووقع له في أيّامه خطوب قاساها إلى أن توفّى
بالقاهرة «2» فى يوم الأحد النصف من شعبان سنة سبع وعشرين وأربعمائة،
وعمره إحدى وثلاثون سنة. وكانت ولايته على مصر ستّ عشرة سنة وتسعة
أشهر.
وتولّى الملك بعده ابنه أبو تميم معدّ، ولقب بالمستنصر وسنه ثمانى
سنين؛ وقام علىّ بن أحمد الجرجرائىّ الوزير بالأمر، وأخذ له البيعة،
وقرّر للجند أرزاقهم، واستقامت الأحوال. وكانت وفاة الظاهر بعلّة
الاستسقاء، طالت به نيّفا وعشرين سنة من عمره.
قلت: ولهذا أشرنا أنه كان كثرة من تغلب عليه لضعف بدنه وصغر سنه.
وكان الظاهر جوادا ممدّحا سمحا حليما محببا للرعيّة، ولا بأس به
بالنسبة لآبائه وأجداده. وهو الذي بنى قصر اللؤلؤة عند باب القنطرة،
وهو من القصور المعدودة بالقاهرة، وصار يتنزّه به هو ومن جاء بعده من
خلفاء مصر من ذرّيته وأقاربه، وكان التوصل الى القصر من باب مراد «3» ،
وصار الخلفاء يقيمون به في أيّام النيل.
(4/254)
ودام أمر هذا القصر مستقيما إلى أن وقع
الغلاه بالدّيار المصريّة في زمن المستنصر، وذهب من محاسن القاهرة شىء
كثير من عظم الغلاء والوباء؛ كما سيأتى ذكره إن شاء الله في محلّه.
*** [ما وقع من الحوادث سنة 412]
السنة الأولى من ولاية الظاهر لإعزاز دين الله على مصر وهى سنة اثنتى
عشرة وأربعمائة.
فيها وقّع بين سلطان الدولة وبين مشرّف الدولة بن بويه، واستفحل في
الآخر أمر مشرّف الدولة، وخطب له ببغداد في المحرّم، وخوطب بشاهنشاه
مولى أمير المؤمنين، وقطعت الخطبة لسلطان الدولة من بغداد.
وفيها لم يحجّ أحد من العراقيّين ولا في الماضية. فقصد الناس يمين
الدولة محمود بن سبكتكين وقالوا له: أنت سلطان الإسلام وأعظم ملوك
الأرض، وفي كلّ سنة تفتح من بلاد الكفر ما تحبّه، والثواب في فتح طريق
الحجّ أعظم، وقد كان الأمير بدر بن حسنويه، وما في أمرائك إلّا من هو
أكبر منه [شأنا «1» ] ، يسيّر الحاجّ بماله وتدبيره عشرين سنة. فتقدّم
ابن سبكتكين إلى قاضيه أبى محمد الناصحىّ بالتأهب للحجّ ونادى في أعمال
خراسان بالحجّ، وأطلق للعرب ثلاثين ألف دينار سلّمها الى الناصحىّ
المذكور غير ما للصدقات؛ فحجّ بالناس أبو الحسن الأقساسىّ. فلمّا بلغوا
فيد «2» حاصرتهم العرب؛ فبذل لهم القاضى الناصحىّ خمسة آلاف دينار؛ فلم
يقنعوا وصمّموا على أخذ الحاجّ؛ فركب رأسهم «3» جماز بن عدى وقد انضم
عليه ألفا رجل من بنى نبهان،
(4/255)
وأخذ بيده رمحا وجال حول الحاجّ، وكان في
السّمرقندييّن غلام يعرف بابن عفّان، فرماه بسهم فسقط منه ميتا وهرب
جمعه، وعاد الحاجّ في سلامة.
وفيها توفّى أحمد بن محمد بن أحمد أبو «1» سعيد المالينىّ «2» الصوفىّ
الحافظ، سافر إلى الأقطار، وسمع خلقا كثيرا، وصنّف وصحب المشايخ، وكان
يقال له طاوس الفقهاء.
وفيها توفّى الحسن بن علىّ أبو علىّ الدقّاق النيسابورىّ أحد المشايخ،
كان صاحب حال ومقال. قال القشيرىّ: سمعت الأستاذ أبا علىّ الدقّاق يقول
في قول النّبيّ صلى الله عليه وسلم:" من تواضع لغنىّ لأجل دنياه ذهب
ثلثا دينه" قال:
لأنّ المرء بأصغريه قلبه ولسانه، فإذا خدمه بأركانه وتواضع له بلسانه
ذهب ثلثا دينه، فإن خدمه بقلبه ذهب الكلّ.
وفيها توفّى محمد بن أحمد بن محمد أبو الحسن بن رزقويه البغدادىّ
البزّاز، ولد سنة خمس وعشرين وثلثمائة، ودرس الفقه، وسمع الحديث فأكثر؛
وكان ثقة صدوقا كثير السماع حسن الاعتقاد جميل المذهب.
وفيها توفّى محمد بن الحسين بن محمد بن موسى أبو عبد الرّحمن السّلمىّ
النيسابورىّ الحافظ الكبير شيخ شيوخ الدنيا في زمانه، طاف الدنيا شرقا
وغربا، ولقى الشيوخ الأبدال، وإليه المرجع في علوم الحقائق والسير
وغيرها، وله المصنفات الحسان.
وفيها توفّى محمد بن عمر أبو بكر العنبرىّ الشاعر، مات يوم الخميس ثانى
عشر جمادى الأولى ببغداد.
(4/256)
أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم خمس
أذرع وستّ عشرة إصبعا.
