(35/10)
جاولي المَوْصِل فحاصرها وبها زنكي بْن
جكرمش، ومات جكرمش أمام الحصار عَنْ نحو ستين سنة [1] .
[تملك قلج أرسلان المَوْصِل]
وأرسل غلمان جكرمش إلى الأمير صَدَقة بْن مَزْيَد وإلى قسيم الدّولة
البُرْسُقيّ وإلى صاحب الرّوم قلج أرسلان قُتُلْمِش يستدعون كُلًا منهم
ليكشف عَنْهُم، ويسلّمون إِليْهِ المَوْصِل. فبادر قلج أرسلان، وخاف
جاولي فترحَّل. وأمّا البُرْسُقيّ شِحنة بغداد فسار فنزل تجاه الموصل
بعد رحيل جاولي بيوم، فما نزلوا إِليْهِ، فغضب ورجع، وتملّكها قلج
أرسلان، وحلفوا لَهُ في رجب. وأسقط خطبة السّلطان محمد، وتألّف النّاس
بالعدل وقال: مِن سعى إلى في أحدٍ قتلتُه [2] .
[منازلة جاولي الرحبة]
وأمّا جاولي فنازل الرَّحْبة يحاصرها، ثمّ افتتحها بمخامرة وأنْهبها
إلى الظُّهْر. وسار في خدمته صاحبها محمد بْن سبّاق الشَّيْبانيّ [3] .
[غرق قلج بالخابور]
ثمّ سار قلج أرسلان ليحارب جاولي، فالتقوا في ذي القِعْدة فحمل قلج
أرسلان بنفسه، وضرب يد صاحب العِلْم فأبانها، ووصل إلى جاولي فضربه
بالسّيف، فقطع الكُزَاغَنْد [4] فقط. وحمل أصحاب جاولي عَلَى الآخرين
فهزموهم، فعلم قلج أرسلان أنّه مأسور، فألقى نفسه في الخابور، وحمى
نفسه مِن أصحاب جاولي، فدخل بِهِ فَرَسُه في ماءٍ غميق، فغرق، وظهر بعد
أيّام، فدُفن ببعض قرى الخابور [5] .
__________
[1] الكامل في التاريخ 10/ 457، 458، تاريخ مختصر الدول 198.
[2] الكامل في التاريخ 10/ 426، 427، (حوادث سنة 500 هـ-.) ، تاريخ
مختصر الدول 199.
[3] الكامل في التاريخ 10/ 429 (حوادث سنة 500 هـ-) .
[4] الكزاغند: كلمة فارسية، وهو المعطف القصير يلبس فوق الزّرديّة.
ويقابله بالفرنسية) JAQUETTE
انظر دوزي. (DOZY ,
SUPPLEMENTAUDICT
.ARABES:
[5] الكامل في التاريخ 10/ 429، 430 (حوادث سنة 500 هـ-.) ، تاريخ
مختصر الدول 199، العبر 4/ 3، مرآة الجنان 3/ 170.
(35/11)
[تملُّك جاولي المَوْصِل]
وساق جاولي إلى المَوْصِل، ففتح أهلها لَهُ وتملكها، وكثُر رجاله
وأمواله، ولم يحمل شيئًا مِن الأموال إلى السّلطان. فلمّا قِدم
السّلطان بغداد لحرب صَدَقة جهّز عسكرًا لحرب جاولي، وتحصّن هُوَ
بالموصل وعَسَف وظَلَم، وأهلك الرعيّة [1] .
[دخول مودود المَوْصِل]
ونازل العسكر الموصل في رمضان سنة إحدى وخمسمائة وافتتحوه بمعاملة مِن
بعض أهله، ودخلها الأمير مودود، وأمن النّاس، وعَصَت زَوْجَة جاولي
بالقلعة ثمانية أيّام، ثمّ نزلت بأموالها [2] .
[أخذ جاولي بالِس]
وأمّا جاولي فإنّه كَانَ في عسكره بنواحي نَصِيبّين. وجَرَت لَهُ أمور
طويلة، وأخذ بالِس وغيرها، وفتك ونهب المسلمين [3] .
[وقعة جاولي وصاحب أنطاكية]
ثمّ فارقه الأمير زنكي بْن أقسُنْقُر، وبكتاش النّهاونْديّ، وبقي في
ألف فارس، فخرج لحربه صاحب أنطاكية تنكري في ألف وخمسمائة مِن الفرنج،
وستّمائة مِن عسكر حلب، فانهزم جاولي لمّا رَأَى تقلّل عسكره، وسار نحو
الرحْبة، وقُتِل خلْقٌ مِن الفريقين [4] .
[صفْح السّلطان عن جاولي]
ثمّ سار جاولي إلى باب السّلطان، وهو بقرب إصبهان، فدخل وكَفَنُه تحت
__________
[1] الكامل في التاريخ 10/ 457، 458، تاريخ الزمان 130، تاريخ مختصر
الدول 199، العبر 4/ 3.
[2] الكامل في التاريخ 10/ 458، 459، تاريخ مختصر الدول 199.
[3] تاريخ حلب للعظيميّ (بتحقيق زعرور) 364 (تحقيق سويم) 30، الكامل في
التاريخ 10/ 459.
[4] الكامل في التاريخ 10/ 464، 465، تاريخ الزمان 131.
(35/12)
إبْطه، فعفا عَنْهُ. وكان السّلطان محمد
كثير الحلم والصَّفْح [1] .
[غزوة طغتكين إلى طبرية]
وفيها سار طُغتِكين متولّي دمشق غازيا إلى طبرية، فالتقى هُوَ وابن أخت
صاحب القدس بغدوين. وكان المسلمون ألفي فارس سوى الرَّجّالة، وكانت
الفرنج أربعمائة فارس وألفَيْ راجل. فأشتدّ القتال، وانهزم المسلمون
فترجّل طُغتِكين، فتشجَّع العسكر وتراجعوا، وأسروا ابن أخت بغدوين،
ورجعوا منصورين. وبذل في نفسه ثلاثين ألف دينار [2] ، وإطلاق خمسمائة
أسير فلم يقنع منه طُغتِكين بغير الإسلام، ثمّ ذبحه بيده، وبعث بالأسرى
إلى بغداد [3] .
[مهادنة طُغتِكين وبغدوين]
ثم تهادن طُغتِكين وبغدوين عَلَى وضع الحرب أربع سنين [4] .
[أخذ الفرنج عرقة]
ثمّ سار طُغتِكين لتسلُّم حصن عرقة، أطلقه لَهُ ابن عمّار لعَجْزه عَنْ
حِفْظه، فقصده السّرْدانيّ بالفرنج، فتقهقر عسكر طُغتِكين ووصلوا إلى
حمص كالمنهزمين، وأخذ السّرْدانيّ عِرْقة بالأمان مِن غير كُلْفة [5] .
[وزارة ابن جَهير]
وفيها عُزِل الخليفة هبة الله بْن المطّلب بأبي القاسم عليّ بْن أَبِي
نصر بن جهير [6] .
__________
[1] الكامل في التاريخ 10/ 466.
[2] تاريخ الزمان 131.
[3] ذيل تاريخ دمشق 161، 162، الكامل في التاريخ 10/ 467، دول الإسلام
2/ 31، العبر 4/ 3، الإعلام والتبيين 18.
[4] ذيل تاريخ دمشق 164، الكامل في التاريخ 10/ 467، مرآة الزمان ج 8 ق
1/ 28، العبر 4/ 3، الإعلام والتبيين 18.
[5] الكامل في التاريخ 10/ 467، 468، نهاية الأرب 28/ 264، العبر 4/ 3،
ذيل تاريخ دمشق 162، أخبار مصر لابن ميسّر 2/ 73، تاريخ طرابلس 1/ 435.
[6] المنتظم 9/ 159 (17/ 112) ، الكامل في التاريخ 10/ 470، 471.
(35/13)
[زواج المستظهر باللَّه]
وفيها تزوَّج المستظهر باللَّه بأخت السّلطان محمد عَلَى مائة ألف
دينار، وعقد العقْد القاضي أبو العلاء صاعد بْن محمد النَّيْسابوريّ
الحنفيّ، وقبل العقد ابن نظام المُلْك، وذلك بإصبهان [1] .
[شحنة بغداد]
وفيها وُلّي شِحْنكيّة بغداد مجاهد الدّين بهروز [2] .
[مقتل قاضي إصبهان]
وفيها قتلت الباطنّية قاضي إصبهان عُبَيْد الله بْن عليّ الخطيبيّ
بَهَمَذَان، وكان يحرّض عليهم، وصار يلبس دِرْعًا تحت ثيابه حَذَرًا
منهم. قتله أعجميّ يوم الجمعة في صَفَر [3] .
[مقتل قاضي نَيْسابور]
وقتلوا يوم الفِطْر أبا العلاء صاعد بْن محمد قاضي نَيْسابور وقُتِل
قاتله، واستشهد كهلًا [4] .
[أخذ الفرنج قافلة مِن دمشق]
وفيها تجمّع قَفْلٌ كبير، وسار مِن دمشق طالبين مصر، فأخذتهم الفرنج
[5] .
[قتل الباطنية بشيزر]
وفيها ثار جماعة مِن الباطنيّة لعنهم الله في شيزر عَلَى حين غَفْلةٍ
مِن أهلها، فملكوها وأغلقوا الباب، وملكوا القلعة، وكان أصحابها أولاد
مُنْقذ قد
__________
[1] المنتظم 9/ 159، 160، (17/ 112) ، الكامل في التاريخ 10/ 471، دول
الإسلام 2/ 31، العبر 4/ 4، مرآة الجنان 3/ 171، البداية والنهاية 12/
170.
[2] الكامل في التاريخ 10/ 471، تاريخ ابن الوردي 2/ 19.
[3] الكامل في التاريخ 10/ 471، دول الإسلام 2/ 31، العبر 4/ 4، مرآة
الجنان 3/ 171، شذرات الذهب 4/ 4.
[4] الكامل في التاريخ 10/ 472، العبر 4/ 4، مرآة الجنان 3/ 171، شذرات
الذهب 4/ 4.
[5] الكامل في التاريخ 10/ 472.
(35/14)
نزلوا يتفرّجون عَلَى عيد النَّصارى، فبادر
أهل شيزر إلى الباشورة، فأصعدهم النّساء في حبالٍ مِن طاقات، ثمّ صعِد
أمراء الحصْن، واقتتلوا بالسّكاكين، فخُذِل الباطنيّة في الوقت،
وأَخَذَتْهُم السُّيوف، وكانوا مائةً، فلم ينْجُ منهم أحد [1] .
[مقتل الروياني شيخ الشافعية]
وفيها قتلت الباطنيّة شيخ الشّافعية أبا المحاسن عَبْد الواحد
الرّويانيّ [2] .
[أخْذُ طرابلس]
وفيها عَلَى ما ذكر أبو يَعْلَى حمزة أخذت طرابلس.
__________
[1] الكامل في التاريخ 10/ 472، المختصر في أخبار البشر 2/ 224، دول
الإسلام 2/ 31، العبر 4/ 4، تاريخ ابن الوردي 2/ 19، تاريخ الخلفاء
429.
[2] انظر عن (الروياني) في: المنتظم 9/ 160 رقم 259 (17/ 113 رقم 3781)
، والكامل في التاريخ 10/ 473، والعبر 4/ 4، 5، ومرآة الجنان 3/ 171،
وتاريخ الخميس 2/ 403، شذرات الذهب 4/ 4.
(35/15)
سنة ثلاث وخمسمائة
[سقوط طرابُلُس بيد الفرنج]
قَالَ ابن الأثير: [1] في حادي عشر ذي الحجّة تملّك الفرنج طرابُلُس،
وكانت قد صارت في حكم صاحب مصر مِن سنتين، وبها نائبه، والمدَدُ يأتي
إليها، فلمّا كَانَ في شَعْبان وصل أصطول كبير مِن الفرنج في البحر،
عليهم رَيْمُنْد بْن صَنْجِيل، ومراكبه مشحونة بالرجال والمِيرة، فنزل
عَلَى طرابُلُس مَعَ السّرْدانيّ ابن أخت صَنْجيل الّذي قام بعد موت
صَنْجيل، وهو مُنَازِلٌ لها، فوقع بينهما خُلْفٌ وقتال، فجاء تَنْكرِي
[2] صاحب أنطاكية نجدةً للسّرْداني، وجاء بغدوين صاحب القدس، فأصلح
بينهما، ونزلوا جميعهم عَلَى طرابُلُس، وجدُّوا في الحصار في أوّل
رمضان، وعملوا أبراجًا وألْصَقوها بالسّور، فخارت قِوى أهلها وذلّوا،
وزادهم ضعفًا تأخّر الأصطول المصريّ بالنَّجدة والمِيرة، وزحفت الفرنج
عليها، فأخذوها عَنْوَةً، فإنّا للَّه وإنا إليه راجعون.
ونجا واليها وجماعة مِن الْجُنْد التمسوا الأمان قبل فتحها، فوصلوا إلى
دمشق [3] .
__________
[1] في الكامل في التاريخ 10/ 475، 476.
[2] في الكامل: «طنكري» .
[3] انظر عن (سقوط طرابلس) في: تاريخ حلب للعظيميّ (بتحقيق زعرور) 364
(تحقيق سويم) 30، وذيل تاريخ دمشق 163، والكامل في التاريخ 10/ 475،
476، وتاريخ الزمان 132، والأعلاق الخطيرة 2/ ق 1/ 111، ومرآة الزمان ج
8 ق 1/ 27، ونهاية الأرب 28/ 264- 267، والمختصر في أخبار البشر 2/
224، ودول الإسلام 2/ 32، والعبر 4/ 6، وتاريخ ابن الوردي 2/ 20،
والدرّة المضية 472، ومرآة الجنان 3/ 172، 173، والبداية والنهاية 12/
171، والإعلام والتبيين 16 (حوادث 500 هـ.) ، ومآثر الإنافة 2/ 16 و
20، واتعاظ الحنفا 3/ 43، 44، والنجوم الزاهرة 5/ 179، 180، وشذرات
الذهب 4/ 6، وتاريخ ابن
(35/16)
[أخذ بانياس]
وسار تنْكري إلى بانياس فأخذها بالأمان [1] .
[أخذ جبلة]
ونزل بعض الفرنج عَلَى جبلة [2] وبها فخر المُلْك بْن عمّار الَّذِي
كَانَ صاحب طرابُلُس، فحاصروها أيّامًا، وسلّمت بالأمان لقلّة الأقوات
بها، وقصد ابن عمّار شَيْزَر، فأكرمهُ سلطان بْن عليّ بْن منقذ
الكنانيّ، فاحترمه وسأله أن يقيم عنده، فسار إلى دمشق فأكرمه طُغتِكين
وأقطعه الزَّبَدانيّ [3] .
وذكر سِبط الْجَوزيّ [4] : أخْذ طرابُلُس في سنة اثنتين، وذكر الخلاف
فيه.
[محاصرة حصن الألموت]
وفيها سار وزير السّلطان محمد، وهو أحمد بْن نظام المُلْك فحاصر
الألَمُوت، وبها الحَسَن بْن الصّبّاح، ثمّ رحل عنها لشدّة البرد [5] .
__________
[ () ] الراهب 72، 73، ومختصر التواريخ للسلامي (مخطوط) 277، وتاريخ
طرابلس 1/ 438- 442.
[1] ذيل تاريخ دمشق 163، 164، الكامل في التاريخ 10/ 476، نهاية الأرب
28/ 267 وفيه «بلنياس» ، العبر 4/ 6، الإعلام والتبيين 18.
[2] في الأصل: «جبيل» وهو وهم، والصحيح ما أثبتناه، إذ كانت جبيل قد
سقطت قبل طرابلس.
وبقيت جبلة وفيها ابن عمّار.
انظر: تاريخ حلب للعظيميّ (تحقيق زعرور) 364 (تحقيق سويم) 30، وذيل
تاريخ دمشق 164 وفيه «جبيل» ، وكذا في الكامل في التاريخ 10/ 476،
ومرآة الزمان ج 8 ق 1/ 28، ونهاية الأرب 28/ 267، ودول الإسلام 2/ 32
وفيه «جبيل» ، وكذا في العبر 4/ 6، وفي الدرّة المضيّة 472 «حلبا» ،
والصحيح في: البداية والنهاية 12/ 171، وفي الإعلام والتبيين 18 «جبيل»
، ومثله في بغية الطلب (المخطوط) 8/ 140، تاريخ طرابلس 1/ 456.
[3] تاريخ حلب للعظيميّ (تحقيق زعرور) 364 (تحقيق سويم) 30، الكامل في
التاريخ 10/ 477، نهاية الأرب 28/ 267، 268، المختصر في أخبار البشر 2/
223، ودول الإسلام 2/ 32، البداية والنهاية 12/ 171، الإعلام والتبيين
18، النجوم الزاهرة 5/ 180، تاريخ طرابلس 1/ 457.
[4] في مرآة الزمان ج 8 ق 1/ 27.
[5] الكامل في التاريخ 10/ 477، 478، زبدة التواريخ للحسيني 170 وفيه
سنة 501 هـ-.، نهاية الأرب 26/ 369.
(35/17)
[إقامة السّلطان ببغداد]
وفي ربيع الآخر قِدم السّلطان بغداد، فأقام بها أشهرًا [1] .
[جرح الباطنية ابن نظام المُلْك]
وفي شَعْبان ظفر باطنيّ عَلَى الوزير ابن نظام المُلْك فجرحه، فتعلّل
أيّامًا وعوفي، وسُقِيَ الباطنيّ خمرًا وقُرّرَ، فأقّر جماعة بمسجد
المأمونيّة، فأُخذوا وقُتِلوا [2] .
[موت صاحب آمد]
وفيها مات إبراهيم بْن ينال صاحب آمد، وكان ظَلُومًا غَشومًا، نزح
كثيرًا مِن أهل آمِد عَنْهَا لجوره. وتملك بعده ابنه [3] .
[تعويق محمد بن ملك شاه عن الغزو]
وفيها عزم محمد بن ملك شاه عَلَى غزو الفرنج، وتهيأ. ثمّ عرضت لَهُ
عوائق [4] .
[أخْذُ الفرنج طرسوس وحصن شَيْزر]
وفيها أخذ تَنْكري [5] صاحب أنطاكيّة طَرَسُوس، وقرَّر عَلَى شَيْزر
ضريبة في السنّة وهي عشرة آلاف دينار. وتسلّم الحصن [6] .
__________
[1] المنتظم 9/ 163، (17/ 117) ، الكامل في التاريخ. پ/ 478.
[2] المنتظم 9/ 163 (17/ 117) ، الكامل في التاريخ 10/ 478، نهاية
الأرب 26/ 369، البداية والنهاية 12/ 171.
[3] ذيل تاريخ دمشق 167، الكامل في التاريخ 10/ 478، الأعلاق الخطيرة ج
3 ق 2/ 511، معجم الأنساب والأسرات الحاكمة 2/ 211.
[4] ذيل تاريخ دمشق 165، مرآة الزمان ج 8 ق 1/ 31.
[5] في ذيل تاريخ دمشق: «طنكري» .
[6] ذيل تاريخ دمشق 167، تاريخ مختصر الدول 199، مرآة الزمان ج 8 ق 1/
31، العبر 4/ 6، مرآة الجنان 3/ 173.
(35/18)
وفي سنة أربع
وخمسمائة
[سقوط بيروت]
نزل بغدوين وابن صَنْجيل عَلَى بيروت، وجاءت الفرنج الْجَنَويّة في
أربعين مركبًا، وأحاطوا بها، ثمّ أخذوها بالسّيف [1] .
[سقوط صيدا]
ثمّ نازلوا صيدا في ثالث ربيع الآخر، فأخذوها في نيّفٍ وأربعين يومًا،
وأمنّوا أهلها، فتحوّل خلْقٌ مِن أهلها إلى دمشق، وأقام أكثر النّاس
رعية للفرنج، وقُرّر عليهم في السّنة قطيعة عشرين ألف دينار [2] .
[عصيان نائب عسقلان]
وكان نائبُ بعسقلان شمس الخلافة، فراسل بغدوين صاحب القدس وهادنه
وهاداه، وخرج عَنْ طاعة صاحب مصر، فتحيّلوا للقبض عَليْهِ فعجزوا. ثمّ
__________
[1] انظر عن (سقوط بيروت) في: تاريخ حلب للعظيميّ (بتحقيق زعرور) 364
(تحقيق سويم) 30 (حوادث سنة 503 هـ-.) ، الكامل في التاريخ 10/ 475
وليس فيه من خبر عن بيروت سوى العنوان فحسب (حوادث سنة 503-.) ، تاريخ
مختصر الدول 199، دول الإسلام 2/ 32، العبر 4/ 7، والدرّة المضيّة 474،
ومرآة الجنان 3/ 173، والإعلام والتبيين 19، واتعاظ الحنفا 3/ 45،
شذرات الذهب 4/ 7، ذيل تاريخ دمشق 167، 168، أخبار الأعيان للشدياق 2/
506، 507، تاريخ طرابلس 1/ 458، 459.
[2] انظر عن (سقوط صيدا) في: تاريخ حلب للعظيميّ (بتحقيق زعرور) 365
(تحقيق سويم) 30، وذيل تاريخ دمشق 171 (في حوادث سنة 503 هـ) ، والكامل
في التاريخ 10/ 479، ونهاية الأرب 28/ 268، 269، والمختصر في أخبار
البشر 2/ 224، ودول الإسلام 2/ 32، والعبر 4/ 7، وتاريخ ابن الوردي 2/
20، والدرّة المضيّة 474، والبداية والنهاية 12/ 172، والإعلام
والتبيين 19، ومآثر الإنافة 2/ 16، واتعاظ الحنفا 3/ 45، 46، وشذرات
الذهب 4/ 7، وأخبار الأعيان 2/ 507.
(35/19)
إنّه أخرج الّذي عنده مِن عسكر مصر خوفًا
منهم، وأحضر جماعة مِن الأرمن واستخدمهم، فمقته أهل عسقلان وقتلوه،
ونهبوا داره، فسُرَّ بذلك أمير الجيوش الأفضل، وبعث إليها أميرًا [1] .
[أخْذ الفرنج حصني الأثارب وزَرْدَنا]
وفيها نازل صاحب أنطاكيّة حصن الأثارب، وهو عَلَى بريدٍ مِن حلب،
فأخذوه عنْوةً [2] ، وقتل ألفَيْ رجلٍ، وأسر الباقين [3] .
ثمّ نازل حصن زَرْدَنا، وأخذه بالسّيف. وجَفَل أهل مَنْبِج، وأهل
بالِسَ، فقصدت الفرنج البلدين، فلم يروا بها أنيسًا [4] .
[تعاظم البلاء]
وعظُم بلاء المسلمين، وبلغت القلوب الحَنَاجر، وأيقنوا باستيلاء الفرنج
عَلَى سائر الشّام، وطلبوا الهدنة، فامتنعت الفرنج إلّا عَلَى قطيعة
يأخذونها.
فصالحهم المُلْك رضوان السَّلْجوقي صاحب حلب عَلَى اثنتين وثلاثين ألف
دينار، وغيرها مِن الخيل والثّياب، وصالحهم أمير صور عَلَى شيء [5] ،
وكذا صاحب شَيْزر، وكذا صاحب حماه عليّ الكُرَديّ، صالحهم هذا عَلَى
ألفَيْ دينار، وكانت حماه صغيرة جدّا [6] .
__________
[1] ذيل تاريخ دمشق 172، الكامل في التاريخ 10/ 480، 481، دول الإسلام
2/ 32، اتعاظ الحنفا 3/ 50، 51 (في حوادث سنة 506 هـ-.) .
[2] تاريخ حلب للعظيميّ (بتحقيق زعرور) 364 (تحقيق سويم) 30 (حوادث 503
هـ-.) وأعاد ذكره في حوادث 504 هـ-. (بتحقيق زعرور) 365 (تحقيق سويم)
30، العبر 4/ 7.
[3] الكامل في التاريخ 10/ 481، نهاية الأرب 28/ 269، المختصر في أخبار
البشر 2/ 224، دول الإسلام 2/ 32، العبر 4/ 7، تاريخ ابن الوردي 2/ 20،
الإعلام والتبيين 19.
[4] الكامل في التاريخ 10/ 482، نهاية الأرب 28/ 269، المختصر في أخبار
البشر 2/ 224.
[5] الكامل في التاريخ 10/ 482 وفيه: صالحهم على سبعة آلاف دينار،
تاريخ الزمان 132، مرآة الزمان ج 8 ق 1/ 35، اتعاظ الحنفا 3/ 46 وفيه:
«وقرر على أهل صور سبعة آلاف دينار تحمل إليه في مدّة سنة وثلاثة أشهر»
.
[6] ولذا صولحت على ألفي دينار. (الكامل في التاريخ 10/ 482) ، تاريخ
الزمان 132، نهاية الأرب 28/ 269، 270، المختصر في أخبار البشر 2/ 224،
225 دول الإسلام 2/ 33، تاريخ ابن الوردي 2/ 20، الإعلام والتبيين 19،
20، مآثر الإنافة 2/ 16، اتعاظ الحنفا 3/ 46، تاريخ الخلفاء 429.
(35/20)
[ثورة الناس ببغداد]
وسار طائفة مِن الشّام إلى بغداد يستنفرون النّاس، واجتمع عليهم خلْق
مِن الفُقهاء والمطّوّعة، واستغاثوا وكسروا منبر جامع السّلطان، فوعدهم
السّلطان بالجهاد. ثمّ كثُروا وفعلوا أبلغ مِن ذَلِكَ بكثير مِن جامع
القصر، وكثُر الضّجيج، وبَطَلت الجمعة، فأخذ السّلطان في أُهبة الجهاد
[1] .
[وزارة المَيْبذي]
وفيها عُزِل وزير السّلطان محمد نظام المُلْك [بْن] أحمد بْن نظام
المُلْك ووَزَر الخطير محمد بْن حسين الميَبْذيّ [2] .
[زواج الخليفة ببنت السّلطان]
وفي رمضان دخل الخليفة ببنت السّلطان ملك شاه، وزُيّنت بغداد وعُمِلت
القِباب، وكان وقْتًا مشهودًا [3] .
[الريح السوداء بمصر]
وفيها هبّت بمصر ريح سوداء مظلمة أخذت بالأنفاس، حتّى لَا يبصر الرجل
يده، ونزل عَلَى النّاس رمل، وأيقنوا بالهلاك. ثمّ تجليّ قليلًا وعاد
إلى الصفّْرَة. وكان ذلك من العصر إلى بعد المغرب [4] .
__________
[1] المنتظم 9/ 165 (17/ 120) ، الكامل في التاريخ 10/ 482، 483، تاريخ
الزمان 133، زبدة الحلب 2/ 158، بغية الطلب (قسم السلاجقة) 146، مرآة
الزمان ج 8 ق 1/ 34، دول الإسلام 2/ 33، العبر 4/ 7، البداية والنهاية
12/ 172، الإعلام والتبيين 20.
[2] الكامل في التاريخ 10/ 483، زبدة التواريخ 173، تاريخ دولة آل
سلجوق 99.
[3] المنتظم 9/ 165، 166 (17/ 120) ، الكامل في التاريخ 10/ 483، 484،
زبدة التواريخ 171، مرآة الزمان ج 8 ق 1/ 34، دول الإسلام 2/ 33،
البداية والنهاية 12/ 172، النجوم.
الزاهرة 5/ 200.
[4] الكامل في التاريخ 10/ 484، مرآة الزمان ج 8 ق 1/ 35، أخبار الدول
المنقطعة 90 وفيه:
«وكانت مدّة هذه الشدة منذ صلاة العصر إلى صلاة المغرب في سنة أربع
وخمسين» . وهذا وهم. والصحيح: «أربع وخمسمائة» ، الدرّة المضيّة 474،
475، اتعاظ الحنفا 3/ 47، تاريخ الخلفاء 429، 430.
(35/21)
[مهادنة طغتكين
بغدوين]
وفيها غدر بغدوين ونازل طبريّة، وبرز طُغتِكين إلى رأس الماء، ثمّ وقعت
هدنة [1] .
وفيها حَيْفٌ عَلَى المسلمين وإذلال، ولم ينجدهم لَا جيش الشّرق ولا
جيش مصر، واستنصرت الفرنج بالشّام.
__________
[1] مرآة الزمان ج 8 ق 1/ 35، دول الإسلام 2/ 33.
(35/22)
سنة خمس وخمسمائة
[محاصرة المسلمين الرُّها]
وفيها سارت عساكر العراق والجزيرة لقتال الفرنج، فحاصروا الرُّها [1] ،
ولم يقدروا عليها، واجتمعت جموع الفرنج، فلم يكن وقعة [2] .
[مسير المسلمين إلى الشام]
ثمّ سار المسلمون وقطعوا الفرات إلى الشّام ونازلوا تلّ باشِر خمسة
وأربعين يومًا، ورحلوا فجاءوا إلى حلب، فأغلق في وجوههم صاحبها رضوان
بابها، ومات مقدّمهم سُقْمان [3] القُطبيّ، واختلفوا ورجعوا، وما فعلوا
شيئًا، إلّا أنّهم أطمعوا في المسلمين عساكر الفرنج [4] .
[حصار صور]
فتجمّعت الملاعين، وساروا مَعَ بغدوين فحاصروا صور [5] .
__________
[1] تاريخ حلب للعظيميّ (بتحقيق زعرور) 365 (تحقيق سويم) 30 (حوادث 504
هـ-.) ، العبر 4/ 7.
[2] الكامل في التاريخ 10/ 485، 486، تاريخ مختصر الدول 199، نهاية
الأرب 26/ 369، العبر 4/ 9، تاريخ ابن الوردي 2/ 20، 21، مرآة الجنان
3/ 177.
[3] في ذيل تاريخ دمشق 175: «سكمان» ، وكذا في الكامل.
[4] تاريخ حلب (بتحقيق زعرور) 365 (تحقيق سويم) 31، الكامل في التاريخ
10/ 486، زبدة الحلب 2/ 158، 159، بغية الطلب (قسم السلاجقة) 147، مرآة
الزمان ج 8 ق 1/ 35، 36، دول الإسلام 2/ 33، العبر 4/ 9، تاريخ ابن
الوردي 2/ 21، مرآة الجنان 3/ 177.
[5] تاريخ حلب للعظيميّ (بتحقيق زعرور) 365 (تحقيق سويم) 31 (حوادث 506
هـ-.) ، ذيل تاريخ دمشق 178، الكامل في التاريخ 10/ 488، مرآة الزمان ج
8 ق 1/ 38، دول الإسلام 2/ 33، العبر 4/ 9، البداية والنهاية 12/ 173،
الإعلام والتبيين 20، عيون التواريخ 12/ 2، النجوم الزاهرة 5/ 180.
(35/23)
قَالَ ابن الأثير [1] : عملوا عليها ثلاثة
أبراج خشب، عُلوّ البرج سبعون ذراعًا، وفيه ألف رَجُل، فألصقوها
بالسّور [2] .
وكان نائب المصريّين بها عزّ المُلْك [3] ، فأخذ المسلمون حِزَم حطب،
وكشفت الحُماة بين أيديهم إلى أن وصلوا إلى البرج، فألقوا الحطب حوله،
وأوقدوا النّار فيه، واشغلوا الفرنج عَنِ النّزول مِن البرج
بالنُّشّاب، وطرشوهم بجرار ملأى عُذْرَةً في وجوههم، فخبلوهم، وتمكّنت
النّار، فهلك مِن في البرج إلّا القليل. ثمّ رموا البرجين الآخرين
بالنّفْط فاحترقا. وطلبوا النّجدة مِن صاحب دمشق، فسار إلى ناحية
بانياس، واشتدّ الحصار [4] .
قلت: وجَرَت فصول طويلة.
[غارات طُغتِكين]
وكان تِلْكَ الأيّام يغير طُغتِكين عَلَى الفرنج وينال منهم، وأخذ لهم
حصنًا في السّواد، وقتل أهله. وما أمكنه مناجزة الفرنج لكثرتهم [5] .
[إحراق المراكب بصيداء]
ثمّ جمع وسار إلى صور، فخندقوا عَلَى نفوسهم ولم يخرجوا إليه، فسار إلى
صيدا وأغار عَلَى ضياعها، وأحرق نحو عشرين مركبًا عَلَى السّاحل [6] .
وبقي الحصار عَلَى صور مدة، وقاتل أهلها قتال مِن آيس مِن الحياة، فدام
__________
[1] في الكامل 10/ 488.
[2] في الأصل: «بالصور» .
[3] هو عزّ الملك أنوشتكين الأفضلي، ويقال: عزّ الملك الأعزّ.
[4] أورد العظيمي هذا الخبر باختصار في حوادث سنة 506 هـ-. وقال فيه إن
أتابك طغتكين دخل صور وتسلّمها من عزّ الملك، وولّى فيها مسعود. (تاريخ
حلب- بتحقيق زعرور) 365، 366، و (تحقيق سويم 31) والصحيح أن طغتكين لم
يدخل صور، بل دخلها مسعود في سنة 506 هـ-.، وموقعة الأبراج كانت سنة
505 هـ-. فأدمج العظيمي السنتين في خبر واحد.
وانظر عن الموقعة في: ذيل تاريخ دمشق 178- 180، والكامل في التاريخ 10/
488، 489، والبداية والنهاية 12/ 173، واتعاظ الحنفا 3/ 48 و 51.
[5] الكامل في التاريخ 10/ 490.
[6] ذيل تاريخ دمشق 179، الكامل في التاريخ 10/ 490، مرآة الزمان ج 8 ق
1/ 38، النجوم الزاهرة 5/ 181.
(35/24)
القتال إلى المُغَلّ، فخافت الفرنج أن
يستولي طغتكين على غلّات بلادهم، وبَذَل لهم أهل صور مالًا ورحلوا
عَنْهَا [1] .
[الملحمة بالأندلس]
وفيها كانت ملحمة كبيرة بالأندلس بين عليّ بْن يوسف بْن تاشفين وبين
الأَذْفُونش لعنه الله، نُصر فيها المسلمون، وقتلوا وأسروا وغنموا ما
لَا يعبَّر عَنْهُ.
فخاف الفرنج منها، وامتنعوا مِن قصد بلاد ابن تاشفين، وذلّ الأذفونش
حينئذٍ وخاف فإنّها وقعة عظيمة أبادت شجعان الفرنج [2] .
وانصرف ابن الأذْفُونش حينئذٍ جريحًا، فهلك في الطّريق. وكان أَبُوهُ
قد شاخ وارتعش.
__________
[1] الكامل 10/ 490، مرآة الزمان ج 8 ق 1/ 39، نهاية الأرب 28/ 270،
271، البداية والنهاية 12/ 173، النجوم الزاهرة 5/ 181- 183.
[2] الكامل 10/ 490، 491، دول الإسلام 2/ 33، 34، العبر 4/ 9، مرآة
الجنان 3/ 177.
(35/25)
سنة ست وخمسمائة
[موت بسيل الأرمني]
فيها مات المُلْك بسيل الأرمنيّ صاحب الدّروب، فسار تَنْكري صاحب
أنطاكية الفرنجيّ ليملكها فمرض، فعاد ومات بعد أيّام. وتملّك أنطاكية
بعده سَرْخالة ابن أخته [1] .
[موت قراجا صاحب حمص]
وفيها مات قراجا [2] صاحب حمص، وقام بعده ولده قرجان، وكلاهما ظالم [3]
.
[قدوم القادة للجهاد في الإفرنج]
وفي أواخر السّنة، خاض الفرات صاحبُ المَوْصِل مودود بْن التونتكين،
وصاحب سنجار تميرك، والأمير إياز بْن إيلغازي بنية الجهاد، فتلقّاهم
صاحب دمشق طُغتِكين إلى سلمية، وكان كثير المودة بمودود [4] . وكانت
الفرنج قد تابعت الغارات عَلَى حَوْران، وغلت الأسعار بدمشق، فاستنجد
طُغتِكين بصديقه مودود، فبادر إليه، فاتّفق عَلَى قصْد بغدوين صاحب
القدس، فساروا حتّى صاروا إلى الأردنّ، ونزل بغدوين عَلَى الصّنبرة
وبينهما الشّريعة [5] .
__________
[1] الكامل 10/ 493، المختصر في أخبار البشر 2/ 226، دول الإسلام 2/ 34
وفيه: «سرخال» ، تاريخ ابن الوردي 2/ 21.
[2] في الكامل: «قراجة» .
[3] الكامل 10/ 493، المختصر في أخبار البشر 2/ 226، تاريخ ابن الوردي
2/ 21.
[4] ذيل تاريخ دمشق 178 (حوادث سنة 505 هـ-.) و 184 (حوادث سنة 506
هـ-.) و 187، بغية الطلب (قسم السلاجقة) 148.
[5] الكامل 10/ 495، 496 (حوادث 507 هـ-.) ، مرآة الزمان ج 8 ق 1/ 42،
دول الإسلام 2/ 34.
(35/26)
سنة سبع وخمسمائة
[موقعة المسلمين والفرنج عند الشريعة]
في ثالث عشر المحرَّم التقى عسكر دمشق الجزيرة وعسكر الفرنج [1] بقرب
طبريّة، وصبر الفريقان، واشتدّ الحرب، وكانت وقعة مشهورة، ثمّ انكسرت
الفرنج ووضع المسلمون فيهم السّيف، وأسروا خلقًا، وأُسِر ملكهم بغدوين،
لكن لم يُعرف، فأخذ الَّذِي أسره سلاحه وأطلقه، فنجا جريحًا، ثمّ مات
بعد أشْهُر. وغرق منهم في الشّريعة طائفة. وغنم المسلمون الغنيمة [2] .
ثمّ جاء عسكر أنطاكية وعسكر طرابُلُس، فقويت نفوس المنهزمين وعاودوا
الحرب، فثبت لهم المسلمون فانجاز الملاعين إلى جَبَل، ورابط المسلمون
بإزائهم يرمونهم بالنُّشّاب، فأقاموا كذلك ستّةً وعشرين يومًا [3] ،
وهذا شيء لم يُسمع بمثاله قطّ، وعُدِموا الأقوات.
ثمّ سار المسلمون إلى بَيْسان، فنهبوا بلاد الفرنج وضياعهم من القدس
__________
[1] جاء في التاريخ الباهر لابن الأثير 18 أن الفرنج اجتمعوا وفيهم ملك
بيت المقدس، وعكا، وصور، وغيرها.
وأقول: إن ذكر صور هنا هو وهم، إذ كانت لا تزال بيد المسلمين، وليس
فيها إفرنج حتى يخرجوا لقتال المسلمين. ولم يتنبّه محقّق الكتاب إلى
ذلك، فاقتضى منّا التنبيه، وليصحّح.
[2] المنتظم 9/ 175 (17/ 133) ، تاريخ دولة آل سلجوق 161، تاريخ مختصر
الدول 199، المختصر في أخبار البشر 2/ 226، تاريخ ابن الوردي 2/ 21،
البداية والنهاية 12/ 175، 176.
[3] التاريخ الباهر 19، تاريخ الفارقيّ 281، تاريخ الزمان 134، دول
الإسلام 2/ 34، 35، العبر 4/ 12، مرآة الزمان 3/ 193 وفيه «سبعة وعشرين
يوما» ، والإعلام والتبيين 21، وعيون التواريخ 12/ 21.
(35/27)
إلى عكّا، ورجعوا فنزلوا بمرج الصّفّر،
وسافرت عساكر المَوْصِل [1] .
[اغتيال مودود صاحب المَوْصِل]
ودخل مودود في خواصّه دمشق، وأقام عند صاحبه طُغتِكين، وأمر عساكره
بالبحر في الربيع ونزل هُوَ وطغتكين يوم الجمعة في ربيع الأول للصّلاة،
ومشى ويده في يد طغتكين في صحن الجامع، فوثب عَلَى مودود باطنيّ جرحه
في مواضع، وقُتِل الباطنيّ وأُحرق [2] .
قَالَ أبو يَعْلَى حمزة [3] : ولمّا قُضَيت الجمعة تنفّل بعدها مودود،
وعاد هُوَ والأتابك وحولهما مِن الأتراك والدَّيلم والأحداث بأنواع
السّلاح مِن الصّوارم والصّمصامات والخناجر المجرَّدة ما شاكل
الأَجَمَة المشتبكة، فلمّا حصلا في صحن الجامع وثب رجلٌ لَا يُؤبَه
لَهُ، فقرب مِن مودود كأنّه يدعو لَهُ ويتصدَّق عَليْهِ [4] ، فقبض
ببند قبائه، وضربه بخنجر أسفل سُرَّته ضربتين، هذا والسّيوف تنزل
عَليْهِ. ومات مودود ليومه صائمًا. وكان فيه عدل وخير.
فقيل: إنّ الإسماعيلية قتلته.
وقيل: بل خافه طُغتِكين، فجهز عَليْهِ الباطني، وذلك بعيد.
قَالَ ابن الأثير [5] : حدَّثني والدي- رحمه الله- أنّ ملك الفرنج كتب
إلى
__________
[1] الكامل 10/ 495، 496، التاريخ الباهر 19، العبر 4/ 12، الإعلام
والتبيين 21.
[2] انظر عن مقتل مودود في: تاريخ حلب للعظيميّ (بتحقيق زعرور) 366
(تحقيق سويم) 31، والكامل في التاريخ 10/ 496، 497، وذيل تاريخ دمشق
187، وتاريخ الفارقيّ 280 وفيه مقتله سنة 508 هـ-.، وتاريخ دولة آل
سلجوق 161، 162، وتاريخ الزمان 134، وتاريخ مختصر الدول 199، وكتاب
الروضتين 1/ 69، والأعلاق الخطيرة ج 3 ق 1/ 133، وبغية الطلب (قسم
السلاجقة) 150، 151، ومرآة الزمان ج 8 ق 1/ 45 و 50، 51، والمختصر في
أخبار البشر 2/ 226، ودول الإسلام 2/ 35، والعبر 4/ 12، وتاريخ ابن
الوردي 2/ 22، والدرّة المضيّة 476، ومرآة الجنان 3/ 193، والبداية
والنهاية 1/ 173 (حوادث 505 هـ-.) ، و 176 (حوادث 507 هـ-.) . والإعلام
والتبيين 22، وعيون التواريخ 12/ 1 (حوادث 505 هـ-.) و 31 (حوادث 507
هـ-.) ، وتاريخ ابن خلدون 5/ 42، والنجوم الزاهرة 5/ 307، وشذرات الذهب
4/ 20، 21، وتاريخ الخلفاء 430.
[3] في ذيل تاريخ دمشق 187.
[4] في ذيل تاريخ دمشق: «يتصدّق منه» ، وهو الصحيح.
[5] في الكامل 10/ 497، والتاريخ الباهر 19.
(35/28)
طُغتِكين أنّ ملك الفرنج كتب إلى طُغتِكين
كتابًا فيه: وإنّ أمّة قتلت عميدها، يوم عيدها، في بيت معبودها،
لَحَقيق عَلَى الله أن يُبيِدها.
ودُفن مودود في تربة دُقَاق بخانكاه [1] الطّواويس [2] ، ثمّ حُمِل بعد
ذَلِكَ إلى بغداد، فدُفن في جوار الإمام أَبِي حنيفة، ثمّ نُقل إلى
أصبهان [3] . وتسلّم صاحب سنجار حواصله وحملها إلى السّلطان محمد،
فأقطع السّلطان المَوْصِل والجزيرة لأقْسُنْقُر البُرْسُقيّ، وأمره أن
يتوافق هُوَ والأمير عماد الدين زنكي ابن آق سنقر، ويتشاوروا في
المصلحة لنهضته وشهامته.
[نقل المصحف العثماني إلى دمشق]
وكان بطبريّة مُصْحَف. قَالَ أبو يَعْلَى القلانسيّ [4] : كَانَ قد
أرسله عثمان رَضِيَ اللهُ عَنْهُ إلى طبريّة، فحمله أتابك طُغتِكين
منها إلى جامع دمشق [5] .
[وفاة الوزير ابن جَهير]
وفيها مات الوزير أبو القاسم عليّ بْن جَهير، ووليّ وزارة الخليفة بعده
ربيب الدّين أبو منصور الحسين بْن الوزير أبي شجاع [6] .
__________
[1] الخانكاه: فارسية، وهو رباط الصوفية.
[2] في الإعلام والتبيين 22: «الطواويش» بالشين المعجمة. وعلّق محقّق
الكتاب الدكتور مهدي رزق الله أحمد على ذلك فقال: «لعلّه يعني
الطواشية، وهو الخصيان الذين استخدموا في الحريم السلطاني، وكانت لهم
حرمة وافرة كلمة نافذة» .
أقول: لقد ذهب الدكتور بعيدا. فالصحيح أن اسم الخانكاه: «الطواويس»
بالسين المهملة، ويقال: «الطواويسية» . وهي بالشرف الأعلى بظاهر دمشق.
انظر: الدارس في تاريخ المدارس 1/ 104 و 282 و 2/ 129، ومنادمة الأطلال
282، وهي معروفة مشهورة بمحلّة البحصة، وجدرانها الغربية إلى طريق
الصالحية.
[3] الكامل 10/ 497.
[4] في ذيل تاريخ دمشق 187.
[5] فهو الّذي بمقصورة الخطابة. (دول الإسلام 2/ 35، الإعلام والتبيين
24 (حوادث سنة 522 هـ-.) ، تاريخ الخلفاء 459، 460، أخبار الدول 2/
167) .
[6] انظر عن (وفاة الوزير ابن جهير) في: المنتظم 9/ 175 (17/ 133) ،
الإنباء في تاريخ الخلفاء 207، زبدة النصرة 77، مختصر التاريخ لابن
الكازروني 218، المختصر المحتاج إليه 2/ 42، 274، مجمع الآداب، رقم
643، والكامل في التاريخ 10/ 498.
(35/29)
[وفاة الملك رضوان]
وفيها توفّي الملك رضوان صاحب حلب، وولي بعده ألب أرسلان الأخرس فقتل
أخوين له مبارك شاه وملك شاه، وقتل رأس الباطنيّة أبا طاهر الصّائغ في
جماعة مِن أعيانهم، فرحلوا عَنْ حلب، وكان لهم بها مَنْعة وشوكة قويّة.
وكان رضوان قد عمل لهم دار دعوة بحلب لقلّة دينه، وكان ظالمًا فاتكًا
يقرّب الباطنيّة، ويستعين بهم، وقتل أخَويه بهرام، وأبا طَالِب، وكان
غير محمود السّيرة [1] .
[ثورة الباطنية بشيزر]
وفيها، ذكر سِبط الجوزي [2] ثورة الباطنيّة بشَيْزَر، وقد مرّ لنا
ذَلِكَ قبل هذه السّنة.
[مهادنة بغدوين أهل صور]
وفيها هادن بغدوين أهل صور، وأَتَتْهم النجدة والإقامات مِن مصر في
البحر [3] .
__________
[1] انظر عن (وفاة الملك رضوان صاحب حلب) في: ذيل تاريخ دمشق 189،
والكامل في التاريخ 10/ 499، وتاريخ الفارقيّ 278 وفيه وفاته في سنة
505 هـ-. وزبدة الحلب 2/ 164، ومرآة الزمنان ج 8 ق 1/ 46، 47، ونهاية
الأرب 27/ 75، والمختصر في أخبار البشر 2/ 227، ودول الإسلام 2/ 35،
والعبر 4/ 13، وتاريخ ابن الوردي 2/ 22، والدرّة المضيّة 477، ومرآة
الجنان 3/ 194، والإعلام والتبيين 23، ومآثر الإنافة 2/ 20، والنجوم
الزاهرة 5/ 205، وشذرات الذهب 4/ 16.
[2] في مرآة الزمان ج 8 ق 1/ 45.
[3] اتعاظ الحنفا 3/ 52.
(35/30)
سنة ثمان وخمسمائة
[خروج البُرْسُقيّ لحرب الفرنج]
في أوّلها قدم آق سنقر البُرْسُقيّ عَلَى مملكة المَوْصِل، وسيَّر معه
السّلطان محمد ولده مسعودًا في جيشٍ كبير لحرب الفرنج. فنازل
البُرْسُقيّ الرُّها في خمسة عشر ألف راكب، فحاصرها شهرين، ثمّ رحل
لقلة الميرة، وعاد إلى شحنان، فقبض عَلَى إياز بْن إيلغازي، ونهب أعمال
ماردِين [1] .
ثمّ تسلَّم حصن مَرْعَش مِن الفرنج صُلْحًا [2] .
[حرب صاحب ماردين والبرسقي]
وأمّا صاحب ماردين فغضب لخراب بلاده ولأسْر ولده، فنزل وحشد، ونزل معه
ابن أخيه صاحب حصن كيفا رُكْن الدّولة دَاوُد بْن سُقْمان، فالتقى هُوَ
والبُرْسُقيّ في أواخر السّنة، فانهزم البُرْسُقيّ وخلص أياز، ولكن خاف
إيلغاز مِن السّلطان، فسار إلى دمشق، وكان صاحبها خائفًا مِن السّلطان
أيضًا لأنّه نسب قتْل مودود صاحب المَوْصِل إليه، فاتّفقا عَلَى
الامتناع والاعتضاد بالفرنج، فأجابهما إلى المعاونة صاحب أنطاكيّة
وجاء، فاجتمعوا بِهِ على بحيرة حمص، وتحالفوا وافترقوا [3] .
__________
[1] الكامل في التاريخ 10/ 501، 502، الأعلاق الخطيرة ج 3 ق 1/ 53، دول
الإسلام 2/ 36، تاريخ ابن الوردي 2/ 22، الإعلام والتبيين 23 وفيه
«البرشقي» بالشين المعجمة.
[2] الإعلام والتبيين 23.
[3] الكامل في التاريخ 10/ 502، 503، المختصر في أخبار البشر 2/ 227،
دول الإسلام 2/ 36، تاريخ ابن الوردي 2/ 22.
(35/31)
[أسر إيلغازي
وإطلاقه]
وسار إيلغازي إلى ديار بَكْر، فنزل بالرَّسْتَن ليستريح، وشرب فسكر،
فتبعه صاحب حمص، فأسره ودخل بِهِ حمص، ثمّ طلب أن يصاهره ويطلقه، ويأخذ
ولده إياز رهينة، فأطلقه خوفًا مِن طُغتِكين [1] .
[وفاة سلطان الهند]
وفيها مات سلطان الهند وغزنة علاء الدّولة مسعود [2] ، وجرت بعده أمور
سُقْتُها في ترجمته.
[الزلزلة بالجزيرة والشام]
وفيها جاءت زلزلة مهولة بالجزيرة والشّام، هلك خلْق كثير تحت الهدْم
[3] .
[وفاة الشريف بدمشق]
وفيها مات الشّريف النّسيب بدمشق [4] .
[مقتل صاحب حلب]
وفيها قُتل صاحب تاج الدّولة ألْب أرسلان بْن المُلْك رضوان بْن تُتُش،
قتله غلمانه. وكان المستولي عَليْهِ الخادم لؤلؤ. وملّكوا بعده سلطان
شاه أخاه بإشارة الخادم [5] .
__________
[1] ذيل تاريخ دمشق 191، الكامل في التاريخ 503، عيون التواريخ 12/ 45،
النجوم الزاهرة 5/ 208.
[2] انظر عن (وفاة السلطان مسعود) في: الكامل في التاريخ 10/ 504،
والمختصر في أخبار البشر 2/ 228، ودول الإسلام 2/ 36، وتاريخ ابن
الوردي 2/ 22، ومآثر الإنافة 2/ 22.
[3] المنتظم 9/ 180، 181 (17/ 140) ، تاريخ حلب للعظيميّ (بتحقيق
زعرور) 366، 367 (تحقيق سويم) 32، ذيل تاريخ دمشق 191، الكامل في
التاريخ 10/ 508، تاريخ الزمان 136، زبدة الحلب 2/ 173، مرآة الزمان ج
8 ق 1/ 52، الدرّة المضيّة 477، البداية والنهاية 1/ 178، عيون
التواريخ 12/ 44، شذرات الذهب 4/ 21 و 23، كشف الصلصلة 182.
[4] هو: أبو القاسم علي بن إبراهيم بن العباس بن الحسن الحسيني. (ذيل
تاريخ دمشق 191) ، والكامل في التاريخ 10/ 508، ودول الإسلام 2/ 36،
النجوم الزاهرة 5/ 208.
[5] تاريخ حلب للعظيميّ (بتحقيق زعرور) 366 (بتحقيق سويم) 32، ذيل
تاريخ دمشق 191، الكامل في التاريخ 10/ 508، زبدة الحلب 2/ 171، 172،
نهاية الأرب 27/ 76، المختصر
(35/32)
[هلاك بغدوين]
وفيها هلك بغدوين الفرنجيّ صاحب القدس مِن جراحة، أصابته في مصافّ
طبرية [1] .
[موت صاحب مَرَاغة]
وفيها مات الأمير أحمديل صاحب مراغة، وكان شجاعًا جوادًا، إقطاعه تغلّ
في العام أربعمائة ألف دينار، وعسكره خمس آلاف دينار. وثب عَليْهِ
ثلاثة مِن الباطنية، فقتلوه وقُتِل [2] .
بل قُتل بعد ذَلِكَ بقليل، وكذا بغدوين تأخّر موته [3] فيحرّر ذلك.
[4]
__________
[1] في أخبار البشر 2/ 228، تاريخ ابن الوردي 2/ 23، البداية والنهاية
12/ 178، مآثر الإنافة 2/ 20.
[2] ذيل تاريخ دمشق 192، مرآة الزمان ج 8 ق 1/ 52، دول الإسلام 2/ 36،
العبر 4/ 15، مرآة الجنان 3/ 197، الإعلام والتبيين 23، 24، مآثر
الإنافة 2/ 16، اتعاظ الحنفا 3/ 53 و 56 (في حوادث سنة 511 هـ-.) ،
النجوم الزاهرة 5/ 308، النجوم 4/ 21، بدائع الزهور ج 1 ق 1/ 222.
[3] سيعاد خبر موته في أول سنة 510 هـ-. وذكره في هذه السنة سبط ابن
الجوزي ج 8 ق 1/ 53، والمؤلف في دول الإسلام 2/ 36، والعبر 4/ 15، مرآة
الجمان 3/ 197، والنجوم الزاهرة 5/ 208، شذرات الذهب 4/ 21.
[4] إلى ذي الحجة من أواخر سنة 511 هـ-. كما في: الكامل في التاريخ 10/
543.
(35/33)
سنة تسع وخمسمائة
[عصيان صاحبي ماردين ودمشق عَلَى السّلطان]
لمّا بلغ السّلطان عصيان صاحب ماردين وصاحب دمشق غضب، وبعث الجيوش
لحربهما، فساروا وعليهم برسق صاحب همذان في رمضان من السّنة الماضية،
وعدّوا الفُرات في آخر العام، فأخذوا حماه عَنْوَةً ونهبوها، وهي
لطُغتِكين، فاستعان بالفرنج فأعانوه [1] .
[استرجاع كفر طاب مِن الفرنج]
وسار عسكر السّلطان وهم خلْقٌ كثير، فأخذوا كفرطاب مِن الفرنج
واستباحوها [2] .
[خذلان المسلمين أمام الفرنج]
ثمّ ساروا إلى المَعَرَّة، فجاء صاحب أنطاكيّة في خمسمائة فارس
وألْفَيْ راجل، فوقع عَلَى أثقال العساكر، وقد تقدّمتهم عَلَى العادة،
فنهبوها وقتلوا السّوقيّة والغلْمان، وأقبلت العساكر متفرّقة، ولم
يشعروا بشيءٍ، فكان الفرنج يقتلون كلّ مِن وصل. وأقبل بُرْسُق مُقَدَّم
العساكر في مائة فارس، فرأى الحال، فصعِد تلّا هناك، والتجأ إليه
النّاس وعليهم ذُلّ وانكسار، فأشار عَلَى بُرْسُق أخيه [3] بأنّنا ننزل
وننجو. فنزل بهم عَلَى حميّة، وساق وراءهم الفرنج نحو
__________
[1] الكامل 10/ 509، المختصر في أخبار البشر 2/ 228، العبر 4/ 17،
تاريخ ابن الوردي 2/ 23.
[2] الاعتبار لابن منقذ 73- 76، الكامل 10/ 510، المختصر في أخبار
البشر 2/ 228، العبر 4/ 17، 18، تاريخ ابن الوردي 2/ 23، مرآة الجنان
3/ 198، البداية والنهاية 12/ 179.
[3] في الأصل: «أخوه» .
(35/34)
فرسخ. ثمّ ردّوا، فتمّموا الغنيمة والأسْر،
وأحرقوا كثيرًا مِن النّاس، واشتدّ البلاء، وتبدَّل فرح المسلمين خوفًا
وحُزْنًا، لأنّهم رجوا النَّصر مِن عساكر السّلطان، فجاء ما لم يكن في
الحساب، وعادت العساكر بأسوأ حال، نعوذ باللَّه مِن الخذْلان [1] .
[موت بُرْسُق وأخيه]
ومات بُرْسُق [2] ، وأخوه زنكي بعد سنة [3] قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ
الْفِرارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذاً لا
تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا 33: 16 [4] .
[استرداد رفنية مِن الفرنج]
وجالت الفرنج بالشّام، وأخذوا رَفَنية، فساق إليهم طُغتِكين عَلَى
غرّة، واستردّ رَفَنيَة، وأسر وقتل [5] .
[اجتماع طُغتِكين بالسلطان]
ثمّ رَأَى المصلحة أن يتلافى أمر السّلطان، فسار بنفسه إلى بغداد
بتقادُم وتُحَف للسّلطان والخليفة، فرأى مِن الإكرام والتّبجيل ما لَا
مَزِيد عَليْهِ، وشُرّف بالخِلَع [6] ، وكتب لَهُ السّلطان منشورًا
بإمرة الشّام جميعه [7] .
وكان السّلطان هذه السّنة قد قِدم بغداد واجتمع بِهِ طُغتِكين في ذي
القعدة [8] .
__________
[1] الإعتبار لابن منقذ 90- 92، تاريخ حلب للعظيميّ (بتحقيق زعرور) 367
(تحقيق سويم) 32، الكامل في التاريخ 10/ 510، 511، زبدة الحلب 2/ 174-
176، المختصر في أخبار البشر 2/ 228، 229، دول الإسلام 2/ 37، العبر 4/
18، تاريخ ابن الوردي 2/ 23، مرآة الجنان 3/ 198، البداية والنهاية 12/
179، عيون التواريخ 12/ 50.
[2] تاريخ حلب للعظيميّ (بتحقيق زعرور) 367 (تحقيق سويم) 32.
[3] أي سنة 510 كما في الكامل 10/ 511.
[4] سورة الأحزاب، الآية 16.
[5] الكامل 10/ 512، زبدة الحلب 2/ 177، مرآة الزمان ج 8 ق 1/ 56،
المختصر في أخبار البشر 2/ 229، تاريخ ابن الوردي 2/ 23، ذيل تاريخ
دمشق 192، تاريخ طرابلس 1/ 489.
[6] الكامل 10/ 514.
[7] دول الإسلام 2/ 37، البداية والنهاية 12/ 179.
[8] المختصر في أخبار البشر 2/ 229.
(35/35)
[مصالحة بغدوين
والأفضل]
قَالَ سِبْط الجوزيّ: [1] وفيها صالح بغدوين صاحب القدس الأفضل متولّي
الدّيار المصرية. وكان بغدوين صاحب القدس قد سار إلى السّنجة المعروفة
ممّا يلي العريش، فأخذ قافلة عظيمة جاءت مِن مصر، فهادنه الأفضل، وأمن
النّاس قليلا [2] .
