تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام، ت تدمري

 [المجلد الأربعون (سنة 571- 580) ]
بسم الله الرّحمن الرّحيم
الطبقة الثامنة والخمسون
سنة إحدى وسبعين وخمسمائة
[جلوس ابْن الجوزي تحت المنظرة]
قال ابْن الجوزيّ [1] : تُقُدَّمَ إليّ بالجلوس تحت المنظرة، فتكلَّمت فِي ثالِث المُحَرَّم والخليفة حاضر، وكان يوما مشهودا. ثُمَّ تُقَدَّمَ إليَّ بالجلوس يوم عاشوراء فكان الزّحام شديدا زائدا على الحدّ، وحضر أمير المؤمنين [2] .
[القبض على أستاذ الدار صندل]
وفي صَفَر قبض على أستاذ الدّار صندل الّذي جاء فِي الرّسليّة إلى نور الدّين، وعلى خادمين أرجف النّاس أنَهم تحالفوا على سوء. وولّي أبو الفضل ابن الصّاحب أستاذيّةالدار، وولّي مكانه في الحجابة ابْن النَّاقد [3] .
[زواج بنت ابْن الجوزيّ]
قال ابْن الجوزيّ [4] : وكانت ابنتي «رابعة» قد خُطِبَت، فَسَأل الزّوج أن يكون العقُد بباب الحُجْرة، فحضرنا يوم الجمعة، وحضر قاضي القضاة، ونقيب النُقباء، فزوَّجتها بأبي الفَرَج بْن الرشيد الطبريّ، وتزوَّج حينئذٍ ولدي أَبُو القاسم بابنة الوزير عون الدّين بْن هبيرة [5] .
__________
[1] في المنتظم 10/ 256 (18/ 218) .
[2] انظر: تاريخ الخميس 2/ 409.
[3] المنتظم 10/ 256 (18/ 218) ، الكامل في التاريخ 11/ 434، مرآة الزمان 8/ 331، النجوم الزاهرة 6/ 76.
[4] في المنتظم 10/ 257 (18/ 219) .
[5] مرآة الزمان 8/ 331، 332.

(40/5)


قلت: «رابعة» هِيَ والدة الواعظ شمس الدّين بْن الجوزيّ، لم يَطُل عُمَر ابْن رشيد معها، ثمّ تزوَّجها أَبُو شمس الدّين.
وأمّا ابنه أَبُو القاسم فإنّه تحارب وصار ينسخ بالأجرة، وهو ممَّن أجاز للقاضي تقيّ الدّين الحنبليّ.
[كلام ابْن الجوزيّ تحت المنظرة]
قال [1] : وتكلّمت فِي رجب تحت المنظرة وازدحم الخَلْق، وحضر أمير المؤمنين. وكنت إذا تكلَّمت أصعد المِنْبر، ثمّ أضع الطّرحة إلى جانبي، فإذا فرغتُ أَعدتُها.
وكان المستضيء باللَّه كثيرا ما يحضر مجلس ابْن الجوزيّ فِي مكان من وراء السَّتْر، وقال مَرَّةٌ: ما على كلام ابْن الجوزيّ مَزِيد. يعني فِي الحُسْن [2] .
[كثرة الرفض]
قال [3] : وكان الرَّفْض قد كَثُر، فكتب صاحب المخزن إلى أمير المؤمنين إنُ لَمْ تُقَو يد ابْن الجوزيّ لم يُطق رفْع البِدَع. فكتب بتقوية يدي، فأخبرت النّاس بذلك على المِنْبر، فقلت: إنْ أمير المؤمنين صلوات اللَّه عَلَيْهِ قد بلغه كَثْرة الرَّفْض، وقد خرج توقيعه بتقوية يدي فِي إزالة البِدَع، فَمَن سمعتموه يسبّ فأخبروني حتّى أخرّب داره وأسجنه. فانكفّ النّاس.
وأمر بمنع الوُعَّاظ إلَّا ثلاثة أَنَا، وأبو الخير القزوينيّ مِنَ الشّافعيّة، وصهر العَبادي مِنَ الحنفيّة. ثمّ سُئلَ فِي ابن الشّيخ عبد القادر، فأطلق [4] .
__________
[1] في المنتظم 10/ 257 (18/ 220) .
[2] المنتظم 10/ 258 (18/ 221) .
[3] ابن الجوزي في المنتظم 10/ 259 (18/ 222) .
[4] المنتظم 10/ 259 (18/ 222) .

(40/6)


[خروج المستضيء إلى كشكه]
وفي ذي القعدة خرج المستضيء إلى الكشك الَّذِي جدّده راكبا، والدّولة مُشَاة، ورآه النّاس، ودعوا لَهُ [1] .
[ولاية المخزن]
وفِيهَا خُلِع على الظَّهير بْن العطّار بولاية المخزن [2] .
[وليمة الوزير ابْن رئيس الرؤساء]
وفِيهَا عمل الوزير ابْن رئيس الرؤساء دعوة جمع فِيهَا أرباب المناصب، وخَلَع عليَّ، ونُصَب لي مِنْبر فِي الدّار، وحضر الخليفة الدّعوة، فلمّا أكلوا تكلَّمت، وحضر السّلطان والدّولة، وجميع علماء بغداد ووُعَّاظها إلَّا
النّادر [3] .
[الفتنة بِمَكَّةَ]
وفِيهَا أرسِل إلى صاحب المدينة تقليد بِمَكَّةَ، فجرت فتنة لذلك بِمَكَّةَ، وقُتل جماعة. ثمّ صعِد أميرُ مَكَّة المعزول، وهو مكثر بْن عيسى بْن فُليتَة، إلى القلعة الّتي على أَبِي قُبَيْس، ثمّ نزل وخرج عَن مَكَّة. ووقع النَّهب بمكّة، وأحرقت دور كثيرة [4] .
وحكى القليوبيّ في «تاريخه» أنّ الرَّكْب خرجوا عَن عَرَفَات، ولم يبيتوا بمُزْدَلِفَة، ومرّوا بها، ولم يقدروا على رَمْي الْجِمار، وخرجوا إلى الأبَطح، فبكّروا يوم العيد، وقد خرج إليهم من يحاربهم من مكّة، فتطاردوا وقتل
__________
[1] المنتظم 10/ 259 (18/ 222) .
[2] المنتظم 10/ 259 (18/ 222) .
[3] المنتظم 10/ 259، 260 (18/ 223) .
[4] المنتظم 10/ 260 (18/ 224) ، الكامل في التاريخ 11/ 432، شفاء الغرام (بتحقيقنا) 2/ 367.

(40/7)


جماعة بين الفريقين. ثمّ آل الأمرُ إلى أن أصيح فِي النّاس: الغَزَاة إلى مَكَّة [1] .
قال ابْن الجوزيّ [2] : فحدّثني بعض الحاجّ أنْ زرَّاقا ضرب بالنّفط دارا فاشتعلت، وَلَا حَوْلَ وَلَا قوَّة إلَّا باللَّه، وكانت تلك الدّار لأيتام، ثمّ سَوَّى قارورة نفُط ليضرب بها، فجاء حجرٌ فكسرها، فعادت إليه وأحرقته. وبقي ثلاثة أيّام فتفسّخ الْجَسَد، ورأى بنفسه العجائب، ثُمّ مات.
قال [3] : ثمّ ذلك الأمير الجديد قَالَ: لَا أجْسُر أن أُقيم بعد الحاجّ بِمَكَّةَ. فأمّروا غيره.
[وقعة تلّ السلطان]
وفِيهَا كانت وقعة تلّ السّلطان، وحديث ذلك أنَّ عسكر المَوْصِل نكَثوا وحَنَثوا ووافوا تلَّ السّلطان بنواحي حلب فِي جُمُوع كثيرة، وعلى الكُلّ السّلطان سيف الدّين غازي بْن مودود بْن زنكي، فالتقاهُم السّلطان صلاح الدّين فِي جَمْعٍ قليل، فهزمهم وأسَرَهم، ونهب، وحَقَنَ دِماءهم. ثمّ أحضر الأمراء الّذين أسرهم فأطْلقهم ومَنَّ عليهم [4] .
قال ابْن الأثير [5] : لم يُقتل من الفريقين- على كثرتهم- إلّا رجل
__________
[1] المنتظم 10/ 260 (18/ 224) .
[2] في المنتظم 10/ 260 (18/ 224) .
[3] في المنتظم 10/ 260 (18/ 224) .
[4] النوادر السلطانية 51، 52، سنا البرق الشامي 1/ 201، 204، الكامل في التاريخ 11/ 427- 429، زبدة الحلب 3/ 26، مفرّج الكروب 2/ 39، الروضتين ج 1 ق 2/ 649- 655، تاريخ الزمان 192، المغرب في حلى المغرب 146، 147، مرآة الزمان 8/ 333، نهاية الأرب 28/ 378، المختصر في أخبار البشر 3/ 58، العبر 4/ 212، دول الإسلام 2/ 85، تاريخ ابن الوردي 2/ 86، البداية والنهاية 12/ 293، تاريخ ابن خلدون 5/ 256، 257، السلوك ج 1 ق 1/ 61، شفاء القلوب 88- 91، تاريخ ابن سباط 1/ 146، تاريخ الأزمنة للدويهي 176.
[5] في الكامل 11/ 428 و 429.

(40/8)


واحد. ووقفتُ على جريدة العَرْض، فكان عسكر سيف الدّين غازي فِي هذه الوقعة يزيدون على ستّة آلاف فارس، والرّجّالة، أقلّ من خمسمائة.
[فتوحات صلاح الدين]
قلت: سار صلاح الدّين إلى مَنْبِج فأخذها، ثمّ سار إلى عزاز، فنازل القلعة ثمانية وثلاثين يوما، وورد عَلَيْهِ وهو محاصرها قومٌ مِنَ الفداويّة، وجُرِح فِي فخذه، وأخِذوا وقُتِلوا. ثمّ افتتح عزاز [1] .
[كتاب فاضليّ إلى الخليفة]
ومن كِتَاب فاضليّ عَن صلاح الدين إلى الخليفة «يطالع أنّ الحلبيّين والمَوْصِليين، لمّا وضعوا السّلاح، وخفضوا الجناح، اقتصرنا بعد أن كانت البلاد فِي أيدينا على استخدام عسكر الحلبيّين فِي البيكارات [2] إلى الكُفْر، وعرضنا عليهم الأمانة فحملوها، والأيْمان فبذلوها. وسار رسولنا، وحَلَّف صاحب الموصل يمينا، جعلَ اللَّه فِيهَا حَكَمًا. وعاد رسوله ليسمع منّا اليمين، فلمّا حَضَر وأحضر نسختها أومأ بيده ليخرجها، فأخرج نسخة يمينٍ كانت بين المَوْصِليين والحلبيّين على حرْبنا، والتَّسَاعُد على حَزْبِنا. وقد حَلَفَ بها كمُشْتِكِين الخادم بحلب، وجماعة معه يمينا نقضت الأوَّل، فردَدْنا اليمين إلى يمين الرَّسُول، وقلنا: هذه يمين عَن الأيمان خارجة، وأردت عمرا وأراد اللَّه خارجة. وانصرف الرَّسُول. وعِلمنا أنّ النّاقد بصير، والمواقف الشّريفة
__________
[1] النوادر السلطانية 52، سنا البرق الشامي 1/ 209- 216، الكامل في التاريخ 11/ 430، 431، زبدة الحلب 3/ 28- 30، مفرّج الكروب 2/ 45، الروضتين ج 1 ق 2/ 662، تاريخ مختصر الدول 216، تاريخ الزمان 192، المغرب في حلى المغرب 147، الأعلاق الخطيرة ج 3 ق 1/ 117 (572 هـ.) ، نهاية الأرب 28/ 380، المختصر في أخبار البشر 3/ 58، العبر 4/ 212، دول الإسلام 3/ 85، تاريخ ابن الوردي 2/ 86، مرآة الجنان 3/ 393، البداية والنهاية 12/ 293، تاريخ ابن خلدون 5/ 257، السلوك ج 1 ق 1/ 61، 62، شفاء القلوب 92، تاريخ ابن سباط 1/ 146، 147، شذرات الذهب 4/ 238.
[2] البيكارات: جمع البيكار، وهي كلمة فارسية بمعنى الحرب.

(40/9)


مستخرجة الأوامر إلى المَوْصِليّ إمّا بكتابٍ مؤكَّد بأن لا ينقض العهد، وإمّا الفُسْحَة لنا فِي حربه» [1] .
[استعراض صلاح الدين ذخائر ابْن حسّان]
وقال ابْن أَبِي طيِّئ: لمّا ملك صلاح الدّين مَنْبِج فِي شوّال صعِد الحصنَ، وجلس يستعرض أموال ابْن حسّان وذخائره، فكانت ثلاثمائة ألف دينار، فرأى على بعض الأكياس والآنية مكتوبا «يوسف» . فسأل عَن هذا الاسم، فقيل: لَهُ ولدٌ يحبُه اسمه يوسف، كان يدّخر هذه الأموال لَهُ. فقال السّلطان: أَنَا يوسف، وقد أخذتُ ما جَبَى لي [2] .
[جرح السلطان من الحشيشية]
ومن كِتَاب السّلطان إلى أخيه العادل يقول: ولم يَنَلْني مِن الحشيشيّ الملعون إلَّا خَدْش قَطَرتْ منه قَطَرَات دمٍ خفيفة، انقطعت لوقتها، واندملت لساعتها [3] .
[منازلة حلب]
وأما صلاح الدّين فسار من عزاز فنازل حلب فِي نصف ذي الحجّة، وقامت العامّة فِي حِفْظها بكُل ممكن. وصابَرَها صلاح الدّين شهرا، ثمّ تردَّدَت الرُسُل فِي الصُّلْح، فترحَّلَ عَنْهُمْ، وأطلق لابنة نور الدّين قلعة عزاز [4] .
__________
[1] قارن النص بكتاب الروضتين ج 1 ق 2/ 648.
[2] الروضتين ج 1 ق 2/ 656 وفيه: «ما خبيء لي» ، وانظر: السلوك ج 1 ق 1/ 61.
[3] سنا البرق الشامي 1/ 216، الروضتين ج 1 ق 2/ 659، مرآة الزمان 8/ 335، الدرّ المطلوب 60، العبر 4/ 212، البداية والنهاية 12/ 293، السلوك ج 1 ق 1/ 61، النجوم الزاهرة 6/ 76، شذرات الذهب 4/ 238، 239.
[4] النوادر السلطانية 52، سنا البرق الشامي 1/ 209- 216، الكامل في التاريخ 11/ 430، 431، مفرّج الكروب 2/ 45، زبدة الحلب 3/ 28- 30، الروضتين ج 1 ق 2/ 662، تاريخ مختصر الدول 216، تاريخ الزمان 193، نهاية الأرب 28/ 381، المختصر في-

(40/10)


[كسوف الشمس]
قال ابْن الأثير [1] : وفي رَمَضَان انكسفت الشمس ضَحْوة نهار، وظهرت الكواكب، حتّى بقي الوقت كأنّه ليلٌ مظلم، وكنت صبيّا حينئذ.
__________
[ (-) ] أخبار البشر 3/ 58، المغرب في حلى المغرب 147، الأعلاق الخطيرة ج 3 ق 1/ 117 (572 هـ.) ، نهاية الأرب 28/ 381، الدر المطلوب 60، العبر 4/ 212، دول الإسلام 2/ 85، تاريخ ابن الوردي 2/ 786 مرآة الجنان 3/ 393، البداية والنهاية 12/ 293، تاريخ ابن خلدون 5/ 257، السلوك ج 1 ق 1/ 61، 62، شفاء القلوب 92، تاريخ ابن سباط 1/ 146، 147.
[1] في الكامل 11/ 433.

(40/11)


سنة اثنتين وسبعين وخمسمائة
[وعظ ابْن الجوزيّ]
فِي المحرَّم وعَظَ ابْن الجوزيّ، وحضر الخليفة فِي المنظرة، وازدحمت الأمَم [1] .
[عرس ابْنَة ابْن الجوزيّ]
قال [2] : وكان عُرس ابنتي رابعة، وحضرت الجهة المعظَّمة، وجهَّزَتْها مِن عندها بمالٍ كثير.
[نقص دجلة]
وفي صَفَر نقصت دِجْلة واخترقت حتّى ظهرت جزائر كثيرة، وكانوا يجرّون السُفُن فِي أماكن [3] .
[البَرَد فِي بغداد]
جاء فِي آب بردٌ شديد ببغداد، فنزلوا عَن الأسطحة، ثمّ عاد الْحَرُّ [4] .
[وعظ ابْن الجوزي بجامع القصر]
وفي جُمَادَى الآخرة وَعَظْتُ بجامع القصر، واجتمع خلائق، فحزَروًا الجمْعَ بمائة ألف، وكان يوما مشهودا [5] .
__________
[1] المنتظم 10/ 262 (18/ 226) .
[2] ابن الجوزي في: المنتظم 10/ 262 (18/ 226) .
[3] المنتظم 10/ 262 (18/ 227) .
[4] المنتظم 10/ 262 (18/ 227) .
[5] المنتظم 10/ 263 (18/ 228) .

(40/12)


[وقعة السلجوقي الطامع بالسلطنة]
وفيها قارب بغدادَ بعض السّلجوقيّة ممّن يروم السّلطنة، وجاء رسوله ليُؤذن لَهُ فِي المجيء، فلم يلتفت إليه، فجمع جَمْعًا، ونهب قُرى، فخرج إليه عسكر فَتَواقعُوا. وخرج جماعة. وعاد العسكر فعاد هُوَ إلى النَّهْب، فردّ إليه العسكر وعليهم شُكر الخادم، فترحَّل إلى ناحية خُراسان [1] .
[الزلزلة بالريّ وقزوين]
وفِيهَا كانت بالرّيّ وقَزْوين زلزلةٌ عظيمة.
[معاقبة الطحّان]
وفِيهَا قَالَ رجلٌ لطحّان: أعطني كارة دقيق. فقال: لَا. فقال: وَاللَّه ما أبرح حتّى آخُذ. فقال الطّحّان: وحقّ عليّ الَّذِي هُوَ خير من اللَّه ما أُعطيك.
فشهد عَلَيْهِ جماعة، فَسُجِن أيّاما. ثمّ ضُرِب مائة سَوط، وسُود وجهُهُ وصُفِعَ والنّاس يرجمونه، وأعيدَ إلى الحبس [2] .
[جلوس ابْن الجوزيّ]
وجلس ابْن الجوزيّ فِي السّنة غير مرّة، يحضر فِيهَا الخليفة [3] .
[وقعة الكنز]
وفِيهَا كانت وقعة الكنز مقدَّم السّودان بالصّعيد، جَمَعَ خَلْقًا عظيما، وسار إلى القاهرة فِي مائة ألف ليُعيد دولة العُبيديين، فخرج إليه العادل سيف الدّين، وأبو الهيجا الهكّاريّ، وعزّ الدّين موسك، فالتقوا، فقتل الكنز، وما
__________
[1] المنتظم 10/ 264 (18/ 229، 230) .
[2] المنتظم 10/ 267 (18/ 232) .
[3] انظر المنتظم 10/ 265 و 267 (18/ 231 و 232) .

(40/13)


انتطح عَنْزٌ مع عَنْز، وقُتل خلْقٌ عظيم من جموعه، حتّى قِيل إنّه قُتِلَ منهم ثمانون ألفا. كذا قَالَ أَبُو المظفّر بْن قزغليّ [1] ، فاللَّه أعلم بذلك.
[أخذ صلاح الدين منبج]
وفِيهَا أخذ صلاح الدّين مَنْبِج من صاحبها قُطْب الدّين ينال بْن حسّان المَنْبِجي، وكان قد ولّاه إيّاها الملكُ نورُ الدّين لمّا انتزعها نور الدّين من أخيه غازي بْن حسّان [2] .
[مصالحة صلاح الدين حلب]
وفِيهَا حاصر صلاح الدّين حلب مدّة،. ثم وَقَعَ الصُلْح، وأبقَى حلب على الملك الصّالح ابْن نور الدّين وردّ عَلَيْهِ عزاز [3] .
[تخريب مصياف]
وعاد إلى مَصْياف، بلد الباطنيّة، فنصب عليها المجانيق، وأباح قتْلهم، وخرّب بلادهم، فضرعوا إلى شهاب الدّين صاحب حماه، خال السّلطان، فَسَأل فيهم، فترحّل [4] عنهم.
__________
[1] في مرآة الزمان 8/ 338، وانظر: مرآة الجنان 3/ 397، والنجوم الزاهرة 6/ 78، وشذرات الذهب 4/ 241.
[2] مرآة الجنان 3/ 393، زبدة الحلب 3/ 28.
[3] الدرّ المطلوب 61.
[4] سنا البرق الشامي 1/ 217، الكامل في التاريخ 11/ 436، زبدة الحلب 3/ 30، 31، مفرّج الكروب 2/ 48، تاريخ الزمان 193، الروضتين ج 1 ق 2/ 668، نهاية الأرب 28/ 381، المختصر في أخبار البشر 3/ 59، العبر 4/ 212، دول الإسلام 2/ 85، 86، ووقع فيه «ميصاف» ، وهو غلط، البداية والنهاية 12/ 294، 295، تاريخ ابن الوردي 2/ 7، تاريخ ابن خلدون 5/ 257، تاريخ ابن سباط 1/ 147، شفاء القلوب 92، تاريخ الأزمنة 176، 177.

(40/14)


[بناء سور مِصْر]
وتوجّه إلى مِصْر وأمَرَ ببناء السّور الأعظم المحيط بمصر والقاهرة، وجعل على بنائه الأمير قراقوش [1] .
قال ابْن الأثير [2] : دوره تسعة وعشرون ألف ذراع وثلاثمائة ذراع بالقاسميّ [3] ، ولم يزل العمل فِيهِ إلى أن مات صلاح الدّين.
وقال أَبُو المظفر ابْن الجوزيّ [4] : ضيَّع فِيهِ أموالا عظيمة، ولم ينتفع به أحد وأمَرَ بإنشاء قلعة بجبل المقطَّم وهي الّتي صارت دار السّلطنة.
قال ابْن واصل [5] : شرع بهاء الدّين قراقوش الأسَدي فيها، وقطع الخندق وتعميقه، وحَفَر واديه، وهناك مسجد سعد الدّولة، فدخل فِي القلعة، وحفر فِيهَا بئرا كبيرا فِي الصَّخْر. ولم يتأتَّ هذا بتمامه إلَّا بعد موت السّلطان بمدّة. وبعد ذلك كمل السّلطان الملك الكامل ابْن أخي صلاح الدّين العمارات بالقلعة وسكنها. وهو أوّل من سكنها. وإنّما كان سُكْناه وسُكْنى من قبِله بدار الوزارة بالقاهرة [6] .
__________
[1] سنا البرق الشامي 1/ 239، الكامل في التاريخ 11/ 437، الروضتين ج 1 ق 2/ 687، مفرّج الكروب 2/ 52، المختصر في أخبار البشر 3/ 59، العبر 4/ 213، مرآة الجنان 3/ 397، السلوك ج 1 ق 1/ 63، المواعظ والاعتبار 2/ 204- 209، تاريخ ابن سباط 1/ 148، بدائع الزهور ج 1 ق 1/ 242، النجوم الزاهرة 6/ 78، تاريخ الخلفاء 447، شفاء القلوب 93، تاريخ الأزمنة 177، شذرات الذهب 4/ 241، مآثر الإنافة 2/ 53.
[2] في الكامل 11/ 437.
[3] في طبعة صادر من الكامل 11/ 437 «الهاشمي» وكذا في: المختصر لأبي الفداء 3/ 59، أما في: السلوك ج 1 ق 1/ 63، وبدائع الزهور ج 1 ق 1/ 242 «بذراع العمل» ، أخبار الدول 2/ 182، 183، سنا البرق الشامي 1/ 239، 240.
[4] في مرآة الزمان 8/ 338.
[5] في مفرّج الكروب 2/ 51.
[6] أخبار الدول 2/ 183، تاريخ الأزمنة 177، شذرات الذهب 4/ 241.

(40/15)


[سماع السلطان من السلَفيّ]
ثمَّ سافر إلى الإسكندريّة، وسمع فِيهَا من السّلفيّ، وتردَّد إليه مرَّات عديدة، وأسمع منه ولديه الملك العزيز، والملك الأفضل [1] .
[بناء تربة الشافعيّ]
ثم عاد إلى مِصْر وبنى تربة الشافعيّ رضي اللَّه عنه [2] .
__________
[1] الروضتين ج 1 ق 2/ 689، العبر 4/ 214، البداية والنهاية 12/ 296، السلوك ج 1 ق 1/ 63.
[2] سنا البرق الشامي 1/ 241، مرآة الزمان 8/ 339، المختصر في أخبار البشر 3/ 59، البداية والنهاية 2/ 296، السلوك ج 1 ق 1/ 63، النجوم الزاهرة 6/ 79، تاريخ الخلفاء 448، شفاء القلوب 93، أخبار الدول 2/ 183.

(40/16)


سنة ثلاث وسبعين وخمسمائة
[العفو عن تتامش]
في أوَّلها دخل بغداد تتامِش الأمير الَّذِي خرج مع قَيماز، ونزل تحت التّاج، وقَبلَ الأرض مرارا، فعُفي عَنْهُ، وأعطي إمريّة [1] .
[وعظ ابْن الجوزيّ]
وحضر ابْن الجوزيّ مرّتين فوعظ، وأمير المؤمنين يسمع، واجتمع خَلْق لَا يُحْصَوْن [2] .
وجَرَت ببغداد هَمْرَجة، وقُبِض على صاحب الحجاب وعلى جماعة [3] .
[فتوى لابن الجوزيّ]
قال ابْن الجوزيّ [4] : وجاءتني فتوى [5] فِي عَبْدٍ وأَمَةٍ، أعتقهما مولاهما، وزوَّج أحدهما بالآخر، فبقيت معه عشرين سنة، وجاءت منه بأربعة أولاد، ثمّ بانَ الآن أنها أخته لأبَوَيْه، وقد وقعا فِي البكاء والنّحيب. فعجِبْتُ من وقوع هذا، وأعلمتهما أنّه لَا إثم عليهما، وبوجوب العُدة، وأنْه يجوز لَهُ النَّظر إليها نَظَره إلى أخته، إلَّا أنّه يخاف على نفسه.
__________
[1] المنتظم 10/ 269 (18/ 235) ، مرآة الزمان 8/ 342.
[2] المنتظم 10/ 269 (18/ 235) ، دول الإسلام 2/ 86.
[3] المنتظم 10/ 269 (18/ 235) .
[4] في المنتظم 10/ 271 (18/ 237، 238) .
[5] في الأصل: «فتوة» .

(40/17)


[تكلُم ابْن الجوزيّ]
وفي ليلة رجب تكلَّمت تحت المنظرة الشّريفة، والخليفة حاضر، ومِن الغد حضرنا دعوة الخليفة الّتي يعملها كلَّ رجب، وحضر الدّولة، والعُلماء، والصُّوفية، وختمت ختْمة، وخلع على جماعةٍ كثيرة، وأنصرفَ مَن عادته الانصراف، وبات الباقون على عادتهم لسماع الأبيات، وفرّق عليهم المال [1] .
[بناء مسجد عظيم ببغداد]
وفِيهَا عمل الخليفة مسجدا عظيما ببغداد، وجعل إمامه حنبليّا، وزَخْرفه. وتقدّم إليّ فصلّيت فِيهِ التّراويح [2] .
وتكلَّمت فِي رَمَضَان فِي دار صاحب المخزن وازدحموا، وكان الخليفة حاضرا [3] .
[هبوب الريح ببغداد]
وفي شوّال هبّت ريحٌ عظيمة ببغداد، فزلزلت الدُّنيا بتُرابٍ عظيم، حتّى خيف أن يكون القيامة [4] .
[وقوع البَرَد]
وجاء بَرَدٌ ودام ساعة، ووقعت مواضع على أقوام، ومات بعضهم [5] .
[اغتيال الوزير ابْن رئيس الرؤساء]
وتهيّأ الوزير ابن رئيس الرؤساء للحجّ، فقيل إنّه اشترى ستّمائة جمل،
__________
[1] المنتظم 10/ 271 (18/ 238) .
[2] المنتظم 10/ 272 (18/ 239) .
[3] المنتظم 10/ 272 (18/ 239) .
[4] المنتظم 10/ 272 (18/ 239) ، الكامل في التاريخ 11/ 446.
[5] المنتظم 10/ 272 (18/ 239) .

(40/18)


منها مائة للمنقطعين، ورحل فِي رابع ذي القعدة، فلمّا وصل فِي الموكب إلى باب قطفتا [1] قَالَ رَجُل: يا مولانا أَنَا مظلوم. وتقرّب، فزجره الغلمان، فقال: دعوه. فتقدَّم إليه، فضربه بسكّين فِي خاصرته، فصاح الوزير: قتلني.
ووَقَعَ وانكشف رأسه، فغطّى رأسه بكمّه على الطّريق، وضُرِب ذلك الباطنيّ بسيف. فعاد وضرب الوزير، فَهَبرُوه بالسّيوف. وقيل: كانوا اثنين، وخرج منهم شابُ بيده سكّين فَقُتِلَ، ولم يعمل شيئا، وأحْرِقَ الثّلاثة. وحُمِل الوزير إلى داره، وجُرِح الحاجب.
وكان الوزير قد رَأَى أنّه مُعَانِق عثمان رضي اللَّه عنه، وحكى عَنْهُ ابنه أنّه اغتسل قبل خروجه، وقال: هذا غُسل الْإِسْلَام فإنّي مقتولٌ بلا شكّ. ثمّ مات بعد الظُهْر، ومات حاجبه باللّيل.
وعُمِل عزاء الوزير، فلم يحضره إلّا عددٌ يسير، فتُعُجب من هذه الحال فإنّه قد يكون عزاء تاجر أحسن من ذلك. وكان انقطاع الدّولة إرضاء لصاحب المخزن.
ولما كان فِي اليوم الثّاني لم يقعد أولاده، فلمّا علم السّلطان بالحال أمَرَ أرباب الدّولة بالحضور فحضروا. وتكلَّمتُ على كُرسي [2] .
[حجابة ابْن طلحة الباب]
ثمّ وُلي ابْن طلحة حجابة الباب، وبعث صاحب المخزن بعلامة بعد ثلاثٍ إلى الأمير تتامش فحضر، فوكّل به فِي حُجرةٍ من داره، ونفّذ إلى بيته، فأخذت الطّبل والكوسات، وكلّ ما فِي الدار. واختلفت الأراجيف فِي دينه، وقيل إنه اتُهم بالوزير، وخيف أن تكون نيّته رزيّة للخليفة، فقيل إنّه كاتب أمراء خراسان، وما صحّ ذلك.
__________
[1] قطفتا: اسم قرية صارت الآن من محلّات بغداد، وكانت مجاورة لمقبرة الشيخ معروف الكرخي.
[2] المنتظم 10/ 273، 274 (18/ 240، 241) ، الكامل في التاريخ 11/ 446، 447، الروضتين ج 1 ق 2/ 714، 715، مرآة الزمان 8/ 346- 349، دول الإسلام 2/ 786 مختصر التاريخ لابن الكازروني 241، خلاصة الذهب المسبوك 279.

(40/19)


وناب صاحب المخزن فِي الوزارة [1] .
[فتنة اليهود]
وجاء أهل المدائن فشكوا من يهود المدائن، فإنّهم قَالُوا لهم: قد آذيتمونا بكثرة الأذان. فقال المؤذّن: لَا نبالي تأذّيتم أو لَا. فتناوشوا وجَرَت بينهم خصومة استظهر فِيهَا اليهود، فجاء المسلمون مستصرخين إلى صاحب المخزن، فأمر بحبْس بعضهم، ثمّ أطلقهم فاستغاثوا يوم الجمعة بجامع الخليفة، فخفّف الخطيب. فلمّا فرغت الصّلاة استغاثوا، فخرج إليهم الْجُند فضربوهم ومنعوهم، فانهزموا. فغضب العوامّ نُصْرة للإسلام، فضجّوا وشتموا، وقلعوا طوابيق الجامع، وضربوا بها الْجُنْد وبالآجُر، وخرجوا فنهبوا المخلّطين [2] ، لأنّ أكثرهم يهود. فوقف صاحب الباب بيده السّيف مجذوبا، وحمل على النّاس ثانية فرجموه، وانقلب البلد، ونهبوا الكنيسة، وقلعوا شبابيكها، وقطّعوا [التوراة] [3] ، واختفى اليهود. فتقدَّم الخليفة بإخراب كنيسة المدائن، وأن تُجعل مسجدا [4] .
[خروج لصوص من الحبس]
وبعد أيّام خرج من الحبس لصوص قطعوا الطّريق، فَصُلِبوا بالرّحبة، وكان منهم شابٌ هاشميّ [5] .
[وقعة الرملة]
وفِيهَا وقعة الرملة، فسار السّلطان صلاح الدّين من القاهرة إلى عسقلان
__________
[1] المنتظم 10/ 274، 275 (18/ 241، 242) .
[2] في المنتظم (طبعة حيدرآباد) 10/ 275 «المخلطيين» ، وفي (طبعة دار الكتب العلمية) 18/ 242، والمثبت يتفق مع: الكامل في التاريخ 11/ 448.
[3] في الأصل بياض، والمستدرك من: المنتظم، والكامل.
[4] المنتظم 10/ 275 (18/ 242) ، الكامل في التاريخ 11/ 447، 448، البداية والنهاية 12/ 298.
[5] المنتظم 10/ 275 (18/ 242) ، الكامل في التاريخ 11/ 448.

(40/20)


فسَبى وغنم، وسار إلى الرملة، فخرج عَلَيْهِ الفِرَنج مطلبين وعليهم البرنْس أرناط صاحب الكَرَك، وحملوا على المسلمين، فانهزموا، وثبت السّلطان وابنُ أخيه المظفّر تقيّ الدّين عُمَر، ودخل اللّيل، واحْتَوَت الملاعين على أثقال المسلمين، فلم يبق لهم قدرةٌ على ماءٍ وَلَا زاد، وتعسّفوا تلك الرّمال راجعين إلى مِصْر، وتمزَّقوا وهلكت خيلهم.
ومن خبر هذه الوقعة أنّ الفقيه عيسى أُسِر، فافتداه السّلطان بستّين ألف دينار، وكان موصوفا بالشّجاعة والفضيلة، أسِر هُوَ وأخوه ظهير الدّين، وكانا قد ضلّا عَن الطّريق بعد الوقعة. ووصل صلاح الدّين إلى القاهرة فِي نصف جُمَادى الآخرة.
قال ابْن الأثير [1] : رَأَيْت كتابا بخطّ يده كتبه إلى شمس الدّولة توران شاه، وهو بدمشق، يذكر الوقعة، وفي أوّله:
فذكرتك والخطّيّ يخطر بينَنَا ... وقد نَهَلَتْ منّا المَثقَّفةُ السمْرُ
[2] ويقول فِيهِ: لقد أشرفنا على الهلاك غير مرّة، وما نجّانا اللَّه إلَّا لأمرٍ يريده.
وما ثبتت إلَّا وفي نفسها أمرُ وقال غيره: انهزم السّلطان، والنّاس لم يكن لهم بلدٌ يلجئون إليه إلَّا مِصْر، فسلكوا البرّية، ولقوا مشاقا [3] ، وقلّ عليهم القوت والماء، وهلكت خيلهم، وفُقد منهم خلْقٌ.
ودخل السلطانُ القاهرةَ بعد ثلاثة عشر يوما، وتواصل العسكر، وأسَرَ الفِرَنج فيهم. واستشهد جماعة منهم: أَحْمَد ولد تقيّ الدّين عُمَر المذكور، وكان شابّا حَسَنًا لَهُ عشرون سنة.
__________
[1] في الكامل 11/ 442، 443.
[2] البيت لأبي عطاء السندي. (انظر كتاب: «الزهرة» لأبي بكر محمد بن سليمان الأصفهانيّ 278) .
[3] في الأصل: «مشاق» .