مبلغ الزيادة ستّ عشرة ذراعا وثلاث أصابع.
*** [ما وقع من الحوادث سنة 413]
السنة الثانية من ولاية الظاهر لإعزاز دين الله على مصر وهى سنة ثلاث
عشرة وأربعمائة.
فيها وقع الصلح بين سلطان الدولة بن بهاء الدولة بن بويه وبين أخيه
مشرّف الدولة على يد الأوحد أبى محمد وزير سلطان الدولة، وخطب لسلطان
الدولة ببغداد كما كان أوّلا قبل الخلاف.
وفيها توفّى علىّ بن عيسى بن سليمان أبو الحسن القاضى المعروف بالسكرىّ
الفارسىّ، مولده في صفر ببغداد سنة سبع وثلثمائة، كان فاضلا عالما مات
في شعبان رحمه الله.
وفيها توفّى علىّ بن هلال الإمام الأستاذ أبو الحسن صاحب الخطّ المنسوب
الفائق المعروف بابن البوّاب. كان أبوه بوّابا لبنى بويه، وقرأ هو
القرآن وتفقّه وفاق أهل عصره في الخطّ المنسوب، حتى شاع ذكره شرقا
وغربا. ومن شعر أبى العلاء المعرّى من قصيدة: [الطويل]
ولاح هلال مثل نون أجادها ... بماء النّضار الكاتب ابن هلال
يعنى بابن هلال ابن البوّاب هذا. وقال هلال ابن الصابئ: دخل أبو الحسن
البتّىّ «1» دار فخر الملك «2» ، فوجد ابن البوّاب هذا جالسا على عتبة
الباب ينتظر خروج
(4/257)
فخر الملك، فقال له: جلوس الأستاذ في
العتب، رعاية للنسب «1» . فغضب ابن البواب وقال: لو كان لى الأمر ما
مكنت مثلك من الدخول؛ فقال البتّىّ: حتى لا يترك الشيخ صنعته. انتهى.
وقد قال فيه بعضهم: [البسيط]
هذا وأنت ابن بوّاب وذو عدم ... فكيف لو كنت ربّ الدار والمال
وفيها توفّى محمد بن [محمد «2» بن] النعمان أبو عبد الله فقيه الشيعة
وشيخ الرافضة وعالمها ومصنّف الكتب في مذهبها. قرأ عليه الرضى والمرتضى
وغيرهما من الرافضة، وكان له منزلة «3» عند بنى بويه وعند ملوك الأطراف
الرافضة. قلت: كان ضالّا مضلّا هو ومن قرأ عليه ومن رفع منزلته؛ فإن
الجميع كانوا يقعون في حقّ الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين؛ عليهم من
الله ما يستحقّونه. ورثاه الشريف المرتضى «4» ؛ ولو عاش أخوه لكان أمعن
في ذلك، فإنّهما كانا أيضا من كبار الرافضة. وقد تكلّم أيضا في بنى
بويه أنّهم كانوا يميلون إلى هذا المذهب الخبيث؛ ولهذا نفرت القلوب
منهم، وزال ملكهم بعد تشييده.
أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم أربع أذرع وعشرون إصبعا. مبلغ
الزيادة ست عشرة ذراعا وثمانى عشرة إصبعا.
*** [ما وقع من الحوادث سنة 414]
السنة الثالثة من ولاية الظاهر لإعزاز دين الله على مصر وهى سنة أربع
عشرة وأربعمائة.
(4/258)
فيها دخل مشرّف الدولة بن بهاء الدولة إلى
بغداد، وتلقّاه الخليفة في زبزب بأبّهة الخلافة؛ ولم يكن القادر لقى
أحدا من الملوك قبله.
وفيها ورد كتاب السلطان يمين الدولة محمود بن سبكتكين على الخليفة
القادر أنه أوغل في بلاد الهند. وعنوان الكتاب:" عبد مولانا أمير
المؤمنين وصنيعته محمود بن سبكتكين".
وفيها عادت دولة بنى أميّة إلى الأندلس بعد أن انقطعت سبع سنين.
وفيها توفّى الحسن «1» بن الفضل بن سهلان أبو محمد وزير سلطان الدولة،
وهو الذي بنى [سور «2» ] الحائر بمشهد الحسين بكربلاء، وكان من كبار
الشيعة، كان رافضيّا خبيثا، قبض عليه وصودر وسمل وحبس حتى مات.
وفيها توفّى محمد بن أحمد أبو جعفر النسفىّ الفقيه الحنفىّ العلّامة،
صاحب التصانيف ومصنّف كتاب التعليقة «3» المشهورة وغيره. كان عالما
فاضلا وورعا وزاهدا مفتنّا في علوم، وكانت وفاته في شعبان.
وفيها توفّى محمد بن الخضر بن عمر أبو الحسين الحمصىّ القاضى الفرضىّ،
ولى القضاء بدمشق نيابة عن أبى عبد الله محمد بن الحسين النّصيبىّ،
وكان نزها عفيفا.
مات بدمشق في جمادى الأولى.
وفيها توفّى تمّام بن محمد بن عبد الله بن جعفر بن عبد الله بن الجنيد
الحافظ أبو القاسم ابن الحافظ أبى الحسين الرازىّ ثم الدمشقىّ المحدّث.
ولد بدمشق سنة
(4/259)
ثلاثين وثلثمائة، وسمع الكثير وحدّث. قال أبو بكر الحدّاد: «ما لقينا
مثل تمام فى الحفظ والخير» . مات في المحرّم.
أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم ثلاث أذرع وثمانى أصابع.
مبلغ الزيادة أربع عشرة ذراعا وأربع عشرة إصبعا: |