__________
[1] في مرآة الزمان ج 8 ق 1/ 56 وفيه: «بردويل» .
[2] الخبر في: النجوم الزاهرة 5/ 209.
(35/36)
سنة عشر وخمسمائة
[قتل صاحب مَرَاغة]
الأصح أنّ أحمدِيَّل صاحب مَرَاغة قُتِل في أوّل سنة عشر ببغداد بدار
السّلطان، وكان جالسًا إلى جانب طُغتِكين صاحب دمشق أتاه رَجُلٌ فبكى
وبيده قَصّة، وتضرَّع إليه أن يوصلها إلى السّلطان محمد، فأخذها منه،
فضربه بسِكّين، فجذبه أحمديل في الحال، وبرك فوقه، فوثب باطنيّ آخر،
فضرب أحمديل بسِكّين، فأخذتهما السّيوف. ووثب رفيق لهما والسّيوف تنزل
عليهما، فضرب أحمديل ضربة أخرى، فَهَبروه أيضًا [1] .
[موت جاولي]
وفيها مات جاولي الَّذِي كَانَ قد حكم عَلَى المَوْصِل، ثمّ أخذها
السّلطان منه، فخرج عَلَى الطّاعة. ثمّ إنّه قصد السّلطان لِعلْمه
بحِلْمه، فرضي عَنْهُ.
وأقطعه بلاد فارس، فمضى إليها وحارب وُلاتها وحاصرهم، وأوطأهم ذُلًا
إلى أن مات [2] .
[محاصرة ابن باديس تونس]
وفيها حاصر عليّ بْن يحيى بْن باديس مدينة تونس وضيّق عليها، فصالحه
__________
[1] انظر عن (مقتل أحمديل) في: المنتظم 9/ 185 رقم 313 (17/ 147 رقم
3835) وفي الطبعتين: «أحمد بك» ، والكامل في التاريخ 10/ 516 وهو:
أحمديل بن وهسوذان، وبغية الطلب (قسم السلاجقة) 160، 161، الدرّة
المضيّة 479، عيون التواريخ 12/ 64.
[2] انظر عن (جاولي) في: المنتظم 9/ 185 رقم 314 (17/ 147 رقم 3835) ،
والكامل في التاريخ 10/ 516، 517، والمختصر في أخبار البشر 2/ 229،
وتاريخ ابن الوردي 2/ 23.
(35/37)
صاحبها أحمد بْن خُراسان عَلَى ما أراد [1]
.
[فتح ابن باديس جَبَل وسْلات]
وفيها افتتح ابن باديس جَبَل وَسْلَاتِ [2] وحكم عَليْهِ. وهو جَبَل
منيع كَانَ أهله يقطعون الطّريق، فظفر بهم، وقتل منهم خلقًا [3] .
[فتنة مشهد الرضا]
وفي يوم عاشوراء كانت فتنة في مشهد عليّ بْن موسى الرّضا بطُوس، خاصمَ
عَلَويٌ فقيهًا، وتشاتما وخرجا، فاستعان كلٌ منهما بحزبه، فثارت فتنةٌ
عظيمة هائلة، حضرها جميع أهل البلد، وأحاطوا بالمشهد وخرّبوه، وقتلوا
جماعة، ووقع النَّهْب، وجرى ما لَا يوصف، ولم يُعمر المشهد إلى سنة خمس
عشرة وخمسمائة [4] .
[حريق بغداد]
ووقع ببغداد حريق عظيم، ذهب للنّاس فيه جملة [5] .
[هرب ابن صَنْجيل بالبقاع]
وقال أبو يَعْلَى بْن القلانسيّ: وفي سنة عشر ورد الخبر بأنّ بدران بْن
صَنْجيل صاحب طرابُلُس جمع وحشد، ونهض إلى البقاع، وكان سيف الدّين
سُنْقُر البرسقي صاحب المَوْصِل قد وصل ألى دمشق لمعونة الأتابك
طغتكين، فتلقاه وسُرَّ بِهِ، فاتّفقا عَلَى تبييت الفرنج، فساقًا حتى
هجما عَلَى الفرنج وهم غارُّون، فوضعوا فيهم السّيف قتْلًا وأسْرًا،
فقيل هلك منهم نحو ثلاثة آلاف
__________
[1] الكامل في التاريخ 10/ 521.
[2] في الأصل: «وسلاب» ، والمثبت عن: الكامل 10/ 522.
وفي الروض المعطار 612: «واسللت: جبل عظيم طوله يومان، وبينه وبين
القيروان خمسة عشر ميلا، وفيه عمارات ومياه جارية، وفيه حصون كثيرة
عامرة ... » .
[3] الكامل 10/ 522.
[4] الكامل 10/ 522، 523.
[5] المنتظم 9/ 184 (17/ 145) ، الكامل في التاريخ 10/ 523، مرآة
الزمان ج 8 ق 1/ 62، الدرّة المضيّة 479، عيون التواريخ 12/ 64.
(35/38)
نفْس، وهرب ابن صَنْجيل، وغنِم المسلمون
خيلهم وسلاحهم، ورجعوا. وردّ البُرْسُقيّ إلى المَوْصِل، وقد استحكمت
المودّة بينه وبين طُغتِكين [1] .
[مقتل الخادم لؤلؤ]
وفيها قُتِل الخادم لؤلؤ المستولي عَلَى حلب.
وكان قد قتل ألْب أرسلان بْن رضوان، وشرع في قتل غلمان رضوان، فعلموا
عَليْهِ وقتلوه [2] .
والصحيح أنّه قُتِل في السّنة الآتية.
[حج الركْب العراقي]
وفيها حج بالرَّكْب العراقيّ أمير الجيوش الحبشيّ مولي المستظهر
باللَّه، ودخل مكّة بالأعلام والكئوسات والسّيوف المسلَّلة، لأنّه أراد
إذلال أمير مكّة وعبيده [3] .
__________
[1] في ذيل تاريخ دمشق 197، وانظر: مرآة الزمان ج 8 ق 1/ 63.
[2] انظر عن (مقتل لؤلؤ) في: تاريخ حلب للعظيميّ (بتحقيق زعرور) 367
(تحقيق سويم) 33 وفيه إن لؤلؤ الخادم خرج لزيارة صفّين فقتلته
الوشاقيّة عند قلعة نادر، والخبر في: ذيل تاريخ دمشق 198، الكامل في
التاريخ 10/ 531 (حوادث سنة 511 هـ-.) ، زبدة الحلب 2/ 177، ومرآة
الزمان ج 8 ق 1/ 63، ونهاية الأرب 27/ 76، والبداية والنهاية 12/ 180،
والنجوم الزاهرة 5/ 211.
[3] المنتظم 9/ 184 (17/ 146) ، وفي تاريخ حلب للعظيميّ: وحجّ بالناس
يمن الخادم، والمثبت يتفق مع: مرآة الزمان ج 8 ق 1/ 63، وفي عيون
التواريخ 12/ 64 وفيه: أمير الجيوش أبو الحسن نظر الخادم، النجوم
الزاهرة 5/ 211.
(35/39)
بسم الله الرحمن الرحيم
[تراجم رجال هذه الطبقة]
سنة إحدى وخمسمائة
- حرف الألف-
1- أحمد بْن الحسن بْن أحمد بن يزداد [1] .
أبو العزّ المستعملي.
روى عن: الجوهريّ، والعُشاريّ.
2- أحمد بْن الحسين بْن أحمد [2] .
أبو طاهر بْن النّقّار الحِمْيَريّ.
وُلِد بالكوفة سنة ثمان عشرة وأربعمائة، ونشأ ببغداد.
وكان يعرف القراءات ويفهمها.
قرأ عَلَى: خاله أبي طَالِب بْن النّجّار.
وقرأ الأدب عَلَى أَبِي القاسم بْن بُرهان، ثمّ انتقل إلى دمشق وإلى
مصر، وسكن طرابُلُس.
وبدمشق توفّي في رمضان [3] .
__________
[1] لم أجده.
[2] انظر عن (أحمد بن الحسين بن النقار) في: معجم السفر للسلفي (مصوّر
بدار الكتب المصرية) ق 1/ ورقة 138، وإنباه الرواة للقفطي 1/ 35، 36،
وتكملة إكمال الإكمال للصابوني 348، وموسوعة علماء المسلمين في تاريخ
لبنان الإسلامي (تأليفنا) - القسم الثاني- ج 1/ 290، 291 رقم 121.
[3] يقول خادم العلم محقق هذا الكتاب «عمر عبد السلام تدمري» : هو من
أسرة اشتهر أفرادها بالعلم. وقد لجأ جماعة منها إلى طرابلس في جملة من
لجأ إليها من الأسر الدمشقية وأعيانها، وقد انتقلوا من دمشق إلى طرابلس
إبّان حصار «أتسز بن أوق الخوارزمي» لدمشق في سنة 468 هـ-.
(35/40)
3- أَحْمَد بْن عَبْد اللَّه بْن سبعون [1]
.
أبو بَكْر القَيْسيّ، القَيْروانيّ، ثمّ البغداديّ.
سَمِعَ: أبا الطّيّب الطَّبَريّ، وأبا [محمد] [2] الجوهريّ.
وعنه: ابنه عَبْد الله، وعمر بْن ظَفَر.
4- إبراهيم بْن مَيّاس القُشَيْريّ الدّمشقيّ [3] .
سَمِعَ: أبا عَبْد الله بْن سلوان، وأبا القاسم الحِنّائيّ، وأبا
الحسين بْن المهتدي باللَّه، وغيره ببغداد.
سَمِعَ منه: الصّائن هبة الله، وغيره.
تُوُفّي في شَعْبان، وله خمس وستّون سنة [4] .
__________
[ () ] ذكره القفطي وقال: كان يحفظ القراءات السبع. وأنه عاد إلى دمشق
سنة 497 هـ-. وأنشد ابنه أبو محمد، قال: أنشدني أبي لنفسه:
يا خليليّ أقصرا عن ملامي ... قلّ صبري وفلّ غرب اعترامي
وبدا الدهر كاشرا لي عن ... أنيابه باهتضام كلّ الأنام
معرضا لي خطوبه من ورائي ... إن تلفّت تارة وأمامي
ولعمري إنّ الزمان كفيل ... لبنيه بالنقض والإبرام
لا ترع إن أتتك منه سهام ... طالما عطّلت أكفّ الرامي
وقال السلفي: تأدّب عليه ابنه عبد الله، وعلّقت عنه من شعر أبيه
مقطّعات:
قد زارني طيف من أهوى على حذر ... من الوشاة وداعي الصبح قد هتفا
فكدت أوقظ من حولي به فرحا ... وكاد يهتك ستر الحبّ بي شغفا
ثم انتبهت وآمالي تخيّل لي ... نيل المنى فاستحالت غبطتي أسفا
[1] انظر عن (أحمد بن عبد الله بن سبعون) في: المنتظم 9/ 158 رقم 253
(17/ 110 رقم 375) .
[2] بياض في الأصل.
[3] انظر عن (إبراهيم بن ميّاس) في: المنتظم 9/ 158 رقم 251 (17/ 110
رقم 3773) ، ومعجم البلدان 5/ 228، والكامل في التاريخ 10/ 456، ومختصر
تاريخ دمشق لابن منظور 3/ 165 رقم 172، وتهذيب تاريخ دمشق 2/ 301.
وقد طوّل ابن عساكر نسبه إلى عامر بن صعصعة.
[4] وقال ابن عساكر: سمع وأسمع. سئل عن مولده فقال: في جمادى الآخرة
سنة ست وثلاثين وأربعمائة.
وقال ابن الجوزي: سمع الكثير، وأكثر عن الخطيب، وكتب من تصانيفه، وورد
بغداد، فسمع من ابن النّقور، وكان ثقة. (المنتظم) .
(35/41)
5- إسماعيل بن عمرو بن محمد بن أحمد [1] .
أبو سَعِيد بْن أبي عَبْد الرَّحْمَن البَحيريّ، [2] النَّيْسابوريّ.
ثقة، صالح، محدّث، مِن بيت الحديث. وكان صحيح القراءة.
قَالَ السمعانيّ: سَمِعَ بإفادته خلْق، وتفقَّه عَلَى ناصر العُمَريّ.
وكان يقرأ دائمًا «صحيح مُسْلِم» للغرباء والرحّالة عَلَى أَبِي الحسين
عَبْد الغافر الفارسي، وكُفّ بصره بأخرة.
سَمِعَ مِن: أَبِي بَكْر أحمد بن عليّ بْن منْجُوَيْه الحافظ، وأبي
حَيّان المُزَكّيّ، وأبي العلاء صاعد بْن محمد، وعَبْد الرَّحْمَن بْن
حمدان النَّصْرويّ.
روى لنا عَنْهُ: إسماعيل بْن جامع بمَرْو، وواكد بْن محمد العالم
بسمنان، وأبو شجاع البسْطاميّ ببخارى، وأبو القاسم الطّلْحيّ بإصبهان.
قَالَ ابن النّجّار: كَانَ نظيفًا، عفيفًا، اشتغل بالتّجارة وبُورك
لَهُ فيها، وحصّل جملة.
وقال ابن السّمعانيّ: وقرأت بخطّ والدي قَالَ: سَمِعْتُ أبا سَعِيد
البحيري يَقُولُ: قرأت «صحيح مُسْلِم» عَلَى عَبْد الغفّار أكثر مِن
عشرين مرّة [3] . وولد سنة تسع عشرة وأربعمائة، وتوفّي في آخر السّنة
بنيسابور [4] .
__________
[1] انظر عن (إسماعيل بن عمرو) في: الإكمال 1/ 465، 466، والمنتظم 9/
158 رقم 252 (17/ 110 رقم 3774) ، والمنتخب من السياق 147- 149 رقم
339، والكامل في التاريخ 10/ 456، وتاريخ نيسابور 233، وسير أعلام
النبلاء 19/ 272، 273 رقم 173، وتوضيح المشتبه 1/ 362.
[2] في (المنتظم) طبعة حيدرآباد: «النجيرمي» ، والمثبت عن الأصل
والمصادر الأخرى.
[3] المنتظم، الكامل، وقال عبد الغافر الفارسيّ: «بعد أن قرأ قبله على
الفقيه الحسن بن أحمد السمرقندي الحافظ أكثر من ثلاثين مرة» .
[4] وقال عبد الغافر: وجه بيت البحيرية في عصره ورأسهم وإليه تزكية
الشهود منهم، من أهل الفضل. شدا طرفا صالحا من العربية، وتفقّه على
الإمام ناصر العمري. وحضر درس زين الإسلام. وكان حسن الاعتقاد، نقيّ
الجيب، بالغ الاحتياط في الطهارة وتنظيف الثياب، صائن النفس، عفيف
الباطن، وله مداخلة واختصاص بيت القشيرية، نشأ مع الأئمة الكبار من
الأخوال، وصاحبهم ليلا ونهارا.
وكان أبو سعيد حسن القراءة عارفا ببعض طرق الحديث، ورقّ حاله فباع ضيعة
بقيت له،
(35/42)
وقد أملى مجالس بنيسابور، وتوفّي ابنه محمد
قبله.
6- إسماعيل بْن يحيى بْن حسين [1] .
أبو نصر الملّاح. بغداديّ.
حدَّث بشيءٍ يسير عن الجوهريّ.
وتوفّي في صَفَر.
- حرف التاء-
7- تميم بْن المعزّ بْن باديس [2] بْن المنصور بْن بُلُكيّن [3] بْن
زِيري [4] بْن مَنَاد.
السّلطان أبو يحيى الحِمْيَريّ الصّنهاجيّ [5] ، ملك إفريقية بعد أبيه.
__________
[ () ] واشتغل بشيء من التجارة، واشترى بعد ذلك شيئا من الضياع، وحسن
حاله، وخرج إلى مكة حاجّا وعاد على هيئة حسنة. وعقد له مجلس الإملاء
بعد الصلاة في المدرسة العماديّة، ثم في الجامع المنيعي، فأملى سنين،
ثم كفّ في آخر عمره، فبقي في البيت مدّة.
وكان من المكثرين المتقنين في السماع والرواية والكتابة جميعا.
(المنتخب 8) .
وقال ابن الجوزي: سمع الكثير، وكان ثقة ديّنا. (المنتظم) .
[1] لم أجده.
[2] انظر عن (تميم بن المعزّ) في: الكامل في التاريخ 10/ 449- 451،
والحلّة السيراء 2/ 21- 26، ووفيات الأعيان 1/ 304- 306، والبيان
المغرب 1/ 288- 295، والمختصر في أخبار البشر 2/ 223، ودول الإسلام 2/
30، والإعلام بوفيات الأعلام 206، وسير أعلام النبلاء 19/ 263، 264 رقم
164، والعبر 4/ 1، وتاريخ ابن الوردي 2/ 32، ومرآة الزمان ج 8 ق 1/ 28،
29 (في وفيات سنة 502 هـ-.) ، ومرآة الجنان 3/ 169، والوافي بالوفيات
10/ 414- 416، وعيون التواريخ (مخطوط) 13/ 242- 226، والبداية والنهاية
12/ 170، وأعمال الأعلام 3/ 73، وشرح رقم الحلل 128، 138، ومآثر
الإنافة في معالم الخلافة 2/ 23، وتاريخ ابن خلدون 6/ 157- 159 والنجوم
الزاهرة 5/ 197، 198، وشذرات الذهب 4/ 2، 3.
[3] بلكّين: بضم الباء الموحّدة واللام وتشديد الكاف المكسورة وسكون
الياء المثنّاة من تحتها وبعدها نون. (وفيات الأعيان 1/ 287) .
[4] زيري: بكسر الزاي، وسكون الياء المثنّاة من تحتها، وكسر الراء،
وبعدها ياء.
[5] الصّنهاجي: بضم الصاد المهملة وكسرها وسكون النون وفتح الهاء وبعد
الألف جيم. هذه النسبة إلى صنهاجة، وهي قبيلة مشهورة من حمير وهي
بالمغرب.
قال ابن دريد: صنهاجة بضم الصاد لا يجوز غير ذلك، وأجاز غيره الكسر.
(وفيات الأعيان 1/ 266) .
(35/43)
كَانَ حسن السّيرة، مُحِبًا للعلماء، قصده
الشّعراء مِن النّواحي، وامتدحه الحَسَن بْن رشيق القَيْرواني، وغيره.
وكان ملكًا جليلًا، شجاعًا، مَهيبًا، فاضلًا، شاعرًا، جوادًا، ممدّحًا.
وُلِد سنة اثنتين وعشرين وأربعمائة، ولم يزل بالمهدية منذ ولّاه
أَبُوهُ إيّاها مِن صَفَر سنة خمسٍ وأربعين إلى أن تُوُفّي أَبُوهُ بعد
أشهر في شَعْبان.
ومن شِعْره:
سَلِ المطَرَ العام الَّذِي عمّ أرضكم ... أجاء بمقدار الّذي فاض مِن
دمعي
إذا كنتَ مطبوعًا عَلَى الصّدّ والجفا ... فمِن أَيْنَ لي صبر فأجعلَهُ
طبْعي؟
ولابن رشيق فيه، وأجاد:
أصحّ وأعلى [1] ما سِمعْناه في النَّوَى ... منَ الخَبَر المأثور مُنذ
قديم
أحاديث ترويها [2] السُّيُول عَنِ الحَيَا ... عَنِ البحر عَنْ كفّ [3]
الأمير تميمِ [4]
وفي أيّامه اجتاز ابن تُومَرْت بإفريقية وأظهر الإنكار عَلَى مِن خرج
عَنِ الشّرع، وراح إلى مَرّاكُش.
امتدّت دولة تميم إلى هذه السّنة، وتوفّي في رجب.
__________
[1] في الحلّة السيراء 2/ 23: «أصح وأقوى» .
[2] في الحلّة: «تمليها» .
[3] في الحلّة: «عن جود» .
[4] ومن شعره أيضا:
إن نظرت مقتلي لمقتلها ... تعلم ممّا أريد نجواه
كأنّها في الفؤاد ناظرة ... تكشف أسراره وفحواه
وله:
وخمر قد شربت على وجوه ... إذا وصفت تجلّ عن القياس
خدود مثل ورد في ثغور ... كدرّ في شعور مثلا آس
وأورد له العماد الكاتب:
فكّرت في نار الجحيم وحرّها ... يا ويلتاه ولات حين مناص
فدعوت ربّي أن خير وسيلتي ... يوم المعاد شهادة الإخلاص
(وفيات الأعيان) .
(35/44)
وخلّف مِن البنين أكثر مِن مائة وُلِد، ومن
البنات ستّين عَلَى ما ذكره حفيده العزيز بْن شدّاد بْن تميم، وملَك
بَعْده ولده يحيى وقد تكهَّل، فأحسن السّيرة في الرعية، وافتتح حصْنًا
كبيرًا امتنعَ عَلَى أبيه، ولم يزل مظفَّرًا منصورًا.
- حرف الخاء-
8- الحَسَن بْن محمد بْن عَبْد العزيز [1] .
أبو عليّ التّكَكيّ [2] .
بغدادي صالح، صحيح السّماع.
سَمِعَ: أبا عليّ بْن شاذان.
روى عَنْهُ: أبو المُعَمَّر الأنصاريّ، وسلْمان الشّحّام، وأبو طاهر
السّلَفيّ، وأبو بَكْر بْن النَّقُّور.
تُوُفّي في رمضان.
أَخْبَرَنَا ابْنُ الْفَرَّاءِ: أَنَا ابْنُ قُدَامَةَ، أَنَا عَبْدُ
اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ النَّرْسِيِّ: أَنَا الْحَسَنُ بْنُ
مُحَمَّدٍ، أَنَا أَبُو عَلِيِّ بْنُ شَاذَانَ، أَنَا عُثْمَانُ،
وَهُوَ ابْنُ السَّمَّاكِ: ثَنَا مُوسَى بن سهل، ثنا إسماعيل بن عليّة،
نا حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى الله
عليه وآله وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ لَيُدْخِلُ الْعَبْدَ الْجَنَّةَ
بِالأَكْلَةِ أَوِ الشَّرْبَةِ يَحْمَدُهُ عَلَيْهَا» [3] . هَذَا
حَدِيثٌ غَرِيبٌ عَلَى شَرْطِ الصَّحِيحِ، مَعَ لِينٍ فِي مُوسَى
الْوَشَّاءِ [4] .
9- حمزة بْن هبة الله بْن سلامة [5] .
__________
[1] انظر عن (الحسن بن محمد) في: الأنساب 3/ 68.
[2] التّككي: بكسر التاء المنقوطة من فوقها باثنتين وفتح الكاف وفي
آخرها كاف أخرى. هذه النسبة إلى تكك وهي جمع تكّة.
[3] وأخرجه مسلم في كتاب الذكر والدعاء (2734) باب استحباب حمد الله
تعالى بعد الأكل والشرب، والترمذي في الأطعمة (1876) باب في الحمد على
الطعام إذا فرغ منه، وأحمد في المسند 3/ 100 و 117 وكلّهم من طريق
زكريا بن أبي زائدة، عن سعيد بن أبي بردة، عن أنس ابن مالك. ولفظه: «إن
الله ليرضى عن العبد أن يأكل الأكلة فيحمده عليها. أو يشرب الشربة
فيحمده عليها» .
[4] انظر عن (موسى الوشّاء) في حوادث ووفيات 261- 280 هـ-. من هذا
الكتاب- ص 477، 478 رقم 624 وفيه مصادر ترجمته.
[5] انظر عن (حمزة بن هبة الله) في: تاريخ دمشق، ومختصر تاريخ دمشق
لابن منظور 7/ 270
(35/45)
أبو يَعْلَى العثمانيّ، الدّمشقيّ.
روى عَنْ: عليّ بْن الخَضِر السُّلَميّ، وغيره.
سَمِعَ منه: أبو محمد بْن صابر، وغيره [1] .
- حرف الراء-
10- رَزْماشوب بْن زايار [2] .
الإمام [3] ، الأديب، أبو نصر الدَّيْلَميّ.
أرَّخه السّلَفيّ في السّنة. مات في رمضان.
وروى عَنْهُ في «جزء ابن قلبنا» ، وقال: كَانَ مِن أفراد الدّهر،
ونوادر العصر. لَهُ نظْمٌ رائق، ونْثرٌ فائق، ورياسة [4] .
- حرف الصاد-
11- صَدَقة بْن منصور بْن دُبَيْس بْن عليّ بن مزيد [5] .
__________
[ () ] رقم 261، وتهذيب تاريخ دمشق 4/ 456.
[1] قال ابن عساكر: اعتنى بالحديث، وكانت ولادته سنة ثلاث وثلاثين
وأربعمائة.
[2] انظر عن (رزماشوب) في: معجم السفر للسلفي 1/ 261، 262 رقم 143،
وفيه: «زيار» من غير ألف بعد الزاي.
[3] في (معجم السفر) : «الأمير» .
[4] قال رزماشوب: أنشدنا أبو سعد أحمد بن الحسن الدوانيقي بشيراز، قال:
أنشدنا أبو حيّان التوحيدي، أنشدني أبو بكر الخوارزمي لنفسه:
أتيت لخالي في حاجة ... وكنت عليه خفيف المؤن
فأنكر معرفة لم تزل ... وأبدى مماذقة لم تكن
وقال، وجاحدني حبّه ... أبو من؟ وممّن؟ ومن؟ وابن من؟
وقال السلفي:
ومن مليح شعر رزماشوب مما أنشدنيه وقد أجاد جدّا فيه:
شكوت إليها ما ألاقي من الهوى ... فزادت، ولم تعتب ولم تتندّم
وما خفيت والله قسوة قلبها ... عليّ، ولكن أغسل الدم بالدّم
[5] انظر عن (صدقة بن منصور) في: الإنباء في تاريخ الخلفاء 207، وتاريخ
الفارقيّ 274، والكامل في التاريخ 10/ 440- 449، والمنتظم 9/ 159 رقم
255 (17/ 111 رقم 3777) ، وخريدة القصر (قسم شعراء العراق) ج 4 ق 1/
163، وتاريخ دولة آل سلجوق 80، 81، ومجمع الآداب 2124 ووفيات الأعيان
2/ 490، 491، ومرآة الزمان ج 8 ق 1/ 15، 16، والمختصر في أخبار البشر
2/ 222، 223، ودول الإسلام 2/ 30، والعبر 4/ 1، وسير أعلام
(35/46)
الأمير سيف الدّولة ابن بهاء الدّولة
الأَسَديّ، النّاشريّ، [1] صاحب الحلة السيفية.
كَانَ يُقال لَهُ ملك العرب. وكان ذا بأس وسطوة. نافَرَ السّلطان محمد
بن ملك شاه، وأفْضَت بينهما الحالُ إلى الحرب، فتلاقيا عند النعْمانية
[2] ، فقتُل صَدَقة في المعركة يوم الجمعة سلخ جُمَادَى الآخرة وحمل
رأسه إلى بَغْدَاد. وكانت وفاة أَبِيهِ سنة تسع وسبعين، ووفاة جدّه في
سنة ثلاثٍ وسبعين.
- حرف العين-
12- عَبْد الرَّحْمَن بْن حمْد بْن الحَسَن بْن عبد الرَّحْمَن [3] .
أبو محمد الدُّونيّ، الصُّوفيّ، الزّاهد.
مِن بيت زُهد وعبادة، مِن قرية الدُّون، ويقال: دُونه. وهي عَلَى عشْر
فراسخ مِن هَمَذَان، ممّا يلي الدّيَنَور [4] .
روى كتاب «السُّنَن» للنَّسَائيّ [5] ، عَنِ ابن الكسّار، وهو آخر مِن
حدَّث بِهِ عَنْهُ.
قرأه عَليْهِ السّلَفيّ بالدُّون في سنة خمسمائة، وقال: قَالَ لي ابنه
أبو سَعْد:
لوالدي خمسون سنة ما أفطر بالنّهار.
__________
[ () ] النبلاء 19/ 264، 265 رقم 165، وتاريخ ابن الوردي 2/ 18، 19،
ومرآة الجنان 3/ 170، والوافي بالوفيات 16/ 296- 300 رقم 327، والبداية
والنهاية 12/ 170، وعيون التواريخ (مخطوط) 13/ 229- 233، وتاريخ ابن
خلدون 5/ 38، والنجوم الزاهرة 5/ 196، وشذرات الذهب 4/ 2.
[1] الناشري: نسبة إلى ناشرة بن نصر بن سواءة بن الحارث بن سعد بن مالك
بن ثعلبة بن دودان بن أسد بن خزيمة. (اللباب 3/ 289) .
[2] النعمانية: بلدة بين الحلّة وواسط.
[3] انظر عن (عبد الرحمن بن حمد) في: معجم البلدان 2/ 490، واللباب 1/
517، ودول الإسلام 2/ 30، والإعلام بوفيات الأعلام 206، وسير أعلام
النبلاء 19/ 239، 240 رقم 147، والمعين في طبقات المحدّثين 147 رقم
1604، والعبر 4/ 2، وعيون التواريخ (مخطوط) 3/ 233، ومرآة الجنان 3/
170 وفيه «عبد الرحمن بن أحمد» ، والوافي بالوفيات 18/ 142 رقم 168،
والنجوم الزاهرة 5/ 197، وشذرات الذهب 4/ 3.
[4] معجم البلدان 2/ 490.
[5] في سير أعلام النبلاء 19/ 239: «كان آخر من روى كتاب «المجتبى» من
سنن النسائي» .
(35/47)
وقال شِيرَوَيْه في تاريخه: كَانَ
صَدُوقًا، متعبّدًا، سمعت منه «السّنن» ، و «رياضة المتعبدين» .
وقال السلفي: كان سفياني المذهب، ثقة. بلغنا أنّه توفّي في رجب.
قال: وولد سنة سبع وعشرين وأربعمائة في رمضان.
وقال غيره: سَمِعَ «السُّنَن» في شوّال سنة ثلاث وثلاثين وأربعمائة.
وحدَّث عَنْهُ: أبو بَكْر محمد بْن منصور السّمعانيّ، وأبو العلاء
الحَسَن بْن أحمد العطّار، والسّلفيّ، وأبو زُرْعة المقدسي، وَأَبُو
الفتح عَبْد اللَّه بْن أَحْمَد الخِرَقيّ، وأَحْمَد بْن يَنال
التُّرْكَ، وعبد الرّزّاق بْن إسماعيل القُومسانيّ الهَمَذانيّ، وابن
عمّه المُطَهّر بْن الكريم، ومحمد بْن سليمان، وأبو الفتوح الطّائيّ،
وأبو الحَسَن سعْد الخير الأندلسي، وخلْق.
وأجاز للحافظ أَبِي القاسم بْن عساكر [1] .
13- عَبْد الرَّحْمَن بْن خَلَف بْن مسعود [2] .
أبو الحَسَن الكِنانيّ القُرْطُبيّ [3] .
روى عَنْ: حَكَم بْن محمد، ومحمد بْن عَتّاب، وابن عُمَر بْن القطّان.
وكان مُعتنيا بالسَّماع الكثير، وكان يعظ ويُذكّر في مسجده. وهو ديّن،
ثقة، عالم.
14- عَبْد الكريم بْن المسلّم بْن محمد بْن صَدَقة.
الشّبليّ، العطّار.
سَمِعَ: أبا القاسم الحِنَّائيّ، وعبد العزيز الكتّانيّ.
وهو دمشقيّ، قليل الرّواية.
__________
[1] وقال السلفي إنه اقتدى في التصوّف بأبيه، وأبوه اقتدى بجدّه، وهو
اقتدى بحسين بن عليّ الدّوني، وهو اقتدى بمحمد بن عبد الخالق
الدينَوَريّ صاحب ممشاذ الدينَوَريّ، وممشاذ بالشيخ أبي سنان، فقيل:
إنّ هذا اقتدى بأبي تراب النخشبي. (سير أعلام 19/ 240) .
[2] انظر عن (عبد الرحمن بن خلف) في: الصلة لابن بشكوال 2/ 345 رقم
741.
[3] ويعرف بابن الزيتوني.
(35/48)
- حرف الميم-
15- مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن مَسْعُود بْن مفرّج [1] .
أَبُو عَبْد الله الأندلُسيّ، الشّلْبيّ، الفقيه.
كَانَ مُفتي تِلْكَ النّاحية.
تفقَّه عَلَى: أَبِيهِ.
وسمع «صحيح الْبُخَارِيّ» بإشبيلية مِن أبي عَبْد الله بْن منظور. وكان
بصيرًا بالفتوى، إمامًا، ثقة [2] .
تُوُفّي في ذي الحجة [3] .
16- محمد بْن سليمان بْن يحيى [4] .
أبو عَبْد الله القَيْسيّ، المقرئ.
قرأ عَلَى أصحاب عَمْرو الدّانيّ بالرّوايات.
ومات كهْلًا.
17- محمد بْن عَبْد المُلْك بْن عَبْد القاهر بْن أسد [5] .
أبو سعْد الأَسَديّ، البغداديّ، المؤدِّب.
سَمِعَ: أبا عليّ بْن شاذان، وابن بِشْران، وغيرهما.
روى عَنْهُ: السّلَفيّ، وعبد الحقّ، وخطيب المَوْصِل، وجماعة.
ضعّفه ابن ناصر لأنّه كَانَ يُلْحق سماعاته مع أبيه، وكان الإلحاق
بيّنا طريّا.
__________
[1] انظر عن (محمد بن أحمد بن مسعود) في: الصلة لابن بشكوال 2/ 566،
567، رقم 1245.
[2] قال ابن بشكوال: ورحل إلى أبي جعفر بن رزق وتفقّه عنده بقرطبة
أيضا، وكان حافظا للفقه على مذهب مالك وأصحابه، جيّد الفهم، بصيرا
بالفتيا، عارفا بالشروط. وعللها وسمع الناس منه، وكانت الدراية أغلب
عليه من الرواية، وكان قد شرع في تأليف الوثائق لم يكمله، وكان عالي
الهمّة، عزيز النفس، فصيح اللسان، ثقة فيما رواه وقيّده.
[3] وكان مولده في صفر من سنة 440 هـ-.
[4] لم أجد مصدر ترجمته.
[5] انظر عن (محمد بن عبد الملك) في: الأنساب 1/ 231، والمغني في
الضعفاء 2/ 609 رقم 5781، وميزان الاعتدال 3/ 633 رقم 7897، والإعلام
بوفيات الأعلام 206، والعبر 4/ 2، ومرآة الجنان 3/ 170، ولسان الميزان
5/ 267 رقم 919، وشذرات الذهب 4/ 3.
(35/49)
تُوُفّي في رمضان وقد جاوز الثّمانين
بيسير.
قَالَ السّمعانيّ: [1] ألْحق سماعه في أجزاء.
18- محمد بْن عبد الواحد بْن عليّ [2] .
أبو الغنائم ابن الأزرق.
سَمِعَ: أبا طَالِب بْن غَيْلان، وأبا محمد الخلّال، وعبد العزيز بْن
عليّ الأَزَجيّ.
روى عَنْهُ: عُمَر بْن عَبْد الله الحربيّ، وأبو المُعَمَّر الأنصاريّ،
وجماعة.
ويُعرف بابن الشّهْرسْتانيّ.
وممّن روى عنه مسعود بْن أبي علّان شيخ أحمد بْن طَبَرْزَد.
19- محمد بْن العراقيّ بن أبي عنان القزوينيّ، الطّاووسيّ [3] .
أبو جعفر.
حدَّث في شوّال مِن السّنة بهَمَذَان، عن محمد بْن الحسين المقوّميّ
بأحاديث. وكان صالحًا، قُدْوةً [4] .
20- محمد بْن عُمَر بْن قطريّ [5] .
أبو بكر [6] الزّبيديّ، الإشبيليّ.
__________
[1] في الأنساب.
[2] لم أجد مصدر ترجمته.
[3] انظر عن (محمد بن العراقي) في: التدوين في أخبار قزوين 1/ 452، 453
وفيه وفاته سنة 420 هـ-.
[4] قال القزويني: معروف بحسن السيرة والوجاهة عند السلاطين، وكان له
سعي جميل في إسقاط الضرائب والمكوس، وبورك في نسله عددا ورياسة. سمع
أبا زيد الوافد بن الخليل سنة ثلاث وثمانين وأربعمائة، وسمع أبا منصور
المقوّمي في «جامع التأويل» لابن فارس بروايته عن أحمد بن الغضبان ...
وتوفي على ما أثبت في حجر منقور مركّب في لوح قبره في شهر ربيع الآخر
سنة عشرين وخمسمائة.
[5] انظر عن (محمد بن عمر) في: الغنية للقاضي عياض 76- 79 رقم 14،
والصلة لابن بشكوال 2/ 567 رقم 1246، وتكملة الصلة لابن الأبّار 1/ 409
رقم 1159، وبغية الوعاة 1/ 199، والمقفّى الكبير للمقريزي (مخطوط) 3/
186 (مطبوع) 6/ 423 رقم 2912، وموسوعة علماء المسلمين في تاريخ لبنان
الإسلامي (القسم الثالث) ج 4/ 113 رقم 1116.
[6] في الغنية: «أبو عبد الله» .
(35/50)
سَمِعَ مِن: أَبِي الوليد الباجي، وجماعة.
ورحل إلى المشرق.
وسمع مِن: أَبِي بَكْر الخطيب، وجماعة.
وكان عالمًا بالنَّحْو والأصُول.
تُوُفّي بسَبْتة [1] .
__________
[1] وقال القاضي عياض: من أهل إشبيلية من بيت الزيديين، الشهير بها في
العلم والتقدّم.
استوطن أخيرا سبتة، وكان مدرّسا للنحو والعربية، وله حظ من العلم
بالأصول والاعتقاد. وله سماع ورحلة، جال فيها في الحجاز، والعراق،
والشام، ومصر، وصقلّيّة، وأخذ بمصر عن ابن فضال، والخشنيّ، وابن باب
شاذ، وأبي عمران الصقلي، ومهدي الورّاق، ولقي بها عبد الحق بن هارون
الصقلّي. وبمكة الحسين الطبري، وأبا محمد بن جماح السبتي من المجاورية
بمكة، وهبة للَّه الضرير المقرئ وليس بصاحب «الناسخ والمنسوخ» ، وأبا
محمد النيسابورىّ، وأبا الحسن الصقلي.
وسمع بصور من الشيخ أبي بكر الخطيب الحافظ: وسمع بالأندلس من الدلائي،
وأبي الوليد الباجي، وأبي عبد الله بن سعدون القروي، وأبي الليث
السمرقندي.
قال القاضي عياض:
حدّثني عن الخطيب بكتاب «المؤتنف في تكملة المؤتلف والمختلف» ، وبكتاب
«الفقيه والمتفقه» من تأليفه سماعا منه.
وتوفي بسبتة سنة إحدى وخمسمائة، وكان، رحمه الله، طيّب النفس، تمزاحة،
له مع علمه بالعربية مشاركة في غير ذلك من العلوم.
وأخبرنا عن الخطيب أبي بكر ابن ثابت مما أنشده لنفسه في كتابه لأبي
القاسم ابن نباتة السعدي ابن عمّ أبي نصر ابن نباتة:
أعاذلتي على إتعاب نفسي ... ورعيي في السّرى روض السّهاد
إذا شام الفتى برق المعالي ... فأهون فائت طيب الرّقاد
(الإلماع إلى معرفة أصول الرواية وتقييد السماع للقاضي عياض، تحقيق
السيد أحمد صقر، دار التراث بالقاهرة، والمكتبة العتيقة بتونس 1970- ص
235، 236، والتعريف بالقاضي عياض، لولده محمد، تحقيق د. محمد بنشريفة،
الرباط- ص 69) .
وأخبرنا عن أبي بكر الخطيب أنه قال: قيل لبعضهم: بما أدركت العلم؟ قال:
بالمصباح والجلوس إلى الصباح. وقال آخر: بالسفر والسهر والبكور في
السحر. وأنشد الخطيب في ذلك لأبي محمد طاهر بن الحسين المصري:
صل السعي فيما تبتغيه مثابرا ... لعلّ الّذي استبعدت منه قريب
وعاوده إن أكدى بك السعي مرّة ... فبين السهام مخطئ ومصيب
وأخبرنا قال: حدّثنا أبو بكر الخطيب بسنده إلى محمد بن القاسم بن خلاد
أنه أنشد:
العقل رأس خصاله ... والعقل يجمع كلّ خير
(35/51)
21- محمد بْن محمود بْن حسن بْن محمد بْن
يوسف [1] .
أبو الفَرَج ابن العلّامة أَبِي حاتم الأنصاريّ القَزْوينيّ.
مِن آمُل طَبَرِسْتان.
فقيه، دَيِّن، صالح، صاحب معاملة.
حجّ سنة سبْعٍ وتسعين، وأملى بمكّة مجلسًا. وضاع ابنٌ لَهُ قبل وصوله
المدينة.
قَالَ بعضهم: فرأيناه فِي مسجد النّبيّ صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ
يتمرَّغ في التّراب ويتشفَّع بالنَّبِيّ صَلَّى الله عليه وآله
وَسَلَّمَ في لُقيّ ولده، والخَلْق حوله، فبينا هُوَ في تِلْكَ الحال
إذ دخل ابنه مِن باب المسجد، فاعتنقا زمانًا.
رواها السّمعانيّ، عَنْ أَبِي بَكْر بْن أَبِي العبّاس ... [2]
المَرْوَزِيّ، أنّه حجّ تِلْكَ السُّنَّة، ورآه يتمرَّغ في التّراب،
والخلْق مجتمعون عَليْهِ، وهو يَقُولُ: يا رَسُول اللهِ جئتكم مِن بلدٍ
بعيد زائرًا، وقد ضاع ابني، لا أرجع حتّى تردّ عليَّ ولدي. وردَّد هذا
القول، إذ دخل ابنه، فصرخ الحاضرون.
سَمِعَ: أباه، ومنصور بْن إِسْحَاق الحافظ، وسهل بْن ربيعة، وأبا عليّ
الحُسَينيّ.
روى عَنْهُ: ابن ناصر، والسّلفيّ، وابن الخلّ، وشهدة، وآخرون.
__________
[ () ]
والعقل يجلب فضله ... والعقل يدفع كلّ ضير
وأخبرنا عن الخطيب بسنده إلى الثعالبي:
لا يستخفنّ الفتى بعدوّه ... أبدا وإن كان العدوّ ضئيلا
إنّ القذى يؤذي العيون قليله ... ولربّما جرح البعوض الفيلا
(الغنية 76- 78) .
[1] انظر عن (محمد بن محمود) في: التدوين في أخبار قزوين 2/ 16، 17،
والعبر 4/ 2، والإعلام بوفيات الأعلام 206، وسير أعلام النبلاء 19/
217، 218 رقم 134، وعيون التواريخ (مخطوط) ج 13/ 233، ومرآة الجنان 3/
107، وطبقات الشافعية للإسنويّ 2/ 301، وشذرات الذهب 4/ 3.
[2] كلمة غير واضحة في الأصل.
(35/52)
تُوُفّي بآمُل في المحرَّم سنة إحدى. وكان
أَبُوهُ مِن كبار الفقهاء [1] .
22- مُحَمَّد بْن هِبَة اللَّه بْن مُحَمَّد بْن الحَسَن بْن المأمون
الهاشميّ [2] .
أبو نصر.
سَمِعَ: أبا محمد الجوهريّ.
روى عنه: أبو المُعَمَّر الأنصاريّ وأثنى عَليْهِ.
تُوُفّي فِي ربيع الأوّل.
قَالَ ابن النّجّار: سَمِعَ أيضًا مِن: أبي عليّ بْن المُذْهب، وابن
المحسن التّنُوخيّ.
وكان مِن سَرَوات بيته، صالحًا، متديّنًا.
روى عَنْهُ: أبو طاهر السّلَفيّ، وعبد الحق اليُوسُفيّ.
23- منصور بْن الحسن بْن عاذل [3] .
أبو الفَرَج البَجَليّ، البَوَازيجيّ [4] .
والبَوَازيج: بين تِكْريت والموصل [5] .
قِدم بغداد، وتفقَّه بأبي إِسْحَاق الشّيرازيّ، ولازمَهَ.
وسمع مِن: ابن المهتدي باللَّه، وغيره.
روى عَنْهُ: عليّ بْن أحمد اليَزْدي، ومحمد بْن أَبِي الغنائمّ
التّكْريتيّ.
وكان مِن العقلاء، الصُّلَحاء.
وُلّي قضاء البوازيج، وعاش إلى هذا العام [6] .
__________
[1] وقال الرافعي القزويني: فقيه، نبيل بنفسه، وابنه فاضل صدوق، حسن
السيرة، أحسن الثناء عليه أبو محمد عبد الله بن يوسف الجرجاني في
«طبقات الفقهاء الشافعيين» . وكان مولده سنة 432 هـ. (التدوين 2/ 16،
17) .
[2] مذكور في (ذيل تاريخ بغداد لابن النجار) في الجزء الّذي لم يصلنا.
[3] انظر عن (منصور بن الحسن) في: الأنساب 2/ 321، ومعجم البلدان 1/
503، وتوضيح المشتبه 1/ 628.
[4] البوازيجي: بفتح الباء المنقوطة بواحدة، وفتح الواو، وكسر الزاي
بعد الألف، وبعدها الياء الساكنة المنقوطة من تحتها بنقطتين، وفي آخرها
الجيم.
[5] قال ابن السمعاني: وهي بلدة قديمة على الدجلة فوق بغداد دون سرّ من
رأى.
[6] قال ابن السمعاني: كان فقيها فاضلا، حسن السيرة، مكثرا من الحديث.
وأرّخ ياقوت وفاته في هذه السنة. (معجم البلدان) .
(35/53)
- حرف الهاء-
24- هِبَة اللَّه بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن حسنون [1]
.
أبو طاهر [2] بْن أَبِي الحسين بْن أبي نَصْرٍ النَرْسيّ، البغداديّ،
المعدّل، الشّاهد.
مِن أولاد المحدّثين.
سَمِعَ: أبا طَالِب بْن غَيْلان، وعبد المُلْك بن عمر الرّزّاز.
روى عَنْهُ: أبو المعمّر الأنصاريّ، وأبو طاهر السّنجيّ، وغيرهما.
وتوفّي فِي ربيع الآخر.
- حرف الياء-
25- يَحْيَى بْن محمد بْن بذّال [3] .
أبو نصر الحَريميّ، الطّاهريّ [4] ، وُلِد محمد.
شيخ صالح.
سَمِعَ: أبا إِسْحَاق البرمكي، والجوهري.
روى عنه: أبو المعمر الأنصاري.
توفّي في رمضان.
__________
[1] انظر عن (هبة الله بن محمد) في: الأنساب 12/ 70.
[2] في الأنساب «أبو نصر» .
[3] لم أجده.
[4] الحريمي: بفتح الحاء وكسر الراء بعدهما الياء آخر الحروف وفي آخرها
الميم- نسبة إلى الحريم الطاهري محلّة كبيرة ببغداد بالجانب الغربي
منها. وفيها يقول بعضهم:
قم يا نسيم إلى النسيم ... وتعلّقي بفنا الحريم
للَّه درّ كريمة ... يقتضها طرب النسيم
وعناق دجلة والصراة ... عناق معشوق حميم
(الأنساب 4/ 125) .
(35/54)
سنة اثنتين وخمسمائة
- حرف الألف-
26- أبق بن عبد الرّزّاق [1] .
الأمير أبو منصور، عَضْبُ الدّولة، الَّذِي بالتّربة العَضْبيّة، خارج
باب الفراديس.
أخو الأمراء الكبار، مِن خواصّ صاحب دمشق تاج الدّولة تُتُش. وهو
الَّذِي مدحه ابن الخيّاط بقصيدته الطّنّانة:
سَلوا سَيْفَ أَلْحاظه المُمُتَشَقْ ... أعِنْدَ القلوبِ دَمٌ للحَدَقْ
[2]
27- أحمد بْن عَبْد العزيز [3] .
الدّلّال، البغداديّ، المعروف بالخُرَّميّ.
روى عَنْ: أَبِي الحَسَن القَزْوينيّ يسيرًا.
روى عَنْهُ: عَبْد الوهّاب الأنْماطيّ، وعبد الله بن منصور الموصلي.
تُوُفّي في جُمادى الأولى.
28- أحمد بْن علي بن أحمد بن سعيد [4] .
الخطيب أبو حاتم النّيسابوريّ، الصّوفيّ.
__________
[1] انظر عن (أبق بن عبد الرزاق) في: تاريخ حلب للعظيميّ (بتحقيق
زعرور) 364 وفيه: «أرتق» وهو غلط، و (بتحقيق سويّم) 30، وذيل تاريخ
دمشق لابن القلانسي 263، وديوان ابن الخياط (انظر فهرس الأعلام) 337.
[2] انظر القصيدة في ديوان ابن الخياط 221 رقم 89.
[3] لم أجد مصدر ترجمته.
[4] لم أجد مصدر ترجمته.
(35/55)
سمع: أبا عثمان الصابوني.
وحدث ببغداد.
روى عنه: سعد الخير الأنصاري، والسلفي.
حدَّث في هذه السّنة، ولا أعلمُ متى توفي. مولده سنة إحدى وعشرين.
29- أحمد بن علي بن حسين [1] .
الشّابرخواستيّ [2] ، القاضي أبو طاهر، الصالح، الزاهد، العابد.
روى عن علي بن القاسم البصري، عن أبي روق الهزاني.
روى عنه السلفي في البلد التاسع والعشرين.
توفي في هذه السنة [3] .
- حرف الباء-
30- بَدْرُ بْن خَلَف بْن يوسف [4] .
أبو نجم الفَرَكيّ، والفرك: قرية من قرى إصبهان.
سمع: أبا نصر الكسار، وغيره.
وعاش ثلاثا وثمانين سنة [5] .
روى عنه أبو طاهر السّلفيّ قطعة من ذاك الجزء المتبقّي من «سنن
النسائي» .
وسمع من أبي نصر إبراهيم بن الكسّاريّ أيضا.
__________
[1] انظر عن (أحمد بن علي) في: معجم السفر للسلفي ق 1/ 121، 122 رقم
11.
[2] الشابرخواستي: بعد الألف باء موحّدة ثم راء ساكنة، ثم خاء معجمة
مضمومة، وبعد الواو ألف ثم سين مهملة ساكنة، وآخره تاء مثنّاة من فوق.
ويروى بالسين في أوله. وهي ولاية بين خوزستان وأصبهان. (معجم البلدان)
.
[3] وقال السفلي: أبو طاهر هذا يعرف بالقاضي الزاهد. سألته عن مولده
فقال: سنة ثمان وثلاثين وأربعمائة، وتوفي سنة اثنتين وخمسمائة. وكان
ورعا، عفيفا، قلّ ما يتكلّم في أمور الدنيا.
وكان كثير الصلاة والصدقة، ظاهر العناية بالغرباء.
ولأبيه تصانيف، وأخوه كان قاضي البلد، ورئاستهم قديمة.
[4] انظر عن (بدر بن خلف) في: الأنساب 9/ 281، ومعجم البلدان 4/ 255
وفيه: «بدر بن دلف» .
[5] وكانت ولادته سنة 419 هـ.
(35/56)
- حرف الحاء-
31- الحسين بن علي بن الحسين [1] .
أبو الفوارس ابن الخازن الكاتب، الديلمي.
روى عن: أبي محمد الجوهري.
حدَّث عَنْهُ: السّلَفيّ وقال: كَانَ أحسن النّاس خطًا.
قلت: هُوَ صاحب الخطّ الفائق، كَانَ مشتهرًا بلعب النَّرْد. وقيل إنّه
نسخ خمسمائة مُصْحَف [2] ، وكتب مِن «مقامات الحريريّ» عدّة نُسَخ، ومن
«الأغاني» ثلاث نُسَخ. ولم يخلّف وارثًا.
وكان يسكن بدرب حبيب ببغداد.
وله شعر جيّد، فمنه:
عَنَّتِ الدُّنيا لطالبها ... واسْتراح الزّاهد الفطِن [3]
كُلُّ مَلْكٍ نال زُخْرُفَها ... حسْبُهُ [4] ممّا حوى كَفَن
يَقْتَني مالًا ويتركُهُ، ... في كِلا الحالتين مُفْتَتَنُ [5]
أكره الدُّنيا وكيفَ بها، ... والذي تسخو بِهِ وَسَنُ
لم تدُمْ قبلي عَلَى أحدٍ، ... فلماذا الهمُّ والحَزَنُ؟
توفي فجأة في ذي الحجّة.
وقيل: تُوُفّي سنة تسع وتسعين.
وسيأتي في سنة ثمان عشرة ابن الخازن الشّاعر الكاتب.
__________
[1] انظر عن (الحسين بن علي) في: الكامل في التاريخ 10/ 415 (وفيات 499
هـ) ، و 10/ 474 وفيه «الحسن» ، والمختصر في أخبار البشر 2/ 224،
وتاريخ ابن الوردي 2/ 20 وفيه «الحسن» .
[2] الكامل 10/ 415.
[3] زاد بعده في (الكامل) :
عرف الدنيا، فلم يرها ... وسواه حظّه الفتن
[4] في الكامل: «حظّه» .
[5] زاد بعده في (الكامل) :
أملي كوني على ثقة ... من لقاء مرتهن
(35/57)
32- حَمْد بْن عَبْد الله بْن أحمد بْن
حَنّة [1] .
أبو أحمد المعبّر، إصْبهانيّ، فقيه، مشهور.
سَمِعَ: أبا الوليد الحَسَن بْن محمد الدَّربَنْديّ، وأبا طاهر بْن
عَبْد الرحيم الكاتب، وأحمد بْن محمد بْن النُّعْمان الصّائغ، ومنصور
بْن الحسين سِبْط بحروَيْه، وجماعة.
وأملى عدّة مجالس.
روى عنه: أبو طاهر السلفي، وَأَبُو الفتح عَبْد اللَّه بْن أَحْمَد
الخِرَقيّ، وآخرون [2] .
قَالَ السّلَفيّ: ذكره ابن نُقْطة فقال: خرَّج لَهُ إسماعيل بْن محمد
بْن الفُضَيْل الحافظ فوائده. وكان يؤم في الجامع الأعظم ثلاث صَلَوات،
ويُفتي، ويعبّر الرؤيا.
وكان مِن شيوخ الصُّوفيّة. قَالَ لي إسماعيل بْن محمد بْن الفُضَيْل:
النّزول عَنْ [ ... ] [3] أَبِي الصّلْت الطّهراني، ومحمد بْن عزيزة،
وحمْد بْن حنّة، أحبّ إليّ مِن العلوّ عمّن سواهم [فهم لا] [4] يدرون
ما يروون.
- حرف الزاي-
33- زيد بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ
بْن الحُسَيْن بْن حَسَن بْن القاسم بْن محمد بْن القاسم بْن الحَسَن
بْن زيد بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ [5] .
أبو هاشم الحُسَيْنيّ الهَمَذَانيّ، رئيس البلد وأميره.
روى عَنْ أَبِي سعْد جامع بْن محمد الأديب حديثًا واحدًا.
وكان هَيُوبًا، مُطاعًا، سائسًا. جمع الأموال، وظلم، وعسف. وكان يطرح
__________
[1] لم أجده.
[2] في هامش الأصل.
[3] كلمة غير واضحة في هامش الأصل.
[4] إضافة يقتضيها السياق، ومكانها بياض في الأصل.
[5] انظر عن (زيد بن الحسين) في: الكامل في التاريخ 10/ 473، 474.
(35/58)
الشّيء الَّذِي يساوي درهمًا بثلاثة دراهم
وأكثر. واستعبد الناسُ، وعُمّر دهرًا.
تُوُفّي فِي رجب وله ثلاث وتسعون سنة. وهو ابن بِنْت الصّاحب إسماعيل
بْن عبّاد.
- حرف الصاد-
34- صاعد بْن محمد بْن عَبْد الرَّحْمَن [1] .
أبو العلاء الْبُخَارِيّ، القاضي.
قَالَ السّمعانيّ: هُوَ مِن أهل إصبهان، الإمام المقدَّم في زمانه
عَلَى أقرانه فضلًا، وعلما، وزهدا، وتواضعا.
تفقَّه عَلَى مذهب أَبِي حنيفة حتّى صار مفتي إصبهان.
سمع مِن أصحاب ابن المقرئ ولقي ببغداد ابن النَّقُّور، وبمكّة أبا عليّ
الحَسَن بْن عَبْد الرَّحْمَن الشّافعيّ.
قُتِل في جامع إصبهان يوم عيد الفِطْر وله خمسٌ وخمسون سنة [2] . قتله
باطِنيّ.
- حرف الطاء-
35- طاهر بْن سَعِيد بْن فضل اللَّه بْن أَبِي الخيْر [3] .
أبو الفتح الميهنيّ [4] . والد أحمد. وأبي القاسم.
__________
[1] انظر عن (صاعد بن محمد) في: المنتظم 9/ 160 رقم 257 (17) 113 رقم
3379، والكامل في التاريخ 10/ 472، ودول الإسلام 2/ 31، ومرآة الزمان ج
8 ق 1/ 29، ومرآة الجنان 3/ 171، والجواهر المضية 2/ 267، 268 رقم 659،
وكتائب أعلام الأخيار، برقم 318، والطبقات السنية، رقم 988، وشذرات
الذهب 4/ 4، والفوائد البهيّة 83، 84.
[2] ومولده سنة 448 هـ-.
[3] انظر عن (طاهر بن سعيد) في: ذيل تاريخ نيسابور (مخطوط) ورقة 8 ب،
والمنتخب من السياق 267، 268 رقم 781، ومعجم البلدان 5/ 247، والكامل
في التاريخ 11/ 123 (في حوادث سنة 542 هـ-) ، وطبقات الشافعية الكبرى
للسبكي 7/ 113، والوافي بالوفيات 16/ 400 رقم 434 (وفيه توفي سنة 542
هـ-) ، وتذكرة الصفدي (مخطوطة المتحف البريطاني) ورقة 36.
[4] هكذا في الأصل بفتح الميم. وكذا قال ياقوت. أما ابن اسمعاني فقال:
بكسر الميم وسكون
(35/59)
كَانَ مِن أهل الخير، ومن بيت المشيخة
والتَّصُوّف. أقام ببغداد مدّة يسمع ويطلب، وسافر الكثير، ولقي الكبار.
وسمع مِن: جدّه الشَّيْخ أَبِي سَعِيد فضل الله، وخلف بْن أحمد
الأبيوَرديّ، وأبي القاسم القُشَيْريّ، وأبي عليّ الحَسَن بْن غالب
المقرئ البغداديّ، وأبي الغنائم بْن المأمون.
روى عَنْهُ: أبو شجاع عُمَر بْن محمد البِسْطاميّ، وغيره.
تُوُفّي في جُمَادَى الآخرة.
وكان ذا تعبّد وتألُّه وخير [1] .
- حرف العين-
36- عَبْد اللَّه بْن إِبْرَاهِيم بْن مُحَمَّد بْن إبراهيم [2] .
أبو عليّ الدّيَنَوريّ، المؤذّن.
حدث عن: عَبْد الرّزّاق بْن الفُضَيْل الكَلاعيّ.
سَمِعَ منه: سهل بْن بِشْر مَعَ تقدُّمه، وأبو محمد بْن صابر.
37- عَبْد الله بْن سَعِيد بْن حَكَم [3] .
الزّاهد، أبو محمد القُرْطُبيّ، المقتليّ.
قرأ القرآن عَلَى أَبِي محمد مكّيّ بْن أَبِي طَالِب. وكان آخر مِن قرأ
عَليْهِ.
وكان أحد العبّاد الزّهّاد، المتبرّك بهم.
__________
[ () ] الياء المنقوطة من تحتها بنقطتين وفتح الهاء وفي آخرها النون.