(40/21)


وكان أشدّ النّاس قتالا يومئذ الفقيه عيسى الهكّاريّ. وحملت الفِرَنج على صلاح الدّين، وتكاثروا عَلَيْهِ، فانهزم يسيرا قليلا قليلا. وكانت نَوْبة صَعْبة [1] .
[نزول الفرنج على حماه]
وفِيهَا نزلت الفرنج على حماه، وهي لشهاب الدّين محمود بْن تِكِش خال السّلطان، وكان مريضا، وكان الأمير سيف الدّين المشطوب قريبا من حماه، فدخلها وجمع الرجال، فزحفت الفِرَنج على البلد، وقاتلهم المسلمون قتالا شديدا مدةَ أربعة أشهر، ثمّ ترحّلوا عَنْهَا.
وأمّا السّلطان فإنّه أقام أيّاما بمن سَلِم معه، ثمّ خرج من مِصْر، وعيّد بالبركة، ثمّ كمل عدّة جيشه، فَبَلَغهُ أمرُ حماه، فأسرع إليها، فلمّا دخل دمشق تحقّق رحيل الفِرَنج عَن حماه [2] .
[عصيان ابْن المقدّم ببعلبكّ]
وعصى الأمير شمس الدّين محمد بن المقدّم ببَعْلَبَك، فكاتَبَه السّلطان وترفّق به، فلم يجب، ودام إلى سنة أربع [3] .
__________
[1] النوادر السلطانية 52، 53، سنا البرق الشامي 1/ 252- 264، البرق الشامي 3/ 31- 50، الكامل في التاريخ 11/ 442، 443، مفرّج الكروب 2/ 58- 63، الروضتين ج 1 ق 2/ 699- 704، تاريخ الزمان 193، 194، المغرب في حلى المغرب 418، مرآة الزمان 8/ 342، 343، نهاية الأرب 28/ 393، 394، المختصر في أخبار البشر 3/ 59، 60، العبر 4/ 216، 217، دول الإسلام 86، 87، مرآة الجنان 3/ 398، البداية والنهاية 12/ 297، تاريخ ابن الوردي 2/ 87، الدرّ المطلوب 63، تاريخ ابن خلدون 5/ 292، السلوك ج 1 ق 1/ 64، شفاء القلوب 93، 94، تاريخ ابن سباط 1/ 149، 150، تاريخ الأزمنة 177، شذرات الذهب 4/ 244.
[2] البرق الشامي 3/ 52- 55، سنا البرق الشامي 1/ 266- 268، النوادر السلطانية 53، الكامل في التاريخ 11/ 444، مفرّج الكروب 2/ 64، زبدة الحلب 3/ 34- 36، الروضتين ج 1 ق 2/ 705- 708، مرآة الزمان 8/ 343، المختصر في أخبار البشر 3/ 60، العبر 4/ 217، دول الإسلام 2/ 87، تاريخ ابن الوردي 2/ 88، البداية والنهاية 12/ 298، مرآة الجنان 3/ 398، تاريخ ابن خلدون 5/ 292، 293، السلوك ج 1 ق 1/ 65، شفاء القلوب 94، 95، الإعلام والتبيين للحريري 31، تاريخ الأزمنة 177، 178.
[3] البرق الشامي 3/ 92، 93، سنا البرق الشامي 1/ 293، 294، الكامل في التاريخ-

(40/22)


[كتاب ابْن المشطوب بقتلى الفرنج]
وجاء كِتَاب ابْن المشطوب أنّ الَّذِي قُتِلَ من الفِرنج على حماه أكثر من ألف نَفْس.
[مطالعة القاضي الفاضل بقتل الوزير]
ووردت مطالعة القاضي الفاضل إلى صلاح الدّين تتضمّن التّوقيع لقتل الوزير عضُد الدّين ابْن رئيس الرؤساء، وفِيهَا: وَما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ 41: 46 [1] فقد كان- عفا اللَّه عَنْهُ- قتل وَلَدي الوزير ابْن هُبيرة، وأزهق أنفُسَهما وجماعة لَا تُحصَى، وهذا البيت، بيت ابْن المسلمة، عريق فِي القتْل. وجدُهُ هُوَ المقتول بيد البساسِيري.
ثمّ قَالَ: وقد ختمت لَهُ السّعادة بما حتّمت به له الشّهادة، لا سيّما وهو خارج من بيته إلى بيت اللَّه، ووقع أجره على اللَّه [2] .
إنّ الْمَسَاءَةَ قَدْ تَسُرُّ وَرُبَّمَا ... كَانَ السُّرُورُ بِمَا كرهتَ جديرا
إنّ الوزيرَ وزيرَ آل مُحَمَّد ... أوْدَى فمن يَشْنَاكَ كان وزيرا
[3] وهما فِي أَبِي سَلمة الخلّال وزير بني العبّاس قبل أن يستخلفوا.
__________
[ (- 11] / 450، 451، تاريخ الزمان 194، الأعلاق الخطيرة ج 2/ 48، مرآة الزمان 8/ 342، المختصر في أخبار البشر 3/ 61، دول الإسلام 2/ 87، تاريخ ابن الوردي 2/ 88، البداية والنهاية 12/ 299، تاريخ ابن خلدون 5/ 293، السلوك ج 1 ق 1/ 65، تاريخ ابن سباط 1/ 152.
[1] سورة فصّلت، الآية 46.
[2] الكامل في التاريخ 11/ 446، 447، المنتظم 10/ 273، 274 (18/ 240، 241) ، تاريخ مختصر الدول 216، الروضتين ج 1 ق 2/ 714، المختصر في أخبار البشر 3/ 61، تاريخ ابن الوردي 2/ 88، البداية والنهاية 12/ 298، مرآة الجنان 3/ 398، تاريخ ابن سباط 1/ 151.
[3] البيتان في: وفيات الأعيان 2/ 196، وتاريخ الإسلام (121- 140 هـ.) ص 401، والروضتين ق 2/ 715، والبرق الشامي 3/ 90، وسنا البرق الشامي 1/ 289، وقائلهما هو: سليمان بن المهاجر البجلي (تاريخ الطبري) .

(40/23)


سنة أربع وسبعين وخمسمائة
[جلوس ابْن الجوزي فِي عاشوراء]
قال ابْن الجوزيّ [1] : تكلّمت فِي أوّل السنَة وفي عاشوراء تحت المنظرة، وحضر الخليفة، وقلت: لو أنّي مثُلت بين يَدَيِ السُدَّة الشّريفة لقلت: يا أمير المؤمنين، كُنْ للَّه سبحانه مع حاجتك إليه، كان لك مع غناه عنك. إنّه لم يجعل أحدا فوقك، فلا تَرضَ أن يكون أحدٌ أشكر لَهُ منك.
فتصدّق أمير المؤمنين يومئذٍ بصَدقَات، وأطلَقَ محبوسين.
[كسوف القمر والشمس]
وأنكسفَ القمر فِي ربيع الأوّل، وكُسِفَتَ الشّمس فِي التّاسع والعشرين منه أَيْضًا [2] .
[ولادة ثلاثة توائم]
ووُلِدت امرأةٌ من جيراننا ابنا وبنتين فِي بطن، فعاشوا بضع يوم [3] .
[تجديد قبر أَحْمَد بْن حنبل]
وفِيهَا جدّد المستضيء قبَر أَحْمَد بْن حنبل رَحِمَهُ اللَّهُ، وعمِل لَهُ لوحٌ فِيهِ: «هذا ما أمر بعمله سيّدنا ومولانا الْإِمَام المستضيء بأمر اللَّه أمير المؤمنين» . هذا فِي رأس اللّوح. وفي وسطه: «هذا قبر تاج السّنّة، ووحيد الأمّة، العالي الهمّة، العالم، العابد، الفقيه، الزّاهد، الْإِمَام أَبِي عَبْد اللَّه
__________
[1] في المنتظم 10/ 283 (18/ 248) .
[2] المنتظم 10/ 283 (18/ 248) ، الكامل في التاريخ 11/ 453.
[3] المنتظم 10/ 283 (18/ 248) .

(40/24)


أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن حنبل الشّيبانيّ رَحِمَهُ اللَّهُ، تُوفي فِي تاريخ كذا» . وكُتِب حول ذلك آية الكرسيّ [1] .
[تكلّم ابْن الجوزي فِي جامع المنصور]
وتكلّمت فِي جامع المنصور، فاجتمع خلائق، وحُزِر الجمع بمائة ألف وتاب خلق، وقُطعت شعورهم.
ثمّ نزلتُ فمضيتُ إلى قبر أَحْمَد، فتبعني من حُزِر بخمسة آلاف [2] .
[إطلاق تتامش]
وفيه أطِلِق الأمير تتامش إلى داره [3] .
[عمل الدكَّة بجامع القصر]
وتقدَّم المستضيء بعمل دكّة بجامع القصر للشّيخ أبي الفتح بْن المُنَى الحنبليّ، وجلس فِيهَا، فتأثّر أهل المذاهب من عمل مواضع للحنابلة [4] .
[حديث ابْن الجوزي عَن نفسه]
وكان الوزير عضُد الدّين ابْن رئيس الرؤساء يقول: ما دخلت قطّ على الخليفة إلَّا جرى ذِكْر فلان، يعنيني، وصارَ لي اليوم خمسُ مدارس، ومائة وخمسون [5] مصنَّفًا فِي كلّ فنّ. وتاب على يدي أكثر من مائة ألف، وقطعت أكثر من عشرة آلاف [6] طايلة، ولم يُرَ واعظٌ مثل جمْعي، فقد حضر مجلسي الخليفة، والوزير، وصاحب المخزن، وكبار العلماء، والحمد للَّه [7] .
__________
[1] المنتظم 10/ 283، 284 (18/ 248، 249) .
[2] المنتظم 10/ 284 (18/ 249) ، دول الإسلام 2/ 87، تاريخ الخميس 2/ 409.
[3] المنتظم 10/ 284 (18/ 249) .
[4] المنتظم 10/ 284 (18/ 249) .
[5] في المنتظم: «مائة وثلاثون» .
[6] في المنتظم: «أكثر من عشرين ألف» .
[7] المنتظم 10/ 284 (18/ 249، 250) .

(40/25)


[حكاية ابْن الجوزيّ عَن الرشيد]
وفي رجب عمل المستضيء الدّعوة، ووعظت وبالغُت فِي وعظ أمير المؤمنين، فممّا حكيت لَهُ أنّ الرَّشيد قَالَ لشَيبان: عِظْني. قَالَ: لأن تصحب مَن يخوّفك حتّى يدركك الأمنُ خيرٌ لك من أن تَصْحَب من يؤمّنك حتّى يُدركك الخوف.
قال: فسَّر لي هذا.
قال: من يقول لك أنت مسئول عَن الرعيّة فاتّق اللَّه، أنصَح لك ممّن يقول: أنتم أهلُ بيتٍ مغفورٌ لكم، وأنتم قرابة نبيّكم.
فبكى الرشيد حتّى رحمه مَن حوله.
وقال لَهُ فِي كلامه: يا أمير المؤمنين إنْ تكلّمتُ خفت منك، وأن سكتّ خفتُ عليك، وأنا أقَدم خوفي عليك على خوفي منك [1] .
[ظهور مشعبذ]
وفي رمضان جاء مُشَعبِذ فذكر أنّه يُضرب بالسّيف والسكْين فلا تعمل فِيهِ، لكن بسيفه وسِكينه خاصّة [2] .
قَتل ابْن قرايا الرافضيّ]
وفيه أخِذَ ابْن قرايا الَّذِي ينشد على الدّكاكين من شعْر الرّافضة، فوجدوا فِي بيته كتبا فِي سبّ الصَّحابة، فقُطِع لسانه ويده، وذُهب به إلى المارستان، فَرَجَمَتْه العوامّ بالآجُر، فهرب وسبح وهم يضربونه حتّى مات. ثمّ أخرجوه وأحرقوه، وعملت فِيهِ العامة كان وكان. ثمّ تَتبع جماعة من الرّوافض، وأحرِقت كُتُبٌ عندهم، وقد خمدت جمْرتهم بمرّة، وصاروا أذَل من اليهود [3] .
__________
[1] المنتظم 10/ 285 (18/ 250) .
[2] المنتظم 10/ 285 (18/ 251) .
[3] المنتظم 10/ 285، 286 (18/ 251) ، دول الإسلام 2/ 87، العبر 4/ 218، مرآة الجنان-

(40/26)


[امتناع الركب العراقيّ]
ولم يخرج الرّكْب العراقيّ لعدم الماء والعشب، وكانت سنة مُقْحِطة.
وحجَّ مَن حجّ على خَطَر. ورجع طائفة فنزلت عليهم عرب، فأخذوا أكثر الأموال، وقتِل جماعة [1] .
[هبوب ريح وظهور نار ببغداد]
وفي ذي القعدة هبّت ببغداد ريح شديدة نصف اللّيل، وظهرت أعمدة مثل النّار فِي أطراف السّماء كأنّها تتصاعد من الأرض، واستغاث النّاس استغاثة شديدة. وبقي الأمر على ذلك إلى السَّحَر [2] .
[جلوس ابْن الجوزي يوم عَرَفَة]
وجلستُ يوم عَرَفَة بباب بدر، وأمير المؤمنين يسمع [3] .
[اجتماع الفرنج عند حصن الأكراد]
وفيها اجتمعت الفِرَنج عند حصن الأكراد، وسار السّلطان الملك الناصر صلاح الدّين فنزل على حمص فِي مقابلة العدوّ [4] .
[تسلّم صلاح الدين بعلبكّ]
فلمّا أمن من غاراتهم سار إلى بَعْلَبِك، فنزل على رأس العين، وأقام هناك أشهرا يراود شمسَ الدّين ابْن المقدّم على طاعته، وهو يَأبى. ولم يزل الأمرُ كذلك إلى أن دخل رَمَضَان، فأجاب شمس الدّين إلى تسليم بَعَلَبك على عِوَضٍ طَلَبَه. فتسلّمها السّلطان، وأنعم بها على أخيه المعظّم شمس الدّولة
__________
[ (- 3] / 398، 399، شذرات الذهب 4/ 246.
[1] المنتظم 10/ 286 (18/ 252) .
[2] المنتظم 10/ 287 (18/ 252) ، تاريخ الخلفاء 448، أخبار الدول 2/ 182.
[3] المنتظم 10/ 287 (18/ 253) .
[4] البرق الشامي 3/ 94، نسا البرق الشامي 1/ 294.

(40/27)


توران شاه بْن أيّوب. وسار إلى دمشق فِي شوّال. ثمّ أقطع أخاه شمس الدّولة توران شاه بمصر، واستردّ منه بَعلَبك [1] .
[قتْل هنفري الفرنجي]
قال ابْن الأثير [2] : فِي ذي القعدة أغارت الفِرَنْج على بلاد الْإِسْلَام وعلى أعمال دمشق، فسار لحربهم فرّخ شاه ابْن أخي السّلطان فِي ألف فارس، فالتقاهم وألقى نفسه عليهم، وقتل مِن مقدّميهم جماعة، منهم هنفري [3] ، وما أدراك ما هنفري! كان يُضْرَب المَثَلُ فِي الشّجاعة [4] .
[غارة البرنس على شيزر]
وفِيهَا أغار البِرنْس صاحب أنطاكية على ناحية شَيْزر [5] .
[غارة صاحب طرابلس]
وأغار صاحب طرابلس على التّركمان [6] .
__________
[1] البرق الشامي 3/ 93- 95 و 132 و 134- 145، سنا البرق 1/ 293، 294، الكامل في التاريخ 11/ 450، 451، تاريخ الزمان 194، الأعلاق الخطيرة 2/ 48، المختصر في أخبار البشر 3/ 61، دول الإسلام 2/ 87، تاريخ ابن الوردي 2/ 88، البداية والنهاية 12/ 299، تاريخ ابن خلدون 5/ 293، السلوك ج 1 ق 1/ 65، تاريخ ابن سباط 1/ 152.
[2] في الكامل 11/ 452، 453.
[3] هو في المراجع الأجنبية
HonFroi: أو HumphreyofToron وهو صاحب حصن بانياس.
[4] البرق الشامي 3/ 149، سنا البرق الشامي 1/ 317، مفرّج الكروب 2/ 72، 73، كتاب الروضتين 2/ 6، مرآة الزمان 8/ 351، العبر 4/ 219، مرآة الجنان 3/ 399، البداية والنهاية 12/ 300، السلوك ج 1 ق 1/ 67، شذرات الذهب 4/ 264، عقد الجمان (مخطوط) 12/ 213 أ، ب.
[5] البرق الشامي 3/ 155، سنا البرق الشامي 1/ 322، الروضتين 2/ 8، الكامل في التاريخ 11/ 453، السلوك ج 1 ق 1/ 67، البداية والنهاية 12/ 300، عقد الجمان 12/ 213 ب.
[6] البرق الشامي 3/ 155، سنا البرق الشامي 1/ 322، الكامل في التاريخ 11/ 453، السلوك ج 1 ق 1/ 67، تاريخ طرابلس السياسي والحضاريّ (تأليفنا) 1/ 525.

(40/28)


[إنعام السلطان على الملك المظفّر]
وفِيهَا أنعم السّلطان على ابْن أخيه الملك المظفَّر تقيُّ الدِّين عُمَر بْن شاهنشاه بْن أيّوب بحماه، والمَعَرَة، وفامية، ومَنْبج، وقلعة نجم، فتسلّمها وبعث نوّابه إليها، وذلك عند وفاة صاحب حماه شهاب الدين محمود خال السّلطان [1] .
ثمّ تَوجَّه إليها الملك المظفّر تقيّ الدّين، ورتّب فِي خدمته أميران كبيران شمس الدّين ابْن المقدّم، وسيف الدّين عليّ بْن المشطوب، فكانوا فِي مقابلة صاحب أنطاكية. ورتّب بحمص ابْن شيركوه فِي مقابلة القومص [2] .
[إنشاء سور القاهرة]
وجاء من إنشاء الفاضل: وأمّا ما أمر به المولى من إنشاء سور القاهرة، فقد ظهر العمل، وطلع البناء، وسلكت به الطّريق المؤدّية إلى السّاحل بالمقسم. وَاللَّه يُعَمّر المولى إلى أن يراه نطاقا على البلدين [3] ، وسِوارًا أو سورا يكون الْإِسْلَام به مُحَلى اليدين [4] ، والأمير بهاء الدّين قراقوش ملازم للاستحثاث [5] بنفسه ورجاله [6] .
__________
[1] دول الإسلام 2/ 87، العبر 4/ 219، مرآة الجنان 3/ 399.
[2] البرق الشامي 3/ 155، 156، سنا البرق الشامي 1/ 323.
[3] في سنا البرق: «نطاقا مستديرا على البلدين» .
[4] في المصادر: «محلّى اليدين، محلأ الضّدّين» .
[5] في مفرج الكروب: «الاستحتاث» .
[6] سنا البرق الشامي 1/ 296، 297، الروضتين 2/ 2، مفرّج الكروب 2/ 67، الدرّ المطلوب 65، البداية والنهاية 12/ 297 (573 هـ.) ، أخبار الدول 2/ 182.

(40/29)


[ختام كِتَاب المنتظم]
قلت: وهذه السّنة هِيَ آخر «المنتظم» [1] .
__________
[1] آخره ترجمة «عمّار بن سلامة» رقم 375، طبع منه في حيدرآباد خمسة أجزاء من 5 إلى 10 سنة 1358 هـ. ثم أصدرته دار الكتب العلمية في بيروت كاملا في 18 جزءا بتحقيق:
محمد عبد القادر عطا، ومصطفى عبد القادر عطا، وراجعه نعيم زرزور 1412 هـ.
/ 1992 م.
وقال سبط ابن الجوزي: انتهى تاريخ جدّي المسمّى «بالمنتظم» في هذه السنة، وله تاريخ صغير سمّاه «درّة الإكليل» ذيّل من هذه السنة إلى أن حمل إلى واسط في سنة تسعين وخمسمائة، غير أنه لم يستقص فيه الحوادث، ويقال إن منه دخل عليه الحادث، والله أعلم. (مرآة الزمان 8/ 353) .

(40/30)


سنة خمس وسبعين وخمسمائة
[الظفر بذيل كِتَاب المنتظم]
أجاز لنا شيخنا أَبُو بَكْر محفوظ بْن معتوق [1] بْن أَبِي بَكْر بْن عُمَر البغداديّ أنّ البُزُوري التّاجر قد ذيّل «المنتظم» فِي عدّة مجلّدات ذهبت فِي أيّام التّتار الغازانية سنة تسع وتسعين وستّمائة من خزانة كُتُبه الموقوفة بتُربته بسفْح قاسيون، ثمّ ظفرنا ببعضها. فذكر فِي حوادث هذه السّنة، سنة 575، أنّ أَبَا الْحَسَن عليّ بْن حمزة بْن طلحة حاجب باب النّوبيّ عُزِل بعميد الدّين أَبِي طَالِب يحيى بْن زيادة.
[وصول البشارة إلى بغداد بكسر الفرنج]
وفي صفر وصل إلى بغداد ثلاثة عشر نجّابا، نفّذهم صلاح الدّين يبشّرون بكسرة الفِرَنج، فضُرِبت الطّبول على باب النّوبيّ، وخُلِع عليهم.
وأخبروا أنّ صلاح الدّين حارب الفِرنج ونُصِر عليهم، وأسَرَ أعيانهم، وأسَرَ صاحب الرّملة، وصاحب طبريّة.
[وقعة مرج العيون]
قلت: وهي وقعة مرج العيون [2] .
ومن حديثها أنّ صلاح الدّين كان نازلا بتلّ بانياس، بين سراياه، فلمّا استَهلَّ المحرّم ركب فرأى راعيا، فسأله عن الفِرَنج، فأخبر بقربهم، فعادَ إلى مخيَّمه، وأمر الجيش بالركوب، فركبوا، وسار بهم حتّى أشرف على الفرنج
__________
[1] توفي سنة 694 هـ. انظر معجم شيوخ الذهبي 447 رقم 649.
[2] مرج العيون، أو مرجعيون: إقليم ومدينة في جنوب «لبنان» شرقيّ مدينة صور.

(40/31)


وهم فِي ألف قنطاريّة، وعشرة آلاف مقاتل مِن فارس وراجل، فحملوا على المسلمين، فثبتوا لهم، وحملَ المسلمون عليهم فولّوا الأدْبار، فَقُتِلَ أكثرهم، وأسِرَ منهم مائتان وسبعون أسيرا، منهم: بادين [1] مقدّم الدّاوية، وأوذ [2] ابْن القومصة، وأخو صاحب جبيل، وابن صاحب مَرقية، وصاحب طبريّة.
فأمّا بادين بن بارزان فاستفكّ نفسه بمبلغ [3] وبألف أسير من المسلمين.
واستفكّ الآخر نفسه بجملة. ومات أوذ في حبس قلعة دمشق. وانهزم من الوقعة ملكهم مجروحا. وأبلى في هذه الوقعة عزّ الدّين فرّخ شاه بلاء حسنا [4] .
[الظّفر ببطستين للفرنج]
واتّفق أنْ فِي يوم الوقعة ظفر أسطول مِصْر بَبُطْسَتَين [5] ، وأسروا ألف نفس، فلله الحمدُ على نصره [6] .
[انهزام سلطان الروم أمام المظفّر تقيّ الدين]
وكان قَلِيج أرسلان سلطان الروم طلب رَعْبَان [7] ، وزعم أنّه من
__________
[1] هو بلدوين الإبليني
Baldwinofibelin صاحب الرملة.
[2] هكذا بالذال المعجمة. وفي السلوك ج 1 ق 1/ 68، وتاريخ ابن سباط 1/ 155 «أود» بالدال المهملة.
[3] المبلغ هو مائة وخمسون ألف دينار.
[4] البرق الشامي 3/ 162- 169، سنا البرق الشامي 1/ 326- 328، الكامل في التاريخ 11/ 455- 456، نهاية الأرب 28/ 394، 395، والبداية والنهاية 12/ 302، مضمار الحقائق 16- 18 و 20، مفرّج الكروب 2/ 75، 76، شفاء القلوب 120، النجوم الزاهرة 7/ 152، تاريخ ابن سباط 1/ 155، 156، الإعلام والتبيين 32، دول الإسلام 2/ 88، السلوك ج 1 ق 1/ 68، شذرات الذهب 4/ 249، عقد الجمان 12/ 213 ب، 214 أ.
[5] البطسة: بضم أوله وسكون الطاء المهملة. مركب للحرب أو التجارة بلغة إسبانيا. (محيط المحيط) .
[6] البرق الشامي 3/ 169، سنا البرق الشامي 1/ 330، نهاية الأرب 28/ 395، مفرّج الكروب 2/ 77، عقد الجمان 12/ 214 أ (574 هـ.) .
[7] رعبان: قلعة بين حلب وسميساط غربي الفرات. (مراصد الاطلاع 2/ 621) .

(40/32)


بلادهم، وإنّما أخذه منه نور الدّين على خلاف مُراده، وأنّ ولده الصّالح إِسْمَاعِيل قد أنعم به عَلَيْهِ. فلم يفعل السّلطان، فأرسل قِليج عشرين ألفا لحصار الحصن، فالتقاهم تقيّ الدين عُمَر صاحب حماة ومعه سيف الدّين علي المشطوب فِي ألف فارس، فهزمهم لأنّه حَمَل عليهم بغتة وهم على غير تعبئة، وضُرِبت كوساته [1] ، وعمل عسكره كراديس. فلمّا سمعت الروم الضّجّة ظنّوا أنّهم قد دهمهم جيش عظيم، فركبوا خيولهم عُرْيًا، وطلبوا النَّجاة وتركوا الخيام بما فِيهَا. فأسر منهم عددا، ثمّ مَنَّ عليهم بأموالهم وسرَّحهم.
ولم يزل تقيّ الدّين يدلّ بهذه النُصْرة، وَلَا ريب أنّها عظيمة [2] .
[وصول بعض أسرى الروم والغنائم إلى بغداد]
وورد بغداد رسولُ صلاح الدّين، وهو مبارز الدّين كشطغايّ، وجلس لَهُ ظهير الدّين أَبُو بَكْر بْن العطّار، وبين يديه أرباب الدّولة، فجاءوا بين يديه اثنا عشر أسيرا عليهم الخوذ والزرَديات، ومع كلّ واحدٍ قنطاريّة، وعلى كتِفِه طارقة منها طارقة ملك الفِرَنج، وعلى القنْطاريات سُعَف الفِرنج. وبين يديه أَيْضًا من التُحَف والنّفائس، من ذلك صَنَم طوله ذراعين حجر، فِيهِ صناعة عجيبة، قد جعل سبّابته على شفته كالمتبسّم عجبا. ومن ذلك صينيّة ملأى جواهر، وضلْعُ آدميّ نحو سبعة أشبار، فِي عرض أربع أصابع، وضلْع سمكة، طوله عشرة أذرع، في عرض ذراعين.
__________
[1] الكوسات: صنوجات من نحاس تشبه الترس الصغير يدقّ بأحدها على الآخر بإيقاع مخصوص ومعها طبول وشبابة يدقّ بها مرتين في القلعة كل ليلة، وإذا كان السلطان في السفر تدور حول خيامه. (صبح الأعشى 4/ 9) .
[2] سنا البرق الشامي 1/ 331، مضمار الحقائق 18- 24، الكامل في التاريخ 11/، الروضتين ج 2/ 9، المختصر في أخبار البشر 3/ 61، تاريخ الوردي 2/ 89، البداية والنهاية 12/ 303، العبر 4/ 222، مرآة الجنان 3/ 401، السلوك ج 1 ق 1/ 68، 69، تاريخ الزمان 195، شفاء القلوب 96، 97، عقد الجمان 12/ 214 أ (574 هـ.) .

(40/33)


[حجوبيّة ابْن الدارع]
وفِيهَا رتّب حاجب الحُجاب أَبُو الفتح مُحَمَّد بْن الدّارع، وكان من حُجاب المناطق.
[وصول ابْن الشهرزوريّ رسولا إلى بغداد]
وفِيهَا قدِم رسولُ صلاح الدّين، وهو القاضي أَبُو الفضائل بْن الشّهرزوريّ، وبين يديه عشرة من أسرى الفِرَنج، وقدّم جواهر مثمنَة.
[عزل ابن الزّوال عن النقابة بالزينبيّ]
وفيها عُزل عَن نقابة النّقباء أَبُو الْعَبَّاس أَحْمَد بْن الزّوال بأبي الهيجا نصر بْن عدنَان الزّينبيّ.
[الإرجاف بموت الخليفة]
وفي شوّال مرض الخليفة وأرجف بموته، وهاش الغَوْغَاء ببغداد، ووقع نهبٌ، وركب العسكر لتسكيتهم، فتفاقم الضّرّ، وأتسَع الخَرْق، وركبت الأمراء بالسّلاح، وصُلِب جماعةٌ من المؤذّنين على الدّكاكين.
وكانت العامّة قد تسوّروا على دار الخلافة، ورموا بالنّشّاب فوقعت نشابةٌ فِي فرس النّائب ومعه جماعة، فتأخّروا من مكانهم.
[التوقيع بولاية العهد]
وفيه وُقعَ للأمير أَبِي الْعَبَّاس أَحْمَد بولاية العهد.
وقال الوزير لمن حَضَرَ من الدّولة: اليوم الجمعة، وَلَا بُد من إقامة الدّعوة والجهة بنقشا [1] ، يعني امْرَأَة الخليفة قد بالغت فِي كتم مرض أمير المؤمنين، وَلَا سبيل إلى ذلك إلَّا بتيقُن الأمر، فإنْ كان حيّا جرت الخطبة على العادة، وإنْ كان قد تُوفيَ خَطَبنا لولده حيث وقّع له بولاية العهد.
__________
[1] في الأصل: «بنتشا» ، والمثبت من «مرآة الزمان» .

(40/34)


ثمّ عيّن الشَّيْخ أَبُو الفضل مَسْعُود بْن النّادر ليحضر بين يدي الخليفة، فدخل صُحبة سعد الشّيرازيّ، فقال المملوك: الوكيل، يشير بقوله إلى ظهير الدّين بْن العطّار، يُنهي أنّه وقّع بالخُطْبة للأمير أَحْمَد بولاية العهد، وما وسع المملوك إمضاء ذلك بدون مشافهة.
فقال المستضيء: يمضي ما كُنَّا وقّعنا به. فقبلَ الأرض، وعاد فأخبر الوزير ظهير الدّين، فسجدوا شكرا للَّه تعالى على عافيته، وخطب لولاية العهد لأبي الْعَبَّاس، ونُثِرت الدّنانير فِي الجوامع عند ذِكره [1] .
[امتلاك الكردي قلعة الماهكي]
وفي شوّال ملك عَبْد الوهّاب بْن أَحْمَد الكرديّ قلعة الماهكي، وعمل [2] سلاليم موصولة، ونصبها عليها فِي ليلةٍ ذات مطر ورعود، فشعر الحارس، فذهب وعرّف المقدّم كمشتِكِين، فقام بيده طَبَر [3] ، وبين يديه المِشْعَل، فوثبوا عَلَيْهِ فقتلوه، وقتلوا الحارس، ونادوا بشعار عَبْد الوهّاب.
[وفاة الخليفة المستضيء]
وفي سلخ شوّال مات الخليفة [4] .
__________
[1] الخبر باختصار في: مرآة الزمان 8/ 355.
[2] في الأصل: «وعلم» .
[3] الطبر: بالتحريك. البلطة: ذات رأس شبه دائري تثبّت في قائم من المعدن أو من الخشب يحملها أفراد فرقة الطبر دارية.
[4] المنتظم 10/ 236 (18/ 190 وما بعدها) ، الكامل في التاريخ 11/ 459، (الملابس المملوكية 85) التاريخ الباهر 179، سنا البرق الشامي 1/ 342، تاريخ دول آل سلجوق 277، زبدة التواريخ 286، تاريخ الزمان 195، تاريخ مختصر الدول 216، مختصر التاريخ لابن الكازروني 237- 241، تاريخ إربل 1/ 210 و 214، الفخري 319- 321، خلاصة الذهب المسبوك 278- 280، تاريخ ابن الدبيثي (مخطوطة دار الكتب الوطنية بباريس، رقم 5922) ورقة 22، مرآة الزمان 8/ 356، المختصر في أخبار البشر 3/ 62، مضمار الحقائق 4، العبر 4/ 223، سير أعلام النبلاء 21/ 68- 72 رقم 24، دول الإسلام 2/ 88، تاريخ ابن الوردي 2/ 89، البداية والنهاية 12/ 304، مرآة الجنان-

(40/35)


[خلافة الناصر لدين اللَّه]
وبويع ابنه أَحْمَد، ولقّبوه النّاصر لدين اللَّه، فجلس للمبايعة فِي القُبة، فبدأ أخوه وبنو عمّه وأقاربه، ثمّ دخل الأعيان، فبايعه الأستاذ دار مجد الدّين هبة اللَّه ابْن الصّاحب، ثمّ شَيْخ الشّيوخ، ثمّ فخر الدّولة أَبُو المظفَّر بْن المطّلب، ثمّ قاضي القُضاة عليّ ابْن الدّامغانيّ، وصاحب ديوان الإنشاء أَبُو الفَرَج مُحَمَّد ابن الأنباريّ، والحاجب أَبُو طَالِب يحيى بْن زيادة.
ثمّ طلب الوزير ظهير الدّين بْن العطّار، وكان مريضا، فأركب على فرس، ثمّ تعضده جماعة، وأدْخِل فَصَعد وبايَعَ، ووقف عَن يمين الشُباك الَّذِي فِيهِ الخليفة، فعجز عَن القيام، فأدخل إلى التّاج، ثمّ راح إلى داره.
وبايع مِنَ الغَد من بقي من العلماء والأكابر.
وقدَّم بعزْل النّقيب أَبِي الهيجا، وبإعادة ابْن الزّوال- وتَوَجَّهت الرُسُل إلى النّواحي بإقامة الدّعوة النّاصريّة [1] .
[القبض على ابْن العطار]
وفي اليوم الخامس مِن البَيعة تقدّم إلى عماد الدّين صَنْدل المُقْتَفَوي، وسعد الدّولة نَظَر المستنجديّ الحَبَشي بالمُضِي إلى دار ابْن العطّار فِي عدةٍ من المماليك للقبض عَلَيْهِ، فجاءوا ودخلوا عَلَيْهِ من غير إذْن، وقبضوا عَلَيْهِ بين الحريم، وترسّم بداره أستاذ دار، فنهبت العامة فِيهَا، وعجز الأستاذ دار [2] .
__________
[ (- 3] / 401، العسجد المسبوك 2/ 173، مآثر الإنافة 2/ 50- 55، تاريخ الخميس 2/ 409، تاريخ ابن خلدون 3/ 528، الجوهر الثمين 1/ 212، 213، فوات الوفيات 269- 271 رقم 19، نهاية الأرب 23/ 300- 308، السلوك ج 1 ق 1/ 70، تاريخ ابن سباط 1/ 153، 154، شذرات الذهب 4/ 250، 251، أخبار الدول 177، تحفة الناظرين للشرقاوي (على هام 5 فتوح الشام للواقدي) 1/ 133، النجوم الزاهرة 6/ 85، وانظر كتاب: المصباح المضيء في خلافة المستضيء لابن الجوزي.
[1] انظر المصادر السابقة.
[2] الكامل في التاريخ 11/ 459، 460، تاريخ الزمان 195، 196، تاريخ مختصر الدول-

(40/36)


[الخلعة بإمرة الحاجّ]
وفي سادس ذي القعدة خُلِع على طاشتِكِين خِلْعة إمرة الحاجّ، وتوجّه إلى الحجّ وتقدّمه خروج الرَكْب.
[هتك ابْن العطار بَعد وفاته]
وقُيد ابْن العطّار، وسُحِب وسُجِن فِي مطبّق، فهلك بعد ثلاثٍ، وحُمِل إلى دار أخته، فغُسَّل وكُفّن، وأخرج بسَحَر فِي تابوت، ومعه عدةٌ يحفظونه، فعرفت العامّة به عند سوق الثّلاثاء، فسبّوه وهمّوا برجمه، فدافعهم الأعْوان، فكثُرت الغَوغَاء، وأجمعوا على رجْمه، وشرعوا، فخاف الحمّالون من الرجْم، فوضعوه عَن رءوسهم وهربوا، فأخرج من التّابوت وسُحِب، فتعرّى من أكفانه، وبدت عَوْرته، وجعلوا يصيحون بين يديه: بسم اللَّه، كما يفعل الحُجاب، وطافوا به المحالّ والأسواق مسلوبا مهتوكا، نَسأل اللَّه السَّتْر والعافية.
قال ابْن البُزُوري: وحكى التّميميّ قَالَ: كنت بحضرته وقد ورد عَلَيْهِ شَيْخ يلوح عَلَيْهِ الخير، فجعل يَعظُه بكلام لطيف، ونهاه عَن محرَّمات، فقال:
أخْرِجوه الكلْب سَحْبًا. وكرَّر القول مِرارًا.
وقال الموفّق عَبْد اللّطيف: صحَّ عندي بعد سِنين كثيرة أنّ ابْن العطّار هُوَ الَّذِي دسّ الحشيشيّة على الوزير عضُد الدّين حتّى قتلوه.
وُليَ المخزن وسكن فِي دار قُطْب الدّين تيمار الَّذِي هلك بنواحي الرّحبة، وأخذ يبكّت على الوزير، وانتصب لعداوته.
__________
[ (- 217، 218،) ] المختصر في أخبار البشر 3/ 62، الفخري 259- 261، مضمار الحقائق 4، 5، مرآة الزمان 8/ 355، تاريخ ابن الوردي 2/ 89، 90، البداية والنهاية 12/ 305، العسجد المسبوك 174، 175، مآثر الإنافة 2/ 57، النجوم الزاهرة 6/ 85، تاريخ ابن سباط 1/ 154، 155.

