تاريخ ابن الوردي

(أَخْبَار مُوسَى الْهَادِي)

وبويع للهادي مُوسَى بالخلافة يَوْم مَاتَ الْمهْدي، وَالْهَادِي رابعهم وَكَانَ مُقيما بجرجان يحارب أهل طبرستان، وَوصل الرشيد من ماسبذان إِلَى بَغْدَاد فَأخذت الْبيعَة للهادي أَيْضا، وَبلغ الْهَادِي بجرجان موت أَبِيه فَسَار على الْبَرِيد فَدخل بَغْدَاد فِي عشْرين يَوْمًا واستوزر الرّبيع.
وفيهَا: ظهر الْحُسَيْن بن عَليّ بن الْحسن بن الْحُسَيْن بن عَليّ بن أبي طَالب بِالْمَدِينَةِ فِي جمع من أهل بَيته مِنْهُم: الْحسن بن مُحَمَّد بن الْحسن بن الْحسن بن عَليّ بن أبي طَالب، وَعبد اللَّهِ بن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم بن الْحسن بن الْحسن بن عَليّ بن أبي طَالب، وَعبد اللَّهِ هَذَا ابْن عَاتِكَة، وَجرى بَينه وَبَين عَامل الْهَادِي على الْمَدِينَة وَهُوَ عمر بن عبد الْعَزِيز بن عبد اللَّهِ بن عمر بن الْخطاب قتال، فَانْهَزَمَ عمر وَبَايع النَّاس الْحُسَيْن على كتاب اللَّهِ وَسنة نبينه المرتضى من آل مُحَمَّد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، وَأقَام الْحُسَيْن وَأَصْحَابه يَتَجَهَّزُونَ أحد عشر يَوْمًا.
ثمَّ خَرجُوا لست بَقينَ من ذِي الْقعدَة وَوصل الْحُسَيْن إِلَى مَكَّة، وَلحق بِهِ جمَاعَة من عبيد مَكَّة.
وَكَانَ قد حج تِلْكَ السّنة جمَاعَة من بني الْعَبَّاس وشيعتهم، مِنْهُم: سُلَيْمَان بن أبي جَعْفَر الْمَنْصُور وَمُحَمّد بن سُلَيْمَان بن عَليّ، وَالْعَبَّاس بن مُحَمَّد بن عَليّ، وانضم إِلَيْهِم من حج من شيعتهم ومواليهم وقوادهم؛ واقتتلوا بوج يَوْم التَّرويَة، فَقتل الْحُسَيْن وَانْهَزَمَ أَصْحَابه واحتز رَأسه وَجمع مَعَه من رُؤُوس أَصْحَابه ورؤوس أهل الْمَدِينَة نَحْو مائَة رَأس مِنْهَا رَأس سُلَيْمَان بن عبد اللَّهِ بن الْحُسَيْن بن الْحسن بن عَليّ بن أبي طَالب، وَاخْتَلَطَ المنهزمون بالحاج، وَوَج عَن مَكَّة إِلَى جِهَة الطَّائِف ذكره النميري فَقَالَ:
(تضوع مسكا بطن نعْمَان إِذْ مشت ... بِهِ زَيْنَب فِي نسْوَة خفرات)

(مررن بوج ثمَّ قمن عَشِيَّة ... يلبين للرحمن معتمرات)

وَفِي قتل الْمَذْكُورين بوج يَقُول بَعضهم:
(فلأبكين على الْحُسَيْن ... بعولة وعَلى الْحسن)

(وعَلى ابْن عَاتِكَة الَّذِي ... واروه لَيْسَ لَهُ كفن)

(تركُوا بوج غدْوَة ... فِي غير منزلَة الوطن)

وأفلت مِنْهُم إِدْرِيس بن عبد اللَّهِ بن الْحسن بن الْحسن بن عَليّ رَضِي اللَّهِ عَنْهُم، فَأتى مصر وعَلى بريدها وَاضح الشيمي مولى بني الْعَبَّاس، فَحمل إِدْرِيس على الْبَرِيد إِلَى ... ... ... ... ... ... ... ...

(1/193)