هذه النسبة إلى ميهنة وهي إحدى قرى خابران ناحية بين سرخس وأبيورد.
[1] وقال عبد الغافر الفارسيّ: حسن السيرة والطريقة، محبّ للعلم وأهله،
عارف بالمعاملات والأحوال في التصوّف لاستعمالها.
سافر الكثير، ولقي الشيوخ، وحجّ، ولازم الإمامة على مراسم الشروع،
ووظائف العبادات، وسماع الحديث، وضعف بصره في آخر أيامه.
وجمع له كتاب «الأربعين» من مشايخه، وقرئ عليه.
[2] لم أجده.
[3] انظر عن (عبد الله بن سعيد) في: الصلة لابن بشكوال 1/ 290، 291 رقم
639.
(35/60)
38- عُبَيْد الله [1] بْن عُمَر بْن محمد
بْن أَحْيَد [2] .
أبو القاسم الكُشانيّ [3] ، الخطيب.
ثقة، إمام، مشهور. أملى مدة سِنين، وطال عمره.
سَمِعَ: محمد بْن الحَسَن الباهليّ، وعليّ بْن أحمد السَّنْكَبَاثيّ
[4] ، وأبا سهل عَبْد الكريم الكَلاباذيّ، وأبا نصر أحمد بْن عَبْد
الله بْن الفضل، وعبد العزيز ابن أحمد الحَلْوانيّ.
قَالَ السّمعانيّ: ثنا عَنْهُ إبراهيم بْن يعقوب الكُشَانيّ، وأبو
العلاء آصف بْن محمد النسفيّ، وعطاء بْن مالك النّقّاش، وآخرون كثيرون
بما وراء النَّهر.
ولد في حدود سنة عشر وأربعمائة.
وتوفّي في رجب.
39- عَبْد الله بْن يحيى [5] .
أبو محمد التُّجَيْبيّ، الأندلسيّ، الأُقليشيّ [6] ، ويعرف بابن
الوَحْشيّ.
أخذ القراءات بطُلَيْطلَة عَنْ أَبِي عَبْد الله المَغَاميّ [7] .
وسمع مِن: خازم بْن محمد، وأبي بَكْر بْن جُمَاهر.
وكان مِن أهل المعرفة والذّكاء. واختصرَ كتاب «مُشْكل القرآن» لابن
فُورَك [8] ، وولي أحكام أقليش.
__________
[1] في الأصل: «عبد الله» . وسيعاد ثانية بعد قليل برقم (45) باسم
«عبيد الله» .
[2] انظر عن (عبيد الله بن عمر) في: الأنساب 10/ 433، 434.
[3] الكشاني: بضم الكاف والشين المعجمة وفي آخرها النون. هذه النسبة
إلى الكشانية، وهي بلدة من بلاد السغد بنواحي سمرقند على اثني عشر
فرسخا منها.
[4] السّنكباثي: بفتح السين المهملة، وسكون النون، وفتح الكاف والباء
المعجمة بواحدة، وفي آخرها الثاء المثلّثة. هذه النسبة إلى سنكباث وهي
قرية من قرى أربنجن من سغد سمرقند.
(الأنساب 7/ 172) .
[5] انظر عن (عبد الله بن يحيى) في: الصلة لابن بشكوال 1/ 291 رقم 640،
ومعجم البلدان 1/ 237.
[6] الأقليشي: بضم الهمزة، وسكون الكاف، وكسر اللام، وياء ساكنة، وشين
معجمة، نسبة إلى أقليش مدينة بالأندلس من أعمال شنت بريّة. قال
الحميدي: أقليش بليدة من أعمال طليطلة.
[7] في معجم البلدان: «المقامي» بالقاف، وهو تحريف.
[8] وله كتاب حسن في شرح «الشهاب» يدلّ على احتفال في معرفته
(35/61)
40- عَبْد الله بْن أَبِي بَكْر [1] .
أبو القاسم النَّيْسابوريّ، البزّاز، الفقيه شيخ الحنفية في عصره،
ومُناظرهم، وواعظهم.
سَمِعَ مِن: أَبِي الحُسَيْن عَبْد الغافر الفارسيّ، وغيره، وأبي طاهر
محمد ابن عليّ الإسماعيلي البخاريّ، الأندلسيّ، سَمِعَ منه «الشّمائل»
.
قَالَ: أنبا إبراهيم بْن خَلَف، أَنَا الهيثم الشّاشيّ، ثنا
التّرْمِذيّ.
تُوُفّي في جُمَادَى الآخرة.
41- عَبْد الباقي بْن محمد بْن سَعِيد بْن أصْبَع [2] .
أبو بَكْر الأنصاريّ، الحجازيّ، الأندلسيّ، ويُعرف بابن بُريال.
روى عَنْ: المنذر بْن المنذر، وهشام بْن أحمد الكِناني، وابن عم
الطَّلَمَنْكيّ، والقاسم بْن فتح.
وكان نبيلًا، حافظًا، ذكيا، شاعرًا، محسنًا.
قَالَ ابن بَشْكُوال: ثنا عَنْهُ غير واحدٍ مِن شيوخنا. وتُوُفّي في
شَعْبان ببَلنْسِية. وكان مولده سنة ستّ عشرة وأربعمائة.
قلت: أخذ عَنْهُ ابن العريف وله سماع أيضًا مِن أَبِي عُمَر بْن عَبْد
البَرّ، عرضَ عَليْهِ القرآن.
42- عَبْد الواحد بْن إسماعيل بن أحمد بن محمد [3] .
__________
[1] انظر عن (عبد الله بن أبي بكر) في: المنتخب من السياق 288 رقم 951،
وطبقات الشافعية الكبرى للسبكي، رقم 428، والجواهر المضيّة 2/ 299، 300
رقم 696، والطبقات السنية، رقم 1051.
[2] انظر عن (عبد الباقي بن محمد) في: الصلة لابن بشكوال 2/ 385 رقم
827.
[3] انظر عن (عبد الواحد بن إسماعيل) في: المنتخب من السياق 340 رقم
1120، والسياق 6/ 189، 190، والأنساب 6/ 189، 190، والمنتظم 9/ 160 رقم
259 (17/ 113 رقم 3781) ، ومعجم البلدان 3/ 104، والإستدراك لابن نقطة
(مخطوط) 1/ 201 أ، واللباب 2/ 44، والكامل في التاريخ 10/ 473، وتهذيب
الأسماء واللغات 2/ 277، ووفيات الأعيان 3/ 198، 199، ودول الإسلام 2/
31، والإعلام بوفيات الأعلام 207، وسير أعلام النبلاء 19/ 260- 262 رقم
162، والعبر 4/ 4، 5، والمعين في طبقات المحدّثين 147 رقم
(35/62)
أبو المحاسن الرُّويَانيّ [1] ،
الطَّبَريّ، فخر الإسلام، القاضي، أحد الأئمّة الأعلام.
لَهُ الجاه العريض، والقَبُول التّامّ في تِلْكَ الدّيار.
سَمِعَ: أبا منصور محمد بْن عَبْد الرَّحْمَن الطَّبَريّ، وأبا محمد
عبد الله بْن جعفر الخبّازيّ، وأبا حفص بْن مسرور، وأبا بَكْر عَبْد
المُلْك بْن عَبْد العزيز، وأبا عَبْد الله محمد بْن بيان الفقيه، وأبا
غانم أحمد بن عليّ الكراعيّ، وعبد الصّمد بْن أَبِي نصر العاصميّ
الْبُخَارِيّ، وأبا نصر أحمد بْن محمد البلْخيّ، وأبا عثمان
الصّابونيّ، وجدّه أبا العبّاس أحمد بْن محمد بن أحمد الرّويانيّ،
وتفقّه عليه.
وسمع بمَرْو، وغَزْنَة، وببُخارى مِن طائفة.
روى عَنْهُ: زاهر الشّحّاميّ، وأبو رشيد إسماعيل بْن غانم، وأبو الفتوح
الطّائيّ، وعبد الواحد بْن يوسف، وإسماعيل بْن محمد التَّيْميّ الحافظ،
وأبو طاهر السّلَفيّ، وجماعة كثيرة.
وُلِد في ذي الحجّة سنة خمس عشرة وأربعمائة، وتفقَّه ببُخارى مدّة،
وبرع في المذهب، حتّى كَانَ يَقُولُ فيما بَلَغَنَا: لو احترقت كُتُب
الشّافعيّ أمليتها من حفظي [2] .
__________
[1605،) ] ومرآة الزمان ج 8 ق 1/ 29، وعيون التواريخ (مخطوط) 13/ 234،
ومرآة الجنان 3/ 171، 172، وطبقات الشافعية الكبرى للسبكي 7/ 193،
وطبقات الشافعية للإسنويّ 1/ 565، 566، والبداية والنهاية 12/ 170،
وطبقات الشافعية لابن كثير (مخطوط) 104 أ، وطبقات الشافعية لابن قاضي
شهبة 1/ 294، 295 رقم 256، وتاريخ الخميس 2/ 403، والنجوم الزاهرة 5/
197، ومفتاح السعادة 2/ 351، وكشف الظنون 1/ 226، 355، وشذرات الذهب 4/
4، وديوان الإسلام 2/ 345، 346 رقم 1011، وهدية العارفين 1/ 634،
وإيضاح المكنون 2/ 130، والأعلام 4/ 324، ومعجم المؤلفين 1/ 206،
والذيل على طبقات ابن الصلاح 2/ 800، 801.
[1] الرّوياني: بضم الراء وسكون الواو وفتح الياء المنقوطة باثنتين من
تحتها وفي آخرها النون.
هذه النسبة إلى رويان وهي بلدة بنواحي طبرستان. (الأنساب 6/ 189) .
[2] الكامل في التاريخ 10/ 473، المنتظم.
(35/63)
وله مصنفات في المذهب ما سبق إليها منها:
كتاب «بحر المذهب» [1] وهو من أطول كُتُب الشّافعيّة، وكتاب «مناصيص
الشّافعيّ» ، وكتاب «الكافي» ، وكتاب «حِلْية المؤمن» . وصنَّف في
الأُصول والخلاف.
وكان قاضي طَبرِسْتان.
قَالَ السّلَفيّ: بَلَغَنَا أَنَّهُ أملى بآمُل، وقُتِل بعد فراغه مِن
الإملاء، بسبب التّعصُّب في الدّين، في المحرَّم.
قَالَ: وكان العماد محمد بْن أَبِي سعْد صدر الرَّيّ في عصره يَقُولُ:
القاضي أبو المحاسن، شافعيّ عصره.
وقال مَعْمَر بْن الفاخر: قتل بجامع أمُل يوم الجمعة ثالث عشر المحرَّم
[2] ، قَتَلَتْه الملاحدة. وكان نظام المُلْك كثير التّعظيم لَهُ.
رُويان: بلدة بنواحي طَبَرِسْتان.
43- عَبْد الواحد بْن محمد بْن عُمَر بْن هارون [3] .
الفقيه أبو عُمَر الوَلاشْجِرْدِيّ.
وولاشْجِرْد [4] مِن قرى كِنكْوَر [5] ، وهي قرية مِن هَمَذَان.
__________
[1] في (سير أعلام النبلاء 19/ 261) : وله كتاب «البحر» في المذهب.
وقال أبو عمرو بن الصلاح: «هو في البحر كثير النقل، قليل التصرّف
والتزييف والترجيح» .
(تهذيب الأسماء 2/ 277) .
وقال ابن كثير: «وهو حافل، كامل، شامل للغرائب وغيرها. وفي المثل: حدّث
عن البحر ولا حرج» . (البداية والنهاية 12/ 170) .
وقال السبكي: «وهو وإن كان من أوسع كتب المذهب إلّا أنه عبارة عن حاوي
الماوردي مع فروع تلقّاها الروياني عن أبيه، عن جدّه، ومسائل أخر، فهو
أكثر من «الحاوي» فروعا، وإن كان «الحاوي» أحسن ترتيبا، وأوضح تهذيبا»
. (طبقات الشافعية الكبرى 7/ 195) .
[2] وقال عبد الغافر الفارسيّ إنه مات شهيدا في شهر رمضان سنة إحدى
وخمسمائة، عن 87 سنة. (المنتخب 340) .
[3] انظر عن (عبد الواحد بن محمد) في: الأنساب 12/ 299، ومعجم البلدان
5/ 383، واللباب 3/ 377.
[4] ولاشجرد: بسكون الشين المعجمة، وكسر الجيم، وراء ساكنة، وذال
مهملة. هكذا في الأصل، وقاله ياقوت، وابن الأثير. أما ابن السمعاني.
فقال بالذال المعجمة.
[5] كنكور: بكسر الكاف وسكون النون، وكسر الكاف الثانية وفتح الواو،
وبآخرها راء. بليدة بين
(35/64)
كَانَ فقيهًا، دَيّنًا، خيّرًا.
سَمِعَ ببغداد في رحلته مِن: أَبِي الحُسَيْن بْن المهتدي باللَّه،
والصّرِيفِينيّ، والخطيب.
وتُوُفّي بكِنْكَوِر [1] .
44- عُبَيد الله بْن عليّ بْن عُبَيد اللَّهِ [2] .
أبو إسماعيل الخطيبيّ [3] الفقيه، قاضي القُضاة بإصبهان.
سَمِعَ عَبْد الرّزّاق بْن شَمَة.
روى عَنْهُ السّلَفيّ: وقال: قُتِل بهَمَذَان شهيدًا، وأنا بها، في
صَفَر رحمه الله. قتلته الباطنيّة [4] .
45- عُبَيْد الله بْن عُمَر بْن محمد بْن أَحْيَد [5] .
الخطيب، العالم، أبو القاسم الكُشانيّ.
ثقة، مُكْثِر، مَعْمَر، وُلِد في حدود سنة عشر وأربعمائة، وروى الكثير.
وأملى عَنْ: محمد بْن الحَسَن الباهليّ، وعليّ بْن أحمد بْن ربيع
الشَّنْكباثيّ، وأبي سهل عبد الكريم الكلاباذيّ، وطائفة.
وعنه: إبراهيم بْن يعقوب الكُشانيّ، وأبو العلاء آحف بن محمد
__________
[ () ] همذان وقرميسين. (معجم البلدان 4/ 484) وقال ابن السمعاني: فأما
ولاشجرذ كنكور الّذي بالجبال من العراق منها أبو عمر عبد الواحد بن
محمد بن عمر.
[1] ومولده سنة 440 هـ-. بتبريز. ووقع في (اللباب) : مات بكنكور سنة
اثنتين وخمسين وخمسمائة! وهو خطأ.
[2] انظر عن (عبيد الله بن علي) في: المنتظم 9/ 160 (17/ 113 رقم 3780)
، والكامل في التاريخ 10/ 471، 472، والعبر 4/ 24 ودول الإسلام 2/ 31،
ومرآة الجنان 3/ 171، وذيل تاريخ بغداد لابن النجار 1/ 86، 87 رقم 334،
والجواهر المضية 2/ 498، 499 رقم 900، والطبقات السنية، رقم 1382،
وشذرات الذهب 4/ 4.
[3] في (المنتظم) بطبعتيه: «الخطبيّ» .
[4] وقال ابن النجار: من بيت القضاء والرئاسة والخطابة والتقدّم. قدم
بغداد في شهر ربيع الآخر من سنة إحدى وخمسمائة، وحدّث بها بكتاب
«الأربعين» لابن المقرئ، مولده سنة 453 هـ-.
[5] تقدّمت ترجمته برقم (38) من هذه السنة.
(35/65)
الخالديّ [1] ، وعطاء بْن مالك بْن أحمد
النّقّاش، وأبو المعالي محمد بْن نصر المَدِينيّ، وآخرون.
مات في سادس عشر رجب عَنْ نيّفٌ وتسعين سنة.
46- عُبَيْد الله بْن محمد بْن طلحة [2] .
الدّامَغَانيّ [3] ، القاضي، ابن أخت قاضي القُضاة أَبِي عَبْد الله
محمد بْن عليّ الدّامَغَانيّ.
شهد عند خاله في سنة اثنتين وخمسين وأربعمائة، وولي قضاء ربع الكَرْخ
سنة سبعين [4] .
وكان صالحًا، ورِعًا، عفيفًا.
سَمِعَ: أبا القاسم التّنُوخيّ، وعبد الكريم بْن محمد بْن
المَحَامِليّ.
روى عنه: عبد الوهاب الأنماطي، وعمر بن ظفر، وأبو طاهر السلفيّ.
وتوفّي في صَفَر.
وكان مولده بالدّامغان سنة ثلاثٍ وعشرين وأربعمائة.
47- عليّ بْن أحمد بْن عليّ بْن الإخوة [5] .
المحدّث، المفيد، أبو الحَسَن البيّع، الحريميّ [6] .
مِن كبار المحدّثين.
سَمِعَ: الخطيب، وأبا الغنائم بْن المأمون، وغيره.
انتقى عليه أبو عليّ البردانيّ.
__________
[1] في الترجمة السابقة: «النسفي» .
[2] انظر عن (عبيد الله بن محمد) في: ذيل تاريخ بغداد لابن النجار 1/
124، 125 رقم 362، والجواهر المضية 2/ 504 رقم 906، والطبقات السنية،
رقم 1387، وكنيته: «أبو محمد» .
[3] الدّامغانيّ: بالدال المفتوحة المشدّدة المهملة والميم المفتوحة
والغين المنقوطة بلدة من بلاد قومس. (الأنساب 5/ 259) .
[4] وقال ابن النجار: أذن لأبي محمد بالنظر في الحكم في السابع عشر من
المحرم سنة إحدى وثمانين، وأمر الشهود بحضور مجلسه والشهادة عنده وعليه
فيما يثبته ويسجّله. (ذيل تاريخ بغداد) .
[5] انظر عن (علي بن أحمد) في: ذيل تاريخ بغداد لابن النجار 3/ 102،
103 رقم 595.
[6] نسبة إلى الحريم الطاهري. وقد تقدّم قبل قليل.
(35/66)
وكتب عَنْهُ: أبو عامر العَبْدَريّ، وابن
ناصر.
مات كهلًا [1] .
48- علي بْن الحُسَيْن بْن عَبْد اللَّه بْن عُرَيْبَة [2] .
أبو القاسم الرَّبَعيّ، البغداديّ.
تفقَّه عَلَى أقضى القُضاة، أَبِي الحَسَن المَاوَرْديّ، وأبي الطَّيّب
الطَّبَريّ.
ولم يبْرع في المذهب.
ثمّ صحِب أبا عليّ بْن الوليد وغيره مِن شيوخ المعتزلة، وأخذ عَنْهُمْ.
وقد سَمِعَ: أَبَا القاسم بْن بِشْران، وأبا الحسين بْن مَخْلَد
البزّار.
رَوَى عَنْهُ: أَبُو بَكْر مُحَمَّد بْن منصورٍ السّمعانيّ، وعَبْد
الخالق بْن أحمد اليُوسُفيّ، وأبو طاهر السّنْجيّ، وابن ناصر، وأبو
طاهر السّلَفيّ، وأبو محمد بْن الخشّاب النَّحْويّ، وشُهْدَة.
قَالَ شُجاع الذُّهْليّ: كَانَ يذهب إلى الاعتزال.
وقال أبو سعْد السّمعانيّ: سَمِعْتُ أبا المَعْمَر الأنصاريّ إنْ شاء
الله، أو غيره يذكر أنّه رجع عَنْ ذَلِكَ، وأشهد المؤتمن السّاجيّ
وغيره عَلَى نفسه بالرجوع عَنْ رأيهم، والله أعلم.
قَالَ: وسمعت عليّ بْن أحمد اليَزْديّ يَقُولُ: قَالَ لي أبو القاسم
الرَّبَعيّ:
ولدت في سنة أربع عشرة وأربعمائة.
__________
[1] قال ابن النجار: طلب الحديث بنفسه، فسمع الكثير، وكتب بخطّه، وحصّل
الأصول، وكان يكتب خطّا حسنا، وله فضل ومعرفة.
قرأت بخط أبي طاهر السلفي، وقرأته على أبي الحسن بن المقدسي بمصر عنه،
قال: أبو الحسن علي بن أحمد بن الإخوة كان من أهل النبل، ثقة، صدوقا.
قرأت بخط أبي علي بن البرداني قال: قال لي أبو طاهر أحمد بن علي بن عبد
الغفار بن الإخوة: مولد ابني أبي (الحسين علي في سنة إحدى وخمسين
وأربعمائة.
[2] انظر عن (علي بن الحسين) في: الإعلام بوفيات الأعلام 207، وسير
أعلام النبلاء 19/ 194، 195 رقم 115، والمعين في طبقات المحدّثين 148
رقم 1606، وفيه: «علي بن الحسن» ، والمشتبه في الرجال 2/ 457، والعبر
4/ 5، وعيون التواريخ (مخطوط) 13/ 251، ومرآة الزمان ج 8 ق 1/ 30،
وطبقات الشافعية الكبرى للسبكي 7/ 223، 224، ومرآة الجنان 3/ 172،
وتبصير المنتبه 945، والنجوم الزاهرة 5/ 119، وشذرات الذهب 4/ 4.
(35/67)
تُوُفّي في ثالث وعشرين رجب [1] .
49- عليّ بْن عَبْد الرَّحْمَن [2] .
أبو الحَسَن السّمِنْجَانيّ [3] ، الفقيه. أحد الأئمّة.
تفقَّه ببُخارى عَلَى أَبِي سهل الأبيوردي.
وسمع مِن: محمد بْن عَبْد العزيز القَنْطَريّ، وغيره.
روى عَنْهُ: تامر بْن عليّ الصُّوفيّ، وإسماعيل بْن محمد الحافظ،
والسّلَفيّ.
تُوُفّي فِي شَعْبان.
50- عليّ بْن عَبْد الوهاب بْن موسى [4] .
أبو الكرم الهاشمي، الخطيب. بغداديّ جليل.
حدَّث مجلسين عَنْ أَبِي عليّ بْن المُذْهب.
روى عَنْهُ: أبو المُعَمَّر الأنصاريّ.
51- عليّ بْن أَبِي طَالِب محمد بْن عليّ بْن عُبَيْد الله [5] .
المؤدب، أبو الحَسَن الهَمَذَانيّ، ثمّ البغداديّ.
روى عَنْ أَبِي الطَّيّب الطَّبَريّ، وأبي محمد الجوهريّ.
- حرف الميم-
52- محمد بن عبد القادر [6] .
__________
[1] ومن شعره:
إن كنت نلت من الحياة وطيبها ... مع حسن وجهك عفّة وشبابا
فاحذر لنفسك أن ترى متمنّيا ... يوم القيامة أن تكون ترابا
(مرآة الزمان) .
[2] انظر عن (علي بن عبد الرحمن) في: الأنساب 7/ 150.
[3] السّمنجاني: بكسر السين والميم، وسكون النون، والجيم. نسبة إلى
سمنجان بليدة من طخارستان وراء بلخ، وهي بين بلخ وبغلان.
[4] لم أجده.
[5] لم أجده.
[6] انظر عن (محمد بن عبد القادر) في: المنتظم 9/ 161 رقم 261 (17/ 114
رقم 3783) ،
(35/68)
أبو الحُسَيْن بْن السّمّاك [1] البغداديّ.
روى عَنْ: ابن غَيْلان، وغيره.
روى عَنْهُ: إسماعيل بْن محمد بن الحافظ، وأبو طاهر السّلفيّ.
وتوفّي في رجب [2] .
وكان واعظًا.
رماه ابن ناصر بالكذِب كأبيه [3] .
53- مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّطيف بْن مُحَمَّد بْن ثابت بْن الحَسَن
[4] .
المُهَلَّبيّ، الخُجَنْدِيّ [5] ، أبو بَكْر، صدْر الدّين، ويُعرف بصدر
العراق على الإطلاق في زمانه. كذا قَالَ أبو سعْد في «الذَّيْل» .
وكان إمامًا، مناظرًا، وواعظًا، جوادًا، سَمْحًا، مَهيبًا.
كَانَ يروي الحديث، في وعْظه مِن حِفْظه. وكان السّلطان محمود يصدر
عَنْ رأيه. وكان بالوزراء أشبه منه بالعلماء.
وقد درَّس ببغداد وناظر، وسمع مِن أَبِي عليّ الحدّاد.
يؤخَّر خمسين سنة.
54- محمد بْن عبد الكريم [6]
__________
[ () ] والمغني في الضعفاء 2/ 609 رقم 5774، وميزان الاعتدال 3/ 630
رقم 7882، ولسان الميزان 5/ 263 رقم 904.
[1] تحرّفت في (المغني) إلى «السمال» باللام، وكسر السين المهملة.
[2] وكان مولده في سنة 433 هـ-.
[3] وقال ابن الجوزي: «روى لنا عنه أشياخنا. وقال شيخنا أبو الفضل بن
ناصر: لا تحلّ الرواية عنه لأنه كان كذّابا، ولم يكن عفيفا في دينه،
وكان يكتب بخطّه سماعاته على الأجزاء، وقال:
كذلك كان أبوه، وجدّه، ولم يكن في عدالته بمرضيّ» . (المنتظم) .
وقال السلفي: هو من بيت الوعظ، وفي شيوخه كثرة، وسماعاته صحيحة. (لسان
الميزان) .
[4] لم أجده.
[5] الخجنديّ: بضم الخاء المعجمة وفتح الجيم، وسكون النون، وفي آخرها
الدال. هذه النسبة إلى خجند، وهي بلدة كبيرة، كثيرة الخير، على طرف
سيحون من بلاد المشرق، ويقال لها بزيادة التاء: خجندة أيضا. (الأنساب
5/ 52) .
[6] انظر عن (محمد بن عبد الكريم) في: المنتظم 9/ 160، 161 رقم 260
(17/ 113 رقم
(35/69)
بْن خُشَيْش [1] .
أبو سعْد [2] البغداديّ.
سمَعَ: أبا عليّ بْن شاذان، وغيره.
روى عَنْهُ: أبو طاهر السّلفيّ، وشهدة، وأبو السّعادات القزّاز.
وسمع «جزء ابن عَرَفَة» مِن أَبِي مَخْلَد. وكان شيخًا صالحًا، صحيح
السَّماع.
تُوُفّي في عاشر ذي القِعْدة، وله تسعٌ وثمانون سنة [3] .
55- محمد بْن يحيى بْن مُزَاحم [4] .
أبو عَبْد الله الأَشْبُونيّ [5] ، ثمّ الطُّلَيْطُليّ.
المقرئ، مصنَّف كتاب «النَّاهج» [6] في القراءات.
وقد رحل إلى مصر وأكثر السَّماع، وحمل عن القُضاعيّ وطبقته.
مات في أول السّنة.
وذكره أحمد بْن محمد بْن حرب المستملي أنّه قرأ عَليْهِ القرآن، وأنّه
قرأ عَلَى أَبِي عَمْرو الدّانيّ.
56- محمد بْن يوسف بْن عَطّاف.
أبو عَبْد الله الأَزْدِيّ، قاضي المَرِيّة.
روى عَنْ: أَبِي القاسم عَبْد الرَّحْمَن بْن مالك، وأبي عبد الله بن
القزّاز،
__________
[3782] ، والإعلام بوفيات الأعلام 207، وسير أعلام النبلاء 19/ 240،
241 رقم 148، والمعين في طبقات المحدّثين 148 رقم 1607، والعبر 4/ 5،
ومرآة الجنان 3/ 172، وشذرات الذهب 4/ 6.
[1] في (المعين) و (مرآة الجنان) : «حشيش» بالحاء المهملة.
[2] في (المنتظم) بطبعتيه: «أبو سعيد» .
[3] وقال ابن الجوزي: «روى عنه أشياخنا وكان ثقة خيّرا، صحيح السماع» .
(المنتظم) .
[4] انظر عن (محمد بن يحيى) في: الصلة لابن بشكوال 2/ 562، 563 رقم
1233، وغاية النهاية 2/ 277، 278 رقم 3530، وبغية الوعاة 1/ 114، 115،
وإيضاح المكنون 2/ 617، وهدية العارفين 2/ 78، ومعجم المؤلفين 12/ 111.
[5] الأشبوني: بضم الهمزة، ثم سكون الشين المعجمة وضم الباء الموحّدة،
وواو ونون. نسبة إلى أشبون مدينة بالأندلس يقال لها لشبونة وهي متصلة
بشنترين قريبة من البحر المحيط.
(معجم البلدان 1/ 195) .
[6] في الأصل: «الباهج» .
(35/70)
الفقيه. وغيرهما مِن علماء الأندلس.
وكان فقيهًا، مُدرّسًا، يُناظَر عَليْهِ، ويُجْتَمَعُ في علم الرّأي
إِليْهِ.
أخذ عَنْهُ: أبو بَكْر بْن أسود، وعبد الرحيم بن الفرس، وأبو عَبْد
الله بْن أَبِي يد، وأبو الحسن بن اللّواتيّ، وغيرهم.
تُوُفّي بالمَريّة.
57- مسعود بْن عثمان بْن خَلَف [1] .
أبو الخيار الشّْنتمَريّ.
رحل وَسَمِعَ من: أَبِي عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن سلامة القضاعي.
وكان شيخا صالحا.
توفي بمرسية.
58- منصور بْن أحمد بْن الفضل بْن نصر بْن عصام [2] .
أبو القاسم المنْهاجيّ، الإسْفِزَاريّ [3] ، الفقيه الصّالح.
كَانَ ورِعًا، حَسَن السّيرة، ظهر لَهُ القبول التّامّ بالجبال
ونواحيها، وبنى بهَمَذَان وغيرها خانقاهات، وكثُر عَليْهِ المريدون،
وازدحَمَ، عَليْهِ النّاس، وتبرَّكوا بلقائه.
وكان قد تفقَّه بمَرْو عَلَى الإمام أَبِي المظفَّر السّمعانيّ، ولزِمه
مدّة.
وسمع ببَغْشُور [4] «جامع التّرْمِذيّ» مِن أَبِي سعْد [5] محمد بْن
عليّ البَغَويّ الدّبّاس.
وقُتِل فتْكًا عَلَى باب خانقاه المقرى بهمذان في شوّال [6] .
__________
[1] انظر عن (مسعود بن عثمان) في: الصلة لابن بشكوال 2/ 618 رقم 1354.
[2] انظر عن (منصور بن أحمد) في: الأنساب 1/ 239، 240.
[3] الإسفزاري: بكسر الألف، وسكون السين المهملة، وكسر الفاء، وفتح
الزاي، وفي آخرها الراء بعد الألف. هذه النسبة إلى إسفزار وهي مدينة
بين هراة وسجستان.
[4] بغشور: بضم الشين المعجمة، وسكون الواو، وراء. بليدة بين هراة
ومروالروذ. ويقال لها:
بغ أيضا. (معجم البلدان 1/ 467) .
[5] في الأنساب: «أبي سعيد» .
[6] جاء في الأنساب: قتل على باب جامع همذان فتكا في سنة نيّف عشرة
وخمسمائة.
(35/71)
- حرف الهاء-
59- هبة اللَّه بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّدِ بْن عَلِيِّ بْن إبراهيم بْن
سعْد الزّهريّ ابن المَوْصِليّ [1] .
أبو عَبْد الله، مِن أهل باب المراتب [2] ببغداد.
شيخ صالح، صحيح السَّماع.
سَمِعَ: عَبْد المُلْك بْن بِشْران، والحسين بْن عليّ بْن بطْحا.
روى عَنْهُ: عَبْد الوهّاب الأَّنْماطيّ، وعبد الخالق اليُوسُفيّ، وابن
ناصر، والسّلَفيّ، وخطيب المَوْصِل، وشهده، وآخرون.
وكان مولده في ربيع الأوّل سنة إحدى وعشرين وأربعمائة [3] ، وقيل في
ربيع الآخر.
وتُوُفّي في شوّال.
60- هبة الله بْن محمد بْن بديع [4] .
الوزير أبو النّجْم الإصْبهانيّ.
سَمِعَ: أَبَاهُ، وأبا طاهر بْن عَبْد الرحيم الكاتب، وإبراهيم سِبْط
بحرُوَيْه، وغيرهم. وانتقى عَليْهِ الحافظ أحمد بْن محمد بْن
شِيرَوَيْه.
روى عَنْهُ: أبو نصر اليُونَارتيّ، وأبو مسعود عَبْد الجليل كُوتاه،
وأبو طاهر السّلَفيّ.
وقدم دمشق، ووَزَرَ بحلب لرضوان بْن تتش [5] .
__________
[1] انظر عن (هبة الله بن أحمد) في: المنتظم 9/ 161 رقم 262 (17/ 114
رقم 3784) ، وسير أعلام النبلاء 19/ 260 رقم 161.
[2] ولهذا يعرف بالمراتبي.
وجاء في المنتظم زيادة نسبة «البزدوي» .
[3] في المنتظم: «ولد سنة اثنتين وعشرين وأربعمائة» . وزاد ابن الجوزي:
«عمّر حتى انتشرت عنه الرواية» .
[4] انظر عن (هبة الله بن محمد) في: ذيل تاريخ دمشق لابن القلانسي 161،
163، وزبدة الحلب 2/ 129، 138، وتاريخ دمشق لابن عساكر، ومختصر تاريخ
دمشق لابن منظور 27/ 68 رقم 29.
[5] زبدة الحلب 2/ 129.
(35/72)
ثمّ استوزره طُغتِكين أتابك مدّة، ثمّ
صادره في هذا العام، وخُنِق، وأُلقيَ في جُبّ بقلعة دمشق.
وكان مولده في سنة ستٌّ وثلاثين وأربعمائة.
- حرف الياء-
61- يحيى بْن عَلِيّ بْن مُحَمَّد بْن الحَسَن بْن بِسطام [1] .
أبو زكريّا الشَّيْبانيّ، التّبْرِيزيّ، [2] الخطيب، اللُّغَويّ، أحد
الأعلام في علم اللّسان.
رحل إلى الشّام، وقرأ اللّغة والأدب عَلَى أَبِي العلاء بْن سليمان
بالمَعَرَّة، وعلى عُبَيْد الله بْن عليّ الرَّقيّ، وأبي محمد الدّهّان
اللّغويّ.
__________
[1] انظر عن (يحيى بن علي) في: الأنساب 3/ 21، وتاريخ دمشق (مخطوطة
التيمورية) 46/ 345، واللباب 1/ 206، والكامل في التاريخ 10/ 473،
والمنتظم 9/ 161- 163 رقم 263، (17/ 114- 116 رقم 3785) ، ودمية القصر
للباخرزي 68، ومعجم الأدباء 20/ 25، ووفيات الأعيان 6/ 191- 195، ونزهة
الألبّاء 270- 273، ومختصر تاريخ دمشق لابن منظور 27/ 287، 288 رقم
160، وآثار البلاد وأخبار العباد 340، والإستدراك لابن نقطة (مخطوط) 1/
69 ب، وإنباه الرواة، رقم 816، والمختصر في أخبار البشر 2/ 224، ومختصر
دول الإسلام لابن العبري 2/ 22، وتلخيص ابن مكتوم 271، 272، والعبر 4/
8، وسير أعلام النبلاء 19/ 269- 271 رقم 170، ودول الإسلام 2/ 31،
والإعلام بوفيات الأعلام 207، والمستفاد من ذيل تاريخ بغداد 257، وعيون
التواريخ (مخطوط) 13/ 241- 245، ومرآة الجنان 3/ 172، وتاريخ ابن
الوردي 2/ 19، 20، والبداية والنهاية 12/ 171، والتاج المكلّل للقنوجي
148، وطبقات النحاة واللغويين لابن قاضي شهبة 530، 531، والنجوم
الزاهرة 5/ 197، وبغية الوعاة 2/ 338، وتاريخ الخلفاء 431، ومفتاح
السعادة 1/ 117، وكشف الظنون 108، 992، وشذرات الذهب 4/ 5، والفلّاكة
والمفلوكين 66، وهدية العارفين 2/ 519، وديوان الإسلام 2/ 15 رقم 581،
وتاريخ الأدب العربيّ 1/ 71، ودائرة المعارف الإسلامية 4/ 567- 570،
والأعلام 8/ 157، ومعجم المؤلفين 13/ 214، والبدر السافر (مخطوط) ورقة
230، وموسوعة علماء المسلمين في تاريخ لبنان الإسلامي (القسم الثاني) ج
5/ 39- 42 رقم 1340.
[2] التّبريزي: بكسر التاء المنقوطة باثنتين من فوقها وسكون الباء
الموحّدة وكسر الراء، وبعدها الياء المنقوطة باثنتين من تحتها وفي
آخرها الزاي. هذه النسبة إلى تبريز وهي من بلاد أذربيجان. أشهر بلدة
بها. (الأنساب 3/ 21) .
(35/73)
وسمع بصور مِن سُلَيْم بْن أيّوب الفقيه
[1] ، ومن عَبْد الكريم بْن محمد السَّيَّاريّ.
وسمع كُتُبًا عديدة أدّبته مِن أَبِي بَكْر الخطيب، ومن أَبِي ثمال،
ومن ابن برهان.
وأقام بدمشق مدّة، ثمّ سكن بغداد وأقرأ بها اللُّغة.
روى عنه: أبو منصور موهوب بْن الجواليقيّ، وابن ناصر الحافظ، وسعْد
الخير الأندلسيّ، وأبو طاهر السّلَفيّ، وأبو طاهر محمد بْن أَبِي بَكْر
السّنْجيّ.
وقد روى عَنْهُ شيخه الخطيب في تصانيفه. وكان موثَّقًا في اللغة
ونَقْلها.
تخرَّج عَليْهِ خلْق، وصنَّف «شرح الحماسة» [2] ، «وشرح ديوان
المتنبّي» ، و «شرح سقط الزَّنْد» ، «وشرح السَّبْع قصائد المعلَّقات»
، وكتاب «تهذيب غريب الحديث» [3] .
وكانت لَهُ نسخة «بتهذيب اللُّغة» للأزهريّ فحمله في مِخْلاةٍ عَلَى
ظهره مِن تِبْريز إلى المَعَرَّة [4] .
ودخل إلى مصر أيضًا، وأخذ عَنْ أَبِي الحَسَن طاهر بْن بابشاذ [5] ،
وغيره.
__________
[1] أنشده سليم بيتين لابن فارس النحويّ بصور:
إذا كان يؤذيك حرّ المصيف ... ويبس الخريف وبرد الشتا
ويلهيك حسن زمان الربيع ... فأخذك للعلم قل لي متى؟
(تاريخ دمشق 46/ 345) .
[2] نشر بتحقيق محمد عبده عزّام، طبعة محمد علي صبيح، بالقاهرة.
وللتبريزي ثلاثة شروح على الحماسة.
[3] ومن مؤلّفاته الأخرى: تفسير القرآن، وإعراب القرآن. وشرح اللمع
لابن جنّي، والكافي في العروض والقوافي، وشرح المقصورة لابن دريد، وشرح
المفضّليّات، وتهذيب إصلاح المنطق لابن السّكّيت، ومقدّمة في النحو،
ومقاتل الفرسان. (انظر: معجم الأدباء 20/ 27، 28) .
[4] يحكى أنّ سبب رحلته إلى أبي العلاء المعرّي أنه حصلت له نسخة من
كتاب «التهذيب» في اللغة للأزهري في عدّة مجلّدات لطاف، وأراد تحقيق ما
فيها وأخذها عن رجل عالم باللغة، فدلّ على المعرّي، فجعل الكتاب في
مخلاة وحملها على كتفه من تبريز إلى المعرّة، ولم يكن له ما يستأجر به
مركوبا، فنفذ العرق من ظهره إليها فأثّر فيها البلل، وهي ببعض المكاتب
الموقوفة ببغداد، وإذا رآها من لا يعرف خبرها ظنّ أنها غريقة، وليس بها
سوى عرق الخطيب. (معجم الأدباء 20/ 26، 27، إنباه الرواة 2/ 515، وفيات
الأعيان 6/ 1292) .
[5] بابشاذ: بسكون الباء الثانية والشين معجمة وذال معجمة. ومعناه:
الفرح والسرور.
(35/74)
ومن شِعْره:
خليلّي ما أحلى صُبُوحي بدجلةٍ ... وأطْيبُ منه بالصُّراة غُبُوقي
شربتُ عَلَى الماءين مِن ماء كَرْمةٍ ... فكانا كدُرّ ذائبٍ وعقيق
عَلَى قَمَري أفقٍ وأرض تَقَابلا ... فمن شائق حُلْو الهوى ومَشُوقِ
فما زلت أسقيه وأشرب رِيقَه ... وما زال يسقيني ويشرب ريقي
وقلت لبدر التّمّ: تعرفُ ذا الفتى؟ ... فقال: نعم، هذا أخي وشقيقي [1]
وممّا رواه عَنْ شيخه ابن نحرير مِن شِعْره:
يا نساء الحيّ مِن مُضَر ... إنّ سَلْمى ضَرّةُ القَمر
إنّ سلمى لَا فُجِعْتُ بها ... أسلمتْ طَرْفي إلى السَّهَر
فهي إنْ صدّتْ وإنْ وصلتْ ... مُهجتي منها عَلَى خطرِ
وبياضُ الشّعْر [2] أسكنها ... في سواد القلب والبصرِ [3]
كَانَ أبو زكريّا يُقرئ الأدب بالنّظامية.
وقال أبو منصور بْن مُحَمَّدُ بْن عَبْد المُلْك بْن خيرون: ما كانْ
بَمْرضيّ الطّريقة، وذكر منه أشياء [4] .
__________
[1] وفيات الأعيان 6/ 193.
[2] في الأصل: «الثغر» .
[3] وفيات الأعيان 6/ 194.
ومن شعر الخطيب التبريزي:
فمن يسأم من الأسفار يوما ... فإنّي قد سئمت من المقام
أقمنا بالعراق على رجال ... لئام ينتمون إلى لئام
وكتب إليه العميد الفيّاض أبياتا أوّلها:
قل ليحيى بن عليّ ... والأقاويل فنون
غير أنّي لست من يكذب ... ذب فيها ويخون
أنت عين الفضل إن ودّ ... إلى الفضل عيون.
فكتب إليه التبريزي أبياتا أولها:
قل للعميد أخي العلا الفياض ... أنا قطرة من بحرك الفياض
شرّفتني ورفعت ذكري بالذي ... ألبستنيه من الثنا الفضفاض
ألبستني حلل القريض تفضّلا ... فرفلت منها في علا ورياض
(وفيات الأعيان 6/ 194- 196) .
[4] وهي أنه كان يدمن شرب الخمر، ويلبس الحرير والعمامة المذهّبة، وكان
الناس يقرءون عليه
(35/75)
توفّي في جمادى الآخرة لليلتين بقيتا منه.
وعاش إحدى وثمانين سنة.
وقال ابن نُقْطة: ثقة في علِمه، مخلّطًا في دينه، [لُعَبَة] [1]
بلسانه.
وقيل إنّه تاب مِن ذَلِكَ [2] .
وقال ابن ناصر، عَنْ أَبِي زكريّا: التّبْريزيّ، بكسر التّاء.
62- يحيى بْن المفرّج [3] .
أبو الحُسَيْن اللَّخْميّ، المَقْدِسيّ، الفقيه، الشّافعيّ.
قاض الإسكندريّة.
تفقَّه عَلَى الفقيه نصر المقدسيّ، وحدَّث عنه.
__________
[ () ] تصانيفه وهو سكران.
قال ابن السمعاني: فذاكرت أبا الفضل محمد بن ناصر الحافظ بما ذكره ابن
خيرون، فسكت وكأنه لم ينكر ذلك، ثم قال: ولكن كان ثقة في اللغة وما كان
يرويه وينقله. وولّي ابن الخطيب تدريس الأدب بالنظاميّة، وخزانة الكتب
بها، وانتهت إليه الرئاسة في اللغة والأدب، وسار ذكره في الآفاق، ورحل
الناس إليه.
[1] في الأصل بياض. والمستدرك عن (الاستدراك لابن نقطة 1/ 69 ب) .
و «لعبة» : أبي يلعب بلسانه.
[2] وقال القزويني: كان أديبا فاضلا، كثير التصانيف. فلما بنى نظام
الملك المدرسة النظامية ببغداد، جعلوا أبا زكريا خازن خزانة الكتب،
فلما وصل نظام الملك إلى بغداد دخل المدرسة ليتفرّج عليها، وفي خدمته
أعيان جميع البلاد ووجوهها، فقعد في المدرسة في محفل عظيم والشعراء
يقومون ينشدون مدائحه والدعاة يدعون له. فقام رجل ودعا لنظام الملك
وقال: هذا خير عظيم قد تمّ على يدك ما سبقك بها أحد، وكل ما فيها حسن
إلا شيئا واحدا، وهو أن أبا زكريا التبريزي خازن خزانة الكتب، وأنه رجل
به أبنة يدعو الصبيان إلى نفسه! فانكسر أبو زكريا انكسارا شديدا في ذلك
المحفل العظيم، فلما قام نظام الملك قال لناظر المدرسة: كم معيشة أبي
زكريا؟ قال: عشرة دنانير. قال: اجعلها خمسة عشر إن كان كما يقول لا
تكفيه عشرة دنانير. فانكسر أبو زكريا من فضيحة ذلك المتعدّي، وكفاه ذلك
كفّارة لجميع ذنوبه، ومن ذلك اليوم ما حضر شيئا من المحافل والمجامع
حياء وخجالة. (آثار البلاد وأخبار العباد 340) .
[3] لم أجده.
(35/76)
سنة ثلاث وخمسمائة
- حرف الألف-
63- أحمد بْن إبراهيم بْن محمد [1] .
الدّيَنَوريّ، ثمّ الدّمشقيّ.
سَمِعَ: رشأ بْن نظيف، وأبا عثمان الصّابونيّ، وجماعة.
سَمِعَ منه: أبو محمد بْن صابر.
64- أحمد بْن عليّ بْن أحمد [2] .
أبو بَكْر بْن العُلثِيّ [3] ، الحَنْبليّ، العَبْد الصّالح.
كَانَ أحد المشهورين بالصّلاح والزُّهْد، وإجابة الدّعوة. وظهر لَهُ
قبولٌ زائد.
تفقَّه عَلَى القاضي أَبِي يَعْلَى، وحدَّث عَنْهُ بشيءٍ يسير.
روى عَنْهُ: عليّ بْن المبارك بْن الصُّوفيّ، وابن ناصر، وأبو طاهر
محمد بْن أَبِي بكر السّنجيّ.
__________
[1] انظر عن (أحمد بن إبراهيم) في: تاريخ دمشق، ومختصر تاريخ دمشق لابن
منظور 3/ 14، 15 رقم 17.
[2] انظر عن (أحمد بن علي العلثي) في: طبقات الحنابلة 2/ 255- 256 رقم
697، والمنتظم 9/ 163، 164 رقم 264 (17/ 117، 118 رقم 3786) ، وذيل
طبقات الحنابلة 1/ 104- 106 رقم 49، ومرآة الزمان ج 8 ق 1/ 33،
والبداية والنهاية 12/ 171، وشذرات الذهب 4/ 6.
[3] في الأصل: «العلبي» ، وكذا في شذرات الذهب.
(35/77)
وكان في صباه يعمل في صنعة الجصّ
والإسفيذاج، ويتنزّهُ عَنِ التّصوير [1] .
وورث مِن أَبِيهِ عقارا، فكان يبيع منه شيئا بعد شيء، ويتقوَّت بِهِ.
حجَّ في هذا العام، وتُوُفّي عشيّة عَرَفة بعَرَفَة مُحْرِمًا، فَحُمِل
إلى مكّة، وطيف بِهِ، ودُفِن عند قبر الفُضَيْل بْن عياض.
وقيل: كان إذا حجّ يجيء إلى قبر الفُضَيْل، ويخطّ بعصاه، ويقول: يا ربّ
هاهنا، يا ربّ هاهنا. فأتّفق أنّه مات ودُفن عنده، رحمهما الله [2] .
وروى عَنْهُ السّلَفيّ، وقال: كَانَ مِن زُهّاد بغداد، ومن القوّالين
بالحقّ، والنّاهين عَنِ المنكر [3] .
65- أحمد بْن المظفَّر بْن الحُسَيْن بْن عَبْد الله بْن سوسن [4] .
أبو بكر البغداديّ، التّمّار.
__________
[1] طبقات الحنابلة 2/ 255.
وقال ابن أبي يعلى: وحكي لي أنه لما دخل إلى دار بعض السلاطين مكرها،
مع جملة من الصّنّاع، أنه أدخل إلى بيت في دار تعمّر. وكان في البيت
صور من الإسفيداج مجسّمة، فقيل له: تعمل في هذا البيت؟ فقال: نعم. فلما
خرجوا عنه وخلا بنفسه أخذ الفأس، وعمد إلى الأداة التي تكون للصنّاع
للعمل، وكسر الصّور كلّها بها. فلما جاء العرفاء ورأوا ما فعل استعظموا
ذلك منه، وقيل له: كيف أقدمت على فعل هذا في دار هذا السلطان، وقد أنفق
على هذه مالا؟ فقال: هذا منكر، والله أمر بكسره، والآن قد فعلت ما
تعيّن عليّ من الإنكار، أو كلاما هذا معناه. فانتهى أمره إلى السلطان،
وقيل له: هذا رجل صالح، مشهور بالديانة، وهو من أصحاب ابن الفرّاء.
فقال: يخرج ولا يتكلّم، ولا يقال له شيء يضيق به صدره، ولا يجاء به إلى
عندنا. فلما أخرج ترك عمل الجصّ، ولازم المسجد يقرئ القرآن، ويؤمّ
الناس.
[2] طبقات الحنابلة 2/ 256، 257، الذيل 1/ 105.
[3] وقال ابن أبي يعلى: «وكان عفيفا لا يأخذ من أحد شيئا، ولا يطلب ولا
يسأل أحدا حاجة لنفسه من أمر الدنيا، مقبلا على نفسه وشأنه، مشتغلا
بعبادة ربّه، كثير الصوم والصلاة» (2/ 255) .
[4] انظر عن (أحمد بن المظفّر) في: المنتظم 9/ 164 رقم 265 (17/ 118
رقم 3687) ، والعبر 4/ 6، والإعلام بوفيات الأعلام 207، والمغني في
الضعفاء 1/ 60 رقم 463، وميزان الاعتدال 1/ 157 رقم 622، وسير أعلام
النبلاء 19/ 241، 242 رقم 149، وعيون التواريخ (مخطوط) 13/ 255، ومرآة
الجنان 3/ 173، ولسان الميزان 1/ 311، وشذرات الذهب 4/ 7.
(35/78)
حدَّث عَنْ: أَبِي عليّ بْن شاذان، وأبي
القاسم الحُرْفيّ [1] ، وأبي القاسم ابن بِشْران.
روى عنه: إسماعيل بن السمرقندي، وعبد الوهاب الأنماطي، وابن سِلَفَهِ،
وآخرون.
وكان ضعيفًا.
قَالَ السّمعانيّ: كَانَ يُلحق سماعاته في الأجزاء. قاله شجاع
الذُّهْليّ.
تُوُفّي في صَفَر، وله اثنتان وتسعون سنة [2] .
وقال عَبْد الوهاب الأنْماطيّ: هُوَ شيخ مقارِب [3] .
66- أَحْمَد بْن هبة اللَّه بْن مُحَمَّد بْن المهتدي باللَّه [4] .
الخطيب، أبو تمّام ابن الغريق، الهاشميّ، البغداديّ.
سمع: جَدَّه القاضي أبا الحُسَيْن محمد بْن عليّ.
وحدَّث.
وتُوُفّي في جُمَادَى الآخرة. وكان مِن كبار المعدّلين.
روى عَنْهُ: السّلَفيّ.
67- إسماعيل بْن إبراهيم بْن العبّاس [5] .
أَبُو الفضل الحسيني، أخو أَبِي الْقَاسِم النسيب.
كان إماما كبير القدر، ولي قضاء دمشق وخطابتها بعد والده.
__________
[1] الحرفي: بضم الحاء المهملة وسكون الراء، وفاء. وقد تصحّفت إلى
«الخرقي» في (لسان الميزان 1/ 311) .
[2] وهو ولد سنة 411 هـ-.
[3] وقال ابن الجوزي: روى عنه جماعة وحدّثنا عنه أشياخنا. قال شجاع بن
فارس الذهلي: كان ضعيفا جدا، قيل له: بماذا ضعّفتموه؟ فقال: بأشياه
ظهرت منه دلّت على ضعفه، منها أنه كان يلحق سماعاته في الأجزاء.
(المنتظم) .
[4] لم أجده.
[5] انظر عن (إسماعيل بن إبراهيم) في: ذيل تاريخ دمشق 96، 97، 165،
وتاريخ دمشق، ومختصر تاريخ دمشق لابن منظور 4/ 339، 340 رقم 347،
والوافي: بالوفيات 1/ 62، وتهذيب تاريخ دمشق 3/ 16.
(35/79)
وسمع: أبا الحُسَيْن أحمد بْن عَبْد
الرَّحْمَن بْن أبي نصر التّميميّ.
سَمِعَ منه: أبو محمد بْن صابر.
وتُوُفّي في صَفَر عَنْ ثلاثٍ وثمانين سنة [1] .
- حرف الحاء-
68- حمْد بْن الفضل بْن محمد [2] .
الإصبهانيّ، الخوّاص، أبو محمد.
تُوُفّي في ذي الحجة، وصلّى عَليْهِ القاضي أبو زُرْعة، واجتمع لجنازته
خلْق كثير.
- حرف العين-
69- عَبْد اللَّه بْن عُمَر بْن البقّال [3] .
أبو الكَرَم المقرئ، البغداديّ.
سَمِعَ: الحَسَن بْن المقتدر، وابن غَيْلان، وأبا طاهر محمد بْن عليّ
العلّاف.
روى عَنْهُ: عَبْد الوهّاب الأنْماطيّ، وأبو بَكْر بْن النَّقُّور.
وتُوُفّي في ذي القِعْدة وله سبْعٌ وسبعون سنة.
70- عليّ بْن عليّ بن شيران [4] .
أبو القاسم الواسطيّ المقري، المجوّد للقراءات.
كَانَ حافظًا للقراءات، جيّد الأخْذ. قِدم بغداد في شعبان مِن السّنة.
وحدث عن: الحسن بن أحمد الغندجانيّ [5] .
__________
[1] مولده سنة 420 هـ-.
[2] لم أجد مصدر ترجمته.
[3] لم أجد مصدر ترجمته.
[4] انظر عن (علي بن علي) في: سؤالات الحافظ السلفي لخميس الحوزي 80
رقم 56، ومعرفة القراء الكبار 1/ 475، 476 رقم 418، ونكت الهميان 215،
والجواهر المضيّة 2/ 584 رقم 986، وغاية النهاية 1/ 557 رقم 2279،
وتبصير المنتبه 2/ 798، والطبقات السنية، رقم 1576.
[5] الغندجاني: بفتح الغين المعجمة، وسكون النون، وفتح الدال المهملة،
وجيم بعدها ألف
(35/80)
روى عَنْهُ: عليّ بْن أحمد اليَزْديّ [1] .
وقال سعْد الله بْن محمد الدّقّاق: كَانَ يميل إلى الاعتزال [2] .
71- عليّ بْن محمد بْن الحبيب بْن شمّاخ [3] .
أبو الحَسَن الغافقيّ.
مِن أهل مدينة غافق بالأندلس.
روى عَنْ: أبيه، والقاضي أبي عبد الله بن السّقّاط.
وكان مِن أهل المعرفة والنُّبْل والذّكاء. وُلّي قضاة بلده مدّة.
وحُمِدت سيرته.
72- عُمَر بْن عبد الكريم [4]
__________
[ () ] ونون. نسبة إلى غندجان بلدة من كور الأهواز.
وفي (معجم البلدان) : بضم الغين المعجمة، وسكون النون، وكسر الدال
المهملة. بليدة بأرض فارس.
[1] وقال خميس الحوزي: قد سمع معنا من أبي نعيم ابن أخي سكّرة، وأبي
الحسن المغازلي، وسمع الغندجاني، وغيره، وقرأ على غلام الهرّاس العشرة،
وخطّه معه بها. وهو الآن متصدّر بالجامع للإقراء، وله معرفة بفقه أبي
حنيفة.
[2] قال المؤلّف الذهبي- رحمه الله- في (معرفة القراء 1/ 476) : «وبقي
إلى بعد العشرين وخمسمائة» .
وقال ابن الجزري: توفي سنة أربع وعشرين وخمسمائة. وكان مولده سنة إحدى
وأربعين وأربعمائة. (غاية النهاية 1/ 557) .
يقول خادم العلم «عمر تدمري» .
بناء على ذلك ينبغي أن تحوّل هذه الترجمة وتؤخّر إلى الطبقة الثالثة
والخمسين.
[3] انظر عن (علي بن محمد) في: الصلة لابن بشكوال 2/ 424 رقم 909.
[4] انظر عن (عمر بن عبد الكريم) في: الإكمال 7/ 99، والأنساب المتفقة
(طبعة دار الكتب العلمية) ص 72، وتاريخ دمشق (مخطوطة التيمورية) 32/
86، 87، و 9/ 355، 364 و 23/ 118 و 39/ 11، ومرآة الزمان لسبط ابن
الجوزي ج 8 ق 1/ 32، 33، مختصر تاريخ دمشق لابن منظور 19/ 128- 130 رقم
38، والأنساب 6/ 179 و 9/ 238، والمنتظم 9/ 164 رقم 266 (17/ 118 رقم
3788) ، والمنتخب من السياق 370 رقم 1229، والتدوين في أخبار قزوين 3/
449- 451، وذيل تاريخ نيسابور (مخطوط) ورقة 58 ب، ومعجم البلدان 2/
492، واللباب 2/ 40 و 411، ومرآة الزمان ج 8 ق 1/ 32- 33، والعبر 4/ 6،
والمشتبه في الرجال 1/ 231، والإعلام بوفيات الأعلام 207، وسير أعلام
النبلاء 19/ 317- 320 رقم 202، وتذكرة الحفاظ 4/ 1237، ومرآة الجنان 3/
173، وعيون التواريخ (مخطوط) 13/ ورقة 254، والبداية والنهاية 12/ 171،
172، والوافي بالوفيات
(35/81)
بْن سَعْدُوَيْه بْن وَهْمَت [1] .
أبو الفتيان الدّهسْتانيّ [2] ، الرَّوَّاسيّ [3] ، الحافظ، الرّحّال.
رحل إلى خُرَاسان، والعراق، والحجاز، والشّام، ومصر، والسّواحل.
وكأن أحد الحُفّاظ المبرّزين، حسن السّيرة، جميل الأمر. كتب ما لَا
يوصف كثرةً.
وسمع: أبا عثمان الصّابونيّ، وأبا حفص بْن مسرور، وأبا الحُسَيْن عَبْد
الغافر الفارسيّ، وطائفة.
وببغداد: أبا يَعْلَى بْن الفرّاء، وابن الَّنُّقور.
وبمَرْو، ومصر.
وسمع بِدِهِسْتان. أبا مسعود البَجَليّ وبه تخرَّج.
وسمع بحرّان: مُبادر بْن عليّ بْن مبادر.
روى عَنْهُ: شيخه أبو بَكْر الخطيب، وأبو حامد الغزاليّ، وأبو حفص
عُمَر بْن محمد الْجُرْجانيّ، ومحمد بْن عَبْد الواحد الدّقّاق، وشيخه
نصر المقدسيّ الفقيه، وهبة الله بْن الأكفانيّ، وإسماعيل بْن محمد
التَّيْميّ الحافظ، ومحمد بْن أبي الحُسَيْن الجوينيّ، وآخرون،
والسّلفيّ بالإجازة.