(40/37)


قال ابْن البُزُوري: ثمّ فِي آخر النّهار خلَّص مماليك الحاجب ابْن العطّار من باب الأزَج بعد تغيُر حاله وتجرُد لحمه عَن عظْمه، فحُمِل على نَعْشٍ مكشوف، فوارَتهُ امرأةٌ بإزار خليع. ثمّ دُفِن [1] .
[الوَباء والغلاء ببغداد]
وكان الوباء والغلاء والمرض شديدا ببغداد، وكَر القمح بمائة وعشرين دينارا [2] .
[إرسال الخِلَع إلى ملوك الأطراف]
وفي سلْخ الشّهر خُلِع على جميع الدّولة، وأرسِلت الخِلَع إلى ملوك الأطراف، وركبوا بالخِلَع فِي مُستَهَل ذي الحجّة، وجلس النّاصر لدين اللَّه للهنا، فدخل إلى بين يدي سُدته أستاذ الدّار مجد الدّين ابْن الصّاحب، وتلاه نائب الوزارة شرف الدّين سُلَيْمَان شادوست، فقبّلا الأرض. ثمّ خرج نائب الوزارة فركب، وخُلِع على ابْن الصّاحب قميصٌ أطْلَس أسود، وفرجيّة نسيج، وعِمامة كُحِلية بعراقيّ، وقُلد سيفا مُحَلى بالذهَب، وركب فرسا بمركب ذهب، وكنْبُوش إبريسم، وسيف ركاب، وضُرِبت الطُبُول على بابه.
[الزلزلة ببلاد الجبل]
وجاءت ببلاد الجبل زلزلة عظيمة سقطت قِلاع كثيرة، وهلك خلق [3] .
__________
[1] الكامل في التاريخ 11/ 459، 460، تاريخ الزمان 195، 196، تاريخ مختصر الدول 217، 218، المختصر في أخبار البشر 3/ 62، الفخري 323، مضمار الحقائق 11، 12، تاريخ ابن الوردي 2/ 89، 90، العسجد المسبوك 174، 175، البداية والنهاية 12/ 305، مآثر الإنافة 2/ 57، النجوم الزاهرة 6/ 85، تاريخ ابن سباط 1/ 154، 155.
[2] انظر: الكامل في التاريخ 11/ 451 452 (574 هـ.) ، والتاريخ الباهر 178، 179 (574 هـ.) ، ومضمار الحقائق 3، والبداية والنهاية 12/ 304.
[3] شذرات الذهب 4/ 249، كشف الصلصلة 194، البداية والنهاية 12/ 304.

(40/38)


سنة ست وسبعين وخمسمائة
[عزل وتولية في نيابة الوزارة]
فِي أوّلها عزل شرف الدّين بْن شادوش عَن نيابة الوزارة لأجل عُلُو سِنه وثَقل سَمْعه، ووليها جلال الدّين هبة اللَّه بْن عليّ بْن الْبُخَارِيّ.
[صلاة الناصر بجامع الرصافة]
وفي المحرّم ركب النّاصر لدين اللَّه إلى الكشك، وصلّى الجمعة بجامع الرَّصافة.
[قدوم رسول الملك طغرل]
وفيه قدم رسول الملك طُغْرُل السَلْجُوقي.
[القبض على ابْن الوزير]
وفيه تقدّم إلى أستاذ الدّار بالقبض على كمال الدّين عُبيد اللَّه ابْن الوزير عضُد الدّين مُحَمَّد ابْن رئيس الرؤساء، فنفّذ للقبض عَلَيْهِ عزّ الدّولة مَسْعُود الشّرابيّ فِي جماعة من المماليك، فحمل مسحوبا إلى بين يديه، فأمرهم أن يرفقوا به، وقيدَ وسُجِنَ.
[وصول أمير الحاجّ]
وفي صَفَر وصل أمير الحاجّ وفي صُحبته صاحب المدينة عزّ الدّين أَبُو سالم القاسم بْن مهَني للمبايعة.
[خروج صلاح الدين لمحاربة الأرمن]
وفِيهَا توجَّهَ السّلطان صلاح الدّين قاصدا بلاد الأرمن وبلادَ الروم

(40/39)


ليحارب قَلِيج رسلان بْن مَسْعُود بْن قَلِيج رسلان. والمُوجب لذلك أنّ قَليِج زوّج بنته لمحمد بْن قرا رسلان بْن دَاوُد صاحب حصن كيفا، ومكثت عنده حينا، وأنّه أحبَّ مُغنيةً وشغف بها، فتزوّجها، وصارت تحكم فِي بلاده، فلمّا سمع بذلك حُمُوُه قصد بلاده عازما على أخْذ ابنته منه، فأرسل مُحَمَّد إلى صلاح الدّين يستنجد به، وكرَّرَ إليه الرُسُل. ثمّ استقرّ الحال أن يصبروا عَلَيْهِ سنة، ويُفارق المُغنية.
ونزل صلاح الدّين على حصنٍ من بلاد الأرمن فأخذه وهدمه [1] .
[وصول الخِلَع إلى صلاح الدين]
ثم رجع إلى حمص فأتاه التّقليد والخِلَع من الخليفة النّاصر، فركب بها بحمص، وكان يوما مشهودا [2] .
[من كِتَاب صلاح الدين إلى الخليفة الناصر]
ومن كِتَاب السّلطان صلاح الدّين إلى الخليفة: «والخادم- وللَّه الحمد- جَدَّد [3] سوابقَ فِي الْإِسْلَام والدّولة العبّاسيّة لَا تعدها [4] أوليّة أَبِي مُسْلِم، لأنّه وَالى ثمّ دَارى [5] ، وَلَا آخريّة طُغْرلبك لأنّه نَصَر ثمّ حَجَر. والخادم خَلَعَ مَن كان ينازع الخلافة رواءها، وأساغ الغصّة الّتي [أذخر] [6] الله للإساغة في سيفه
__________
[1] النوادر السلطانية 54، سنا البرق الشامي 1/ 344، الروضتين 2/ 16، الكامل في التاريخ 11/ 464- 467، تاريخ الزمان 196، مفرّج الكروب 2/ 98، 99، نهاية الأرب 28/ 396، مرآة الزمان 8/ 360، المختصر في أخبار البشر 3/ 62، مضمار الحقائق 18، 19، العبر 4/ 227، دول الإسلام 2/ 89، تاريخ ابن الوردي 2/ 90، مرآة الجنان 3/ 402، البداية والنهاية 12/ 305، شفاء القلوب 97، السلوك ج 1 ق 1/ 70، 71، تاريخ ابن سباط 1/ 157، شذرات الذهب 4/ 254، عقد الجمان 12/ 217 ب، 218 أ.
[2] مرآة الزمان 8/ 360.
[3] في تاريخ الخلفاء: «يعدّد» .
[4] في تاريخ الخلفاء: «لا يعمرها» .
[5] في تاريخ الخلفاء: «وارى» .
[6] في الأصل بياض، والمثبت من تاريخ الخلفاء.

(40/40)


ماءها، فرجَّل الأسماء الكاذبة الراكبة على المنابر، وأعِزّ بتأييدٍ إبراهيميّ، فكسّر الأصنام الباطنيّة بسيفه الطّاهر» [1] .
[سماع صلاح الدين «الموطّأ» فِي الإسكندرية]
وقال العماد الكاتب: توجّه السّلطان إلى الإسكندريّة، وشاهد الأسوار الّتي جدَّدها، وقال: نغتنم حياة الْإِمَام أَبِي طاهر بْن عون. فحضرنا عنده وسمعنا عَلَيْهِ «الموطّأ» .
وكتب إليه القاضي الفاضل يُهنيه ويقول: أدام اللَّه دولة الملك النّاصر سلطان الْإِسْلَام والمسلمين، مُحيي دولة أمير المؤمنين، وسعْده برحلته للعِلْم، والإثابة عليها. ( ... ) [2] وفي اللَّه رحلته، وفي سبيل اللَّه يوماه: يوم سَفَك دم المحابر تحت قلمه، ويوم سَفَك دَم كافرٍ تحت عَلَمِه. ففي الأوّل يطلب حديث المصطفى، فيجعل أثره عينا لَا تُسْتر، وفي الثّاني يحفل لنُصرة شريعة هداه على الضّلال فيجعل عينه أثرا لَا يظهر.
إلى أن قَالَ: وما يحسب المملوك أنّ كاتب اليمين كتب لملك رحلة قطّ فِي طلب العِلْم إلَّا للرشيد، فرحل بولديه الأمين والمأمون لسماع هذا «الموطّأ» الَّذِي اتّفقت الهمّتان الرشيديّة والنّاصريّة على الرغبة فِي سماعه، والرحلة لانتجاعه.
وكان أصل «الموطّأ» بسماع الرشيد على مالك فِي خزانة المصريّين، فإنْ كان قد حصل، وإلا فَلْيُلْتَمس.
[تقليد الخليفة البلادَ لصلاح الدين]
وفِيهَا أرسِل شَيْخ الشّيوخ صدْر الدّين عَبْد الرَّحِيمَ، وبشير المستنجديّ الخادم إلى السّلطان صلاح الدّين بتقليد ما بيده من البلاد، وهو من إنشاء قِوام
__________
[1] تاريخ الخلفاء 452.
[2] في الأصل بياض.

(40/41)


الدّين بْن زبال، فمنه: «ما كان يملك الأجلّ السّيّد صلاح الدّين، ناصر الْإِسْلَام، عماد الدّولة، جمال المِلَّة، فخر الملّة، صفيّ الخلافة، تابع الملوك والسّلاطين، قامع الكَفَرة والمتمرّدين، قاهر الخوارج والمشركين، فخر المجاهدين، ألْب غازي بك أَبُو يعقوب يوسف بْن أيّوب، أدام اللَّه عُلُوَّه على هذه السّجايا مقبلا» .
وذكر التّقليد، وفيه: «آمرُه بتقوى اللَّه، وآمرُه باتّخاذ القرآن دليلا، وآمره بمحافظة الصّلاة، وحضور الجماعة وبلزوم نزاهة الحُرُمات، وآمرُه بالإحسان بإظهار العدل، وأن يأمر بالمعروف، وأن يحتاط فِي الثّغور، وأنْ يجنب إلى الأمان. وآمرُه بكذا، وأمرُه بكذا. وكُتِب فِي صفر سنة ستُ وسبعين [1] .
[وصول رسول ابْن عبّاد]
وفِيهَا وصل الفقيه هبة اللَّه بْن عَبْد اللَّه بْن عبّاد صاحب جزيرة قيس رسولا. وقدِم ... [2] .
[ركوب الخليفة الدَسْت]
وفي جُمادى الأولى يوم الجمعة ركب الخليفة فِي الدَّسْت بظلّة الشّمسيّة.. [3] ، وعلى رأسه الطرْحَة، والكُل مُشاة، وخرج إلى ظاهر السّور، ثمّ ردّ إلى جامع المنصور وصلّى، وأقام بكشك الملكيّة أسبوعا. وركب الجمعة الأخرى فِي موكبه، وصلّى بجامع الرَّصَافة، وركب فِي الشَّبارة الطّويلة، تُظِلُه القُبة السَّوداء، وأرباب الدّولة قيام فِي السّفن والخلق يدعون له.
__________
[1] سنا البرق الشامي 1/ 352، 353، الروضتين 2/ 19، مفرّج الكروب 2/ 95، الدرّ المطلوب 68، 69، البداية والنهاية 12/ 37، عقد الجمان 12/ 218 أ.
[2] في الأصل بياض.
[3] في الأصل بياض.

(40/42)


[إقطاع طغرل البصرة]
وَفِيهَا أُقُطِع طُغْرُل النّاصريّ الخاصّ البصْرةَ بعد موت متولّيها قسيم الدولة بها.
[خروج الخليفة للصيد]
وفي جُمادى الآخرة ركب النّاصر لدين اللَّه فِي موكبه، وخرج إلى الصَّيد، وطاف البلاد والأعمال، وغاب أسبوعا.
[نيابة فرّخ شاه دمشق]
وَفِيهَا وُلي نيابةَ دمشق عزّ الدّين فرّخ شاه ابْن أخي السّلطان، وكان حازما، عاقلا، شجاعا، مقداما، كثير الحرمة [1] .
__________
[1] أمراء دمشق في الإسلام 65 رقم 207، البداية والنهاية 12/ 311.

(40/43)


سنة سبع وسبعين وخمسمائة
[تخريب بلاد الكَرَك]
فِيهَا قصد عزّ الدّين فرّخ شاه بْن شاهنشاه بلاد الكَرَك بالعساكر وخرّبها، وعاد [1] .
وكان ملك الفرنج برنْس- لعنه اللَّه- قد سوّلت لَهُ نفسه قَصْد المدينة النّبويّة ليتملّكها، فسار فرّوخ شاه إلى بلد المذكور ونَهبَه، فَآلَ الْبِرِنْسُ بالخيبة [2] .
[ركوب الخليفة فِي موكب]
وفي رجب ركب الخليفة فِي موكبه إلى الكشك، فنزل به، وقدم إلى بغداد بزرافة من صاحب جزيرة قيس.
[معاتبة صلاح الدين على تسمّيه بالناصر]
وَفِيهَا أرسل من الدّيوان إلى السّلطان صلاح الدّين يأخذ عَلَيْهِ فِي أشياء، منها تَسَميه بالملك النّاصر، مع عِلْمه أنّ الْإِمَام اختار هذه السّمة لنفسه [3] .
__________
[1] دول الإسلام 2/ 89.
[2] الكامل في التاريخ 11/ 470، الأعلاق الخطيرة 2/ 70، 71، المختصر في أخبار البشر 3/ 63، دول الإسلام 2/ 88، تاريخ ابن الوردي 2/ 90، البداية والنهاية 12/ 309، السلوك ج 1 ق 1/ 72، تاريخ ابن سباط 1/ 158، 159.
[3] تاريخ الخلفاء 452.

(40/44)


[أخْذ عزّ الدين حلب]
وفي شعبان ساق عزّ الدّين مَسْعُود وأخذ حلب، وكان الصّالح إِسْمَاعِيل بْن نور الدّين قد أوصى لَهُ بها [1] .
[مقايضة سنجار بحلب]
وفي شوّال تزوَّج بأمّ الصّالح، ثمّ قايض أخاه عماد الدّين بسنجار، وقدم عماد الدّين فتسلّم حلب [2] .
__________
[1] الكامل في التاريخ 11/ 472، 473.
[2] الكامل في التاريخ 11/ 473 و 474، 475، مرآة الزمان 8/ 367، المختصر في أخبار البشر 3/ 63، المغرب في حلى المغرب 148 و 149، السلوك ج 1 ق 1/ 77، زبدة الحلب 3/ 56، 57.

(40/45)


سنة ثمان وسبعين وخمسمائة
[رخاء الأسعار بالعراق]
فِيهَا تراخت الأسعار بالعراق.
[الوثوب على صاحب قلعة الماهكيّ]
وَفِيهَا وثب على عَبْد الوهّاب الكرديّ صاحب قلعة الماهكيّ ابن عمّه جوبان، فأخرجه منها، ونادى بشعار الدّولة العبّاسيّة، فأرسلت إليه الخِلْعة والتّقليد بولايتها [1] .
[الكتابة إلى صلاح الدين بالرحيل عَن الموصل]
وَفِيهَا وصل قاضي الموصل ووزيرها ابْن الشّهرزوريّ إلى الدّيوان العزيز يطلب أن يتقدّم إلى السّلطان صلاح الدّين بالارتحال عَن الموصل، فإنّه نزل محاصرا، ذاكرا أنّ الخليفة أقطعه إيّاها. فأجيب سؤاله، وكتب إلى السّلطان بالارتحال عَنْهَا. وسار إليه فِي الرسلية شَيْخ الشّيوخ صدر الدّين عَبْد الرحيم [2] .
[فتح بلد كبير بالروم]
وفِيهَا افتتح ملك الروم قلِيج رسلان بْن مَسْعُود بلدا كبيرا بالروم كان للنَّصاري، وكُتِب إلى الدّيوان بالبِشارة.
__________
[1] مضمار الحقائق 90، 91.
[2] البرق الشامي 5/ 35، 36، الروضتين 2/ 30، مضمار الحقائق 107- 110، المغرب في حلى المغرب 149، الدرّ المطلوب 73، دول الإسلام 2/ 89، تاريخ الزمان 198، 199.

(40/46)


[فتح حرّان وسروج وسنجار وغيرها]
وافتتح فِيهَا صلاح الدّين حرّان، وسَرُوج، وسِنْجار، ونصيبين، والرّقّة، والبيرة، ونازلَ المَوْصِل وحاصرها، فبهره ما رَأَى من حصانتها، فرحل عَنْهَا، وقصده شاه أرمن [1] بعساكر جمّة، واجتمع فِي ماردين بصاحبها، وفتح آمِد [2] .
[ملْك صلاح الدين حلب]
ثمّ رجع إلى حلب فملكها، وعوّض صاحبها سنجار [3] .
[الخِلْعة بشرف الفتوّة]
وَفِيهَا تفتّى النّاصر لدين اللَّه إلى الشَّيْخ عَبْد الجبّار، ولُقَّب بشرف الفُتُوة عَبْد الجبّار، وخلع عَلَيْهِ. وكان النّقيب لهم أبو المكارم أحمد بن محمد بن داذي النّيليّ. وفتّى النّاصر لدين اللَّه فِي ذلك الوقت ولد رفيقه عليّ بْن عَبْد الجبّار، وخلع عَلَيْهِ وعلى النّقيب.
وكان عَبْد الجبّار هذا فِي بدء أمره شجاعا مشهورا، تهابه الفتيان، وتخافه الرجال، ثمّ ترك ذلك ولزِم العبادة، وبنى [4] لنفسه موضعا، فأمر الخليفة بإحضاره حين تضوّع عبير أخباره، وتفتّى إليه، وجعل المعوّل في شرعها عليه [5] .
__________
[1] في الأصل: «شاه رمن» ، والتصحيح من: مضمار الحقائق 113.
[2] البرق الشامي 5/ 27 و 40، الكامل في التاريخ 11/ 496، مفرّج الكروب 2/ 141، نهاية الأرب 28/ 384، 385، مضمار الحقائق 110- 114 و 136- 141، المغرب في حلى المغرب 149، الدرّ المطلوب 73، دول الإسلام 2/ 90، العبر 4/ 232، مرآة الجنان 3/ 409، تاريخ الزمان 198، شذرات الذهب 4/ 259.
[3] المصادر نفسها.
[4] في الأصل: «بنا» .
[5] انظر: مضمار الحقائق 177، والعبر 4/ 232، ومرآة الجنان 3/ 409.

(40/47)


[الخروج الأخير لصلاح الدين من مِصْر]
وَفِيهَا خرج صلاح الدّين من مِصْر غازيا، وما تهيَّا لَهُ العَوْدُ إليها، وقد عاش بعد ذلك اثنتي عشر سنة [1] .
[دخول سيف الْإِسْلَام اليمن]
وَفِيهَا بعث صلاح الدّين أخاه سيف الْإِسْلَام طُغْتِكِين على مملكة اليمن، وإخراج نواب أخيه توران شاه منها، فدخل إليها، وقبض على متولّى زَبِيد حطّان بْن مُنقذ الكِناني. فيقال إنّه قتله سِرًّا وأخذ منه أموالا لَا تُحصى.
وهرب منه عزّ الدّين عثمان ابن الزّنجيليّ [2] . وتمكّن سيف الْإِسْلَام من اليمن [3] .
[وفاة فرّوخ شاه]
وفيها مات عزّ الدّين فرّوخ شاه ابْن شاهنشاه بْن أيّوب، فبعث عمّه على نيابة دمشق شمس الدّين مُحَمَّد بْن المقدَّم [4] .
__________
[1] النوادر السلطانية 54، التاريخ الباهر 183، الكامل في التاريخ 11/ 478. 479، تاريخ الزمان 198، زبدة الحلب 3/ 55، 56، مضمار الحقائق 30 و 93- 96، مرآة الزمان 8/ 369، الدرّ المطلوب 71، المختصر في أخبار البشر 3/ 63، 64، تاريخ ابن الوردي 2/ 91، العسجد المسبوك 186، البداية والنهاية 12/ 310، السلوك ج 1 ق 1/ 77، شفاء القلوب 98، 99، تاريخ ابن سباط 1/ 160.
[2] في مضمار الحقائق «الزنجاري» وفي مفرّج الكروب 2/ 104، والدر المطلوب 70 «ابن الزنجبيلي» .
[3] الكامل في التاريخ 11/ 480، 481، مضمار الحقائق 66، العسجد المسبوك 2/ 186، تاريخ مختصر الدول 218، مرآة الزمان 8/ 368، المختصر في أخبار البشر 3/ 64، مفرّج الكروب 2/ 104، 105، الدرّ المطلوب 70 (577 هـ.) و 73 (578 هـ.) ، العبر 4/ 232، 233، مرآة الجنان 3/ 409، النجوم الزاهرة 6/ 91.
[4] انظر عن (فرّخ شاه) في: النوادر السلطانية 56، والكامل في التاريخ 11/ 491، ومفرّج الكروب 2/ 124، وزبدة الحلب 3/ 27، ووفيات الأعيان 7/ 167، والأعلاق الخطيرة 1/ 49، ومرآة الزمان 8/ 372، والمختصر في أخبار البشر 3/ 65، ومضمار الحقائق 104، والعبر 4/ 233، 235، ودول الإسلام 2/ 90، والبداية والنهاية 12/ 311، وتاريخ ابن الوردي 2/ 92، والعسجد المسبوك 187، والسلوك ج 1 ق 1/ 79، تاريخ ابن سباط 1/ 163، وشذرات الذهب 4/ 259.

(40/48)


سنة تسع وسبعين وخمسمائة
[قدوم رسول ملك مازندران إلى الخليفة]
فِي المحرَّم قدِم رسول ملك مازَنْدران [1] ، فتُلقي وأكرِم، ولم يكن لمرسله عادةٌ بمراسلة الدّيوان، بلِ اللَّه هداه من غيّ هواه، وقدّمه هديّة.
[قتل مُستفتٍ سَبّ الشافعيّ]
وَفِيهَا جاء رَجُل إلى النّظاميّة يستفتي، فأفتي بخلاف غرضه، فسبَّ الشّافعيّ، فقام إليه فقيهان، لَكَمَهُ أحدُهما، وضربه الآخر بنعله، فمات ليومه، فحُبِس الفقيهان أيّاما، وأطلِقا عملا بمذهب أَبِي حنيفة.
[القبض على مجاهد الدين قايماز وإعادته]
وفي جَمادى الأولى قبض عزّ الدّين مَسْعُود صاحب الموصل على نائبة وأتابِكه مجاهد الدّين قايماز، وكان هُوَ سلطان تلك البلاد فِي المعنى، وعزّ الدّين معه صورة. ولكنْ تخرَّم عَلَيْهِ بإمساكه ( ... ) [2] . ثمّ إنّه أَخْرَجَهُ وأعاده إلى رُتبته.
[مجيء الرُسلية إلى صلاح الدين]
وفي رَمَضَان جاء إلى صلاح الدّين بالرسلية شَيْخ الشّيوخ، وبشير الخادم [3] .
__________
[1] مازندان: بعد الزاي نون ساكنة، ودال مهملة، وراء، وآخره نون. اسم لولاية بطبرستان.
(معجم البلدان 5/ 41) .
[2] في الأصل بياض.
[3] مرآة الزمان 8/ 378، زبدة الحلب 3/ 76، 77 و 79، مفرّج الكروب 2/ 162.

(40/49)


[الفراغ من رباط المأمونيّة]
وفي شوّال فُرِغ من رباط المأمونيّة وفتح إنشاءاته والدة النّاصر لدين اللَّه، ومُدَّ به سماط، وحضره أرباب الدّولة، والقُضاة، والأئمّة، والأعيان، ورتّب شهاب الدّين السُهْروردي شيخا به، ووُقِفَتْ عَلَيْهِ الوقوفُ النّفيسة [1] .
[قدوم الخُجَنْدي للحجّ]
وقدِم رئيس أصبهان صدر الدّين عَبْد اللّطيف الخُجَنْدي للحجّ، فتلقّى موكب الدّيوان، وأقيمت لَهُ الإقامات. وزعيم الحاج فِي هذه السّنين مُجِير الدّين طاشتكين.
[كتاب فاضليّ إلى الديوان بتشتيت الفرنج]
ومن كِتَاب فاضليّ إلى الدّيوان: «كان الفِرَنج قد ركبوا من الأمر نكْرا، وافتضّوا [2] من البحر بِكرا، وعمّروا مراكب حربيّة شحنوها بالمقاتلة والأسلحة والأزواد [3] ، وضربوا بها سواحل اليمن والحجاز [4] ، وأثخنوا [5] وأوغلوا فِي البلاد (واشتدّت مخافة أهل تلك الجوانب، بل أهل القِبلة، لما أرمض إليهم من خلل الطّواف) [6] وما [ظنّ] [7] المسلمون إلَّا أنّها السّاعة، وقد نُشِر مطويّ أشراطها، و [طوي منشور بساطها. فثار] [8] غضب اللَّه لفناء بيته المحرَّم (ومقام خليله الأكرم) [9] ، وضريح نبيّه الأعظم [10] صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (ورجوا أن يشحذ
__________
[1] الكامل في التاريخ 11/ 503.
[2] في شفاء القلوب 103 «اقتضوا» بالقاف، وهو غلط.
[3] في شفاء القلوب 103: «والأزراد» بالزاي ثم الراء.
[4] في شفاء القلوب 103: «وضربوا بها سواحل تهامة» .
[5] «وأثخنوا» ليست في: شفاء القلوب.
[6] ما بين القوسين ليس في: شفاء القلوب.
[7] في الأصل بياض، والمثبت من: شفاء القلوب.
[8] في الأصل بياض، وما بين الحاصرتين من شفاء القلوب.
[9] في شفاء القلوب: «ومقام أنبيائه المعظم» .
[10] في شفاء القلوب: «المفخّم» .

(40/50)


البصائر بنكاية هذا البيت) [1] ، إذ قصده أصحاب الفيل، ووكّلوا إلى اللَّه الأمر، فكان حَسْبُهُم ونِعْم الوكيل» [2] .
وكان للفرنج مقصدان: أحدهما قلعة أيْلَة [3] ، والآخر الخوض فِي هذا البحر الَّذِي تجاوره بلادهم من ساحله، وانقسموا فريقين. أمّا الّذين قصدوا أيلة، فإنّهم قدروا أن يمنعوا أهلها من مورد الماء، وأمّا الفريق القاصد سواحلَ الحجاز واليمن، فقدّروا أن يمنعوا طريق الحاجّ عَن حَجه، ويحول بينه وبين فَجه [4] ، ويأخذ تجّار اليمن، وكارم، وعدن، ويلمّ بسواحل الحجاز فيستبيح، والعياذ باللَّه، المحارم. وكان الأخ سيف الدّين [5] بمصر قد عُمَر مراكب، وفرّقها على الفريقين [6] ، وأمرهم [7] بأن تُطْوَى وراءهم الشُقَّتَين فأمّا السّائرة إلى قلعة أيلة، فإنّها انقضّت على مُرابطي الماء [8] انقضاضَ الجوارح على بنات الماء، وقذفتها قذف شُهُب السّماء، [9] فأخذت مراكب العدوّ برمّتها، قتلت أكثر مقاتلتها، [إلَّا من تعلّق [بسعف] [10] وما كاد، أو دخل فِي شعب وما عاد، فإنّ العربان اقتصّوا آثارهم، والتزموا إحضارهم.
وأمّا السّائرة إلى بحر الحجاز، فتمادت فِي السّاحل الحجازيّ، فأخذت تُجارًا، وأخافت رفاقا، ودلّها على عورات البلاد من هو أشدّ كفرا ونفاقا.
__________
[1] ما بين القوسين ليس في: شفاء القلوب.
[2] العبارة في (شفاء القلوب 103) : «وحرس من فضل الله، كما حرس إذ قصده أصحاب الفيل، ووكّل أهله الأمور إلى الله، فكان حسبهم ونعم الوكيل. ولم يبق من العدوّ مخبرا ولا أثرا» .
[3] انظر زيادة في البرق الشامي 2/ 73.
[4] في مفرّج الكروب 2/ 130 «تحه» .
[5] هو الملك العادل أخو صلاح الدين.
[6] في البرق 74 «الفرقتين» .
[7] في الروضتين 2/ 37، ومفرّج الكروب 2/ 130 «وأمرها» . والمثبت عن الأصل، وكذا في أصل البرق الشامي.
[8] في مفرّج الكروب 2/ 130 «على مرابطي منع الماء» .
[9] في البرق وغيره زيادة: «مسترقي سمع الظلماء» .
[10] في الأصل بياض.

(40/51)


وهناك وقع عليها أصحابُنا، وأُخذت المراكب بأسرها، وفرّ فِرَنْجُها) [1] ، فسلكوا فِي الجبال مهاوي المهالك، ومواطن [2] المعاطب، وركب أصحابنا وراءهم خيل العرب، يقتلون ويأسرون، حتّى لم يتركوا مُخْبِرًا، ولم يُبقُوا لهم أثرا [3] ، وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلى جَهَنَّمَ زُمَراً 39: 71 [4] ، فَقيد منهم إلى مِصْر مائة وسبعون أسيرا [5] .
[تسلُم صلاح الدين حلبا]
وفي المحرَّم نزل صلاح الدّين على حلب، ثمّ تسلّمها صُلْحًا [6] .
[أخْذ الغوري ملك الهند غَزْنَة]
وَفِيهَا سار شهاب الدّين الغوريّ بعد ما ملك جبال الهند، وعَظُم سلطانه إلى مدينة هاوور فِي جيش عظيم وبها السّلطان خسروشاه بن بهرام شاه السُبكتِكِيني الَّذِي كان صاحب غَزنة من ثلاثين سنة، فحاصره مدّة، ثمّ نزل بالأمان فأكرمه ووفى لَهُ. فورد رسول السّلطان غياث الدّين إلى أخيه يأمره بإرسال خُسرُوشاه إليه، فقال لَهُ: أَنَا لي يمين فِي عُنقك. فطيّب قلبه ومَنَّاه، وأرسله هُوَ وولده، فلم يجتمع بهما غياث الدّين بل بعثهما إلى بعض القلاع، فكان آخر العهد بهما. وهذا آخر ملوك بني سبكِتِكين. وكان ابتداء دولتهم من سنة ستّ وستّين وثلاثمائة، فتبارك الله الّذي لا يزول ملكه [7] .
__________
[1] ما بين القوسين لم يرد في البرق الشامي.
[2] في البرق 5/ 74 «معاطن» .
[3] في شفاء القلوب 103: «ولم يبق من العدوّ مخبرا ولا أثرا» .
[4] سورة الزمر، الآية 73.
[5] البرق الشامي 5/ 73- 75، الروضتين 2/ 37، سنا البرق الشامي 2/ 54، الكامل في التاريخ 11/ 490، 491، مفرّج الكروب 2/ 127- 132، نهاية الأرب 28/ 397، 398، مضمار الحقائق 144 و 146- 151، الدرّ المطلوب 71، 72، دول الإسلام 2/ 90.
[6] سيعاد هذا الخبر مفصّلا بعد قليل.
[7] العسجد المسبوك 2/ 188، 189، الدرّ المطلوب 71، دول الإسلام 2/ 90.

(40/52)


[عودة الرسليّة بالتقدمة إلى بغداد]
وَفِيهَا عاد شَيْخ الشّيوخ، وبشير من الرسْلية، ومعهم رسول صلاح الدّين بتقدُمه كان منها شمسيّة، يعني جزءا، وهي مصنوعة من ريش الطّواويس، لم يُرَ فِي حُسْنها، وعليها اسم المستنصر باللَّه مَعَد العُبيدي.
[وفاة نائب الوزارة وولاية ابْن صدقة]
وتُوفي الخلّال أَبُو المظفّر بْن البخاريّ نائب الوزارة، فولّي مكانه حاجب باب النّوبيّ عزّ الدّين أَبُو الفتوح بْن صَدَقة.
[ولاية الحجابة]
وولي الحجابة أَحْمَد بْن هُبَيرة.
[وفاة شَيْخ الشيوخ وبشير]
وعاد إلى الشّام شَيْخ الشّيوخ، وبشير على الفَور، فمرِضا، وطلبا الرجعة إلى العراق، فقال صلاح الدّين: أقيما. فلم يفعلا، وسارا فِي الحرّ، فماتا بالرحبة.
[منازلة صلاح الدين حلبا وتسلّمها]
ونازل السّلطان حلب، وحاصرها أشدّ حصار، ثمّ وقع الصُلْح بين صاحبها عماد الدّين وبين السّلطان، على أن يعوّضه عَنْهَا سِنْجار، ونصيبين، والرّقّة، وسَرُوج، والخابور. وتسلّم حلب فِي ثاني عشر صفر. وفيه يقول القاضي محيي الدّين ابْن القاضي زكيّ الدّين ابْن المنتخب يمدحه بأبياتٍ جاد منها قوله:
وفَتْحكُمُ حَلَبًا بالسّيف فِي صَفَر ... مبشِّرٌ بفتوح القدس في رجب
[1]
__________
[1] الكامل في التاريخ 11/ 496- 502، النوادر السلطانية 59، 60، زبدة الحلب 3/ 63- 72، مفرّج الكروب 2/ 141- 147، تاريخ مختصر الدول 219، تاريخ الزمان 200، -

(40/53)


[البشارة بفتح القدس]
وقد ذكر صاحب «الرَوْضَتَين» [1] أنّ الفقيه مجد الدّين بْن جميل الحلبيّ الشّافعيّ وقع إليه «تفسير القرآن» لأبي الحكم بْن بُرجان، فوجد فِيهِ عنَد قوله تعالى: الم. غُلِبَتِ الرُّومُ 30: 1- 2 [2] أنّ الرُوم يُغلبون فِي رجب سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة، ويفتَح البيت المقدس، ويصير دارا للإسلام إلى آخر الأبد.
واستدلّ بأشياء فِي كتابه. فلمّا فُتحت حلب على يد السّلطان صلاح الدّين، كتب إليه المجد بْن جميل ورقة يبشّره بفتح القدس على يديه، ويعيّن فِيهَا الزّمان، وأعطاها للفقيه عيسى، فلم يتجاسر أن يعرضها على السّلطان، وحدّث بما فِيهَا لمحيي الدّين، وكان واثقا بعقل المجد وأنّه لَا يقول هذا حتّى تحققه، فعمل القصيدة الّتي فِيهَا هذا البيت، فلمّا سمعه السّلطان بُهِت وتعجّب. فلمّا اتّفق لَهُ فتْحُ القُدس فِي رجب، سار المجد مهنّئا، وذكر لَهُ حديث الورقة، فتعجّب وقال: قد سبق إلى ذلك محيي الدّين، غير أنّي أجعل لك حظّا. ثمّ جمع لَهُ مَن فِي العسكر من الفُقَهاء والصُلحاء، ثمّ أدخله بيت المقدس والفِرَنج بعدُ فِيهِ لم يُنظف منهم، وأمره أن يذكر درسا على الصَّخْرة.
فدخل ودرّس هناك، وحظي بذلك.
ثمّ قَالَ أَبُو شامة: وقفت أَنَا على ما فسّره ابْن برُجان من أنّ البيت المقدس استولت عَلَيْهِ الروم عام سبعةٍ وثمانين وأربعمائة، وأشار إلى أنّه يبقى بأيديهم إلى تمام خمسمائة وثلاث وثمانين سنة.
__________
[ (- 201،) ] الأعلاق الخطيرة 2/ 71 و 203 وج 3 ق 1/ 134 و 180، 181، نهاية الأرب 28/ 384، 385، مضمار الحقائق 144 و 146- 151، مرآة الزمان 8/ 376، المختصر في أخبار البشر 3/ 66، الدرّ المطلوب 75، 76، العبر 4/ 237، تاريخ ابن الوردي 2/ 93، البداية والنهاية 12/ 313، 314، تاريخ ابن خلدون 5/ 301، 302، شفاء القلوب 105- 108، تاريخ ابن سباط 1/ 165، 166، النجوم الزاهرة 6/ 95.
[1] هو أبو شامة المقدسي.
[2] أول سورة الروم.