الْمغرب إِلَى أَرض طنجة، وَبلغ الْهَادِي ذَلِك فَضرب عنق وَاضح، وَبَقِي إِدْرِيس هُنَاكَ حَتَّى أرسل الرشيد إِلَيْهِ الشماخ النامي مولى بني السَّيِّد فاغتاله بالسم.
وَكَانَ لإدريس حظية حُبْلَى، فَولدت ابْنا سموهُ إِدْرِيس باسم أَبِيه، وَكبر واستقل بِملك تِلْكَ الْبِلَاد.
وَحمل رَأس الْحُسَيْن وَبَاقِي الرؤوس إِلَى الْهَادِي، فَأنْكر عَلَيْهِم حمل رَأس الْحُسَيْن وَلم يعطهم جوائزهم غَضبا عَلَيْهِم، وَكَانَ الْحُسَيْن شجاعا كَرِيمًا، قدم على الْمهْدي فَأعْطَاهُ أَرْبَعِينَ ألف دِينَار ففرقها بِبَغْدَاد والكوفة، وَخرج من الْكُوفَة بفروة لَيْسَ تحتهَا قَمِيص.
وفيهَا: مَاتَ مُطِيع بن أياس الشَّاعِر. وَتُوفِّي نَافِع الْمقري بن عبد الرَّحْمَن بن أبي نعيم أحد السَّبْعَة، وروى عَنهُ ورش وقنبل، كَانُوا يرجعُونَ فِي الْمَدِينَة إِلَى قِرَاءَته، وَكَانَ محتسبا أسود شَدِيد السوَاد فِيهِ دعابة وَقَرَأَ عَلَيْهِ مَالك الْقُرْآن، وَهَذَا غير نَافِع مولى عبد اللَّهِ بن عمر الْمُحدث.
وفيهَا: مَاتَ الرّبيع بن يُونُس حَاجِب الْمَنْصُور ومولاه.
ثمَّ دخلت سنة سبعين وَمِائَة: فِيهَا توفّي مُوسَى الْهَادِي بن الْمهْدي بن الْمَنْصُور لَيْلَة الْجُمُعَة منتصف ربيع الأول، وخلافته سنة وَثَلَاثَة أشهر، وعمره سِتّ وَعِشْرُونَ، قيل: قتلته أمه الخيزران بِأَن غم جواريها وَجهه وَهُوَ مَرِيض، وَدفن بِعَين باذا الْكُبْرَى فِي بستانه، كَانَ أَبيض طَويلا جسيما بشفته الْعليا نقص وَله سَبْعَة بَنِينَ وابنتان.

(أَخْبَار هَارُون الرشيد)

وفيهَا: بُويِعَ للرشيد هَارُون بالخلافة وَهُوَ خامسهم لَيْلَة موت أَخِيه الْهَادِي وأمهما الخيزران أم ولد، ولد بِالريِّ فِي آخر ذِي الْحجَّة سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وَمِائَة وَصلى عَلَيْهِ الرشيد وَقصد بَغْدَاد.
وفيهَا: فِي شَوَّال ولد الْأمين مُحَمَّد بن الرشيد من زبيدة، واستوزر الرشيد يحيى بن خَالِد ومكنه
وفيهَا: عزل الرشيد الثغور كلهَا من الجزيرة وقنسرين وَجعلهَا حيزا وَاحِدًا وَسميت العواصم، وَأمر بعمارة طرطوس على يَد فرج الْخَادِم التركي ونزلها النَّاس.
وفيهَا: أَمر عبد الرَّحْمَن الدَّاخِل الْأمَوِي المستولي على الأندلس بِبِنَاء جَامع قرطبة مَوضِع الْكَنِيسَة بِمِائَة ألف دِينَار.
ثمَّ دخلت سنة إِحْدَى وَسبعين وَمِائَة: فِيهَا توفّي عبد الرَّحْمَن الْأمَوِي بقرطبة، وَيعرف بالداخل لدُخُوله بِلَاد الْمغرب، وَهُوَ: عبد الرَّحْمَن بن مُعَاوِيَة بن هِشَام بن عبد الْملك بن مَرْوَان بن الحكم بن أبي الْعَاصِ بن أُميَّة بن عبد شمس بن عبد منَاف فِي ربيع الآخر ولد بِأَرْض دمشق سنة ثَلَاث عشرَة وَمِائَة وَمُدَّة ملكه بالأندلس ثَلَاث وَثَلَاثُونَ سنة، وَملك

(1/194)