__________
[22] / 517 رقم 368، وملخص تاريخ الإسلام 7/ 54 أو 69 أ، وتبصير
المنتبه 634، والنجوم الزاهرة 5/ 200، وطبقات الحفاظ 451، وشذرات الذهب
4/ 7، وتهذيب تاريخ دمشق 4/ 150، وموسوعة علماء المسلمين في تاريخ
لبنان الإسلامي (القسم الثاني) ج 3/ 102، 103 رقم 807، ومعجم طبقات
الحفاظ والمفسّرين 135 رقم 1016.
[1] مهمت: بفتح الميم وسكون الهاء وفتح الميم الثانية، وتاء.
وجاء في المطبوع من (الإكمال 7/ 99) : وأبو الفتيان هو عمر بن محمد بن
الحسن الدهستاني. وقال محقّقه: ومحمد بن الحسن ملحق في كتاب الأمير
بغير خطه. وفي نسخة عمر بن أبي الحسن عبد الكريم بن ممّت.
وجاء في (تذكرة الحفاظ 4/ 1237) : «مهمّت» .
و «أقول» : كلّه لفظ فارسي وتركيّ لاسم «محمد» .
[2] الدّهستاني: بكسر الدال المهملة، وسكون السين، وفتح التاء. نسبة
إلى دهستان، وهي بلدة مشهورة عند مازندان، وجرجان. (الأنساب 5/ 378) .
[3] الرّوّاسي: هذه النسبة بالراء المفتوحة وتشديد الواو. (الأنساب 6/
172) وقيّدها في الأصل:
«الرؤاسي» .
(35/82)
ودخل طوس في آخر عمره، وصحَّح عَليْهِ أبو
حامد الغزاليّ «الصّحيحين» .
ثمّ خرجَ مِن طوس إلى مَرْو قاصدًا إلى الإمام أَبِي بَكْر السمعاني
باستدعائه إيّاه، فأدركته المَنِيّة بسرخس، فتُوُفّي في ربيع الآخر كما
هُوَ مؤرَّخ عَلَى بلاطة قبره.
قَالَ أبو جعفر محمد بْن أبي عليّ الهَمَذَانيّ الحافظ: ما رَأَيْت في
تِلْكَ الدّيار أحفظ منه، لَا بل في الدّيار كلّها. كَانَ كَتّابًا،
جوّالًا، دارَ الدّنيا لطلب الحديث. لقِيتُه بمكّة، ورأيت الشّيوخ
يثُنون عَليْهِ ويُحسنون القول فيه. ثمّ لقِيتُه بجُرجان، وصار مِن
إخواننا.
وقال أبو بَكْر بْن السّمعانيّ: قَالَ لي إسماعيل بْن محمد بْن
الفُضَيْل بإصبهان: كَانَ عُمَر خرّيج أبي مسعود البَجَليّ. سمعته
يَقُولُ: دخل أبو مسعود دِهستان، فأشترى مِن أَبِي رأسًا، ودخل المسجد
يأكله. فبعثني والدي إِليْهِ، فقال لي: تعرف شيئًا؟ فقلت: لَا. فقال
لوالدي: سلَّمه إليَّ فسلّمني أبي إِليْهِ، فحملني إلى نَيْسابور،
وأفادني، وانتهى أمري إلى حيث انتهى [1] .
وقال خُزَيْمَة بْن عليّ المَرْوَزِيّ الأديب: سقطت أصابعُ عُمَر
الرَّوَّاسيّ في الرحلة مِن البرد الشّديد.
وقال الدّقّاق في رسالته: إنّ عُمَر حدَّث بطوس «بصحيح مُسْلِم» مِن
غير أصله، وهذا أقبح شيء عند المحدثين. وحدَّثني أنّ مولده بدِهستان
سنة ثمانٍ وعشرين وأربعمائة. وأنّه سَمِعَ منه هبة الله بْن عبد الوارث
الشّيرازيّ في سنة ستّ وخمسين وأربعمائة.
قَالَ ابن نقطة في كتابه «الاستدارك» : سَمِعْتُ غير واحدٍ مِن أهل
العِلْم، أنّ أبا الفتيان سَمِعَ مِن ثلاثة آلاف وستّمائة شيخِ.
وقال الرَّوَّاسيّ: أريد أن أخرج إلى مَرْو وسرخس عَلَى الطّريق، وقد
قِيلَ إنّها مقبرة العِلْم، فلا أدري كيف يكون حالي بها.
__________
[1] انظر الرواية بأطول مما هنا في (الأنساب 6/ 173) .
(35/83)
قَالَ الراوي: فبَلَغَنَا أنّه تُوُفّي
بها.
قَالَ ابن طاهر [1] ، وغيره: الرَّوَّاسيّ نسبة إلى بيع الرءوس.
وقال ابن ماكولا: [2] كتب الرَّوَّاسيّ عني، وكتبت عَنْهُ، ووجدته
ذكيّا.
وقال السّمعانيّ: سَمِعْتُ أبا الفضل أحمد بْن محمد السّرْخَسيّ
يَقُولُ: لمّا قِدم عُمَر بْن أَبِي الحَسَن الرَّوَّاسيّ سرخس روى بها
وأملى. حضر مجلسه جماعة كثيرة فقال: أَنَا أكتب أسماء الجماعة عَلَى
الأصل بخطّي. وسأل الجماعة وأثبت، ففي المجلس الثّاني حضرت الجماعة،
فأخذ القلم وكتب أسماءهم كلّهم عَنْ ظهر قلب، بحيث ما احتاج أن يسألهم.
أو كما قَالَ.
ثمّ سَمِعْتُ محمد بْن محمد بْن أحمد يَقُولُ: حضرت هذا المجلس، وكان
الجمْع اثنان وسبعون نفسا [3] .
وقال عبد الغافر بْن إسماعيل [4] : عُمَر بْن أَبِي الحَسَن
الرَّوَّاسيّ، مشهور، عارف بالطُّرُق. كتب الكثير، وجمع الأبواب،
وصنَّف، وكان سريع الكتابة.
وكان عَلَى سيرة السَّلَف، مُقِلًا، مُعيلًا. خرج مِن نَيْسابور إلى
طوس، فأنزله الغزاليّ عنده وأكرمه، وقرأ عليه «الصّحيح» ، ثمّ شرحه [5]
.
__________
[1] في الأنساب المتفقة 72.
[2] في الإكمال 7/ 99: «كتبت عنه وكتب عني شيئا صالحا، ووجدته ذكيا
يصلح إن تشاغل» .
[3] في سير أعلام النبلاء 19/ 319 «فقيل: كانوا سبعين نفسا» .
[4] في المنتخب من السياق 370.
[5] وقال ابن عساكر: سمع فأوسع، وكتب الكثير، وجاب الآفاق، وقدم دمشق
... وسمع بمصر، وبهمذان، ونيسابور، وحدّث بدمشق، وصور، ثم رجع إلى
بلده، وحدّث بخراسان. روى عنه أبو بكر الخطيب، وأبو محمد الكتاني، ونصر
بن إبراهيم الزاهد وهم من شيوخه، ومحمد بن عبد الواحد الدقاق
الأصبهاني. وحدّثنا عنه أبو محمد الأكفاني، وسمع منه بدمشق. (تاريخ
دمشق 19/ 128- 130) .
وقال ابن السمعاني: طاف الدنيا شرقا وغربا، وأدرك الأسانيد العالية،
ورأيت معجم شيوخه في قريب من عشرين جزءا، وكانت له معرفة تامة بالحديث،
وارتحل إلى العراق، والحجاز، واليمن، والشام، والسواحل، وديار مصر،
وخراسان. سمع بدهستان أبا مسعود أحمد بن محمد بن عبد الله البجلي
الرازيّ وعليه تخرّج في علم الحديث، وببغداد، وبمكة، وبمصر، وبصور أبا
بكر أحمد بن علي بن ثابت، وبدمشق، وبشيراز، وبقزوين، وبنيسابور،
وبسرخس، وطوس، ومرو، وفو، وحدّث بالكثير، وأملى، وأفاد واستفاد ...
رأيت بخطّه كتاب «الترهيب
(35/84)
- حرف الميم-
73- مُحَمَّد بْن أَبِي عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن سَنْدَة
[1] .
الإصبهانيّ، المطرّز، أبو سعْد، خازن الرئيس أَبِي عَبْد الله.
سَمِعَ: الحُسَيْن بْن إبراهيم الجمّال، وأبا نُعَيْم، أَحْمَد بْن
عَبْد اللَّه الحافظ، وأبا عليّ بْن يزداد غلام محسّن، وأبا الحَسَن
بْن عَبدكَويْه، ومحمد بْن عبد الله العطّار.
كنيته أبو سعْد.
وُلِد في ربيع الأوّل سنة إحدى عشرة وأربعمائة.
روى عنه: أبو طاهر السّلفّي، وسعد الخير الأندلسيّ، وأبو طاهر محمد ابن
محمد السّنْجيّ، وجماعة مِن الإصبهانيّين.
وروى عنه حضورًا الحافظ أبو موسى المَدِينيّ وقال: تُوُفّي في الثّاني
__________
[ () ] عن القراء الفسقة والتحذير عن العلماء السوء» من جمعه. (التدوين
في أخبار قزوين 3/ 449- 451) .
وذكر ابن عساكر أنه أنشد أبياتا لغيره:
إنّي لما أنا فيه من منافستي ... فيما شغفت به من هذا الكتب
لقد علمت بأنّ الموت يدركني ... من قبل أن ينقضي من جمعها أربي
وليس ينفعني مما حوته يدي ... شيء من الفضّة البيضاء والذهب
ولا أؤمّل زادا للمعاد سوى ... علم عملت به وأفتي بأبي.
(تاريخ دمشق، مرآة الزمان) .
ويقول خادم العلم محقق هذا الكتاب «عمر عبد السلام تدمري» :
إنّ الدهستاني دخل أيضا: طرابلس، وصيدا، وبيروت، مع صور. فهو يروي عن:
مُحَمَّد بْن عليّ بْن مُحَمَّد بْن أبي العيش القاضي الجمحيّ
الأطرابلسي، وقد أخذ عنه بطرابلس. وروى عن أخيه عبد الرحمن بن علي بن
أبي العيش المتوفى سنة 464 هـ-.
وعن الحسن بن أحمد بن الحسن الصيداوي البزّاز.
وعن الحسن بن أحمد بن عبد الله الديباجي العثماني الّذي حدّث ببيروت.
وكتب عن رفيقه الحسن بن أحمد بن عبد العزيز التبريزي الفارسيّ الّذي
حدّث ببيروت أيضا.
(انظر كتابنا: موسوعة علماء المسلمين ... (القسم الثالث) ج 3/ 103) .
[1] انظر عن (محمد بن أبي عبد الله) في: الإعلام بوفيات الأعلام 207،
وسير أعلام النبلاء 10/ 254، 255 رقم 157، والمعين في طبقات المحدّثين
148 رقم 1608، وفيه:
«محمد بن أحمد» ، والعبر 4/ 7، ومرآة الجنان 3/ 173 وفيه: «المطرز بن
محمد» ، والوافي بالوفيات 1/ 121، والنجوم الزاهرة 5/ 200، وشذرات
الذهب 4/ 7.
(35/85)
والعشرين من شوّال سنة ثلاثٍ، وهو أوّل من
حضرت عنده للسّماع.
قَالَ السّمعانيّ: ثقة، صالح.
وقال السّلَفيّ في «معجمه» : كَانَ في الفضل عَلَى غاية من الجلالة،
قرأنا عليه عن غلام محسّن، وابن مُصْعَب، وجماعة. وقرأتُ عَليْهِ
القرآن، عَنْ أَبِي بَكْر بْن البقاء المقرئ صاحب أَبِي عليّ بْن
حَبَش، وغيره.
خرَّج له غانم بن محمد الحافظي خمسة أجزاء، سمعناها.
74- محمد بْن عبد الحميد بْن عَبْد الرَّحْمَن [1] .
أبو بكر الْقُرَشِيّ، الزُّهْرِيّ، الْبُخَارِيّ.
كَانَ فقيهًا، صالحًا، مُسِنًا، خيّرًا. سمّعه أَبُوهُ مِن جماعة مِن
المتقدّمين، وعُمَّر حتّى حدّث وأملى.
وتوفّي في رجب، وله ثمانون سنة.
75- محمد بْن عَلِيّ بْن مُحَمَّد [2] .
أَبُو عَبْد الله الطُّلَيْطُليّ.
سَمِعَ مِن: عَبْد الرَّحْمَن بْن سَلَمَة، وقاسم بْن هلال، وأبي
الوليد الباجي.
وولي خطابة فاس، ثمّ سَبْتَة.
وكان أعمى، صالحًا.
تُوُفّي خطيبًا بسَبْتَة في المحرَّم.
76- محمد بْن عَبْد العزيز بْن السّنْدِوانيّ [3] .
أَبُو طاهر البَغْدَادِيّ، شيخ صالح من أهل نهر الدّجاج.
__________
[1] لم أجد مصدر ترجمته.
[2] انظر عن (محمد بن علي) في: الصلة لابن بشكوال 2/ 567 رقم 1247.
[3] انظر عن (محمد بن عبد العزيز) في: الأنساب 7/ 168، ومعجم البلدان
3/ 268، واللباب 2/ 148.
و «السّندواني» : بكسر السين المهملة، وسكون النون، وكسر الدال المهملة
أيضا، وفي آخرها النون. هذه النسبة إلى السندية، وهي قرية على الفرات
بنواحي بغداد، (الأنساب) .
وقال ياقوت: قرية من قرى بغداد على نهر عيسى بين بغداد وبين الأنبار،
ينسب إليها سندواني، كأنّهم أرادوا الفرق بين النسبة إلى السند
والسندية.
(35/86)
حدَّث عَنْ: أَبِي الحَسَن القَزْوينيّ،
وأبي إِسْحَاق البرمكيّ.
روى عَنْهُ: أبو طَالِب بْن خُضَيْر.
وتوفّي في ربيع الأوّل [1] .
77- المُحَسَّر بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن الحُسَيْن [2] .
أَبُو طاهر الإسكاف، الإصبهانيّ.
حدَّث «بالمعجم الكبير» للطّبَرانيّ عَنْ: ابن أَبِي الحُسَيْن بْن
فاذشاه.
قَالَ مَعْمَر، وغيره: مات فِي ربيع الآخر.
- حرف الهاء-
78- هبة اللَّه بْن مُحَمَّد بْن عليّ [3] .
أبو المعالي الكرماني، [4] ويُعرف بابن المطَّلب الوزير.
وَزَرَ للخليفة مدة.
وسمع من: أبي الحسين بن المهتدي باللَّه.
وما كأنّه حدّث.
ولد سنة أربعين [5] وأربعمائة، وتوفّي في ثاني شوّال.
وكان كاتبًا مجيدًا حاسبًا بارعًا، تفرَّد في زمانه بعلم الديوان
والتَّصَرُّف.
ومدة وزارته سنتان وأربعة أشهر.
وكان ذا برّ ومعروف وجلالة.
__________
[1] ووقع في (اللباب 2/ 148) : توفي في ربيع الآخر سنة ثلاثين
وخمسمائة! وهو خطأ.
[2] لم أجد مصدر ترجمته.
[3] انظر عن (هبة الله بن محمد) في: المنتظم 9/ 165 رقم 268 (17/ 119
رقم 3790) .
[4] الكرماني: بكسر وقيل بفتحها، وسكون الراء، وفي آخرها النون.
(الأنساب 10/ 400) .
[5] في الأصل: «أربعة» وهو وهم.
(35/87)
سنة أربع وخمسمائة
- حرف الألف-
79- أحمد بْن أَبِي الفتح عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن
القاسم [1] .
أبو العبّاس الإصبهانيّ، الخِرَقيّ [2] .
سَمِعَ: ابن رِيذة، وأبا القاسم بْن أَبِي بَكْر الذَّكْوانيّ، ومحمد
بْن أحمد بْن عَبْد الرحيم الكاتب، وغيرهم.
روى عنه: ابنه أبو الفتح عَبْد الله، والحافظ أبو موسى المَدِينيّ،
وجماعة.
تُوُفّي في السّابع والعشرين مِن ذي القِعْدة. نعم.
روى عَنْهُ السّلَفيّ، وجماعة مِن شيوخ ابن اللّتّيّ الّذين بالإجازة.
وخرق: موضع بإصبهان.
قَالَ السلفي: كَانَ يَقُولُ: سَمِعْتُ ببغداد مِن أَبِي عليّ بْن
شاذان مَعَ سليمان الحافظ [3] .
80- أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه [4] .
أبو المكارم بْن السُّكّري، الكاتب، البغداديّ.
سَمِعَ: الحَسَن بن المقتدر باللَّه.
__________
[1] انظر عن (أحمد بن أبي الفتح) في: الأنساب 5/ 91، 92.
[2] الخرقي: بكسر الخاء المعجمة، وفتح الراء، وفي آخرها القاف. هذه
النسبة إلى بيع الثياب والخرق، منهم جماعة ببغداد وأصبهان.
[3] وقال ابن السمعاني: سمعت منه بأصبهان، وقرأت عليه «الأربعين» التي
جمعها أبو عبد الرحمن السلمي، بروايته عن ابن يونس، عنه.
[4] انظر عن (أحمد بن محمد السكّري) في: المنتظم 9/ 166 رقم 269 (17/
121 رقم 3791) .
(35/88)
روى عنه: عَبْد الوهّاب الأنْماطيّ، وغيره،
والسّلَفيّ [1] .
81- إسماعيل بْن عَبْد الغافر بْن محمد بْن عَبْد الغافر بْن أحمد [2]
.
أبو عَبْد الله ابن الشّيخ أَبِي الحُسَيْن الفارسي، ثمّ
النَّيْسابوريّ.
زوج بِنْت القُشَيْريّ.
سَمِعَ في صباه مِن: أَبِي حسّان محمد بْن أحمد المُزَكّيّ، وأبا سعْد
عَبْد الرَّحْمَن بْن حمدان النَّصرويّ، وأحمد بن محمد بن الحارث
النّحويّ، ومحمد ابن عَبْد العزيز النّيْليّ.
ورحل سنة ثلاثٍ وخمسين، وبقي يطوف عشر سنين في خوزستان وفارس. وكتب
قريبًا مِن ألف جزء بخطّه.
وسمع ببغداد: عَبْد الصّمد بْن المأمون، وقبله أبا محمد الجوهريّ،
وجماعة.
روى عَنْهُ: عَبْد الله بْن الفَرَاويّ، وعبد الخالق بْن الشّحّاميّ،
وأبو شجاع عُمَر البِسْطاميّ، وأمّ سَلَمَة، والحافظ عبد الغافر، وعمر
بْن الصَّفّار، وأبو بَكْر التّفْتَازانيّ، وطائفة سواهم.
وتُوُفيّ فِي ذي القعدة.
وكان مولده في سنة ثلاث وعشرين وأربعمائة.
قَالَ السّمعانيّ: كَانَ فاضلًا، عالمًا، لم يفتر من السّماع والتّحصيل
[3] .
__________
[1] ومولده سنة 425 هـ-.
[2] انظر عن (إسماعيل بن عبد الغافر) في: المنتظم 9/ 166 رقم 270 (17/
121 رقم 3792) وفيه: «إسماعيل بن محمد بن عبد الغافر» ، والمنتخب من
السياق 149 رقم 340، والعبر 4/ 7، ومرآة الجنان 3/ 173، وسير أعلام
النبلاء 19/ 262، 263 رقم 163، وعيون التواريخ (مخطوط) 13/ 260، 261،
وشذرات الذهب 4/ 7، 8.
[3] وقال عبد الغافر الفارسيّ: الزكيّ، العدل، الرضي، الثقة، شيخ مرضيّ
الطريقة، نقيّ السيرة والسريرة، من بيت العدالة.
كان أسلافه المتقدّمون من رؤساء فارس ببلدة فسا. وكان أبوه ابن سبعين
سنة قد يئس أن يولد له فاستبشر بذلك وسمّاه إسماعيل تأسّيا بالخليل
عليه السلام إذ قال: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى
الْكِبَرِ إِسْماعِيلَ 14: 39 [سورة إبراهيم، الآية 39] .
وأحضر مجالس الصدور والمشايخ.. (المنتخب) .
(35/89)
- حرف الحاء-
82- الحُسَيْن بْن عليّ [1] .
أبو عَبْد الله بْن الحبّال، الحنبليّ، المقرئ.
سَمِعَ: أبا محمد الخلّال، والغسّانيّ.
مات في ذي القِعْدة.
83- حمزة بْن محمد بْن عليّ [2] .
أبو يَعْلَى، أخو طِراد الزَّيْنَبيّ، الهاشميّ.
تُوُفّي في رجب، في سادس عشره.
قَالَ السّلَفيّ: كَانَ أبو يعلى جليل القدر. ولد سنة سبع وأربعمائة.
وروى لنا عن أَبِي العلاء الواسطيّ، وأبي محمد الخلّال. وذكر لي أنّه
قرأ «الفصيح» عَلَى عليّ بْن عيسى الرَّبَعيّ.
قلت: وكذا ورّخ ابن السّمعانيّ مولده، ولو أنّ حمزة سُمّع في صغره مثل
أخيه طِراد، لسَمِعَ مِن أَبِي الحُسَيْن بْن بِشْران، وهلال الحفّار،
ولصار مُسْنَد الدُّنيا في عصره، وأنا أتعجّب كيف لم يسمّعوه؟ [3] .
قَالَ السّلَفيّ: قَالَ لي أبو يَعْلَى: قد سَمِعْتُ عَلَى القاضي أبا
الحُسَيْن التَّوَّزيّ، وأبي الحسن بن قبيس المالكيّ. وتموَّل الوزير
ابن أَبِي الرّيّان عَلَى حملي إلى أَبِي الحَسَن بْن الحمّاميّ
المقرئ، فلم يتّفق ذَلِكَ، ولا سَمِعْتُ منه.
قلت: عاش سبعا وتسعين سنة.
__________
[1] لم أجد مصدر ترجمته.
[2] انظر عن (حمزة بن محمد) في: العبر 4/ 8، وسير أعلام النبلاء 19/
352، 353 رقم 208، وعيون التواريخ (مخطوط) 13/ 261، والوافي بالوفيات
13/ 184 رقم 213، والنجوم الزاهرة 5/ 202 (في المتوفين 504 هـ-.) ،
وشذرات الذهب 4/ 8.
[3] وقال المؤلّف الذهبي- رحمه الله- في (سير أعلام النبلاء 19/ 325) :
«وأنا أتعجّب من هذا.
كيف لم يسمع من أبي الحسين بن بِشْران، وأبي عليّ بن شاذان؟» .
(35/90)
- حرف العين-
84- عَبْد الغفّار بْن عَبْد المُلْك بْن عَبْد الغفار [1] .
أبو منصور البصْريّ الأديب، مِن شيوخ هَمَذَان. ثقة صدوق.
لَهُ رحلة إلى بغداد.
سمع من: أبي الحسين ابن الَّنُّقور، وطبقته.
تُوُفّي في رجب.
وقد روى اليسير.
85- عَبْد المنعم بْن عليّ بْن أحمد بْن الغَمْر [2] .
أبو القاسم الكِلابيّ، الدّمشقيّ، الورّاق، المعروف بالمُدَيد.
سَمِعَ: أبا عَبْد الله بْن سلْوان، وأبا القاسم بْن الفُرات، وأبا
عليّ الأهوازيّ، ورشأ بْن نظيف، وأبا الحُسَيْن بْن أَبِي نصر، وجماعة.
روى عَنْهُ: الصّائن هبة الله بْن عساكر، وأبو المعالي بْن صابر،
وغيرهما.
وكان مولده في سنة ثمان وعشرين وأربعمائة.
وأوّل سماعه بعد الأربعين.
وتوفي في ثامن ذي القِعْدة. فذكر ابن الأكفانيّ أنّه نزل في بركة حمّام
حارّة فمات.
86- عَبْد الوهاب بْن هبة اللَّه بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ
بْنِ عَلِيِّ [3] .
أبو الفَرَج السّيِبيّ [4] ، ثمّ البغداديّ.
كَانَ يعرف النَّحْو واللُّغة، وأدّب أولاد الخليفة [5] .
__________
[1] لم أجد مصدر ترجمته.
[2] لم أجد مصدر ترجمته.
[3] انظر عن (عبد الوهاب بن هبة الله) في: المنتظم 9/ 167 رقم 272 (17/
122 رقم 3794) ، ومرآة الزمان ج 8 ق 1/ 37.
[4] السّيبي: بكسر السين المهملة وسكون الياء المنقوطة باثنتين من
تحتها وفي آخرها الباء المنقوطة بواحدة. هذه النسبة إلى سيب. قال ابن
السمعاني: وظنّي أنها قرية بنواحي قصر ابن هبيرة. (الأنساب 7/ 215) .
[5] وقال ابن الجوزي إنّ المقتفي روى عنه الحديث. (المنتظم) .
(35/91)
سَمِعَ: أبا محمد الصَّريْفينيّ.
تُوُفّي في المحرَّم، وقد جاوز الثّمانين، في طريق الحجّ، ودُفِن
بالمدينة المنورة.
87- عليّ بْن الحُسَيْن بْن المبارك [1] .
أبو الحَسَن، ابن أخت المَزْرَفيّ [2] . إمام مسجد درب السّلْسلة.
كَانَ إمامًا فاضلًا، حسن الإقراء، ختم عَليْهِ خلْق.
وكان قد قرأ عَلَى: أبي بكر الخيّاط، وأبي عليّ بن البنّاء، وغيرهما.
قرأ عَليْهِ القرآن سعْد الله الدّقّاق وقال: كَانَ أوحد عصره في حُسن
الأداء، والقراءة الحَسَنة، والنَّغَمة الطّيّبة. وما كَانَ لسانه يفتر
عَنْ ذِكر الموت.
تُوُفّي في ربيع الآخر.
88- عليّ بن محمد بن عليّ [3] إلكيا [4] .
__________
[1] لم أجد مصدر ترجمته.
[2] المزرفي: بفتح الميم وسكون الزاي، وفتح الراء، وفي آخرها الفاء.
هذه النسبة إلى المزرفة، وهي قرية كبيرة بغربي بغداد على خمسة فراسخ
منها. (الأنساب، معجم البلدان) .
[3] انظر عن (الكيا الهراسي) في: تاريخ حلب للعظيميّ (بتحقيق زعرور)
365، و (تحقيق سويم) 30، والمنتخب من السياق 396 رقم 1344، وتبيين كذب
المفتري 288، والمنتظم 9/ 167 رقم 273 (17/ 122 رقم 3795) ، والكامل في
التاريخ 10/ 484، وذيل تاريخ نيسابور (مخطوط) 1/ 72 أ، ووفيات الأعيان
3/ 286- 290، ومعجم الألقاب 2/ 791، ودول الإسلام 2/ 33، والمعين في
طبقات المحدّثين 149 رقم 1610، والإعلام بوفيات الأعلام 207، وسير
أعلام النبلاء 19/ 350- 352 رقم 207، وتاريخ ابن الوردي 2/ 20،
والمستفاد من ذيل تاريخ بغداد 197، وعيون التواريخ (مخطوط) 13/ 256،
257، ومرآة الزمان ج 8 ق 1/ 37، 38، والوافي بالوفيات 2/ 520- 522،
والبداية والنهاية 12/ 172، 173، ومرآة الجنان 3/ 173- 177، وطبقات
الشافعية لابن قاضي شهبة 1/ 295، 296، رقم 257، والوفيات لابن قنفذ 265
والتاج المكلّل للقنوجي 81، والنجوم الزاهرة 5/ 201، 202، وتاريخ
الخلفاء 431، وطبقات الشافعية لابن هداية الله 191، وكشف الظنون 423،
1056، وشذرات الذهب 4/ 8- 10، وهدية العارفين 1/ 694، وديوان الإسلام
1/ 57، 58 رقم 56، والأعلام 5/ 149، ودائرة معارف الأعلمي 22/ 313،
ومعجم المؤلفين 7/ 220، وتهذيب تاريخ دمشق 2/ 233.
وله ذكر في: طبقات الفقهاء الشافعية لابن الصلاح 2/ 643 في ترجمة
سميّه: «علي بن محمد بن علي الطبري الآملي» رقم 243.
[4] الكيا: بكسر الهمزة وسكون اللام وكسر الكاف.
(35/92)
أبو الحَسَن الهرّاسيّ، الطَّبَرِسْتانيّ،
الفقيه الشّافعيّ، عماد الدين.
تفقَّه بنَيْسابور مدّةً عَلَى إمام الحرمين، وكان مليح الوجه، جهْوريّ
الصّوت، فصيحًا، مطبوع الحركات، زكيّ الأخلاق.
ثمّ خرج إلى بيْهق، فأقام بها مدّة، ثمّ قِدم العراق، وولي تدريس
النّظاميّة ببغداد إلى أن تُوُفّي. وحظي بالحشمة والجاه والتّجمُّل،
وتخرَّج بِهِ الأصحاب.
وروى شيئًا يسيرًا عَنْ أَبِي المعالي، وغيره.
روى عنه: سعْد الخير الأنصاريّ، وعبد الله بْن محمد بْن غلّاب
الأنباريّ، وأبو طاهر السّلَفيّ.
وكان يستعمل الحديث في مناظراته.
وإلْكِيا: بالعجميّ هُوَ الكبير القدْر، المُقدَّم.
تُوُفّي أوّل المحرَّم [1] .
__________
[1] قال عبد الغافر الفارسيّ: الإمام البالغ في النظر مبلغ الفحول، كان
حسن الوجه، مطابق الصوت للنظر، مليح الكلام، محصّل طريقة إمام الحرمين
وتخرّج به. (المنتخب 396) .
وقال ابن عساكر: وصار من وجوه الأصحاب ورءوس المعيدين في الدرس، وكان
ثاني الغزالي، بل أملح وأطيب في النظر والصوت وأبين في العبارة
والتقرير منه، وإن كان الغزالي أحدّ وأصوب خاطرا، وأسرع بيانا وعبارة
منه، وهذا كان يعيد الدرس على جماعة حتى تخرّجوا به، وكان مواظبا على
الإفادة والاستفادة، ثم اتصل بعد موت إمام الحرمين بمجد الملك في زمان
بركياروق، وحظي عنده، ثم خرج إلى العراق وأقام مدّة يدرّس ببغداد في
المدرسة النظامية إلى أن توفي فيها.
وقال أبو الفضل محمد بن محمد بن محمد بن عطاف الموصلي الفقيه ببغداد:
شهدت دفن الكيا رحمه الله في تربة الشيخ أبي إسحاق الشيرازي رحمه الله،
وحضر دفنه الشريف أبو طالب الزينبي، وقاضي القضاة أبو الحسن بن
الدامغانيّ، وكان مقدّمي أصحاب أبي حنيفة رحمه الله، وكان بينه وبينهما
منافسة في حال حياته، فوقف أحدهما عند رأس قبره، والآخر عند رجليه،
فقال ابن الدامغانيّ متمثّلا:
وما تغني النوادب والبواكي ... وقد أصبحت مثل حديث أمس
وأنشد الزينبي متمثّلا:
عقم النساء فما يلدن شبيهه ... إنّ النساء بمثله عقم
ورثاه أبو محمد المرتدي الخطيب بقصيدة أوّلها:
قف بالديار مسائلا أطلالها ... مستعلما عن رسمها أحوالها
إن كان يعلم ما يقول معاهد ... درست وخيّمت الخطوب خلالها
(35/93)
وكان مولده في سنة خمسين. وأربعمائة.
وقد رُمي إلْكِيا، رحمه الله، بأنّه يرى في المناظرة رأيَ الإسماعيلية،
وليس كذلك، بل وقع الاشتباه على القائل بأنّ صاحب الأَلمُوت ابن
الصّبّاح يلقَّب بإلْكِيا أيضًا. فافهم ذلك، وأمّا الهراسيّ فبريء من
ذلك [1] .
__________
[ () ]
وعفا معارفها وغير رسمها ... ريح تجرّ على الثرى أذيالها
طورا وطورا عارض متهلّل ... كمدامعي لما رأت ترحالها.
(تبيين كذب المفتري 289، 290) .
وقال القزويني إن الكيا دخل ديوان الخليفة والقاضي أبو الحسن الدامغاني
(في المطبوع من آثار البلاد: اللمغاني) كان حاضرا ما قام له، فشكا إلى
الخليفة الناصر لدين الله، فقال الخليفة:
إذا دخل القاضي أنت أيضا لا تقم له! ففعل ذلك ونظم هذين البيتين:
حجاب وحجّاب وفرط حماقة ... ومدّ يد نحو العلى بالتكلّف
فلو كان هذا من وراء تكلّف ... لهان، ولكن من وراء التخلّف
فشكا القاضي إلى الخليفة، فأمر الكيا أن يمشي إليه ويعتذر، فقال الكيا:
والله لأمشين على وجه يودّ لو كنت لم أمش! فلما وصل إلى باب دار القاضي
أخبر القاضي بأن الكيا جاء إليه، فقام واستقبله وواجهه بالكلّية، قال
الكيا: حفظ الله الخليفة، فإنه تارة يشرّفنا وتارة يشرف بنا! فانكسر
ابن الدامغانيّ انكسارا شديدا. فلما مات الكيا وقف ابن الدامغانيّ عند
دفنه وقال:
فما تغني النوادب والبواكي ... وقد أصبحت مثل حديث أمس
(آثار البلاد 405، 406) .
[1] وقال ابن الجوزي: وكان حافظا للفقه، كان يعيد الدرس في ابتدائه
بمدرسة نيسابور على كل مرقاة من مراقي مسمع مرة، وكانت المراقي سبعين،
وسمع الحديث، وكان فصيحا جهوريّ الصوت، ودرّس بالنظاميّة ببغداد مدة،
واتّهم برأي الباطنية، فأخذ، فشهد له جماعة بالبراءة من ذلك، منهم أبو
الوفاء بن عقيل. (المنتظم) .
وقال السبكي: ومن غريب ما اتفق له أنه أشيع أن الكيا باطنيّ يرى رأي
الإسماعيلية، فتمت له فتنة هائلة وهو بريء من ذلك، ولكن وقع الاشتباه
على الناقل، فإنّ صاحب الألموت ابن الصباح الباطني الإسماعيلي كان
يلقّب بإلكيا أيضا، ثم ظهر الأمر، وفرجت كربة شيخ الإسلام رحمه الله،
وعلم أنه أتي من توافق اللقبين. (طبقات الشافعية الكبير 7/ 233) .
وقال المؤلف الذهبي- رحمه الله- في سير أعلام النبلاء 19/ 352: «وصنّف
كتابا في الردّ على مفردات الإمام أحمد، فلم ينصف فيه» .
وقد استفتاه الحافظ السلفي ببغداد سنة 495 هـ-. في مسألة فقهية.
كما سئل الكيا عن يزيد بن معاوية، فقال فيه بخلاف ما قال الإمام
الغزالي. (انظر: وفيات الأعيان 6/ 287، 288) .
وكان في خدمته بالمدرسة النظامية أبو إسحاق إبراهيم بن عثمان الغزّي
الشاعر، فرثاه بأبيات أولها:
هي الحوادث لا تبقي ولا تذر ... ما للبريّة من محتومها وزر
(تاريخ دمشق) .
(35/94)
قَرَأْتُ عَلَى الْعَلَّامَةِ أَبِي
مُحَمَّدٍ عَبْدَ الْمُؤْمِنِ بن خَلَفَ الْحَافِظِ: أَخْبَرَكُمْ
أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْعَظِيمِ بْنُ عَبْدِ الْقَوِيِّ الْحَافِظُ
سَنَةَ تِسْعٍ وَثَلَاثِينَ إِمْلَاءً، أَنَّهُ قَرَأَ مِن حِفْظِهِ
عَلَى أَبِي الْحَسَنِ عَلِيِّ بْنِ الْمُفَضَّلِ الْحَافِظِ قَالَ:
ثَنَا أَبُو طَاهِرِ بْنُ سِلَفَةِ الْحَافِظِ، ثَنَا أَبُو الْحَسَنِ
عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الطَّبَرِيُّ إِلْكِيَا: أَنَا إِمَامُ
الْحَرَمَيْن أَبُو الْمَعَالِي عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
بْنُ يُوسُفَ: أَنَا وَالِدِي أَبُو مُحَمَّدٍ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ
أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي، ثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ
الْأَصَمُّ، ثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ، ثَنَا الشَّافِعِيُّ،
عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ النَّبِيَّ
صلَّى اللَّهُ عَليْه وآله وَسَلَّمَ قَالَ: «الْمُتَبَايِعَانِ كُلُّ
وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ
يَتَفَرَّقَا، إِلَّا بَيْعَ الْخِيَارِ» [1] . مُتَّفَقٌ عَليْهِ.
[وَمِمَّنْ يَشْتَبِهُ بِإِلْكِيَا الْهَرَّاسِيِّ مُعَاصِرُهُ
الْإِمَامُ الْقَاضِي:
89- أبو الحَسَن علي بْن محمد بْن علي الطَّبَرِسْتانيّ الآمُليّ [2] .
سَمِعَ مِن الحافظ عَبْد الله بْن جعفر الخبّاز بآمُل في سنة اثنتين
وثلاثين وأربعمائة، ومن أَبِي يَعْلَى الخليليّ، وأبي جعفر ابن
المسلمة، وابن المأمون.
وله قصيدة رثى بها إمام الحرمين.
__________
[1] أخرجه البخاري في البيوع 3/ 17 باب: كم يجوز الخيار. حدّثنا صدقة،
أخبرنا عبد الوهاب قال: سمعت يحيى قال: سمعت نافعا، عن ابن عمر رضي
الله عنهما. عن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم قال: إن المتبايعين
بالخيار في بيعهما ما لم يتفرّقا أو يكون البيع خيارة. وقال نافع: وكان
ابن عمر إذا اشترى شيئا يعجبه فارق صاحبه.
وأخرجه في باب: البيعان بالخيار ما لم يتفرّقا (3/ 17، 18) عن عبد الله
بن يوسف، عن مالك، عن نافع، عن عبد الله بن عمر، بلفظه، كما هو في
المتن.
وأخرجه من طريق أبي الخليل، عن عبد الله بن الحرث، عن حكيم بن حزام.
ومن طريق سفيان، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ
عُمَرَ.
وأخرجه مسلم في البيوع (1531) باب ثبوت خيار المجلس للمتبايعين، بلفظ:
«البيّعان كلّ واحد منهما بالخيار على صاحبه.
والنسائي في البيوع (7/ 248) باب ذكر الاختلاف على نافع في لفظ حديثه.
ومالك في الموطأ (1363) باب بيع الخيار.
وأحمد في المسند 2/ 56.
[2] انظر عن (علي بن محمد الآملي) في: طبقات الفقهاء الشافعية لابن
الصلاح 2/ 643 رقم 243، وطبقات الشافعية الكبرى للسبكي 5/ 291، 296،
وطبقات الشافعية للإسنويّ 1/ 98، وطبقات الشافعية لابن كثير (مخطوط)
105 أ.
(35/95)
ذكره ابن الصّلاح في «الشافعية» ، ولم يذكر
لَهُ وفاة. وكأنّه مات قبل هذا الأوان [1] ، فاللَّه أعلم.
روى عنه: قاضي آمُل ابن أخته أبو جعفر محمد بْن الحُسَيْن بْن أميركا
[2]] .
- حرف الميم-
90- مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن عَليّ ابن الصَّنْدليّ [3] .
أبو بَكْر المقرئ البابَصْريّ.
سَمِعَ: أبا محمد الخلّال.
وحدَّث.
روى عَنْهُ: سعْد الله بْن محمد الدّقّاق.
ومات في صَفَر.
91- محمد بْن صالح بْن حمزة بْن محمد [4] .
أبو يَعْلَى ابن الهبّارّية [5] ، الهاشميّ، العبّاسيّ الشّريف
البغداديّ نظام الدّين.
أحد الشّعراء المشهورين. أكثر شعره في الهجاء والسّخف.
__________
[1] قال ابن الصلاح: وقد اشترك أبو الحسن هذا، والكيا الإمام في:
الاسم، والكنية، واسم الأب، والجدّ، والطبرية، وهو أسنّ من الكيا، فإنه
سمع من إملاء الحافظ الجناري سنة اثنتين وثلاثين وأربعمائة. ومولد
الكيا سنة خمسين.
[2] ما بين الحاصرتين عن هامش الأصل.
[3] لم أجد مصدر ترجمته.
[4] انظر عن (محمد بن صالح) في: الأنساب 12/ 306، واللباب 3/ 381،
وخريدة القصر (قسم شعراء العراق) 2/ 70- 140، ووفيات الأعيان 4/ 453-
457، وسير أعلام النبلاء 19/ 392 رقم 233، وعيون التواريخ (مخطوط) 13/
315، ومرآة الزمان ج 8 ق 1/ 58- 62، وفيه:
«محمد بن علي» ، والوافي بالوفيات 1/ 130، ولسان الميزان 5/ 367،
والنجوم الزاهرة 5/ 210، وشذرات الذهب 4/ 24- 26 وفيه وفاته سنة 509
هـ-.، وفهرس المخطوطات المصوّرة 1/ 238، ودائرة المعارف الإسلامية 1/
291، ومعجم المؤلفين 10/ 82، والأعلام 7/ 248، وستعاد ترجمته في وفيات
سنة 509 هـ-. برقم (275) .
[5] الهبّارية: بفتح الهاء والباء المشدّدة وفي آخرها الراء. هذه
النسبة إلى هبّار، وهو اسم جدّ عبد العزيز بن علي بن هبّار الهبّاري.
(الأنساب) .
(35/96)
وكان ملازمًا لخدمة نظام المُلْك. وله كتاب
«نتائج الفطْنة في نظمْ كليلة ودِمْنَة» . وديوان شِعْره في ثلاث
مجلَّدات [1] .
وهو القائل:
رأيتُ في النّوم عرسي وهي وممسكة ... ذقني، وفي كفّها شيءٌ مِن
الأَدَمِ
مِعْوجَ الشّكل مسْوَدّ بِهِ نُقَط ... لكّن أسفله في هيئة القَدَم [2]
حتّى تنبّهتُ مُحَمَّر القَذَال، فلو ... طال الرُّقادُ [3] عَلَى
الشّيخ الأديب عَمِ [4]
قَالَ العماد الكاتب: [5] توفّي بكرمان سنة أربع وخمسمائة [6] .
__________
[1] وقيل: في أربع مجلّدات.
[2] زاد في (وفيات الأعيان) بيتا بعده:
تظلّ ترقعني كيما ترنّخني ... فصرت ألتذ بالإيقاع والنغم
[3] في وفيات الأعيان: «المنام» .
[4] وفيات الأعيان 4/ 455.
[5] في الخريدة 2/ 72.
[6] وهو قال: غلب على شعره الهجاء والهزل والسخف، وسبك في قالب ابن
الحجّاج وسلك أسلوبه، وفاقه في الخلاعة والمجون. والنظيف من شعره في
نهاية الحسن.
وحكى أبو المعالي في كتاب (زينة الدهر في فضلاء أهل العصر) أنّ ابن
الهبّارية خرج من بغداد وقدم أصبهان وبها السلطان ملك شاه بن ألب
أرسلان ووزيره نظام الملك، فدخل على النظام رقعتان، رقعة فيها هجوه،
وفي الأخرى مدحه، فأعطاه التي فيها هجوه، فقرأها النظام وفهمهما، فإذا
فيها:
لا غرو إن ملك ابن إسحاق ... وساعده القدر
وصفت له الدنيا وخصّ ... أبو المحاسن بالكدر
فالدهر كالدولاب ليس ... يدور إلّا بالبقر
فكتب النظام على رأسها: يطلق لذا القوّاد رسمه مضاعفا. وأبو المحاسن
صهر نظام الملك، ويقال له أبو الغنائم، وكان بينه وبين النظام منافرة،
وكان ابن الهبّارية يميل إلى أبي المحاسن، فنقم عليه نظام لهذا السبب.
وقيل إن أبا الغنائم بن دارست ويقال له أبو المحاسن تاج الملك، كان
بينه وبين نظام الملك شحناء ومنافسة، كما جرت العادة بمثله بين
الرؤساء، فقال أبو الغنائم لابن الهبّارية: إن هجوت نظام الملك فلك
عندي كذا، وأجزل له الوعد، فقال: كيف أهجو شخصا لا أرى في بيتي شيئا
إلا من نعمته؟ فقال: لا بدّ من هذا، حتى حمله على أن يسأل النظام شيئا،
فصعب عليه اجابته، فسأله، فمنعه، فعمل هذه الأبيات، وهو يشير إلى المثل
السائر على ألسن الناس، وهو قولهم: «أهل طوس بقر» ، فلما وصلت إليه
قال: جعلني من بقر طوس، وأغضى عنه، ولم يقابله على ذلك بل زاد في
إفضاله عليه، إذ استدعاه وخلع عليه، وأعطاه خمسمائة
(35/97)
__________
[ () ] دينار، فكانت هذه معدودة من مكارم أخلاق نظام الملك وسعة حلمه.
وكان مع فرط إحسان نظام الملك إليه يقاسي من غلمانه وأتباعه شرّ مقاساة
لما يعلمونه من بذاءة لسانه، فلما اشتدّ عليه الحال منهم كتب إلى نظام
الملك:
لذ بنظام الحضرتين الرضى ... إذا بنو الدهر تحاشوك
وأجل به عن ناظريك القذى ... إذا لئام القوم أعشوك
واصبر على وحشة غلمانه ... لا بدّ للورد من الشوك
وذكر العماد أنه انفذ هذه الأبيات مع ولده إلى نقيب النقباء علي بن
طراد الزينبي، ولقبه نظام الحضرتين أبو الحسن.
ويقال إن سبب غضب نظام الملك على ابن الهبّارية قوله وكتب به إليه:
أتجهل يا نظام الملك أني ... أعاود من حماك كما قدمت
وأصدر عن حياضك وهي نهب ... بأفواه السقاة وما وردت
يدلّ على فعالك سوء حالي ... وتنطق عن مثالي إن كتمت
إذا استخبرت ماذا نلت منه ... وقد عمّ الوفود ندي سكت
وما في الوافدين عليك شخص ... يمتّ من الولاء كما أمتّ
وهم دوني إذا اختبروا جميعا ... فلم بالدّون دونهم خصصت؟
ولي أصل وفضل غير خاف ... ولكن ما الفضل منك بخت
إذا ما وضعت عند بني جهير ... وعندك مع سماحتك انتهيت
فأين الفرق بينكم؟ وماذا ... ببعدي عن دياركم استندت؟
وها أنا ساكت، فإن اصطلحنا ... وإلّا خانني صبري، وقلت
فبلغ النظام، فأهدر دمه. وقال عبيد الله بن علي المعروف بابن
المرستانية في (ذيل تاريخ بغداد) : لما أهدر نظام الملك دم ابن
الهبارية استجار بصدر الدين محمد بن الخجنديّ، وكان يمضي في كل يوم
اثنين إلى دار النظام بأصبهان ومعه الفقهاء للمناظرة، فقال لابن
الهبّارية:
أدخل معنا مع جملة الفقهاء متنكّرا، فإذا عرفت المناظرة فقم في المجلس
مستغفرا. ففعل. فقال ابن الخجنديّ: قال الله تعالى وَالشُّعَراءُ
يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ 26: 224، وقال: إِلَّا من تابَ وَآمَنَ 19:
60، والخادم يسأل العفو عن الشريف بقبول شفاعة الفقهاء عامّة. فقال
النظام: عفا الله عمّا سلف، ثم أذن له في الإنشاد. (مرآة الزمان 8/ 59)
.
وقال سبط ابن الجوزي: وكان ابن الهبّارية من الفضلاء، له كتاب سمّاه
«فلك المعاني» جمع فيه نتفا وطرفا. (مرآة الزمان 8/ 60) .
وقال ابن خلكان: وديوان شعره كبير يدخل في أربع مجلّدات، ومن غرائب
نظمه كتاب «الصادح والباغم» نظمه على أسلوب «كليلة ودمنة» وهو أراجيز،
وعدد بيوته ألفا بيت، نظمها في عشر سنين، ولقد أجاد فيه كل الإجادة،
وسيّر الكتاب على يده ولده إلى الأمير أبي الحسن صدقة بن منصور بن دبيس
الأسدي صاحب الحلّة، وختمه بهذه الأبيات، وهي:
هذا كتاب حسن ... تحار فيه الفطن
أنفقت فيه مدّه ... عشر سنين عدّه
منذ سمعت باسمكا ... وصنعته برسمكا
(35/98)
وهبّار جدّ لأمّه.
وقيل: تُوُفّي سنة تسعٍ، فسأعيده هناك [1] .
92- مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن محمد بْن أَبِي النّضر [2] .
__________
[ () ]
بيوته ألفان ... جميعها معاني
لو ظلّ كل شاعر ... وناظم وناثر
كعمر نوح التالد ... في نظم بيت واحد
من مثله لما قدر ... ما كل من قال شعر
أنفذته مع ولدي ... بل مهجتي وكبدي
وأنت عند ظنّي ... أهل لكلّ من
وقد طوى إليكا ... توكّلا عليكا
مشقّة شديدة ... وشقّة بعيده
ولو تركت جيت ... سعيا وما ونيت
إنّ الفجار والعلا ... إرثك من دون الورى
فأجزل صلته وأسنى جائزته. (وفيات الأعيان 4/ 456، 457) .
وقال ابن السمعاني: كان شاعرا مجوّدا، ولكنه كان هجّاء، خبيث اللسان.
وقد أورد له العماد شعرا كثيرا في الخريدة، وقال في ترجمته إنه وقع في
يده مجلّدة مقفّاة من شعره، فأورد منها ما انتخبه (2/ 98) ، ومنه:
وإنّ ضلالي فيك أهدى من الهدى ... وإنّ سهادي فيك أحلى من الكرى
وددت، وما تغني الودادة والمنى ... لو أنّي أرى قلبا يباع فيشترى
وقوله:
ما كنت أعرف قدر أيّامي ... الّتي ذهبت ضياعا
حتى فجعت بها، ولم ... أسطع لذاهبها ارتجاعا
وله:
وجهي يرقّ عن السؤال ... ، وحالتي منه أرقّ
دقّت معاني الفضل في، ... وحرفتي منها أدقّ
وله:
ما صغت فيك المدح، لكنّني ... من حسن أوصافك أستملي
تملي سجاياك على خاطري ... فها أنا أكتب ما تملي
[1] وقال ابن السمعاني: توفي بعد سنة تسعين وأربعمائة، وتابعه ابن
الأثير في اللباب. وصحّحه الصفدي فقال: توفي سنة 509 هـ-.
[2] انظر عن (محمد بن أحمد البلدي) في: الأنساب 2/ 288، 289، وسيعيده
المؤلّف- رحمه الله- في وفيات السنة التالية، رقم (116) ، وقال: الأصح
وفاته في هذه (يعني 505 هـ-.) فينقل إلى هناك.
(35/99)
أبو بكر البلديّ [1] ، والنّسفيّ [2] ،
المحدّث. منسوب إلى بلد نَسَف، يعني أنّه لَيْسَ مِن قُرى نَسَف.
حدَّث بالكُتُب الكبار «كالصّحيح» لعمر بن محمد بن بجير.
سَمِعَ مِن: جعفر بْن محمد المستغفري، وأحمد بْن عليّ المايْمَرْغِيّ،
[3] وغيرهما.
قَالَ ابن السّمعانيّ: ثنا عَنْهُ نحو مِن عشرين نفسًا [4] .
وقال عمر بن محمد النسفي في كتاب «القند» إنّه تُوُفّي في ثالث صَفَر
سنة خمسٍ وخمسمائة، وإنّه ولد في سنة ثلاث وعشرين وأربعمائة.
قَالَ أبو سعْد: كَانَ إمامًا فاضلًا، وعُمَّر العُمر الطّويل حتّى روى
الكثير.
وسمع: أَبَاهُ أبا نصر، ومحمد بْن يعقوب السّلاميّ، وأبا مسعود أحمد
بْن محمد البجلي، والحسين بْن إبراهيم القَنْطريّ.
روى لنا عَنْهُ أحمد بْن عَبْد الجبّار البلديّ، [5] والحسن بْن عَبْد
الله المقرئ، ومسعود بْن عُمَر الدّلّال، وميمون بْن محمد الدّربيّ.
93- محمد بن الحسين [6] .
__________
[1] البلدي: بفتح الباء المنقوطة بواحدة واللام وفي آخرها الدال
المهملة. هذه النسبة إلى موضعين. أحدهما البلد اسم بلدة تقارب الموصل
يقال لها بلد الحطب. والثاني: منسوب إلى بلاد الكرج التي بناها أبو دلف
وسمّاها البلد. والمترجم من هذه الثانية.
[2] النّسفي: بفتح النون والسين، وكسر الفاء، هذه النسبة إلى نسف وهي
من بلاد ما وراء النهر، يقال لها نخشب. (الأنساب 12/ 80) .
[3] المايمرغي: بسكون الياء المنقوطة باثنتين من تحتها، بين الميمين
المفتوحتين، وسكون الراء، وفي آخرها الغين المعجمة المكسورة. هذه
النسبة إلى ما يمرغ وهي قرية كبيرة حسنة على طريق بخارى من نواحي نخشب.
(الأنساب 11/ 109، 110) .
[4] زاد ابن السمعاني: ببخارى، وسمرقند، ونسف، وما يمرغ.
[5] وقال ابن السمعاني: سألت حفيده أبا نصر أحمد بن عبد الجبار بن أبي
بكر بن أبي نصر البلدي عن هذه النسبة، فقال: كانت العلماء في زمان جدّي
الأعلى أبي نصر أكثرهم ينسف من القرى والناحية، وكان جدّي من أهل
البلد، فعرف بالبلدي، فبقي علينا هذا الاسم.
(الأنساب 2/ 389) .
[6] انظر عن (محمد بن الحسين) في: الأنساب 7/ 150.
(35/100)
أبو جعفر السّمِنْجانيّ [1] . إمام مسجد
راعُوم.
تفقَّه ببخارى على: أبي سهل الأبيورديّ.
وبمروالرّوذ عَلَى: القاضي حسين.
وأملى ببلْخ.
قَالَ السّمعانيّ: ثنا عَنْهُ جماعة بما وراء النّهر، وخُراسان، ومات
ببلْخ.
94- مُحَمَّد بْن علي بْن مُحَمَّد [2] .
أبو الحَسَن بْن الحديثي [3] ، البغداديّ، عُرِف بابن الشّدّاد.
سَمِعَ: أبا طَالِب بْن غَيْلان.
وعنه: أبو المُعَمَّر الأنصاريّ، والسّلَفيّ.
95- محمد بْن عمر بْن أَبِي العصافير [4] .
الخزرجيّ، الْجَيّانيّ.
أَبُو عَبْد الله.
كَانَ فقيهًا مبُرّزًا، تفقَّه عَلَى أَبِي مروان بْن مالك بقُرْطُبَة.
ورحل فأخذ عَنْ عَبْد الحقّ بْن هارون الفقيه. وشُوور في الأحكام. وطال
عُمره، وشاخ [5] .
- حرف الياء-
96- يحيى بن عليّ بن الفرج [6] .
__________
[1] السّمنجاني: بكسر السين والميم، وسكون النون، والجيم. نسبة إلى
سمنجان. بليدة من طخارستان وراء بلخ، وهي بين بلخ وبغلان.
[2] لم أجد مصدر ترجمته.
[3] الحديثي: بفتح الحاء وكسر الدال المهملتين وبعدهما الياء المنقوطة
من تحتها باثنتين وفي آخرها الثاء المثلّثة، هذه النسبة إلى الحديثة،
وهي بلدة على الفرات فوق هيت والأنبار، والنسبة إليها حديثي وحدثي
وحدثاني. (الأنساب 4/ 84) .
[4] انظر عن (محمد بن عمر) في: الصلة لابن بشكوال 2/ 567 رقم 1248.
[5] وقال ابن بشكوال: وكان ذا حظّ من علم الأصول والأدب ... مولده سنة
عشر وأربعمائة.
[6] انظر عن (يحيى بن علي) في: العبر 4/ 8، والإعلام بوفيات الأعلام
207، ومعرفة القراء الكبار 1/ 462 رقم 404، ومرآة الجنان 3/ 173، وغاية
النهاية 2/ 375، والنجوم الزاهرة 5/ 202، وحسن المحاضرة 1/ 494، وشذرات
الذهب 4/ 10.
(35/101)
أبو الحسين المصريّ، والخشّاب، المقرئ،
الأستاذ.
قرأ عَلَى: أَبِي العبّاس بْن نفيس، ومصنَّف «العنوان» أَبِي الطّاهر
إسماعيل بْن خَلَف، ومحمد بْن أحمد القَزْوينيّ، وأبي الحُسَيْن
الشّيرازيّ، وجماعة.
قرأ عَليْهِ الشّريف أبو الفُتُوح الخطيب شيخ أبي الجود، وغيره.
وتوفّي في هذه السّنة.
فأمّا:
97- عليّ بْن أحمد.
المَصّيصيّ، الأبْهريّ، الضّرير، صاحب أَبِي عليّ الأهوازيّ، فلم أظفر
لَهُ بترجمة، وهو أكبر شيخ للشّريف الخطيب. تلا عليه بعد عام خمسمائة.
(35/102)
سنة خمس وخمسمائة
- حرف الألف-
98- أحمد بْن الْعَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ
اللَّهِ بْن كوشيذ [1] .
أبو غالب الإصبهانيّ.
تُوُفّي في غرة جُمَادَى الأولى، وله ثمانون سنة.
مِن شيوخ الحافظ أبي موسى المَدِينيّ، سَمِعَ منه جميع «الكبير» [2]
للطّبَرانيّ، عَنِ ابن رِيذة.
99- أحمد بْن عُمَر بْن عطية [3] .
أبو الحُسَيْن الصَّقَلّيّ [4] ، المؤدّب.
سَمِعَ: أبا القاسم السّمَيْساطيّ، وعبد العزيز الكَتَّانيّ.
وكان يؤدب في مسجد رحْبة البَصل [5] .
قَالَ الحافظ ابن عساكر: أدركته وأجاز لي [6] ، وتُوُفّي في ربيع
الآخر، وهو ثقة.
__________
[1] لم أجد مصدر ترجمته.
[2] هو «المعجم الكبير» .
[3] انظر عن (أحمد بن عمر) في: تاريخ دمشق (أحمد بن عتبة- أحمد بن محمد
بن المؤمّل) 7/ 77 رقم 55، ومختصر تاريخ دمشق لابن منظور 3/ 193، 194
رقم 237، وتهذيب تاريخ دمشق 1/ 417.
[4] الصّقلّي: بفتح الصاد المهملة والقاف، وتشديد اللام.
[5] قال الشيخ عبد القادر بدران في تهذيبه لتاريخ دمشق 1/ 417 بالحاشية
أن مسجد رحبة البصل كان قديما موضع جامع السنانية، فلما تولى الوزير
سنان باشا ولاية الشام جدّده وجعله جامعا عظيما.
[6] عبارته في تاريخ دمشق: «أدركته، ولم يتفق لي السماع منه، وقد أجاز
لي جميع حديثه» .
(35/103)
سأله ابن صابر عَنْ مولده فقال: سنة ثلاث
وثلاثين وأربعمائة.
100- أصْبَغ بْن محمد بن أصْبَغ [1] .
أبو القاسم الأَزْديّ، القُرْطُبيّ، العلّامة، كبير المُفْتين
بقُرْطُبَة.
روى الكثير عَنْ: حاتم بْن محمد.
وتفقَّه عَلَى أبي جعفر رزق.
وأخذ عَنْ: أَبِي مروان بن سراج، وأبي علي الغساني.