(40/54)


قال أَبُو شامة: وهذا الَّذِي ذكره أَبُو الحَكم من عجائب ما اتّفق. وقد تكلّم عَلَيْهِ شيخنا السخَاوي فقال: وقع فِي «تفسير» أَبِي الحَكَم أخبار عَن بيت المقدس، وأنّه يُفْتَح فِي سنة ثلاثٍ وثمانين. قال: فقال لي بعض الفُقهاء: إنّه استخرج ذلك من فاتحة السُورة. فأخذتُ السُورةَ، وكشفتُ عَن ذلك، فلم أره أخَذَ ذلك من الحروف، وإنّما أخذه فيما زَعَم من غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ في بِضْعِ سِنِينَ 30: 2- 4 [1] فبنى الأمر على التاريخ كما يفعل المنجّمون، ثمّ ذكر أنّهم يغلبون فِي سنة كذا، وفي سنة كذا، على ما تقضيه ووافر التّقدير. وهذه نجامة وافقت إصابة إنْ صحّ أنّه قَالَ ذلك قبل وقوعه، وليس ذلك من الحروف، وَلَا هُوَ من قبيل الكرامات. فإنّ الكرامات لَا تُكْتَسَب، وَلَا تفتقر إلى تاريخ، ولذلك لم يوافق الصّواب لمّا أراد الحساب على القراءة الأخرى الشّاذّة وهي (غَلَبَتْ) بالفتْح، ولو صحّ ذلك، لأنّه قَالَ فِي سورة القَدْر: لو عُلِم الوقتُ الَّذِي نزل فِيهِ القرآنُ لعُلِم الوقتُ الَّذِي يُرفع فِيهِ. فهذا ما ذكره.
[كتاب فاضلي بإبطال المكس بالرَّقة]
ومن كِتَاب إلى الدّيوان: أشقى الأمراء من سمّن كيسه وأهزل الخلْق، وأبعدهم مِن الحقّ من أخذ المكْس وسمّاه الحقّ. ولمّا فتحنا الرِّقة أشرفنا على سُحْتٍ يؤكل، وظُلْمٍ ممّا أمَرَ اللَّه أن يُقْطَع، وأمر الظّالمون أن يوصل، فأوحَينا إلى كافّة الولاة من قِبَلنا أن يضعوا هذه الرسوم بأسرها، ويكفوا الرعايا من سائر أيّام مِلكتِه بأسرها، ونعتق الرّقّة من ربّها، وتُسَد هذه الأبواب وتُعطل، وتُنْسَخ هَذه الأمور وتُبْطَل، [وتبقى] [2] ماهيّة الأحكام، وأئمّة الخلود، خالدة الدّوام، تامّة البلاغ، يانعة التّمام، ملعون من يطمح إليها ناظره.
__________
[1] سورة الروم، الآيتان (2 و 3) .
[2] في الأصل بياض.

(40/55)


ومنه: وإذا ولّاه أمير المؤمنين ثغرا لم يَبتْ فِي وسطه، ولم يقم فِي ظلّ غُرَفِه، بل يبيت السيفُ لَهُ ضجيعا، ويصبح ومُعْتَدَلُ القتال لَهُ ربيعا، لَا كالّذين يطلبون أبواب الخلافة [كالعباد] [1] وَلَا يؤامروها فِي تصرُفاتها مؤامرة الاستعباد، وكأنّ الدّنيا لهم إقطاع لَا إيداع، وكأنّ الإمارة لهم تخليدٌ لَا تقليد.
وكأنّ السّلاح عندهم زينة كليله ولابسه، وكأنّ مال اللَّه عندهم وديعة، لَا يَدِرُّ مانعة وَلَا كابسة، وكأنّهم فِي البيوت الدُمَى فِي لُزُوم خِدْرها، لَا فِي مُستحسنات صُوَرِها، راجين من الدّين بالعروة [الدّنيّة] [2] ، ومن إعلاء كلمته بما يسمعونه على الدرَجَات الخشبيّة، ومن جهاد الخوارج باستحسان الأخبار المُهَلبية [3] ، ومن قتال الكفّار بأنّه فرض كفاية، تقوم به طائفةٌ فيسقط عَن البقيّة.
[محاصرة السلطان الكَرَك]
وَفِيهَا سارَ السّلطان بجيوشه إلى الكَرَك فحاصرها، ونصب عليها المجانيق، ثمّ جاءته الأخبار باجتماع الفِرَنج، فترك الكَرَك، وسار إليهم بعد أن كان قد أشرف على أخْذِها، فخالفوه فِي الطّريق إلى الكَرَك، وأتوا إليها بجموعهم، فسار إلى نابلس، ثمّ إلى دمشق [4] .
__________
[1] في الأصل بياض.
[2] في الأصل بياض.
[3] يقصد أخبار بني المهلّب بن أبي صفرة.
[4] النوادر السلطانية 63 و 66، 67، مضمار الحقائق 153، 154، الكامل في التاريخ 11/ 506، 507، مفرّج الكروب 2/ 157، 158، تاريخ الزمان 202، زبدة الحلب 2/ 74 و 78، 79، الأعلاق الخطيرة 2/ 71، 72، المغرب في حلى المغرب 151، الدرّ المطلوب 78، المختصر في أخبار البشر 3/ 68، مضمار الحقائق 188- 190، العبر 4/ 239، دول الإسلام 2/ 91، تاريخ ابن الوردي 2/ 94، مرآة الجنان 3/ 417، البداية والنهاية 12/ 315، العسجد المسبوك 190، تاريخ ابن خلدون 5/ 302، السلوك ج 1 ق 1/ 83، 84، شفاء القلوب 114، تاريخ ابن سباط 1/ 167، 168 (580 هـ) ، الإعلام والتبيين 32، 33.

(40/56)


وأعطى [1] أخاه نائب مِصْر الملكَ العادل سيفَ الدّين حلب وأعمالها، فإنّه ألحّ عليه فِي طلبها. فَسَارَ إليها، وانتقل منها الملك الظّاهر غازي، وقدِم على والده [2] .
[نيابة الملك المظفّر بمصر]
وبعث السّلطان ابْن عمّه الملك المظفّر تقيّ الدّين عُمَر صاحب حماه على نيابة الدّيار المصريّة موضع الملك العادل [3] .
__________
[1] في الأصل: «وأعطا» .
[2] مضمار الحقائق 154، البرق الشامي 5/ 153، سنا البرق الشامي 2/ 151.
[3] مضمار الحقائق 154، البرق الشامي 5/ 155، سنا البرق الشامي 2/ 154.

(40/57)


سنة ثمانين وخمسمائة
[جَعْلُ مشهد الكاظم أمنا]
فِيهَا جعل الخليفة النّاصر مشهد موسى الكاظم أمنا لمن لاذ به، فالتجأ إليه خلْق، وحصل بذلك مفاسد [1] .
[موت رَجُل راهن على دفنه نصف يوم]
وفي صَفَر راهن رجلٌ ببغداد على خمسة دنانير أن يندفن من غدوة إلى الظّهر، فدفن وأهيل عليه التُراب، ثمّ كُشِف عَنْهُ وقت الظُهْر، فوُجِد ميتا وقد عصفر سواعده من هَوْل ما رَأَى [2] .
[كِتَابُ السُّلْطَانِ بِمَحَاسِنِ دِمَشْقَ]
وَفِيهَا كتب زين الدّين بن نَجِية [3] الواعظ كتابا إلى صلاح الدّين يشوّقه إلى مِصْر ويصف محاسنها، ومواطن أنسها. فكتب إليه السّلطان، بإنشاء العماد فيما أظنّ: «ورد كِتَاب الفقيه زين الدّين: لَا ريب [4] أنّ الشّام أفضل، وأنْ أجر ساكنه أجزل، وأنّ القلوب إليه أميَل، وأنّ زُلالة البارد أعلَّ [5] وأنْهَل، وأنّ الهواء فِي صيفه وشتائه أعْدَل، وأنّ الجمال فِيهِ أجمل
__________
[1] تاريخ الخلفاء 452.
[2] دول الإسلام 2/ 91، تاريخ ابن سباط 1/ 168، دول الإسلام 2/ 91.
[3] في شفاء القلوب 112 «ابن نجا» .
[4] في الأصل: «الأريب» .
[5] في مرآة الزمان: «احلى» ، وفي شفاء القلوب: «أغلى» .

(40/58)


وأكمل [1] ، وأنّ القلب به أرْوَح، وأنّ الروح به أقبَل. فدمشق عاشقها مُسْتَهَام، وما على مُحِبها مَلام. وما فِي رَبْوتها ريبة، ولكلّ نَوْرٍ فِيهَا شيبة [2] ، وساجعاتها على منابر الورق خُطَبًا قُطْرب، وهزاراتها وبلابلها تُعْجم وتُعْرب، وكم فيها من جواري ساقيات، وسواقي جاريات، وأثمار بلا أثمان [3] ، وفاكهة ورُمان، وخَيرات حِسان، وكونه تعالى أقَسم به فقال: وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ 95: 1 [4] يدلُ على فضله المكنون. وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الشَّامُ صَفْوَةُ اللَّهِ مِنْ بِلَادِهِ، يَسُوقُ إِلَيْهَا خِيرَتَهُ مِنْ عِبَادِهِ» [5] . وعامّة الصّحابة اختاروا به المُقام. وفتْح دمشق بكْر الْإِسْلَام. وما يُنكَر أنّ اللَّه تعالى ذكر مِصْر [6] ، لكنّ ذلك خرج العَيْب [7] لَهُ والذّمّ. ألا ترى أنْ يوسف عَلَيْهِ السَّلَامُ نقل منها إلى الشّام. ثمّ المُقام بالشّام أقرب إلى الرباط، وأوجب للنّشاط. وأين قطرب [8] المقطّم [9] من [سنا سنين] [10] ؟ وأين دار آصف [11] لمن ذِرْوة الشّرف المنير [12] ؟، وأين لُبانة [لبنان] [13] من الهَرَمَين؟ وهل هما إلَّا مثل السلْعتَين؟ وهل للنّيل مع طول نَيله وطول ذَيله يرد بَرَدَى فِي نقع العليل [14] ؟ وما لذلك الكثير طلاوة هذا القليل.
__________
[1] في مرآة الزمان: «وأنّ الجبال فيه أجمل والجمال به أكمل» . وانظر: شفاء القلوب 113.
[2] في الأصل وشفاء القلوب: «شبيبه» ، وفي مرآة الزمان: «سيبه» .
[3] بعدها في مرآة الزمان: «وروح وريحان» ، ومثله في: شفاء القلوب 113.
[4] أول سورة التين.
[5] في مرآة الزمان «خير أمة من خلقه» ، وفي الروضتين 2/ 59 «فيها خير الله من عباده» .
[6] زاد في مرآة الزمان: «ولكن على لسان فرعون يقول: «أليس لي ملك مصر» ، وكذا في شفاء القلوب.
[7] في مرآة الزمان: «العتب» .
[8] في شفاء القلوب: «قطوم» والمثبت يتفق مع: الروضتين 2/ 59، ومرآة الزمان.
[9] في الأصل: «المقطب» ، والمثبت من المصادر.
[10] في الأصل بياض. والمستدرك من: شفاء القلوب 113، وفي مرآة الزمان: «وأين قطوم المقطم من سياسين» !.
[11] في مرآة الزمان «دار منيف» ، وفي شفاء القلوب «دار ابن منيف» .
[12] في المرآة: «المبين» ، وكذا في شفاء القلوب.
[13] في الأصل بياض، والمستدرك من المرآة، والشفاء والروضتين.
[14] في المرآة: «برد بردا في نفع العليل» ، وفي شفاء القلوب: «بر بردي في نقع الغليل» .

(40/59)


(وإن فاخرنا بالجامع وفيه النّسر [1] ، ظهر بذلك [2] قصَر القَصْر) [3] ، ولو كان لهم مثل بانياس، لما احتاجوا إلى قياس المقياس، ونحن لَا نحقِر الوطنَ كما حَقَرتَه [4] ، وحب الوطن من الْإِيمَان، ونحن لَا ننكر فضل مِصْر، وأنّه إقليم عظيم [5] ، ولكن نقول كما قَالَ المجلس الفاضليّ: إنّ دمشق تصلُح أن تكون (بستانا لمصر) [6] . والسّلام» [7] .
[مهاجمة السلطان نابلس]
وفيها هجم السّلطان نابلس، وكان قد وصل لنجدته عسكر ديار بَكْر، وعسكر آمِد، والحصن، والعادل من حلب، وتقيّ الدّين من حماه، ومظفّر الدّين صاحب إربل. هكذا ذكر أَبُو المظفّر فِي «مرآته» [8] . قَالَ: نازل الكَرَك ونصب عليها المجانيق، فجاءتها نجدات الفِرَنْج من كلّ فَج، وأجْلَبوا وطلبوا. واغتنم السّلطان خُلُوَّ السّاحل منهم، ورأى أنْ حصارها يطول، فسار ونزل الغَوْر وهجم نابلس، فقتل وسبى، وطلع على عَقَبة [فيق] [9] ، ودخل دمشق [10] .
__________
[1] في المرآة: «البشر» .
[2] في الأصل: «بيتك» ، والمثبت من: مرآة الزمان.
[3] ما بين القوسين ليس في شفاء القلوب.
[4] في المرآة: «ونحن لا نجفو الوطن كما جفاه،. ولا نأبى فضله كما أباه» ، ومثله في شفاء القلوب 113.
[5] في المرآة: «ونحن لا ننكر أن إقليم مصر إقليم عظيم الشأن» ، ومثله في شفاء القلوب 114.
[6] ما بين القوسين ليس في مرآة الزمان.
[7] مرآة الزمان 8/ 381، 382، الروضتين 2/ 59، شفاء القلوب 112- 114.
[8] ج 5/ 382.
[9] في الأصل بياض، وما أثبتناه من مرآة الزمان 8/ 383.
[10] الكامل في التاريخ 11/ 506، 507، النوادر السلطانية 66، 67، زبدة الحلب 2/ 78، 79، مفرّج الكروب 2/ 157، 158، تاريخ الزمان 202، الأعلاق الخطيرة 2/ 71، 72، المختصر في أخبار البشر 3/ 68، المغرب في حلى المغرب 151، مضمار الحقائق 190، نهاية الأرب 28/ 398، مرآة الزمان 8/ 382، 383، الدرّ المطلوب 78، العبر-

(40/60)


[منازلة الكَرَك]
وأمّا ابن الأثير فقال [1] : نازل الكَرَك، ونَصَب المنجنيقات على رَبضه ومَلَكه، وبقي الحصن وهو والرّبض على سطح واحدٍ، إلَّا أنْ بينهما خندقا عظيما، عمقه نحو ستّين ذراعا، فأمر السّلطان بإلقاء الأحجار والتُراب فِيهِ ليطمّه، فلم يقدروا على الدُنُو منه لكثرة النّشّاب وأحجار المجانيق، فأمر أن يُبنَى من الأخشاب واللبِن ما يمكن للرجال يمشون تحت السّقائف، فيلقون فِي الخندق ما يُطمه، ومجانيق المسلمين مع ذلك ترمي الحصن ليلا ونهارا، فاجتمعت الفرنج عَن آخرها، وساروا عَجِلِين، فوصل صلاح الدّين إلى طريقهم يتلقّاهم، فقرُب منهم، ولم يمكن الدُنُو منهم لخشونة الأرض وصعوبة المسلك، فأقام ينتظر خروجهم إليه، فلم يبرحوا منه، فتأخّر عَنْهُمْ، فساروا إلى الكَرَك، فعلم صلاح الدّين أنّه لَا يتمكّن منهم حينئذٍ، وَلَا يبلغ غَرَضَه، فسار إلى نابلس، ونهب كلّ ما على طريقه من قرى الفرنج، وأحرق نابلس وأسر وسبى، واستنقذ الأسرى. وبثَّ السّرايا يمينا وشمالا.
[خروج ابْن غانية الملثّم بالمغرب]
قال [2] : وفي شعبان خرج ابْن غانية الملثّم وهو عليّ بْن إِسْحَاق، من كبار الملثَّمين الّذين كانوا ملوك المغرب، وهو حينئذٍ صاحب مَيُورقَة، إلى بِجاية فَمَلَكَها بقتال يسير. وذلك إثر موت يوسف بْن عَبْد المؤمن، فقويت نفس ابْن غانية وكثُر جموعه، ثمّ التقاه متولّي بِجاية، وكان غائبا عَنْهَا. وكَسَرَ عليّ متولّي بِجاية، وانهزم إلى مَراكُش، واستولى ابن غانية على أعمال بجّاية
__________
[ (- 4] / 239، دول الإسلام 2/ 91، تاريخ ابن الوردي 2/ 94، البداية والنهاية 12/ 315، مرآة الجنان 3/ 417، العسجد المسبوك 190، تاريخ ابن خلدون 5/ 302، شفاء القلوب 114، السلوك ج 1 ق 1/ 83، 84، تاريخ ابن سباط 1/ 167، 168، تاريخ الأزمنة 185.
[1] في الكامل 11/ 506.
[2] ابن الأثير في الكامل 11/ 507، 508.

(40/61)


سوى قَسَنْطينة [1] الهوى، فحصرها إلى أن جاء جيش الموحّدين فِي صَفَر سنة إحدى وثمانين فِي البرّ والبحر إلى بِجاية، فهرب منها أخَوَا ابْن غانية فلِحقا به، فترحّل عَن قسنطينة، وسار إلى إفريقية، فحشد وجمع، والتفّ عليه سليم، ورياح، والتّرك الّذين كانوا قد دخلوا من مصر مع قراقوش، وبعدها، وصاروا في جيش عظيم، فتملّك بهم ابْن غانية جميعَ بلاد إفريقية، سوى تونس، والمَهْدية [2] ، حفظتهما عساكر الموحّدين على شدةٍ وضيقٍ نالهم، وانضاف إلى ابْن غانية كلُ مُفْسِدٍ وكلّ حراميّ، وأهلكوا البلاد والعباد، ونزل على جزيرة باشرا وهي بقرب تونس، تشمل على قُرى كثيرة، فطلب أهلها الأمان فأمّنهم، فلمّا دخل عسكره نهبوها وسلبوا النّاس، وامتدَّت أيديهم إلى الحريم والصّبيان، وَاللَّه المستعان.
[إقامة الخطبة العباسية بإفريقية]
وأقام ابْن غانية بإفريقية الخطْبة العبّاسيّة، وأرسل إلى النّاصر لدين اللَّه يطلب منه تقليدا بالسَّلْطَنة. ونازل قفصة فِي سنة اثنتين وثمانين، فتسلّمها من نُواب ابْن عَبْد المؤمن بالأمان وحصّنها. فجهّز يعقوب بْن يوسف بْن عَبْد المؤمن جيوشه، وسار فِي سنة ثلاثٍ لحربه، فوصَلَ إلى تونس، وبعث ابْن أخيه فِي ستّة آلاف فارس، فالتقوا، فانهزم الموحّدون لأنّهم كانوا معهم جماعة من التّرك، فخامروا عليهم حال المصافّ، وَقُتِلَ جماعةٌ من كبار الموحّدين، وكانت الوقعة فِي ربيع الأوّل سنة ثلاثٍ. فسار يعقوب بنفسه، فالتقوا فِي رجب بالقُرب من مدينة قابس فانهزم ابْن غانية، واستَمَر القتْل بأصحابه فتمزّقوا، ورجع يعقوب إلى قابس فافتتحها، وأخذ منها أهل قراقوش، فبعثهم إلى مَراكُش. ونازل قفصة فحاصرها ثلاثة أشهر، وبها التّرك، فسلّموها بالأمان. وبعث بالأتراك ففرّقهم فِي الثّغور لِما رَأَى من شجاعتهم. وقتل طائفة من الملثّمين، وهدم أسوار قَفْصة، وقطّع أشجارها.
__________
[1] في الأصل: «قسطنطينية» وهو غلط.
[2] نهاية الأرب 28/ 371، 372.

(40/62)


واستقامت له إفريقية بعد ما كادت تخرج عَن بيت عَبْد المؤمن [1] .
وامتدّت أيّام ابْن غانية إلى حدود عام ثلاثين وستّمائة.
[منازلة السلطان الكَرَك]
وفي جُمادى الأولى جمع السّلطان الجيوش، وسار إلى الكَرَك فنازلها، ونزل بواديها، ونصب عليها تسعة مجانيق قُدام الباب، فهدّمت السّور، ولم يبق مانع إلَّا الخندق العميق، ولم يكن حيلة إلَّا ردمه، فضرب اللّبن، وجُمِعت الأخشاب، وعملوا مثل درب مسقوف يمرّون فِيهِ، ويرمون التُراب فِي الخندق، إلى أن امتلأ، بحيث أنّ أسيرا رمى بنفسه من السُور إليه ونجا.
وكانت فِرَنج الكَرَك وسائر ملوكهم وفرسانهم يستمدّون بهم، فأقبلوا من كلّ فجّ في حدّهم وحديدهم، فنزلوا بمضائق الوالة، فرحل السّلطان، ونزل على البلقاء، وأقام ينتظر الملتَقَى، فما تغيّروا، فتقهقر على حسبان فراسخ.
فوصلوا إلى الكَرَك، فقصد السّلطان السّاحل لخُلُوه، ونهب كلّ ما فِي طريقه، وأسر وسبى، فأكثر وبدّع بسَبَسْطِية [2] ، وجينين، ثمّ قدِم دمشق [3] .
[حصار الكَرَك فِي كِتَاب للعماد]
ومن كِتَاب عماديّ فِي حصار الكَرَك يقول: لولا الخندق الَّذِي هُوَ وادٍ لسهل مشرع، فعملنا دبّابات قدّمناها، وبنينا إلى سفيرة ثلاثة أسراب باللِبن وسقفناها، وشرعنا فِي الطّمّ، وتسارع النّاس، ولم يبق إلَّا من يستبشر بالعمل، وتجاسروا حتّى ازدحموا نهارا، كازدحامهم يوم العيد ليلا، كاجتماعهم فِي جامع دمشق ليلة النّصف السّعيد، وهم من الجراح سالمون، وبنصر اللَّه موقنون، وإنْ أبطأ العدوّ عَن النّجدة. والنصر قريب سريع،
__________
[1] الكامل في التاريخ 11/ 519، 520 (581 هـ.) ، نهاية الأرب 28/ 372.
[2] سبسطية: بفتح أولها وثانيها. بلدة من نواحي فلسطين، من أعمال نابلس. (معجم البلدان 3/ 184) .
[3] تقدّم هذا الخبر ومصادره في آخر حوادث سنة 579 هـ. وتقدم بعضه قبل قليل في هذه السنة أيضا.

(40/63)


والحصن بمن فِيهِ صريع، قد خرقت الحجارة حجابه، وقُطِعت بهم أسبابه، وناولته من الأجَل كتابه، وحَسَرَت لِثامَ سُوره وخلعت نِقابَه، فَألوف الأبراج مجدوعة، وثنايا الشُرفات مقلوعة ورءوس الأبدان مخروزة، وخروق العوامل مهموزة، وبطون السُقُوف مبقورة، وعصا الأساقف معقورة، ووجوه [الْجُدُر] [1] مسلوخة، وجلود البواشير مبشورة، والنّصر أشهر من نارٍ على عَلَم، والحرب قَدم من ساقٍ على قَدَم.
[وفاة رسولي الخليفة بالشام]
وقدِم السّلطان وبدمشق الرسولان شيخ الشّيوخ صدر الدّين والطّواشيّ بشير، فمرضا، ومات جماعة من أصحابهما. وكان الشَّيْخ نازلا بالمنبع، فكان السّلطان يعوده فِي كلّ يوم. وكان قدومهما فِي الصُلح بين السّلطان وبين عزّ الدّين صاحب المَوْصِل، فلم ينبرم أمرٌ، فطلبا العَوْد إلى بغداد، وعادا، فمات بشير بالسّخنة، وشيخ الشّيوخ بالرحَبة [2] .
[الإذْن للجيوش بالعودة إلى أوطانها]
وأذِن السّلطان للجيوش بالرجوع إلى أوطانهم.
[خِلْعة السلطان على صاحب حصن كيفا]
وخلع على نور الدّين بْن قُرا رسلان صاحب حصن كيفا الخِلْعة الّتي جاءته هذه المرّة من الخليفة بعد أن لبسها السّلطان.
[كتابة منشور لصاحب إربل]
ثمّ كتب لزين الدّين يوسف بْن زين الدّين عليّ صاحب إربل منشورا بإربل وأعمالها لمّا اغتدى إليه، وفارق صاحب المَوْصل.
__________
[1] في الأصل بياض.
[2] مضمار الحقائق 162 و 200، المختصر في أخبار البشر 3/ 68.

(40/64)


[خروج السلطان بقصْد الموصل]
ثمّ وصلت رُسُل زَين الدّين يوسف إلى السّلطان بأنّ عسكر الموصل وعسكر قزل صاحب العجم نازلوا إربل مع مجاهد الدّين قايماز. وأنّهم نهبوا وأحرقوا، وأنّه نُصِر عليهم وكسرهم، فكان هذا ممّا حرَك عزْمَ السّلطان على قصد الموصول هذه المرَّة. فسار السّلطان على طريق البقاع وَبَعْلَبَكَّ، ثمّ حمص وحماه، فأقام بحماه إلى انسلاخ السّنة [1] .
[وفاة صاحب ماردين]
وَفِيهَا مات صاحب ماردِين قُطْب الدّين إيلغازي بْن نجم الدّين الأرتقيّ، رحمه الله تعالى [2] .
انتهت هذه الطبقة وللَّه الحمد
__________
[1] الدرّ المطلوب 78.
[2] انظر عن (إيلغازي) في: الكامل في التاريخ 11/ 508، تاريخ مختصر الدول 219، تاريخ الزمان 202، وفيات الأعيان 1/ 191 و 2/ 265 و 451، والمختصر في أخبار البشر 3/ 68، وتلخيص مجمع الآداب ج 4 ق 4/ 620، والدرّ المطلوب 78، والعبر 4/ 239، وتاريخ ابن الوردي 2/ 94، والعسجد المسبوك 191، والسلوك ج 1 ق 1/ 86، والنجوم الزاهرة 6/ 97، وتاريخ ابن سباط 1/ 168، وشذرات الذهب 4/ 268، ومرآة الزمان 8/ 383، والوافي بالوفيات 10/ 26، 27 رقم 4469.

(40/65)


بسم اللَّه الرَّحْمَن الرحيم رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَيْنا صبرا
المتوفّون في هذه الطبقة
سنة إحدى وسبعين وخمسمائة
- حرف الألف-
1- أَحْمَد بْن عليّ بْن مُحَمَّد بْن الْعَبَّاس [1] .
الشّريف أَبُو جَعْفَر بْن المقشوط، الهاشميّ، البغداديّ.
تُوفي فِي ربيع الآخر.
- حرف الحاء-
2- الْحَسَن بْن إِبْرَاهِيم بْن مُحَمَّد.
أَبُو مُحَمَّد القيسيّ الدّمشقيّ الواعظ.
سمع: ابْن الأكفانيّ، وغيره.
وعنه: أَبُو القاسم بْن صَصْرَى.
3- الْحُسَيْن بْن مُحَمَّد بْن نَمِير [2] .
أَبُو الْحَسَن الإشبيليّ، الضّرير، الفقيه الظّاهريّ.
قال الأبّار: كان يُجتَمع إليه ويناظر عليه.
أخذ عنه: مفرّج بْن حسين الضّرير، وغيره.
- حرف الطاء-
4-[طُغدي] [3] بن خمارتكين.
__________
[1] انظر عن (أحمد بن علي) في: المختصر المحتاج إليه- ج 1.
[2] انظر عن (الحسين بن محمد) في: تكملة الصلة لابن الأبّار.
[3] في الأصل بياض، والمثبت من: المختصر المحتاج إليه 2/ 121، 122، والمشتبه في الرجال 1/ 284.

(40/66)


أَبُو مُحَمَّد التُركي، من شَيْوخ بغداد.
سمع: أَبَا القاسم الرَّبعي، وابن بدران الحلوانيّ.
روى عَنْهُ: ابْن الأخضر، ومنصور بْن السَّكَن، وغيره.
تُوفي فِي ذي الحِجّة.
- حرف العين-
5- عَبْد اللَّه بْن حمزة بْن مُحَمَّد بْن سماوة.
أَبُو الفَرَج الكرْماني، ثمّ الجيرُفْتي [1] ، ثمّ الدّمشقيّ.
تفقّه على جمال الْإِسْلَام السُلمي، وولي خطابة دُومَة [2] زمانا.
وروى عَن جمال الْإِسْلَام.
روى عنه: أبو المواهب بن صصرى، وقال: كان ثقة صالحا.
تُوفي فِي ربيع الآخر وهو فِي عَشْر الثّمانين.
وروى عَنْهُ أَيْضًا أَبُو القاسم بن صصرى.
6- عبد الله بن محمد بْن سهل [3] .
أَبُو مُحَمَّد الغَرْناطي الضّرير، المقرئ. ويُعرف بوجه نافخ.
أخذ القراءات عَن أَبِي مُحَمَّد بْن دُري ولازمَه.
وعن عَبْد الرحيم بْن الفَرَس.
وسمع منهما، ومن: غالب بْن عطيّة، وجماعة.
وأجاز لَهُ أَبُو عليّ بْن سُكَّرة، وغيره.
قال الأبّار: كان بارعا فِي العربيّة.
حدّث عَنْهُ: ابنه أَبُو عَبْد اللَّه، وابن عيّاد.
__________
[1] الجيرفتيّ: بكسر الجيم وسكون الياء آخر الحروف وضم الراء وسكون الفاء وفي آخرها التاء ثالث الحروف. هذه النسبة إلى جيرفت، وهي إحدى بلاد كرمان. (الأنساب 3/ 408، 409) .
[2] دومة: بالضم، من قرى غوطة دمشق. (معجم البلدان 2/ 486) .
[3] انظر عن (عبد الله بن محمد) في: تكملة الصلة لابن الأبّار.

(40/67)


وتُوفي فِي ذي القعدة.
7- عَبْد الحقّ بْن سُلَيْمَان [1] .
أَبُو عَبْد اللَّه القيسيّ، التّلمسانيّ، قاضي تلْمِسان.
سمع: القاضي أَبَا بَكْر بْن العربيّ، وغيره.
قال الأبّار: كان جليل القدر، عظيم الوجاهة، يستظهر «مقامات الحريريّ» ، ثمّ تزهَّد ورفض الدُنيا، وحجّ وجاور، وأجهد نفسه صلاة وصوما وَطَوَافًا.
تُوفي بالمدينة النّبويّة كهلا.
- عَبْد الرَّحْمَن بْن خَلَفِ اللَّه بْن عطية.
فِي المتوفّين تقريبا.
8- عَبْد الرَّحْمَن بْن مُحَمَّد بْن مُحَمَّد [2] .
أَبُو مُحَمَّد السُلمي، المِكْناسي، الكاتب، الأديب.
قال الأبار: خُتِمت به البلاغة بالأندلس، ورأسَ فِي الكتابة. وديوان رسائله بأيدي النّاس يتنافسون فِيهِ.
وكتب لأبي عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن سعد، وغيره من الأمراء.
وتُوفي كهْلًا [3] رَحِمَهُ اللَّهُ.
9- عثمان بْن عَبْد الملك [4] .
اللخمي، الصفار، الواعظ.
__________
[1] انظر عن (عبد الحقّ بن سليمان) في: تكملة الصلة لابن الأبّار.
[2] انظر عن (عبد الرحمن بن محمد) في: تكملة الصلة لابن الأبّار 567، والوافي بالوفيات 18/ 258 رقم 309، وبغية الوعاة 2/ 89، 90.
[3] وقع في بغية الوعاة أنه توفي سنة 591 هـ.
[4] انظر عن (عثمان بن عبد الملك) في: المختصر المحتاج إليه 3/ 112 رقم 970، وذيل تاريخ بغداد لابن النجار (مصوّرة المجمع العلمي العراقي عن نسخة الظاهرية) ورقة 125، 126، و (المطبوع) 2/ 211، 212 رقم 439.

(40/68)


سمع: أَبَا الْحَسَن بْن العلّاف، وابن فتحان الشّهرزوريّ، وابن بيان.
روى عَنْهُ: ابْن الأخضر، وغيره.
10- عليّ بْن إِبْرَاهِيم بْن عيسى بْن سعد الخير [1] .
أبو الحسن البلسيّ الْأَنْصَارِيّ، النّحويّ.
قال الأبّار [2] : سمع من أَبِي مُحَمَّد النّيليّ، وأبي الوليد بْن الدّبّاغ.
ولازم أَبَا الْحَسَن بْن النّعمة وتأدّب به، وكان عالما بالعربيّة واللّغة، إماما فِي ذلك. أقرأها حياته كلّها.
وكان بارع الخطّ، كاتبا بليغا، شاعرا مُجِيدًا، مولّدا. وكانت فِيهِ غَفْلة معروفة، وَلَهُ مُصَنف على كِتَاب «الكامل» للمبرّد، وغير ذلك [3] .
__________
[1] انظر عن (علي بن إبراهيم) في: صلة الصلة لابن الزبير 91، وتكملة الصلة لابن الأبّار، رقم 1867، وتحفة القادم 51، ورايات المبرّزين 78، والذيل والتكملة لكتابي الموصول والصلة، السفر 5 ق 1/ 187- 191 رقم 372، والمغرب 2/ 317، وزاد المسافر، رقم 55، ونفح الطيب 4/ 305 و 5/ 137، 139، وفوات الوفيات 2/ 38، 39، وكشف الظنون 581 و 603، ومعجم المؤلفين 7/ 8.
[2] في تكملة الصلة.
[3] وقال ابن عبد الملك المراكشي: وكان إماما متقدّما بارعا في علوم اللسان نحوا ولغة وأدبا، وأقرأ ذلك عمره كله، كاتبا بليغا، شاعرا مجيدا، بديع التشبيه، عجيب الاختراع والتوليد، أنيق الخط- كتب الكثير وأتقن ضبطه وجوّده، وعني بالعلم طويلا. وكانت فيه غفلة شديدة عرف بها وشهرت عنه.. وله مصنّفات منها: «اختصاره العقد» ، ومنها جمع طرر أبي الوليد الوتشي وأبي محمد ابن السيد على «الكامل» إلى زيادات من قبله عليهما وسمّاه ب «القرط» ، ومنها: «إكمال شرح أبي محمد بن السيد على الجمل من حيث انتهى إليه وتوفي عنه وذلك مما بعد باب الندبة إلى آخر الكتاب» . ومنها كتاب «مشاهير الموشحين بالأندلس» وهم عشرون رجلا ذكرهم بحلاهم ومحاسنهم على طريقة الفتح في «المطمح» و «القلائد» ، وابن بسام في «الذخيرة» ، وابن الإمام في «سمط الجمان» إلى غير ذلك من تقاييده وإملاءاته النبيلة المفيدة، ومن شعره ما أنشدناه:
يا لاحظا تمثال نعل نبيّه ... قبّل مثال النعل لا متكبرا
والثم به فلطالما عكفت به ... قدم النبيّ مروّحا ومبكرا
أوما ترى أنّ الشجيّ مقبّل ... طللا وإن لم يلف فيه مخبرا
وله مقطّعات أخرى. انظر: الذيل والتكملة 5 ق 1/ 188، 189.