بعده ابْنه هِشَام؛ وَكَانَ عبد الرَّحْمَن أصهب خَفِيف العارضين طَويلا نحيفا أَعور، والتجأ إِلَيْهِ بَنو أُميَّة.
ثمَّ دخلت سنة اثْنَتَيْنِ وَسبعين وَمِائَة: فِيهَا توفّي أَبُو يزِيد رَبَاح اللَّخْمِيّ الزَّاهِد بِمَدِينَة القيروان، وَكَانَ مجاب الدعْوَة.
ثمَّ دخلت سنة ثَلَاث وَسبعين وَمِائَة: فِيهَا مَاتَت الخيزران أم الرشيد، وَحج الرشيد وَأحرم من بَغْدَاد.
ثمَّ دخلت سنة أَربع وَسبعين وَمِائَة وَسنة خمس وَسبعين وَمِائَة: فِيهَا تحرّك فِي الديلم يحيى بن عبد اللَّهِ بن حسن بن حُسَيْن بن عَليّ رضى اللَّهِ عَنْهُم.
وفيهَا: ولد إِدْرِيس بن إِدْرِيس بن عبد اللَّهِ بن الْحسن بن الْحسن بن عَليّ رَضِي اللَّهِ عَنْهُم.
ثمَّ دخلت سنة سِتّ وَسبعين وَمِائَة: فِيهَا ظهر أَمر يحيى الحسني الْمَذْكُور بالديلم وَقَوي، فَأرْسل الرشيد الْفضل بن يحيى إِلَيْهِ، فَأحْضرهُ بالأمان،، وَيَمِين الرشيد بِخَطِّهِ، وأكرمه الرشيد وَأَعْطَاهُ، ثمَّ حَبسه حَتَّى مَاتَ فِي الْحَبْس.
وفيهَا: هَاجَتْ الْفِتْنَة بِدِمَشْق بَين المضريين واليمانيين، وَكَانَ على دمشق عبد الصَّمد فسعى بالرؤساء فِي الصُّلْح، فَأجَاب بَنو الْقَيْن واستمهلت اليمانية، ثمَّ سَارُوا إِلَى بني الْقَيْن وَقتلُوا مِنْهُم نَحْو سِتّمائَة، فاستنجدت بَنو الْقَيْن قضاعة وسليحا فَأَبَوا، فاستنجدوا قيسا فَسَارُوا مَعَهم إِلَى العواليك من أَرض البلقاء فَقتلُوا من اليمانية ثَمَانمِائَة وَكثر الْقِتَال بَينهم، ثمَّ عزل الرشيد عبد الصَّمد عَن دمشق وولاها إِبْرَاهِيم بن صَالح بن عَليّ، ودام الْقِتَال بَين الْمَذْكُورين نَحْو سنتَيْن.
وَسبب الْفِتْنَة: قطع رجل من بني الْقَيْن بطيخة من حَائِط بالبلقاء لرجل من لخم وجذام.
وفيهَا: مَاتَ الْفرج بن فضَالة، وَصَالح بن بشر الْقَارِي؛ وَكَانَ ضَعِيفا فِي الحَدِيث.
وفيهَا: مَاتَ نعيم بن ميسرَة النَّحْوِيّ الْكُوفِي.
ثمَّ دخلت سنة سبع وَسبعين وَمِائَة: فِيهَا توفّي بِالْكُوفَةِ أَبُو عبد اللَّهِ شريك بن عبد اللَّهِ بن أبي شريك تولى الْقَضَاء أَيَّام الْمهْدي ثمَّ عَزله الْهَادِي، وَكَانَ عَالما عادلا كثير الصَّوَاب حَاضر الْجَواب، ذكر عِنْده مُعَاوِيَة بالحلم فَقَالَ: لَيْسَ بحليم من سفه الْحق وَقَاتل عليا؛ ولد ببخارى سنة خمس وَتِسْعين.
ثمَّ دخلت سنة ثَمَان وَسبعين وَسنة تسع وَسبعين وَمِائَة: فِيهَا توفّي مَالك بن أنس بن مَالك بن أبي عَامر بن عمر بن الْحَارِث الأصبحي من ولد ذِي الأصبح الْحَارِث بن عَوْف من ولد يعرب بن قحطان، ولد سنة خمس وَتِسْعين، أَخذ الْقِرَاءَة عَن نَافِع بن أبي نعيم وَسمع الزُّهْرِيّ، وَأخذ الْعلم عَن ربيعَة الْمرَائِي. قَالَ الشَّافِعِي: قَالَ لي مُحَمَّد بن الْحسن:

(1/195)