وأجاز له أبو عمرو بْن عَبْد البَرّ، وأبو عُمَر بْن الحذّاء ما رووه.
وكان مِن جِلّة العلماء وكبار الفقهاء، بارعا في المذهب، قدوة في
الشّروط لَا يُجارى. وأمَّ بجامع قُرْطُبَة.
وكان مجوّدًا للقرآن، فاضلًا، متصوَّنًا، عزيز النّفس. سَمِعَ النّاس
منه، وناظروا عَليْهِ [2] .
تُوُفّي في صَفَر. ووُلِد في سنة خمسٍ وأربعين.
101- إبراهيم بْن سعد بْن إبراهيم [3] .
النَّيْسابوريّ.
شيخ، صالح، دلّال.
سمع: أبا حفص بن مسرور، وأبا عثمان الصّابوني، وجماعة.
تُوُفّي فجأة.
102- إبراهيم بْن محمد [4] .
الفقيه أبو إسحاق الْجُرْجانيّ، الزّاهد، نزيل إسفراين.
ذكره عَبْد الغافر، وأنّه تُوُفّي، سنة خمسٍ تخمينا، وقال: أحد
الأولياء والعُبّاد، وأرباب الفنون، المشتغلين بمراعاة الأنفاس مع
الله، المعرضين عن الدّنيا، بنى دويرة بأسفرايين.
__________
[1] انظر عن (أصبغ بن محمد) في: الصلة لابن بشكوال 1/ 109، 110 رقم
257.
[2] وقال ابن بشكوال: ولزم داره في آخر عمره لسعاية لحقته، فحرم الناس
منفعة علمه.
[3] انظر عن (إبراهيم بن سعد) في: المنتخب من السياق 127 رقم 293.
[4] انظر عن (إبراهيم بن محمد) في: المنتخب من السياق 126 رقم 287.
(35/104)
إلى أن قَالَ: وكان مِن أصحاب الكرامات
الظّاهرة، رحمه الله.
- حرف الباء-
103- بركات بْن الفضل بْن محمد [1] .
التَّغْلبيّ، الفارقيّ.
سَمِعَ: أبا الحُسَيْن بْن المهتدي باللَّه، وأبا الحُسَيْن بْن
الَّنُّقور، وابن البَطِر، وجماعة في كهولته.
مولده بميّافارقين سنة سبع وعشرين وأربعمائة.
وتوفّي بصور.
قال ابن عساكر: ثنا عَبْدان بْن رزين، ثنا بركات الفارقيّ في سنة تسع
وثمانين وأربعمائة، أَنَا ابن البطر.
- حرف التاء-
104- تَمِرتاش بْن ... كين [2] التُّرْكيّ.
روى عَنْ: أَبِي جعفر ابن المسلمة.
ذِكره شجاع الذُّهْليّ في «مُعْجَمه» .
- حرف الحاء-
105- الحَسَن بْن إسماعيل بْن حفص [3] .
أبو المعالي المصريّ.
روى عن: أَبِي القاسم بْن القطّاع.
روى عَنْهُ: أبو محمد العثمانيّ.
106- الحَسَن بْن عبد الأعلى [4] .
أبو عليّ الكَلاعيّ، السَّفَاقُسِيّ.
__________
[1] انظر عن (بركات بن الفضل) في: تاريخ دمشق، بتحقيق محمد أحمد دهمان.
[2] في الأصل بياض، ولم أقف على مصدر صاحب الترجمة.
[3] لم أجد مصدر ترجمته.
[4] لم أجد مصدر ترجمته.
(35/105)
أخذ ببلده عَنْ أبي الحَسَن اللَّخْميّ.
وسمع بالأندلس من: أبي عبد الله بن سعدان، وأبي علي الغساني.
وسكن سبتة، وأريد علي قضاء الجزيرة فامتنع.
وكان فقيها، متكلما، عارفا بالهندسة والفرائض.
مات كهلا.
107- الحسن بن عبد الواحد بن أحمد بن الحصين [1] .
أبو القاسم الدّسكريّ [2] ، ويعرف بابن الفقيه، وكيل الخليفة المستظهر،
وناظر المخزن.
ذهب رسولا إلى أصبهان.
وحدّث عَنْ: الصَّريْفينيّ، وابن الَّنُّقور.
روى عَنْهُ: محمد بْن عَبْد الخالق الجوهريّ، وطائفة.
- حرف الخاء-
108- خَلَف بْن سُلَيْمَان بْن خَلَف بْن مُحَمَّد بْن فتحون [3] .
أبو القاسم الأندلسيّ.
مِن أهل أوريولة.
روى عَنْ: أَبِيهِ، وابن الوليد الباجي، وطاهر بن مفوز.
وكان فقيها، أديبا، شاعرا، مفلقا. ولي قضاء شاطبة، ودانية.
روى عنه: ابنه محمد، وزياد بن محمد.
وكان يصوم الدهر. وله مصنّف في الشّروط [4] ، رحمه الله.
__________
[1] انظر عن (الحسن بن عبد الواحد) في: المنتظم 9/ 168 رقم 274 (17/
124 رقم 3796) .
[2] الدسكري: بفتح الدال وسكون السين المهملتين وفتح الكاف وفي آخرها
الراء، هذه النسبة إلى الدسكرة، وهي قريتان، إحداهما على طريق خراسان،
يقال لها دسكرة الملك. والثانية من أعمال نهر الملك ببغداد على خمسة
فراسخ. (الأنساب 5/ 311، 312) .
[3] انظر عن (خلف بن سليمان) في: معجم شيوخ الصدوقي 104 رقم 93،
والغنية للقاضي عياض 81 (في ترجمة ابنه محمد بن خلف) رقم 17.
[4] وقال القاضي عياض: وله كتاب في علم الوثائق فيه غرائب من العلم.
وورّخ وفاته في سنة خمس وخمسمائة. (الغنية 81) .
(35/106)
- حرف السين-
109- سعد بن محمد بن المؤمل [1] .
أبو نصر النيسابوري.
سمع: أبا حفص بن مسرور.
قال يحيى بن منده: سَمِعْتُ منه، وقدِم إصبهان مرارًا.
مات في ربيع الآخر، وله إحدى وسبعون سنة.
- حرف العين-
110- عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَلِيِّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ
بْنِ عَلِيِّ ابن الآبنُوسيّ [2] .
أبو محمد، أخو أَبِي الحَسَن أحمد الفقيه.
كَانَ أحد وكلاء القاضي أَبِي عَبْد الله الدّامَغَانيّ، وغيره مِن
القُضاة.
وكان قد اشتغل وحصّل، وسمع الحديث مِن: التّنُوخيّ، والجوهريّ، وأبي
طَالِب العُشَاريّ.
وسمع «التّاريخ» مِن الخطيب.
روى عَنْهُ: محمد بْن محمد السّنْجيّ، وعبد الله الحلْوانيّ بمَرْو،
وجماعة ببغداد، والسّلَفيّ.
قَالَ أبو بَكْر السّمعانيّ: سَمِعْتُ أبا محمد الآبنُوسيّ يَقُولُ:
كنت لَا أسمع مُدّة مِن التّنُوخيّ لما أسمع مِن مَيْله إلى الاعتزال،
ثمّ سَمِعْتُ منه حتّى صرت عنده أعز مِن كلّ أحد، وكان يسمّيني يحيى
بْن مَعِين.
وُلِد سنة ثمانٍ وعشرين.
وتُوُفّي في يوم الثّلاثاء سادس عشر جمادى الأولى [3] .
__________
[1] لم أجده.
[2] انظر عن (عبد الله بن علي الآبنوسي) في: العبر 4/ 9، وسير أعلام
النبلاء 19/ 277، 278 رقم 176، والمستفاد من ذيل تاريخ بغداد 147، 148،
وعيون التواريخ (مخطوط) 13/ 270 (مطبوع) 12/ 10، ومرآة الجنان 3/ 177،
والوافي بالوفيات 17/ 333، 334 رقم 294، وشذرات الذهب 4/ 10.
[3] وقال ابن ناصر: كان أبو محمد ثقة مستورا، له معرفة بالحديث.
(35/107)
111- عبد المُلْك بْن محمد بْن حسين [1] .
البُزُوغابيّ [2] ، الحربيّ، أبو محمد.
روى عَنْ: أَبِي الحَسَن القَزْوينيّ.
روى عَنْهُ: محمد بْن محمد السّنْجيّ، وأبو المُعَمَّر، وغيرهما، وعبد
الحقّ.
مات في المحرَّم [3] .
112- عبد الواحد بْن أحمد بْن عُمَر بْن السَّمَرْقَنْديّ [4] .
أَبُو طاهر، أخو عَبْد الله، وإسماعيل.
سَمِعَ: أبا محمد الصَّريْفينيّ، وابن الَّنُّقور.
ومات في صَفَر، ولم يَرْوِ.
113- علي بْن مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن مُحَمَّد بْن يوسف بْن يعقوب [5]
.
أبو الحَسَن بْن أَبِي طاهر ابن العلّاف البغداديّ.
مِن بيت الحديث والقراءة.
__________
[ () ] وقال السلفي: هو من أهل المعرفة بالحديث وقوانينه التي لا
يعرفها إلّا من طال اشتغاله به.
وكان ثقة شافعيا، كتبنا عنه بانتقاء البرداني.
ومن شعره، ولم يقل غيرهما:
أصبح الناس حثالة ... كلّهم يطلب ماله
لو بقي في الناس حرّ ... ما تعاطيت الوكالة
[1] انظر عن (عبد الملك بن محمد) في: المنتظم 9/ 168 رقم 276 (17/ 124
رقم 3798) .
[2] في الأصل: «البزوغاني» بالنون. والتحرير من (الأنساب 2/ 200) وفيه:
بضم الباء الموحّدة والزاي وفتح الغين المعجمة وفي آخرها الياء
المنقوطة من تحتها باثنتين. هذه النسبة إلى بزوغي وهي قرية من قرى
بغداد.
وقد تصحّفت في طبعة حيدرآباد من (المنتظم) إلى: «البوزغاني» ، وفي
الطبعة الجديدة إلى «البوزجاني» .
[3] وقال ابن الجوزي: روى عنه من أشياخنا، وكان شيخا صالحا.
[4] لم أجده.
[5] انظر عن (علي بن محمد بن العلّاف) في: المنتظم 9/ 168 رقم 275 (17/
124 رقم 3797) ، والعبر 4/ 9، والإعلام بوفيات الأعلام 208، وسير أعلام
النبلاء 19/ 242، والمعين في طبقات المحدّثين 148 رقم 1609، ودول
الإسلام 2/ 34، وعيون التواريخ (مخطوط) 13/ 271، ومرآة الجنان 3/ 177،
وشذرات الذهب 4/ 10.
(35/108)
وكان أحد حجّاب الخليفة.
عُمّر حتّى رحل إِليْهِ النّاس، وكان ذا طريقةٍ جميلة وخصالٍ حميدة.
وهو آخر من روى عنه الحمّاميّ. وسمع عَبْد المُلْك بْن بِشْران أيضًا.
روى عَنْهُ: ابنه أبو طاهر محمد، ومحمد بْن محمد السّنْجيّ،
والسّلَفيّ، وخطيب المَوْصِل، وأبو بَكْر بْن الَّنُّقور، وخلق كثير.
وآخر مِن حدَّث عَنْهُ أبو السّعادات القزّاز.
وقال أبو بَكْر السّمعانيّ بعد أن ذكر مِن لحِق مِن أصحاب ابن بِشْران
فسمّى ابن العلّاف، وقال: هُوَ أجلّ أصحابه عندي. سمعته يَقُولُ: ولدت
في المحرّم سنة ستّ وأربعمائة، وسمعتُ مِن أَبِي الحُسَيْن بْن
بِشْران.
وقال: وعظ والدي النّاس سبعين سنة.
تُوُفّي في الثّالث والعشرين مِن المحرَّم سنة خمسٍ. وكمّل تسعًا
وتسعين سنة [1] .
- حرف الميم-
114- المبارك بْن سعيد [2] .
أبو الحسن الأسديّ، والبغدادجي، التّاجر، ويُعرف بابن الخشّاب.
سمع: القُضاعيّ، وأبا بَكْر الخطيب.
ودخل الأندلس تاجرًا، فحدَّث «بتاريخ بغداد» .
سَمِعَ منه: أبو عليّ الغسّاني، والكبار.
وسمع هُوَ مِن أَبِي مروان بْن سِراج.
قَالَ ابن بَشْكُوال: كَانَ مِن أهل الثّقة والثّروة. رجع إلى بغداد.
وقال ابن السّمعانيّ: كَانَ أحد الشُّهُود المُعدّلين.
مات في ذي القعدة.
__________
[1] وقال ابن الجوزي: وكان سماعه صحيحا ومُتِّع بسمْعه وبَصَره وجوارحه
إلى أنّ تُوُفّي في هذه السنة عن ثمان وتسعين سنة. (المنتظم) .
[2] انظر عن (المبارك بن سعيد) في: الصلة لابن بشكوال 2/ 634 رقم 1391.
(35/109)
115- المبارك بن فاخر بن محمد بن يعقوب [1]
.
الأستاذ، إمام النَّحْو، أبو الكرم ابن الدّقّاق.
ولد سنة إحدى وثلاثين وأربعمائة [2] ، ولازم ابن برهان الأَسَديّ.
وروى عَنْ: الجوهري، وابن المسلمة، والقاضي أبي يَعْلَى، وغيره.
أخذ عَنْهُ: ابن ناصر، والسّلَفيّ، وابن السّجْزيّ.
وصنَّف، وتصدَّر، وبرع.
تُوُفّي في ذي القِعْدة.
حطّ عليه ابن ناصر وكذّبه [3] .
__________
[1] انظر عن (المبارك بن فاخر) في: معجم الأدباء 17/ 54- 56، والمغني
في الضعفاء 2/ 540 رقم 5163، وميزان الاعتدال 3/ 431 رقم 7047، ولسان
الميزان 5/ 11 رقم 37، وبغية الوعاة 2/ 272، 273 رقم 1963.
[2] وقع في (لسان الميزان) : سنة إحدى وثلاثين ومائة! وهو خطأ.
[3] وقال أبو منصور بْن خَيْرُون: كانوا يقولون إنه كذّاب، واسم جدّه
محمد بن يعقوب.
وذكر ابن النجار أن ابن ناصر كتب على بيت أبي الكرم بتكذيبه في معظم ما
ادّعى سماعه.
وقال ياقوت: وجدت مولده كما تقدّم بخط ابن السمعاني، فإن صحّ لا يصحّ
أخذه عن ابن برهان، فإنه مات سنة ست وخمسين، بل إن كان سمع منه شيئا
جاز.
قال: ثم رأيت بخطّه أيضا في «المذيّل» ملحقا: قرأت بخط والدي: سألت
المبارك عن مولده، فقال: سنة إحدى وثلاثين، فإن صحت هذه الرواية صحّ
أخذه عن ابن برهان. وسمع الحديث من القاضي أبي الطيب الطبري، وغيره،
وجرّحه الناس ورموه بالكذب والتزوير وادّعاء سماع ما لم يسمعه والتساهل
إذا أخذ خطّه على كتاب، ويقصد بذلك اجتلاب الطلاب، لأن النفوس تميل إلى
هذا الباب.
صنّف «المعلّم في النحو» ، و «شرح خطبة أدب الكاتب» . وكان يقوم لطلبته
يكرمهم، وكان الخطيب التبريزي ينكر ذلك عليه، وينشد:
قصّر بالعلم وأزرى به ... من قام في الدرس لأصحابه
وقال ياقوت: ولد سنة ثمان وأربعين وأربعمائة، ومات في ذي القعدة سنة
خمسين وخمسمائة! (17/ 54) وجاء في (بغية الوعاة 2/ 273) : سنة خمسمائة!
والاثنان غلط.
ومن شعره:
لا تغترر بأخي الوداد وإن صفا ... وأراك منه البشر والإقبالا
أفلا ترى المرآة عند صقالها ... تبدي لناظرها ريا ومحالا
ويسرّه منها الصفاء وقد يرى ... فيها بعينيه اليمين شمالا
وكذا الصديق يسرّ بين ضلوعه ... غشّا ينافي القول والأفعالا
(35/110)
116- محمد بْن أحمد بْن أَبِي النَّضْر بْن
موسى بن سعيد بن منذر بن صاحب [1] .
البَلَديّ، أبو بَكْر النَّسَفيّ.
محدّث ما وراء النَّهر.
قد ذكرناه في السّنة الماضية، والأصحّ وفاته في هذه، فينقل إلى هنا.
117- محمد بْن حَيْدَرة بْن مفوَّز بْن أَحْمَد بْن مفوَّز [2] .
أبو بَكْر المَعَافِريّ، الشّاطبيّ.
روى عَنْ: عمّه طاهر، وأبي عليّ الغسّانيّ وأكثر عَنْهُمَا.
وأخذ أيضًا عَنْ: أبي مروان بْن سراج، ومحمد بْن فرج الطلّاع.
وأجاز له أبو عمر بن الحذاء، وأبو الوليد الباجي.
وكان حافظا للحديث وعلله، عارفا برجاله، متقنا، ضابطا، عارفا، بالأدب،
والشعر، والمعاني، كامل العناية بذلك [3] .
أسمع الناس بقرطبة، وخلف أبا علي شيخه في مجلسه، و [أقرأ] [4] على ابن
حزم في جزء، وتصدر وعلم إلى أن توفّي سنة خمس وخمسمائة.
وكان مولده سنة ثلاثٍ وستّين، رحمه الله.
118- محمد بْن عبد الرَّحْمَن بْن سَعِيد [5] .
أبو عَبْد الله بْن المحتسب القُرْطُبيّ، المقرئ.
أخذ عَنْ: أَبِي محمد بْن أَبِي شعيب، وأبي مروان بن سراج. وكان نحويا،
لغويا، علامة.
__________
[1] تقدّم في السنة السابقة، برقم (92) .
[2] انظر عن (محمد بن حيدرة) في: الغنية للقاضي عياض 81، 107، 108،
والصلة لابن بشكوال 2/ 567، 568 رقم 2249.
[3] وقال القاضي عياض: حدّثني الوزير أبو العلاء ابن زهر أنّ الجيّاني
حضّه على صحبة ابن المرخي أحمد بن محمد بن عبد العزيز اللخمي، وتصحيح
الحديث عليه وعلى أبي بكر بن مفوّز. وقال لي: ليس من هنا إلى مكة في
هذا الباب مثلهما. (الغنية 108) .
[4] بياض في الأصل، والمستدرك يقتضيه السياق.
[5] انظر عن (محمد بن عبد الرحمن) في: الغنية للقاضي عياض 89، 90 رقم
24، والصلة لابن بشكوال 2/ 568 رقم 1250.
(35/111)
أخذ الناس عنه [1] .
119- مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم [2] .
أَبُو سعد الإصبهاني المديني، يعرف بسرفرتج الثاني.
كان من أجلاء الكتبة.
روى عَنْ: أَبِي نُعَيْم الحافظ.
وحدَّث عَنْهُ جماعة، منهم أبو موسى المدينيّ، وهو من كبار شيوخه.
توفي في آخر يوم من السنة.
وقد حدَّث ببغداد.
وروى عَنْهُ: أبو الفتح بْن البَطّيّ، والسّلَفيّ.
وقد خدم بالشّام.
120- محمد بْن عليّ بْن محمد [3] .
شيخ الحنابلة، أبو الفتح الحلوانيّ، الزّاهد.
تُوُفّي يوم الأضحي [4] ، وشيّعه خلائق.
صحِب القاضي أبا يَعْلَى قليلًا، ثمّ بَرَع عَلَى الشّريف أَبِي جعفر.
وأفتى، ودرّس، وتعبّد، وتألّه [5] .
__________
[1] وقال القاضي عياض: أقرأ بجامع قرطبة زمانا، وأخذ عنه الناس النحو
والقراءات والأدب، وخرج عن قرطبة ثم عاد إليها. سمعت عليه بقراءة غيري
بعض شيء مما عنده. (الغنية 89) .
[2] لم أجده.
[3] انظر عن (محمد بن علي الحلواني) في: طبقات الحنابلة 2/ 257 رقم
698، والمنتظم 9/ 170 رقم 278، (17/ 127 رقم 3800) ، وذيل طبقات
الحنابلة 1/ 106 رقم 50، والأعلام 7/ 164، ومعجم المؤلفين 11/ 50.
[4] وكان مولده سنة 439 هـ-.
[5] وقال ابن شافع: كان ذا زهادة وعبادة.
وقال السلفي وروى عنه في مشيخته: كان من فقهاء الحنابلة ببغداد، وكان
مشهورا بالورع الثخين، والدين المتين ... له كتاب «كفاية المبتدي» في
الفقه، مجلّدة، ومصنّف آخر في الفقه أكبر منه، ومصنّف في أصول الفقه في
مجلّدين، وله «مختصر العبادات» . (ذيل الطبقات 1/ 106) .
(35/112)
121- محمد بْن عيسى [1] بْن حسن [2] .
القاضي أبو عَبْد الله التّميميّ، الفقيه، المالكيّ، السّبْتيّ.
أخذ عَنْ: أَبِي محمد المَسِيليّ، ولزمه مدّة.
وتفقَّه أيضًا عَلَى أَبِي عَبْد الله بْن العجوز.
وسمع بالمَريّة «صحيح الْبُخَارِيّ» عَلَى ابن المرابط.
ورحل إلى قُرْطُبَة، فأخذ عَنْ: عَبْد المُلْك بْن سِراج، وأبي عليّ
الغسّانيّ، ومحمد بْن فرج.
وكان حسن السّمت، وافر العقل، ميلح المَلْبَس.
تفقَّه بِهِ أهل سَبْتَة، وكان يُسمّى: الفقيه العامل.
تفقَّه عَليْهِ: أبو محمد بْن شَبُونَة، والقاضي عِياض، وأبو بَكْر بْن
صلاح.
ورحل إليه النّاس مِن النُواحي، وبَعُد صِيته، واشتهر اسمُه، ونَجَب
مِن أصحابه خلْق.
وكان خيّرًا، رقيق القلب، سريع الدّمْعَة، مُؤْثرًا للطَّلَبَة.
بنى جامع سَبْتَة، وعَزَل نفسه مِن القضاء بأخرة. ثمّ ولّوه قضاء
الجماعة بفاس، فلم تُعجبه الغُربة، فرجع، وتُوُفّي بسَبْتَة في
جُمَادَى الآخرة.
قاله تلميذه أبو عَبْد الله محمد بْن حمادة الفقيه، وبالغ في تعظيمه
حتّى قَالَ: كَانَ إمام المغرب في وقته. ولم يكن في قُطْر مِن الأقطار
منذ يحيى بْن يحيى الأندلسيّ مِن حَمَل النّاس عَنْهُ أكثر منه، ولا
أكثر نجابةً مِن أصحابه.
وقال عياض: [3] مولده سنة ثمان [4] وعشرين وأربعمائة [5] .
__________
[1] انظر عن (محمد بن عيسى) في: ترتيب المدارك للقاضي عياض 4/ 584،
والغنية، له 27- 46 رقم 1، والصلة لابن بشكوال 2/ 605 رقم 1327، وجذوة
الاقتباس 252 رقم 255 و 253، 254 رقم 257، ومعجم شيوخ الصدفي 96 رقم
82، وأزهار الرياض 3/ 159، وسير أعلام النبلاء 19/ 266 رقم 166، وشجرة
النور الزكية 124 رقم 358.
[2] في الصلة، وترتيب المدارك، والغنية: «حسين» .
[3] في ترتيب المدارك 4/ 584، ومثله ابن بشكوال في (الصلة 2/ 605) .
[4] وفي (الغنية 29) للقاضي عياض: مولده سنة تسع وعشرين وأربعمائة.
[5] وقال ابن بشكوال: توفي سنة ثلاث أو أربع وخمسمائة. ثم كتب إليّ
القاضي أبو الفضل يذكر
(35/113)
__________
[ () ] أنه توفي في صبيحة يوم السبت لسبع بقين من جمادى الأولى سنة خمس
وخمسمائة. (الصلة 2/ 605) .
وقال القاضي عياض:
الفقيه القاضي أبو عبد الله محمد بن عيسى بن حسين التميمي: أجلّ شيوخ
بلدنا سبتة، رحمه الله، ومقدّم فقهائهم، مولده بمدينة فاس، انتقل به
أبوه إلى سبتة وهو شاب، وأصله من تاهرت، وجدّه هو المنتقل إلى فاس،
فطلب العلم بسبتة على شيوخنا أبي محمد المسيلي، وغيره. ورحل إلى
الأندلس ثلاث رحل، إحداها في شبيبته إلى إشبيلية، فقرأ بها الأدب على
إلى بكر ابن القصيرة، والثاني إلى المريّة سنة ثمانين وأربعمائة، فأخذ
عن ابن المرابط، وأجازه الدلائي، والثالثة سنة ثمان وثمانين إلى قرطبة،
فسمع الجياني، وابن الطلّاع، وأبا مروان ابن سراج، والعبسيّ. وأقام بها
نحو عامين، واتّسع في الأخذ، وتقلّد الشورى أخريات أيام البرغواطي قبل
رحلته، فاستمرّ رأسا في المفتين إلى أخريات أيامه، وسمع أيضا من ابن
سعدون، وأبي القاسم ابن الباجي، وغيرهما.
وكان كثير الكتب، حافظا، عارفا بالفقه، مليح الخط والكتابة والمحاضرة،
من أعقل أهل زمانه وأفضلهم وأسمتهم، تامّ الفضل، كامل المروءة، بعيد
الصيت عند الخاصّة، والعامّة، عظيم القدر. لازمته كثيرا للمناظرة في
«المدوّنة» و «الموطّأ» ، وسماع المصنّفات، فقرأت وسمعت عليه بقراءة
غيري كثيرا، وأجازني جميع روايته.
وولي القضاء بسبتة نحو ست سنين، واستعفى من ذلك أخيرا فأعفي، وذلك في
محرّم سنة ست وتسعين، ثم التزم القضاء بمدينة فاس بعد أن سجن على
إبايته من ذلك، وذلك سنة ثلاث وخمسمائة، فنهض إليها، ثم انصرف زائرا
إلى سبتة، وتلدّد بها رجاء تخلّصه من الخطّة، فتوفي بها صبيحة يوم
السبت لتسع بقين لجمادى الأولى سنة خمس وخمسمائة.
مولده سنة تسع وعشرين وأربعمائة.
وكان من أحسن القضاة وأنزههم وأجرأهم على الطريقة القويمة، فمضى فقيرا
حميدا، واحتفل الناس لجنازته، وولعت العامّة بنعشه مسحا بالأكفّ، ولمسا
بأطراف الثياب تبرّكا به، رحمة الله عليه.
فمما سمعت عليه وقرأت، ومنه ما فاتني بعضه، فأجازنيه:
- موطّأ الإمام مالك بن أنس، رواية يحيى بن يحيى الليثي.. والمسند
الصحيح من آثار رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم للبخاريّ، والمسند
الصحيح المختصر من السنن لمسلم، ومصنّف السنن لأبي داود، وشرح غريب
الحديث لأبي عبيد القاسم بن سلام، وإصلاح الغلط لابن قتيبة، وغريب
الحديث لأبي سليمان البستي الخطابي، وعلوم الحديث للحاكم النيسابورىّ،
والطبقات لمسلم، والضعفاء، والمتروكين للنسائي، والمدوّنة، والملخّص
لمسند الموطّأ لأبي الحسن القابسي، والتقصّي لمسند الموطّأ لابن عبد
البرّ، ومسند الموطّأ لأبي القاسم الجوهري، والرسالة لأبي محمد ابن أبي
زيد.
(باختصار عن الغنية 27- 44) .
(35/114)
122- مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن مُحَمَّد
بْن أَحْمَد [1] .
الإمام زين الدّين أبو حَامد الغزّاليّ، الطّوسيّ، الفقيه الشّافعيّ،
حُجّة الإسلام.
قرأ قطعة مِن الفقه بطُوس عَلَى أحمد الرّاذكَانيّ [2] ، ثمّ قِدم
نيسابور في طائفة مِن طَلَبة الفقه، فجدّ واجتهد، ولزِم إمام الحرمين
أبا المعالي حتّى تخرَّج
__________
[1] انظر عن (محمد بن محمد الغزالي) في: تاريخ حلب للعظيميّ (بتحقيق
زعرور) 365، و (تحقيق سويم) 31، وتاريخ الفارقيّ 278، وتبيين كذب
المفتري 291- 306، والمنتظم 9/ 168- 170 رقم 277 (17/ 124- 127 رقم
3799) ، والمنتخب من السياق 73- 75 رقم 161، ومعجم البلدان 3/ 541،
واللباب 2/ 379، والكامل في التاريخ 10/ 491، ووفيات الأعيان 4/ 216-
219، وآثار البلاد 330، 353، 377، 405، 407، 413، 417، ومرآة الزمان
لسبط ابن الجوزي ج 8 ق 1/ 39، 40، وتاريخ الزمان 133، والروض المعطار
400، وطبقات الفقهاء الشافعية لابن الصلاح 1/ 249- 264 رقم 70،
والمختصر لأبي الفداء 2/ 225، وسير أعلام النبلاء 19/ 322- 346 رقم
204، والإعلام بوفيات الأعلام 208، والمعين في طبقات المحدّثين 149 رقم
1611، ودول الإسلام 2/ 34، والعبر 4/ 10، وتاريخ ابن الوردي 2/ 21،
ومرآة الجنان 3/ 177- 192، والوافي بالوفيات 1/ 274- 277 رقم 176،
وعيون التواريخ (مخطوط) 13/ 262- 267، (والمطبوع) 12/ 3- 7، وطبقات
الشافعية الكبرى للسبكي 6/ 191- 289، وطبقات الشافعية للإسنويّ 2/ 242-
245، والبداية والنهاية 12/ 173، 174، وطبقات فقهاء الشافعية لابن كثير
(مخطوط) 105 ب- 107 أ، والمستفاد من ذيل تاريخ بغداد 37، 38، وطبقات
الأولياء لابن الملقّن 103، 104، والوفيات لابن قنفذ 266، 267، وطبقات
الشافعية لابن قاضي شهبة 1/ 300، 301 رقم 261، والمقفّى الكبير
للمقريزي 7/ 76- 84 رقم 3157، والنجوم الزاهرة 5/ 203، وتاريخ الخلفاء
431، والأنس الجليل 1/ 265، ومفتاح السعادة 2/ 332- 336 و 341- 343 و
347- 350 و 560- 562، وطبقات الشافعية لابن هداية الله 192- 195، وكشف
الظنون 12، 23، 24، 36، 82، 84، 97، 104، وشذرات الذهب 4/ 10- 13،
وإتحاف السادة المتقين 1/ 6- 53، وروضات الجنات 180- 185، وإيضاح
المكنون 1/ 11، 171، 298، 300، 595 و 2/ 43، 103، 370، 536، 722، وهدية
العارفين 2/ 79- 81، وديوان الإسلام 3/ 376- 378 رقم 1557، وأبجد
العلوم 3/ 110، والتاج المكلّل للقنوجي 388، 389، والمجدّدون في
الإسلام 181- 184، وكنوز الأجداد 272- 281، والفتح المبين 2/ 8- 10،
وآداب اللغة العربية 3/ 97، والأعلام 7/ 22، ومعجم المؤلفين 11/ 266-
269.
[2] الراذكاني: براء مهملة وذال معجمة مفتوحة، بينهما ألف، ثم كاف وألف
ونون. نسبة إلى راذكان: بليدة بأعالي طوس. (الأنساب 6/ 37) .
وقد تصحّفت في الأصل إلى: «الراذياني» .
(35/115)
عن مدّة قريبة، وصار أنْظَرَ أهل زمانه،
وواحد أقرانه، وأعادً للطّلبة، وأخذ في التّصنيف والتّعليق.
وكان الإمام أبو المعالي مَعَ عُلُوّ درجته وفرْط ذكائه، لَا يطيب لَهُ
تصدّيه للتّصنيف، وإن كَانَ في الظّاهر مبتهجًا بِهِ [1] .
ثمّ إنّ أبا حامد خرج إلى المعسكر، فأقبل عَليْهِ نظام المُلْك، وناظر
الأقران بحضرته، فظهر اسمُه، وشاع أمره، فولّاه النّظّام تدريس مدرسته
ببغداد، ورسَم لَهُ بالمصير إليها، فقدِمها، وأعجبَ الكُلّ مناظرته.
وما لَقِي الرجل مثل نفسه. ثمّ أقبل عَلَى عِلم الأصول، وصنَّف فيها
وفي المذهب والخلاف، وعظُمَت حشْمته ببغداد، حتى كانت تغلب حشمة
الأمراء والأكابر، فانقلب الأمر مِن وجهٍ آخر، وظَهَر عَليْهِ بعد
مطالعة العلوم الدّقيقة، ومُمارسة التّصانيف طريق التّزهُّد والتّألُّه
فترك الحشمة، وطرح الرُّتْبة، وتزوَّد للمَعَاد، وقصد بيت الله، وحجّ،
ورجع عَلَى طريق الشّام، وزار القدس، وأقام بدمشق مدّة سِنين [2] ،
وصنف بها «إحياء علوم الدّين» وكتاب «الأربعين» ، و «القسطاس» ، و
«محكّ النّظر» ، وغيره ذَلِكَ.
وأخذ في مجاهَدَة النَّفْس، وتغيير الأخلاق، وتهذيب الباطن، وانقلب
شيطان الرُّعونة، وطلب الرئاسة والتّخلُّق بالأخلاق الذّميمة، إلى سكون
النَّفْس، وكرم الأخلاق، والفراغ عَنِ الرسوم، وتَزَيّا بزيّ
الصّالحين.
ثمّ عاد إلى وطنه، لازمًا بيته، مشتغلًا بالتّفكير، مُلازِمًا للوقت،
فبقي عَلَى ذَلِكَ مدّة. وظهرت لَهُ التّصانيف. ولم يبدُ في أيّامه
مناقضةٌ لِما كَانَ فيه، ولا اعتراضٌ لأحدٍ عَلَى مآثره، حتّى انتهت
نوبة الوزارة إلى فخر المُلْك، وقد سَمِعَ وتحقَّق بمكان أَبِي حامد
وكمال فضله، فحضره وسمع كلامه، فطلب منه أن لَا تبقى أنفاسه وفوائده
عقيمة، لا استفادة منها ولا اقتباس من أنوارها، وألحّ عليه كلّ
الإلحاح، وتشدّد في الاقتراح إلى أن أجاب إلى الخروج، وقدم نَيْسابور.
وكان اللَّيْثُ غائبًا عَنْ عرينه، والأمر خافيا في مستور قضاء الله
ومكنونه. ورسم
__________
[1] انظر: طبقات ابن الصلاح 1/ 260.
[2] في طبقات ابن الصلاح 1/ 261: «قريبا من عشر سنين» .
(35/116)
لَهُ بأن يُدرسّ بالمدرسة النّظامية، فلم
يجد بُدًا من ذَلِكَ.
قَالَ هذا كلّه وأكثر منه عَبْد الغافر بْن إسماعيل في «تاريخه» [1] .
ثمّ قَالَ:
ولقد زُرْته مِرارًا، وما كنتُ أحدُسُ في نفسي مَعَ ما عهِدْته في سالف
الزّمان عَليْهِ مِن الزَّعارة [2] ، وإيحاش النّاس، والنّظر إليهم
بعين الازدراء، والاستخفاف بهم كِبَرًا وخُيَلاء واغتِرارًا [3] بما
رُزِق مِن البسْطة في النُّطْق، والخاطر، والعبارة، وطلب الجاه،
والعُلُوّ في المنزلة أنّه صار عَلَى الضّدّ، وتصفيّ مِن تِلْكَ
الكُدُورات. وكنت أظنّ أنّه متلفّعٌ بجلباب التّكلّف، متنمّس بما صار
إليه، فتحقّقت بعد السَّبْرِ والتَّنقير أنّ الأمر عَلَى خلاف المظنون،
وأنّ الرجل أفاق بعد الجنون.
وحكى لنا في ليالٍ كيفيّة أحواله، مِن ابتداء ما ظهر لَهُ بطريق
التّألُّه، وغَلَبة الحال عليه، بعد تبحُّره في العلوم، واستطالته
عَلَى الكلّ بكلامه، والاستعداد الّذي خصّه الله بِهِ في تحصيل أنواع
العلوم، وتمكّنه مِن البحث والنَّظَر، حتّى تبرَّم بالاشتغال بالعلوم
العَريَّة عَنِ المعاملة، وتفكَّر في العاقبة، وما ينفع في الآخرة،
فابتدأ بصُحبة أبي عليّ الفارْمَذيّ [4] ، فأخذ منه استفتاح الطّريقة،
وامتثل ما كَانَ يشير بِهِ عَليْهِ مِن القيام بوظائف العبادات،
والإمعان في النّوافل، واستدامة الأذكار والاجتهاد والجدّ، طلبًا
للنّجاة، إلى أن جاز تِلْكَ العِقاب، وتكلّف تِلْكَ المشاقّ، وما حصل
عَلَى ما كَانَ يرومه.
ثمّ حكى أنّه راجع العلوم، وخاض في الفنون، وعاود الْجَدّ في العلوم
الدّقيقة، والتقى بأربابها، حتّى تفتَّحت لَهُ أبوابها، وبقي مدّةً في
الوقائع، وتكافؤ الآداب، وأطراف المسائل.
ثمّ حكى أنّه فُتِح عَليْهِ بابٌ مِن الخوف، بحيث شغله عن كلّ شيء،
__________
[1] انظر طبقات ابن الصلاح 1/ 260- 262، وتبيين كذب المفتري 291- 294.
[2] الزّعارة: الشراسة وسوء الخلق.
[3] في سير أعلام النبلاء 19/ 324: «واعتزازا» .
[4] الفارمذيّ: بسكون الراء وفتح الميم. نسبة إلى فارمذ. قرية من قرى
طوس. وأبو علي الفارمذي هو: الفضل بن محمد بن علي، لسان خراسان وشيخها.
توفي سنة 477 هـ-. وقد تقدّمت ترجمته في الطبقة الثامنة والأربعين.
(35/117)
وحمله عَلَى الإعراض عمّا سواه، حتّى سهل
ذَلِكَ عَليْهِ. وهكذا إلى أن ارتاض كلّ الرياضة، وظهرت لَهُ الحقائق،
وصار ما كنّا نظن به ناموسا وتخلّقا، طَبْعًا وتحقُّقًا. وأنّ ذَلِكَ
أثر السّعادة المُقَدَّرة لَهُ مِن الله تعالى.
ثمّ سألناه عَنْ كيفية رغبته في الخروج مِن بيته، والرجوع إلى ما دُعيَ
إليه مِن أمر نَيْسابور. فقال معتذرًا: ما كنت أجوّز في ديني أن أقف
عَنِ الدّعوة، ومنفعة الطّالبين، وقد خفَّ عليَّ أن أبوح بالحقّ، وأنطق
بِهِ، وأدعو إِليْهِ. وكان صادقًا في ذَلِكَ [1] .
فلمّا خفّ أمر الوزير، وعلم أنّ وقوفه عَلَى ما كان فيه ظهور وحشة
وخيال طلب جاهٍ وحِشْمة، ترك ذَلِكَ قبل أن يُتْرَك، وعاد إلى بيته،
واتَّخَذَ في جواره مدرسة لطَلَبَة العِلْم، وخانقاه للصُّوفيّة، ووزّع
أوقاته عَلَى وظائف الحاضرين، مِن ختْم القرآن، ومجالسته أصحاب القلوب،
والقعود للتّدريس لطالبه، إلى أن توفّاه الله بعد مُقاساة أنواع مِن
القَصْد، والمناوأة مِن الخصوم، والسّاعين بِهِ إلى الملوك، وكفاية
الله إيّاه، وحِفْظه وصيانته عَنْ أن تنوشه أيدي النَّكَبَات، أو
يُنتهكَ سِتْرُ دينه بشيءٍ مِن الزّلّات [2] .
وكانت خاتمة أمره إقباله على طلب حديث المصطفى صلّى الله عليه وآله
وَسَلَّمَ، ومجالسة أهله، ومطالعة «الصّحيحَين» . ولو عاش لسبق الكلّ
في ذَلِكَ الفنّ بيسيرٍ مِن الأيّام. ولم يتَّفق لَهُ أن يروي، ولم
يُعْقِبْ إلّا البنات.
وكان لَهُ مِن الأسباب إرثًا وكسْبًا ما يقوم بكفايته، وقد عُرِضَت
عليه أموال فما قَبِلَها [3] .
وممّا كَانَ يُعترض بِهِ عَليْهِ، وقوعُ خَلَلٍ مِن جهة النَّحْو يقع
في أثناء كلامه، ورُوجع فيه، فأنْصف من نفسه، واعترف بأنّه ما مارسه،
واكتفى بما كَانَ يحتاج إليه في كلامه، مَعَ أنّه كَانَ يؤلّف الخُطَب،
ويشرح الكُتُب بالعبارة التّي يعجز الأدباء والفقهاء عن أمثالها.
__________
[1] طبقات ابن الصلاح 1/ 262، تبيين كذب المفتري 294، 295.
[2] انظر: طبقات ابن الصلاح 1/ 263، وتبيين كذب المفتري 295، 296.
[3] تبيين كذب المفتري 296.
(35/118)
وممّا نُقِم عَليْهِ أيضًا ما ذَكَر مِن
الألفاظ المستبشعة بالفارسيّة في كتاب «كيمياء السّعادة والعلوم» ،
وشرح بعض الصُّوَر والمسائل، بحيث لَا يوافق مراسم الشّرع، وظواهر ما
عَليْهِ قواعد الإسلام.
وكان الأَوْلَى بِهِ، والحقّ أحقّ ما يُقال، ترك ذَلِكَ التّصنيف،
والإعراض عَنِ الشّرح لَهُ [1] ، فإنَّ العَوام ربّما لَا يُحكمون
أُصول القواعد بالبراهين والحُجَج، فإذا سمعوا أشياء مِن ذَلِكَ
تخيَّلوا منه ما هُوَ المُضِرّ بعقائدهم، ويَنْسِبُون ذَلِكَ إلى بيان
مذهب الأوائل عَلَى أنّ المنصف اللّبيب إذا رَجَع إلى نفسه، علم أنّ
أكثر ما ذكره ممّا رمز إليه إشارات الشّرع، وإنْ لم يَبُحْ بِهِ. ويوجد
أمثاله في كلام مشايخ الطّريقة مرموزةً، ومصرَّحًا بها، متفرّقة. وليس
لفظٌ منه إلّا وكما يُشعر أحدُ وجوهه بكلامٍ موهوم، فإنّه يُشِعر بسائر
وجوهه بما يوافق عقائد أهل الملة، فلا يجب إذا حمْله إلّا عَلَى ما
يوافق، ولا ينبغي أن يتعلَّق بِهِ في الرّدّ عَليْهِ متعلّق، إذا أمكنه
أن يبيّن لَهُ وجهًا. وكان الأَوْلَى بِهِ أن يترك الإفصاح بذلك كما
تقدم.
وقد سَمِعْتُ أنّه سمع مِن «سنن أَبِي داود» ، عَنِ القاضي أَبِي الفتح
الحاكميّ الطّوسيّ.
وَسَمِعَ مِن أَبِي عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن أحمد الخُوَاري، مَعَ
ابنيه الشّيخين: عَبْد الجبّار، وعبد الحميد، كتاب «المولد» لابن أَبِي
عاصم، عَنْ أبي بَكْر أحمد بْن محمود بْن الحارث، عَنْ أَبِي الشّيخ،
عَنْهُ [2] .
قلت: ما نقم عَبْد الغافر عَلَى أَبِي حامد مِن تِلْكَ الألفاظ الّتي
في «كيمياء السّعادة» فلأبي حامد أمثاله في بعض تواليفه، حتّى قال فيه،
أظنّه تلميذه ابن العربيّ: بلع شيخنا أبو حامد الفلاسفة، وأراد أن
يتقيَّأهم فما استطاع. رَأَيْت غير واحدٍ مِن الأئمّة يقولون، إنّه ردّ
عَلَى الفلاسفة في مواضع، ووافقهم عليها في بعض تواليفه، ووقع في شكوك،
نسأل الله السّلامة واليقين، ولكنّه مثال حسن القصد.
__________
[1] المنتخب من السياق 74.
[2] المنتخب من السياق 74 وفيه: «وتمام الكتاب في جزءين مسموع له» .
(35/119)
وللإمام أَبِي عَبْد الله محمد بْن عليّ
المازريّ الصَّقَلّيّ كلام عَلَى «الإحياء» يدلّ عَلَى تبحُّره
وتحقيقه، يَقُولُ فيه: وبعد فقد تكرّرتْ مكاتبتُكُم في استعلام مذهبنا
في الكتاب المترجَم «بإحياء علوم الدّين» ، وذكرتم أنّ آراء النّاس فيه
اختلفت، فطائفة انتصرت وتعصّبت لإشهاره، وطائفة منه حذّرت وعنه نفّرت،
وطائفة لعَيْبِه أظهرت، وكُتُبه حرّقت، ولم تنفردوا أهل المغرب
باستعلام ما عندي، بل كاتبني أهل المشرق مثل ذَلِكَ، فوجب عندي إبانة
الحق. ولم نتقدّم إلى قراءة هذا الكتاب سوى نُبَذٍ منه. فإن [نَفَّس]
[1] الله في العُمر، مَدَدْتُ في هذا الكتاب للأنفاس، وأزلت عن القلوب
الالتباس. واعلموا أنّ هذا الرجل، وإن لم أكن قرأت كتابه، فقد رَأَيْت
تلامذته وأصحابه، فكلٌ منهم يحكي لي نوعًا مِن حاله وطريقته، استلْوح
منها مِن مذاهبه وسيرته، ما قام لي مقام العِيان، فأنا أقتصر في هذا
الإملاء عَلَى ذِكر حال الرجل، وحال كتابه، وذِكر جُمِل مِن مذاهب
الموحّدين، والفلاسفة، والمتصوّفة وأصحاب الإشارات. فإنّ كتابه متردّد
بين هذه الطّرائق الثّلاث، لَا تعدوها، ثمّ أُتْبع ذَلِكَ بذِكر حيَل
أهل مذهبٍ عَلَى أهل مذهب آخر، ثُمَّ أبين عن طرق الغرور، وأكشف عما
فيه من خيال الباطل، ليُحذَر مِن الوقوع في حبائل صائده.
ثمّ أثنى المازَريّ عَلَى أَبِي حامد في الفقه، وقال: هُوَ بالفقه أعرف
منه بأُصُوله، وأمّا عِلم الكلام الَّذِي هُوَ أُصول الدّين، فإنّه
صنَّف فيه أيضًا، وُلّيس بالمستبحر فيها، ولقد فطنت لسبب عدم استبحاره،
وذلك لأنّه قرأ علوم الفلسفة قبل استبحاره في فنّ الأُصُول،
فِأكسَبَتْه قراءةُ الفلسفة جُرأةً عَلَى المعاني، وتسهُّلًا للهجوم
عَلَى الحقائق، لأنّ الفلاسفة تمرّ مَعَ خواطرها، وليس لها حُكْم شَرْع
يزَعُها [2] ، ولا يَخاف [3] مِن مخالفة أئمّة تتعبها [4] . وعرّفني
بعض أصحابه أنّه كَانَ لَهُ عُكُوف عَلَى رسائل إخوان الصّفاء، وهي
إحدى وخمسون رسالة،
__________
[1] في الأصل بياض. والمستدرك من (سير أعلام النبلاء 19/ 341) .
[2] في طبقات ابن الصلاح 1/ 256: «يردعها» .
[3] في الأصل: «يخاف» .
[4] في طبقات ابن الصلاح زيادة: «فلذلك خامرة ضرب من الإدلال على
المعاني، فاسترسل فيها استرسال من لا يبالي بغيره» .
(35/120)
ومصنّفها فيلسوف قد خاض في عِلْم الشّرْع
والنَّقْل، فخرج ما بين العِلْمَيْن، وذكر الفلسفة، وحسّنها في قلوب
أهل الشّرع بآياتٍ يتلو عندها، وأحاديث يذكرها.
ثمّ كَانَ في هذا الزّمان المتأخّر رجلٌ مِن الفلاسفة يُعرف بابن سينا،
ملأ الدُّنيا تواليف في علوم الفلسفة، وهو فيها إمامٌ كبير، وقد أدّاه
[1] قُوتُه في الفلسفة إلى أن حاول ردّ أُصول العقائد إلى علم الفلسفة،
وتلطّف جَهْدَه حَتَّى تم لَهُ ما لم يتم لغيره. وقد رَأَيْت جملا من
دواوينه، ووجدت هَذَا الغَزَالِي يعوّل عليه في أكثر ما يشير إِليْهِ
مِن علوم الفلسفة [2] .
إلى أن قَالَ: وأمّا مذاهب الصُّوفيّة، فلست أدري عَلَى مِن عوَّل فيها
[3] ، ولكنّي رَأَيْت فيما علّق عَنْهُ بعضُ أصحابه، أنّه ذكر كُتُب
ابن سينا وما فيها، وذكر بعد ذَلِكَ كُتُب أَبِي حَيّان التّوحيديّ،
وعندي أنّه عَليْهِ عوّل في مذاهب الصُّوفيّة.
وقد أُعْلِمتُ أنّ أبا حَيّان ألّف ديوانًا عظيمًا في هذا الفنّ، ولم
يُنقل إلينا شيءٌ منه.
ثمّ ذكر المازَرِيّ تَوَهُّنَه أكثر ما في «الإحياء» مِن الأحاديث.
وقال: عادة المتورّعين أن لَا يقولوا: قَالَ مالك، قَالَ الشّافعيّ.
فيما لم يثبُت عندهم. وفي كتابه مذاهب وآراء في العمليّات هِيَ خارجة
عَنْ مذاهب الأئمّة. واستحسانات عليها طلاوة، لَا تستأهل أن يُفتى بها.
وإذا تأمّلتَ الكتابَ وجدتَ فيه مِن الأحاديث والفَتْوى ما قلته،
فَيَستحسن أشياء مبناها عَلَى ما لَا حقيقة لَهُ، مثل قصّ الأظْفار أن
تبدأ بالسَّبّابة، لأنّ لها الفضل عَلَى بقيّة الأصابع، لأنّها
__________
[1] كذا في الأصل وطبقات ابن الصلاح 1/ 257، وفي (السير 19/ 341) :
«أدّته» .
[2] في طبقات ابن الصلاح زيادة: «حتى أنه في بعض الأحايين ينقل نصّ
كلامه من غير تغيير، وأحيانا يغيّره بنقله إلى الشرعيّات أكثر من نقل
ابن سينا، لكونه أعلم بأسرار الشرع منه، فعلى ابن سينا ومؤلّف «رسائل
إخوان الصفا» عوّل الغزالي في علم الفلسفة» .
[3] قال السبكي: «لم يكن عمدته في «الإحياء» بعد معارفه وعلومه
وتحقيقاته التي جمع بها شمل الكتاب ونظم بها محاسنه إلّا على كتاب قوت
القلوب لأبي طالب المكّي، وكتاب الرسالة للأستاذ أبي القاسم القشيري
المجمع على جلالتهما، وجلالة مصنّفيهما. وأما ابن سينا فالغزالي
يكفّره، فكيف يقال: إنه يقتدي به؟» . (طبقات الشافعية الكبرى 6/ 247) .
(35/121)
المُسَبّحة، ثمّ نقصّ ما يليها مِن الوسطى
[1] ، لأنّها ناحية اليمين، ونختم بإبهام اليمنى. وذَكَر في ذَلِكَ
أثرًا [2] .
وقال: مِن مات بعد بلوغه ولم يعلم أنّ البارئ قديم، مات مسلمًا
إجماعًا. ومن تَساهلَ في حكاية الإجماع في مثل هذا الَّذِي الأقرب أن
يكون فيه الإجماع يعكس ما قَالَ، الحقيق أن لَا يوثَّق بما فعل.
وقد رَأَيْت لَهُ في الجزء الأوّل أنّه ذكر أنّ في علومه هذه ما لَا
يسوغ أن تُودَع في كتاب. فليت شِعْري، أحقٌ هُوَ أو باطل؟ فإنْ كَانَ
باطلًا فصَدق، وإن كَانَ حقًا، وهو مُرادُه بلا شكّ، فلِمَ لَا يودَع
في الكُتُب، أَلغُمَوضه ودِقّته؟ فإن كَانَ هُوَ فَهْمُه، فما المانع
لأن يفهمه غيره [3] .
قَالَ الطُّرْطُوشيّ محمد بْن الوليد في رسالة لابن المظفَّر: فأمّا ما
ذكرت مِن أمر الغزّاليّ، فرأيت الرجل وكلّمته، ورأيته جليلًا مِن أهل
العِلْم، قد نَهَضَت بِهِ فضائلُه، واجتمع فيه العقل والفَهْم، وممارسة
العلوم طول عُمره. وكان عَلَى ذَلِكَ مُعْظَم زمانه، ثمّ بدا لَهُ عَنْ
طريق العالم، ودخل في غُمار العُمّال، ثمّ تصوّف، فهجر العلومَ وأهلها،
ودخل في علوم الخواطر، وأرباب العقول [4] ، ووساوس الشّيطان، ثم شابَها
بآراء الفلاسفة، ورموز الحلّاج، وجعل يطعن عَلَى الفقهاء والمتكلّمين.
ولقد كَاد أن ينسلخ مِن الدّين. فلمّا عمل «الإحياء» عمد يتكلّم في
عُلُوم الأحوال ومرامز الصُّوفيّة، وكان غير أنيسٍ بها، ولا خبير
بمعرفتها، فسقط عَلَى [أمّ رأسه] [5] وشحن كتابه بالموضوعات.
__________
[1] في الأصل: «الواسطي» .
[2] قال الإمام النووي في (شرح المهذّب 1/ 345) : قال الغزالي في
(الإحياء 1/ 141) : «يبدأ بمسبّحة اليمنى، ثم الوسطى، ثم البنصر، ثم
الخنصر، ثم خنصر اليسرى إلى الإبهام، ثم إبهام اليمنى، وذكر فيه حديثا
وكلاما في حكمته، وهذا الّذي قاله مما أنكره عليه الإمام أبو عبد الله
المازري المالكي الإمام في علم الأصول والكلام والفقه، وذكر في إنكاره
عليه كلاما لا يؤثر ذكره، والمقصود أن الّذي ذكره الغزالي لا بأس به
إلّا في تأخير إبهام اليمنى فلا يقبل قوله فيه، بل يقدّم اليمنى
بكمالها، ثم يشرع في اليسرى، وأما الحديث الّذي ذكره فباطل لا أصل له»
.
[3] انظر: طبقات ابن الصلاح 1/ 255- 259.
[4] في (السير 19/ 339) : «القلوب» .
[5] في الأصل: «فسقط على الإثم» وبعدها بياض، والمستدرك من: سير أعلام
النبلاء 19/ 339.
(35/122)
وقال أبو عَمْرو [1] بْن الصّلاح: فصْلٌ
[لبيان أشياء مهّمة] [2] أُنْكِرتْ عَلَى الغزّاليّ في مصنَّفَاته، ولم
يَرْتضِها أهلُ مذهبه وغيرهم مِن الشّذوذ في تصرّفاته، منها قولُه في
المنطق: [3] هُوَ مقدّمة العلوم كلّها، ومن لَا يحيط بِهِ، فلا ثقة
لَهُ بمعلومه [4] أصلًا، وهذا مردودٌ، فكلّ صحيح الذّهْن مَنْطِقيّ
بالطَّبْع، وكيف غفل الشّيخ أبو حامد حال مشايخه مِن الأئمّة، وما
رفعوا بالمنطق رأسا [5] .
__________
[1] في الأصل: «أبو عمر» .
[2] في الأصل بياض. والمستدرك من (طبقات الفقهاء الشافعية لابن الصلاح
1/ 252) .
[3] عند ابن الصلاح: «قوله في مقدّمة المنطق في أول «المستصفى» .
[4] عند ابن الصلاح: «بعلومه» .
[5] قال ابن الصلاح: سمعت الشيخ عماد الدين ابن يونس يحكي عن يوسف
الدمشقيّ مدرّس نظامية بغداد- وكان من النّظّار المعروفين- أنه كان
ينكر هذا الكلام ويقول: فأبو بكر وعمر وفلان وفلان- يعني أن أولئك
السادة- عظمت حظوظهم من البلج واليقين، ولم يحيطوا بهذه المقدّمة
وأشباهها.
قال ابن الصلاح: تذكّرت بهذا ما حكى صاحب كتاب «الإمتاع والمؤانسة» أنّ
الوزير ابن الفرات احتفل مجلسه ببغداد بأصناف من الفضلاء من المتكلّمين
وغيرهم، وفيهم الأشعري رحمة الله عليه، وفي المجلس متّى الفيلسوف
النصراني، فقال الوزير: أريد أن ينتدب منكم إنسان لمناظرة متّى في
قوله: إنه لا سبيل إلى معرفة الحق من الباطل، والحجّة من الشبهة،
والشكّ من اليقين، إلّا بما حويناه من المنطق، واستفدناه من واضعه على
مراتبه، فانتدب له أبو سعيد السيرافي، وكان فاضلا في علوم غير النحو،
فكلّمه في ذلك حتى أفحمه وفضحه، وليس هذا موضع التطويل بذكره. وغير خاف
استغناء العلماء والعقلاء- قبل واضع المنطق أرسطاطاليس وبعده- ومعارفهم
الجمّة عن تعلّم المنطق، وإنما المنطق عندهم- بزعمهم- آلة صناعية تعصم
الذهن من الخطأ، وكلّ ذي ذهن صحيح منطقيّ بالطبع، فكيف غفل الغزالي عن
حال شيخه إمام الحرمين فمن قبله من كل إمام هو له مقدّم، ولمحلّه في
تحقيق الحقائق رافع له ومعظّم، ثم لم يرفع أحد منهم بالمنطق رأسا، ولا
بنى عليه في شيء من تصرّفاته أسّا، ولقد أتى بخلطه المنطق بأصول الفقه
بدعة عظم شؤمها على المتفقّهة حتى كثر بعد ذلك فيهم المتفلسفة، والله
المستعان.
وقد علّق الشيخ عبد القادر بدران على هامش أصل طبقات ابن الصلاح بقول:
«أقول: قول حجّة الإسلام: ومن لا يحيط بها، أي علما، سواء كان ذلك
بالطبع أو بالتعليم، وهذا نظير قول النحويّ وصاحب علم المعاني فيمن لا
فقه له في هذه العلوم، لا ثقة بما فهمه، وأبو بكر وعمر رضي الله عنهما
من أعلم الناس بالنحو والمعاني طبعا وسليقة، وكذلك كانت قواعد المنطق
مركوزة في طباعهم ولو لم يعبّروا عنها بالقواعد المشهورة، كما أنهم ما
كانوا يعبّرون عن النحو والمعاني بالعبارات المدوّنة اليوم، ألا ترى
إلى قوله تعالى: لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا الله لَفَسَدَتا 21:
22، وما فيه من البلاغة بحيث لو اجتمع علماء المنطق بأجمعهم لم
(35/123)
قَالَ ابن الصّلاح: [1] وأمّا كتاب
«المضْنوُن بِهِ عَلَى غير أهله» ، فَمَعَاذ الله أن يكون لَهُ. شاهدتُ
عَلَى نسخة بخطّ القاضي كمال الدِّين محمد بْن عَبْد الله ابن
الشّهْرزُوريّ أنّه موضوعٌ عَلَى الغزاليّ، وأنّه مخَتَرعٌ مِن كتاب
«مقاصد الفلاسفة» ، وقد نقضه بكتاب «التّهافُت» [2] .