(40/69)


تُوفي بإشبيليّة فِي ربيع الأوّل. وقيل: تُوفي سنة سبعين.
11- علي بْن الْحَسَن بْن هبة اللَّه بْن عَبْد اللَّهِ بْن الحُسَيْن [1] .
الحافظ الكبير أَبُو القاسم، ثقة الدّين ابْن عساكر الدّمشقيّ، الشّافعيّ، صاحب «تاريخ دمشق» .
أحد الأعلام في الحديث.
__________
[1] انظر عن (ابن عساكر) في: خريدة القصر (قسم شعراء الشام) 1/ 274- 280، والمنتظم 10/ 261 رقم 356 (18/ 224، 225 رقم 4310) ، ومعجم الأدباء 13/ 73- 88، ومعجم البلدان 1/ 454، والتقييد لابن نقطة 405، 406 رقم 538، وذيل تاريخ دمشق (انظر فهرس الأعلام) 377، والروضتين ج 1/ 2/ 667، وجامع المسانيد للخوارزمي 2/ 539، ومرآة الزمان 336، 337، ووفيات الأعيان 3/ 309- 311، والمختصر في أخبار البشر 3/ 59، ودول الإسلام 2/ 85، والعبر 4/ 212، 213، وسير أعلام النبلاء 20/ 554- 571 رقم 354، وتذكرة الحفاظ 4/ 1328- 1334، والإعلام بوفيات الأعلام 235، والمختصر المحتاج إليه 3/ 121، 122، وبدائع البدائه 17، 892، 98، 125، 128، 168، والمعين في طبقات المحدّثين 173 رقم 1856، والمستفاد من ذيل تاريخ بغداد 186- 189 رقم 141، وتاريخ ابن الوردي 2/ 87، وطبقات الشافعية الكبرى للسبكي 7/ 215- 223، وطبقات الشافعية للإسنويّ 2/ 216، 217 رقم 838، ومرآة الجنان 3/ 393- 396، والبداية والنهاية 12/ 294، وطبقات الشافعية لابن كثير (مخطوط) 135 ب- 137 أ، وطبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 1/ 345، 346 رقم 311، وذيل التقييد لقاضي مكة 2/ 188 رقم 1407. وتاريخ الخميس 2/ 409، والنجوم الزاهرة 6/ 77، وطبقات الحفاظ 474، 475، وتاريخ الخلفاء 448، والدارس في تاريخ المدارس 1/ 100، 101، ومفتاح السعادة 1/ 266، 267 و 2/ 267 و 2/ 352، وتاريخ ابن سباط (بتحقيقنا) 1/ 142 (570 هـ.) ، وكشف الظنون 54، 57، 103، 162، 294، 340، 342، 526، 574، 974، 1736، 1747، 1836، وشذرات الذهب 4/ 229، 240، وهدية العارفين 1/ 701، 702، وإيضاح المكنون 1/ 224، وديوان الإسلام 3/ 334- 336 رقم 1511، ومنتخبات التواريخ لدمشق 478، 479، ومعجم المطبوعات العربية 181، 182، وكنوز الأجداد 306- 313، وتاريخ الأدب العربيّ 6/ 69- 73، ومعجم المؤلفين 7/ 69، 70، والأعلام 4/ 273، وموسوعة علماء المسلمين في تاريخ لبنان الإسلامي (تأليفنا) ق 2/ ج 3/ 34- 36 رقم 718، ومعجم طبقات الحفاظ والمفسّرين 130 رقم 1059، وانظر كتاب: ابن عساكر، الّذي أصدرته وزارة التعليم العالي بالجمهورية العربية السورية بمناسبة مرور 900 سنة على ولادته، فهو يضم مصادر ترجمته وأبحاثا كبيرة عنه، وعن تاريخ دمشق، منها بحث لنا.

(40/70)


ولد في مستهلّ سنة تسع وتسعين وأربعمائة.
وسمّعه أخوه الصائِن هبة اللَّه سنة خمسٍ وخمسمائة وبعدها من:
الشّريف أَبِي القاسم النّسيب، وأبي القاسم قوام بْن زيد، وأبي الوحش سُبَيع بْن قيراط، وأبي طاهر مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن الحِنائي، وأبي الْحَسَن بْن الموازينيّ، وأبي الفضائل الماسح، ومحمد بْن عليّ المصّيصيّ.
ثمّ سمِع بنفسه من: أَبِي مُحَمَّد بْن الأكفانيّ، وأبي الْحَسَن بْن قُبيْس المالكي، وعبد الكريم بْن حَمْزَة، وطاهر بْن سهل، ومَن بعدهم.
ودخل إلى بغداد سنة عشرين، فأقام بها خمس سِنين.
وحجَّ فِي سنة إحدى وعشرين، فسمع بِمَكَّةَ من: عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن الغَزال [1] الْمَصْرِيّ صاحب كريمة المَرْوَزِية.
وسمع ببغداد من: أَبِي القاسم بْن الحُصَيْن، وأبي الْحَسَن الدينَوري، وأبي العزّ بْن كادش، وقُرَاتكين بْن أسعد، وأبي غالب بن البنّاء، والبارع أَبِي عَبْد اللَّه الدّبّاس، وهبة اللَّه الشُروطي، وخلق كثير.
وعلّق «مسائل الخلاف» على أَبِي سعد إِسْمَاعِيل بْن أَبِي صالح المؤذّن.
ولازَم الدرْس والتّفقّه بالنّظاميّة، ورجع بِعلْمٍ جَمٍّ وسماعات كثيرة.
وسمع بالكوفة من: عُمَر بْن إِبْرَاهِيم العلويّ.
ثمّ رحل سنة تسع وعشرين على أذَرْبيجان إلى جُرْجان، وجالَ فِي بلادها، ودخل إلى أصبهان، وبقي فِي هذه الرحلة نحو أربع سنين، فسمع:
أَبَا عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن الفضل الْفُرَاوِيّ [2] ، وعبد المنعم بْن القشَيري، وهبة اللَّه السّيّديّ [3] ، وتميم بْن أَبِي سعيد الجرجانيّ الهرويّ، ويوسف بن أيّوب
__________
[1] الغزال: بتخفيف الزاي. (المشتبه في الرجال 2/ 484) .
[2] الفراوي: بضم الفاء وفتح الراء بعدهما الألف وفي آخرها الواو. هذه النسبة إلى فراوة وهي بليدة على الثغر مما يلي خوارزم يقال لها: رباط فراوة. (الأنساب 9/ 256) .
[3] بفتح السين المهملة وتشديد الياء المكسورة المنقوطة من تحتها باثنتين، وفي آخرها الدال المهملة. هذه النسبة إلى السيّد. (الأنساب 7/ 217) .

(40/71)


الزّاهد، وزاهر بْن طاهر الشّحّاميّ، والحسين بْن عَبْد الملك الأديب، وسعيد ابْن أَبِي الرجاء، وغانم بْن خَالِد، وإسماعيل بْن مُحَمَّد الحافظ، والموجودين فِي هذا العصر.
وخرَّج أربعين حديثا فِي أربعين بلدا كالسّلفيّ. وعدّة شيوخه ألف وثلاثمائة شَيْخ وثمانون امْرَأَة ونيّف. وحدّث بخُراسان، وأصبهان، وبغداد.
وسمع منه الكبار: كالحافظ أَبِي العلاء الهَمَذَاني، والحافظ أبي سعد السَّمعاني.
وصنّف التّصانيف المفيدة، ولم يكن فِي زمانه أحفظ وَلَا أعرف بالرجال منه. ومن تصفَّح تاريخه علم قدْر الرحلة.
وأجاز لَهُ من الكبار: أَبُو الْحَسَن بْن العلاف، وأبو القاسم بْن بيان، وأبو عليّ بْن نبهان، وأبو الفتح أَحْمَد بْن مُحَمَّد الحدّاد، وغانم البرجيّ، وأبو بَكْر عَبْد الغفّار الشيرُوِي، وأبو عليّ الحدّاد، وأبو صادق مرشد بْن يحيى، وأبو عَبْد اللَّه الرازي، وطائفة.
روى عَنْهُ: ابنه القاسم، وبنو أخيه فخر الدّين أَبُو منصور، وتاج الأمَناء، وزين الأمَناء عَبْد الرحيم، وعزّ الدّين النّسّابة ابْن تاج الأمناء، والحافظ أَبُو المواهب بْن صَصْرَى، وأخوه أَبُو القاسم الْحُسَيْن، والقاضي أبو القاسم بن الحرستانيّ، وأبو جعفر القرطبيّ، والحافظ عبد القادر، وأبو الوحش عَبْد الرَّحْمَن بْن نسيم، والحسن بْن عليّ الصّيقليّ، وصالح بْن فلاح الزّاهد، وظهير الدِّين عَبْد الواحد بْن عَبْد الرَّحمن بْن سلطان القُرشي، وأبو العزّ مظفّر بْن عقيل الشّيبانيّ العقّار والد النّجيب، والصّائن نصر اللَّه بْن عَبْد الكريم بْن الحَرَستاني، والبدر بْن يونس بْن مُحَمَّد الفارقيّ الخطيب، والقاضي أَبُو نصر بْن الشّيرازيّ، ومحمد ابْن أخي الشَّيْخ أبي البيان، وعبد القادر بن الحسين البغداديّ، ونصر اللَّه بْن فتيان، وإبراهيم وعبد العزيز ابنا الخُشُوعي، ويونس بْن منصور السّقبانيّ، وإدريس بْن الخَضِر الشيبانيّ، ومحمد بْن رومي الحردانيّ، وحاطب بْن عَبْد الكريم المِزي، وذاكر بْن عَبْد الوهّاب السّتيانيّ،

(40/72)


وذاكر اللَّه بْن أَبِي بَكْر الشّعيريّ، ومحمد بْن غسّان، ومحمد بْن عَبْد الكريم بْن الهادي، والمسلم بْن أَحْمَد المازنيّ، وعبد العزيز بْن مُحَمَّد بْن الدّجاجيّة، وعبد الرَّحْمَن بْن عَبْد المؤمن زُرَيق العطّار، وشعبان بْن إِبْرَاهِيم، ومحمد بْن أَحْمَد بْن زُهَير، ومحمود بْن خطير الدّارانيّون، وعبد الرَّحْمَن بْن راشد البيت سَوَائي [1] ، ونجم الأمْناء عَبْد الرَّحْمَن بْن عليّ الْأَزْدِيّ، وعمر بْن عَبْد الوهّاب بْن البرادعيّ، وعتيق السّلمانيّ، وبهاء الدّين عليّ بْن الجمّيزيّ، وعبد المنعم بْن مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن أَبِي المضاء نزيل حماه، ومات فِي آخر سنة أربع وأربعين، والرشيد أَحْمَد بْن مَسْلَمَة، وعبد الواحد بْن هلال، وخلْق آخرهم وفاة أَبُو بَكْر مُحَمَّد بْن المسلم بْن علّان.
وقد رَوَى عَنْهُ الكثير أَبُو سعد السّمعانيّ، ومات قبل ابْن علّان بتسعين سنة. فمن تصانيفه: «التّاريخ» [2] ثمانمائة جزء
__________
[1] البيت سوائيّ: بالفتح والقصر. (معجم البلدان 1/ 521) وهي من بلدان الشام.
[2] وهو: «تاريخ مدينة دمشق حماها الله وذكر فضلها وتسمية من حلّها من الأماثل، أو اجتاز بنواحيها من وارديها وأهلها» .
وهو من أعظم كتب التراجم وأضخمها، بل هو أوعى كتاب في تاريخ المدن على الإطلاق، من ثمانين مجلّدا، على نسق «تاريخ بغداد» للخطيب ولكنّه أعمّ وأشمل. وقد اتخذ ابن عساكر من دمشق عنوانا للكتاب لأنها عاصمة بلاد الشام وقاعدتها، ولكنه أحاط بتراجم كلّ من أخرجته المدن والبلدان والقرى الشامية على اتساع رقعتها والتي كانت تشتمل في عصره على: سوريا ولبنان وفلسطين والأردن، وكل من دخلها من علماء العالم الإسلامي، وخصّص المجلّد الأخير من الكتاب لتراجم النساء، ورتّب التراجم على الحروف مع مراعاة الاسم الثاني والثالث، وابتدأ بمن اسمه «أحمد» تيمّنا باسم النبيّ صلّى الله عليه وسلم، ولم تقتصر تراجمه على الأعلام في العصر الإسلامي، بل عرض لعدّة أعلام من السابقين للإسلام بزمان طويل.
ويتبنى «مجمع اللغة العربية بدمشق» مشروع طبع هذا السفر العظيم، وهو قمين بهذه المهمّة الجليلة التي تتطلّب حشد الطّاقات العلمية والتفرّغ لإخراج هذا الكتاب الموسوعيّ الضخم في أقرب وقت ليعمّ نفعه ويفيد من معينة الباحثون، حيث لم ينشر منه حتى الآن ونحن في سنة 1415 هـ. / 1995 م. سوى أقل من ربع أجزائه.
فقد صدر المجلّد الأول سنة 1951، والقسم الأول من المجلّد الثاني سنة 1954 بتحقيق الدكتور صلاح الدين المنجد، وصدر المجلّد العاشر سنة 1963 بتحقيق الشيخ محمد-

(40/73)


__________
[ (-) ] أحمد دهمان، ويتضمّن تراجم حرف الباء والتاء وأول الثاء (بسر بن أبي أرطاة- ثابت بن أقرم) . وصدر في أواخر 1976 مجلّد بتحقيق المرحوم الدكتور شكري فيصل، ويتضمّن تراجم حرف العين المتلوة بالألف (عاصم بن بهدلة- عائذ بن محمد) ، وصدر سنة 1981 مجلّد بتحقيق الأستاذين: مطاع الطرابيشي وسكينة الشهابي، وفيه من ترجمة (عبد الله بن جابر) حتى (عبد الله بن زيد) . ثم صدر المجلّد الأخير من الكتاب المتضمّن لتراجم النساء، في سنة 1982 بتحقيق الباحثة سكينة الشهابي. وفي سنة 1982 صدر مجلّد آخر بتحقيق الدكتور شكري فيصل والأستاذين رياض مراد وروحية النحاس، وفيه تراجم (عبادة بن أوفى- عبد الله بن ثوّب) .
وفي سنة 1984 صدر بتحقيق الباحثة سكينة الشهابي المجلّد الخاصّ بترجمة الخليفة (عثمان بن عفان) رضي الله عنه، والقسم الأول من السيرة النبويّة بتحقيق عبد الغني الدقر ومراجعة مطاع الطرابيشي، ويبدأ بترجمة (أحمد بن عتبة) وينتهي بترجمة (أحمد بن محمد بن المؤمّل) .
وفي سنة 1986 صدر المجلّد (34) بتعليق مطاع الطرابيشي، ويبدأ من ترجمة (عبد الله بن سالم) وينتهي بترجمة (عبد الله بن أبي عائشة) وصدر المجلّد (38) بتحقيق الباحثة سكينة الشهابي، ويبدأ بترجمة (عبد الله بن قيس) وينتهي بترجمة (عبد الله بن مسعدة) ، وصدر المجلّد (39) بتحقيق الباحثة سكينة الشهابي، يبدأ بترجمة (عبد الله بن مسعود) وينتهي بترجمة (عبد الحميد بن بكار) .
وكان المجمع أصدر في سنة 1978 مجلّدا مصوّرا دون تحقيق عن نسخة مكتبة ليننغراد بموسكو، وفيها تراجم بعض العبادلة، يبدأ بترجمة (عبد الله بن عمران) وينتهي بترجمة (عبد الله بن قيس) .
وصدر في بيروت سنة 1975 عن دار التعارف للمطبوعات مجلّدان يتناولان ترجمة (علي بن أبي طالب) رضي الله عنه، بتحقيق الشيخ محمد باقر المحمودي.
وفي سنة 1982 نشرت مؤسسة الرسالة في بيروت جزءا خاصّا بترجمة «الزّهري» ، بتحقيق شكر الله بن نعمة الله قوجاني.
ثمّ نشرت مؤسسة الرسالة أيضا المجلّد الخاص بترجمة (عمر بن الخطاب) رضي الله عنه، بتحقيق الباحثة سكينة الشهابي.
وقد قام المرحوم الشيخ عبد القادر بدران باختصار التاريخ وتهذيبه، فصدر منه سبعة أجزاء بعنوان (تهذيب تاريخ دمشق الكبير) .
وبين سنتي 1984- 1988 صدر من دار الفكر بدمشق (مختصر تاريخ دمشق) لابن منظور، في (29) مجلّدا، وهو بتحقيق عدّة أساتذة.
ثم قامت مؤسسة الرسالة ببيروت بتصوير التاريخ الكبير عن أصله المخطوط ونشرته دون تحقيق. -

(40/74)


و «الموافقات» [1] اثنا وسبعون و «الأطراف الّتي للسّنن» [2] ثمانية وأربعون جزءا، و «عوالي مالك» أحد وثلاثون جزءا، و «التّالي لحديث مالك العالي» تسعة عشر جزءا، و «غرائب مالك» [3] عشرة أجزاء، «ومعجم [4] القرى والأمصار» جزء، و «معجم شيوخه» اثنا عشر جزءا، و «مناقب الشّبّان» خمسة عشر جزءا، و «فضل أصحاب الحديث» أحد عشر جزءا، و «السّباعيّات» سبعة أجزاء، وكتاب «تبيين كذِب المفتري فيما نُسِب إلى الأشعريّ» [5] مجلّد، و «السّلسلات» له مجلّد [6] ، وكتاب «فضل الجمعة» مجلّد، و «الأربعون الطّوال» ثلاثة أجزاء، و «عوالي شعبة» مجلّد، و «كتاب الزّهادة في ترك الشّهادة» [7] مجلّد، و «عوالي الثّوريّ» مجيلد، و «الأربعون الجهاديّة» ، و «الأربعون البلديّة» ، و «الأربعون الأبدال» ، و «مسند أهل داريّا» مجلّد لطيف، و «حديث أهل صنعاء الشّام» مجلّد صغير، و «حديث أهل قرية البلاط» مجلّد صغير، و «فضائل عاشوراء» ثلاثة أجزاء و «كتاب الزّلازل» ثلاثة أجزاء، و «ثواب المصاب بالولد» جزءان، و «طرق قبض العلم» جزء، و «كتاب فضل مكّة» ، و «كتاب فضل المدينة» ، و «كتاب فضل القدس» ، وجزء «فضائل عسقلان» ، وجزء «فيمن نزل بالمزّة» ، وجزء
__________
[ (-) ] وقد قيّض الله لي أنا طالب العلم وخادمه «عمر عبد السلام تدمري» أن أقرأ هذا السّفر الضخم مرّتين بدار الكتب المصرية، ونسختها هناك برقم 1041 تاريخ تيمور، من (48) مجلّدا. وأفدت منها كثيرا في تأليف كتابي «موسوعة علماء المسلمين في تاريخ لبنان الإسلامي» وخاصة في أجزائها الخمسة الأولى التي صدرت سنة 1984.
كما قيّض لي أن أشارك في المؤتمر العالمي الّذي أقامته وزارة التعليم العالي سنة 1979 بدمشق، بمناسبة مرور (900) سنة على ولادة «ابن عساكر» بنصوص عن طرابلس الشام من خلال «تاريخ دمشق» .
[1] في معجم الأدباء 13/ 77 «الموافقات على شيوخ الأئمّة الثقات» .
[2] في معجم الأدباء 13/ 77 «الإشراف على معرفة الأطراف» .
[3] في معجم الأدباء 13/ 77 «مجموع الرغائب مما وقع من أحاديث مالك الغرائب» .
[4] في الأصل: «معظم» وهو وهم.
[5] طبع في دمشق سنة 1347 هـ.
[6] في معجم الأدباء 13/ 77 «عشرة أجزاء» .
[7] في سير أعلام النبلاء 20/ 560 «الزهادة في الشهادة» .

(40/75)


في «فضائل الرّبوة والنّيرب» ، وجزء فِي «مقام إِبْرَاهِيم وبَرزَة» ، وجزء فِي قرية الحِمْيَريين [1] ، وجزء أهل كَفَرسُوسَة [2] ، وجزء أهل كَفَرْبطْنا، وجزء بيت قُوفَا، وبيت راسين [3] ، وجزء سعد بْن عُبَادة، والمنيحة، وجزء أهل حَرَسْتا، وجزء أهل زملكا، وجزء بيت لهيا، وجزء جوبر، وجزء أهل حُردان [4] ، وجزء أهل جَدَيَا [5] ، وجزء أهل بَرْزَة، وجزء أهل مَنِين، وجزء أهل بيت سوا [6] ، وجزء أهل بَعْلَبَك، وجزء «المبسوط لمنكر حديث الهبوط» ، و «الجواهر واللآلئ» [7] ثلاثة أجزاء، وغير ذلك.
وأملى أربعمائة مجلس وثمانية مجالس فِي فنون شتّى، وخرّج لشيخه أبي غالب ابن البنّاء مشيخة، ولشيخه جمال الْإِسْلَام مشيخه، وأربعين حديثا مصافحات لرفيقه أَبِي سعد السّمعانيّ، وأربعين حديثا مساواة لشيخه الفُرَاوي.
وخرَّج فِي آخر عُمره لنفسه «كِتَاب الأبدال» ولم يُتمُه، ولو تمّ لجاء فِي نحو مائتي جزء.
ذكره ابْن السّمعانيّ فِي تاريخه فقال: كبير العلم، غزير الفضل، حافظ، ثقة، متقِن، ديّن، خيّر حَسَن السَّمْت، جمع بين معرفة المُتُون والأسانيد، صحيح القراءة، متثبّت، محتاط. رحل وتِعب، وبالَغَ فِي الطّلب إلى أن جمع ما لم يجمع غيره، وأربى على أقرانه. ودخل نَيْسابور قبلي بشهر أو نحوه فِي سنة تسعٍ وعشرين، فسمع بقراءتي وسمعت بقراءته مدّة مُقامنا بها، إلى أن اتّفق خروجه فِي سنة ثلاثٍ وثلاثين.
__________
[1] في معجم الأدباء 13/ 80 «الحمريين» ، وكذا في: سير أعلام النبلاء 20/ 561.
[2] في معجم الأدباء 13/ 80، وسير أعلام النبلاء 20/ 560 «كفرسوسية» .
[3] في معجم الأدباء 13/ 80 «بيت أرانس» .
[4] حردان: بضم الحاء المهملة وسكون الراء والدال المهملة. من قرى دمشق. (معجم البلدان 2/ 40) .
[5] في الأصل: «حدايا» . والمثبت من: معجم الأدباء 13/ 81، وسير أعلام النبلاء 20/ 561.
[6] في معجم الأدباء 13/ 81 «بيت سواي» .
[7] في الأبدال والعوالي. (معجم الأدباء 13/ 79) .

(40/76)


وسمعت منه كِتَاب «المجالسة» بدمشق، «ومُعْجم شيوخه» . وكان قد شرع فِي «التّاريخ الكبير» لمدينة دمشق، وصنّف التّصانيف، وخرّج التّخاريج.
وَقَرَأْتُ بِخَطِّ ابْنِ الْحَاجِبِ قَالَ: حَدَّثَنِي زَيْنُ الأُمَنَاءِ قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ الْقَزْوِينِيِّ، عَنْ وَالِدِهِ مُدَرِّسِ النِّظَامِيَّةِ، يَعْنِي أَبَا الْخَيْرِ، قَالَ: حَكَى لَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْفُرَاوِيُّ قَالَ: قَدِمَ أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ عَسَاكِرَ فَقَرَأَ عَلَيَّ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ، فَأَكْثَرَ وَأَضْجَرَنِي، وَآلَيْتُ عَلَى نَفْسِي أَنْ أُغْلِقَ الْغَدَّ بَابِي وَأَمْتَنِعَ، فَلَمَّا أَصْبَحْتُ قَدِمَ عَلَيَّ شَخْصٌ فَقَالَ: أَنَا رَسُولُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْكَ. قُلْتُ: مَرْحَبًا بِرَسُولِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النَّوْمِ فَقَالَ لِي: امْضِ إِلَى الْفُرَاوِيِّ وَقُلْ لَهُ: قَدِمَ بَلَدَكَمُ رَجُلٌ مِنَ الشَّامِ أَسْمَرُ اللَّوْنِ يَطْلُبُ الْحَدِيثَ، فَلا يَأْخُذْكَ مِنْهُ ضَجَرٌ ولا ملل.
قال القزوينيّ: فو الله ما كان الفُراوي يقوم من المجلس حتّى يقوم الحافظ ابتداء منه.
وقال ابنه القاسم أَبُو مُحَمَّد الحافظ: كان رَحِمَهُ اللَّهُ مواظبا على صلاة الجماعة وتلاوة القرآن. يختم فِي كلّ جمعة، ويختم فِي رَمَضَان كلّ يوم، ويعتكف فِي المنارة الشّرقيّة، وكان كثير النّوافل والأذكار. وكان يُحيى ليلة النّصف والعيدَين بالصّلاة والذكر، وكان يحاسب نفسه على لحظة تذهب فِي غير طاعة.
وقال لي: لمّا حَمَلَتْ بي أمّي رأت فِي منامها قائلا يقول لها: تَلدين غلاما يكون لَهُ شأن.
وحدّثني أنّ أَبَاهُ رَأَى رؤيا معناها: يولدُ لك ولد يُحيى اللَّه به السُنة.
حدّثني أَبِي رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ: كنت أقرأ على أَبِي الفتح المختار بن عبد الحميد وهو يتحدّث مع الجماعة فقال: قدم علينا أبو عليّ بن الوزير، فقلنا:
ما رأينا مثله. ثمّ قدِم علينا أَبُو سعد بْن السّمعانيّ فقلنا: ما رأينا مثله. حتّى قدِم علينا هذا، فلم نر مثله [1] .
__________
[1] معجم الأدباء 13/ 83، 84.

(40/77)


وحكى لي أَبُو الْحَسَن عليّ بْن إِبْرَاهِيم الْأَنْصَارِيّ الحنبليّ عَن أَبِي الْحَسَن سعد الخير قَالَ: ما رأينا فِي سِنّ الحافظ أَبِي القاسم مثله.
وحدّثنا مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن المسعوديّ: سمعت أَبَا العلاء الهَمَذَاني يقول لرجل، وقد استأذنه أن يرحل، فقال: إنْ عرفتَ أستاذا أعرف منّي أو فِي الفضل مثلي فحينئذ آذَنُ لكَ أن تسافر إليه، إلَّا أن تسافر إلى الحافظ ابْن عساكر، فإنّه حافظ كما يجب. فقلت: مَن هذا؟ فقال: حافظ الشّام أَبُو القاسم ويسكن دمشق. وأثنى عَلَيْهِ.
وكان يجري ذِكره عند خطيب الموصل أَبِي الفضل فيقول: ما نعلم مَن يستحقّ هذا اللّقب اليوم، أعني الحافظ، ويكون به حقيقًا سواه. كذا حدّثني أَبُو المواهب بْن صَصْرَى، وقال: لمّا دخلت هَمَذَان أثنى عَلَيْهِ الحافظ أَبُو العلاء وقال: أَنَا أعلم أنّه لَا يُساجل الحافظ أَبَا القاسم فِي شأنه أحد، فلو خالق النّاس ومازَحَهم كما أصنع، إذا لَاجتمع عَلَيْهِ الموافِق والمخالِف.
وقال لي يوما: أيّ شيء فُتِح لَهُ، وكيف ترى الناسَ لَهُ؟
قُلْت: هُوَ بعيد من هذا كلّه، لم يشتغل منذ أربعين سنة إلَّا بالجمْع والتّصنيف والتّسميع فِي نُزَهِهِ وخَلَوَاته. فقال: الحمد للَّه، هذا ثمرة العِلم. ألا إنّا قد حصل لنا هذا المسجد والدّار والكُتُب، هذا يدلّ على قلّة حظوظ أهل العلم فِي بلادكم.
ثمّ قَالَ لي: ما كان يُسمى أَبُو القاسم ببغداد إلَّا شُعلة نارٍ من تَوَقُده وذكائه وحُسْن إدراكه [1] .
وقال أَبُو المواهب: أمّا أَنَا فكنت أذاكره فِي خَلَوَاتِه عَن الحُفاظ الّذين لقِيَهُم. فقال: أمّا ببغداد فأبو عامر العَبدَرِي، وأمّا بأصبهان فأبو نصر اليُونَارتي، لكنّ إِسْمَاعِيل الحافظ كان أشهر منه.
__________
[1] معجم الأدباء 13/ 84، 85.

(40/78)


فقلت لَهُ: فَعَلَى هذا ما رَأَى سيّدنا مثله. فقال: لَا تَقُلْ هذا، قَالَ اللَّه تعالى: فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ 53: 32 [1] . قُلْت: وقد قَالَ تعالى: وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ 93: 11 [2] . فقال: نعم، لو قَالَ قائل: إنّ عيني لم تَرَ مثلي لَصَدَق.
قال أَبُو المواهب: وأنا أقول لم أر مثله، وَلَا مَن اجتمع فِيهِ ما اجتمع فِيهِ من لُزُوم طريقةٍ واحدةٍ مدَّة أربعين سنة، من لزوم الصّلوات فِي الصّفّ الأوّل إلَّا من عُذْر، والاعتكاف فِي رَمَضَان وعَشر ذي الحجّة، وعدم التطلُع إلى تحصيل الأملاك وبناء الدّور. وقد أسقط ذلك عَن نفسه، وأعرض عَن طلب المناصب من الإمامة والخطابة، وأباها بعد أن عُرِضَت عَلَيْهِ، وقلّة التفاته إلى الأمراء، وأخُذِ نفسه بالأمر بالمعروف والنهْي عَن المنكر، لَا تأخذه فِي اللَّه لومةُ لائم.
قال لي: لمّا عزمت على التّحديث، وَاللَّه المطَّلعُ أنّه ما حملني على ذلك حبّ الرئاسة والتّقدّم، بل قُلْت: مَتَى أروي كلَّ ما سمعت وأيّ فائدةٍ فِي كوني أخلّفه بعدي صحائف؟ فاسْتَخَرْتُ اللَّه تعالى واستأذنت أعيان شيوخي ورؤساء البلد، وطُفْتُ عليهم، فكلُّ قَالَ: ومن أحقّ بهذا منك. فشرعت فِي ذلك فِي سنة ثلاثٍ وثلاثين.
وقال عُمَر بْن الحاجب: حكى لي زين الأمناء أنّ الحافظ لمّا عزم على الرحلة اشترى جَمَلًا، وتركه بالخان، فلمّا رحل القفْل تجهّز. وخرج فوجد الجمل قد مات. فقال لَهُ الجماعة الّذين خرجوا لوداعه: ارجِعْ فما هذا فألٌ مبارك، وفنّدوا عَزْمَه، فقال: وَاللَّه لو مشيت راجلا لَا أثْنيت عزمي. وحمل خرْجَه وقماشه، وتبع المركب، واكترى منهم في القصير. وكانت طريقه مباركة.
وقال أَبُو مُحَمَّد القاسم: قَالَ لي والدي لمّا قدِمت فِي سفري: قال لي
__________
[1] سورة النجم، الآية 32.
[2] سورة الضحى، الآية 11.

(40/79)


جدّي القاضي أَبُو المفضّل يحيى بْن علي: اجلس إلى ساريةٍ من هذه السّواري حتّى نجلس إليك. فلمّا عزمت على الجلوس اتّفق أنّه مرض ولم يقدر بعد ذلك خروج إلى المسجد. وكان أَبِي رَحِمَهُ اللَّهُ قد سمع بَنسَا لم يحصّل منها نُسَخًا اعتمادا على نُسَخ رفيقه الحافظ أَبِي عليّ بْن الوزير. وكان ما حصّله أَبِي لَا يحصّله ابْن الوزير، فسمعته يقول: رحلت وما كأنّي رحلت. كنت أحسب أنّ ابْن الوزير يقدم بالكُتُب مثل الصّحيحين، وكُتُب البَيهَقي والأجزاء، فاتّفق سُكْناه بمَرْو، وكنت أؤمّل وصولَ رفيق آخر يوسف بْن فارّو الجيّانيّ، ووصول رفيقنا المُرادي، وما أرى أحدا منهم قدِم، فلا بُد من الرحلة ثالثا وتحصيل الكُتُب والمَهَمات. فلم يمض إلَّا أيّام يسيرة حتّى قدِم أَبُو الْحَسَن المراديّ، فأنزله أَبِي عندنا، فقدِم بأربعة أسفاط كُتُب مسموعة، ففرح أَبِي بذلك، وكفاه اللَّه مئونة السَّفَر. وأقبل على النَّسْخ والاستنساخ، وقابل، وبقي من مسموعاته نحو ثلاثمائة جزء، فأعانه عليها ابْن السّمعانيّ، ونقل إليه منها جملة حتّى لم يبق عَلَيْهِ أكثر من عشرين جزءا. وكان كلّما حصل لَهُ جزء منها كأنّه قد حصل على ملْك الدّنيا.
قلت: وَلَهُ شِعْر جيّد يُملي منه عقيب مجالسه، فمنه:
أيا نفسُ ويْحكِ جاء المشيب ... فماذا التّصابي وماذا الغزل
تولّى شبابي كأن لم يكُنْ ... وجاء مَشيبي كأنْ لم يَزَلْ [1]
فيا لَيْتَ شِعْري ممّن [2] أكون ... وما قدَّرَ اللَّه لي من الأزل
[3]
__________
[1] زاد بعده في سير أعلام النبلاء 20/ 570 بيتا:
كأنّي بنفسي على غرّة ... وخطب المنون بها قد نزل
[2] في معجم الأدباء: «فيمن» .
[3] الأبيات في: معجم الأدباء 13/ 86، ووفيات الأعيان 3/ 310، ومرآة الزمان 8/ 336، ومرآة الجنان 3/ 394، وطبقات الشافعية للإسنويّ 2/ 217، والبداية والنهاية 12/ 294، وخريدة القصر 1/ 274، وسير أعلام النبلاء 20/ 569، 570، والنجوم الزاهرة 6/ 77.

(40/80)


سمعت أَبَا الْحُسَيْن اليُونيني [1] : سمعت أَبَا مُحَمَّد المُنْذري الحافظ يقول: سَأَلت شيخنا أَبَا الْحَسَن عليّ بْن المفضّل الحافظ عَن أربعةٍ تعاصروا أيُّهم أحفظ؟.
فقال: من؟
قلت: الحافظ ابْن ناصر، وابن عساكر.
فقال: ابْن عساكر.
فقلت: الحافظ أَبُو مُوسَى المَدِيني، وابن عساكر.
قال: ابْن عساكر.
فقلت: الحافظ أَبُو طاهر السَّلَفي، وابن عساكر.
فقال: السَّلَفيّ شيخُنا السَّلَفي شيخنا.
قلت: يعني أنّه ما أحبّ أن يصرّح بأنّ ابْن عساكر أفضل من السِّلَفيّ، ولوَّح بأنّه شيخه. ويكفي هذا في الإشارة.
قلت: والرجل ورع ثبت. وما أطلق أنّه ما رأى مثل نفسه في جواب الحافظ أبي المواهب إلّا وهو بارّ صدوق.
وكذلك رَأَيْت شيخنا أَبَا الحَجّاج المِزّي يميل إلى هذا. وأنا جازِمٌ بذلك أنّه ما رَأَى مثل نفسه. هُوَ أحفظ من جميع الحُفاظ الّذين رآهم من شيوخه وأقرانه.
وقال الحافظ أَبُو مُحَمَّد عَبْد القادر الرُهاوي: رَأَيْت الحافظ السَّلَفي، والحافظ أَبَا العلاء، والحافظ أَبَا مُوسَى، ما رَأَيْت فيهم مثل ابْن عساكر [2] .
وقرأت بخطّ عُمَر بْن الحاجب: قَالَ: حكى لي مَن أثق به أنّ الحافظ عَبْد الغنيّ قَالَ: الحافظ ابْن عساكر برجال الشّام أعرف من الْبُخَارِيّ لهم، وندِم على ترك السّماع منه ندامة كلّيّة.
__________
[1] اليونيني: نسبة إلى يونين، بلدة قريبة من بعلبكّ.
[2] التقييد لابن نقطة 406.