أَيّمَا أعلم صاحبنا أم صَاحبكُم - يَعْنِي أَبَا حنيفَة ومالكا -؟ قلت: على الأنصاف: قَالَ: نعم، قلت: أنْشدك اللَّهِ من أعلم بِالْقُرْآنِ صاحبنا أم صَاحبكُم؟ قَالَ: اللَّهُمَّ صَاحبكُم، قلت: فأنشدك اللَّهِ من أعلم بِالسنةِ؟ قَالَ: اللَّهُمَّ صَاحبكُم، قلت: فأنشدك اللَّهِ من أعلم بأقاويل أَصْحَاب رَسُول اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْمُتَقَدِّمين صاحبنا أم صَاحبكُم؟ قَالَ: اللَّهُمَّ صَاحبكُم، قلت: فَلم يبْق إِلَّا الْقيَاس وَالْقِيَاس لَا يكون إِلَّا على هَذِه الْأَشْيَاء.
وسعي بِالْإِمَامِ مَالك إِلَى جَعْفَر بن سُلَيْمَان بن عَليّ بن عبد اللَّهِ بن الْعَبَّاس ابْن عَم الْمَنْصُور وَقَالُوا: إِنَّه لَا يرى الْأَيْمَان ببيعتكم هَذِه بِشَيْء لِأَن يَمِين الْمُكْره لَيست لَازِمَة، فَغَضب ودعا بِمَالك وجرده وضربه بالسياط ومدت يَده حَتَّى انخلعت كتفه وارتكب مِنْهُ أمرا عَظِيما، فَلم يزل بعد ذَلِك الضَّرْب فِي عَلَاء ورفعة، دفن بِالبَقِيعِ وَكَانَ شَدِيد الْبيَاض إِلَى الشقرة طَويلا.
قلت: قَالَ القعْنبِي: دخلت على مَالك فِي مَرضه الَّذِي مَاتَ فِيهِ فَسلمت عَلَيْهِ، ثمَّ جَلَست فرأيته يبكي فَقلت: يَا أَبَا عبد اللَّهِ مَا الَّذِي يبكيك؟ فَقَالَ: يَا ابْن قعنب ومالى لَا أبْكِي وَمن أَحَق بالبكاء مني وَالله لَوَدِدْت أَنِّي ضربت بِكُل مَسْأَلَة أَفْتيت فِيهَا برأيي بِسَوْط سَوط وَقد كَانَت لي السعَة فِيمَا قد سبقت إِلَيْهِ وليتني لم أفت بِالرَّأْيِ، وَالله اعْلَم.
وفيهَا: توفّي مُسلم بن خَالِد الزنْجِي الْفَقِيه الْمَكِّيّ، صَحبه الشَّافِعِي قبل مَالك وَأخذ عَنهُ الْفِقْه، كَانَ أَبيض مشربا بحمرة وَلذَلِك قيل الزنْجِي.
وفيهَا: توفّي السَّيِّد الْحِمْيَرِي الشَّاعِر إِسْمَاعِيل بن مُحَمَّد بن يزِيد بن ربيعَة بن مفرغ الْحِمْيَرِي الشيعي وَالسَّيِّد لقبه، أَكثر من الشّعْر وَمن الوقيعة فِي الصَّحَابَة والهجو لعَائِشَة رَضِي اللَّهِ عَنْهَا.
ثمَّ دخلت سنة ثَمَانِينَ وَمِائَة: فِيهَا مَاتَ هِشَام بن عبد الرَّحْمَن بن مُعَاوِيَة بن هِشَام بن عبد الْملك صَاحب الأندلس، وإمارته سبع سِنِين وَسَبْعَة أشهر وَثَلَاثَة أَيَّام وعمره تسع وَثَلَاثُونَ وَأَرْبَعَة أشهر، واستخلف ابْنه الحكم فَخرج على الحكم عماه سُلَيْمَان وَعبد اللَّهِ ابْنا عبد الرَّحْمَن وَكَانَا فِي بر العدوة، فتحاربوا مُدَّة فظفر بِعَمِّهِ سُلَيْمَان فَقتله سنة أَربع وَثَمَانِينَ وَمِائَة، فخاف عَمه عبد اللَّهِ وَصَالَحَهُ سنة سِتّ وَثَمَانِينَ. وَفِي اشْتِغَاله بِقِتَال عميه أخذت الفرنج مَدِينَة برشلونه سنة خمس وَثَمَانِينَ وَمِائَة.
وفيهَا - أَعنِي سنة ثَمَانِينَ وَمِائَة -: سَار جَعْفَر الْبَرْمَكِي إِلَى الشَّام فسكن الْفِتْنَة الَّتِي كَانَت فِيهِ.
وفيهَا: هدم الرشيد سور الْموصل بعصيان أَهلهَا فِي كل وَقت.
وفيهَا وَقيل: سنة سبع وَسبعين وَمِائَة: توفّي سِيبَوَيْهٍ النَّحْوِيّ واسْمه عَمْرو بن عُثْمَان بن قنبر، أعلم الْمُتَقَدِّمين والمتأخرين بالنحو وَكتب النَّحْو عيلة على كِتَابه أَخذ النَّحْو عَن الْخَلِيل بن أَحْمد، وَقيل: توفّي بِالْبَصْرَةِ سنة إِحْدَى وَسِتِّينَ وَمِائَة، وَقيل: سنة ثَمَان

(1/196)


وَثَمَانِينَ وَمِائَة، وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ: سنة أَربع وَتِسْعين وَمِائَة وعمره اثْنَتَانِ وَثَلَاثُونَ سنة بِمَدِينَة ساوة، وَقَالَ ابْن دُرَيْد: مَاتَ بشيراز وقبره بهَا، وَكَانَ كثيرا مَا ينشد:
(إِذا بل من دَاء بِهِ ظن أَنه ... يجاوبه الدَّاء الَّذِي هُوَ قَاتله)