وقال أبو بَكْر الطُّرْطُوشيّ: شحن الغزاليّ كتابه «الإحياء» بالكذِب
عَلَى رَسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ، فلا أعلم كتابًا
عَلَى بسطة الأرض أكثر كذبا على رسول الله منه.
ثمّ شبّكه بمذاهب الفلاسفة، ومعاني رسائل إخوان الصَّفَاء وهم قومٌ
يرون النُّبُوَّة اكتسابًا. فليس نبيّ في زعمهم أكثر مِن شخص فاضل،
تخلَّق بمحاسن الأخلاق، وجانَبَ سفاسفها، وساس نفسه، حتّى مَلَك
قيادها، فلا تغلبه شهواته، ولا يقهره سوء أخلاقه، ثمّ ساس الخلق بتلك
الأخلاق. وزعموا أنّ المعجزات حيل ومخاريق [3] .
__________
[ () ] يقدروا على الإتيان بمثلها، وكثير من قواعد المنطق جار عليها،
فالتحامل على حجّة الإسلام في هذه المقولة إنما هو من فرط جهالة
بمقامه، على أن قوله: فلا ثقة له بعلومه أصلا، المراد به العلوم
المأخوذة من الكتب التي بنيت قواعدها على قواعد المنطق لا العلوم
المأخوذة من غيرها، والصحابة قد أحاطوا بهذه المقدّمة علما ذوقيّا، ولم
يكن عندهم كتب أخذوا منها علومهم، بل كانت كتبهم القرآن العظيم المشتمل
على جميع العلوم، وما فهموه من مشكاة نور صاحب الرسالة المعصوم، فحقّق
ما أمليته لك تكن من الفائزين» . (طبقات ابن الصلاح 1/ 252، 253
بالحاشية رقم 3) .
[1] في طبقاته 263.
[2] هو: تهافت الفلاسفة. طبع عدّة طبعات، أجودها بتحقيق الدكتور سليمان
دنيا، طبعة القاهرة 1955 م.
وزاد ابن الصلاح عن القاضي الشهرزوريّ: أنه نفذ في طلب هذا الكتاب إلى
البلاد البعيدة، فلم يقف له على خبر.
قال ابن الصلاح: وهذه النسخة ظهرت في هذا الزمان الغريب، ولا يليق بما
صحّ عندنا من فضل الرجل ودينه.
وقد نقل كتاب آخر مختصر نسب إليه، ولما بحثنا عنه تحقّقنا أنه وضع
عليه، وفي آخر هذه النسخة بخطّ آخر: هذا منقول من كتاب حكاية «مقاصد
الفلاسفة» حرفا بحروف، والغزالي إنما ذكره في «المقاصد» حكاية عنهم غير
معتقد له، وقد نقضه بكتاب «التهافت» وهذا الكتاب فيه التصريح بقدم
العالم، ونفي الصفات، وبأنه لا يعلم الجزئيات سبحانه وتعالى، والإشارة
إلى إحالة حشر الأجساد بإثبات التناسخ، ولم يكن هذا معتقده. (الطبقات
1/ 263، 264) .
[3] اختصره في (سير أعلام النبلاء 19/ 334) .
(35/124)
وقال الحافظ أبو القاسم بْن عساكر في
ترجمته [1] : ثمّ حجّ، ودخل الشّام، وأقام بها نحوًا مِن عشر سِنين،
وصنَّف، وأخذ نفسه بالمجاهدة، وكان مُقامه بدمشق في المنارة الغربيّة
مِن الجامع.
وقد سَمِعَ «صحيح الْبُخَارِيّ» من أبي سهل محمد بْن عُبَيْد الله
الحفْصيّ.
وقدم دمشق في سنة تسعٍ وثمانين.
قلتُ: وجالس بها الفقيه نصر المقدسيّ.
وقال القاضي شمس الدّين بْن خَلّكان: [2] إنّه لزِم إمامَ الحرمين،
فلمّا تُوُفّي خرج إلى نظام المُلْك، فبالغ في إكرامه، وولّاه نظاميّة
بغداد، فسا إليها في سنة اربعٍ وثمانين، وأقبل عَليْهِ أهْل العراق،
وارتفع شأنه. ثمّ ترك ذَلِكَ في سنة ثمانٍ وثمانين، وتزهَّد، وحجَّ،
ورجع إلى دمشق، فاشتغل بها مدّة بالزّاوية الغربيّة، ثمّ انتقل إلى بيت
المقدس، وجُدَّ في العبادة، ثمّ قصد مصر، وأقام مدّة بالإسكندرية،
ويقال إنّه عزم عَلَى المُضِيّ إلى الأمير يوسف بْن تاشفين سلطان
مَرّاكُش، فبلغه نَعيُّه.
ثمّ أنّه عاد إلى وطنه بطُوس.
وصنَّف التّصانيف: «البسيط» ، و «الوسيط» ، و «الوجيز» ، و «الخلاصة»
في الفقه، و «إحياء علوم الدّين» .
وفي الأصول: «المستصفى» ، و «المنخول» ، و «اللّباب» ، و «بداية
الهداية» ، و «كيمياء السّعادة» ، و «المأخذ» ، و «التّحصين» ، و
«المعتقد» ، و «إلجام العوامّ» ، و «الرّدّ على الباطنيّة» ، و
«الإقتصاد في اعتقاد الأوائل» ، و «جواهر القرآن» ، و «الغاية القصوى»
، و «فضائح الإباحيّة» ، و «عود الدّور» .
وله: «المِنْجَل في عِلم الْجَدَل» ، وكتاب «تهافت الفلاسفة» ، وكتاب
«محكّ النّظر» ، و «معيار العلم» ، و «المضنون به على غير أهله» .
__________
[1] قول ابن عساكر ليس في (تاريخ دمشق) و (تبيين كذب المفتري) . وقال
السبكي: كذا نقل شيخنا الذهبي، ولم أجد ذلك في كلام ابن عساكر، لا في
تاريخ الشام ولا في التبيين.
(طبقات الشافعية الكبرى 6/ 197) .
[2] في وفيات الأعيان 4/ 216.
(35/125)
و «شرح الأسماء الحسنى» ، و «مشكاة
الأنوار» ، و «المنقذ من الضّلال» ، و «حقيقة القولين» ، وغير ذلك من
الكتب. وقد تصدّر للإملاء.
ولد سنة خمسين وأربعمائة.
وقال عَبْد الغافر [1] : تُوُفّي يوم الإثنين رابع عشر جُمَادَى الآخرة
سنة خمس، ودُفِن بمقبرة الطّابران، وهي قصبة بلاد طوس.
وقولهم: الغزّاليّ، والعطّاريّ، والخبّازيّ، نسبة إلى الصَّنائع بلغة
العجم، وإنّما ينبغي أن يقال الغزّال، والعطّار، ونحوه.
وللغزاليّ أخٌ واعظ مدرّس لَهُ القَبُول التّامّ في التّذكير واسمه:
- أبو الفتوح أحمد.
درّس بالنظاميّة ببغداد، نيابة عن أخيه لمّا ترك التّدريس، قليلًا،
وبقي إلى حدود سنة عشرين وخمسمائة.
وقال ابن النّجّار في «تاريخه» : الغزّاليّ إمام الفُقهاء عَلَى
الإطلاق، وربّانيّ الأمة بالاتّفاق، ومجتهد زمانه، وعين أوانه. برع في
المذهب، والأُصول، والخلاف، والْجَدَل، والمنطق، وقرأ الحكمة،
والفلسفة، وفهم كلامهم، وتصدّى للرّدّ عليهم. وكان شديد الذّكاء، قويّ
الإدراك ذا فِطْنة ثاقبة، وغوص عَلَى المعاني، حتى قِيلَ إنّه ألّف
كتابه «المنخول» ، فلمّا رآه أبو المعالي قَالَ: دَفنتني وأنا حيّ،
فهلّا صبرتَ حتّى أموت، لأنّ كتابك غطّى عَلَى كتابي [2] .
ثمّ روى ابن النّجّار بسنده، أنّ والد الغزّاليّ كَانَ رجلًا مِن أرباب
المِهَن يغزل الصُّوف، ويبيعه في دُكّانه بطُوس، فلمّا احتضر أوصى
بولديه محمد وأحمد إلى صديقٍ لَهُ صوفيّ صالح، فعلّمهما الخطّ، وفني ما
خلَّف لهما أبوهما، وتعذّر عليهما القُوت، فقال: أرى لكما أن تلجأ إلى
المدرسة كأنّكما طالبَيْن للفِقْه، عسى يحصل لكما مقدار قوتكما. ففعلا
ذلك.
__________
[1] في المنتخب 74، 75.
[2] المنتظم 9/ 168، 169 (17/ 125) .
(35/126)
وقال أبو العبّاس أحمد الخطيبيّ: كنت يومًا
في حلقة الغزّاليّ، رحمه الله، فقال: مات أَبِي، وخلّف لي ولأخي
مقدارًا يسيرًا، ففني، بحيث تعذّر القُوت علينا، وصرنا إلى مدرسةٍ نطلب
الفقه، لَيْسَ المراد سوى تحصيل القُوت. وكان تعلُّمنا لذلك لَا للَّه.
فأبى أن يكون للَّه.
وقال أسعد المَيْهنيّ: سَمِعْتُ الغزّاليّ يَقُولُ: هاجرت إلى أَبِي
نصر الإسماعيلي بجُرْجان، فأقمت إلى أن أخذت عَنْهُ «التّعليقة» [1] .
قَالَ ابن النّجّار: وقرأتُ عَلَى أبي القاسم الأَسَديّ العابد
بالثّغر، عن أَبِي مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن عليّ الأشيريّ [2]
قال: سمعت أبا محمد عبد المؤمن بن عليّ القيسيّ، سمعت أبا عَبْد اللَّه
مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن تُومرْت السُّوسيّ يَقُولُ: أبو حامد
الغزّاليّ قرع الباب وفُتِح لنا.
قَالَ ابن النّجّار: بلغني أنّ أبا المعالي الْجُوَيْنيّ كَانَ يصف
تلامذته يَقُولُ:
الغزّاليّ بحرٌ مُغْرِق، إلْكِيا أسدٌ مخرِق [3] ، والخَوَافي [4] نارٌ
تحرق [5] .
وقال أبو محمد العثمانيّ، وغيره: سمعنا محمد بْن يحيى بْن عبد المنعم
العَبْدَريّ المؤدّب يَقُولُ: رأيت بالإسكندريّة سنة خمسمائة كأن
الشّمس طلعت مِن مغربها، فعبّره لي عابرٌ ببدعةٍ تَحْدُث فيهم، فبعد
أيّامٍ وصل الخبر بإحراق كُتُب الغزّاليّ بالمَرِية.
وقال أبو عامر العَبْدري الحافظ: سَمِعْتُ أبا نصر أحمد بن محمد بن عبد
__________
[1] انظر: طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 6/ 195.
[2] الأشيري: بفتح الهمزة، وكسر الشين، وسكون الياء. نسبة إلى أشير،
حصن بالمغرب.
(اللباب) .
وهو: عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بن علي
الأشيري الصنهاجي. توفي سنة 561 بالشام، ودفن ببعلبكّ ظاهر باب حمص
شماليّ البلد، وقبره ظاهر ببعلبكّ. (وفيات الأعيان 7/ 86، شذرات الذهب
4/ 198، موسوعة علماء المسلمين- تأليفنا- القسم الثاني- ج 2/ 274 رقم
617) .
[3] في سير أعلام النبلاء 19/ 336: «أسد مطرق» .
[4] الخوافي: بفتح الخاء المعجمة والواو، وفاء نسبة إلى خواف، ناحية من
نواحي نيسابور كثيرة القرى. وهو أبو المظفّر أحمد بن محمد بن المظفّر
الفقيه الشافعيّ.
[5] وكان الجويني يقول في تلامذته: إذا ناظروا: التحقيق للخوافي،
والحدسيات للغزالي، والبيان للكيا. (طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 6/
2- 2) .
(35/127)
القاهر الطّوسيّ يحلف باللَّه أنّه أبصر في
نومه كأنّه ينظر في كُتُب الغزّاليّ، فإذا هِيَ كلّها تصاوير.
قلت: للغزّاليّ غَلَط كثير، وتناقض في تواليفه، ودخولٌ في الفلسفة،
وشُكوك. ومن تأمَّل كُتُبُه العقْليّة رَأَى العجائب. وكان مزجيّ
البِضاعة مِن الآثار، عَلَى سعة علومه، وجلالة قدره، وعظمته.
وقد روى عَنْهُ أبو بَكْر بْن العربيّ الإمام «صحيح الْبُخَارِيّ» ،
بروايته عَنِ الحفصيّ، فيما حكى ابن الحدّاد الفاسي، ولم يكن هذا بثقة،
فاللَّه أعلم [1] .
__________
[1] وقال ابن الجوزي: إن الغزالي أقام ببيت المقدس ودمشق مدّة يطوف
المشاهد، وأخذ في تصنيف كتاب «الإحياء» في القدس، ثم أتمّه بدمشق إلّا
أنه وضعه على مذهب الصوفية، وترك فيه قانون الفقه، مثل أنه ذكر في محو
الجاه ومجاهدة النفس أن رجلا أراد محو جاهه فدخل الحمّام، فليس ثياب
غيره، ثم لبس ثيابه فوقها، ثم خرج يمشي على مهل حتى لحقوه فأخذوها منه،
وسمّي سارق الحمّام، وذكر مثل هذا على سبيل التعليم للمريدين قبيح، لأن
الفقه يحكم بقبح هذا، فإنه متى كان للحمّام حافظ وسرق سارق قطع، ثم لا
يحلّ لمسلم أن يتعرّض بأمر يأثم الناس به في حقّه، وذكر أن رجلا اشترى
لحما فرأى نفسه تستحيي من حمله إلى بيته، فعلّقه في عنقه ومشى، وهذا في
غاية القبح، ومثله كثير ليس هذا موضعه. وقد جمعت أغلاط الكتاب وسمّيته
«إعلام الأحياء بأغلاط الإحياء» ، وأشرت إلى بعض ذلك في كتابي المسمّى
«تلبيس إبليس» مثل ما ذكر في كتاب النكاح أن عائشة قالت للنّبيّ صلّى
الله عليه وآله وسلّم: أنت الّذي تزعم أنك رسول الله! وهذا محال، وإنما
كان سبب إعراضه فيما وضعه عن مقتضى الفقه أنه صحب الصوفية، فرأى حالتهم
الغاية وقال: إني أخذت الطريقة من أبي علي الفارمذي وامتثلت ما كان
يشير به من وظائف العبادات واستدامة الذكر إلى أن جرت تلك العقبات
وتكلّفت تلك المشاق، وما حصّلت ما كنت أطلبه.
ثم إنه نظر في كتاب أبي طالب المكيّ وكلام المتصوّفة القدماء فاجتذبه
ذلك بمرّة عمّا يوجبه الفقه. وذكر في كتاب «الإحياء» من الأحاديث
الموضوعة وما لا يصح غير قليل، وسبب ذلك قلّة معرفته بالنقل، فليته عرض
تلك الأحاديث على من يعرف، وإنما نقل نقل حاطب ليل.
وكان قد صنّف للمستظهر كتابا في الردّ على الباطنية، وذكر في آخر مواعظ
الخلفاء فقال:
روي أن سليمان بن عبد الملك بعث إلى أبي حازم: ابعث إليّ من إفطارك،
فبعث إليه نخالة مقلوّة، فبقي سليمان ثلاثة أيام لا يأكل، ثم أفطر
عليها، وجامع زوجته، فجاءت بعبد العزيز، فلما بلغ ولد له عمر بن عبد
العزيز. وهذا من أقبح الأشياء، لأن عمر ابن عمّ سليمان، وهو الّذي
ولّاه، فقد جعله ابن ابنه، فما هذا حديث من يعرف من النقل شيئا أصلا.
وكان بعض الناس شغف بكتاب «الإحياء» فأعلمته بعيوبه، ثم كتبته له،
فأسقطت ما يصلح إسقاطه، وزدت ما يصلح أن يزاد.
سمعت إسماعيل بن علي الموصلي الواعظ يحكي عن أبي منصور الرزّاز الفقيه
قال: دخل أبو
(35/128)
أَنَا صَبٌّ مُسْتهامُ ... وهمومٌ لي عظامُ
طال ليلي دون صحبتي ... سهرتْ عينيّ وناموا
بي غليلٌ وعليل ... وغريم وغرامُ
ففؤادي لحبيبي ... ودمي لَيْسَ حرامُ
ثمّ عِرضي لعَذُولي ... أمّة العشق كرام [1]
123- مقاتل بْن عطيّة بْن مقاتل [2] .
أبو الهَيْجا البكْريّ، الحجازي.
الأمير شبْل الدّولة. مِن أولاد أمراء العرب.
دخل خُرَاسان، وغَزْنَة لوحشةٍ وقعت بينه وبين إخوته، واختصّ بالوزير
نظام المُلْك وصاهره، ثمّ عاد إلى بغداد لمّا قُتِل النّظام.
وله شِعْر جيد.
ثمّ قصد كَرْمان ليمتدح وزيرَها ناصر الدّين مُكْرَم بْن العلاء، فوفد
عَليْهِ،
__________
[ () ] حامد بغداد، فقوّمنا ملبوسه ومركوبة خمسمائة دينار، فلما تزهّد
وسافر وعاد إلى بغداد فقوّمنا ملبوسه خمسة عشر قيراطا.
وحدّثني بعض الفقهاء عن أنوشروان، وكان قد وزر للخليفة، أنه زار أبا
حامد الغزالي، فقال له أبو حامد: زمانك محسوب عليك، وأنت كالمستأجر،
فتوفّرك على ذلك أولى من زيارتي، فخرج أنوشروان وهو يقول: لا إله إلّا
الله، هذا الّذي كان في أول عمره يستزيد في فضل لقب في ألقابه كان يلبس
الذهب والحرير، فآل أمره إلى هذا الحال. (المنتظم) .
[1] وردت هذه الأبيات هنا في الأصل دون نسبتها إلى أحد.
وقيل إن تصانيف الغزالي وزّعت على أيام عمره، فأصاب كلّ يوم كرّاس.
(آثار البلاد 413) .
ورثاه الأبيوردي:
بكى على حجّة الإسلام حين ثوى ... من كلّ حيّ عظيم القدر أشرفه
مضى وأعظم مفقود فجعت به ... من لا نظير له في الناس يخلفه
(آثار البلاد 415) .
وأنشد أبو حفص عمر بن عبد العزيز بن يوسف الطرابلسي في أبي حامد
الغزالي:
هذّب المذهب حبر ... أحسن الله خلاصه
«بسيط» و «وسيط» ... و «وجيز» و «خلاصه»
(طبقات الشافعية الكبرى 4/ 115) .
[2] انظر عن (مقاتل بن عطية) في: وفيات الأعيان 5/ 257- 260، وسير
أعلام النبلاء 19/ 271 رقم 171، وعيون التواريخ 12/ 7- 9. ومرآة الجنان
3/ 197، 198، والنجوم الزاهرة 5/ 204.
(35/129)
فوصَلَه بألفيْ دينار لمّا أنشده قصيدته:
دَعِ العِيسَ تذْرعُ عرْضَ الفلا ... إلى ابنِ العَلاءِ وإلا فلا
ثمّ إنّه دخل هَرَاة، وأحبّ بها امرأةً، وقال فيها الأشعار، ثمّ مرض،
وغلبت عَليْهِ السَّوداء، وتُوُفّي في حدود هذه السّنة، في ربيع الأوّل
بمرو وله ديوان [1] .
- حرف الهاء-
124- هبة اللَّه بْن عَليّ بْن الفَضْل [2] .
أبو سعْد الشّيرازيّ، الأديب.
سَمِعَ: أبا طَالِب محمد بْن محمد بْن غَيْلان.
روى عَنْهُ: مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن عليّ زُفرة المفيد الإصبهاني،
وغيره.
وتُوُفّي في صَفَر عَنْ: أربعٍ وسبعين سنة.
- حرف الياء-
125- يوسف بْن عَبْد العزيز بْن عُدَيْس [3] .
أبو الحَجّاج الأنصاريّ، الأندلسيّ.
مكثر عَنْ: أَبِي عُمَر بْن عَبْد البَرّ.
وسمع بطُلَيْطلَة من جُماهر بْن عَبْد الرَّحْمَن. وسكنها وتفقَّه بها.
وكان حافظا، ذكيّا، متقنا، ومصنّفا [4] .
__________
[1] وقال ابن خلكان: وكان من جملة الأدباء الظرفاء، وله النظم البديع
الرائق، وبينه وبين العلّامة أبي القاسم الزمخشريّ مكاتبات ومداعبات،
وكتب إليه قبل الاجتماع به:
هذا أديب كامل ... مثل الدراري درره
زمخشريّ فاضل ... أنجبه زمخشره
كالبحر إن لم أره ... فقد أتاني خبره
فكتب إليه الزمخشريّ:
شعره أمطره شعري شرفا ... فاعتلى منه ثياب الحسد
كيف لا يستأسد النبت إذا ... بات مسقيّا بنوء الأسد
[2] لم أجده.
[3] انظر عن (يوسف بن عبد العزيز) في: الصلة لابن بشكوال 2/ 681، 682
رقم 1507.
[4] في (الصلة) : وكان من أهل العلم والمعرفة والفهم، حافظا، ذكيا،
متقنا، وله كلام على
(35/130)
روى عنه: أبو عامر بْن حبيب الشّاطبيّ.
توفّي في نصف شوّال.
__________
[ () ] معاني من الحديث. أخبرنا عنه أبو عامر بن حبيب الشاطبي في كتابه
إلينا، وأثنى عليه. وتوفي ببلاد العدوة منتصف شهر شوال سنة خمسين
وخمسمائة!!.
هكذا ورد في المطبوع، والصحيح: سنة خمس وخمسمائة.
(35/131)
سنة ست وخمسمائة
- حرف الألف-
126- أحمد بْن الفَرَج بْن عُمَر [1] .
أبو نصر الدّيَنَوريّ، الإبريّ [2] ، والد شُهْدَة.
شيخ، زاهد، ثقة، خيّر.
سَمِعَ: أبا يَعْلَى بْن الفرّاء، وأبا الغنائم بْن المأمون، وجماعة.
روى عَنْهُ: بنته.
وتوفّي في جمادى الأولى مِن السّنة [3] .
127- أحمد بْن أَبِي عاصم [4] .
الصَّيْدلانيّ، الهَرَويّ. أحد المعمَّرين.
سَمِعَ: أبا يعقوب القرّاب الحافظ.
قَالَ أبو سعْد السّمعانيّ: أجاز لي مَرْويّاته في سنة ستٌّ هذه.
128- أحمد بْن محمد بْن عُمَر بْن إبراهيم [5] .
أبو منصور الكرمانيّ، ثمّ الإصبهاني، الواعظ، الزّاهد، ويُعرف بابن
إدريس.
__________
[1] انظر عن (أحمد بن الفرج) في: المنتظم 9/ 172 رقم 280 (17/ 129 رقم
3802) ، والكامل في التاريخ 10/ 493، 494، ومرآة الزمان ج 8 ق 1/ 43،
وتوضيح المشتبه 1/ 119.
[2] الإبري: بكسر الهمزة، وفتح الموحّدة. نسبة إلى بيع الإبر وعملها،
وهي جمع إبرة.
[3] وقال ابن الأثير: «وكان حسن السيرة، متزهّدا» . (الكامل 10/ 494) .
[4] لم أجده.
[5] لم أجده.
(35/132)
روى عَنْ: أَبِي طاهر بْن عَبْد الرحيم.
روى عَنْهُ: أبو موسى الحافظ وقال: تُوُفّي في تاسع صَفَر. ودُفِن عند
قبر حُممة الدَّوْسيّ.
129- أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن محمد ابن
القارئ [1] .
أبو غالب الهَمَذَانيّ، الخفّاف، العدْل.
كَانَ شيخًا مُسِنًا، مَعْمَرا، مِن أهل الشّهادات. وُجِد سماعُه في
كتب المحدّثين.
روى عَنْ: أَبِي سَعِيد بْن شُبانة، ومنصور بْن عَبْد الرَّحْمَن
الحنبليّ، والحسين بن عمر النهاوندي الصوفي.
روى عنه: السلفي، وشهردار بن شيرويه.
وأظن الحافظ أبا العلاء روى عنه. وآخر من روى عنه أبو الكرم علي بن عبد
الكريم.
وقد حدَّث في سنة ستٌّ هذه. ولم يذكر لَهُ شِيرَوَيْه وفاة.
130- أحمد بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن الحُسَيْن [2] .
الأستاذ أبو الحُسَيْن الكرمانيّ، الزّاهد، شيخ الصوفية.
ذكره عَبْد الغافر الفارسيّ فقال: أحد أولياء الله، ومن أفراد عصره
مجاهدة ومُعاملة وخُلقًا ومشاهدة.
ورد نَيْسابور، وأقام عند أَبِي القاسم القُشَيْريّ، وسلك طريق الإرادة
ونفذ منها. وكان أبو القاسم يعتني بِهِ.
وحصّل مِن العلوم ما يحتاج إليه مِن الأصول والفُروع، وجمع كتب أَبِي
القاسم وسمعها، ثمّ غلب عَليْهِ قوة الحال، فصار مستغرقًا في الإرادة.
وكان ظريف اللّقاء، مقبول المشاهدة، رخيم الصَّوْت، ولم يزل في صحبة
__________
[1] انظر عن (أحمد بن محمد الخفاف) في: العبر 4/ 11، ومرآة الجنان 3/
193، وعيون التواريخ 12/ 20، وشذرات الذهب 4/ 13، 14.
[2] انظر عن (أحمد بن عبد الرحمن) في: المنتخب من السياق 116 رقم 251.
(35/133)
الشَّيْخ أَبِي القاسم إلى أن تُوُفّي،
فعاد إلى كَرمان، وقد طاب وقتُه مرّةً، فخرج مِن الكُتُب الّتي حصّلها،
ووضعها في الوسط، فأشار عَليْهِ أبو القاسم بحِفْظ ذَلِكَ. وقال:
احفظها وديعةً عندك، ولم يأذن لَهُ في بَيْعها ولا هِبتها، فكان
يستصحبها، يصونُها ولا يُطالعها، ويقول: إنّها وديعة للإمام عندي.
واشتغل بما كَانَ لَهُ مِن الأحوال العالية الصّافية، ثمّ بعد ما صار
إلى كَرْمان، بقي شيخَ وقته، ووقع لَهُ القبول عند الملوك، والوزراء،
والأكابر، واستكانوا لَهُ، وتبرَّكوا بِهِ. وما كَانَ يرغب فيهم ولا
يأخذ أموالهم، بل كَانَ يجتنبهم، ويختار العُزلة والانزواء ببعض القرى.
جاء نِعيُّه إلى نيسابور في سنة أربع وسبعين وأربعمائة، ثمّ ظهر خلاف
ذَلِكَ، وعاش إلى سنة ستّ وخمسمائة، فجاء نعيُّه في منتصف ربيع الأوّل.
سَمِعَ الكثير، وما روى إلّا القليل.
قلت: عاش سبعين أو ثمانين سنة.
131- أحمد بْن عليّ بْن محمد بْن عَبْدُوس [1] .
أبو حامد بْن الحذاء النَّيْسابوريّ.
ذكره عَبْد الغافر فقال: شيخ مستور مِن أقارب الحاكم الحسكانيّ.
سَمِعَ مِن: صاعد بْن محمد.
وسمع «مُسْنَد العشرة» مِن أَبِي سعْد النّصرويّ.
وسمع «فضائل الصّحابة» لأحمد بْن حنبل مِن النّصروي، بسماعه مِن أَبِي
بَكْر القَطِيعيّ سنة سبْعٍ وستّين.
أَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَد: نا أَبِي
وقرئ عَليْهِ بدلالة الوالد عَليْهِ. واسم أَبِي سعْد عَبْد الرَّحْمَن
بْن حمدان.
وُلِد أحمد في سنة ثمان عشرة، وتُوُفّي في شوّال.
روى عَنْهُ: عُمَر بْن أحمد الصَّفّار، وجماعة مِن مشيخة عَبْد الرحيم
السّمعانيّ.
__________
[1] انظر عن (أحمد بن علي) في: المنتخب من السياق 117 رقم 258.
(35/134)
132- أحمد بْن عَبْد الواحد بْن محمد ابن
الدّبّاس [1] .
أبو سعْد، ويُعرف بابن السّقْلاطونيّ وبابن الحريريّ.
حدَّث عَنْ: أَبِي محمد الجوهريّ.
وعنه: أبو المُعَمَّر الأنصاريّ، وأبو طاهر السلفي.
توفي في شعبان.
133- أحمد بن أبي نصر [2] .
البغدادي، الغضاري.
سمع: الحسن بن محمد الخلال.
روى عنه: المبارك بن كامل، وأبو طالب بن خضير.
توفي في ذي الحجة، ودفن بباب حرب، رحمه الله.
134- إبراهيم بن حمزة بن ينكي بن محمد بن علي [3] .
أبو محمد الخداباذيّ [4] ، البخاريّ.
حجّ سنة خمسمائة، فسمع بالبصرة، وسمع بمكّة أبا محمد بْن بتنّة.
روى عَنْهُ ابنه حمزة ببُخارى.
تُوُفّي بالمدينة، ودُفِن بالبقيع يوم عاشوراء [5] .
__________
[1] لم أجده.
[2] لم أجده.
[3] انظر عن (إبراهيم بن حمزة) في: الأنساب 5/ 55، وفيه: «بنكي» ،
ومعجم البلدان 2/ 348، وفيه كما في المتن بالياء المثنّاة، واللباب 1/
425 وفيه أيضا: «بنكي» بالباء الموحّدة.
[4] الخداباذي: بضم الخاء المعجمة وفتح الدال المهملة والباء المنقوطة
بواحدة بين الألفين وفي آخرها الذال. هذه النسبة إلى خداباذ وهي قرية
من قرى بخارا على خمسة فراسخ منها على طرف البرّيّة، وهي من أمهات
القرى.
[5] وقال ابن السّمعانيّ: كَانَ إماما فاضلا، صالحا، ورِعًا، عاملا
بعلمه، خرج إلى الحجاز في حدود سنة خمسمائة، وركب البادي من طريق
البصرة، وقطع عليهم الطريق وحصلوا بمكة، وجاور هو وابنه أبو المكارم
حمزة بن إبراهيم، وخرج إلى المدينة وتوفي بها في سنة إحدى وخمسمائة.
يقول خادم العلم محقّق الكتاب «عمر عبد السلام تدمري» :
هكذا أرّخ ابن السمعاني وفاته، وتابعه ياقوت في (المعجم) ، وابن الأثير
في اللباب. ولهذا كان ينبغي على المؤلّف الذهبي- رحمه الله- أن يقدّم
هذه الترجمة إلى وفيات السنة 501 هـ-.
(35/135)
135- إدريس بْن هارون بْن الحُسَيْن [1] .
أبو محمد البغداديّ، الصّائغ، المقرئ.
شيخ صالح، روى قليلًا عَنْ أَبِي الحُسَيْن بْن الَّنُّقور.
وتُوُفّي في رمضان.
روى عنه: السّلفيّ، وأبو عامر العبدريّ.
وما زال يسمع إلى أن مات.
136- إسماعيل بْن أحمد بْن محمد بْن أحمد [2] .
أبو الرجاء ابن الشَّيْخ أَبِي الفتح الحدّاد الأصبهانيّ.
روى عنه: أَبِي بَكْر بْن رِيذة، وعبد العزيز بْن أحمد بْن ماذَوْيه،
وأبي طاهر بْن عَبْد الرحيم.
روى عَنْهُ: المبارك بْن المبارك السَّرَّاج، والمبارك بْن أحمد
الأنصاريّ، وأبو طاهر السّلَفيّ.
سكن بغداد، ثمّ سكن مصر، وبها تُوُفّي.
137- إسماعيل بْن الحَسَن بْن عليّ بْن حمدون [3] .
أبو القاسم السَّنْجَبَسْتيّ [4] الفرائضيّ، القاضي، مُسْنَد وقته.
ولد في حدود سنة عشر وأربعمائة.
وسمع: أبا بَكْر أحمد بْن الحَسَن الحِيريّ، والصّيرفيّ، وأبا عليّ
الحسن البلخيّ.
__________
[1] لم أجده.
[2] لم أجده.
[3] انظر عن (إسماعيل بن الحسن) في: الأنساب 7/ 162، والمنتخب من
السياق 145 رقم 333 وفيه: «إسماعيل بن الحسين» ، ومعجم البلدان 3/ 263،
واللباب 2/ 146، والمعين في طبقات المحدّثين 149 رقم 1612، والإعلام
بوفيات الأعلام 208، وسير أعلام النبلاء 19/ 244 رقم 151، والعبر 4/
11، وعيون التواريخ 12/ 20، ومرآة الجنان 3/ 193 وفيه:
«إسماعيل بن الحسين» ، وشذرات الذهب 4/ 14.
[4] تصحّفت في (المنتخب من السياق) إلى: «السنبستي» .
و «السّنجبستيّ» : بفتح السين، وسكون النون، وفتح الجيم والباء. نسبة
إلى سنجبست. منزل معروف بين نيسابور وسرخس.
(35/136)
وسمع منه الآباء والأبناء، وعُمّر دهرًا
طويلًا، وكان ذا مروءة وحشمة.
روى عَنْهُ: محمد بْن محمد السّنْجيّ، وأبو شجاع عُمَر بْن محمد
البِسْطاميّ، ومحمد بْن الحُسَيْن الواعظ بواسط، وأبو الفتوح الطّائيّ،
وجماعة كثيرة.
تُوُفّي في شهر صَفَر بسَنْجَبَسْت.
وثّقه عَبْد الغافر [1] .
وسَنْجَبَسْت: عَلَى مرحلة مِن نَيْسابور.
وكان يدخل البلد ويحدّث.
- حرف الجيم-
138- جعفر الحنبليّ [2] .
المعروف بالدَّرْزِيجانيّ [3] ، الفقيه.
صاحب القاضي أَبِي يَعْلَى بْن الفرّاء.
ذكره أبو الحُسَيْن بْن الفرّاء في «طبقات أصحاب أحمد» .
__________
[1] وهو قال: مستور، فاضل، ثقة، من مشاهير مشايخ النواحي. كان يدخل
البلد أحيانا ويسمع منه ثم يعود إلى سنبست (كذا) وهي على مرحلة على
طريق خراسان يسمع منه كل من يجتاز بها من الصادرين والواردين، وربما
كان يضيفهم.
وله بيت وأعقاب من ذوي الفضل، وكان هو في نفسه نقيّ الجيب، سليم الصدر،
من الطبقة القديمة، ذا مروّة، وتجمّل، وثروة، عمّر طويلا.
وكان عنده إسناد أصحاب الأصمّ حتى سمع منه الآباء والأبناء والأحفاد.
ولحقت بركة عمره الطويل في الطاعة أخلافه حتى نالوا الدرجات السنيّة،
ورزقوا من الدنيا الأسباب الهنيّة. ولقد رأيته في آخر عمره بنيسابور في
دار ابنه العميد مسعود مخدوما من الأكابر لعزّ عمره، والطلبة يزدحمون
على السماع منه. فقرأنا عليه جزءا من أحاديث القاضي.
(المنتخب) .
[2] انظر عن (جعفر الحنبلي) في: طبقات الحنابلة 2/ 257 رقم 699، وذيل
طبقات الحنابلة 1/ 110 رقم 52، وسير أعلام النبلاء 19/ 414، 415 رقم
239، وشذرات الذهب 4/ 15، 16.
[3] في الأصل: «الدرزنجاني» ، والتصويب من مصادر الترجمة. و
«الدّرزيجاني» : بفتح الدال، وسكون الراء، وكسر الزاي. نسبة إلى
درزيجان: قرية على ثلاثة فراسخ من بغداد.
(الأنساب) .
(35/137)
وقد لقّن خلْقًا القرآن.
وكان جوادًا، مَهيبًا، ذا سطوة وجلالة. وهو جعفر بْن الحَسَن.
وبالغ في تعظيمه ابن النّجّار، وأنّه كَانَ يختم كلّ يَوْمٍ القرآن في
رَكْعةٍ واحدة، وأنّه تفقَّه عَلَى أَبِي يَعْلَى [1] .
- حرف الحاء-
139- حبيبة بِنْت عَبْد العزيز بْن موسى بْن سباع [2] .
الأندلُسيّة، زَوْجَة أَبِي القاسم بْن مُدبر.
سَمِعْتُ: أبا عُمَر بْن عَبْد البَرّ، وأبا العبّاس العُذْريّ.
وكان لها خطّ مليح ومعرفة، وفيها دين.
ووُلِدَت سنة سبْعٍ وثلاثين.
140- الحَسَن بن الحاكم أحمد بن عَبْد الرَّحْيم [3] .
الإسماعيلي أَبُو سَعِيد.
سَمِعَ من: أَبِي الحُسَيْن عَبْد الغافر، وجماعة.
وتوفّي في ذي الحجّة.
141- الحسين [4] بْن محمد بْن محمود بْن سَوْرَة [5] .
أبو سَعِيد [6] النَّيْسابوريّ، سِبْط شيخ الإسلام أبي عثمان
الصّابونيّ.
ذكره عَبْد الغافر فقال: فاضل، عالم، عَهْدِناه أفضل أهل بيته. سَمِعَ
مِن جدّه ومشايخ عصره، وسمع مِن الواحديّ تفسيره. وعقد مجلس الإملاء.
__________
[1] وقال ابن شافع: هو الأمّار بالمعروف، والنّهّاء عن المنكر، ذو
المقامات المشهودة في ذلك، والمهيب بنور الإيمان واليقين لدى الملوك
والمتصرّفين. (ذيل الطبقات 1/ 110) .
[2] لم أجدها.
[3] انظر عن (الحسن بن الحاكم أحمد) في: المنتخب من السياق 189 رقم
534.
[4] في الأصل: «الحسين» ، والتصحيح من مصادر الترجمة.
[5] انظر عن (الحسن بن محمد) في: التحبير 1/ 209 رقم 115، والسياق
(مخطوط) ، الورقة 11 ب، 12 أ، والمختصر الأول للسياق (مخطوط) 42،
والمنتخب من السياق 190 رقم 541.
[6] في الأصل: «أبو سعيد» ، والتصحيح من المصادر.
(35/138)
تُوُفّي في شوّال في آخر الكهولة [1] .
142- حَمْد بْن إسماعيل بْن حَمْد بْن محمد [2] .
أبو الْحَسَن الْهَمَذَانيّ، المعروف بالشّيخ الزكيّ.
كَانَ صدوقًا حَجّاجًا [3] .
سَمِعَ: ابن غَيْلان، والخلّال، والطَّنَاجيريّ، وعبد العزيز بْن عليّ
الأزَجيّ، وابن المُذْهِب.
روى عَنْهُ: عَبْد الخالق بْن يوسف، والسّلَفيّ.
وتُوُفّي في نصف ربيع الأوّل بالمدينة، ودُفِن بالبقيع.
روى عَنْهُ السّلَفيّ في البلد الأوّل مِن أربعينه.
143- حمْد بْن محمد بْن أحمد بْن مَنْصُور [4] .
أَبُو القاسم الإصبهانيّ، القصّاب، الصُّوفيّ، الطّويل.
144- حَمْدُ بْن محمد بْن أَبِي بَكْر [5] .
أبو شُكْر الإسكاف.
145- حمد بْن طاهر بْن أحمد [6] .
أبو الفضل الأنماطيّ، المؤذّن.
إصبهانيّ يروي عن الباطِرْقانيّ.
__________
[1] وقال ابن السمعاني: من بيت العلم والحديث، كان شيخا، صالحا، سديدا
... وكانت ولادته سنة ثلاث وأربعين وأربعمائة، ووفاته بنيسابور ليلة
الجمعة الخامس والعشرين من المحرّم سنة خمس عشرة وخمسمائة (التحبير) .
يقول خادم العلم «عمر تدمري» : إن صح ذلك فينبغي أن تؤخّر هذه الترجمة
إلى الطبقة التالية.
[2] انظر عن (حمد بن إسماعيل) في: معجم السفر للسلفي ق 1/ 167، 168 رقم
58.
[3] قال السلفي: وكان محترما عند الخليفة المستظهر باللَّه. ويحجّ كل
سنة ومعه الكعبة، ورسم أمين مكة والمدينة ومن بهما من المستحقّين، قرأت
عليه بمكة والمدينة، قبل ذلك ببغداد.
[4] لم أجده.
[5] لم أجده.
[6] لم أجده.
(35/139)
روى عَنْهُ: أبو موسى الْمَدِينيّ.
146- حَيْدَرة بْن أحمد بْن حُسَين [1] .
أبو تراب الأنصاريّ، الدّمشقيّ المقرئ، المعروف بالخروف.
سَمِعَ: أبا الحُسَيْن بْن مكّيّ، وأبا القاسم الحِنَّائيّ، وأبا بَكْر
الخطيب.
قَالَ ابن عساكر: سمعتُ منه جزءًا مِن «تاريخ بغداد» . وكان مكثرا.
وتوفّي في ربيع الأوّل.
قلت: وهو أقدم شيخ لابن عساكر موتا.
- حرف الخاء-
147- خَلَف بْن محمد [2] .
الشَّيْخ أبو القاسم بْن الْمَرِيّيّ.
كَانَ مِن سكان الْمَرِية مِن الأندلس.
قَالَ ابن الدّبّاغ: رأيته سنة ستّ وخمسمائة.
سمع من: أَبِي العبّاس العُذريّ.
ولقي أبا عَمْرو عثمان بْن سَعِيد الدّانيّ.
وكان عنده أدب [3] .
- حرف الصاد-
148- صاعد بْن منصور بْن إسماعيل بْن صاعد [4] .
__________
[1] انظر عن (حيدرة بن أحمد) في: تاريخ دمشق، ومختصر تاريخ دمشق لابن
منظور 7/ 295 رقم 293، وتهذيب تاريخ دمشق 5/ 23، 24.
[2] انظر عن (خلف بن محمد) في: الصلة لابن بشكوال 1/ 175 رقم 398.
[3] قال ابن بشكوال: وكان معتنيا بالآثار، جامعًا لها، كتب بخطّة
عِلْمًا كثيرًا ورواه، وكان حسن الضبط، أخذ الناس عنه بعض ما رواه.
وكان شيخا أديبا، وكان يقرض الشعر وربّما أجاد.
وكان يذكر أنه لقي أبا عمرو المقرئ وأخذ عنه يسيرا.
وتوفي سنة ثمان وخمسمائة، وكان مولده في ذي الحجة سنة إحدى وعشرين
وأربعمائة.
يقول خادم العلم «عمر تدمري» :
هكذا ورّخ ابن بشكوال وفاته سنة 508 هـ-. ولهذا ينبغي أن تؤخّر هذه
الترجمة إلى هناك.
[4] انظر عن (صاعد بن منصور) في: المنتخب من السياق 260 رقم 838،
والمنتظم 9/ 172 رقم
(35/140)
أبو العلاء النَّيْسابوريّ، الخطيب،
القاضي، المدرّس، قاضي القُضاة.
كَانَ إمام الحرمين يُثني عَليْهِ، وكان محبوبًا، مقبولًا، رضيّ
الأخلاق، خَلَف أَبَاهُ في الخطابة، والتّدريس، والوعظ، ثمّ وُلّي قضاة
خُوارَزْم [1] .
وحجّ، وأقام ببغداد مدّةً، ثم عاد إلى نَيْسابور، وعقد مجلس الإملاء.
سَمِعَ جدّه: أبا الْحَسَن، وعمّه أبا عليّ، وأباه القاضي أبا القاسم،
وعمر بْن مسرور، وأبا عثمان الصّابونيّ، وعبد الغافر الفارسيّ، والحسن
بن محمد الدَّربَنْديّ، وجماعة.
روى عنه: أبو عثمان إسماعيل العصائديّ، وأبو شجاع عُمَر البِسْطاميّ،
وغيرهما.
تُوُفّي في رمضان [2] .
- حرف الطاء-
149- طُونة بِنْت عَبْد العزيز بْن موسى بْن طاهر [3] .
العالمة، زوجة أبي القاسم بْن مدبّر.
أخذت عَنْ أَبِي عُمَر بْن عبد الْبَرّ، وكتبت تصانيفه.
وكانت حسنة الخطّ.
عاشت سبعين سنة [4] .
__________
[281] (17/ 129 رقم 3803) ، والكامل في التاريخ 10/ 494، وذيل تاريخ
نيسابور (مخطوط) 87 ب، وعيون التواريخ 12/ 13، 14 وفيه: «صاعد بن
إسماعيل» ، والبداية والنهاية 12/ 175، والوافي بالوفيات 16/ 241 رقم
262، والجواهر المضية 2/ 268 رقم 660، والنجوم الزاهرة 5/ 204،
والطبقات السنية، رقم 989.
[1] المنتظم.
[2] قال عبد الغافر الفارسيّ: خرّج له صالح المؤذّن (أبو المؤدّب) :
«الأربعين في مناقب أبي حنيفة وأحاديثه» . (المنتخب 260) .
[3] انظر عن (طونة بنت عبد العزيز) في: الصلة لابن بشكوال 2/ 696، 697
رقم 1541.
[4] وكان مولدها سنة 437 هـ-.
(35/141)
- حرف العين-
150- العباس بن أحمد بن محمد [1] .
أبو الفضل الْحَسْنَويّ، النَّيْسابوريّ، الشَّقَّانيّ [2] ، الفقيه،
المحدّث.
أنفق عمره في طلب الحديث، وأفاد، وكتب، وكان رقيق الحال، فقيرًا،
قانعًا.
سَمِعَ: عَبْد الرحمن بن حمدان النّصرويّي، وأحمد بْن محمد بْن الحارث
التّميميّ الإصبهانيّ، وأبا حسّان محمد بْن أحمد بْن جعفر، ومحمد بن
إبراهيم المزكّي، وجماعة كثيرة.
وقلّ أن يوجد بنَيْسابور جزء إلّا قد سمعه.
روى عَنْهُ: محمد بْن محمد السّنْجيّ، وعمر بْن محمد البِسْطاميّ، وعبد
الرحيم بْن الإخوة، وآخرون كثيرون.
وتُوُفّي في ذي الحجّة.
وكان مِن المُسْنِدِين بنَيْسابور.
وكان أَبُوهُ أبو العبّاس من الأئمّة.
وابنه أبو بَكْر محمد: يروي عَنِ القُشَيْريّ. سوف يأتي [3] .
والآخر اسمه أحمد، يأتي أيضًا [4] .
151- عَبْد الله بْن الْحَسَن بْن هلال بْن الْحَسَن [5] .
__________
[1] انظر عن (العباس بن أحمد) في: المختصر الأول للسياق (مخطوط) 73 ب،
والمنتخب من السياق 402، 403 رقم 1369، والأنساب 7/ 360.
[2] الشّقّاني: بفتح الشين المعجمة، وتشديد القاف، وفي آخرها النون.
قال ابن السمعاني:
وسمعت صاحبي أبا بكر محمد بن علي بن عمر البروجردي يقول: سمعت الإمام
محمدا الشقاني يقول: بلدنا «شقّان» بكسر الشين، ثم قال: ثمّ جبلان، وفي
كل واحد منهما شقّ يخرج منه ماء الناحية، فقيل لها: الشّقّان. والنسبة
الصحيحة إليها بالكسر، واشتهر بالفتح.
[3] توفي سنة 529 هـ-. (الأنساب 7/ 361) .
[4] توفي سنة 548 هـ-. (الأنساب 7/ 361) .
[5] انظر عن (عبد الله بن الحسن) في: تاريخ دمشق (عبد الله بن جابر-
عبد الله بن زيد) 181 رقم 244، ومعجم البلدان 3/ 226 وفيه: «عبد الله
بن الحسين» ، ومختصر تاريخ دمشق لابن
(35/142)
أبو القاسم الأزْديّ، الدّمشقيّ.
سَمِعَ: أبا عليّ الأهوازيّ، وأبا عَبْد الله بْن سَعْدان، ورشأ بن
نظيف، وسحنام، وجماعةً سواهم.
وكان يسكن بقرية سَقْبا [1] ، ولم يكن الحديث مِن شأنه.
روى عَنْهُ: الصّائن هبة الله، وجماعة.
تُوُفّي في سقبا، في ذي القِعْدة، وبها دُفِن.
152- عَبْد الجبّار بْن عُبَيْد الله بْن أَبِي سَعْد محمد بْن
ظوروَيْه [2] .
أبو بَكْر الإصبهانيّ، الدّلّال، الصَّفّار.
وُلِد سنة ثلاث عشرة وأربعمائة.
وسمع مِن: أَبِي نُعَيْم.
روى عَنْهُ: أبو موسى الْمَدِينيّ، وغيره.
ومات في ربيع الآخر.
153- عَبْد المُلْك بْن عَبْد الله بْن أحمد بْن رضوان [3] .
أبو الحسين الْمَرَاتبيّ، مِن أهل باب المراتب.
كَانَ صالحًا، خيرًا، رئيسًا، كثير الصَّدَقة.
وكان صاحب ديوان الرسائل لأمير المؤمنين المستظهر باللَّه.
روى [[4] عن: أَبِي محمد الجوهريّ.
وعنه: أبو المعمّر الأنصاريّ.
وتوفّي في شوّال.
__________
[ () ] منظور 12/ 119 رقم 83، وتهذيب تاريخ دمشق 7/ 369.
[1] سقبا: بالفتح ثم السكون، وباء موحدة، من قرى دمشق بالغوطة.
[2] لم أجده.
[3] انظر عن (عبد الملك بن عبد الله) في: المنتظم 9/ 172 رقم 282 (17/
129 رقم 3804) .
[4] من هنا يبدأ النقص في نسخة «أياصوفيا» ، والمستدرك ما بين
الحاصرتين عن نسخة دار الكتب المصرية.
(35/143)
154- علي بن عبد الملك بن محمد بن شاذان
[1] .
أبو الْحَسَن الطّوسيّ، الجوهريّ، الصُّوفيّ، الزّاهد.
سَمِعَ الكثير بنفسه مِن: أَبِي حفص بْن مسرور، وأبي الحُسَيْن عَبْد
الغافر، وأبي سَعْد الكنْجَرُوذيّ.
ورحل فسمع مِن: أَبِي يَعْلَى بْن الْفَراء، وابن المهتديّ باللَّه.
روى عَنْهُ: عليّ بْن الْحَسَن المقرئ، ومحمد بْن أَبِي بَكْر
السّنْجيّ، وغيرهما.
قَالَ ابن السّمعانيّ: تُوُفّي بعد سنة أربع وخمسمائة، وكان مُقرئًا،
صالحًا.
قلت: إنّما كتبته هنا على سبيل التّقريب، لا أنّه تُوُفّي في هذا
العام.
155- عليّ بْن ناصر بْن محمد بْن الْحَسَن [2] .
أبو الفضل الْعَلَويّ المحمدّي. مِن وُلِد محمد بْن الحنفيّة.
وكان نقيب مشهد باب التّبْن. وكان يسكن الكرْخ، وله معرفة بالأنساب.
سَمِعَ: أبا محمد الجوهريّ.
روى عَنْهُ: أبو المُعَمَّر الأنصاريّ، وأبو طَالِب بْن خُضَيْر،
وغيرهما.
وحدَّث في هذه السّنة، ولم تؤرَّخ وفاته [3] .
- حرف الفاء-
156- الفضل بْن أحمد بن محمد بن متّويه [4] .
156- الفضل بْن أحمد بْن محمد بْن مَتُّوَيْه [4] .
أبو عمرو [5] الكاكويّيّ [6] . كان يقال لأبيه كاكو.
__________
[1] انظر عن (علي بن عبد الملك) في: التحبير 1/ 100، 566.
[2] انظر عن (علي بن ناصر) في: الأنساب 11/ 170.
[3] قال ابن السمعاني: وكانت ولادته سنة إحدى وأربعين وأربعمائة، وتوفي
بعد سنة ست وخمسمائة، فإن أبا بكر بن فولاذ الطيوري سمع منه في هذه
السنة.
[4] انظر عن (الفضل بن أحمد) في: الأنساب 10/ 330، 331، واللباب 3/ 77.
[5] في الأصل: «أبو عمر» .
[6] الكاكويّيّ: بالألف بين الكافين المفتوحة والمضمومة، وفي آخرها
الياء المنقوطة باثنتين من
(35/144)
سَمِعَ مِن: عَبْد الغافر الفارسيّ، وأبي
عثمان الصّابونيّ، وابن مسرور بإفادة والده.
قَالَ أبو سَعْد السّمعانيّ: أجاز لي، وحدَّثني عَنْهُ جماعة [1] .
وتُوُفّي ليلة عيد الفِطْر.
وكان مولده في سنة تسعٍ وثلاثين.
ومن الرُّواة عَنْهُ ولده، وبقي إلى سنة أربعٍ وخمسين.
وروى أَبُوهُ أحمد كاكُو عَنْ: أَبِي عَبْد الله بْن نظيف.
157- الْفَضْلُ [2] بْن محمد بْن عُبَيْد بْن محمد بْن محمد بْن مهديّ
[3] .
أبو محمد القُشَيْريّ، النَّيْسابوريّ.
شيخ، ثقة، مشهور، مِن بيت العدالة والصّلاح.
كَانَ مبالغًا في الاحتياط في الشّهادات، ومن أعيان العدول.
كَانَ صوفيا، مليحًا، خيّرا.
سمع: عبد الرحمن بن حمدان النّضرويي، وعبد القاهر أبا منصور البغداديّ،
وأبا حسّان المُزَكّيّ، وأبا الحُسَيْن الفارسيّ.
وحدَّث ببغداد لمّا حجّ.
روى عَنْهُ: أبو الفتح محمد بْن عَبْد السلام الكاتب، وغيره.
وُلِد سنة عشرين وأربعمائة.
وتُوُفّي في رمضان. وهو آخر عُبَيْد القُشَيْريّ، سيأتي.
158- فضل الله بْن محمد بْن أحمد بن أبي جعفر [4] .
__________
[ () ] تحتها. هذه النسبة إلى كاكويه، وهي بلسان أهل بلخ: الأخ. عرف
بهذا: أحمد بن متّويه، كانوا يقولون له: كاكو أحمد، وصاحب الترجمة
ينتسب إليه.
[1] وقال: شيخ صالح، حسن السيرة ... سمع منه والدي الكثير، وروى لي عنه
أولاده: أبو الطيّب المطهّر، وفاطمة، وعائشة، وعمّي الإمام، ولي عنه
إجازة.
[2] في الأصل: «فضيل» ، والتصحيح من مصادر ترجمته.
[3] انظر عن (الفضل بن محمد) في: المختصر الأول للسياق (مخطوط) 75 ب،
والمنتخب من السياق 414، 415 رقم 1409، والعبر 4/ 11، ومرآة الجنان 3/
193، وشذرات الذهب 4/ 14.
[4] انظر عن (فضل الله بن محمد) في: المنتخب من السياق 417 رقم 1420.
(35/145)
أبو محمد بْن أَبِي الْفَضْلُ الطَّبَسيّ
[1] . مِن أولاد المحدّثين.
سافر الكثير، وسمع، ونسخ.
سَمِعَ ببلده: أباه، وأباه عثمان العيّار، وأبا بَكْر الْبَيْهَقيّ،
وعبيد الله بْن محمد بْن مَنْدَهْ.
وبنَيْسابور. وسمع ببغداد مِن: أَبِي الْفَضْلُ بْن خيرون.
وبالبصرة مِن: أَبِي عليّ القُشَيْريّ.
وبإصبهان مِن: إبراهيم بْن محمد القفّال.
روى عَنْهُ: عَبْد العزيز بْن محمد بن سيما، وجماعة.
وأجاز للجنيد القائنيّ في هذه السّنة.
ولم تُضبط وفاته.
- حرف الميم-
159- محمد بْن أَبِي القاسم الْفَضْلُ بْن محمد بْن عَبْد الله [2] .
أبو بَكْر الإصبهانيّ الأعسر، القِرابيّ [3] القصّار [4] .
عبدٌ صالحٌ، يقال إنّه كَانَ مِن الأبدال.
روى عَنْ: ابن رِيذَة.
روى عَنْهُ: أبو موسى في مُعْجَمه.
وتُوُفّي فِي ذي الحجّة.
160- مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن أيّوب بن محسّن [5] .
__________
[1] الطبسي: بفتح الطاء المهملة، والباء المنقوطة بواحدة، والسين
المهملة. هذه النسبة إلى طبس وهي بلدة في برّيّة، إذا خرجت منها إلى
أيّ صوب، منها سلكت وقصدت لا بدّ من ركوب البرّيّة، وهي بين نيسابور
وأصبهان وكرمان. (الأنساب 8/ 209) .
[2] لم أجده.
[3] القرابي: بكسر القاف وفتح الراء وفي آخرها الباء. هذه النسبة إلى
القرب. (الأنساب 10/ 88) .
[4] القصّار: بفتح القاف وتشديد الصاد المهملة وفي آخرها الراء. هذه
النسبة إلى قصارة.
(الأنساب 10/ 163) .
[5] انظر عن (محمد القطواني) في: الأنساب 10/ 198، والمنتظم 9/ 172،
173 رقم 284
(35/146)
أبو محمد القطوانيّ، السّمرقنديّ.
وقطوان: على خمسة فراسخ من سمرقند.
كَانَ إمامًا في الوعظ، لَهُ القبول [1] . التّامّ مِن الخاصّ والعامّ،
سَمِعَ مِن جماعة، وحدَّث.
روى عَنْهُ جماعة مِن أهل سَمَرْقَنْد. وكان مولده في سنة أربع وأربعين
وأربعمائة.
رماه فرسه فاندقّت عنقه.
وتُوُفّي مِن الغد في سادس رجب.
161- محمد بْن محمد بْن الْحَسَن بْن عَيْشُون [2] .
موفَّق المُلْك، أبو الْفَضْلُ المنجّم.
كَانَ رأسًا في صنعة التّنجيم بالعراق، وله شِعْر رقيق.
روى عنه: أبو الوفاء أحمد بْن محمد بْن الحُصَين.
فمن شِعْره:
أنت يا مغرور ميت ... فتأهّب للفِرَاق
وذَرِ الحرص على الرّز ... ق، فما أنت بباقِ
فالأماني والمنايا ... تتَجَارَى في سَباقِ
لك بالأخرى اشتغالٌ ... فتهيَّأ للتَّلاقِ
162- محمد بْن موسى بْن عَبْد الله [3] القاضي أبو عبد الله التّركيّ،
البلاساغونيّ [4] ، الحنفيّ.
__________
[ () ] (17/ 130 رقم 3806) ، ومرآة الزمان ج 8 ق 1/ 43، 44.
[1] إلى هنا ينتهي النقل من نسخة دار الكتب المصرية، والعودة إلى نسخة
أياصوفيا.
[2] لم أجده.
[3] انظر عن (محمد بن موسى) في: الأنساب 2/ 351، 352، وتاريخ دمشق،
وذيل تاريخ دمشق لابن القلانسي 183، ومعجم البلدان 1/ 476، واللباب 1/
174، ومختصر تاريخ دمشق لابن منظور 23/ 268، 269 رقم 289، وميزان
الاعتدال 4/ 51، 52 رقم 8239، ودول الإسلام 2/ 34، ومرآة الزمان ج 8 ق
1/ 48، والبداية والنهاية 12/ 175، والوافي بالوفيات 5/ 87، ولسان
الميزان 5/ 402.