(40/81)


وذكره ابْن النّجّار فِي «تاريخه» فقال: إمام المحدّثين فِي وقته، ومن انتهت إليه الرئاسة فِي الإتقان والحفْظ والمعرفة التّامّة والثّقة، وبه خُتم هذا الشّأن.
روى عَنْهُ جماعةٌ وهو فِي الحياة، وحدَّثوا عَنْهُ بالإجازة فِي حياته.
قال: وقرأت بخطّ الحافظ مَعْمَر بْن الفاخر فِي «معجمه» : أخبرني أَبُو القاسم عليّ بْن الْحَسَن الدّمشقيّ الحافظ من لفْظه [بمِنَى] [1] إملاء يوم النفْر الأوّل، وكان أحفظ مَن رَأَيْت مِن طَلَبة الحديث والشُّبان، وكان شيخنا الْإِمَام إِسْمَاعِيل بْن مُحَمَّد يفضّله على جميع مَن لقيناهم من أهل أصبهان وغيرها.
قدِم إصبهانَ، وسمع ونزل فِي داري، وما رَأَيْت شابّا أورع وَلَا أتْقن وَلَا أحفظ منه. وكان مع ذلك فقيها أديبا [سنيّا] [2] ، جزاه اللَّه خيرا، وكثَّر فِي الْإِسْلَام مثله، أفادني فِي الرحلة الأولى والثّانية ببغداد كثيرا، وسألته عَن تأخّره فِي الرحلة الأولى عَن المجيء إلى أصبهان فقال: لم تأذن لي أمّي.
قلت: وهو مع جلالته وحِفْظه يروي الأحاديث الواهية والموضوعة وَلَا يتبيّنها، وكذا كان عامّة الحُفّاظ الّذين بعد القرون الأولى، إلَّا من شاء ربكَ فَلَيْسألَنَّهم اللَّه تعالى عَن ذلك. وأيّ فائدةٍ بمعرفة الرجال ومصنفات التّاريخ والجرح والتّعديل إلَّا كشف الحديث المكذوب وهتكه؟
قال ابنه أَبُو مُحَمَّد: تُوُفي أَبِي فِي حادي عشر رجب، وحضر الصّلاة عَلَيْهِ السّلطان صلاح الدّين، وصلّيت عَلَيْهِ فِي الجامع، والشّيخ قُطْب الدّين فِي المَيْدان الَّذِي يُقابل المُصلى. ورأى لَهُ جماعة من الصّالحين منامات حَسنَةً، ورُثِيَ بقصائد، ودُفن بمقبرة باب الصغير.
قلت: قبره مشهور يزار رحمه الله [3] .
__________
[1] ساقطة من الأصل، استدركتها من: سير أعلام النبلاء 20/ 567.
[2] ساقطة من الأصل، استدركتها من: سير أعلام النبلاء 20/ 567.
[3] أقول: أفاد ابن عساكر من شيوخ ساحل دمشق حيث نزل بعلبكّ مرتين على الأقلّ، فأخذ-

(40/82)


12- عليّ بْن حُمَيْد بْن عمّار [1] .
أَبُو الْحَسَن الأنصاري، الأطرابلسي، ثم المكي، النحوي، المقرئ.
حدث فِي هذا العام ب «صحيح الْبُخَارِيّ» عَن أبي مكتوم عيسى بن أبي ذر الهروي سَمَاعًا، وهو آخر من سمع من أَبِي مكتوم.
روى عَنْهُ: مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن التجيبي الأندلسي، وعبد الرَّحْمَن بْن أَبِي حَرَميّ فُتُوح بْن بَنِين المكي العطار، وناصر بن عَبْد اللَّه الْمَصْرِيّ العطّار نزيل مَكَّة ستّين عاما، وأبو الربيع سليمان بن أحمد السعدي المغربل الشّارعيّ، وآخرون.
ولا أعلم متى توفّي [2] .
__________
[ (-) ] إجازة من أبي المضاء مُحَمَّد بْن عَليّ بْن الْحَسَن بْن مُحَمَّد بْن أبي المضاء البعلبكي المتوفى سنة 509 هـ. (تاريخ دمشق- مخطوطة التيمورية) 38/ 529، معجم البلدان 1/ 454) ولقي: الحسين بن جعفر البعلبكي المعروف بابن بريك المتوفى سنة 552 هـ. وسمع منه شعرا (تاريخ دمشق 9/ 389، تهذيبه 4/ 156) وكتب عن: شُكْرُ بِنْت سهل بْن بِشْر بْن أَحْمَد بن سعيد الأسفرائيني الصايغ المولودة بصور والمتوفاة بدمشق سنة 551 هـ. (أعلام النساء 2/ 302) وسمع مِن أَبِي الْحَسَن عَليّ بْن مُحَمَّد بْن علي البعلبكي المتوفى سنة 535 هـ. (طبقات الشافعية للإسنويّ 1/ 246) وكتب يسيرا وهو ببغداد عن أحمد بن عقيل بن محمد الفارسيّ المعروف بابن أبي الحوافر البعلبكي المتوفى سنة 531 هـ.
(تاريخ دمشق 3/ 18، تهذيبه 1/ 396) وروى عن أبي الحزم مكّي بن الحسن الجبيليّ، من جبيل بساحل دمشق. (تاريخ دمشق 21/ 493 و 43/ 365) وسمع أبا الفرج غيث بن علي الأرمنازي الصوري خطيب صور الّذي أقام بدمشق قبل وفاته، وكان وضع تاريخا لصور، فنقل ابن عساكر كثيرا منه وأفرغه في تاريخ دمشق وحفظ بذلك قسما كبيرا منه.
(الأنساب 27 أ، أدب الإملاء 154) .
[1] انظر عن (علي بن حميد) في: المعين في طبقات المحدّثين 172 رقم 1857، وسير أعلام النبلاء 20/ 541، رقم 343، والعقد الثمين 6/ 156، 157، والنجوم الزاهرة 6/ 77، وشذرات الذهب 4/ 240.
[2] وقال المؤلّف- رحمه الله- في سير أعلام النبلاء، أثناء ترجمته: «بقي إلى سنة إحدى وسبعين وخمسمائة» ، ثم قال في آخرها: «وقيل إنه عاش إلى سنة خمس وسبعين، وحدّث فيها» .
وفي (العقد الثمين) وفاته سنة ست وسبعين. وسيعاد برقم (164) .

(40/83)


13- عليّ بْن المبارك بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن بَكْري [1] .
أَبُو الحَسَن البغداديّ.
سمع: أَبَا عليّ بْن المهديّ، وأبا الغنائم بْن المهتدي باللَّه، وابن الحُصَيْن.
سمع منه: عُمَر بْن عليّ القُرَشي، وعمر العُلَيْمي الدّمشقيّان.
تُوُفي فِي جمادى الأولى [2] .
__________
[1] انظر عن (علي بن المبارك) في: المختصر المحتاج إليه 3/ 140 رقم 1048، وخريدة القصر (قسم العراق) 2/ 349- 357، وتاريخ ابن الدبيثي (مخطوط) 3/ ورقة 162، والمستفاد من ذيل تاريخ بغداد 345 رقم 150، والوافي بالوفيات 21/ 396، 397 رقم 274.
[2] قال العماد الكاتب: والده مستعمل السقلاطون لدار الخلافة. وكان هو كاتبا في ديوان المجلس سنين، ثم صرفه الوزير. فيه فضل وأدب. وهو من طبقة الشطرنجيّين ببغداد.
أنشدني لنفسه ببغداد سنة اثنتين وخمسين وخمسمائة بيتين له في سوداء، وهما:
يا من فؤادي فيه ... متيّم، ما يزال
إن كان للّيل بدر ... فأنت للصبح خال
وأنشدني لنفسه يستعير كتابا ممّن ألزم نفسه ألّا يعير أحدا كتابا:
يا من أناب وتاب ... ألّا يعير كتابا
قد رمت ذاك، ولكن ... محبّة الشكر تأبى
وله في تفّاحة أهديت له:
حيّا بتفّاحة، فأحياني ... مواصل بعد طول هجران
كأنّما ريحها تنفّسه ... ولونها وردّ خدّه القاني
وقوله في الشطرنج:
أحبّ دعابات الرجال إلى قلبي ... دعابة شطرنج أغادي بها صحبي
أسالم فيها، ثم أغدو محاربا، ... فسلم بلا سلم، وحرب بلا حرب
وقوله في الشطرنج أيضا:
إنّما لعبك بالشط ... رنج للنّفس رياضه
فاهجر الهجر لديه ... لا ترد يوما حياضه
وتجنّب صاحب الجهل ... ، ومن فيه غضاضه
لا تجالس غير ندب ... زانه العقل وراضه

(40/84)


14- عليّ بْن المظفّر بْن عليّ بْن حسين الظَّهِيري [1] .
أَبُو القاسم والد الأعزّ.
سمع: هبة اللَّه بْن أَحْمَد المَوْصِلي، وأبا الغنائم النَّرْسي.
روى عَنْهُ: تميم بْن أَحْمَد البَنْدنيجي، وعبد العزيز بن الأخضر، وأبو الفتوح بن الحصري، وأبو مُحَمَّد بْن قُدَامَة، وغيرهم.
تُوُفي فِي جمادى الآخرة فِي الطّريق فجأة [2] ، وَلَهُ ستٌ وسبعون سنة.
وكان مَهِيبًا، وَقورًا، صَمُوتًا.
15- عُمَر [3] بْن هديّة بْن سلامة.
أَبُو حفص البغداديّ، الصّوّاف، السِّمْسار.
سمع: أَبَا القاسم بْن بيان، وأبا الخطّاب الكَلْوَذاني.
روى عَنْهُ: أَبُو الفَرَج بْن الجوزيّ ووثّقه.
عاش تِسعًا وثمانين سنة.
- حرف الميم-
16- مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن أَحْمَد بْن سُلَيْمَان [4] .
أَبُو عَبْد اللَّه الغافقيّ، المعروف بالقُبَاعي. من أهل الجزيرة الخضراء.
روى ببلده عَن: أَبِي عَبْد اللَّه بْن عَبْد الحقّ، وأبي عَبْد الله بن أبي صوفة، وغيرهما.
__________
[1] انظر عن (علي بن المظفّر) في: المختصر المحتاج إليه 3/ 143، 144 رقم 1059، والتاريخ المجدّد لابن النجار (مخطوطة باريس 1231) ورقة 41.
[2] وقال ابن النّجار: «ونقل عن بعض الشيوخ أنه كان شيخا وقورا، دائم الصمت، مليح الهيئة، وكان يخرج إلى الجامع من بعد صلاة الصبح، فخرج يوما من بيته بباب المراتب كان صحيحا، فلما وصل إلى البستان قعد ليستريح وأسند ظهره ... فمات فجأة» .
[3] في الأصل: «علي» ، والمثبت من:
المنتظم (طبعة دار الكتب العلمية) 18/ 225 رقم 4311 ولم ترد ترجمته في (طبعة حيدرآباد) - انظر 10/ 261.
[4] انظر عن (محمد بن أحمد بن أحمد) في: تكملة الصلة لابن الأبّار.

(40/85)


وأجاز لَهُ أَبُو عليّ بْن سُكرة الصَّدفي. ووُلي خطابة بلده.
قال الأبّار: وكان فقيها مشاوَرًا، ذا دُعابة مع خشْية وخشوع.
حدَّث عَنْهُ: أَبُو القاسم بْن الحَسَن، وأبو نصر السَّبْتي، ويعيش بْن النّديم، وأبو الخطّاب عُمَر بْن الجميّل.
وأجاز فِي رجب من السَّنَة. ولم تُؤرخ وفاته.
17- مُحَمَّد بْن أسعد بْن مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن [1] .
الْإِمَام مجد الدّين، أَبُو منصور الطُوسي، العطّاريّ [2] ، المعروف بحَفَدَة [3] .
الفقيه الشّافعيّ. كان فقيها واعظا أصوليا فاضلا، تفقَّه بمَرْو على أَبِي بَكْر مُحَمَّد بْن منصور السمْعاني، ثمّ انتقل إلى مروالرّوذ، وتفقّه على القاضي أَبِي مُحَمَّد الْحُسَيْن بْن مَسْعُود الفرّاء البَغَوِي، وسمع منه كتابيه: «شرح السّنّة» و «معالم التّنزيل» ، وغير ذلك.
ثمّ انتقل إلى بُخَارَى واشتغل بها على البرهان عَبْد العزيز بْن عُمَر بْن مازة الحنفيّ. ثمّ عاد إلى مَرْو، وقدِم أذَرْبَيْجَان، والجزيرة، واجتمع النّاس عَلَيْهِ بسبب الوعظ. وكان مجلسه فِي الوعظ من أحسن المجالس، وَلَا ندري لِمَ لُقِّب حَفَدَة.
__________
[1] انظر عن (محمد بن أسعد) في: التحبير 2/ 89، 90 رقم 695، والمنتظم 10/ 279 (18/ 246 رقم 4323) ، في وفيات سنة 573 هـ.، ووفيات الأعيان 4/ 238، 239، وتلخيص مجمع الآداب ج 4 ق 2/ 890، 891، والعبر 4/ 213، ودول الإسلام 2/ 85، والإعلام بوفيات الأعلام 235، وسير أعلام النبلاء 20/ 539، 540 رقم 341، والمعين في طبقات المحدّثين 174 رقم 1858، وتذكرة الحفاظ 4/ 1333، 1334، والمختصر المحتاج إليه 1/ 26، والوافي بالوفيات 2/ 202، 203، رقم 580، وطبقات الشافعية الكبرى للسبكي 6/ 92، 93، وطبقات الشافعية للإسنويّ 1/ 441، 442، والبداية والنهاية 12/ 299 في وفيات سنة 573 هـ.، وذيل التقييد 1/ 104 رقم 128، والنجوم الزاهرة 6/ 77، وشذرات الذهب 4/ 240 وسيعاد برقم (87) .
[2] في شذرات الذهب: «العطاردي» ، وهو غلط.
[3] ضبطها ابن خلّكان بفتح الحاء والفاء والدال. وقال: لا أعلم لم سمّي بهذا الاسم مع كثرة كشفي عنه. (وفيات الأعيان) .

(40/86)


روى عَنْهُ: أَبُو المواهب بْن صَصْرَى، وأبو أَحْمَد بْن سُكَيْنَة، وعبد العزيز بن الأخضر، وأبو المجد مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن القزْويني، والقاضي أَبُو المحاسن يوسف بْن رافع بْن شدّاد، وآخرون.
قال السَّمْعاني [1] : كتبت عَنْهُ بمَرْو، ونَيسابور. وكان فقيها، واعِظًا، شاطرا، جَلْدا، فصيحا [2] .
سمع من: عَبْد الغفّار الشّيرويّ، وأبي الفِتْيان الرّوّاسيّ، وناصر بْن أَحْمَد العِياضي.
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ: أَنَا يُوسُفُ بْنُ رَافِعٍ الْأَسَدِيُّ قَدِمَ عَلَيْنَا مِصْرَ:
أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَسْعَدَ، نَا مُحْيِي السُّنَّةَ الْحُسَيْنُ بْنُ مَسْعُودٍ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ الصَّالِحِيُّ (ح) ، وَأَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: أَنَا ابْنُ قُدَامَةَ، أَنَا الْبَطِّيُّ، أَنَا أَبُو الْحَسَنِ الْأَنْبَارِيُّ قَالَ: أَنْبَأَ أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، أَنَا إِسْمَاعِيلُ الصَّفَّارُ: ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ، ثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ أَبِي الْجُودِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
«وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ- أَوْ قَالَ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ- إِلَّا حصائد ألسنتهم» [3] .
__________
[1] في التحبير 2/ 89.
[2] زاد في التحبير: «أصوليا» .
[3] حديث صحيح، رواه الترمذي في الإيمان (2749) باب ما جاء في حرمة الصلاة، من حديث طويل عن معاذ بن جبل قَالَ: كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سفر فأصبحت يوما قريبا منه ونحن نسير فقلت: يا رسول الله، أخبرني يعمل يدخلني الجنة ويباعدني عن النار، قال:
لقد سألتني عن عظيم، وإنه ليسير على من يسّره الله: تعبد الله ولا تشرك به شيئا، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت، ثم قال: ألا أدلّك على أبواب الخير: الصوم جنّة، والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار، وصلاة الرجل من جوف الليل، قال: ثم تلا تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ 32: 16- حتى بلغ- يَعْمَلُونَ 32: 17، ثم قال: ألا أخبركم برأس الأمر كلّه وعموده وذروة سنامه، قلت: بلى يا رسول الله قال: رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد، ثم قال: ألا أخبرك بملاك ذلك كلّه، قلت: بلى يا رسول الله، قال: فأخذ بلسانه، قال: كفّ عليك-

(40/87)


قال ابْنُ خَلكان [1] : تُوُفي فِي ربيع الآخر سنة إحدى بتبريز.
وقال: قيل أَيْضًا إنّه تُوُفي فِي رجب سنة ثلاثٍ وسبعين، فاللَّه أعلم.
والثّاني أصحّ.
وكان مولده سنة ستٌ وثمانين وأربعمائة.
18- مُحَمَّد بْن الْحَسَن بْن عليّ بْن هلال بْن همصا بْن نافع.
العِجلي. أخو هبة اللَّه الدَّقاق، البغداديّ.
روى عَن: عليّ بْن مُحَمَّد بْن عليّ الأنباريّ، الحنبليّ، وسعد اللَّه بْن أيّوب، وأبي الخطّاب الكَلْوَاذاني.
وتفقّه على أسعد المَيْهَني.
وأخذ الأدب عَن: أَبِي منصور بْن الجواليقيّ.
وكان مولده سنة اثنتين وتسعين وأربعمائة.
ولد أخٌ آخر باسمه. كتب ذاك أَبُو المعالي.
19- مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن بْن مُحَمَّد بْن المعلّم.
القاضي أَبُو منصور الحنفيّ.
ناب فِي القضاء عَن قاضي القُضاة أَبِي الْقَاسِم الزّينبيّ، ودرّس.
وسكن هَمَذان مدّة، ثمّ قدِم بغداد رسولا.
روى عَن: أَبِي القاسم بْن بيان، وعليّ بْن الموحّد.
سمع منه: أَبُو المواهب بْن صَصْرَى، وغيره بهَمَذَان.
وعاش ثمانين سنة.
__________
[ (-) ] هذا. فقلت: يا نبيّ الله وإنّا لمؤاخذون بما نتكلّم به؟ فقال: ثكلتك أمّك يا معاذ وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ أو على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم. قال الترمذي:
هذا حديث حسن صحيح.
[1] في وفيات الأعيان 4/ 239.

(40/88)


20- مُحَمَّد بْن عُبيد اللَّه بْن علي [1] .
أَبُو حنيفة بْن أَبِي القاسم الأصبهانيّ، الخطيبيّ.
من بيت عِلْمٍ وشُهْرة. قدِم بغداد حاجّا سنة نيّف وستّين.
وحدّث عَن: جَدّه لأمّه حَمْد بْن صَدَقَة، وأبي مطيع المصريّ، وأبي بكر بن مردويه، وأبي الفتح الحدّاد، وعبد الواحد بْن حَمْد الدُّوني. وأملى عدَّة مجالس. وكان حنفيّ المذهب.
روى عنه: أبو طالب بن عبد السميع، وموفّق الدّين بْن قُدَامَة، وأبو القاسم بْن صَصْرَى، لقِيه بِمَكَّةَ، وسمع منه بقراءة أَبِيهِ.
تُوُفي أَبُو حنيفة بأصبهان وَلَهُ ثلاثٌ وثمانون سنة [2] .
وروى عَنْهُ: ابْن الأخضر.
21- مُحَمَّد ابْن الوزير عليّ بْن طراد الزَّيْنَبي [3] .
أَبُو الْعَبَّاس المعروف بالأمير التّركيّ، لأنّه ابْن تركيّة.
كان مُقْبِلًا على العِلم. قرأ الفرائض والأدب. وقرأ الحديث على:
هبة الله الشّبليّ، وابن البطّيّ.
ولم يلحق أن يسمع من أَبِيهِ.
وتُوُفي شابّا.
22- محمد بن محمد بن حمّود [4] .
__________
[1] انظر عن (محمد بن عبيد الله) في: ذيل تاريخ مدينة السلام بغداد 2/ 34 رقم 243، والمعين في طبقات المحدّثين 174 رقم 1853، والجواهر المضيّة 2/ 88، والوافي بالوفيات 4/ 11 رقم 1469، وتبصير المنتبه 597، وشذرات الذهب 4/ 241.
[2] مولده سنة 488 هـ.
[3] انظر عن (محمد بن عليّ بن طراد) في: ذيل تاريخ مدينة السلام بغداد 2/ 120، 121 رقم 345، والمختصر المحتاج إليه 1/ 90.
[4] انظر عن (محمد بن محمود) في: تاريخ ابن الدبيثي (مخطوطة شهيد علي) ورقة 105، والمختصر المحتاج إليه 1/ 117، ومعرفة القراء الكبار 2/ 539، 540، رقم 486، وغاية النهاية 2/ 239، 240 رقم 3408.

(40/89)


أَبُو الأزهر الواسطيّ، المقرئ، الصّوفيّ.
قرأ بالروايات على أبي العز القلانسي.
وسمع من: أبي نُعَيْم مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم الجماريّ.
وببغداد من أَبِي غالب بْن البنّاء.
وأقرأ الناسَ مدّة.
روى عَنْهُ: عُمَر بْن يوسف خَتَن ابْن الشّعار، وعمر بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد الديَنورِي، ومحمد بْن أَحْمَد بْن إِسْمَاعِيل القزوينيّ.
ذكره ابْن النّجار فأطنب فِي وصفه وقال: كان شيخا صالحا، ورِعًا، تقيّا، زاهدا، قانعا، منقطعا عَن النّاس، يرجع إلى فضل وعلم بالقراءات.
وتوفّي رحمه الله ببغداد فِي رجب.
23- مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن خَلَف بْن إِبْرَاهِيم بْن لبيب.
الْإِمَام أَبُو القاسم بْن الحاجّ التُجَيبي، القُرْطُبي.
سمع من: والده الشّهيد أَبِي عَبْد اللَّه بْن الحاجّ، وأبي مُحَمَّد بْن عَتاب، وأبي عليّ بْن سُكرة، وأبي الوليد بْن رُشْد، وابن يحيى بْن العاص.
وأجاز لَهُ أَبُو عَبْد اللَّه الخَوْلاني. وكان بصيرا بمذهب مالك، عارفا بالمسائل، ذاكرا للخلاف. وجلس للمناظرة مكان أَبِيهِ. ولم يكن يعرف الحديث.
وكان وَقُورًا مَهيبًا، لَا يتكلَّم إلَّا فِي النّادر. ولي قضاء الجماعة بقُرْطُبة وقتا، ثمّ خرج عَنْهُ فِي الفتنة، وتجوّل فِي الأندلس، واستقرّ بمُرْسِية مرتسما فِي ديوان الْجُنْد عند الأمير مُحَمَّد بْن سعد. ثمّ سافر إلى مَيُورقَة بعد موت ابْن سعد، فحدَّث بها.
روى عَنْهُ: فقيل بن ( ... ) [1] ، وابن سفيان، وغيرهما.
__________
[1] في الأصل بياض.

(40/90)


ثمّ وفد إلى إشبيلية فمات بها.
24- مبارك بْن الحَسِن [1] .
أَبُو النَّجْم، ابْن القابلة الفَرَضي.
بغداديّ، عارف بالفرائض والمواقيت.
سمع: أَبَا الْحُسَيْن بْن القاضي أَبِي يَعْلَى [2] .
25- محفوظ بْن أَبِي عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن عَبْد المنعم [3] .
أَبُو جَعْفَر بْن الورّاق البغداديّ، الوكيل بباب القاضي.
سمع: أَبَا الْحُسَيْن بْن الطُيُوري، وأَبَا سعد الأسَدِي.
روى عَنْهُ: حفيده مُحَمَّد بْن يوسف، وعبد العزيز بْن الأخضر، وجماعة.
وتُوُفي فِي جُمادَى الآخرة، وَلَهُ ثمان وسبعون سنة.
26- مَسْعُود [4] بْن الْحُسَيْن بْن سعد [5] .
القاضي، أَبُو الْحُسَيْن [6] اليَزْدي، الحَنَفي.
أفتى، ودرَّس، وناب فِي القضاء ببغداد، ثمّ خرج إلى الموصل ودرّس بها [7] .
__________
[1] انظر عن (مبارك بن الحسن) في: المنتظم 10/ 261 رقم 357 (18/ 225 رقم 4312) ، وذيل طبقات الحنابلة 1/ 334، 335 رقم 154، وشذرات الذهب 4/ 2400.
[2] ولد سنة 505 تقريبا، وسمع من طلحة العاقولي سنة عشر، وهو أقدم سماع وجد له، وذكره ابن القطيعي وقال: كتبت عنه، وكان ثقة. قال: وكان أعلم أهل زمانه بالفرائض والحساب والدور، حسن العلم بالجبر والمقابلة، وغامض الوصايا والمناسخات، حنبليّ المذهب، أمّارا بالمعروف، شديدا على أهل البدع، عارفا بمواقيت الشمس والقمر.
[3] انظر عن (محفوظ بن محمد) في: المختصر المحتاج إليه 3/ 197 رقم 1221.
[4] في الأصل: «منصور» وهو غلط.
[5] انظر عن (مسعود بن الحسن) في: المنتظم 10/ 261 رقم 358 (18/ 225 رقم 4313) ، والمختصر المحتاج إليه 3/ 188 رقم 1190، وتلخيص مجمع الآداب ج 5 رقم 542، والجواهر المضيّة 2/ 168.
[6] في الأصل: «أبو الحسن» ، والتصحيح من المنتظم. وفي المختصر المحتاج إليه: «أبو الخير» .
[7] وذكره القاضي تاج الدين يحيى بن القاسم التكريتي وقال: كان شيخا لطيفا فيه دعابة، وكان يدرس بالمدرسة الغياثية، وبعث رسولا من الديوان في أيام المستنجد باللَّه» . -

(40/91)


وتُوُفي فِي جُمادى الآخرة، وَلَهُ بضعٌ وستّون سنة.
- حرف الهاء-
27- هبَةُ اللَّه بْن يَحْيَى بْن الْحَسَن [1] .
أَبُو جَعْفَر بْن البُوقي [2] الواسطيّ، العطّار، الفقيه الشّافعيّ.
كان عارفا بالمذهب والخلاف والفرائض [3] .
تفقّه على أَبِي عليّ الفارقيّ.
وسمع: أَبَا نُعَيْم الجماريّ، وأبا نُعَيْم بْن زبزب، وخميسا الحَوْزِي.
وببغداد: أَبَا بَكْر الْأَنْصَارِيّ، وغيره.
وبرع فِي المذهب، وناظر الفُقهاء. ثمّ استقدمه الوزير عون الدّين فحدّث ببغداد [4] .
وروى عَنْهُ: ابْن الأخضر، وأبو إِسْحَاق الكاشْغَري، وجماعة.
وتُوُفي فِي ذي القعدة بواسط، وَلَهُ 83 سنة [5] .
- حرف الياء-
28- يَحْيَى بْن سَعِيد بْن أَبِي الأسود.
__________
[ (-) ] (تلخيص مجمع الآداب) .
[1] انظر عن (هبة الله بن يحيى) في: التاريخ المظفري لابن أبي الدم الحموي (مخطوطة مكتبة البلدية بإسكندرية، رقم 1292 ب) ورقة 207، وتلخيص مجمع الآداب- ج 5/ رقم 565، والمختصر المحتاج إليه 3/ 228، 229 رقم 1301، وطبقات الشافعية الكبرى للسبكي 4/ 322، وطبقات الشافعية للإسنويّ 1/ 264، 265 رقم 243.
[2] في الأصل: «العوقي» ، والتصحيح من المصادر، وهي نسبة إلى قرية من أعمال أنطاكية.
وفي (اللباب) : وهو أيضا نسبة إلى عمل البوق.
[3] زاد الإسنوي: بارعا، مناظرا، غزير الفضل، حسن الأخلاق.
وكان له ولد يقال له: أبو علي الحسن، ولد سنة ثلاث وعشرين وخمسمائة، وتفقّه على أبيه، وبرع في المذهب وصارت الفتوى إليه ببلده، وسمع وحدّث.
قال ابن النجار: بلغني أنه توفي في سادس شعبان سنة ثمان وثمانين وخمسمائة.
[4] قال ابن الدبيثي: وحدّثنا عنه جماعة، وكان صحيح السماع، ثقة، ديّنا.
[5] وكان مولده سنة 488 هـ.

(40/92)


أَبُو عليّ الثّقفيّ، الأصبهانيّ.
حدّث ببغداد عَن: أَبِي عليّ الحدّاد، وطائفة.
وعنه: مُحَمَّد بْن مَشق، وأبو طَالِب بْن عَبْد السّميع.
مات في رجب.

(40/93)


سنة اثنتين وسبعين وخمسمائة
- حرف الألف-
29- أَحْمَد بْن عَبْد العزيز بْن الفضل بْن الخليع [1] .
الْأَنْصَارِيّ، النّاسخ، الأندلسيّ، الشُرِيُوني.
أخذ عَن: أَبِي مُحَمَّد البطليُوسي.
وأحكم العربيّة. وكان أديبا شاعرا، بديع الكتابة. نسخ الكثير، وقتل صبرا بإشبيليّة في حدود هذا العام [2] .
30- أحمد بن محمد بن هبة الله.
أبو منصور بن سركيل البغداديّ.
سمع: أبا الحسن بن العلّاف.
روى عنه: عبد العزيز بن الأخضر.
وتوفّي في جمادى الآخرة.
31- إبراهيم بن خلف بن الحبيب.
الفهريّ، الأندلسيّ. من ولد أمير الأندلس، عياض بن يوسف.
أخذ الصّحيحين عَن: ميمون بْن ياسين. وغلب عَلَيْهِ عِلم الأدب والفرائض.
__________
[1] انظر عن (أحمد بن عبد العزيز) في: تكملة الصلة لابن الأبّار 109 رقم 207، والوافي بالوفيات 7/ 68 رقم 3009.
[2] وقال ابن الأبّار: وتجوّل في بلاد الأندلس والعدوة، وكان أديبا شاعرا، أنيق الوراقة بديعها، معروفا بالإتقان والضبط، يتنافس فيما وجد بخطه من الدواوين، وكان مضعّفا ... مولده بشريّون قبل الخمسمائة. أكثر خبره عن محمد بن عياد.

(40/94)


روى عَنْهُ: أَبُو الخطّاب بْن واجب.
وعاش أربعا وثمانين سنة.
ذكره أَحْمَد بْن فَرْتُوت فِي «تاريخه» فقال: سمع «المُوَطأ» عام سبعةٍ وخمسمائة من القاضي أَبِي عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن حمدين. وكان من أهل الإتقان، مشارا إليه فِي العِلم والذّكاء.
32- إِسْمَاعِيل بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن يحيى بْن إِسْمَاعِيل [1] .
العثمانيّ الدّيباجيّ أَبُو الطاهر، أخو المحدّث أَبِي مُحَمَّد عَبْد اللَّه.
سمع بإفادة أخيه من جماعة.
أخذ عَنْهُ: الحافظ أَبُو الْحَسَن بْن الفضل وقال: مات فِي ذي القعدة بعد أخيه بتسعة عشر يوما بالإسكندرية.
- حرف الباء-
33- بشير الهنديّ.
مولى عَبْد الحقّ اليوسُفي.
سمع من: أَبِي سعد بْن خُشَيْش، وأبي القاسم بْن بيان.
وكان رجلا صالحا.
- حرف الحاء-
34- الحَجاج بْن يوسف الهواريّ.
قاضي الجماعة بمَراكُش، وخطيبها. يُكني أَبَا يوسف.
وهو من أهل أعمال بِجاية.
قال ابْن الأبّار: كان فصيحا مفوّها، بليغا، مدركا. نال دنيا عريضة.
ولمّا تُوُفي حضر دفُنه السّلطان.
35- الْحَسَن بْن سَعِيد بْن أحمد بن الحسن بن البنّاء.
__________
[1] انظر عن (إسماعيل بن عبد الرحمن) في: المقفّى الكبير 2/ 118 رقم 769.

(40/95)


أَبُو مُحَمَّد بْن أَبِي القاسم البغداديّ، الحربيّ، والد غياث.
سمع الكثير من: جَعْفَر السّرّاج، وأبي غالب الباقِلاني، وأبي سعد بْن خُشَيْش، وغيرهم.
روى عَنْهُ: ابْن الأخضر، وابن الحُصري، وغيره.
وهو من بيت الرواية.
تُوفي فِي رجب.
36- الْحَسَن بْن عَبْد اللَّه بْن هبة اللَّه ابْن المسلمة.
تاج الدّين أخو الوزير أَبِي الفَرَج.
سمع: أَبَا منصور بْن خيرون.
37- الْحَسَن بْن عَبْد الجبّار.
أَبُو مُحَمَّد بْن البردغوُلي.
روى عَن: أَحْمَد بْن الْحُسَيْن بْن قُريش.
38- الحَسَن بْن عليّ بْن نصر بْن مُحَمَّد بْن خميس.
القاضي أَبُو عليّ الكعبيّ، المَوُصلي، قاضي العسكر.
تُوُفي فِي أوّل سنة اثنتين وسبعين عَن ستٌ وستّين سنة.
كتب عَنْهُ: أَبُو المواهب بْن صَصْرَى.
- حرف الصاد-
39- صالح بْن المبارك بْن مُحَمَّد بْن عَبْد الواحد [1] .
__________
[1] انظر عن (صالح بن المبارك) في: المختصر المحتاج إليه 2/ 104 رقم 722، والعبر 4/ 214، والمشتبه في الرجال 1/ 219، وسير أعلام النبلاء 20/ 540، 541 رقم 342، والإعلام بوفيات الأعلام 236، والمعين في طبقات المحدّثين 174 رقم 1860، والقاموس المحيط (مادة: رخل) ، وتبصير المنتبه 2/ 597، والنجوم الزاهرة 6/ 80، وشذرات الذهب 4/ 241.

(40/96)


أبو محمد بن الدّخلة [1] البغداديّ، المقرئ، القزّاز، الكَرْخِي.
سمّعه أَبُوهُ من: أَبِي عَبْد اللَّه بْن طَلْحَةَ النِّعاليّ، وأبي الْحُسَيْن بْن الطُيُوري.
روى عَنْهُ: تميم بْن أَحْمَد البَنْدَنِيجي، ومحمد بْن مَشقْ، وأبو مُحَمَّد، وأبو إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بْن عَبْد الواحد المقدسيّ.
وتُوُفي فِي صفر.
- حرف الظاء-
40- ظَفَر بْن عُمَر [2] .
أَبُو أَحْمَد الخبّاز.
سمع من: شجاع الذُهلي، ومحمد بْن عبد الواحد القزّاز.
وحدّث.
وتوفّي فِي صَفَر أَيْضًا.
روى عَنْهُ: عَبْد الرَّحْمَن بْن محفوظ، والأعزّ بْن فضائل.
- حرف العين-
41- عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن خَلَف بْن سعادة [3] .
أَبُو مُحَمَّد الإصْبَحي، الدّانيّ.
سمع: أَبَا بَكْر بْن نمارة، وأبا الْحَسَن بْن سعد الخير.
ثم رَحَل فأكثر عَن السّلفيّ، وأبي الطّاهر بْن عون، وكتب عَنْهُ الكثير.
وسمع منه: جَعْفَر بْن أَبِي عَوْن الشّاطبيّ، وعبد اللَّه بْن مُحَمَّد.
وحدّث عَنْهُ: أَبُو القاسم عيسى بْن الوجيه عَبْد العزيز عيسى الشُريشي،
__________
[1] ضبطها الذهبي بكسر الراء وسكون الخاء المعجمة (المشتبه 1/ 219) .
[2] انظر عن (ظفر بن عمر) في: المختصر المحتاج إليه 2/ 123 رقم 746.
[3] انظر عن (عبد الله بن محمد بن خلف) في: تكملة الصلة لابن الأبّار، رقم 85، والذيل والتكملة لكتابي الموصول والصلة للمراكشي 4/ 227، 228 رقم 390.