وسيبويه فَارسي مَعْنَاهُ بِالْعَرَبِيَّةِ: رَائِحَة التفاح لجمال صورته.
وَله مَعَ الْكسَائي الْبَحْث الْمَشْهُور فِي قَوْلك: كنت أَظن أَن الزنبور أَشد لسعا من النحلة، قَالَ سِيبَوَيْهٍ: فَإِذا هُوَ هِيَ، وَقَالَ الْكسَائي: فَإِذا هُوَ إِيَّاهَا. وانتصر الْأمين بن الرشيد لمعلمه الْكسَائي وتعصبوا على سِيبَوَيْهٍ، فسافر إِلَى فَارس فَمَاتَ بقرية البيضا من قرى شيزار.
قلت: وَقيل إِن وِلَادَته بالبيضاء لَا وَفَاته، وَكَانَ فِي لِسَانه حبسة فَعلمه أبلغ من لِسَانه، وزار يَوْمًا أستاذة الْخَلِيل فَقَالَ: مرْحَبًا بزائر لَا يمل، وَالله أعلم.
ثمَّ دخلت سنة إِحْدَى وَثَمَانِينَ وَمِائَة: فِيهَا غزا الرشيد الرّوم:، فَافْتتحَ حصن الصفصاف.
وفيهَا: توفّي عبد اللَّهِ بن المبرك الْمروزِي وعمره ثَلَاث وَسِتُّونَ.
وفيهَا: توفّي مَرْوَان بن أبي حَفْصَة الشَّاعِر، وَولد سنة خمس وَمِائَة.
وفيهَا: توفّي القَاضِي أَبُو يُوسُف يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم من ولد سعد بن خَيْثَمَة، وَسعد صَحَابِيّ أَنْصَارِي وَهُوَ سعد بن يحيى واشتهر بِأُمِّهِ، وَأَبُو يُوسُف أكبر أَصْحَاب أبي حنيفَة.
قلت: وَنَشَأ يَتِيما، وطالت على أمه صحبته لأبي حنيفَة وإعراضه عَن تعلم حِرْفَة فَحَضَرت عِنْده وعاتبته على ذَلِك، فَقَالَ: مري يَا رعناء هَا هُوَ ذَا يتَعَلَّم أكل الفالوذج بدهن الفستق، فَلَمَّا كبر وَأكله عِنْد الرشيد ذكر ذَلِك لَهُ فتعجب مِنْهُ.
وَسَأَلَهُ الرشيد عَن إِمَام شَاهد رجلا يَزْنِي هَل يحده؟ قَالَ: لَا، فَسجدَ الرشيد وَقَالَ: من أَيْن قلت هَذَا؟ قَالَ: لِأَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " ادرؤا الْحُدُود بِالشُّبُهَاتِ "، وَهَذِه شُبْهَة يسْقط الْحَد مَعهَا، قَالَ: وَأي شُبْهَة مَعَ المعاينة؟ قَالَ: لَيْسَ توجب المعاينه لذَلِك أَكثر من الْعلم بِمَا جرى وَالْحُدُود لَا تكون بِالْعلمِ، فَسجدَ مرّة أُخْرَى، وَحصل لَهُ بِهَذِهِ من الرشيد وَمن المستفتي فِيهِ وَمن أمه وجماعته مَال جزيل، وَالله أعلم.
ثمَّ دخلت سنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ وَمِائَة: فِيهَا مَاتَ جَعْفَر الطَّيَالِسِيّ الْمُحدث.
ثمَّ دخلت سنة ثَلَاث وَثَمَانِينَ وَمِائَة: فِيهَا توفّي مُوسَى الكاظم بن جَعْفَر الصَّادِق بن مُحَمَّد الباقر بن عَليّ زين العابدين بن الْحُسَيْن بن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي اللَّهِ عَنْهُم بِبَغْدَاد فِي حبس الرشيد، حكت أُخْت سجانه السندي بن شاهك وَكَانَ تلِي خدمته أَن الكاظم كَانَ إِذا صلى الْعَتَمَة حمد اللَّهِ ومجده وَدعَاهُ إِلَى أَن يَزُول اللَّيْل، ثمَّ يقوم يُصَلِّي حَتَّى يطلع الصُّبْح فَيصَلي الصُّبْح، ثمَّ يذكر اللَّهِ حَتَّى تطلع الشَّمْس، ثمَّ يقْعد إِلَى ارْتِفَاع

(1/197)