[4] البلاساغوني: بفتح الباء الموحدة والسين المهملة بين اللام ألف
والألف، وضم الغين
(35/147)
سَمِعَ ببغداد مِن شيخه القاضي أبي عَبْد
الله الدّامَغَانيّ، ومن: أَبِي الْفَضْلُ ابن خَيْرون.
ونزل بدمشق.
روى عَنْهُ: أبو البركات الحضريّ عَبْد الحارثيّ.
وولي قضاء القدس مُدّة، فَشَكوه وعُزِل. ثمّ وُلّي قضاء دمشق [1] ،
وكان قد عزم عَلَى نصْب إمام حنفيّ بجامع دمشق، مِن محبّته في مذهبه،
وعيّن إمامًا، فامتنع أهل دمشق مِن الصّلاة خلفه، وصلّوا بأجمعهم في
دار الْخَيْل، وهي الْقَيْساريّة الّتي قبَل المدرسة الأمينيّة.
وهو الَّذِي رتَّب الإقامة في الجامع مَثْنَى مَثْنَى [2] ، فبقي إلى
أن أزيل في أيّام صلاح الدّين في سنة سبْعين.
قَالَ ابن عساكر: [3] سَمِعْتُ أبا الْحَسَن بْن قُبَيْس الفقيه يذمّه،
ويذكر أنّه كَانَ يَقُولُ: لو كَانَ لي أمرٌ لأخذتُ مِن الشّافعيّة
الْجِزْية.
وكان مبغِضًا للمالكيّة أيضًا.
تُوُفّي في جُمَادَى الآخرة.
163- محمود بْن يوسف بْن حسين [4] .
أبو القاسم التَّفْلِيسيّ [5] ، الشّافعيّ.
قِدم بغداد، وتفقَّه بها على الشّيخ أبي إسحاق.
__________
[ () ] المعجمة، وفي آخرها النون. هذه النسبة إلى بلاساغون وهي بلدة من
ثغور الترك وراء نهر سيحون قريبة من كاشغر. (الأنساب 2/ 351) .
[1] ذيل تاريخ دمشق 183.
[2] تاريخ دمشق، مختصر تاريخ دمشق 23/ 269.
[3] في تاريخه، ومختصره 23/ 269.
[4] انظر عن (محمود بن يوسف) في: طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 4/ 308.
[5] التّفليسي: بفتح التاء المنقوطة من فوقها باثنتين وسكون الفاء وكسر
اللام وسكون الياء المنقوطة باثنتين من تحتها وفي آخرها السين المهملة.
هذه النسبة إلى تفليس وهي آخر بلدة من بلاد أذربيجان مما يلي الثغر.
(الأنساب 3/ 65) .
(35/148)
سَمِعَ مِن: أَبِي يَعْلَى بْن الفرّاء،
وعبد الصّمد بْن المأمون، وجماعة.
ورجع إلى بلاده.
روى عنه: الطَّيّب بْن محمد الْغَضَائريّ.
وتُوُفّي في هذه السّنة أو بعدها [1] .
164- مُصْعَب بْن محمد بْن أَبِي الفُرات [2] .
أبو العرب الْقُرَشِيّ الْعَبْدَريّ، الصَّقَلّيّ، الشّاعر المشهور.
دخل الأندلس عند تغلُّب الرّوم عَلَى صَقَلّية. وحظي عند المعتمد بْن
عبّاد.
وديوانه بأيدي النّاس [3] .
روى عن: أبي عمر بن عبد البر.
أخذ عَنْهُ: أبو عليّ بْن عُرَيْب «أدب الكاتب» لابن قُتَيْبة، ثمّ
أنّه صار في آخر أمره إلى صاحب مَيُورقَة ناصر الدّولة، فتُوُفّي هناك.
وله:
كأن أديمَ الأرضِ كفّاكَ إنْ يَسِرْ ... بِهِ راكبٌ تَقْبض عَليْهِ
الأناملا [4]
__________
[1] وقع في طبقات السبكي: قال ابن السمعاني: توفي بعد سنة خمسين
وخمسمائة!
[2] انظر عن (مصعب بن محمد) في: تكملة الصلة لابن الأبّار 1/ 386،
وخريدة القصر (قسم الأندلس) 2/ 219- 222، وعيون التواريخ 12/ 15- 19.
[3] قال ابن بسام في «الذخيرة» : بلغني عنه أنه حضر يوما مجلس المعتمد
وقد أدخل إليه صلة وافرة من دنانير الفضة، فأمر له بخريطتين منها، وبين
يديه تصاوير عنبر، من جملتها صورة جمل مرصّعة بنفيس الجوهر.
قال له أبو العرب معرّضا: ما يحمل هذه الدنانير أيّدك الله تعالى إلّا
جمل، فتبسّم المعتمد وأمر له به، فقال أبو العرب على البديهة:
أهديتني جملا جونا شفعت به ... حملا من الفضّة البيضاء لو حملا
نتاج جودك في أعطان مكرمة ... لا قد يعرف من منع ولا عقلا
فأعجب فشأني كلّه عجب ... رفّهتني فحملت الحمل والجملا
[4] في الخريدة:
كأنّ فجاج الأرض يمناك إن يسر ... بها خائف تجمع عليه الأناملا
وفي عيون التواريخ:
كأنّ بلاد الله كفّاك إن يسر ... بها هارب تجمع عليه الأناملا
(35/149)
فأين يَفِرُّ المرءُ عنكَ بجُرمِهِ ... إذا
كَانَ في كفّيَكْ يَطْوِي الْمَرَاحلا [1]
165- المُعَمَّر بْن عليّ بْن المُعَمَّر بْن أبي عمامة [2] .
أبو سَعْد الْحَنْبليّ، الواعظ.
بغداديّ كبير، درّس، وأفتى، وناظَر، وحفظ الكثير مِن النّوادر
والغُرَر، وانفرد بالكلام عَلَى لسان الوعظ، وانتفع الخلق بمجالسه.
وكان يُبكي الحاضرين ويُضْحِكهم، وله قَبُولٌ عظيم. وله مِن سرعة
الجواب، وحدّة الخاطر، ما شاع وذاع، ووقع عَليْهِ الإجماع.
وكان يؤُمّ المقتدي باللَّه في التّراويح ويُنادِمه.
وسمع مِن: أَبِي طَالِب بْن غَيْلان، والخلّال، والأَزَجيّ، والحسن بْن
المقتدر، وجماعة.
روى عَنْهُ: ابن ناصر، وأبو المُعَمَّر الأنصاري.
وُلِد في سنة تسعٍ وعشرين وأربعمائة.
وتوفّي في ربيع الأوّل. قاله ابن النّجّار [3] .
__________
[1] في الخريدة، والعيون:
وأنّي يفرّ المرء عنك بجرمه ... إذا كان يطوي في يديك المراحلا
[2] انظر عن (المعمّر بن علي) في: تاريخ حلب للعظيميّ (بتحقيق زعرور)
366، و (تحقيق سويم) 31، والمنتظم 9/ 173، 174 رقم 285 (17/ 130- 132
رقم 3807) ، والكامل في التاريخ 10/ 493، والعبر 4/ 11، وسير أعلام
النبلاء 19/ 451، 452 رقم 260، وعيون التواريخ 12/ 20، والبداية
والنهاية 12/ 175، ومرآة الجنان 3/ 193، وذيل طبقات الحنابلة 1/ 107-
110، والنجوم الزاهرة 5/ 205، وشذرات الذهب 4/ 14، 15.
[3] وقال ابن الجوزي: «وكان يعظ وجمهور وعظه حكايات السلف. وكان له
خاطر حادّ وذهن بغداديّ وتماجن، وكان يحاضر المستظهر باللَّه. قال يوما
في وعظه: أهون ما عنده أن يجعل لك أبواب الوصيّ توابيت.
ولما دخل نظام الملك وزير السلطان ملك شاه إلى بغداد صلّى في جامع
المهديّ الجمعة، فقام أبو سعد بن أبي عمامة، فقال: الحمد للَّه وليّ
الإنعام، وصلّى الله على من هو للأنبياء ختام، وعلى آله سرج الظلام،
وعلى أصحابه الغرّ الكرام، والسلام على صدر الإسلام، ورضي الإمام زيّنه
الله بالتقوى وختم عمله بالحسنى، وجمع له بين خير الآخرة والدنيا.
معلوم يا صدر الإسلام أنّ آحاد الرعية من الأعيان مخيّرون في القاصد
والوافد إن شاءوا وصلوه، وإن شاءوا قطعوه، فأما من توشّح بولائه،
وترشّح لآلائه فليس مخيّرا في القاصد والوافد، لأن من هو على
(35/150)
- حرف النون-
166- ناجية بنت أَبِي عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن الحسن بن
جردة [1] .
__________
[ () ] الحقيقة أمير، فهو في الحقيقة أجير، قد باع نفسه وأخذ ثمنه، فلم
يبق له من نهاره ما يتصرّف فيه على اختياره، ولا له أن يصلّي نفلا، ولا
يدخل معتكفا دون التبتّل لتدبيرهم، والنظر في أمورهم، لأن ذلك فضل،
وهذا فرض لازم.
وأنت يا صدر الإسلام، وإن كنت وزير الدولة، فأنت أجير الأمّة، استأجرك
جلال الدولة بالأجرة الوافية لتنوب عنه في الدنيا والآخرة، فأما في
الدنيا ففي مصالح المسلمين، وأما في الآخرة فلتجيب عند رب العالمين،
فإنه سيقفه بين يديه ويقول له: ملّكتك البلاد، وقلّدتك أزمّة العباد،
فما صنعت في إقامة البذل وإفاضة العدل؟ فلعلّه يقول: يا رب اخترت من
دولتي شجاعا عاقلا حازما، وسمّيته قوام الدين نظام الملك، وها هو قائم
في جملة الولاة، وبسطت يده في السوط والسيف والقلم، ومكّنته من الدينار
والدرهم، فاسأله يا رب ماذا صنع في عبادك وبلادك؟ أفتحسن أن تقول في
الجواب نعم، تقلّدت أمور العباد، وملكت أزمّة العباد، فبثثت النوال،
وأعطيت الإفضال حتى إني اقتربت من لقائك ودنوت من تلقائك، اتخذت
الأبواب، والنوّاب، والحجّاب، والحجاب ليصدّوا عني القاصد، ويردّوا عني
الوافد، فاعمر قبرك، كما عمّرت قصرك، وانتهز الفرصة ما دام الدهر يقبل
أمرك، فلا تعتذر، فما ثمّ من يقبل عذرك. وهذا ملك الهند وهو عابد صنم
ذهب سمعه، فدخل عليه أهل مملكته يعزّونه في سمعه، فقال: ما حزني لذهاب
هذه الجارحة من بدني، ولكن لصوت المظلوم كيف لا أسمعه فأغيثه. ثم قال:
إن كان قد ذهب سمعي، فما ذهب بصري، فليؤمر كل ذي ظلامة أن يلبس الأحمر،
حتى إذا رأيته عرفته فأنصفته.
وهذا أنوشروان، قال له رسول ملك الروم: لقد أقدرت عدوّك عليك، بتسهيل
الوصول إليك.
فقال: إنما أجلس هذا المجلس لأكشف ظلامة، وأقضي حاجة، وأنت يا صدر
الإسلام أحقّ بهذه المأثرة، وأولى بهذه المعدلة، وأحرى من أعد جوابا
لتلك المسألة، فإن للَّه الّذي تكاد السماوات يتفطّرن منه في موقف ما
فيه إلّا خاشع، أو خاضع، أو مقنع، ينخلع فيه القلب ويحكم فيه الرب،
ويعظم الكرب، ويشيب الصغير، ويعزل الملك والوزير يَوْمَئِذٍ
يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرى 89: 23 ويَوْمَ
تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ من خَيْرٍ مُحْضَراً وَما عَمِلَتْ من
سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَها وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً 3: 30،
وقد استجلبت لك الدعاء، وخلّدت لك الثناء، مع براءتي من التهمة، فليس
لي في الأرض ضيعة ولا قرية، ولا بيني وبين أحد حكومة، ولا بي بحمد الله
فقر ولا فاقة.
فلما سمع نظام الملك هذه الموعظة بكى بكاء طويلا، وأمر له بمائة دينار،
فلم يأخذها، وقال: أنا في ضيافة أمير المؤمنين، ومن يكون في ضيافته
يقبح أن يأخذ عطاء غيره.
وقال له: فضّها على الفقراء.
فقال: الفقراء على بابك أكثر منهم على بابي.
ولم يأخذ شيئا. (المنتظم) .
[1] لم أجدها.
(35/151)
وتُعرف بستّ السُّعود، الحاجبة.
رَوَت عَنْ: أَبِي محمد الجوهريّ.
روى عَنْهَا: أبو المُعَمَّر الأنصاريّ.
وتُوُفّيت في شوّال، ودُفنت بالحربيّة.
(35/152)
سنة سبع وخمسمائة
- حرف الألف-
167- أحمد بْن أحمد بْن هبة الله [1] .
أبو الفتح العِراقيّ [2] .
روى عَنْ: الأمير حسن بْن المقتدر، والحسن بْن محمد الخلّال، وأبي
القاسم التّنُوخيّ.
روى عَنْهُ: أبو المُعَمَّر الأنصاريّ.
وتوفّي في شوّال وله تسع وثمانون سنة.
وقد سَمِعَ «ديوان المطرّز» منه.
وعنه أيضًا: المبارك بْن خُضَيْر، وغيره.
168- أحمد بْن عثمان بْن عليّ بْن قُرايا [3] .
أبو الْحَسَن البغداديّ البزّاز.
سَمِعَ: الحُسَيْن بْن جعفر السَّلَمَاسيّ، صاحب أَبِي حفص بْن شاهين.
روى عَنْهُ: المبارك بْن كامل، والسلفي.
169- أحمد بن أبي نصر القصاري [4] .
البغداديّ.
__________
[1] لم أجده.
[2] العراقي: بكسر العين المهملة، وفتح الراء، وفي آخرها القاف. هذه
النسبة إلى «العراق» أخذ من عراق القرية، وهو الحرز المثنيّ الّذي في
أسفله. والجمع العرق، وبه شبه العراق، فسمّي عراقا. (الأنساب 8/ 423) .
[3] لم أجده.
[4] لم أجده.
(35/153)
سمع: أبا محمد الخلال.
مات في ذي الحجة.
170- أحمد بن علي بن بدران بن علي [1] .
أبو بكر الحلواني، البغدادي، المعروف بخالوه.
شيخ صالح، دين.
سمع الكثير بنفسه، وكتب، وخرج له الحميدي فوائد عَنْ شيوخه.
سَمِعَ: أبا بَكْر محمد بْن عليّ بْن شبانة الدّيَنَوريّ، وأبا
الطَّيّب الطَّبَريّ، وأبا الْحَسَن الماورديّ، والجوهريّ.
روى عَنْهُ: أبو القاسم السَّمَرْقَنْديّ، والسّلَفيّ، وأبو طَالِب بْن
خُضَيْر، وخطيبُ الْمَوْصِل أبو الْفَضْلُ، وخلْق آخرهم ابن كُلَيْب.
ذكره ابن ناصر فقال: شيخ صالح، ضعيف، لَا يُحتجّ بحديثه، ولم يكن لَهُ
معرفة بالحديث [2] .
وُلِد في حدود سنة عشرين وأربعمائة.
__________
[1] انظر عن (أحمد بن علي بن بدران) في: فهرسة ما رواه عن شيوخه لابن
خير 259، والمنتظم 9/ 175، رقم 286 (17/ 133 رقم 3808) ، والكامل في
التاريخ 10/ 499، ومعرفة القراء الكبار 1/ 463، 464 رقم 406، والمعين
في طبقات المحدّثين 149 رقم 1613، والإعلام بوفيات الأعلام 208، وسير
أعلام النبلاء 19/ 380، 381 رقم 221، والمغني في الضعفاء 2/ 47 رقم
363، والعبر 4/ 12، وميزان الاعتدال 1/ 122، ومرآة الجنان 3/ 193، 194،
والوافي بالوفيات 7/ 190، وطبقات الشافعية الكبرى للسبكي 4/ 42، وطبقات
الشافعية الوسطى، له (مخطوط) 31 أ، وغاية النهاية 1/ 84، ولسان الميزان
1/ 227 رقم 709، وعقد الجمان (مخطوط) 15/ ورقة 683، وطبقات الشافعية
لابن هداية الله 71، وكشف الظنون 1554، وشذرات الذهب 4/ 16، ومعجم
المؤلفين 1/ 320.
وهو مذكور في (تذكرة الحفاظ 4/ 1441) دون ترجمة.
[2] قال الحافظ ابن حجر: «السبب الّذي ضعّفه ابن ناصر بن لا ذنب له
فيه، فإنّ بعض الطلبة نقل له على كتاب «الترغيب» لابن شاهين، فحدّث به،
ثم ظهر أنه باطل، فرجع عنه. حكى ذلك ابن النجار في تاريخه، ونقل كلام
ابن ناصر فيه، قال: كان شيخنا ليس له معرفة بطريق الحديث، روى كتاب
(الترغيب) لابن شاهين عن العشاري من نسخة طريّة مستجدّة، وهو شيخ صالح
فيه ضعف لا يحتجّ بحديثه» . (لسان الميزان) .
(35/154)
وتُوُفّي في جُمَادَى الآخرة سنة ستٌّ،
وأوصى أن يُدْفن بجنْب إبراهيم الْحَرْبيّ.
وقال السّلَفيّ: كَانَ ثقة، زاهدًا.
وقال ابن النّجّار: قرأ بالرّوايات عَلَى أبي عليّ الْحَسَن بْن غالب،
وعليّ بْن محمد بْن فارس الخيّاط.
وسمع الكثير وخرَّج تخريجات. وأثنى عَليْهِ الحُمَيْديّ.
قرأ عَليْهِ أبو الكرم الشّهْرَزُورِيّ.
171- أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن عمروس [1] .
الفقيه، أبو العبّاس المالكيّ. مِن أهل محلّه النَّصْريّة ببغداد.
كَانَ صالحًا، خيرَّا، عارفًا بمذهب مالك.
وُلِد سنة ثلاث عشرة وأربعمائة، وأجاز لَهُ أبو عليّ بْن شاذان، وأحمد
بْن الباداء.
قَالَ شجاع الذُّهْليّ: قرأتُ عَليْهِ بهذه الإجازة مِن نحو ثلاثين
سنة.
وقال غيره: كَانَ أبوه إمامًا مبّرزا في مذهب مالك.
وتُوُفّي في ثالث عشر رمضان.
حدَّث عَنْهُ: المبارك بْن خُضَيْر، ونصر الله بْن القزّاز [2] .
172- أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن عَبْد السَّلَام بْن قَيْداس [3] .
أبو نصر.
سَمِعَ: أبا بَكْر محمد بْن عليّ الدّيَنَوريّ المقرئ، وأبا بَكْر بْن
بِشْران.
روى عَنْهُ: أبو محمد بْن الخشّاب.
وتُوُفّي في هذه السّنة أو بعدها.
__________
[1] انظر عن (أحمد بن محمد المالكي) في: المنتظم 9/ 175 رقم 287 (17/
133، 134 رقم 3809) ، وتذكرة الحفاظ 4/ 1241 وفيه: «أحمد بن محمد بن
عروس» .
[2] وقال ابن الجوزي: وكان صدوقا، متيقّظا، صالحا.
[3] لم أجده.
(35/155)
173- أحمد بن مُحَمَّد بن عَبْد الله [1] .
أبو منصور الصَّيْرفيّ، الْمَرَاتبيّ.
روى عن أبي الحسن القزويني يسيرا.
روى عنه: المبارك، وعبد الوهاب الصابوني.
174- إبراهيم بن عبد الواحد بن أبي ذر محمد بن إبراهيم بن علي [2] .
الصالحاني، الإصبهاني.
تُوُفّي فِي جمادي الآخرة. وهو من شيوخ أبي موسى الحافظ.
روى عَنِ ابن ريذة.
175- إسماعيل بْن الحُسَيْن بْن حمزة [3] .
أبو الْحَسَين العلويّ، الْهَرَويّ، العمريّ، من ولد عمر بن علي بن أبي
طالب.
ولد سنة تسع وأربعمائة.
وسمع: سَعِيد بْن العبّاس الْقُرَشِيّ.
مات في سابع المحرَّم، وله مائة إلّا سنتين.
176- إسماعيل بْن الإمام أبي بَكْر أحمد بْن الحُسَيْن بْن عليّ بْن
موسى [4] .
شيخ القُضاة أبو عليّ البيهقيّ، الخسروجرديّ.
__________
[1] لم أجده.
[2] لم أجده.
[3] لم أجده.
[4] انظر عن (إسماعيل بن أحمد) في: تاريخ نيسابور 341 وفيه: «أبو علي
الخسروجردي» ، والمختار من ذيل تاريخ بغداد لابن السمعاني (مخطوط) ورقة
139، والتحبير في المعجم الكبير، له 1/ 83- 85 رقم 13، والمنتظم 9/
175، 176 رقم 288 (17/ 134 رقم 3810) ، والتقييد لابن نقطة 207 رقم
240، والكامل في التاريخ 10/ 449، وطبقات الشافعية للنووي (مخطوط) ورقة
51 أ، 51 ب، والمختصر في أخبار البشر 2/ 227، وتذكرة الحفاظ 3/ 1133-
1135، وسير أعلام النبلاء 19/ 313، 314 رقم 200، وتاريخ ابن الوردي 2/
22، وطبقات الشافعية الكبرى للسبكي 7/ 44، وطبقات الشافعية للإسنويّ 1/
200، 201، والوافي بالوفيات 9/ 84، والبداية والنهاية 12/ 176، والنجوم
الزاهرة 5/ 205.
(35/156)
حدَّث عَنْ أبيه، وعن: أَبِي حفص بْن
مسرور، وأبي عثمان الصّابونيّ، وعبد الغافر الفارسيّ.
روى عنه: أبو القاسم بن السمرقندي، وإسماعيل بْن أَبِي سَعْد
الصُّوفيّ.
وأجاز لأبي سَعْد السّمعانيّ [1] .
وتُوُفّي في جُمَادَى الآخرة في بَيْهق. وكان قد سافر عَنْهَا نحو
ثلاثين سنة، وعاد إليها قبل وفاته بأيّام.
وسكن خُوارَزْم مدّةً، ثمّ بَلْخ وكان إمامًا، مدرّسًا، فاضلًا، عالما.
ولد سنة ثمان وعشرين وأربعمائة.
- حرف الحاء-
177- الحُسَيْن بْن عقيل بْن سِنان [2] .
الْخَفَاجيّ، الحلبيّ، المعدّل، الأصُوليّ، الشّيعيّ.
لَهُ كتاب «المُنْجي مِن الضّلال في الحرام والحلال» ، فقه، بلغ عشرين
مجلّدة، ذكر فيه خلاف الفقهاء، يدلّ عَلَى تبحّره [3] .
- حرف الخاء-
178- خَيْرون بْن عبد المُلْك بْن الْحَسَن بْن خَيْرون الدّبّاس [4] .
أخو محمد.
سَمِعَ الكثير مِن: أَبِي عليّ بن المذهب، وأبي إسحاق البرمكيّ،
والجوهريّ.
__________
[1] وهو قال: كان فاضلا، عالما، حسن السيرة، واعظا، مليح الوعظ، كثير
المحفوظ ... أجاز لي جميع مسموعاته بلفظه بسؤال والدي إياه، وكتب بخطّه
في صفر سنة سبع وخمسمائة.
(التحبير) .
[2] انظر عن (الحسين بن عقيل) في: لسان الميزان 2/ 299 رقم 1241،
وأعيان الشيعة 26/ 380، 381، ومعجم المؤلفين 4/ 26، 27.
[3] وقع في لسان الميزان أنه مات سنة 557 (!) .
[4] لم أجده.
(35/157)
روى عَنْهُ: أبو المُعَمَّر الأنصاريّ،
وغيره.
وتُوُفّي في المحرّم.
- حرف الراء-
179- رابعة بِنْت محمود بْن عَبْد الواحد [1] .
أمّ الغيث الإصبهانيّة.
سَمِعْتُ: سَعِيد بْن أبي سَعِيد العيّار، وأبا بَكْر الباطِرْقاني.
وحدَّثت ببغداد لمّا حجّت.
روى عنها: عُمَر بْن ظَفَر.
180- رضوان ابن سلطان دمشق تُتُش بْن ألْب رسلان السّلْجُوقيّ [2] .
وُلّي سلطنة حلب بعد أَبِيهِ إلى أن مات بها في هذه السّنة.
وولي بعده ابنه ألْب رسلان الأخرس، وله ستّ عشرة وكان رضوان لمّا مات
أَبُوهُ بالرَّيّ في القتال.
أقيمت السّكّة والخطبة بدمشق أيّامًا لرضوان، ثمّ استقرّ عَلَى إمرة
حلب ونواحيها. ومنه أخذت الفرنج أنطاكيّة سنة اثنتين وتسعين.
وقد ذكر مِن سيرته المذمومة في الحوادث.
__________
[1] لم أجدها.
[2] انظر عن (رضوان بن تتش) في: تاريخ حلب للعظيميّ (بتحقيق زعرور)
366، و (تحقيق سويم) 31، وتاريخ الفارقيّ 278، وذيل تاريخ دمشق لابن
القلانسي 170، 202، والكامل في التاريخ 10 (252) و 246 و 247 و 258 و
269 و 270 و 393 و 405 و 406 و 409 و 410 و 426 و 428 و 429 و 463 و
465 و 482 و 485 و 499، وتاريخ الزمان لابن العبري 129- 130، 134،
وزبدة الحلب 2/ 117- 164، وبغية الطلب (القسم الخاص بتراجم السلاجقة)
138- 151، والتاريخ الباهر 15، 17، ووفيات الأعيان 1/ 296، والمختصر في
أخبار البشر 2/ 227، والعبر 4/ 13، ودول الإسلام 2/ 38، وسير أعلام
النبلاء 19/ 315، 316 رقم 201، وتاريخ ابن الوردي 2/ 22، والدرّة
المضيّة 477، وعيون التواريخ 12/ 41، ومرآة الزمان ج 8 ق 1/ 46، 47،
وأمراء دمشق 33 رقم 108، والوافي بالوفيات 14/ 129، 130 رقم 166، ومآثر
الإنافة 2/ 19، 20، وصبح الأعشى 4/ 170، والنجوم الزاهرة 5/ 205،
وتاريخ الخلفاء 430، وشذرات الذهب 4/ 16، وتهذيب تاريخ دمشق 5/ 322.
(35/158)
- حرف السين-
181- سِرَاج بْن عَبْد المُلْك بْن سِرَاج بْن عَبْد الله [1] .
الإمام أبو الحُسَيْن بْن العلّامة اللُّغَويّ أَبِي مروان.
وقد مرَّ أبوه بعد الثّمانين وأربعمائة.
سَمِعَ: أَبَاهُ، وأبا عَبْد الله بْن عتّاب.
وخَلَف أَبَاهُ بالأندلس في معرفة الأدب.
وكان مِن أذكياء العالم [2] .
تُوُفّي بقُرْطُبَة [3] . قاله ابن الدّبّاغ.
__________
[1] انظر عن (سراج بن عبد الملك) في: الصلة لابن بشكوال 1/ 227 رقم
519، ومعجم الأدباء 11/ 181 رقم 53، وإنباه الرواة 2/ 66 رقم 286،
والوافي بالوفيات 15/ 128 رقم 183، وبغية الوعاة 1/ 251.
[2] قال ابن بشكوال: كانت له عناية كاملة بكتب الآداب، واللغات،
والتقييد لها، والضبط لمشكلها، مع الحفظ والإتقان لما جمعه منها. أخذ
الناس عنه كثيرا، وكان حسن الخلق، كامل المروءة، من بيئة علم ونباهة
وفضل وجلالة. (الصلة) .
وقال ياقوت: كان عالم الأندلس في وقته، وكان يجتمع إليه مهرة النحاة
كابن الأبرش، وابن الباذش، ومن في طبقتهما يتلقّون عنه لوقوفه على
دقائق النحو، ولغات العرب، وأشعارها وأخبارها.
ومن شعره:
بثّ الصنائع لا تحفل بموقعها ... في آمل شكر المعروف أو كفرا
كالغيث ليس يبالي حيثما انسكبت ... منه الغمائم تربا كان أو حجرا
(معجم الأدباء) ومن شعره أيضا:
لما تبوّأ من فؤادي منزلا ... وغدا يسلّط مقلتيه عليه
ناديته مسترحما من زفرة ... أفضت بأسرار الضمير إليه
وقفا بمنزلك الّذي تحتلّه ... يا من يخرّب بيته بيديه
(بغية الوعاة)
[3] أرّخ ابن بشكوال، وياقوت، وغيره وفاته بسنة 508 هـ-.!
(35/159)
- حرف الشين-
182- شجاع بْن فارس بْن الحُسَيْن بْن فارس بْن الحُسَيْن بْن غريب بْن
بشير بْن عَبْد الله بْن مُنخل بْن ثور بْن مَسْلَمة بْن سَعْنة بْن
سَدُوس بْن شيبان بْن ذُهَل بْن ثعلبة [1] .
الحافظ أبو غالب الذُّهْليّ، السُهْروَرْديّ، ثمّ البغداديّ،
الْحَريميّ.
قَالَ ابن السّمعانيّ: نسخ بخطّه مِن التّفسير، والحديث، والفقه، ما لم
ينسخه أحدٌ مِن الورّاقين. قَالَ لي عَبْد الوهّاب الأنْماطي: دخلت
عَليْهِ يومًا، فقال لي: تَوّبْني. فقلت: مِن أيّ شيء؟ قَالَ: كتبت
شِعر ابن الْحَجّاج [2] بخطّي سبْعٍ مرّات [3] .
سَمِعَ: أبا طَالِب بْن غَيْلان، وعبد العزيز بْن عليّ الأَزَجيّ،
والأمير أبا محمد بن المقتدر، وأبا محمد الجوهريّ، وأبا جعفر ابن
المسلمة، وأبا بَكْر الخطيب، وطبقتهم، ومن بعدهم، إلى أن سمع مِن جماعة
من طبقته.
روى عنه: إسماعيل بن السمرقندي، وعبد الوهاب الأنماطي، وأبو طاهر
السّلَفيّ، وعمر بْن ظَفَر، وسَلمان بن جزوان، وطائفة مِن الطّلبة.
وملكتُ بخطّه عدّة أجزاء.
__________
[1] انظر عن (شجاع بن فارس) في: الأنساب 7/ 198، والمنتظم 9/ 176 رقم
289 (17/ 134، 135 رقم 3811) ، والكامل في التاريخ 10/ 500، ووفيات
الأعيان 6/ 54، والإعلام بوفيات الأعلام 208، والعبر 4/ 13، وتذكرة
الحفاظ 4/ 1240، وسير أعلام النبلاء 19/ 355- 357 رقم 210، ودول
الإسلام 2/ 36، والمعين في طبقات المحدّثين 149 رقم 1614، ومرآة الجنان
3/ 194، وعيون التواريخ 12/ 41، 42، والبداية والنهاية 12/ 176،
والوافي بالوفيات 16/ 113، 114 رقم 125، والمستفاد من ذيل تاريخ بغداد
129، 130، وشذرات الذهب 4/ 16.
وقارن اسمه ونسبه بما جاء في المنتظم، ففيه اختلاف، وهناك أطول.
[2] هو حسين بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن جَعْفَر بْن محمد بْن
الحجّاج النيلي البغدادي. كان شاعر عصره، ووصف بأنه سفيه الأدباء،
وأمير الفحش، كان أمّة وحده في نظم القبائح. توفي سنة 391 هـ-. (انظر
ترجمته في الطبقة الأربعين من الكتاب (حوادث ووفيات 381- 400 هـ-.) - ص
252- 254 وفيها مصادر ترجمته) .
[3] المنتظم.
(35/160)
قَالَ عَبْد الوهاب: قَلّ ما يوجد بلدٌ مِن
بلاد الإسلام إلّا وفيه شيء بخطّ شجاع الذُّهْليّ، وكان مفيد وقته
ببغداد، ثقة، سديد السّيرة. أفنى عمره في الطَّلَب. وكان قد عمل
مسوَّدة «تاريخ بغداد» ذيلًا عَلَى «تاريخ» الخطيب، فغسَله في مرض موته
[1] .
تُوُفّي في ثالث جُمَادَى الأولى، ووُلِد في سنة ثلاثين.
- حرف العين-
183- عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْن عُمَر بْن
جحشوَيْه [2] .
أبو محمد الطَّوَابيقيّ [3] ، الآجُرّيّ، الحربيّ، القصّار.
شيخ صالح، سَمِعَ: أبا الْحَسَن الْقَزْوينيّ، والجوهريّ.
روى عَنْهُ: المبارك بْن خُضَيْر، ومحمد بْن جعفر بن عقيل، وغيرها.
وتوفّي في صَفَر.
184- عَبْد الله بْن مرزوق بْن عَبْد الله [4] .
الْهَرَويّ، أبو الخير الحافظ، مولى أَبِي إسماعيل عَبْد الله بْن محمد
الأنصاريّ.
كَانَ أصمّ، غير أنّه تعلَّم ورُزِق فهْم الحديث. وكان حسن السّيرة.
جميل الأمر، متقِنًا، متثّبتًا.
سَمِعَ: أبا إسماعيل الأنصاريّ، وغيره بهَرَاة، وأبا عَمْرو بْن
مَنْدَهْ، وغيره بإصبهان، وأبا القاسم بْن البُسْري، وطبقته ببغداد،
وأبا الْفَضْلُ محمد بن أحمد الحافظ بطبس.
__________
[1] وقال ابن الجوزي: وكان ثقة، مأمونا، ثبتا، فهما، وكان يورّق
للناس.. وكان مفيد أهل بغداد، والمرجوع إليه في معرفة الشيوخ.
(المنتظم) .
[2] لم أجده.
[3] الطوابيقي: بفتح الطاء والواو، وكسر الباء، ثم الياء الساكنة آخر
الحروف، وفي آخرها القاف.
هذه النسبة إلى «الطوابيق» وهي الآجرّ الكبير الّذي يفرش في صحن الدار.
(الأنساب 8/ 259) .
[4] انظر عن (عبد الله بن مرزوق) في: مختصر طبقات علماء الحديث (مخطوط)
ورقة 223، وسير أعلام النبلاء 19/ 300، 301، وتذكرة الحفاظ 4/ 1246،
والوافي بالوفيات 17/ 601 رقم 510، وطبقات الحفاظ 453، وشذرات الذهب 4/
16، ومعجم الطبقات الحفاظ والمفسرين 121 رقم 1019.
(35/161)
وجال في الآفاق، ثمّ سكن إصبهان.
روى عَنْهُ: حنبل الفخاريّ، وأبو العلاء أحمد بْن محمد بْن الفُضَيْل
الإصبهاني، وآخرون.
تُوُفّي في جُمَادَى الآخرة [1] .
وأكبر شيخ لَهُ أبو عُمَر الْمَلِيحيّ [2] .
185- عَبْد القادر بْن محمد [3] .
أبو محمد الصَّدَفيّ، الْقَرَويّ، المعروف بابن الحنّاط، نزيل
الْمَريّة.
روى عَنْ: أَبِي بَكْر أحمد بْن محمد بْن يحيى الصَّقَلّيّ، وعبد
الرَّحْمَن بْن محمد الخرقيّ، وأبي مروان عبد الملك بْن زيادة الله
الطُبّيّ، سَمِعَ منه بالقيروان، ومحمد بْن الْفَرَج، سَمِعَ منه بمصر،
وعبد الله بْن محمد الْقُرَشِيّ، والفقيه عَبْد الحقّ الصَّقَلّيّ،
وغيرهم.
وكان صالحًا، زاهدًا، مُعْتنيا بالعلم والرّواية.
روى عَنْهُ جماعة.
وتُوُفّي في ربيع الأول عَنْ بضعٍ وثمانين سنة.
186- عَبْد الوهّاب بن أحمد بن عبيد الله بن الصحنائي [4] .
أبو غالب البغداديّ، المستعمليّ.
سَمِعَ: أبا محمد الخلّال، وعليّ بْن محمد بْن قُشَيْش، وأبا طالب بن
غيلان، وأبا القاسم الأزجيّ.
__________
[1] قيل ولد سنة 441 هـ-.
[2] وقال ابن النجار: قرأ العلم، ورزق الفهم، وسمع الكثير وسافر، وكتب،
وحصّل، وكان موصوفا بالحفظ والمعرفة، وحسن السيرة، وكان خطّه رديئا،
ثقل سمعه بآخره.
وقال السلفي: سمعت إسماعيل بن محمد الحافظ يقول: أبو الخير الهروي حافظ
للحديث متقن.
[3] انظر عن (عبد القادر بن محمد) في: الغنية للقاضي عياض 99 (في ترجمة
أحمد بن سعيد بن خالد بن بشتغير اللخمي) .
[4] انظر عن (عبد الوهاب بن أحمد) في: ذيل تاريخ بغداد لابن النجار 1/
319- 321 رقم 191. وسيعاد في وفيات سنة 509 هـ-. برقم 263.
(35/162)
روى عنه: عمر بن ظفر، وأبو المعمر
الأنصاريّ، وعبد الحقّ اليُوُسُفيّ، وآخرون.
تُوُفّي فِي ذي الحجة.
وكان مولده فِي سنة عشرين وأربعمائة [1] .
187- عليّ بن الحسين المِرْدُستيّ [2] .
أبو الفوارس الحاجب.
سَمِعَ: أبا محمد الجوهري.
وكان شيعيا مِن بيت حشمة.
188- عليّ بْن عليّ بْن عَبْد السّميع بْن الْحَسَن [3] .
الهاشميّ، العبّاسيّ، أبو الحارث.
سَمِعَ: أبا طَالِب بْن غَيْلان.
وحدَّث.
سمع منه: أبو المُعَمَّر الأنصاريّ، وأبو طاهر السّلَفيّ.
189- علي بْن مُحَمَّد بْن علي بْن أَحْمَد بْن إسماعيل [4] .
الواعظ، أبو منصور الأنباريّ.
كَانَ يسكن دار الخلافة.
سَمِعَ الكثير، وانتشرت عَنْهُ الرّواية.
سَمِعَ: ابن غَيْلان، وأبا بَكْر بْن بِشْران، وأبا إِسْحَاق البرمكيّ،
وجماعة.
وقرأ بالروايات عَلَى أَبِي عليّ الشّرمقانيّ [5] .
__________
[1] وقال الصحنائي: ورأيت أبا القاسم بن بشران وما سمعت منه.
[2] لم أجده.
[3] لم أجده.
[4] انظر عن (علي بن محمد الأنباري) في: طبقات الحنابلة 2/ 257، 258
رقم 700، والمنتظم 9/ 176 رقم 290 (17/ 135 رقم 3812) ، وسير أعلام
النبلاء 19/ 281 رقم 180، وذيل طبقات الحنابلة 1/ 110، 111 رقم 53،
والوافي بالوفيات 22/ 87 رقم 36، والمنهج الأحمد 2/ 229، وشذرات الذهب
4/ 17، 18.
[5] في الأصل: «الشرمغاني» بالغين المعجمة، والتصحيح من المصادر.
(35/163)
وتفقَّه عَلَى القاضي أبي يَعْلَى.
روى عَنْهُ: عَبْد الوهّاب الأنْماطيّ، وعبد الخالق اليُوسُفيّ، وأبو
المُعَمَّر الأَزَجيّ، وجماعة.
تُوُفّي في ذي الحجّة، ووُلِد سنة خمسٍ وعشرين. وهو مِن علماء الحنابلة
[1] .
190- عُمَر بْن أحمد بْن رزق [2] .
أبو بَكْر بْن الْفَصيح التُّجَيْبيّ، الأندلسيّ.
مِن أَهْل الْمَريّة.
روى عَنْ: أَبِي عَمْرو الدّانيّ المقرئ، وغيره.
قَالَ ابن بَشْكُوال: كَانَ ثقة فيما رواه. أخذ النّاس عَنْهُ. أخبرني
بأمره يحيى بْن محمد صَاحُبنا.
- حرف الميم-
191- مالك بْن عَبْد الله [3] .
أبو الوليد العُتْبيّ، السَّهْليّ، القُرْطُبيّ، اللُّغَويّ.
مِن أئمّة الأدب.
سَمِعَ مِن: محمد بْن عتّاب، وحاتم بْن محمّد، وأبي مروان بْن حَيّان
المؤرخ، وسِراج القاضي.
روى النّاس عنه كثيرا.
ومات بقرطبة [4] .
__________
[1] وقال ابن أبي يعلى: وكان أحد الشهود العدول ... وولي القضاء بربع
باب الطاق، وكان يعظ في جامع المنصور وجامع القصر، ويشهد، ويحكم، وكان
ينشر السّنّة في مجالسه.
[2] انظر عن (عمر بن أحمد) في: الصلة لابن بشكوال 2/ 403 رقم 869.
[3] انظر عن (مالك بن عبد الله) في: الغنية للقاضي عياض 175 (في ترجمة
علي بن أحمد بن خلف الأنصاري المعروف بابن البيذش) رقم 77، والصلة لابن
بشكوال 2/ 620، 621 رقم 1364.
[4] قال ابن بشكوال: وكان من أهل المعرفة بالآداب واللغات والعربية
ومعاني الشعر مع حضور الشاهد والمثل، مقدّما في ذلك على جميع أصحابه،
ثقة فيما رواه، ضابطا لما كتبه، حسن
(35/164)
192- محمد بْن أحمد بْن الحُسَيْن بْن عمر
[1] .
الإمام أبو بَكْر الشّاشيّ [2] ، الفقيه، الشّافعيّ، مؤلّف
«المستظهريّ» ، ولد بميّافارقين سنة تسع وعشرين وأربعمائة.
وتفقَّه عَلَى الإمام أبي عَبْد الله محمد بن بيان الكازرونيّ [3] .
__________
[ () ] الخط، جيّد الضبط، وكتب بخطه علما كثيرا وأتقنه وجوّده. أخذ
الناس عنه. وكان يقول: لم أترك عند التميميين شيئا إلّا قرأته عليهما،
يعني بذلك: الطرابلسي، والطبني.
[1] انظر عن (محمد بن أحمد الشاشي) في: تبيين كذب المفتري 306، 307،
والمنتظم 9/ 179 رقم 294 (17/ 138 رقم 3817) ، والكامل في التاريخ 10/
500، وطبقات الفقهاء الشافعية لابن الصلاح 1/ 85- 90 رقم 3، ووفيات
الأعيان 4/ 219- 221، والمختصر في أخبار البشر 2/ 227، ودول الإسلام 2/
36، والإعلام بوفيات الأعلام 208، وسير أعلام النبلاء 19/ 393، 394 رقم
234، والعبر 4/ 13، وتذكرة الحفاظ 4/ 1241، والمعين في طبقات المحدّثين
149 رقم 1615، وتاريخ ابن الوردي 2/ 22، والمستفاد من ذيل تاريخ بغداد
3، 4، وعيون التواريخ 12/ 24، 25، ومرآة الجنان 3/ 194، 195، وطبقات
الشافعية الكبرى للسبكي 4/ 57، وطبقات الشافعية للإسنويّ 2/ 86، 87،
والبداية والنهاية 12/ 177، 178، والوافي الوفيات 2/ 73، 74، وطبقات
الشافعية لابن كثير (مخطوط) ورقة 105 أ، ب، وطبقات الشافعية لابن قاضي
شهبة 1/ 297- 299 رقم 259، والنجوم الزاهرة 5/ 206، وتاريخ الخلفاء
431، وطبقات الشافعية لابن هداية الله 72، وأسماء الرجال، له (مخطوط)
64 ب، وكشف الظنون 401، 690، 1025، وشذرات الذهب 4/ 16، 17، وهدية
العارفين 2/ 81، وديوان الإسلام 3/ 128 رقم 1262 والأعلام 5/ 316،
ومعجم المؤلفين 8/ 253.
وقد أضاف السيد «محيي الدين علي نجيب» في تحقيقه لكتاب «طبقات الفقهاء
الشافعية» لابن الصلاح، إلى مصادر صاحب الترجمة كتابي: «تهذيب الأسماء
واللغات» للنووي 2/ 282، و «التقييد» لابن نقطة، ت (49) . (انظر ج 1 85
الحاشية) .
ويقول خادم العلم، محقّق هذا الكتاب «عمر عبد السلام تدمري» :
إنّ المذكور في (تهذيب الأسماء 2/ 282 رقم 485، هو «القفّال الشاشي»
واسمه: محمد بن علي بن إسماعيل، ويعرف بالقفّال الشاشي الكبير، تمييزا
له عن «القفّال المروزي الصغير» .
قيل مات سنة 336 وقيل سنة 365 هـ-. وبها ورّخه المؤلّف الذهبي- رحمه
الله-. انظر ترجمته ومصادرها في (حوادث ووفيات 351- 380 هـ-.) ص 345-
347.
أما المذكور في (التقييد، ت 49) فهو، «محمد بن حبّان بن أحمد بن حبّان
بن معاذ بن معبد، أبو حاتم البستي» ! توفي سنة 354 هـ-. ولا علاقة له
بصاحب الترجمة مطلقا.
ولا ترجمة للشاشي في (التقييد) أساسا. لذلك اقتضى التنبيه والتصحيح.
[2] الشاشي: نسبة إلى مدينة الشاش من أعمال سمرقند. أهلها كلهم شافعية.
[3] الكازروني: قال ابن السمعاني: بفتح الكاف وسكون الزاي وضم الراء
وفي آخرها النون.
وقال ابن الأثير في (اللباب) : بفتح الزاي. وهي نسبة إلى كازرون إحدى
بلاد فارس.
(35/165)
وتفقَّه عَلَى قاضي ميَّافارقين أَبِي
منصور الطّوسيّ [1] تلميذ الأستاذ أبي محمد الجوينيّ. ثمّ رحل أبو
بَكْر إلى العراق، ولازم الشَّيْخ أبا إِسْحَاق، وكان مُعيد درسه. وكان
يتردّد إلى أَبِي نصر بْن الصّبّاغ، فقرأ عَليْهِ «الشّامل» .
وسمع الحديث مِن الكازْرُونيّ شيخه، ومن ثابت بْن أبي القاسم الخيّاط.
وبمكّة مِن أَبِي محمد هَيّاج الحِطّينيّ [2] .
وسمع ببغداد مِن: أَبِي بَكْر الخطيب، وجماعة.
روى عَنْهُ: أبو المُعَمَّر الأَزَجيّ، وأبو الْحَسَن عليّ بْن أحمد
الْيَزْديّ، وأبو بَكْر بْن النُّقور، وشُهْدة، والسّلَفيّ، وغيرهم.
وتفقَّه بِهِ جماعة.
قَالَ القاضي ابن خَلّكان: [3] أبو بَكْر الشّاشيّ، الفارقيّ، المعروف
بالمُسْتَظهري، الملقّب فخر الإسلام. كَانَ فقيه وقته. دخل نَيْسابور
صُحبة الشَّيْخ أبي إِسْحَاق، وتكلّم في مسألة بين يدي إمام الحرمين،
وتعيَّن في الفِقْه ببغداد بعد أستاذه أَبِي إِسْحَاق. وانتهت إِليْهِ
رئاسة الطّائفة الشّافعيّة، وصَنَّف تصانيف حَسَنَة، مِن ذَلِكَ كتاب
«حلْية العلماء» [4] في المذهب ذكر فيه مذهب الشّافعيّ، ثمّ ضمّ إلى
كلّ مسألةٍ اختلافَ الأئمّة فيها، وسمّاه «المستظهريّ» ، لأنّه صنَّفه
للإمام المستظهر باللَّه.
وصنَّف أيضًا في الخلاف. وولي تدريس النّظاميّة ببغداد بعد شيخه، وبعد
__________
[1] هو أبو منصور محمد بن شاذان الطوسي، ولي القضاء بميافارقين سنة 435
أو 436 هـ-. وعزل سنة 449 هـ-. (انظر: تاريخ الفارقيّ 162 و 174) .
[2] الحطّيني: بكسر الحاء المهملة وتشديد الطاء المهملة أيضا، نسبة إلى
حطّين قرية بين أرسوف وقيسارية، بالشام. منها هيّاج هذا، توفي سنة 472
هـ-. (الأنساب المتّفقة- طبعة دار الكتب العلمية 56 رقم 72) ، وحطّين
هي التي جرت عندها الموقعة المشهورة بين صلاح الدين الأيوبي والصليبيين
وانتصر عليهم واسترجع منهم بيت المقدس على إثرها. قيّض الله قائدا مثله
يفكّ أسرها ويطهّرها من رجس اليهود الصهاينة.
[3] في وفيات الأعيان 4/ 219.
[4] نشرت منه مؤسّسة الرسالة، ودار الأرقم: قسم العبادات في ثلاثة
أجزاء صغيرة، بتحقيق الدكتور ياسين درادكة، سنة 1980 بعنوان: «حلية
العلماء في معرفة مذاهب الفقهاء» .
(35/166)
ابن الصّباغ، والغزاليّ. ثمّ وليها بعد موت
الكيا الهرّاسيّ سنة أربع وخمسمائة في المحرَّم. ودرّس بمدرسة تاج
المُلْك وزير ملك شاه.
وتوفّي في خامس وعشرين شوّال [1] ، ودُفِن مَعَ شيخه أَبِي إِسْحَاق في
قبرٍ واحد.
وقيل: دُفِن إلى جانبه.
وكان أشعريّا، أصوليّا [2] .
__________
[1] وقع في المطبوع من (تبيين كذب المفتري 307) أن وفاته سنة سبع
وسبعين وخمسمائة! وهذا خطأ.
[2] وقال الشيخ أبو الحسن ابن الخلّ: كان الإمام فخر الإسلام أبو بكر
الشاشي مبرّزا في علم الشرع، عارفا بالمذهب، حسن الفتيا، جيّد النظر،
محقّقا مع الخصوم، يلزم المسائل الحكمية حتى يقطع خصمه، مع حسن إيراد،
وكان يعنى بسؤال الكبير، ويمشّيه مع الكبار من الأئمة، ويفتي بمسألة
ابن سريج وينصرها، وله فيها مصنّف.
وقال ابن الصلاح: وكان لطيفا، صالحا، ورعا، ديّنا، على سيرة السلف،
وخلّف ولدين إمامين مبرّزين في المذهب والنظر: أبو المظفّر أحمد، وأبو
محمد عبد الله ... وحدّث بشيء يسير، وأخذ عنه عبّاد بن سرحان- من فضلاء
المغرب- كتاب «الملخّص في الجدل» ، وغيره، عن الشيخ أبي إسحاق
الشيرازي، وكتاب «زواهر الدرر في نقض جواهر النظر» حدّثه به عن مصنّفه
الإمام أبي بكر الخجنديّ.
ومن تآليفه: كتاب «الشافي في شرح الشامل» في عشرين مجلّدا، وكان قد بقي
من إكماله نحو الخمس، هذا في سنة أربع وتسعين وأربعمائة، ومن تصانيفه
كتاب «الترغيب في المذهب» ، وله «الشافي في شرح مختصر المزني» .
أنشد أبو سعد السمعاني، عن أبي الحسن علي بن أحمد الفقيه، قال: أنشدنا
أبو بكر الشاشي في الاعتذار عن الإقلال من الزيارة:
إنّي، وإن بعدت داري لمقترب ... منكم بمحض موالاة وإخلاص
وربّ دان وإن دامت مودّته ... أدنى إلى القلب منه النازح القاصي
وقال ابن الصلاح: ومن تصانيفه «المستظهري» الكتاب المشهور في المذهب، و
«المعتمد» وهو كالشرح ل «المستظهري» وهو غريب، و «العمدة» المختصر
المشهور. (طبقات ابن الصلاح) وقال ابن الجوزي: صنّف ودرّس في النظامية
ثم عزل، وكان ينشد:
تعلّم يا فتى والعود رطب ... وطينك ليّن والطبع قابل
فحسبك يا فتى شرفا وفخرا ... سكوت الحاضرين وأنت قائل
(المنتظم) وقال ابن خلّكان: وتولّى التدريس بالمدرسة النظامية بمدينة
بغداد سنة أربع وخمسمائة إلى حين وفاته، وكان قد وليها قبله الشيخ أبو
إسحاق الشيرازي، وأبو نصر ابن الصباغ صاحب
(35/167)
193- محمد بْن إبراهيم بْن سَعِيد بْن
نِعَم الخلفاء [1] .
أبو عَبْد الله الرُّعَيْنيّ، الأندلسيّ.
سَمِعَ بسَرَقُسْطَة مِن أَبِي الوليد الباجيّ، ورحل وحجّ.
وقرأ القراءات عَلَى أَبِي معشر الطَّبَريّ.
وكان مولده في سنة ثلاث وأربعين وأربعمائة.
وتوفّي بأورْيُولة. وكان ثقةً، خيارًا.
194- محمد بْن الحُسَيْن بْن وهْبان [2] .
أبو المكارم الشَّيْبانيّ.
عَنْ: القاضي الطَّبَريّ، والجوهريّ.
سَمِعَ لنفسه مِن ابن غَيْلان.
195- محمد بْن طاهر بْن عليّ بْن أحمد [3] .
__________
[ () ] «الشامل» ، وأبو سعد المتولّي صاحب «تتمة الإبانة» ، وأبو حامد
الغزالي، فلما انقرضوا تولّاها هو، وحكى لي بعض المشايخ من علماء
المذهب أنه يوم ذكر الدرس، وضع منديله على عينيه وبكى كثيرا، وهو جالس
على السّدّة التي جرت عادة المدرّسين بالجلوس عليها، وكان ينشد:
خلت الديار فُسدْتُ غير مُسَوَّد ... ومن العناء تفرّدي بالسؤددِ
وجعل يردّد هذا البيت ويبكي، وهذا إنصاف منه واعتراف لمن تقدّمه الفضل
والرجحان عليه.
وهذا البيت من جملة أبيات في «الحماسة» .
ومدحه تلميذه أبو المجد حمدان بن كثير البالسي بقصيدة يقول فيها:
يا كعبة الفضل أفتنا لم لم يجب ... شرعا على قصّادك الإحرام
ولما تضمّخ زائريك بطيب ما ... تلقيه وهو على الحجيج حرام
(وفيات الأعيان 4/ 220، 221) .
[1] انظر عن (محمد بن إبراهيم) في: الصلة لابن بشكوال 2/ 569 رقم 1252.
[2] لم أجده.
[3] انظر عن (محمد بن طاهر) في: التحبير 1/ 82، 199 و 2/ 247- 249،
251، والأنساب 27 أ، ومعجم البلدان 1/ 158، ومعجم الأدباء 14/ 97،
والتقييد لابن نقطة 68، 69 رقم 55، والمنتظم 9/ 177- 179 رقم 293 (17/
136- 138 رقم 3815) ، ووفيات الأعيان 4/ 287، وميزان الاعتدال 3/ 587،
وتذكرة الحفاظ 4/ 1242، والمعين في طبقات المحدّثين 149 رقم 1616،
والإعلام بوفيات الأعلام 208، ومختصر تاريخ دمشق لابن منظور 22/ 247
رقم 304، والعبر 4/ 14، وسير أعلام النبلاء 19/ 361- 371 رقم 213، ودول
الإسلام 2/ 36، والمغني في الضعفاء 2/ 594 رقم 5643، والمستفاد من ذيل
تاريخ بغداد
(35/168)
الحافظ أبو الْفَضْلُ المقدسيّ، ويُعرف
بابن الْقَيْسَرانيّ، الشَّيْبانيّ.
لَهُ الرحلة الواسعة.
سَمِعَ ببلده مِن: نصر المقدسيّ، وابن وَرْقاء، وجماعة.
ودخل بغداد سنة سبْعٍ وستّين، فسمع مِن: الصَّريْفينيّ [1] ، وابن
النّقور، وطبقتهما.
وحجَّ، وجاور فسمع مِن: أَبِي عليّ الشّافعيّ، وسعْد الزَّنْجانيّ،
وهَيَّاج الحِطّينيّ.
وصحِب الزَّنْجانيّ [2] ، وتخرّج بِهِ في التّصوُّف، والحديث،
والسُّنَّة، ورحَلَ بإشارته إلى مِصْر، فَسَمِعَ بها مِن أَبِي
إِسْحَاق الحبّال.
وبالإسكندرية مِن الحُسَيْن بْن عَبْد الرَّحْمَن الصَّفْراويّ.
وبتِنّيس مِن عليّ بْن الحُسَيْن بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن
الحدّاد، حدَّثه عَنْ جدّه، عَنْ أحمد بْن عيسى الوشاء، عن عيسى بن
زُغْبَة، وذلك مِن أعلى ما وقع لَهُ في الرحلة المصرية.
وسمع بدمشق مِن أَبِي القاسم بْن أبي العلاء الفقيه.
__________
[31- 33،) ] ومرآة الزمان ج 8 ق 1/ 49، 50، ومرآة الجنان 3/ 195، 196،
والوافي بالوفيات 3/ 166- 168 رقم 1133، وعيون التواريخ 12/ 25- 27،
والبداية والنهاية 12/ 176، 177، وطبقات الأولياء لابن الملقّن 316-
318، وطبقات النحويين واللغويين لابن قاضي شهبة 53، ولسان الميزان 5/
207- 210، والأنس الجليل 265، 266، وطبقات الحفاظ 452، والمقفّى الكبير
5/ 734- 742 رقم 2378، وكشف الظنون 88، 116، 180، وشذرات الذهب 4/ 18،
وهدية العارفين 2/ 82، 83، وديوان الإسلام 3/ 244، 245 رقم 1381،
والأعلام 6/ 171، ومعجم المؤلفين 10/ 99، وموسوعة علماء المسلمين في
تاريخ لبنان الإسلامي 4/ 26- 28 رقم 1019، وعلم التأريخ عند المسلمين
586، 600، 717، ومعجم طبقات الحفاظ والمفسرين 157 رقم 1018.
[1] الصريفيني: بفتح الصاد المهملة، وكسر الراء، وسكون الياء المنقوطة
من تحتها باثنتين، والفاء بين الياءين، وفي آخرها النون. هذه النسبة
إلى «صريفين» ، قريتين، إحداهما من أعمال واسط، والأخرى صريفين بغداد.
(الأنساب 8/ 58) .
[2] الزّنجاني: بفتح الزاي وسكون النون وفتح الجيم وفي آخرها نون، هذه
النسبة إلى زنجان وهي بلدة على حدّ أذربيجان من بلاد الجبل، منها
يتفرّق القوافل إلى الري وقزوين وهمذان وأصبهان. (الأنساب 6/ 306) .
(35/169)
وبحلب مِن الْحَسَن بْن مكّيّ الشّيرازيّ.
وبالجزيرة العمريّة من أبي أحمد عَبْد الوهّاب بْن محمد اليمنيّ، عَنْ
أبي عُمَر بْن مَهْديّ.
وبالرَّحْبَة مِن الحُسين بْن سعدون.
وبصور مِن القاضي عليّ بْن محمد بْن عبد الله الهاشميّ [1] .
وبإصبهان مِن: عَبْد الوهّاب بن مندة، وإبراهيم بن محمد القفّال،
وطائفة.
وبنيسابور من: الفضل بن المحبّ، وموسى بن عمران، وأبي بكر بن خلف.
وبهراة من: محمد بن أبي مسعود الفارسيّ، وكلار، وبيبى، وشيخ الإسلام.
وبجرجان من: إسماعيل بن مسعدة، والمظفّر بن حمزة البيّع.
وبآمد من قاسم بن أحمد الخيّاط الأصبهانيّ، وهو من كبار شيوخه، سمع سنة
أربع وثمانين وثلاثمائة مِن محمد بْن أحمد بْن جِشْنس [2] ، صاحب ابن
صاعد.