(40/97)


وحَمَّلَهُ الرواية عَن قومٍ لم يَرَهمْ وَلَا أدركهم، وبعضهم لَا يُعرف. قاله أَبُو عَبْد اللَّه الأبّار فِي «تاريخه» [1] ، ثمّ قَالَ: وذلك من أوهام عيسى هذا واضطرابه فِي روايته.
قال: وقال أَبُو عَبْد اللَّه التُجيبي: كان ابْن سَعادة مُقْرِئًا، محدّثا، ورِعًا، فاضلا. أخبِرتُ أنّه غرق فِي البحر عند صدره.
قلت: تُوُفي فِي بغداد هذه السّنة فيما أرى، أو في الّتي قبلها، كهلا.
42- عَبْد اللَّه بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن يحيى بْن إِسْمَاعِيل [2] .
القاضي أَبُو مُحَمَّد العثمانيّ، الأمَوي، الدّيباجيّ، الإسكندرانيّ، المحدّث.
روى عَن: أَبِيهِ، وأبي القاسم بْن الفحّام الصّقلّيّ المقرئ، وأبي بَكْر مُحَمَّد بْن الوليد الطُرْطُوشي [3] ، وأبي [4] عَبْد اللَّه الرّازيّ، وأبي الفضل جمعة بْن إِسْمَاعِيل بْن خَلَف المقرئ، وعبد اللَّه بْن يحيى بْن حمّود، وطائفة.
وله فوائد فِي ثمانية أجزاء [5] رواها جَعْفَر الهَمَذَاني عَنْهُ.
وروى عنه: الحافظ أبو محمد عبد الغني، والحافظ عَبْد القادر الرُهَاوي، والحافظ عليّ بْن المفضل، وابن راجح، وآخرون.
__________
[1] تكملة الصلة.
[2] انظر عن (عبد الله بن عبد الرحمن) في: الروضتين ج 1 ق 2/ 695، والعبر 4/ 214، 215، وسير أعلام النبلاء 20/ 596- 598 رقم 374، والإعلام بوفيات الأعلام 236، والمعين في طبقات المحدّثين 174 رقم 1861، وذيل طبقات الحنابلة 1/ 335، ومرآة الجنان 3/ 397، 398 وفيه: «عبد اللَّه بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يحيى» ، ولسان الميزان 3/ 309، والمقفّى الكبير 4/ 417 رقم 1499، وتبصير المنتبه 1275، والنجوم الزاهرة 6/ 80، وحسن المحاضرة 1/ 375، وشذرات الذهب 5/ 241، 242، والمنتخب من مخطوطات الحديث (فهرس الظاهرية) للألباني 278.
[3] تحرّفت هذه النسبة في: لسان الميزان، وحسن المحاضرة إلى الطرسوسي.
[4] في الأصل: «أبو» .
[5] انظر المنتخب من مخطوطات الحديث 278.

(40/98)


وكان يُعرف بابن أَبِي اليابس [1] .
قال ابْن المفضّل: كان عنده فنون عِدة.
تُوُفي فِي شوّال، ومولده في سنة أربع وثمانين وأربعمائة.
قال حمّاد الحَراني: رَمَى السلَفي العثمانيّ بالكذب.
وقال حمّاد: ذكر لي جماعة من أعيان الإسكندريّة أنّ العثمانيّ كان صحيح السّماعات، وكان ثقة ثَبتا، صالحا، متعفّفا. وكان يُقرِئ النّحو واللُغة والحديث.
وسمعتُ جماعة يقولون إنّه كان يقول: كلّ من بيني وبينه شيء فهو فِي حلّ ما عدا السلَفي فبيني وبينه وقفةٌ بين يدي اللَّه تعالى.
أنشدنا أَبُو عليّ بْن الخَلال أنشدنا جَعْفَر، أنشدنا أَبُو مُحَمَّد العثمانيّ، أنشدني أَبُو الْحَسَن عليّ بْن محمد البغداديّ لنفسه:
ما أجهل الإنسان فِي فِعْله ... من جمع آثام وأوزار
يبخل بالمال على نفسه ... وهو بها يسخو على النارِ
[2] 43- عَبْد اللَّه بْن عطاف [3] .
__________
[1] في لسان الميزان «ابن أبي الياس» ، ومثله في: الروضتين.
[2] وقال الأبّار: أكثر أبو عبد الله التجيبي عن أبي الحجّاج الثغري، وقال: لم أر أفضل منه، ولم أر بالبلاد المشرقية أفضل من أَبِي مُحَمَّد العثماني وَلَا أزهد وَلَا أورع منه.
وقال المؤلّف- رحمه الله-: خرّج تلك الفوائد في سنة أربع عشرة وخمسمائة وحدّث بها في ذلك الوقت وهلمّ جرّا، وكان أبوه من علماء الثغر.
وقال أبو شامة: توفي بالإسكندرية القاضي الشريف أبو محمد عبد الله العثماني الديباجي من ولد الديباج مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّهِ بْن عَمْرو بْن عثمان بْن عفان رضي الله عنهم، ويعرف بابن أبي إلياس، من بيت القضاء والعلم. وكان واسع الباع في علم الحديث، كثير الرواية، قيّما بالأدب، متصرّفا في النظم والنثر، إلّا أنه مقلّ من النظم، أوحد عصره في علم الشروط، وقوله المقبول على كل العدول. ذكر ذلك العماد رحمه الله في الخريدة.
(الروضتين) .
[3] انظر عن (عبد الله بن عطاف) في: المقفّى الكبير 4/ 594 رقم 1543.

(40/99)


الأزديّ، الإسكندرانيّ.
ورّخه الحافظ ابْن المفضّل وَرَوَى عَنْهُ، وقال: تُوُفي فِي صفر. وكان ثقة متحرّيا.
سمع: أبا عبد الله الرازي، وأبا بكر الطرطوشي.
وكان لَا بأس به فِي الفقه.
44- عَبْد الصّمد بْن سعد بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد.
أَبُو مُحَمَّد النسوِي، ثمّ الدّمشقيّ، المعروف بالقاضي.
ولد سنة خمس وثمانين وأربعمائة.
وتُوفي فِي صَفَر بدمشق.
وسمع من: قِوام الدّين بْن زيد فِي سنة خمسٍ وتسعين.
روى عنه: الحافظ أبو المواهب بن صصرى، وأخوه أبو القاسم، وعبد الحقّ بْن خَلَف، والعزّ مُحَمَّد بْن أَحْمَد النّسّابة، وغيرهم.
45-[عليّ] [1] بْن عساكر بْن المُرَحَّب بْن العوَّام [2] .
أَبُو الْحَسَن البطَائحي، الضّرير، المقرئ، الأستاذ.
والبطائح: بين واسط والبصرة.
قدِم بغدادَ وحفظ بها القراءات، وقرأه بالروايات الكثيرة المشهورة
__________
[1] في الأصل بياض، والمستدرك من المنتظم.
[2] انظر عن (علي بن عساكر) في: المنتظم 10/ 267 رقم 359 (18/ 233 رقم 4314) ، والكامل في التاريخ 11/ 435 (571 هـ.) ، ومعجم الأدباء 14/ 61، 62، وإنباه الرواة 2/ 298، والمختصر المحتاج إليه 3/ 132، والعبر 4/ 215، ودول الإسلام 2/ 86، ومعرفة القراء الكبار 2/ 541 رقم 488، وسير أعلام النبلاء 20/ 548- 550 رقم 350، والإعلام بوفيات الأعلام 236، والمعين في طبقات المحدّثين 174 رقم 1862، والمشتبه في الرجال 2/ 582، وتلخيص ابن مكتوم 146، ونكت الهميان 214، 215، والبداية والنهاية 12/ 296، وذيل طبقات الحنابلة 1/ 335- 337، رقم 156، وغاية النهاية 1/ 556، والطبقات لابن قاضي شهبة 2/ 169، وتبصير المنتبه 4/ 1275، والنجوم الزاهرة 6/ 80، وبغية الوعاة 2/ 179 رقم 1739، وشذرات الذهب 4/ 242، والتاج المكلّل للقنوجي 208، ومعجم المؤلفين 6/ 150.

(40/100)


والشّاذّة على أَبِي العزّ القلانِسِي، وأبي عَبْد الله البارع، وأبي بكر المزرفيّ [1] ، وسِبْط الخيّاط.
وقرأ بالكوفة على: الشّريف عُمَر بْن إِبْرَاهِيم العَلَوي.
وسمع من: أَبِي طَالِب يوسف، وابن الحُصَيْن، وطائفة.
وروى الكثير وتصدّر للإقراء. وقرأ القراءات مدّة طويلة. وكان بارِعًا فِيهَا، جيّد المعرفة بالعربيّة، ثقة صحيح السّماع، أثنى عَلَيْهِ غير واحد.
وُلد سنة تسعين وأربعمائة أو قُبَيلها.
وروى عَنْهُ القراءات خلق كثير، آخِرهم وفاة عَبْد العزيز بْن دُلف.
وسمع منه الكبار.
وحدّث عَنْهُ الحافظ عَبْد الغنيّ، وأبو مُحَمَّد بْن قُدامة، والحافظ عَبْد القادر، والزّاهد أَبُو عُمَر المقدسيّ، والشّهاب بْن راجح، وأبو صالح الجيليّ، وعبد العزيز بْن يَاقا.
وآخر من رَوَى عَنْهُ وقرأ عَلَيْهِ القراءات العشر الإمام بها الدّين عليّ بن الجمّيزيّ [2] .
وتوفّي في الثّامن والعشرين من شعبان [3] .
__________
[1] تصحفت في معجم الأدباء 14/ 62 إلى «المرزقي» بالراء ثم زاي ثم قاف، وفي إنباه الرواة، وغاية النهاية إلى «المزرقي» بالقاف.
[2] في الأصل، «الحميري» ، والمثبت من معرفة القراء 2/ 541، وسير أعلام النبلاء 20/ 542 و 549 وتحرّفت في ذيل طبقات الحنابلة 1/ 336 إلى «الجمري» .
[3] وقال المؤلّف- رحمه الله-: وممّن قرأ عليه الوزير عون الدين بن هبيرة، وأكرمه ونوّه باسمه.
وقال ابن النجار: كان إماما كبيرا في معرفة القراءات، ووجوهها وعللها وطرقها وضبطها وتجويدها، وحسن الأداء والإتقان والصدق والثقة. وكانت له معرفة تامة بالنحو. وكان متديّنا، جميل السيرة، مرضيّ الطريقة.
وقال الشيخ موفّق الدين المقدسي عنه: كان مقرئ بغداد في وقته، وكان عالما بالعربية، إماما في السّنّة. -

(40/101)


46- ( ... ) [1] بْن مُحَمَّد بْن هبة اللَّه.
أَبُو مُحَمَّد البغداديّ، المعروف بابن المطّلب.
سمع: أَبَا الْحَسَن العلّاف، وأبا طَالِب اليُوسُفي.
سمع منه بِمَكَّةَ. الفرّاء، وغيرُه.
- حرف الميم-
47- مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن أَبِي الفَرَج بْن ماشاذة [2] .
أَبُو بَكْر الأصبهانيّ، السُكَّري، المقرئ.
مقرئ، مجوّد، عالِم بُطرُق القُراء، طويل العُمْر.
سمع: الحافظ سُلَيْمَان بْن إِبْرَاهِيم وتفرَّد عَنْهُ، والقاسم بْن الفضل الرئيس، ومكّيّ بن منصور السّلّار، وغيره.
__________
[ (-) ] وروى عنه بالإجازة: الخليفة الناصر العباسي، وقرأ عليه القرآن أيضا: الوزير ابن هبيرة وأكرمه ونوّه باسمه. وكان الوزير قد قرأ بالروايات على رجل يقال له: مسعود بن الحسين الحنبلي، وادّعى أنّه قرأ على ابن سوار، وأسند الوزير القراءات عنه عن ابن سوار في كتاب «الإفصاح» فحضر البطائحي دار الوزير وابن شافع يقرأ عليه. فلما انتهى إلى قوله:
وأما رواية عاصم فإنك قرأت بها على مسعود بن الحسين، قال: قرأت بها على ابن سوار. وكان البطائحي قاعدا في غمار الناس، لأنه لم يكن حينئذ معروفا، ولا له ما يتجمّل به، فقام وقال: هذا كذب. ورفع صوته، ثم خرج وبلغ الوزير الخبر، فطلبه وطلب مسعودا وحاققوه، فتبيّن كذبه. وأنه لم يدخل بغداد إلّا بعد موت ابن سوار بكثير، وأحضر البطائحي نسخة من المستنير بخط ابن سوار، فقوبل بخطها الخط الّذي مع مسعود، ويدّعي أنه خط ابن سوار، فبان الفرق بينهما.
وقال البطائحي: هو خط مزوّر بخط أبي رويح الكاتب. وكان خطّه شبيها بخط ابن سوار.
فأهان الوزير مسعودا ومنعه من الصلاة بالناس، وقال له: لولا أنك شيخ لنكّلت بك. ثم قرأ الوزير على البطائحي، وأسند عنه القراءات، وعلا قدره.
وذكر مضمون هذه الحكاية ابن النجار عن أحمد بن البندنيجي، وكان شاهدا للقصة، وصار للبطائحي بعد ذلك اتصال بالدولة، ويدخل بواطن دار الخلافة، وكان ضريرا يحفي شاربه.
[1] بياض في الأصل.
[2] انظر عن (محمد بن أحمد بن أبي الفرج) في: العبر 4/ 215، والمعين في طبقات المحدّثين 174 رقم 1863، وسير أعلام النبلاء 20/ 543، 544 رقم 345، والنجوم الزاهرة 6/ 79، وشذرات الذهب 4/ 243.

(40/102)


روى عَنْهُ: مُحَمَّد بْن مكّيّ الحنبليّ، والحافظ عَبْد القادر، وعبد الأعلى بْن مُحَمَّد بْن مُحَمَّد الرُسْتَمي، وإسحاق بْن المطهّر اليزديّ القاضي، وأحمد بْن إِبْرَاهِيم بْن سُفيان بْن مَنْدَهْ، وجامع بْن أَحْمَد الخبّاز الأصبهانيّون، وآخرون.
وبالإجازة كريمة القُرِشِية.
وتُوُفي فِي هذا العام وَلَهُ نيفٌ وتسعون سنة [1] .
48- مُحَمَّد بْن سَعِيد بْن مُحَمَّد بْن عُمَر [2] .
أَبُو سَعِيد [3] بْن الْإِمَام أَبِي منصور الرّزّاز، البغداديّ، المعدَّل.
سمع: أَبَا القاسم بْن بيان، وابن نَبْهان، وزاهر بْن طاهر، وابن الحُصَيْن.
وتفقّه على والده، وَلَهُ شِعْر حَسَن. وَلي نظر الحشريّة مدّة، فلم تُحمد سِيرتُه. قاله ابْن النّجّار.
روى عَنْهُ: أَبُو نصر عُمَر بْن مُحَمَّد الدينَوَرِي.
وتُوُفي فِي ذي الحجّة وله إحدى وسبعون سنة [4] .
__________
[1] وقال المؤلّف- رحمه الله- في: سير أعلام النبلاء: «وما علمت على من تلا» .
[2] انظر عن (محمد بن سعيد) في: المنتظم 10/ 268 رقم 360 (18/ 233 رقم 4315) ، والكامل في التاريخ 11/ 435 (571 هـ.) ، والوافي بالوفيات 3/ 10 رقم 1037.
[3] هكذا في الأصل والوافي بالوفيات. وفي: المنتظم، والكامل: «أبو سعد» .
[4] وقال ابن الجوزي: وكان ينظر في التركات ويقول شعرا مطبوعا، كتب إليه بعض الناس مكاتبة تتضمّن شعرا، فكتب في جوابها:
يا من أياديه يعيا من يعدّدها ... وليس يحصي مداها من لها يصف
عجزت عن شكر ما أدليت من كرم ... وصرت عبدا ولي في ذلك الشرف
أهديت منظوم شعر كلّه درر ... فكلّ ناظم عقد دونه يقف
إذا أتيت ببيت منه كان لنا ... قصرا ودرّ المعالي فوقه شرف
وإن أتيت أنا بيتا نناقضه ... أتيت لكن ببيت سقفه يكف
لا كنت منه ولا من أهله أبدا ... وإنّما حين أدنو منه أقتطف

(40/103)


49- مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن القاسم بن المظفر بن علي [1] .
قاضي القضاة، كمال الدّين، أَبُو الفضل بْن أَبِي مُحَمَّد بْن الشهرُزُوري [2] ، ثمّ المَوْصِلي، الفقيه الشّافعيّ، ويُعرفون قديما ببني الخُراساني.
وُلِد سنة إحدى وتسعين وأربعمائة [3] ، وتفقّه ببغداد على أسعد المَيْهَني.
وسمع الحديث من نور الهدى بْن أَبِي طَالِب الزّينبيّ.
وبالموصل من: أَبِي البركات بْن خميس، وجدّه لأمّه عليّ بْن أَحْمَد بْن طَوق.
ووُلي قضاء بلده.
وكان يتردّد إلى بغداد وخُراسان رسولا من أتابك زنكي. ثمّ قدِم الشامَ وافدا على نور الدّين، فبالغ فِي إكرامه، ونفّذه رسولا من حلب الدّيوان العزيز. وقد بنى بالمَوْصِل مدرسة، وبنى بمدينة النَّبِيّ صَلَّى الله عليه وسلم رباطا. ثمّ ولّاه
__________
[1] انظر عن (محمد بن عبد الله بن القاسم) في: المنتظم 10/ 268 رقم 361 (18/ 233، 234 رقم 4316) ، والكامل في التاريخ 11/ 441، وذيل تاريخ مدينة السلام بغداد لابن الدبيثي 2/ 11، 12 رقم 219، والمختصر المحتاج إليه 1/ 55، وتاريخ إربل 1/ 206، ومرآة الزمان 8/ 340- 342، وسنا البرق الشامي 1/ 222، والروضتين ج 1 ق 2/ 671- 673، وخريدة القصر (قسم الشام) 2/ 323- 327، ووفيات الأعيان 4/ 241، والعبر 4/ 215، 216، والإعلام بوفيات الأعلام 236، وسير أعلام النبلاء 21/ 57- 60 رقم 14، والمعين في طبقات المحدّثين 174 رقم 1864، وتاريخ ابن الوردي 2/ 87، والوافي بالوفيات 3/ 331، 332، رقم 1391، وذيل طبقات الحنابلة 1/ 337، ومرآة الجنان 3/ 398، وطبقات الشافعية الكبرى للسبكي 4/ 74، والبداية والنهاية 12/ 296، 297، وطبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 1/ 347، 348 رقم 313، وعقد الجمان (مخطوط) 12/ 209- 210 أ، والنجوم الزاهرة 6/ 80، وشذرات الذهب 4/ 242، وقضاة دمشق 47، 48، والأعلام 7/ 107.
[2] تحرّفت النسبة في مرآة الجنان إلى: «السهروردي» .
[3] في مرآة الزمان: 492 هـ.

(40/104)


السّلطان [1] نور الدّين قضاء دمشق، ونظر الأوقاف، ونظر أموال السّلطان، وغير ذلك. فاستناب ابنه القاضي أَبَا حامد بحلب، وابن أخيه أَبَا القاسم بحماه، وابن أخيه الآخر فِي قضاء حمص. وحدَّث بالشّام وبغداد.
قال القاسم بْن عساكر: ولّي قضاءَ دمشق سنة خمسٍ وخمسين، وكان يتكلّم فِي الأصول كلاما حَسَنًا. وكان أديبا، شاعرا، ظريفا، [فِكهَ المجلس] [2] ، وقف وُقُوفًا كثيرة، وكان خبيرا بالسّياسة وتدبير المُلْك. وقد أنبا بحضرة أَبِي قَالَ: أنبا ابْن خميس فذكر حديثا.
وقال ابْن خَلكان [3] : ولّي قضاء دمشق، وترقّى إلى درجة الوزارة، وحكم فِي البلاد الشّاميّة، واستناب ولده محيي الدّين فِي الحكم بحلب. وتمكّن فِي الأيّام النّوريّة تمكُنا بالغا. فلمّا تملّك صلاح الدّين أقرّه على ما كان عليه.
وله أوقاف كثيرة بالموصل، ونصيبين، ودمشق. عَظُمَت رئاسته، ونال ما لم ينله أحدُ من التقدُم.
وقال سبط ابْن الجوزيّ [4] : قدِم صلاح الدّين سنة سبعين فأخذ دمشق.
قال: وكان عسكر دمشق لمّا رَأوْا فِعْل العوامّ والتقاءهم لَهُ، ونثْره عليهم الدُراهم والذّهب، فدخلها ولم يُغْلَق فِي وجهه باب، وانكفأ العسكر إلى القلعة، ونزل هُوَ بدار العقيقيّ، وكانت لأبيه. وتمنّعت عَلَيْهِ القلعة أيّاما.
ومشى صلاح الدّين إلى دار القاضي كمال الدّين، فانزعج وخرج لتلقّيه، فدخل وجلس وباسَطَه وقال: طِبْ نفْسًا، وقُر عينا، فالأمر أمرك، والبلد بلدك.
فكان مَشْي صلاح الدّين إليه من أحسن ما وُرّخَ، وهو دليلٌ على تواضعه، وعلى جلالة كمال الدّين.
__________
[1] في الأصل: «للسلطان» .
[2] في الأصل بياض، والمستدرك من سير أعلام النبلاء 21/ 59.
[3] في وفيات الأعيان 4/ 241.
[4] في مرآة الزمان 8/ 341.

(40/105)


وقال أَبُو الفَرَج ابْن الجوزيّ [1] : كان أَبُو الفضل رئيس أهل بيته، بنى مدرسة بالموصل، ومدرسة بنصيبين. وولّاه نور الدّين القضاء، ثمّ استوزره، ورد بغداد رسولا، فذكر أنّه كتب قصّة إلى المقتفي، وكتب على رأسها مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه الرَّسُول، فكتب المقتفي: صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وقال سِبْط ابْن الجوزيّ [2] : لمّا جاء الشَّيْخ أَحْمَد بْن قُدَامة والد الشَّيْخ أَبِي عُمَر إلى دمشق خرج إليه أَبُو الفَرَج ومعه ألف دينار، فعرضها فلم يقبلها، فاشترى بها قرية الهامة [3] ، ووقفها على المَقَادِسة.
ولمّا تُوُفي رثاه بحلب ابنه محيي الدّين بقصيدته الّتي أوّلها:
ألِمُوا بسَفْحَيْ قاسِيُونَ وسلّموا ... على جدَث بادي السَّنَا وترحَّموا
وأدّوا إليه عَن لبيبٍ [4] تحيّة ... يكَلفكُم [5] إهداءَها القلبُ والفَمُ
تُوُفي فِي المحرّم يوم الخميس السّادس منه.
وقد رَوَى عَنْهُ: أَبُو المواهب بْن صَصرى، وأخوه أَبُو القاسم بْن صَصْرَى، وموفّق اللَّه بْن قُدَامَة، وبهاء الدّين عَبْد الرَّحْمَن، وشمس الدين عُمَر بْن المُنَجا، وأبو مُحَمَّد بْن الأخضر، وآخرون.
ومن شعره:
وجاءوا عِشاءً يهرعون وقد بدا ... بجسمي من داء الصَّبَابة ألْوانُ
فقالوا وكلّ معظم بعض ما رَأَى ... أصابَتْكَ عين. قلت: إنّ وأجفان
[6]
__________
[1] في المنتظم.
[2] في مرآة الزمان 8/ 341.
[3] الهامة: قرية مشهورة بغوطة دمشق.
[4] في سير أعلام النبلاء 21/ 60 «كئيب» .
[5] في سير أعلام النبلاء «مكلفّكم» .
[6] ومن شعره:
ولقد أتيتك والنجوم رواصد ... والفجر وهم في ضمير المشرق
وركبت للأهوال كلّ عظيمة ... شوقا إليك لعلّنا أن نلتقي-

(40/106)


50- محمد بن عبد الباقي بن أحمد بن عليّ بْن النّرسيّ [1] .
أَبُو الفتح الأزجيّ، الضّرير.
من بيت حديث وعدالة.
سمع: أَبَاهُ، وأبا القاسم بْن بيان، وغيرهما.
روى عَنْهُ: أَبُو مُحَمَّد بْن الأخضر، وأبو مُحَمَّد بْن قُدَامة، وجماعة.
وتُوُفي فِي ربيع الأوّل. ورّخه الدّبيثيّ.
وقال ابْن مَشق: تُوُفي فِي ذي الحجّة، والأوّل أصحّ وهو الَّذِي نقله ابْن النّجّار.
51- مُحَمَّد بْن عليّ بْن مُحَمَّد بْن مهنَّد [2] .
أبو عبد الله بن السّقّاء، الحريميّ، المقرئ.
شيخ صالح ملقّن، لقّن خلْقًا. وكان يستقي الماء إلى بيوت النّاس ويتعفّف به.
روى عَن: أَبِي القاسم بْن بيان، وغيره.
تُوفي فِي صَفَر.
روى عَنْهُ: عَبْد اللَّه بْن أَحْمَد الخباز، وغيره.
52- مُحَمَّد بْن غالب [3] .
__________
[ (-) ] وله:
يا ربّ لا تحييني إلى زمن ... أكون فيه كلّا على أحد
خذ بيدي قبل أن أقول لمن ... ألقاه عند القيام خذ بيدي
(الوافي بالوفيات) وفيه أبيات أخرى.
[1] انظر عن (محمد بن عبد الباقي) في: ذيل تاريخ مدينة السلام بغداد 2/ 73، 74 رقم 282، والمختصر المحتاج إليه 1/ 78، والمشتبه في الرجال 2/ 636- 638.
[2] انظر عن (محمد بن علي) في: ذيل تاريخ مدينة السلام بغداد 2/ 121، 122 رقم 346، والمختصر المحتاج إليه 1/ 91.
[3] انظر عن (محمد بن غالب) في: بغية الملتمس للضبيّ 119- 121 رقم 251، وتكملة الصلة لابن الأبّار ج 1، ووفيات الأعيان 2/ 10، والوافي بالوفيات 4/ 309- 312 رقم 1852.

(40/107)


أَبُو عَبْد اللَّه الأندلسيّ، الرّصافيّ، رصافة بَلَنْسِية، الرّفّاء. نزيل مالقة.
كان يعيش من صناعة الرّفو بيده.
قال الأبّار [1] : كان شاعر زمانه. سكن غَرْناطَة مدّة، وامتدح أميرها.
وشِعْره مدوّن يتنافس فِيهِ النّاس. كان ينظم البديع، ويُبدع المنظوم. ولم يتزوّج وكان متعفّفا.
روى عَنْهُ من نَظْمه: أَبُو عليّ بْن كسرى المالقيّ، وأبو الْحُسَيْن بْن جُبَيْر.
تُوفي فِي رَمَضَان بمالقة [2] .
__________
[1] في تكملة الصلة.
[2] وأنشد أبو عبد الله محمد بن باز قال: أنشدني أبو عبد الله الرصافيّ لنفسه من قطعة يصف فيها حائكا وسيما:
غزيّل لم تزل في الغزل جائلة ... بنانه جولان الفكر في الغزل
جذلان تلعب بالمحوك أنمله ... على السّدى لعب الأيام بالأمل
ما إن يني تعب الأطراف مشتغلا ... أفديه من تعب الأطراف مشتغل
جذبا بكفّيه، أو فحصا بأخمصه ... تخبّط الظّبي في أشراك مختبل
وله في وسيم صغير:
أميلد، ميّاس إذا قاده الصبا ... إلى ملح الإدلال أيده السّحر
بيّل مآقي زهريته بريقه ويحكي ... البكا عمدا كما ابتسم الزهر
أيوهم أنّ الدمع بلّ جفونه ... وهل عصرت يوما من النرجس الخمر
وله في جميل نائم قد تحبّب العرق على خدّه:
ومهفهف كالغصن إلّا أنه ... سلب التثنّي النوم عن إثنائه
أضحى ينام وقد تحبّب خدّه ... عرقا فقلت: الورد رشّ بمائه
وله من قصيدة طويلة أولها:
أيّها الآمل خيمات النقا ... خف على قلبك تلك الحدقا
إنّ سربا حشى الخيم به ... ربّما غرّك حتى ترمقا
لا تثرها فتنة من ربرب ... ترعد الأسد لديهم برقا
وأنج منها لحظة سهميّة ... طال ما قلت رداي علقا
وإذا قيل: نجا الركب، فقل ... كيف ما سالم تلك الطرقا
يا رماة الحيّ موهوب لكم ... ما سفكتم من دمي يوم النقا
ما تعمّدتم ولكن سبب ... قرب الحين وأمر سبقا-

(40/108)


53- مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن عَبدِكان [1] .
أَبُو المحاسن البغداديّ، المقرئ.
قرأ القرآن على: أَبِي الخير المبارك الغسّال، وأبي سعد مُحَمَّد بْن عبد الجبّار الحريميّ.
قرأ عَلَيْهِ: عَبْد الوهّاب بْن برغش.
وله مصنّف فِي الأصول سمّاه «نور المحجّة» [2] على طريقة الأشعريّ.
ويُعْرَف بابن الضجَة [3] .
54- مُحَمَّد بْن محمود بْن مُحَمَّد.
أَبُو طَالِب بْن الشّيرازيّ، البغداديّ، المعروف بابن العلويّة.
سمع: أَبَا غالب مُحَمَّد بْن الحَسَن الباقِلاني.
روى عَنْهُ: ابْن الأخضر، والحافظ عَبْد القادر، وجماعة.
وولي قضاء بعض البلاد، وأقام بواسط مدّة، وبها تُوفي فِي ذي الحجّة.
55- مُحَمَّد بْن المحسّن بْن الْحُسَيْن بْن أَبِي المضاء [4] .
الخطيب شمس الدّين أَبُو عَبْد اللَّه البَعْلَبَكي، ثمّ المصريّ.
نشأ بمصر وقرأ بها الأدب.
__________
[ (-) ] وانظر أبياتا أخرى في: الوافي بالوفيات.
[1] انظر عن (محمد بن محمد بن عبدكان) في: الوافي بالوفيات 1/ 166، 167 رقم 99، وهدية العارفين 2/ 98، والأعلام 7/ 251، ومعجم المؤلفين 11/ 242.
[2] في الوافي: «نور الحجّة وإيضاح المحجّة» .
[3] قال ابن النجار: سألت عنه ابن أبي الفنون النحويّ فأثنى عليه ووصفه بالعلم والفضل.
[4] انظر عن (محمد بن المحسّن) في: المختصر المحتاج إليه 1/ 142، وسنا البرق الشامي 1/ 225، 226، والروضتين ج 1 ق 2/ 492 و 616، و 662 و 675، 676، والوافي بالوفيات 4/ 389، 390، رقم 1946، والبداية والنهاية 12/ 297، واتعاظ الحنفا 3/ 327، وعقد الجمان (مخطوط) 12/ 209 ب، وموسوعة علماء المسلمين في تاريخ لبنان الإسلامي ق 2 ج 4/ 126، 127 رقم 1134.
ويرد: «محمد بن الحسين» .

(40/109)


وسمع بدمشق من: الحافظ ابن عساكر، وغيره.
ورحل إلى بغداد وسمع بها وقرأ الفقه. وعاد إلى مصر، واتّصل بالسّلطان صلاح الدّين.
وهو أوّل من خطب بمصر لبني العبّاس. ثمّ نفّذه السّلطان رسولا إلى الدّيوان.
وسمع ببغداد من: أبي زرعة، وابن البطّيّ.
ومات بدمشق ولم يكمل أربعين سنة.
56- المبارك بن عبد الجبّار بن محمد [1] .
أبو عبد الله البردغوليّ.
روى عَن: أَحْمَد بْن عليّ بْن قريش.
روى عَنْهُ: ابنه عَبْد السّلام، وغيره.
وتُوفي فِي جُمادَى الأولى [2] .
57- المبارك بْن مُحَمَّد بْن المبارك.
أَبُو جَعْفَر البصْري، المواقيتيّ، الكتّانيّ الشّافعيّ، المعدّل.
ولد سنة تسعين وأربعمائة.
وسمع من: أَبِي طاهر مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم العَبْدي، والغَطريف بْن عَبْد اللَّه السّعيدانيّ، وجابر بْن مُحَمَّد بْن جَابِر، وعدّة.
وحدَّث ببغداد.
وروى عَنْهُ: عُمَر بْن مُحَمَّد بْن جَابِر الصّوفيّ، ومحمد بْن أَبِي غالب الباقدرائيّ، وطائفة.
وسمع من السّلفيّ بالبصرة.
__________
[1] انظر عن (المبارك بن عبد الجبار) في: المختصر المحتاج إليه 3/ 170، 171 رقم 1133.
[2] وكانت ولادته سنة نيّف وتسعين وأربعمائة.

(40/110)


قال ابْن النّجّار: مات بالبصرة بعد السّبعين وخمسمائة.
58- محمود بْن مُحَمَّد بْن عَبْد الواحد بْن ماشاذة.
الأصبهانيّ الصُوفي، نزيل بغداد، وشيخ رباط الأقفاصيّين.
زاهد عابد عارف.
سمع من: زاهر الشّحّاميّ، وأبي غالب بْن البنّاء، وأبي بَكْر المَزْرَفي.
وله مصنّفات فِي الحقائق.
سمع منه: عُمَر بْن عليّ القُرَشي، ومحمد بْن بنا الضّرير.
تُوُفي فِي ربيع الآخر، كذا ترجمه ابْن النّجّار.
59- مسعود بْن عَبْد اللَّه بْن عُبَيد اللَّه.
أَبُو عَبْد اللَّه البغداديّ الواعظ.
روى بدمشق عَن: أَبِي الوقت.
وعنه: أَبُو القاسم بْن صَصْرَى.
مات فِي رَمَضَان.
60- مُسْلِم بْن ثابت بْن زَيْدِ بْن القاسم [1] .
أَبُو عَبْد اللَّه بْن النّخّاس، الوكيل، البغداديّ.
ويُعرف بابن جُوالِق والد عَبْد اللَّه. فقيه إمام حنبليّ.
تفقّه على: أَبِي بَكْر الدينَوَرِي.
وتوكّل لبعض الأمراء، وعَلَت سِنه.
وحدَّث بالكثير عَن: أَبِي بَكْر بْن سَوْسَن، وأبي القاسم بْن بيان، وابن نَبهان، وأبيّ النرْسي، وجماعة.
ووُلِد سنة أربع وتسعين وأربعمائة.
__________
[1] انظر عن (مسلم بن ثابت) في: المنتظم 10/ 268، 269 رقم 363 (18/ 234 رقم 4318) ، والمختصر المحتاج إليه 3/ 202 رقم 1234، وذيل طبقات الحنابلة 1/ 237 رقم 157، وشذرات الذهب 4/ 243.

(40/111)


روى عَنْهُ: أَبُو مُحَمَّد بْن قُدَامة، ونصر بن عبد الرّزّاق الجيليّ، وأبو البقاء إِسْمَاعِيل بْن مُحَمَّد بْن يحيى الهَمَذَاني، والحسين بْن مَسْعُود البيّع، وعثمان بْن أبي نصر بن الوتّار، وآخرون.
توفّي في ذي الحجّة.
وقد سمع منه أَبُو المحاسن عُمَر بْن عليّ القُرَشي، والقُدَماء [1] .
- حرف النون-
61- نصر بْن سيّار بْن صاعد بْن سيّار [2] .
شرف الدّين، أَبُو الفتح الكِناني، الهَرَوِي، القاضي الحنفيّ، الفقيه.
من بيت القضاء والحشْمة والرواية. وكان خبيرا بالمذهب، عالي الإسناد، معمّرا.
سمع الكثير من: جَدّه القاضي أَبِي العلاء صاعد بْن سَيَّار بْن يحيى بْن مُحَمَّد بْن إدريس، والقاضي أَبِي عامر محمود بْن القاسم الْأَزْدِيّ، وأبي عطاء عَبْد الأعلى بْن أَبِي عُمَر المَلِيحي، والزّاهد محمد بن علي العُمَيْريّ، ونجيب بن ميمون الواسطيّ، وأبي نصر أَحْمَد بْن أَبِي المعروف بأميرْجَة سك، وغيرهم.
وأجاز لَهُ شَيْخ الْإِسْلَام أَبُو إِسْمَاعِيل الْأَنْصَارِيّ، وأبو القاسم أَحْمَد بْن محمد الخليليّ.
__________
[1] ذكره ابن القطيعي وقال: سمع منه جماعة من الطلبة، وكتبت عنه. وكان صحيح السماع.
[2] انظر عن (نصر بن سيّار) في: التحبير 2/ 343- 345 رقم 1056، ومعجم شيوخ ابن السمعاني (مخطوط) ورقة 274 ب، 275 أ، والتقييد لابن نقطة 465، 466 رقم 626، وتاريخ إربل 1/ 132، ودول الإسلام 2/ 86، والعبر 4/ 216، وسير أعلام النبلاء 20/ 545، 546 رقم 347، والإعلام بوفيات الأعلام 236، والمعين في طبقات المحدّثين 174 رقم 1866، والجواهر المضيّة 2/ 195، والنجوم الزاهرة 6/ 80، وشذرات الذهب 4/ 242.