الضُّحَى، ثمَّ يرقد وَيَسْتَيْقِظ قبل الزَّوَال، ثمَّ يتَوَضَّأ وَيُصلي حَتَّى يُصَلِّي الْعَصْر، ثمَّ يذكر اللَّهِ حَتَّى يُصَلِّي الْمغرب، ثمَّ يُصَلِّي مَا بَين الْمغرب وَالْعَتَمَة، فَكَانَ هَذَا دأبه إِلَى أَن مَاتَ رَحْمَة اللَّهِ عَلَيْهِ.
سمي الكاظم: لإحسانه إِلَى من يسيء إِلَيْهِ، وَهُوَ سَابِع الْأَئِمَّة الاثنى عشر على رَأْي الإمامية، ولد سنة تسع وَعشْرين وَمِائَة، وقبره عَلَيْهِ مشْهد عَظِيم بالجانب الغربي من بَغْدَاد.
قلت: وأقدمه الْمهْدي بَغْدَاد من الْمَدِينَة وحبسه فَرَأى فِي النّوم عَليّ بن أبي طَالب رَضِي اللَّهِ عَنهُ وَهُوَ يَقُول: " يَا مُحَمَّد فَهَل عسيتم إِن توليتم أَن تفسدوا فِي الأَرْض وتقطعوا أَرْحَامكُم ". فانتبه لَيْلًا وأحضر مُوسَى وعانقه وَأخْبرهُ بالمنام وَقَالَ: تؤمنني أَن تخرج عَليّ وعَلى أحد من وَلَدي "، فَقَالَ: وَالله لَا فعلت ذَلِك وَلَا هُوَ من شأني، فَأعْطَاهُ ثَلَاثَة آلَاف دِينَار ورده إِلَى الْمَدِينَة، وَأقَام بهَا إِلَى أَيَّام هَارُون، وَالله أعلم.
وفيهَا: توفّي يُونُس بن حبيب النَّحْوِيّ وَقد نَيف على الْمِائَة، أَخذ الْعلم عَن أبي عَمْرو بن الْعَلَاء وروى عَنهُ سِيبَوَيْهٍ، وَله قِيَاس فِي النَّحْو.
قلت: قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: اخْتلف إِلَيْهِ أَرْبَعِينَ سنة أملأ كل يَوْم ألواحي من حفظه، وَكَانَ من أهل جبل - بِفَتْح الْجِيم وَضم الْبَاء الْمُوَحدَة الْمُشَدّدَة - وَهِي على دجلة وَكَانَ لَا يحب نسبته إِلَيْهَا، فَلَقِيَهُ عميري وَقَالَ: مَا تَقول فِي جبل ينْصَرف أم لَا؟ فشتمه يُونُس خلْوَة وَأَتَاهُ الْعمريّ خلْوَة، وَأَتَاهُ العميري من الْغَد وَهُوَ جَالس للنَّاس فَقَالَ: مَا تَقول فِي جبل ينْصَرف أم لَا؟ فَقَالَ: الْجَواب مَا قلت لَك أمس، وَالله أعلم.
ثمَّ دخلت سنة أَربع وَثَمَانِينَ وَمِائَة: فِيهَا ولى الرشيد حمادا الْبَرْبَرِي الْيمن وَمَكَّة، وَدَاوُد بن يزِيد بن مرْثَد المهلبي السَّنَد، وَيحيى الجرشِي الْجَبَل، ومهرويه الرَّازِيّ طبرستان، وَإِبْرَاهِيم بن الْأَغْلَب إفريقية، وَكَانَ على أَعمال الْموصل يزِيد بن مزِيد بن زَائِدَة الشَّيْبَانِيّ.
ثمَّ دخلت سنة خمس وَثَمَانِينَ وَمِائَة: فِيهَا مَاتَ عَم الْمَنْصُور عبد الصَّمد بن عَليّ بن عبد اللَّهِ بن عَبَّاس وَهُوَ بِمَنْزِلَة يزِيد بن مُعَاوِيَة إِلَى عبد منَاف، وَبَين مَوْتهمَا مَا يزِيد على مائَة وَعشْرين سنة.
وفيهَا: مَاتَ يزِيد بن مزِيد الشَّيْبَانِيّ ابْن أخي معن.
ثمَّ دخلت سنة وَثَمَانِينَ وَمِائَة وَسنة سبع وَثَمَانِينَ وَمِائَة: فِيهَا أوقع الرشيد بالبرامكة وَقتل جَعْفَر بن يحيى بالأنبار مستهل صفر وعمره سبع وَثَلَاثُونَ سنة، وَسَببه عِنْد الْأَكْثَر: كَونه زوجه أُخْته عباسة ليحل لَهُ النّظر إِلَيْهَا وَشرط أَن لَا يقربهَا، فَوَطِئَهَا وحبلت مِنْهُ بِغُلَام، وَقيل: بل حبس الرشيد يحيى بن عبد اللَّهِ بن الْحسن بن الْحسن رَضِي اللَّهِ عَنْهُم عِنْد جَعْفَر فَأَطْلقهُ، وَقيل عظم واشتهر أَمر البرامكة وأحبهم النَّاس، والملوك على مثل ذَلِك لَا تصبر، وَبعث بِرَأْس جَعْفَر وجيفته إِلَى بَغْدَاد وَنصب رَأسه على الجسر وَجعل جيفته قطعتين على

(1/198)


الجسرين وأحاط بِيَحْيَى وَولده وَجَمِيع أنسابه واخذ جَمِيع مَا يملكونه، وَلم يتَعَرَّض لمُحَمد بن خَالِد بن برمك وَولده لبراءته عِنْده، وَمُدَّة وزارتهم سبع عشرَة سنة، وَفِي ذَلِك يَقُول الرقاشِي وَقيل: أَبُو نؤاس قصيدة مِنْهَا:
(وَقل للمنايا قد ظَفرت بِجَعْفَر ... وَلم تظفري من بعده بمسود)