وبأَسْتِراباذ مِن: عليّ بْن عبد المُلْك الحفْصي، حدَّثه عَنْ هلال
الحفّار.
وببُوشَنْج مِن: عَبْد الرَّحْمَن بْن مُحَمَّد بْن عفيف كُلار.
وبالبصرة مِن: عَبْد المُلْك بْن شَغَبَة.
وبالدّيَنورَ مِن: أَحْمَد بْن عِيسَى بْن عَبّاد الدّيَنَوريّ، عَنِ
ابن لال الْهَمَذَانيّ.
وبالرَّيّ مِن: إسماعيل بْن عليّ الخطيب، عَنْ يحيى بْن إبراهيم
المُزَكّيّ.
وبسَرْخَس مِن: محمد بْن عَبْد المُلْك المظفَّري، عَنْ أحمد بْن محمد
بْن الْفَضْلُ الكرابيسيّ، عَنْ محمد بْن حَمْدَوَيْه الْمَرْوَزِيّ.
__________
[1] وسمع بصور أيضا: أبا الحسن علي بن عبد السلام الأرمنازي، وأبا
الفرج غيث بن علي الأرمنازي، وهو قال: «طرابلس» بغير ألف، والمشهور
بالألف. (الأنساب المتّفقة 10) .
[2] جشنس: بكسر الجيم والنون وبينهما شين معجمة ساكنة، وآخره سين
مهملة. (المشتبه 1/ 265) .
(35/170)
وبشيراز مِن: عليّ بْن محمد بْن عليّ
الشّروطيّ، عن الحسن بن أحمد ابن محمد بْن اللَّيْثُ الحافظ إملاءً سنة
إحدى وأربعمائة، ثنا ابن الْبَخْتَرِيّ [1] ببغداد.
وبقزوين مِن: أَبِي بَكْر مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم بْن عليّ العِجْليّ
الإمام، عَنْ أَبِي عُمَر بْن مهديّ، قِدم عليهم.
وبالكوفة مِن: أَبِي القاسم الحُسَيْن بْن محمد، مِن طريق ابن أبي
غَرْزَة.
وبالْمَوْصل مِن: هبة الله بْن أحمد المقرئ، عَنْ محمد بْن عليّ بْن
بحشَل، عَنْ محمد بن يحيى بن عمر بن علي بن حرب.
وبمرو: محمد بن الحسن المهربندقشابيّ [2] ، عن أحمد بن عبدوس النّسويّ.
وبمروالرّوذ مِن: الْحَسَن بْن محمد الفقيه، عَنِ الحِيريّ.
وبنُوقان مِن: محمد بْن سَعِيد الحاكم، عَنِ السُّلَميّ.
وبنهاوند مِن: عُمَر بْن عُبَيْد الله القاضي، عَنْ عَبْد المُلْك بْن
بِشْران.
وبهَمَذَان مِن: عَبْد الواحد بْن علي الصُّوفيّ، عَنْ محمد بْن عليّ
بْن حَمْدَوَيْه الطّوسيّ.
وبالمدينة النبويّة مِن: طِراد الزَّيْنَبيّ.
وبواسط مِن صَدَقة بْن محمد المتولّي.
وبساوة مِن: محمد بْن أحمد الكامِخيّ.
وبأسَدَاباذ مِن: أبي الْحَسَن عليّ بْن محمد المحلميّ، عَنِ الحِيريّ.
وبالأنبار مِن: أَبِي الْحَسَن عليّ بْن مُحَمَّد بْن مُحَمَّد الخطيب.
وبأسفرايين مِن: عَبْد المُلْك بْن أحمد العدْل، عَنْ عليّ بْن محمد
بْن عليّ السّقّاء.
وبآمُل طَبَرِسْتان مِن: الْفَضْلُ بْن أحمد البصْريّ، عَنْ جدّه، عن
أبي أحمد ابن عديّ.
__________
[1] البختري: بفتح الموحّدة، وسكون الخاء المعجمة، وفتح التاء
المثنّاة، وراء.
[2] في الأصل: «المهرندقشاني» .
(35/171)
وبالأهواز من: عُمَر بْن محمد بْن حَيْكان
النَّيْسابوريّ، عَنِ ابن ريذة.
وببِسْطام مِن: أبي الْفَضْلُ محمد بْن عليّ السَّهْلكيّ، عَنِ
الحيريّ.
وبخُسْرُوجِرْد مِن: الْحَسَن بْن أحمد الْبَيْهَقيّ، عَنِ الحيريّ.
فهذه أربعون مدينة قد سمع فيها الحديث، وسمع في البلدان أُخَر تركتُها.
روى عَنْهُ: شِيرَوَيْه الْهَمَذَانيّ، وأبو جعفر محمد بْن الْحَسَن
الْهَمَذَانيّ، وأبو نصر أحمد بْن عمر الْغَازي، وعبد الوهّاب
الأنْماطيّ، وابن ناصر، والسّلَفيّ، وطائفة كبيرة، آخرهم موتًا محمد
بْن إسماعيل الطَّرَسُوسيّ الإصبهانيّ.
قَالَ أبو القاسم بْن عساكر: سَمِعْتُ إسماعيل بْن محمد بْن الْفَضْلُ
الحافظ يَقُولُ: أحفظ مِن رَأَيْت محمد بْن طاهر.
وقال يحيى بْن مَنْدَهْ في «تاريخه» : كَانَ أحد الحُفّاظ، حسن
الاعتقاد، جميل الطّريقة، صدوقًا، عالمًا بالصّحيح والسّقيم، كثير
التّصانيف، لازمًا للأثَر.
وقال السّلَفيّ: سَمِعْتُ ابن طاهر يَقُولُ: كتبت «صحيح الْبُخَارِيّ»
«ومسلم» «وابن داود» سبْعٍ مرّات بالوراقة، وكتبت «سُنَن ابن ماجه»
بالوراقة عشر مرّات، سوى التّفاريق بالرَّيّ.
وقال ابن السّمعانيّ: سَأَلت أبا الْحَسَن محمد بْن أَبِي طَالِب عَبْد
المُلْك الفقيه بالْكَرَج، عَنْ محمد بْن طاهر، فقال: ما كَانَ عَلَى
وجه الأرض لَهُ نظير.
وعظَّمَ أمره، ثمّ قَالَ: كَانَ داوديَّ المذهب.
قَالَ لي: اخترت مذهب داود.
فقلت: لَهُ: ولم؟
قَالَ: كذا اتّفق.
فسألته عَنْ أفضل مِن رَأَى، فقال: سعد الزنجاني، وعبد الله بن محمد
الأنصاريّ.
وقال أبو مسعود الحاجّيّ: سَمِعْتُ ابْن طاهر يَقُولُ: بُلْتُ الدَّم
في طلب الحديث مرَّتين. مرَّة ببغداد، ومرّة بمكّة. وذاك أنّي كنت أمشي
حافيا في حرّ
(35/172)
الهواجر، فلحِقَني ذَلِكَ. وما ركبتُ
دابّةً قطّ في طلب الحديث. وكنتُ أحمل كُتُبي عَلَى ظهري، إلى أن
استوطنت البلاد. وما سَأَلت في حال الطّلب أحدًا.
وكنت أعيش عَلَى ما يأتي مِن غير مسألة [1] .
وقال ابن السّمعانيّ يَقُولُ: سَمِعْتُ بعض المشايخ يَقُولُ: كَانَ ابن
طاهر يمشي في ليلة واحدة قريبًا مِن سبعة عشر فرسخًا. وكان يمشي عَلَى
الدّوام باللّيل والنّهار عشرين فرسخًا [2] .
أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ الأَسَدِيُّ، أَنَا ابْنُ خَلِيلٍ، أَنَا خليل
بْن أَبِي الرجاء الرازانيّ، نا محمد بْن عَبْد الواحد الدّقّاق قَالَ:
محمد بْن طاهر كَانَ صوفيا مَلامتّيا، سكن الرَّيّ، ثمّ هَمَذَان. لَهُ
كتاب «صَفْوة الصُّوفيّة» [3] . لَهُ أدنى معرفة بالحديث في باب شيوخ
الْبُخَارِيّ ومسلم، وغيرهما [4] . شاهدناه بجرجان، ونيسابور. ذكر لي
عَنْهُ حديث الإباحة، أسأل الله أن يُجَنّبنا منها، وممن يَقُولُ بها
من الرجال والنساء، والأخابث الكحلية من جوانية زماننا، وصوفيّة وقتنا،
وأن ينقذنا مِن المعاصي كلّها، وهم قومٌ ملاعين، لهم رموز ورَطَانات،
وضلالة، وخذْلان، وإباحات، إنّ قولهم عند فعل الحرام المنع شؤم،
والسّراويل حجاب. وحال
__________
[1] تاريخ دمشق، مختصر تاريخ دمشق 22/ 247.
[2] وزاد ابن السمعاني: سمعت من أثق به يقول: قال عبد الله بن محمد
الأنصاري الهروي، ينبغي لصاحب الحديث أن يكون سريع القراءة، سريع
النسخ، سريع المشي، وقد جمع هذه الخصال في هذا الشاب، وأشار إلى ابن
طاهر، وكان بين يديه.
[3] في (المنتظم) و (سير أعلام النبلاء) : «صفوة التصوّف» .
وقال ابن الجوزي: وكان له حفظ الحديث ومعرفة به، وصنّف فيه إلّا أنه
صنّف كتابا سمّاه «صفوة التصوّف» يضحك منه من يراه ويعجب من استشهاده
على مذاهب الصوفية بالأحاديث التي لا تناسب ما يحتجّ له من نصرة
الصوفية. وكان داوديّ المذهب، فمن أثنى عليه فلأجل حفظه للحديث ومعرفته
به، وإلّا فالجرح أولى به.
[4] زاد المؤلّف الذهبي في (سير أعلام النبلاء 19/ 364) .
«قلت: يا ذا الرجل، أقصر، فابن طاهر أحفظ منك بكثير.
ثم قال: وذكر له عنه الإباحة.
قلت: ما تعني الإباحة؟ إن أردت بها الإباحة المطلقة، فحاشا ابن طاهر،
وهو- والله- مسلم أثري، معظّم لحرمات الدين، وإن أخطأ أو شذّ، وإن عنيت
إباحة خاصّة، كإباحة السماع، وإباحة النظر إلى المرد، فهذه معصية، وقول
للظاهرية بإباحيّتها مرجوع» .
(35/173)
المذنبين مِن شربة الخمور والظَّلَمة، يعني
خير منهم.
وقال ابن ناصر: محمد بْن طاهر ممّن لَا يُحْتَجّ بِهِ. صنَّف كتابًا في
جواز النَّظر إلى المُرْد [1] ، أورد فيه حكاية يحيى بْن مَعِين أنّه
قَالَ: رَأَيْت جارية بمصر مليحة صلّي الله عَليْهَا.
فقيل لَهُ: تصلّي عليها؟! فقال: صلّى الله عليها وعلى كلّ مليح.
ثمّ قَالَ ابن ناصر: كَانَ يذهب مذهب الإباحة [2] . يعني في النَّظَر
إلى المِلاح. وإلّا فلو كَانَ يذهب إلى إباحة مطلَقَة لكان كافرًا،
والرجل مُسْلم متَّبِع للأثر، سيّئ. وإن كَانَ قد خالف في أمورٍ مثل
جواز السّماع، وقد صنَّف فيه مصنّفًا ليته لَا صنّفه.
وقال ابن السّمعانيّ: سألت عَنْهُ إسماعيل الحافظ، فتوقّف، ثمّ أساء
الثّناء عَليْهِ [3] . وسمعت أبا القاسم بْن عساكر يَقُولُ: جمع ابن
طاهر أطراف الصّحيحين، وأبي داود، والتّرْمِذيّ، والنَّسَائيّ، وابن
ماجه، وأخطأ فيه في مواضع خطأ فاحشًا. رَأَيْته يخطّ عند أَبِي العلاء
العطّار.
وقال ابن ناصر: محمد بْن طاهر كَانَ لُحَنَة وكان يصحّف. قرأ: وإنّ
جبينه
__________
[1] تحرّفت في (عيون التواريخ 12/ 27) إلى: «المبرد» .
[2] المنتظم.
[3] وقال ابن الجوزي: ثم انتصر له السمعاني، فقال: لعلّه قد تاب.
فوا عجبا ممّن سيرته قبيحة فيترك الذمّ لصاحبها لجواز أن يكون قد تاب،
فما أبله هذا المنتصر.
ويدلّ على صحّة ما قاله ابن ناصر من أنه كان يذهب مذهب الإباحة، ما
أنبأنا به أبو المعمّر المبارك بن أحمد الأنصاريّ، قال: أنشدنا أبو
الفضل محمد بن طاهر المقدسي لنفسه:
دع التصوّف والزهد الّذي اشتغلت ... به جوارح أقوام من الناس
وعج على دير داريّا فإنّ به ... الرهبان ما بين قسّيس وشمّاس
ثم استمع رنّة الأوتار من رشأ ... مهفهف طرفه أمضى من الماس
غنّى بشعر امرئ في الناس مشتهر ... مدوّن عندهم في صدر قرطاس
لولا نسيم بذكراكم يروّحني ... لكنت محترقا من حرّ أنفاسي
قال المصنّف- رحمه الله-: فالعجب من ابن السمعاني قد روي عنه هذه
القصيدة، وطعن الأكابر فيه، ثم ردّ ذلك بلا شيء! (المنتظم) .
(35/174)
لَيَتَقَصَّدُ عَرَقًا. بالقاف [1] ،
فقلتُ: بالفاء، فكابَرَني.
وقال السّلَفيّ: كَانَ فاضلًا يعرف، ولكنه كَانَ لُحَنَة. حكى لي
المؤتمن قَالَ: كنّا بهَرَاة عند عَبْد الله الأنصاريّ، وكان ابن طاهر
يقرأ ويَلْحَن، فكان الشَّيْخ يحرّك رأسه ويقول: لَا حَوْلَ وَلا
قُوَّةَ إِلا باللَّه.
وَقَالَ ابن طاهر: وُلِدتُ في شوّال سنة ثمانٍ وأربعين ببيت المقدس،
وأوّل ما سَمِعْتُ سنة ستّين [2] . ورحلت إلى بغداد سنة سبْعٍ وستّين.
ثمّ رجعت إلى بيت المقدس، فأحرمت مِن ثَمّ إلى مكّة.
وقال ابن عساكر: [3] كَانَ ابن طاهر لَهُ مصنَّفات كثيرة، إلّا أنّه
كثير الوهْم، وله شِعْر حسن، مَعَ أنّه كَانَ لَا يُحسن النَّحْو. وله
كتاب «المختلف والمؤتلف» [4] .
وقال ابن طاهر في «المنثور» [5] : رحلت مِن مصر إلى نَيْسابور، لأجل
أَبِي القاسم الْفَضْلُ بْن المحبّ صاحب أَبِي الحُسَيْن الْخَفّاف،
فلمّا دخلت عَليْهِ قرأت في أوّل مجلس جزءين مِن حديث أَبِي العبّاس
السَّرَّاج فلم [أجد] [6] لذلك حلاوة، واعتقدتُ أنّي نلته بغير تعبٍ،
لأنّه لم يمتنع علي، ولا طالبني بشيء، وكل حديث من الجزءين يَسْوَى
رحلة.
وقال: لمّا قصدت الإسكندرية كَانَ في القافلة مِن رشد إليها رجلٌ مِن
أهل الشّام، ولم أدْرِ ما قصْده في ذَلِكَ. فلمّا كانت اللّيلة الّتي
كُنَّا في صبيحتها
__________
[1] يريد الحديث الّذي أخرجه البخاري، ومسلم (2333) من حديث عائشة رضي
الله عنها أنّ الحارث بن هشام رضي الله عنه سأل رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم فقال: يا رسول الله كيف يأتيك الوحي؟
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أحيانا
يأتيني مثل صلصلة الجرس وهو أشدّه عليّ فيفصم عنّي، وقد وعيت عنه ما
قال، وأحيانا يتمثّل لي رجلا يكلّمني، فأعي ما يقول. قالت عائشة: ولقد
رأيته ينزل عليه الوحي في اليوم الشديد البرد، فيفصم عنه وإنّ جبينه
ليتفصّد عرقا.
[2] التقييد 69.
[3] في تاريخ دمشق، ومختصر تاريخ دمشق 22/ 247.
[4] زاد ابن عساكر: «فيما اتفق لفظه واختلف أصله» .
[5] تحرّف في (لسان الميزان 5/ 210) إلى «المنشور» .
[6] إضافة على الأصل يقتضيها السياق.
(35/175)
ندخل الإسكندريّة رحلنا باللّيل، وكان شهر
رمضان، فمشيت قُدّام القافلة، وأخذتُ في طريق غير الجادّة، فلمّا أصبح
الصّبّاح، كنت عَلَى غير الطّريق بين جبال الرّمْل، فرأيتُ شيخًا في
مِقْثأة، فسألته عَنِ الطّريق، فقال: تصعد هذا الرمل، وتنظر البحر
وتقصده، فإنّ الطريق عَلَى شاطئ البحر. فصعدت الرمل، ووقعت في قصب
الأقلام، وكنت كلّما وجدت قلما مليحا اقتلعته، إلى أن اجتمع مِن ذَلِكَ
حزْمة عظيمة، وحمِيَت الشمس وأنا صائم، وكان الصَّيْف.
فتعبت، فأخذت أنتقي الجيّد، وأطرح سواه، إلى أن بقي معي ثلاثة أقلام لم
أر مثلها، طول كلّ عُقْدة شِبْرين وزيادة: فقلت إنّ الْإنْسَان لَا
يموت مِن حمل هذه. ووصلتُ إلى القافلة المغرب، فقام إليَّ ذَلِكَ الرجل
وأكرمني. فلمّا كَانَ في بعض اللّيل رحلت القافلة، فقال لي: إنّ في هذه
اللّيلة مُكس، ومعي هذه الفضّة، وعليها العُشر، فإنْ قدرت وحملتها معك،
لعلّها تَسْلَم، فعلتَ في حقّي جميلًا.
فقلت: أفعل.
قَالَ: فحملتها ووصلت الإسكندرية وسلمت، ودفعتها إِليْهِ فقال: تحبّ أن
تكون عندي، فإنّ المساكنة تتعذّر.
فقلت: أفعل.
فلمّا كَانَ المغرب صلّيت، ودخلت عَليْهِ، فوجدته قد أخذ الثّلاثة
الأقلام، وشقّ كلّ واحدٍ منها نصفين، وشدّها شدّة واحدة، وجعلها شبه
المسرَجَة وأقعد السَّرَّاج عليها. فلحِقَني مِن ذَلِكَ مِن الغمّ شيءٌ
لم يمكنيّ أن آكل الطّعام معه، واعتذرت إليه، وخرجت إلى المسجد، فلمّا
صلّيت التّراويح، أقمت في المسجد، فجاءني القيّم وقال: لم تجر العادة
لأحدٍ أن يبيت في المسجد.
فخرجت وأغلق الباب، وجلست عَلَى باب المسجد، لا أدري إلى أَيْنَ أذهب،
فبعد ساعةٍ عبر الحارس، فأبصرني، فقال لي: مِن أنت؟
فقلت: غريب مِن أهل العِلْم، وحكيت لَهُ القصّة.
فقال: قُم معي. فقمت معه، فأجلسني في مركزه، وثمَّ سراجٌ جيّد، وأخذ
يطوف ويرجع إلى عندي، واغتنمت أَنَا السَّرَّاج، فأخرجت الأجزاء، وقعدت
(35/176)
أكتب إلى وقت السَّحَر، فأخرج إليَّ شيئًا
مِن المأكول، فقلت: لم تجر لي عادة السُّحُور.
وأقمتُ بعد هذا بالإسكندرية ثلاثة أيّام، أصوم النّهار، وأبيت عنده،
واعتذر إليه وقت السَّحَر، ولا يعلم إلى أن سهَّل الله بعد ذَلِكَ
وفتح.
وقال: أقمت بِتّنيس مدّةً عَلَى أبي محمد بْن الحدّاد ونُظَرائه، فضاق
بي، ولم يبق معي غير درهم، وكنت في ذَلِكَ أحتاج إلى خبز، وأحتاج إلى
كاغَذ، فكنت أتردّد إنْ صرفته في الخبز لم يكن لي كاغذ، وإنْ صرفتُهُ
في الكاغَذْ لم يكن لي خبز، ومضى على هذا ثلاثة أيّام ولياليهنّ لم
أُطْعَم فيها، فلمّا كَانَ بُكْرَةَ اليوم الرابع قلت في نفسي: لو
كَانَ لي اليوم كاغَذ لم يمكن أن أكتب فيه شيئًا لما بيَ مِن الْجُوع،
فجعلت الدّرهم في فمي، وخرجتُ لأشتري الخبز، فبلغته، ووقع عليّ
الضَّحك، فلِقيني أبو طاهر بْن حطامة الصّائغ، المواقيتيّ بها وأنا
أصحك، فقال لي، ما أضحك؟
فقلت: خير.
فألحَّ علي وأبيت، فحلف بالطّلاق لَتَصْدُقَنّي لم تضحكْ؟ فأخبرته.
وأخذ بيدي، وأدخلني منزله، وتكلَّف لي ذَلِكَ اليوم أطعمة، فلمّا كَانَ
وقت صلاة الظُّهر خرجت أَنَا وهو إلى الصّلاة، فاجتمع بِهِ بعض وكلاء
عامل تِنّيس، فسأله عنّي، فقال: هُوَ هذا. فقال: إنّ صاحبي منذ شهر
أمرني أن أوصل إِليْهِ في كلّ يوم عشرة دراهم، قيمتها ربع دينار، وسهوت
عَنْهُ.
قَالَ: فأخذ منه ثلاثمائة درهم، وجاءني وقال: قد سهّل الله رزقًا لم
يكن في الحساب. وأخبرني بالقصّة، فقلت: تكون عندك، ونكون عَلَى ما
نَحْنُ من الاجتماع إلى وقت الخروج، فإنني وحدي. ففعل. وكان بعد ذَلِكَ
يصِلُني ذَلِكَ القدر، إلى أن خرجت مِن البلد إلى الشّام.
وقال: رحلت مِن طوس إلى إصبهان لأجل حديث أبي زُرْعة الرّازيّ الَّذِي
أَخْرَجَهُ مُسْلِم عَنْهُ في «الصّحيح» [1] ، ذاكَرَني بِهِ بعض
الرّحّالة باللّيل، فلمّا
__________
[1] انظر صحيح مسلم، كتاب الرقاق (2739) ، باب: أكثر أهل الجنّة
الفقراء.
(35/177)
أصبحت شددت عليَّ، وخرجت إلى إصبهان، فلم
أحلُلْ عنّي حتّى دخلت عَلَى الشَّيْخ أَبِي عَمْرو، فقرأته عَليْهِ،
عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي بَكْر القطّان، عَنْ أَبِي زُرْعة، ودفع
إليَّ ثلاثة أرغفة وكُمّثْراتَيْن، ثمّ خرجتُ مِن عنده إلى الموضع
الَّذِي نزلت فيه، وحَللْت عنّي [1] .
وقال: كنت ببغداد في أوّل الرحلة الثّانية مِن الشّام، وكنت أنزل برباط
الزّوزنيّ وكان بِهِ صوفيّ يُعرف بأبي النّجم، فمضى علينا ستّة أيام لم
نطْعَم فيها، فدخل عليَّ الشَّيْخ أبو عليّ المقدسيّ الفقيه، فوضع
دينارًا وانصرف، فدعوتُ بأبي النّجم وقلت: قد فتح الله بهذا، أيّ شيء
نعمل بِهِ؟.
فقال: تعبر ذاك الجانب، وتشتري جبزا [2] ، وشِواءً، وحلْواء، وباقِلَّى
[3] أخضر، ووردًا [4] ، وخسًا [5] بالجميع، وترجع. فتركت الدّينار في
وسط مجلَّدة معي وعبرت، ودخلت عَلَى بعض أصدقائنا، وتحدّثت عنده ساعة،
فقال لي:
لأيّ شيءٍ عبرت؟.
فقلت له.
فقال: وأين الدّينار؟
__________
[1] وقال ابن طاهر: كنت يوما أقرأ على أبي إسحاق الحبّال جزءا، فجاءني
رجل من أهل بلدي، وأسرّ إليّ كلاما قال فيه: إنّ أخاك قد وصل من الشام،
وذلك بعد دخول الترك بيت المقدس، وقتل الناس بها، فأخذت في القراءة،
فاختلطت عليّ السطور، ولم يمكني أقرأ، فقال أبو إسحاق: ما لك؟.
قلت: خير.
قال: لا بدّ أن تخبرني. فأخبرته.
فقال: وكم لك لم تر أخاك؟
قلت: سنين.
قال: ولم لا تذهب إليه؟
قلت: حتى أتمّ الجزء.
قال: ما أعظم حرصكم يا أهل الحديث، قد تمّ المجلس، وصلّى الله على
محمد، وانصرف.
(سير أعلام النبلاء 19/ 367) .
[2] في الأصل: «خبز» .
[3] هكذا في الأصل.
[4] في الأصل: «وورد» .
[5] في الأصل: «وخس» .
(35/178)
فظننت أني قد تركته في جيبي، فطلبته فلم
أجده، فضاق صدري ونمت، فرأيتُ في المنام كأنّ قائلًا يَقُولُ لي: أليس
قد وضعته في وسط المجلَّدة؟ فقمت مِن النّوم، وفتحت المجلَّدة، وأخذت
الدّينار، واشتريت جميع ما طلب رفيقي، وحملته عَلَى رأسي، ورجعت
إِليْهِ وقد أبطأتُ عليه، فلم أُخبره بشيءٍ إلى أن أكلت، ثمّ أخبرته،
فضحك وقال: لو كَانَ هذا الأكل لكنت أبكي.
وقال: كنت ببغداد في سنة سبْعٍ وستّين، فلمّا كَانَ عشيّة اليوم
الَّذِي بويع فيه المقتدي بأمر الله دخلنا عَلَى الشَّيْخ أَبِي
إِسْحَاق جماعة مِن أهل الشّام، وسألناه عَنِ الْبَيْعة، كيف كانت؟
فحكى لنا ما جرى، ثمّ نظر إليَّ، وأنا يومئذٍ مختطّ، وقال: هُوَ أشبهُ
النّاس بهذا. وكان مولد المقتدي في الثاني عشر مِن جمادي الأولى سنة
ثمانٍ وأربعين وأربعمائة، ومولدي في سادس شوّال مِن هذه السّنة.
قَالَ أبو زُرْعة طاهر بْن محمد بْن طاهر: أنشدني أَبِي لنفسه:
لمّا رَأَيْت فتاة الحيّ قد برزَتْ ... مِن الحِطَم تَرُوم السَّعيَ في
الظُّلمِ
ضوءُ النّهار بدا مِن ضوء بهجتها ... وظُلْمةُ اللّيل مِن مسْوَدّها
الفحمِ
خدعتها بكلامِ يُستلَذُّ بِهِ ... وإنّما يُخْدع الأحرارُ بالكلمِ
وقال المبارك بْن كامل الخفّاف: أنشدنا ابن طاهر لنفسه:
ساروا بها كالبدر في هودجٍ ... يميس محفوفًا بأترابه
فاستعبرتْ تبكي، فعاتَبْتُها ... خوفًا مِن الواشي وأصحابه
فقلت: لَا تبكِ عَلَى هالكٍ ... بعدَكِ ما [1] يبقى عَلَى ما بِهِ
للموت أبواب، وكلّ الورى ... لا بدّ أن تدخل [2] مِن بابه
وأحسنُ الموتِ بأهل الهوى ... مِن مات مِن فُرْقة أحبابه
وله:
خلعتُ العِذارَ بلا مِنّةٍ ... عَلَى مِن خلعت عليه العذارا
__________
[1] في سير أعلام النبلاء 19/ 371: «لن» .
[2] في السير: «يدخل» .
(35/179)
وأصبحت حَيْران لَا أرتجي ... جَنانًا، ولا
أتّقي فيه نارًا [1]
وقال شِيرَوَيْه في «تاريخ هَمَذَان» : محمد بْن طاهر سكن هَمَذَان،
وبنى بها دارًا. وكان ثقة، صدوقًا، حافظًا، عالمًا بالصّحيح والسّقيم،
حسن المعرفة بالرجال والمُتُون، كثير التّصانيف، جيّد الخطّ، لازمًا
للأثر، بعيدًا مِن الفُضول والتّعصُّب، خفيف الرّوح، قويّ السَّير في
السَّفَر، كثير الحجّ والعُمْرة. كتب عَنْ عامّة مشايخ الوقت [2] .
__________
[1] عيون التواريخ 12/ 26.
[2] وقال ياقوت الحموي: وكان كما علمت وقّاعة في كل من انتسب إلى مذهب
الشافعيّ، لأنه كان حنبليّا. (معجم الأدباء 14/ 97) في ترجمة «علي بن
فضّال المجاشعي» .
وقد علّق الحافظ ابن حجر على قول ياقوت بأن ابن طاهر ما كان حنبليّا،
بل هذه صفة ابن ناصر الّذي قال عنه إنه كان يذهب مذهب الإباحة، لأنه
كان شافعيا ثم تحنبل وتعصّب، فلعلّ ياقوت انتقل ذهنه من ابن ناصر إلى
ابن طاهر. (لسان الميزان 5/ 209) .
وقال ابن خلّكان: كان أحد الرحّالين في طلب الحديث.. وكان من المشهورين
بالحفظ والمعرفة بعلوم الحديث، وله في ذلك مصنّفات ومجموعات تدلّ على
غزارة علمه وجودة معرفته.
وصنّف تصانيف كثيرة، منها: «أطراف الكتب الستة» وهي: صحيح البخاري،
ومسلم، وأبي داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجة، و «أطراف الغرائب»
تصنيف الدارقطنيّ، وكتاب «الأنساب» في جزء لطيف، وهو الّذي ذيّله
الحافظ أبو موسى الأصبهاني، وغير ذلك من الكتب.
وكانت له معرفة بعلم التصوّف وأنواعه، متفنّنا فيه، وله فيه تصنيف
أيضا. وله شعر حسن، وكتب عنه غير واحد من الحفّاظ. (وفيات الأعيان 4/
287) .
وقال ابن نقطة: صنّف كتبا في علوم الحديث، وكانت له معرفة بذلك، وكان
مقيما بهمذان ويرحل إلى الحجّ في كل عام، وذكر أنه سافر إلى الحجاز
ثلاثين سنة. (التقييد 69) .
وقال ابن السمعاني إن أبا المفاخر الحسن بن سيد الكاتب الرازيّ حمل
إليه كتابا لابن طاهر المقدسي سمّاه «اللباب محذوف المسانيد» وذكر أنه
سمعه من مصنّفه، فقرأت عليه حديثا، أو حديثين في أوله مسندا. (التحبير
1/ 199، 200) .
وقال المؤلّف الذهبي- رحمه الله- في (ميزان الاعتدال 3/ 587) : «ليس
بالقويّ، فإن له أوهام كثيرة في تواليفه.
وله انحراف عن السّنّة إلى تصوّف غير مرضيّ، وهو في نفسه صدوق لم
يتّهم» .
وقال الذهبي في (سير أعلام النبلاء 19/ 368) : أنبئت عن أبي جعفر
الطرسوسي، عن ابن طاهر قال: لو أنّ محدّثا من سائر الفرق أراد أن يروي
حديثا واحدا بإسناد إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم يوافقه الكلّ في
عقده، لم يسلم له ذلك، وأدّى إلى انقطاع الزوائد رأسا، فكان اعتمادهم
في
(35/180)
قَالَ شجاع الذُّهْليّ: مات ابن طاهر عند
قدومه بغداد من الحجّ يوم الجمعة في ربيع الأوّل [1] .
وقال أبو المُعَمَّر: تُوُفّي يوم الجمعة النّصف من ربيع الأوّل ببغداد
[2] .
__________
[ () ] العدالة على صحّة السماع والثقة من الّذي يروى عنه، وأن يكون
عاقلا متميّزا.
وعلّق الذهبي على ذلك بقوله:
العمدة في ذلك صدق المسلم الراويّ، فإن كان ذا بدعة أخذ عنه، والإعراض
عنه أولى، ولا ينبغي الأخذ عن معروف بكبيرة، والله أعلم.
وقال الحافظ ابن عساكر: أنشدنا أبو الفضل محمد بن طاهر لنفسه:
إلى كم أمنّي النفس بالقرب واللقا ... بيوم إلى يوم وشهر إلى شهر
وحتّام لا أحظى بوصل أحبّتي ... وأشكو إليهم ما لقيت من الهجر
فلو كان قلبي من حديد أذابه ... فراقكم أو كان من أصلب الصخر
ولما رأيت البين يزداد والنوي ... تمثّلت بيتا قيل في سالف الدهر
متى يستريح القلب والقلب متعب ... ببين على بين وهجر على هجر
وقال ابن عساكر: سمعت أبا العلاء الحسن بن علي بن أحمد الهمذاني، يقول:
ابتلي محمد بن طاهر بهوى امرأة من أهل الرستق، وكان يسكن قرية على ست
فراسخ من همذان، فكان يذهب في كل يوم وليلة اثني عشر فرسخا. (تاريخ
دمشق، مرآة الزمان، مختصر تاريخ دمشق) .
وقال ابن عساكر أيضا: جمع أطراف الكتب الستة، فرأيته بخطّه، وقد أخطأ
فيه في مواضع خطأ فاحشا.
[1] قيل: ولما احتضر جعل يردّد هذا البيت:
وما كنتم تعرفون الجفا ... فممّن ترى قد تعلّمتم؟!
(المنتظم، مرآة الزمان) .
[2] هكذا أرّخه ابن عساكر.
وقال ابن خلّكان: توفي عند قدومه من الحج آخر حجّاته يوم الجمعة
لليلتين بقيتا من شهر ربيع الأول سنة سبع وخمسمائة. وقيل توفي يوم
الخميس العشرين من الشهر المذكور. (وفيات الأعيان) .
وقال ابن النجار: أنبأنا ذاكر، عن شجاع الذهلي قال: مات ابن طاهر عند
قدومه من الحج من يوم الجمعة لليلتين بقيتا من شهر ربيع الأول سنة سبع
وخمسمائة. قال: وقرأت في كتاب عبد الله بن أبي بكر ابن الخاضبة أنه
توفي في ضحى يوم الخميس العشرين من الشهر، وله حجّات كثيرة على قدميه،
وكان له معرفة بعلوم التصوّف وأنواعه، متفنّنا به، ظريفا مطبوعا، له
تصانيف حسنة مفيدة في علم الحديث. (سير أعلام النبلاء 19/ 371) .
وقال ابنه أبو زرعة: أنشدنا والدي لنفسه:
يا من يدلّ بقدّه ... وبخدّه والمقلتين
ويصول بالصدغ المعقرب ... شبه لام فوق عين
(35/181)
196- محمد بْن أَبِي الْعَبَّاس أَحْمَد
بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن إسحاق [1] .
الرئيس أبو المظفَّر الأُمَويّ، الْمَعَاويّ، الأبِيَوَرْدِيّ،
اللُّغَويّ، الشّاعر المشهور، مِن أولاد عَنْبَسة بْنِ أَبِي سُفْيَان
بْنِ حَرْبِ بْنِ أُمَيَّةَ [2] .
كَانَ أوحد عصره، وفريد دهره في معرفة اللُّغة والأنساب، وغير ذَلِكَ.
وله تصانيف كثيرة مثل «تاريخ أَبِيَوردْ ونَسَا» .
وكان حَسَن السّيرة، جميل الأمر، مَنْظرانيا مِن الرجال، وكان فيه تيه
__________
[ () ]
ارحم فديتك مدنفا ... وسط الفلاة صريع بين
قتلته أسهمك التي ... من تحت قوس الحاجبين
الله ما بين الفرا ... ق وبين من أهوى وبيني
وله:
أضحى العذول يلومني في حبّهم ... فأجبته والنار حشو فؤادي
يا عاذلي لو بتّ محترق الحشا ... لعرفت كيف تفتّت الأكباد
صدّ الحبيب وغاب عن عيني الكرى ... فكأنّما كانا على ميعاد
(سير أعلام النبلاء 19/ 370، 371) .
[1] انظر عن (محمد الأبيوردي) في: الأنساب المتّفقة 134، والأنساب 10/
496 و 11/ 386، 387، والمنتظم 9/ 176، 177 رقم 291 (17/ 135، 136 رقم
3813) ، ومعجم الأدباء 17/ 234- 266، ومعجم البلدان 1/ 86، والكامل في
التاريخ 10/ 500، واللباب 3/ 230، والمحمّدون للقفطي 1/ 36، وإنباه
الرواة 3/ 49، 52، وخريدة القصر (قسم العراق) 1/ 106، 107، ووفيات
الأعيان 4/ 444- 449، وآثار البلاد وأخبار العباد 415، والمختصر في
أخبار البشر 2/ 227، والإعلام بوفيات الأعلام 208، وسير أعلام النبلاء
29/ 283- 292 رقم 182، والعبر 4/ 14، وتذكرة الحفاظ 4/ 1241، وتاريخ
ابن الوردي 2/ 37، ومرآة الزمان ج 8 ق 1/ 29، 30، وعيون التواريخ 12/
27- 34، ومرآة الجنان 3/ 196، والبداية والنهاية 12/ 176، وطبقات
الشافعية الكبرى 6/ 81- 84، والوافي بالوفيات 2/ 91- 93، وطبقات النحاة
واللغويين لابن قاضي شهبة 52، والنجوم الزاهرة 5/ 206، 207، وبغية
الوعاة 1/ 40، 41، وتاريخ الخلفاء 431، وكشف الظنون 397- 345، وشذرات
الذهب 4/ 18- 20، وديوان الإسلام 1/ 83، 84 رقم 95، والفلاكة
والمفلوكين 66، وروضات الجنات 185، وهدية العارفين 2/ 81، 82، وأعيان
الشيعة 43/ 261، 262، ومصفّى المقال لآغابزرگ 389، 390، وفهرست
الخديوية 4/ 239، 240، 260، والأعلام 6/ 209، ومعجم المؤلفين 8/ 314
وانظر: ديوان الأبيوردي الّذي نشر بيروت سنة 1317 هـ-.، وقد كتب
البحّاثة الشيخ محمد بهجة الأثري مقالة عنه في مجلّة الزهراء بمصر 3/
228- 242، أوضح فيها أن ناشر الديوان أضاف إليه أكثر من عشرين قصيدة
ليست من شعر الأبيوردي، بل هي من شعر أبي إسحاق الغزّي.
[2] انظر نسبه بالكامل في (معجم الأدباء 17/ 234) وقد طوّل فيه.
(35/182)
وتكبُّر. وكان يفتخر بنسَبِه ويكتب:
الْعَبْشَميّ الْمَعَاويّ، لا أنّه مِن وُلِد معاوية بْن أبي سُفْيان،
بل مِن وُلِد معاوية بْن محمد بْن عثمان بْن عَنْبَسة بْن أَبِي
سُفْيان [1] .
وله شِعْرٌ فائق، وقسَّم ديوان شِعْره إلى أقسام، منها العراقيّات،
ومنها النَّجْديّات [2] ، ومنها الْوَجْديّات.
وأثنى عليه أبو زكريّا بْن مَنْدَهْ في «تاريخه» بحُسن العقيدة، وحميد
الطّريقة، وكمال الفضيلة.
وقال ابن السّمعانيّ: صنَّف كتاب «المختلف» ، وكتاب «طبقات العِلْم» ،
«وما اختلف وائتلف مِن أنساب العرب» [3] .
وله في اللُّغة مصنَّفات ما سُبِق إليها.
سَمِعَ: إسماعيل بْن مَسْعدة الإسماعيليّ، وأبا بَكْر بْن خلف
الشّيرازيّ، ومالك بْن أحمد البانياسي، وعبد القاهر الْجُرْجانيّ
النَّحْويّ.
وسمعتُ غير واحد من شيوخي يقولون: إنّه كَانَ إذا صلّي يَقُولُ:
اللَّهمّ ملّكني مشارق الأرض ومغاربها [4] .
وذكره عَبْد الغافر فقال: فَخْر العرب، أبو المظفّر الأبِيَوَرْدِيّ،
الكوفنيّ، الرئيس، الأديب، الكاتب، النَّسّابة، مِن مفاخر العصر،
وأفاضل الدهر. لَهُ الفضائل الرّائقة، والفصول الفائقة، والتّصانيف
المعجزة، والتّواليف المعجبة،
__________
[1] الأنساب 11/ 387.
[2] الأنساب 11/ 387.
[3] المنتظم.
[4] المنتظم. وقال ابن السمعاني إنه سأل أبا عليّ أحمد بن سعيد العجليّ
المعروف بالبديع عن دعاء الأبيوردي: أيّ شيء هذا الدعاء؟ فكتب إليّ
بهذه الأبيات:
يعيّرني أخو عجل إبائي ... على عدمي وتيهي واختيالي
ويعلم أنّني فرط لحيّ ... حموا خطط المعالي بالعوالي
فلست بحاصن إن لم أزرها ... على نهل شبا الأسل الطّوال
وإن بلغ الرجال مداي فيما ... أحاوله فلست من الرجال
قال أبو علي العجليّ: وكنت يوما متكسّرا، فأردت أن أقوم، فعضدني
الأبيورديّ وعاونني على القيام، ثم قال: أمويّا يعضد عجليّا. كفى بذلك
شرفا. (معجم الأدباء 17/ 237) .
(35/183)
والنَّظْم الَّذِي نسخ أشعار المحدثين،
ونسج فيه عَلَى منْوال الْمَعَرّي ومن فوقه مِن المفلِقين. رَأَيْته
شابًا قام في درس إمام الْحَرَمَيْن مِرارًا، وأنشأ فَيه قصائد طِوالًا
كبارًا، يلفظها كما يشاء زَبَدًا مِن بحر خاطره، كما نشأ ميسّر لَهُ
الإنشاء، طويل النَّفَس، كثير الحِفْظ، تلتفت في أثناء كلامه إلى
النّثْر والوقائع والاستنباطات الغريبة. خرج إلى العراق، وأقام مدّة
يجذب فضله بطبعه، ويشتهر بين الأفاضل كمال فضله، ومتانة طبْعه حتّى ظهر
أمره، وعلا قَدره، وحصل لَهُ مِن السّلطان مكانة ونعمة.
ثمّ كَانَ يرشح مِن كلامه نوعُ تشبُّث بالخلافة، ودعوةٌ إلى أتّباع
فضله، ادّعاء استحقاق الإمامة. تبيض وساوس الشّيطان في رأسه وتفرّخ،
ويرفع الكِبْرَ بأنفه، ويَشْمُخ [1] ، فاضطّره الحال إلى مفارقة بغداد،
ورجع إلى هَمَذَان، فأقام بها يدرّس ويفيد، ويصنَّف مدّة.
ومن شِعْره:
وهَيْفاء لَا أُصغي إلى مِن يَلُومُني ... عليها، ويُغْريني أن
يَعيبَها [2]
أميل بإحدى مُقْلَتَيَّ إذا بَدَتْ ... إليها، وبالأُخْرى أُراعي
رقيبَها
وقد غَفَلَ الواشي فلم يدْرِ أنّني ... أخَذْتُ لعيني مِن سُلَيْمَى
نصيبَها [3]
وله:
أكوكبٌ ما أرى يا سَعْد أمْ نارُ ... تشُبُّهَا سَهْلَةُ الْخَدَّين
مِعْطارُ
بيضاءُ إنّ نَطَقَتْ في الحيّ أو نَظَرَتْ ... تَقَاسَمَ الشَّمْس
أسماعٌ وأبصارُ
والرَّكْبُ يسيرون والظَّلْماءُ راكدةٌ ... كأنَّهُمْ في ضمير اللّيل
أسرارُ
فاسْرَعُوا وطُلا الأعناقِ مائلةٌ ... حيثُ الوسائدُ للنُّوَّام أكوارُ
[4]
عَنْ حمّاد الْحَرّانيّ قَالَ: سمعت السّلفيّ يقول: كان الأبيورديّ-
والله-
__________
[1] وقال ابن الجوزي: كان فيه تيه وكبر زائد يخرج صاحبه إلى الحماقة.
[2] في وفيات الأعيان: «أعيبها» .
[3] ديوان الأبيوردي 2/ 193، وفيات الأعيان 4/ 446، سير أعلام النبلاء
19/ 287، الوافي بالوفيات 2/ 92، عيون التواريخ 12/ 29.
[4] سير أعلام النبلاء 19/ 287.
(35/184)
مِن أهل الدّين والخير والصَّلاح والعِفّة
[1] ، قَالَ لي: والله ما نمت في بيتٍ فيه كتاب الله، أو حديثُ رسول
الله، احترامًا لهما أن يبدو منّي شيء لَا يجوز.
أنشدنا أبو الحُسَيْن النُّوبيّ، أَنَا جعفر، نا السّلَفيّ: أنشدنا
الأبِيَوَرْدِيّ لنفسه:
وشادنٍ زارني عَلَى عَجَلٍ ... كالبدر في صَفْحة الدُّجا لَمَعَا
فلم أزلْ مُوهِنًا لحديثه [2] ... والبدْرُ يُصْغي إليّ مُسْتَمِعا
وصلْتُ خدّي بخدّه شَغَفًا ... حتى التقى الرَّوْض والغدِيرُ معًا [3]
وقال أبو زكريّا بْن مَنْدَهْ: سُئل الأديب أبو المظفَّر
الأبِيَوَرْدِيّ عَنْ أحاديث الصّفات، فقال: نُقِرَّ ونَمُرّ [4] .
وقال أبو الْفَضْلُ بْن طاهر المقدسيّ: أنشدنا أبو المظفَّر
الأبِيَوَرْدِيّ لنفسه:
يا مِن يُساجِلُني وُلّيس بمُدْرِكٍ ... شأوي، وأين لَهُ جلالةُ
مَنْصبي
لا تَتْعَبَنّ فدُونَ ما حاوَلْتَهُ ... خَرْطُ الْقَتَادة وامتطاءِ
الكواكبِ
والمجدُ يعلمُ أيُّنَا خيرٌ أبًا ... فأسالْهُ يعلم [5] أيُّ ذي حَسَبٍ
أَبِي
جدّي مُعاويةُ الأَغَرّ سَمَتُ بِهِ ... جُرثُومةٌ مِن طِينها خُلِق
النَّبِيّ
ورّثْتُهُ [6] شرَقًا رفعتُ مَنَاره ... فبنو أُمَيَّة يفخرون بِهِ وبي
[7]
وَقِيلَ: إِنَّهُ كتب رقعة إلى الخليفة المستظهر باللَّه، وَعَلَى
رأسها: المملوك المعاوي، فحك الخليفة الميم، فصار العاوي، ورد إِلَيْهِ
الرقعة [8] .
__________
[1] في السير 19/ 285: «والثقة» .
[2] في السير: «أحدّثه» .
[3] السير 19/ 285.
[4] أي نعترف به ونجيزه.
[5] هكذا في الأصل هنا، وفي الأصل لسير أعلام النبلاء 19/ 287، أما في
الديوان، وطبقات الشافعية الكبرى للسبكي: «تعلم» .
[6] في الديوان، والأنساب المتّفقة، ومعجم الأدباء، وطبقات السبكي:
«وورثته» . والمثبت يتّفق مع: السير.
[7] الديوان 2/ 252، الأنساب المتّفقة 134، معجم الأدباء 17/ 262، سير
أعلام النبلاء 19/ 287، 288، طبقات السبكي 6/ 83.
[8] الأنساب 11/ 387، المنتظم.
(35/185)
ومن شِعْره:
تنكَّر لي دهري ولم يدر أنّني ... أعزّ وأحداث الزّمان تَهُونُ
فبات يُريني الخطْب كيف اعتداؤه ... وبِتُّ أريه الصَّبْرَ كيف يكون
[1]
ومن شِعْره:
نزلنا بنُعْمان الأراكِ وللنَّدَى ... سَقيطٌ بِهِ ابتلَّتْ علينا
المطارفُ
فبِتُّ أُعاني الوجْدَ والركْبُ نُوَّمُ ... وقد أخَذَتْ منّا السّرَى
والتّنائفُ
وإذا خُودًا إنْ دَعاني عَلَى النَّوَى ... هواهَا أجابتْهُ الدّموعُ
الذَّوارفُ
لها في مَغَاني ذَلِكَ الشّعْبِ منزلٌ ... لئنْ أنْكَرَتْه العينُ
فالقلبُ عارفُ [2]
وقفتُ بِهِ والدَّمْع أكثرُهُ دَمٌ ... كأنيّ مِن جَفْني بنُعمان
راعِفُ [3]
أنشدنا أبو الحُسَيْن ببَعْلَبَكّ: أنشدنا أبو الْفَضْلُ
الْهَمَذَانيّ: أنشدنا السّلَفيّ: أنشدنا الأبِيَوَرْدِيّ لنفسه:
مِن رَأَى أشباحَ تِبْرٍ ... حُشيَتْ رِيقةَ نَحلهْ
فجمعناها بُذُورًا ... وقَطَعْناها أهِلَّهْ [4]
توفّي بأصبهان في ربيع الأوّل مسموما [5] .
__________
[1] المنتظم، مرآة الزمان ج 8/ 30، معجم الأدباء 17/ 246، الكامل في
التاريخ 10/ 500، وفيات الأعيان 4/ 446، سير أعلام النبلاء 19/ 287،
عيون التواريخ 12/ 29، الوافي بالوفيات 2/ 92، طبقات الشافعية الكبرى
للسبكي 6/ 83، البداية والنهاية 12/ 176، النجوم الزاهرة 5/ 207.
والبيتان في ديوانه 2/ 55.
[2] إلى هنا في (سير أعلام النبلاء 19/ 287) . وقد ذكر محقّقه الشيخ
شعيب الأرنئوط: إنّ هذه الأبيات لم ترد في الديوان.
أقول: بلى هي في ديوانه.
[3] في الديوان: «كأني في عيني بنعمان رافع» . (انظر المخطوط- ورقة 10
أ) ، عيون التواريخ 12/ 30.
[4] سير أعلام النبلاء 19/ 288.
[5] وقال أحمد بن سعد العجليّ: كان السلطان نازلا على باب همذان، فرأيت
الأديب الأبيوردي راجعا من عندهم، فقلت له: من أين؟ فأنشأ يقول
ارتجالا:
ركبت طرفي فأذرى دمعه أسفا ... عند انصرافي منهم مضمر الياس
(35/186)
__________
[ () ]
وقال: حتّى م تؤذيني فإن سنحت ... حوائج لك فاركبني إلى الباس
(المنتظم) ، (الكامل في التاريخ 10/ 500) .
وقال ابن الهبّارية الشاعر في موت الأبيوردي:
قد نزلت بي نزلة صبعة ... أصبحت منها اليوم في جهد
يسيل من أنفي على شاربي ... شيء ولا عرض أبي سعد
وقال أيضا:
كأنّ في رأسي، ولا رأس لي، ... من نتنه شعر الأبيوردي
(خريدة القصر- قسم العراق- ج 2/ 87) .
وحكي أنه كان من أبيورد، ولم يعرف له هذا النسب، وأنه كان ببغداد في
خدمة مؤيّد الملك ابن نظام الملك، فلما عادى مؤيّد الملك عميد الدولة
بن منوجهر ألزمه أن يهجوه ففعل، فسعى عميد الدولة إلى الخليفة بأنه قد
هجاك ومدح صاحب مصر، فأبيح دمه، فهرب إلى همذان واختلق هذا النسب حتى
ذهب عنه ما قرف به من مدح صاحب مصر.
وسمع سنقر كفجك بخبره، فأراد أن يجعله طغرائيّ الملك أحمد، فمات أحمد،
فرجع إلى أصفهان بحال سيّئة، وبقي سنين يعلّم أولاد زين الملك برسق، ثم
شرح سنقر الكفجك للسلطان محمد ذلك، وأعطاه أشراف المملكة، وكان يدخل مع
الخطير، وأبي إسماعيل، والمعين، وشرف الدين. (معجم الأدباء 17/ 234،
235) .
وقال العماد الأصبهاني في (خريدة القصر) :
الأبيوردي، تولّي في آخر عمره أشراف مملكة السلطان محمد بن ملك شاه،
فسقوه السّمّ وهو واقف عند سرير السلطان، فخانته رجلاه، فسقط وحمل إلى
منزله، فقال:
وقفنا بحيث العدل مدّ رواقه ... وخيّم في أرجائه الجود والبأس
وفوق السرير ابن الملوك محمد ... تخرّ له من فرط هيبته الناس
فخامرني ما خانني قدمي له ... وإن ردّ عيني نفرة الجأش إيناس
وذاك مقام لا نوفّيه حقّه ... إذا لم ينب فيه عن القدم الرأس
لئن عثرت رجلي فليس لمقولي ... عثار وكم زلّت أفاضل أكياس
قال العماد: وكان- رحمه الله- عفيف الذيل، غير طفيف الكيل، صائم
النهار، قائم الليل، متبحّرا في الأدب، خبرا بعلم النسب.
وقال ياقوت: «وله تصانيف كثيرة منها: كتاب تاريخ أبيورد ونسا، كتاب
المختلف والمؤتلف، كتاب قبسة العجلان في نسب آل أبي سفيان، كتاب نهزة
الحافظ، كتاب المجتبى من المجتنى في رجال، كتاب أبي عبد الرحمن النسائي
في السنن المأثورة وشرح غريبه، كتاب ما اختلف وائتلف في أنساب العرب،
كتاب طبقات العلم في كل فن، كتاب كبير في الأنساب، كتاب تعلّة المشتاق
إلى ساكني العراق، كتاب كوكب المتأمّل يصف فيه الخيل، كتاب تعلّة
المقرور في وصف البرد والنيران وهمذان، كتاب الدرّة الثمينة، كتاب صهلة
القارح، رد فيه على المعرّي وسقط الزند» .
وقال أبو الفتح محمد بن علي النطنزي: سمعت الأبيوردي يقول: كنت ببغداد
عشرين سنة
(35/187)
197- مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن عَبْد
الواحد بْن عَبْد اللَّه بْن عَبْد الواحد بْن عَبْد الله بْن محمد بْن
الحجاج بْن مندوَيْه [1] .
أبو منصور الإصبهاني، الشُّرُوطيّ، المعدّل.
سَمِعَ: أبا نُعَيْم.
روى عَنْهُ: أبو موسى الْمَدِينيّ، وقال: تُوُفّي في الثّامن، وقيل
السّادس، والعشرين مِن جُمَادَى الآخرة.
198- محمد بْن عيسى بْن محمد اللَّخْميّ [2] .
أبو بَكْر الأندلسيّ، الشّاعر، المعروف بابن اللّبّانة الدّانيّ.
كَانَ مِن جِلّة الأُدباء وفحول الشّعراء، مَعِين الطّبع، واسع
الذَّرْع، عزيز الأدب، قويّ العارضة، متصرّفًا في البلاغة.
لَهُ تصانيف. لَهُ كتاب «مناقل الفتنة» ، وكتاب «نَظْم السُّلوك في وعظ
الملوك» ، وكتاب «سقيط الدّرّ ولقيط الزّهر» في شِعْر ابن عبّاد، ونحو
ذلك. وديوان شعره موجود.
__________
[ () ] حتى أمرّن طبعي على العربية، وبعد أنا أرتضخ لكنة. (معجم
الأدباء 16/ 244) .
وقد طوّل ياقوت ترجمته، فذكر مزيدا من أخباره وأشعاره.
ووقع في المطبوع من (وفيات الأعيان 4/ 449) ، وكانت وفاة الأبيوردي
المذكور بين الظهر والعصر يوم الخميس العشرين من ربيع الأول سنة سبع
وخمسين وخمسمائة بأصبهان مسموما! والصواب: سنة سبع وخمسمائة.
«أقول» : ذكره ابن السمعاني مرتين، إحداهما في مادّة «الأبيوردي» ،
بفتح أوله وكسر ثانيه وياء ساكنة، وفتح الواو، وسكون الراء، ودال
مهملة، نسبة إلي الأبيورد، ويقال لها: أبا ورد، وباورد، وهي من بلاد
خراسان بين سرخس ونسا.
والأخرى، في مادّة: «الكوفني» بضم الكاف، وسكون الواو، وفتح الفاء، وفي
آخرها النون.
هذه النسبة إلى كوفن، وهي بليدة صغيرة على ستة فراسخ من أبيورد.
[1] لم أجده.
[2] انظر عن (محمد بن عيسى) في: تكملة الصلة 145، وقلائد العقيان 282-
290، والحلّة السيراء 2/ 35، 53، 58، 66، 68، 71، 87، 91، 173، ووفيات
الأعيان 5/ 27، والعبر 4/ 15، وعيون التواريخ 12/ 34- 41، والبيان
المغرب 2/ 409، ومرآة الجنان 3/ 197، والمعجب 143، وفوات الوفيات 2/
514، والوافي بالوفيات 4/ 297، وشذرات الذهب 4/ 20، وكشف الظنون 7993
1963، وإيضاح المكنون 1/ 218 و 2/ 562، وهدية العارفين 2/ 83، ومعجم
المؤلفين 11/ 108.
(35/188)
أخذ عَنْهُ: أبو عَبْد الله بْن الصَّفّار.
وتُوُفّي بمَيُورقَة.
وقد سُقْتُ من شِعْره في ترجمة المعتمد بْن عبّاد. وكان مِن كبراء دولة
محمد بن صمادح.
وهو القائل في صاحب مَيُورقَة مبشّر العامريّ:
وضَحتْ وقد فضحتْ ضياءَ النّيّر ... فكأنّما التحفتُ ببشِرْ مبشّر
وتبسّمتْ عَنْ جوهرٍ فحسِبْتُهُ ... ما قلّدته محامدي مِن جوهر
وتكلَّمتْ فكان طِيبُ حديثها ... متعب منه بطيب مسك وأذفر
هزّت بنَغَمة لفْظِها نفسي، كما ... هزّت بذِكراه أعالي المِنْبرِ
ولثمت فاها فاعتقدت بأنّني ... مِن كفّه سوّغت لثْم الخِنْصَر
بمعاطِف تحت الذّوائب خِلْتُها ... تحت الخوافق ما لَهُ مِن سمْهَرِي
ملك أزِرّة بُردِه ضُمّت عَلَى ... بأس الوصيّ وعزْمة الإسكندر
وهي طويلة [1] .
199- محمد بْن محمد بْن أحمد بْن محمد [2] .
الآبنُوسي، أبو غالب بن أبي الحسين.
روى عن أبيه.
__________
[1] وقال ابن الأبّار:
من بني المنذرين وهو انتساب ... زاد في فخره بنو عبّاد
فتية لم تلد سواها المعالي ... والمعالي قليلة الأولاد
(الحلّة السيراء 2/ 35) .
وكتب ابن اللبّانة إلى عزّ الدولة لما توفي أبوه المعتصم وخلع هو وسائر
إخوته وقد وافاه منتجعا:
يا ذا الّذي هزّ أمداحي بحليته ... وعزّه أن يهزّ المجد والكرما
واديك لا زرع فيه كنت تبذله ... فخذ عليه لأيام المنى سلما
فوجّه إليه بما أمكنه، وكتب معه:
المجد يخجل من يفديك في زمن ... ثناه عن واجب البرّ الّذي علما
فدونك النزر من مصف مودّته ... حتى يوفيك أيام المنى السّلما
(الحلّة 2/ 91، 92) .
[2] لم أجده.
(35/189)
وعنه: المُعَمَّر بْن أحمد، وأبو طاهر
السّلَفيّ.