(وَقل للعطايا بعد فضل تعطلي ... وَقل للرزايا كل يَوْم تجددي)

(ودونك سَيْفا برميكا مهندا ... أُصِيب بِسيف هاشمي مهند)

وَقَالَ يحيى: الدُّنْيَا دوَل، وَالْمَال عَارِية، وَلنَا بِمن قبلنَا أُسْوَة، وَفينَا لمن بَعدنَا عِبْرَة.
وفيهَا: خلع الرّوم ملكتهم زيني وملكوا بدلهَا تقفور، فَكتب إِلَى الرشيد: من تقفور ملك الرّوم إِلَى هَارُون ملك الْعَرَب، وَأما بعد: فَإِن الملكة الَّتِي كَانَت قبلي أقامتك مقَام الرخ وأقامت نَفسهَا مقَام البيدق فَحملت إِلَيْك من أموالها مَا كنت حَقِيقا بِحمْل أضعافه إِلَيْهَا لَكِن ذَلِك من ضعف النِّسَاء وحمقهن، فَإِذا قَرَأت كتابي هَذَا ارْدُدْ مَا حصل لَك من أموالها وَإِلَّا السَّيْف بَيْننَا وَبَيْنك. وَكتب الرشيد فِي ظهر الْكتاب: بِسم اللَّهِ الرَّحْمَن الرَّحِيم من هَارُون أَمِير الْمُؤمنِينَ إِلَى تقفور كلب الرّوم وَقد قَرَأت كتابك يَا ابْن الْكَافِرَة وَالْجَوَاب مَا ترَاهُ لَا مَا تسمعه.
ثمَّ سَار الرشيد من يَوْمه حَتَّى نزل على هرقلة فَفتح وغنم وَخرب، فَسَأَلَهُ تقفور الْمُصَالحَة على خراج يحملهُ كل سنة فَأَجَابَهُ.
وفيهَا: توفّي الفضيل بن عِيَاض الزَّاهِد، ومولده بسمرقند.
وفيهَا: توفّي أَبُو مُسلم معَاذ الهراء النَّحْوِيّ، وَعنهُ أَخذ الْكسَائي، وَولد أَيَّام يزِيد بن عبد الْملك.
ثمَّ دخلت سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ وَمِائَة: فِيهَا توفّي الْعَبَّاس بن الْأَحْنَف الشَّاعِر.
قلت: قَالَ بشار بن برد: مَا زَالَ غُلَام من بني حنيفَة - يَعْنِي الْعَبَّاس بن الْأَحْنَف - يدْخل نَفسه فِينَا وَنحن نخرجهُ منا، حَتَّى قَالَ:
(يَا أَيهَا الرجل المعذب نَفسه ... أقصر فَإِن شفاءك الإقصار)

(نزف الْبكاء دموع عَيْنك فاستعر ... عينا يعينك دمعها المدرار)

(من ذَا يعيرك عينه تبْكي بهَا ... أَرَأَيْت عينا للبكاء تعار)
وَالله أعلم.
ثمَّ دخلت سنة تسع وَثَمَانِينَ وَمِائَة: فِيهَا توفّي أَبُو الْحسن عَليّ بن حَمْزَة بن عبد اللَّهِ بن فَيْرُوز الْكسَائي أحد الْقُرَّاء السَّبْعَة نحوي لغَوِيّ، دخل الْكُوفَة وأتى حَمْزَة الزيات ملتفا بكساء وَقيل: بل أحرم بكساء فَقيل الْكسَائي.
وفيهَا: سَار الرشيد إِلَى الرّيّ وَأقَام أَرْبَعَة أشهر وَرجع فِي ذِي الْحجَّة وأحرق جثة

(1/199)


جَعْفَر، وَمضى إِلَى الرقة تَحَرُّزًا من أَتبَاع الأمويين مَعَ شدَّة حبه لبغداد، فَقَالَ شَاعِر:
(مَا انحنا حَتَّى ارتحلنا فَمَا نفرق ... بَين المناخ والارتحال)

(ساءلونا عَن حَالنَا إِذا قدمنَا ... فقرنا وداعهم بالسؤال)

وفيهَا: مَاتَ مُحَمَّد بن الْحسن الشبياني صَاحب أبي حنيفَة أَبوهُ من حرستا من الغوطة، ولمحمد عدَّة كتب كالجامع الْكَبِير وَالْجَامِع الصَّغِير وَغَيرهمَا.
قلت: طلب الشَّافِعِي مِنْهُ كتبا فتأخرت عَنهُ، فَكتب إِلَيْهِ:
(قل للَّذي لم ترعين ... من رَآهُ مثله)

(وَمن كَانَ من رَآهُ ... قد رأى من قبله)

(الْعلم ينْهَى أَهله ... أَن يمنعوه أَهله)

(لَعَلَّه يبذله ... لأَهله لَعَلَّه)

فأنفذ الْكتب إِلَيْهِ، كَذَا قَالَ الشَّيْخ أَبُو إِسْحَاق فِي الطَّبَقَات، وَالله أعلم.
ثمَّ دخلت سنة تسعين وَمِائَة: فِيهَا سَار الرشيد فِي مائَة ألف وَخَمْسَة وَثَلَاثِينَ ألفا سوى المتطوعة والأتباع، وحاصر هرقلة ثَلَاثِينَ يَوْمًا وَفتحهَا فِي شَوَّال وسبى أَهلهَا، وَبث العساكر فِي الرّوم ففتحوا الصفصاف وملقونية وخربوا ونهبوا فَبعث تقفور بالجزية عَن رَعيته وَعَن رَأسه وَرَأس وَلَده وبطارقته.
وفيهَا: نقض أهل قبرس الْعَهْد، فغزاهم معتوق بني يحيى عَامل سواحل مصر وَالشَّام فسباهم.
وفيهَا: أسلم الْفضل بن سهل على يَد الْمَأْمُون وَكَانَ مجوسيا، وَتُوفِّي أسيد بن عَمْرو بن عَامر الْكُوفِي صَاحب أبي حنيفَة وَيحيى بن خَالِد بن برمك مَحْبُوسًا بالرقة فِي الْمحرم، وعمره سَبْعُونَ.
ثمَّ دخلت سنة إِحْدَى وَتِسْعين وَمِائَة وَسنة اثْنَتَيْنِ وَتِسْعين وَمِائَة: فِيهَا سَار الرشيد إِلَى خُرَاسَان من الرقة فَنزل بَغْدَاد، ورحل عَنْهَا إِلَى النهروان لخمس خلون من شعْبَان واستخلف على بَغْدَاد ابْنه الْأمين.
ثمَّ دخلت سنة ثَلَاث وَتِسْعين وَمِائَة: فِيهَا مَاتَ الْفضل بن يحيى فِي حبس الرقة فِي الْمحرم، وعمره خمس وَأَرْبَعُونَ، وَكَانَ من محَاسِن الدُّنْيَا.
وفيهَا: مَاتَ الرشيد لثلاث خلون من جُمَادَى الْآخِرَة، كَانَ من بَدو سَفَره مَرِيضا فَاشْتَدَّ مَرضه بجرحان وَسَار إِلَى طوس فَمَاتَ بهَا، وَأنزل فِي قَبره قوما ختموا فِيهِ الْقُرْآن وَهُوَ فِي محفة على شَفير الْقَبْر وَيَقُول: وإسوأتا من رَسُول اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَغشيَ عَلَيْهِ، ثمَّ أَفَاق فَقَالَ للفضل بن الرّبيع يَا فضل:
(أحين دنا مَا كنت أخْشَى دنوه ... رمتني عُيُون النَّاس من كل جَانب)

(1/200)


(فَأَصْبَحت مرحوما وَكنت مجسدا ... فصبرا على مَكْرُوه مر العواقب)

(سأبكي على الْوَصْل الَّذِي كَانَ بَيْننَا ... وأندب أَيَّام السرُور الذواهب)

ثمَّ مَاتَ وَصلى عَلَيْهِ صَالح، وَكَانَت خِلَافَته ثَلَاثًا وَعشْرين سنة وشهرين وَثَمَانِية عشر يَوْمًا، وعمره سبع وَأَرْبَعُونَ سنة وَخَمْسَة أشهر وَخَمْسَة أَيَّام؛ كَانَ جميلا أَبيض وخطه الشيب، وَبَنوهُ: الْأمين من زبيدة، والمأمون من مراحل أم ولد، وَالقَاسِم المؤتمن، وَالقَاسِم مُحَمَّد، وَأَبُو عِيسَى مُحَمَّد، وَأَبُو يَعْقُوب، وَأَبُو الْعَبَّاس مُحَمَّد، وَأَبُو سلمَان مُحَمَّد، أَبُو عَليّ مُحَمَّد، وَأَبُو مُحَمَّد وَهُوَ اسْمه، وَأَبُو أَحْمد مُحَمَّد كلهم لأمهات أَوْلَاد، وَخمْس عشرَة بِنْتا؛ وَكَانَ يتَصَدَّق من صلب مَاله كل يَوْم بِأَلف دِرْهَم، وعهد بالخلافة إِلَى الْأمين وَبعده إِلَى الْمَأْمُون وَكتب بذلك عهدا وَجعله فِي الْكَعْبَة، وَجعل ابْنه الْقَاسِم المؤتمن ولي الْعَهْد بعد الْمَأْمُون وَجعل إِلَى الْمَأْمُون أَن يسْتَمر بِهِ وَأَن يعزله.