(40/112)


قال ابن السّمعانيّ [1] : كان فقيها، مناظرا، فاضلا، متديّنا، حَسَن السّيرة، مطبوع الحركات، تاركا للتكلّف، سليم الجانب.
ولِد فِي شوّال سنة خمسٍ وسبعين وأربعمائة.
قلت: رَوَى عَنْهُ هُوَ، وابنه أَبُو المظفّر عَبْد الرحيم، وأبو القاسم زنكي بْن أبي الوفاء، ومودود بْن محمود الشّقّانيّ، والحافظ عَبْد القادر الرّهاويّ، والمفتي ضياء الدّين أَبُو بَكْر بْن عليّ المامنجيّ، الْمَصْرِيّ، وآخرون.
وبالإجازة القاضي شمس الدّين ابْن الشّيرازيّ.
قال السّمعانيّ فِي «تحبيره» [2] : سمعت منه «جامع التِّرْمِذِي» ، وسمعت منه كِتَاب «الزُهد» لسعيد بْن منصور، بروايته عَن جَدّه.
وقال ابْن نُقْطة [3] إنّه حدّث بكتاب «الجامع» للتّرمذيّ، عَن أبي عامر الْأَزْدِيّ. وسمع «صحيح الإسماعيليّ» ، من جَدّه. وكان سماعه صحيحا.
وبلغني أنّه تُوفي يوم الثّلاثاء عاشر المحرّم.
قلت: عاش سبْعًا وتسعين سنة. وكان رَحِمَهُ اللَّهُ أسندَ من بقي بخُراسان.
- حرف الهاء-
62- هبة اللَّه بْن عَليّ بْن مُحَمَّد بْن زَنْبَقَة.
أَبُو القاسم الصَّفَّار.
شيخ بغداديّ.
سمع: شجاعا الذُهلي، وأبا عليّ بْن المهديّ.
روى عَنْهُ: عَبْد الوهّاب بن أزهر.
__________
[1] في التحبير 2/ 344.
[2] ج 2/ 344.
[3] في التقييد 466.

(40/113)


قَالَ ابْن القَطِيعي: مات فِي شوّال.
63- هبة اللَّه بْن يحيى بْن مُحَمَّد بْن هبة اللَّه [1] .
أَبُو مُحَمَّد البغداديّ، الوكيل بباب القُضاة.
سمع: أَبَا الْحَسَن العَلاف.
روى عَنْهُ: أَبُو الفتوح بن الحصري.
تُوُفّي في ربيع الآخر.
- حرف الياء-
64- يَحْيَى بْن أَحْمَد [2] .
أَبُو شجاع بْن البرّاج، الوكيل بباب القُضاة. ثمّ زكّي، وشَهِد وتقدّم.
روى عَن: أَبِي القاسم بْن الحُصَيْن، وغيره.
كتب عنه: عمر القرشيّ، وغيره.
65- يحيى بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن إِبْرَاهِيم.
أَبُو زكريّا بْن الخطّاب الرّازيّ، ثمّ الإسكندرانيّ.
سمع من والده وتوفّي في هذه السّنة.
وحَدَّث.
ضعّفه ابْن المفضّل وقال: لَا أروي عَنْهُ.
وفِيهَا وُلِد الشَّيْخ الفقيه حونين فِي رجب، والصَّفِي إِسْمَاعِيل بْن إِبْرَاهِيم بْن الدرجيّ بدمشق، والكمال عليّ بْن شجاع الضّرير بمصر في شعبان، والشّيخ أوحد الدّين عمر الدّوينيّ.
__________
[1] انظر عن (هبة الله بن يحيى) في: المختصر المحتاج إليه 3/ 229 رقم 1302.
[2] انظر عن (يحيى بن أحمد) في: المختصر المحتاج إليه 3/ 237 رقم 1332.

(40/114)


سنة ثلاث وسبعين وخمسمائة
- حرف الألف-
66- أَحْمَد بْن أَحْمَد بْن عَبْد العزيز بْن أَبِي يَعْلى [1] .
أَبُو جَعْفر ابْن القاصّ الشّيرازيّ، ثمّ البَغدادِي، القَطُفْطي [2] المُقْرِئ، الزاهِد. صَاحب رِياضَة وتعبُّد ونُسُك وعِرْفان وتَصَوف.
قَرَأ القراءات على أَحْمَد بْن عليّ بْن بدران [3] الحلْواني، وأبي الخير المبارك الغسّال، وأبي بَكْر مُحَمَّد بْن بركات بْن سلامة الدّارميّ الآمديّ.
وسمع: أَبَا مُحَمَّد بْن الأبُنوسي، وأبا القاسم بْن بيان، وجماعة.
وحدَّث وأقرأ النّاس.
أخذ عَنْهُ جماعة وأثنوا عَلَيْهِ.
وتوفّي في صَفَر وله سبع وسبعون سنة [4] .
روى عَنْهُ: أَبُو المواهب بْن صَصْرَى، وأبو بَكْر بْن مَشقْ، وآخرون، وأبو القاسم بْن صَصْرَى، وأحمد بْن أَحْمَد البَنْدَنِيجي.
وقرأ عَلَيْهِ بالرّوايات عَبْد العزيز بن دلف، وجماعة [5] .
__________
[1] انظر عن (أحمد بن أحمد) في: المختصر المحتاج إليه 1/ 170، 171، ومعرفة القراء الكبار 2/ 550 رقم 499، وغاية النهاية 1/ 38، والوافي بالوفيات 6/ 226 رقم 2695.
[2] في الأصل: «القطفي» والمثبت من (معرفة القراء الكبار) .
[3] تصحّف «بدران» في (الوافي بالوفيات) إلى «بردان» .
[4] وكان مولده سنة 496 هـ.
[5] وقال ابن النجار: كان أحد عباد الله الصالحين منقطعا إلى الطاعة، مشتغلا بالزهد والعبادة، لازما لمسجده لا يخرج منه إلّا إلى صلاة الجمعة منقطعا أو جنازة، وكان-

(40/115)


67- أَحْمَد بْن حامد بْن الفُرات بْن أَحْمَد بْن مَهْدِي.
أَبُو الْعَبَّاس الربعِي، الضمرِي، البزّاز.
سمع ابْن الخطّاب الرّازيّ بثغر الإسكندريّة.
روى عَنْهُ: ابْن صَصْرَى فِي مشيخته، وفِيهَا أنّه ولد بقرية ضمير سنة ستّ وثمانين أربعمائة.
وله شِعْرٌ حَسَن.
مات فِي جُمادى الآخرة سنة ثلاثٍ هذه.
68- أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن المبارك بْن أَحْمَد بْن بكْرُوس [1] .
أَبُو الْعَبَّاس البغداديّ، الحنبليّ، الفقيه، الزّاهد.
وُلِد سنة إحدى وخمسمائة.
وسمع من: أَبِي سعد بْن الطُيُوري، وأبي طَالِب الزّينبيّ.
وتفقّه على: أَبِي بَكْر الدّينَوري، وأبي خازم بْن القاضي أَبِي يَعْلَى.
وأنشأ لَهُ نَصْر بْن العطّار التّاجر مدرسة ودرَّس بها.
وأقرأ الفقه وتخرَّج به جماعة.
وكان زاهدا عابدا، خيّرا، متنبّلا، كبير القَدْر.
قرأ أَيْضًا القراءات على أَبِي عَبْد اللَّه البارع، وأبي بكر المزرفيّ [2] .
__________
[ (-) ] معتكفا على إقراء الناس القرآن والفقه والحديث، وكان غزير الدمعة عند الذكر، ظاهر الخشوع، وله قدم في التصوّف ومعرفة بأحوال أهل الطريقة، وله مصنّفات في ذلك. وكان يحضر السماع ويقول به على طريقة المتصوّفة والناس يقصدون زيارته ويطلبون بركته.
[1] انظر عن (أحمد بن محمد بن المبارك) في: المنتظم 10/ 276 رقم 364 (18/ 243 رقم 4319) ، والمختصر المحتاج إليه 1/ 206، ومرآة الزمان 8/ 344، وتاريخ إربل 1/ 98، وذيل طبقات الحنابلة 1/ 338، رقم 158، والوافي بالوفيات 8/ 113، 114 رقم 3528، وشذرات الذهب 4/ 244، 245.
[2] في الأصل، وأصل الوافي بالوفيات: «المرزفي» بتقديم الراء. والتحرير من: المنتظم، والمختصر، والذيل.
و «المزرفي» : بفتح الميم وسكون الزاي وفتح الراء، وفي آخرها الفاء، هذه النسبة إلى-

(40/116)


روى عَنْهُ: موفّق الدّين المقدسيّ وقال: كان من أصحاب أَحْمَد، وَلَهُ مسجد ومدرسة. يتكلّم فِي مسائل الخلاف ويدرس. وكان يتزهَّد وما علمت منه إلَّا الخير.
قال ابْن مَشقْ: تُوُفي فِي خامس صَفَر.
وروى عَنْهُ أَيْضًا عَبْد العزيز بْن باقا، ومحمد بْن أَحْمَد بْن شافع [1] .
69- أرسلان [2] بْن طُغْرل [3] بْن مُحَمَّد بن ملك شاه.
السَّلْجُوقي السّلطان.
تُوُفي فِي هذا العام.
وكان القائم بدولته زوج أمّه شمس الدّين إلدكز، وابنه البهلوان.
وكان أرسلان سلطانا مستضْعَفًا، لَهُ السّكّة والخطْبة. ولمّا مات خُطِب
__________
[ (-) ] المزرفة، وهي قرية كبيرة بغربي بغداد على خمسة فراسخ منها. (الأنساب 11/ 275) .
[1] وقال سبط ابن الجوزي: زوّجه جدّي ستّ العلماء أكبر بناته.
ومن نظمه:
أحبابنا لا سلمت من الردى ... يمين من يخون في اليمين
بكيت دمعا ودما لبينهم ... وقرحت من أدمعي جفوني
مذ رحلوا أحباب قلبي سحرا ... فالشوق والتذكار أودعوني
فيا غراب بينهم لا سترت ... فراخك الأوراق في الغصون
فكيف أشكو والوفاء مذهبي ... أم كيف أنسى والوداد ديني
قالوا وقد ودّعتهم وأدمعي ... تجري وخوف البين يعتريني
الصبر أحرى فاصطبر إن لعبت ... أيدي النوى بقلبك المحزون
وقال ابن رجب: وقرأت بخط ناصح الدين بن الحنبلي: كان فقيها زاهدا، عابدا مفتيا.
وسمعته يتكلّم في حلقة شيخنا ابن المنّي، وعليه من نور العبادة وهدي الصالحين ما يشهد له.
[2] انظر عن (أرسلان بن طغرل) في: الكامل في التاريخ 11/ 358، والدرّ المطلوب 61 (في وفيات سنة 572 هـ.) ، والعبر 4/ 217، ودول الإسلام 2/ 87، وتاريخ ابن الوردي 2/ 88، والبداية والنهاية 12/ 398، والنجوم الزاهرة 6/ 74 (في وفيات سنة 570 هـ.) ، والوافي بالوفيات 8/ 324 رقم 3776، وشذرات الذهب 4/ 244.
[3] في (العبر) : «طغربل» .

(40/117)


بعده لولده طَغْرل الَّذِي قتله خُوارَزْم شاه، كما يأتي إن شاء اللَّه تعالى.
- حرف الحاء-
70- الحسن بن أحمد بن محمد بن أَحْمَد.
أَبُو عليّ بْن الخُوَيْري، العبّاسيّ.
سمع: إسماعيل بْن السَّمَرْقَنْدِي، وطائفة.
وقرأ بالرّوايات على الشهْرزُوري، وأقرأ القراءات والعربيّة بواسط.
وكان يعلم الموسيقى، فِيهِ دِين وتعبُّد.
أرّخه ابْن النّجّار.
- حرف الدال-
71-[دَاوُد] [1] بْن مُحَمَّد بْن الْحَسَن بْن خَالِد [2] .
القاضي أَبُو سليمان الخالديّ، الإربليّ، ثمّ الحَصْكفي، الفقيه الشّافعيّ.
وُلِد سنة ثلاثٍ وتسعين وأربعمائة بالموصل. وتفقّه ببغداد.
وسمع: أَبَا القاسم بْن بيان ببغداد، وأبا منصور مُحَمَّد بْن عليّ بْن محمود الكُراعي بمرْو.
وقدِم دمشقَ رسولا فحدَّث بها، ثمّ سكن الموصل وحدَّث بها بأشياء منها «صحيح الْبُخَارِيّ» ، لكنّه أسقط من إسناده إلى الْبُخَارِيّ رجلا، واستمرّ الوهم عليهم وعليه.
__________
[1] في الأصل بياض، والمثبت من: تاريخ إربل 1/ 265- 267 رقم 162، وطبقات الشافعية للإسنويّ 1/ 119، وانظر الوافي بالوفيات 13/ 494 رقم 589.
[2] يقال: ابن أبي خالد الإربلي. قال ابن المستوفي: كذا وجدت نسبه بخطّه- رحمه الله- سوى الإربلي فإنّي وجدته باستجازة لأبي الفتوح عبد الله بن شيخنا أبي المظفر المبارك بن طاهر. وذكر صورتها وفيها سماعه في مجالس عدّة آخرها شهر ربيع الأول من سنة 523 هـ.، وأسماء الكتب التي سمعها: صحيح مسلم، في سنة 518 هـ.، وبمرو سنة 519 هـ.، وموطّأ مالك في سنة 520 هـ. بمصر، وكتاب الشهاب ببغداد سنة 509 هـ.، وكتاب المقامات للحريري ببغداد سنة 509 هـ.، وطريق آخر البخاري سنة 572 هـ.

(40/118)


روى عَنْهُ: أَبُو القاسم بْن صَصْرَى، والقاضي أَبُو نَصْر بْن الشّيرازيّ.
وأجاز البَهَاء عَبْد الرَّحْمَن.
وتُوُفي بالموصل يوم النحْر، وقد ولي قضاء كيفا مُدَّة.
72-[دَاوُد] [1] بْن يزيد.
أَبُو سُلَيْمَان السّعديّ، الغَرْناطي.
بقيّة النَّحْويين بالأندلس.
أخذ عَن: أَبِي الْحَسَن بْن الباذش، وكان من أكبر تلامذته.
وسمع من: أَبِي مُحَمَّد بْن عَتّاب، وأبي بحر بْن العاص، وابن مغيث، وغيرهم.
وكان لَهُ مشاركة فِي عِلم الحديث. أخذ القراءات عَنْهُ، ومن رواته: أَبُو بَكْر بْن أَبِي زَمَنين، وأبو الْحَسَن بْن خروف، وأبو القاسم الملاحي [2] .
وتوفّي عَن خمسٍ وثمانين سنة.
- حرف الصاد-
73- صَدَقَة بن الحسين بن الحسن بن بختيار [3] .
__________
[1] في الأصل بياض، والمستدرك من: بغية الوعاة 1/ 563، 564 رقم 1180، والوافي بالوفيات 13/ 499 رقم 598.
[2] وكان يقرئ العربية والأدب واللغة، ويستفتح مجلسه بأمّ القرآن تبرّكا، ويسمع الحديث في رمضان بدلا من كتب الأشعار، وكان غزير الدمعة، كثير الخشية عند قراءة القرآن والحديث، وكان يأكل الشعير، ولم يأكل لحما من الفتنة الأولى لأجل المغانم والمكاسب. انتقل من غرناطة إلى باغة من أجل السلطان دعاه لإقراء بنيه، فقال: والله لا أهنت العلم، ولا مشيت به إلى الديار، ثم انتقل إلى قرطبة، وكان يسأل الله تعالى الموت بها. فمات بها سنة ثلاث وسبعين وخمسمائة، ومولده بعد الثمانين وأربعمائة بيسير.
[3] انظر عن (صدقة بن الحسين) في: المنتظم 10/ 276- 278 رقم 365، (18/ 243، 244 رقم 4320) ، والكامل في التاريخ 11/ 449، ومرآة الزمان 8/ 344، والمختصر في أخبار البشر 3/ 61، ووفيات الأعيان 6/ 253، وسير أعلام النبلاء 21/ 66، 67 رقم 23، وميزان الاعتدال 2/ 310، والمغني في الضعفاء 1/ 307، والمختصر المحتاج إليه 2/ 109، وذيل الروضتين 12، والوافي بالوفيات 16/ 292- 294 رقم 323، والإعلام-

(40/119)


أَبُو الفَرَج بْن الحدّاد البغداديّ، الفقيه، الحنبليّ، النّاسخ.
تفقّه على: أَبِي الوفاء بْن عَقِيل، وأبي الْحَسَن بْن الزّاغونيّ، وسمع منهما.
ومن: أَبِي عثمان بْن مَلَّة، وأبي طَالِب اليُوسُفي.
وكان قيّما بالفرائض والحساب، ويفهم الكلام. وأقرأ النّاس، وتخرَّج به جماعة.
وكان مليح الخطّ، نسخ الكثير، وكان ذلك معاشه. وكان يؤمّ بمسجدٍ وهو يقيم فِيهِ [1] .
قال أَبُو الفَرَج بْن الجوزيّ [2] : ناظَرَ وأفْتى إلَّا أنّه كان يظهر فِي فَلَتَات لسانه ما يدلّ على سوء عقيدته. وكان لَا ينضبط، فكلّ من يجالسه يعثر منه على ذلك [3] . وكان تارة يميل إلى مذهب الفلاسفة، وتارة يعترض على القَدَر.
دخلتُ عَلَيْهِ يوما وعليه جرب فقال: ينبغي أن يكون هذا على جَمَل لَا عليّ.
__________
[ (-) ] بوفيات الأعلام 236، وتاريخ ابن الوردي 2/ 88 وفيه: «الذيل ذيّل تاريخ ابن الزعفرانيّ» ، وذيل طبقات الحنابلة 1/ 339- 343 رقم 159، والبداية والنهاية 12/ 298، 299، ولسان الميزان 3/ 184، وتاريخ ابن سباط 1/ 151، وشذرات الذهب 4/ 245، وكشف الظنون 290، ومعجم المؤلفين 5/ 18، وصيد الخاطر 239.
[1] وقال ابن رجب: وبرع في الفقه، فروعه وأصوله، وقرأ علم الجدل والكلام، والمنطق والفلسفة والحساب، ومتعلقاته من الفرائض وغيرها. وكتب خطا صحيحا. وقال الشعر المليح، وأفتى وناظر، وانقطع بمسجده بالبدرية شرقي بغداد، يؤمّ الناس فيه: وينسخ ويفتي، ويتردّد إليه الطلبة يقرءون عليه فنون العلم، وبقي على ذلك نحوا من سبعين سنة حتى توفي.
قال ابن النجار: وله مصنّفات حسنة في أصول الدين. وقد جمع تاريخا على السنين، بدأ فيه من وقت وفاة شيخه ابن الزاغوني سنة سبع وعشرين وخمسمائة، مذيّلا به على تاريخ شيخه، ولم يزل يكتب فيه إلى قريب من وقت وفاته، يذكر فيه الحوادث والوفيات، وقد نسخ بخطه كثيرا للناس من سائر الفنون. وكان قوته من أجرة نسخه، ولم يطلب من أحد شيئا ولا سكن مدرسة، ولم يزل قليل الحظ، منكسر الأغراض، متنغّص العيش، مقتّرا عليه أكثر عمره.
[2] في المنتظم.
[3] في المنتظم زيادة: «وكان يخبط الاعتقاد وتارة يرمز إلى إنكار بعث الأجسام» .

(40/120)


وقال لي يوما: أَنَا لَا أخاصم إلَّا من فوق الفَلَك.
وقال لي القاضي أَبُو يَعْلَى: مُذْ كتب صَدَقَةُ «الشّفاء» لابن سينا تغيّر.
وحدّثني عليّ بْن الْحَسَن [1] المقرئ فقال: دخلت عَلَيْهِ فقال: وَاللَّه ما أدري من أَيْنَ جاءوا بنا، وَلَا إلى أيّ مُطْبَق [2] يريدون أن يحملونا.
وحدّثني الظّهير [ابْن] [3] الحنفيّ قَالَ: دخلت عَلَيْهِ فقال: إنّي لأفرح بتعثيري. قُلْت: ولِمَ؟ قَالَ: لأنّ الصّانع يقصدني.
وكان طول عُمره ينسخ بالأجرة، وفي آخر عمره تفقّده بكيس، فقيل لَهُ، قَالَ: أَنَا كنت أنسخ طول عُمري فلا أقدر على دجاجة. فانظر كيف بعث لي الحلواء والدّجاج فِي وقتٍ لَا أقدر أن آكله.
وهو كقول ابْن الراونْدي: وكنت أتأمّل عَلَيْهِ إذا قام للصّلاة، وأكون إلى جانبه، فلا أرى شَفَتَيه تتحرّك أصلا.
ومن شعره:
لا توطّنها فليست بمُقامِ ... واجْتَنِبْها فهي دارُ الانتقام
أتُراها صَنْعة من صانع ... أمْ تُرَاها رَمْيةً من غير رامِ [4]
فلمّا كثُر عُثُوري على هذا منه هَجَرْتُه، ولم أصَل عَلَيْهِ حين مات.
وكان يُعرف منه فواحش. وكان يطلب من غير حاجة. وخلّف ثلاثمائة دينار [5] .
وحكي عنه أنّه رئي له منامات نحسة، نسأل الله العفو.
__________
[1] المنتظم: «علي بن عساكر» .
[2] في المنتظم: «أي مضيق» .
[3] إضافة من المنتظم.
[4] المنتظم، الوافي 16/ 294.
[5] وقال ابن القطيعي: كان بينه وبين ابن الجوزي مباينة شديدة، وكل واحد يقول في صاحبه مقالة الله أعلم بها، (ذيل طبقات الحنابلة 1/ 340) .

(40/121)


تُوُفي فِي ربيع الآخر فِي عَشْر الثّمانين [1] .
- حرف العين-
74- عَبْد الباقي بْن أَبِي العزّ بْن عَبْد الباقي ابْن الكوّار [2] .
البغداديّ الصُّوفي، ويعرف بابن القوّالة.
روى عَن: أَبِي الْحُسَيْن بْن الطُيُوري.
روى عَنْهُ: عُمَر بْن بكْرُون، وابن الأخضر.
__________
[1] وقال ابن النجار: كان الوزير ابن رئيس الرؤساء سأل عن مسألة في الحكمة فقيل له: إنّ صدقة الناسخ له في ذاك يد، فأنفذها إليه، فكتب فيها جوابا شافيا استحسنه الوزير، وسأل عن حاله فأخبر بفقره، فأجرى له ما يقوته. وعلمت الجهة بنفشا بحاله، فصارت تتفقّده في بعض الأوقات بما يكون بين يديها من الأطعمة الفاخرة والحلوى، فيعجز عن أكله، فيعطيه لمن يبيعه له، وكان ربّما شكا حاله لمن يأنس به، فيشفّع عليه من له فيه غرض ويقول: هو يعترض على الأقدار، وينسبه إلى أشياء الله عالم بحقيقتها.
ومن شعره:
لو قنع الإنسان من حظّه ... بمثل ما يقنع من عقله
لزال جلّ الغمّ عن نفسه ... وكلّ ما يهتمّ من أجله
لكنّه يرضى بغير الرضى ... من علمه والخلق من جهله
ويستقلّ الحظّ مع وفره ... ويحمد المذموم من فعله
وفي انعكاس الأمر لو رامه ... راحته والفوز في مثله
ومن شعره:
وا حسرتا من وجود ما تقدّمنا ... فيه اختيار ولا علم فيقتبس
ونحن في ظلمات ما بها قمر ... يضيء فيها ولا شمس ولا قبس
مدلّهين حيارى قد تكنّفنا ... جهل تجهّمنا في وجهه عبس
فالفعل فيه بلا ريب ولا عمل ... والقول فيه كلام كلّه هوس
ومنه:
نظرت بعين القلب ما صنع الدهر ... فألفيته غرّا وليس له خبر
فنحن سدى فيه بغير سياسة ... نروح ونغدو قد تكنّفنا الشرّ
فلا من يحلّ الزيج وهو منجّم ... ولا من عليه ينزل الوحي والذكر
يحلّ لنا ما نحن فيه فنهتدي ... وهل يهتدي قوم أضلّهم السّكر
عمى في عمى في ظلمة فوق ظلمة ... تراكمها من دونه يعجز الصبر
[2] انظر عن (عبد الباقي بن أبي العزّ) في: المختصر المحتاج إليه 2/ 85 رقم 911، وتلخيص مجمع الآداب ج 4 ق 1/ 979- 985.

(40/122)


وتُوُفي فِي ربيع الآخر.
75- عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبِي القاسم أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن مَخْلَد بْن عَبْد الرَّحْمَن [1] .
[روى عَن] [2] : أَبِي القاسم بْن النّحّاس، وأبي مُحَمَّد بْن عتّاب، وغيرهم.
قال الأبّار: وكان فقيها مشاوَرًا. ولي القضاء، وكان عريقا فِي العلم والنّباهة.
سمع منه: ابنه أَبُو الوليد يزيد، وحفيده شيخنا أبو القاسم أحمد بن يزيد. وتوفّي عَن ثمانٍ وسبعين سنة.
76- عَبْد العزيز بْن أَحْمَد بْن غالب [3] .
أَبُو الأصْبَغ بْن مؤمّل البلنسيّ، الزّاهد، المقرئ.
قال الأبّار: أخذ القراءات عَن ابْن هُذَيْل، وكان مقدَّمًا فِيهَا، عارفا بالتّعليل، مجوّدا، فَرْدًا فِي الاجتهاد، صَوامًا قَوامًا، صاحب ليل. ولم يتزوّج قطّ.
تُوُفي فِي حدود سنة ثلاث.
77- عَبْد الكريم بْن عسكر.
أَبُو مُحَمَّد المخزوميّ، الخالديّ، الهَمَذَاني الأصل.
ولِد بمصر، وسكن الإسكندريّة. وكان يُعرف بالنّجّار.
سمع من: أَبِي صادق مرشد، وأبي عَبْد اللَّه الرّازيّ.
قال الحافظ ابن المفضّل: سألته عَنْ مولده فقال: فِي رجب سنة سبع وتسعين.
__________
[1] انظر عن (عبد الرحمن بن أبي القاسم) في: تكملة الصلة لابن الأبّار.
[2] ما بين الحاصرتين إضافة على الأصل يقتضيها السياق.
[3] انظر عن (عبد العزيز بن أحمد) في: في تكملة الصلة لابن الأبّار.

(40/123)


سمعنا منه كِتَاب «الأثمان» لابن أَبِي شيبة، والحادي والعشرين من حديث الذُهلي. وكان شيخا صالحا. قَالَ لي: نَسَبي عندي بخطّ أَبِي إلى خَالِد بْن الوليد رضي اللَّه عنه.
وتُوُفي فِي تاسع عشر ذي الحجّة.
قلت: رَوَى عَنْهُ. جَعْفَر الهَمَذَاني، وعبد الوهّاب بْن روّاج، وجماعة.
78- ( ... ) [1] بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَسْعُود بْن عَيشون.
أَبُو مروان المَعَافِري، البَلَنْسِي.
روى عن: أَبِي الوليد بْن الدّبّاغ.
وحجّ فلقي: أبا عليّ بن العوجا، وأبا عَبْد اللَّه المازريّ، وأبا طاهر بْن سِلَفَة.
روى عَنْهُ: أَبُو عَبْد اللَّه بْن نوح الغافقيّ.
قال الأبّار: وكان نهاية فِي الصَّلاح والبِر والخير، متواضعا. لم يتزوّج، وكان ذا ثروة، واقتنى كثيرا من الكتب.
وتُوُفي سنة ثلاثٍ أو 74.
79- عتيق بْن عَبْد العزيز [2] بْن عليّ بْن صيلا [3] .
أَبُو بَكْر الحربيّ، الخبّاز، والد عَبْد الرَّحْمَن، وعبد العزيز.
سمع: عَبْد الواحد بْن علوان الشَّيْبَانيّ، وأحمد بْن عَبْد القادر بْن يوسف، وغيرهما.
روى عَنْهُ: أَبُو مُحَمَّد بْن الأخضر، وعبد الرّزّاق الْجِيلي، وأحمد بْن أَحْمَد البَنْدَنِيجي، والبهاء عَبْد الرَّحْمَن، والأنجب بْن مُحَمَّد بْن صيلا الحمّاميّ، وأبو القاسم بن أبي الحسين المالحانيّ، وآخرون.
__________
[1] في الأصل بياض.
[2] انظر عن (عتيق بن عبد العزيز) في: المختصر المحتاج إليه 3/ 153 رقم 1086، والتاريخ المجدّد لمدينة السلام لابن النجار، (مصوّرة المجمع العلمي العراقي عن نسخة الظاهرية) ورقة 120، وذيل تاريخ بغداد، له 2/ 187، 188 رقم 408.
[3] هكذا في الأصل. وفي المختصر المحتاج إليه «أصيلا» .

(40/124)


ولد سنة ثمان وثمانين وأربعمائة. ومات فِي ربيع الآخر وَلَهُ خمسٌ وثمانون سنة [1] .
80- عليّ بْن الْحُسَيْن بْن عليّ [2] .
أَبُو الْحَسَن اللُوَاتي الفاسيّ.
روى عَن: أَبِي جَعْفَر بْن باقي، وأبي الْحُسَيْن بْن الأخضر الإشبيليّ أخذ عنه النّحو واللّغة.
وسمع: أبا عبد الله بن شبرين.
وأجاز له أبو عبد الله الخولانيّ، وأبو عليّ الصّدفيّ.
وحدّث «بالموطأ» عن الخولانيّ، لقيه سنة إحدى وخمسمائة، وأجاز له وروى عن جماعة آخرين.
قال الأبّار: كان فقيها، مشاوَرًا، فاضلا، متقِنًا. أخذ عنه يعيش بْن النّديم، وأبو عَبْد اللَّه بْن الحقّ التّلمسانيّ، وأبو الخطّاب بن الجميّل، يعني ابْن دِحْية.
ووُلِد سنة تسعٍ وتسعين وأربعمائة.
81- عليّ بْن عَبْد اللَّه بْن حمُّود [3] .
أَبُو الْحَسَن المِكناسي، الفاسي، وأصله من مِكْناسة الزّيتون، حجّ سنة اثنتي عشرة.
وأخذ عَن أَبِي بكر الطّرطوشيّ «سنن أبي داود» ، و «صحيح مسلم» ، أخذ عن طرخان، و «جامع» أبي عيسى، عن ابن المبارك.
__________
[1] وقال ابن الدبيثي: ذكره أبو سعد ابن السمعاني في موضعين من كتابه فيمن اسمه «محمد» ، وفيمن اسمه «المبارك» فوهم فيهما، بل اسمه عتيق، هكذا ذكره الذين سمعوا عنه.
[2] انظر عن (علي بن الحسين) في: تكملة الصلة لابن الأبّار.
[3] انظر عن (علي بن عبد الله) في: تكملة الصلة لابن الأبّار.

(40/125)


ودخل الأندلس مرابِطًا. ثمّ حجّ ثانيا وجاور، وأقام بالحَرَم.
قال ابْن الأبّار: وكان زاهدا، ورعا، محسنا إلى الغرباء.
تُوُفي بِمَكَّةَ عن سبْعٍ وسبعين سنة.
- حرف الفاء-
82- فاطمة بِنْت نصر بْن العطّار البغداديّة [1] .
أخت صاحب المخزن. امْرَأَة محتشمة، زاهدة، عابدة، كبيرة القدر.
سمعها أرباب الدّولة لأجل أخيها، وخلْق كثير.
وقال أخوها إنّها ما خرجت من البيت فِي عُمرها إلَّا ثلاث مرّات رضي اللَّه عَنْهَا.
83- (....) [2] بْن حَيْدَرة.
أَبُو المجد البَجلي، الكاتب.
تُوُفي بدمشق فِي جُمادى الأولى.
يروي عَن: الْحَسَن بْن صَصْرَى.
روى عَنْهُ: الحافظ أَبُو المواهب وقال: وُلِد سنة خمس وثمانين وأربعمائة. ويُعرف بابن الرُّمَيْلي.
وروى عَنْهُ أَيْضًا أَبُو القاسم بن صصريّ.
- حرف الكاف-
84- كمشتكين [3] .
__________
[1] انظر عن (فاطمة بنت نصر) في: المنتظم 10/ 279 رقم 366 (18/ 245 رقم 4321) ، والبداية والنهاية 12/ 299.
[2] في الأصل بياض.
[3] انظر عن (كمشتكين) في: سنا البرق الشامي 1/ 264- 266، والنوادر السلطانية 43، والكامل في التاريخ 11/ 415- 419، والروضتين ج 1 ق 2/ 661- 663 و 705، ومفرّج الكروب 2/ 63، والتاريخ الباهر 178، ومرآة الزمان 8/ 343، والتاريخ المظفّري لابن

(40/126)


نائب حلب للملك الصّالح إِسْمَاعِيل بْن نور الدّين، ولَقَبُه: سعد الدّين.
وهو مدبّر دولة الصّالح.
وكان الرئيس أَبُو صالح ابْن العجميّ كالوزير فِي دولة إِسْمَاعِيل فقُتل، فاتّهموا به سعد الدّين، وحسَّنوا للصّالح القبض عَلَيْهِ، فقبض عَلَيْهِ وَقُتِلَ تحت العذاب فِي هذه السّنة. لأنْ رفقاءه الخدّام حَسدوا مرتبته، ومالوا إلى أَبِي صالح، فصارت الأمور كلّها إلى أَبِي صالح، فجهَّز كُمُشْتِكِين عَلَيْهِ جماعة من الباطنيّة، فقتلوه يوم جمعة.
- حرف الميم-
85- مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن عَبْد الجبّار [1] .
الفقيه، أَبُو المظفّر الحنفيّ، المعروف بالمُشَطب السمَنَاني [2] .
تفقّه بمَرْو على أَبِي الفضل الكرْماني، وأفتى، وناظرَ، ودرّس.
وكان مولده في سنة اثنتين وتسعين وأربعمائة، وجال فِي بلاد المشرق، ثمّ استوطن بغداد، ودرّس المذهب بمدرسة زيرك.
وحدّث عَن: أَبِي المعالي جَعْفَر بْن حيدر، والحسين بْن مُحَمَّد بْن فَرُخَان.
وعنه: عُمَر القُرَشي.
وتُوُفي فِي حادي عشر جُمادى الأولى، وشيَّعه قاضي القُضاة، والنّاس.
86- مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن هِبة اللَّه بْن محمد.
__________
[ (-) ] أبي الدم (مخطوط) ورقة 88 ب، وتاريخ ابن الوردي 2/ 89، والوافي بالوفيات (مخطوط) 24/ 172 ب، وعقد الجمان (مخطوط) 12/ ورقة 211 أ، ب.
[1] انظر عن (محمد بن أحمد بن عبد الجبّار) في: المنتظم 10/ 279 رقم 367 (18/ 246 رقم 4322) ، والكامل في التاريخ 11/ 449، والجواهر المضيّة 2/ 14، والوافي بالوفيات 2/ 106، 107 رقم 430.
[2] السّمناني: بكسر السين المهملة، وفتح الميم والنون. نسبة إلى بلدة من بلاد قومس بين الدامغان وخوار الري يقال لها: سمنان. (الأنساب 7/ 148) .

(40/127)


أَبُو عَبْد اللَّه بْن أَبِي منصور الدِّيناري.
ذكر أنّه من ولد ذي الرّئاستين.
روى عن: أبي القاسم بن بيان، وأبي النرْسي.
سمع منه: عُمَر بْن عليّ القُرَشي، وعمر بْن مُحَمَّد العُلَيمي، وعبد العزيز بْن الأخضر. وتُوُفي فِي آخر العام، وقيل: تُوُفي فِي شوّال سنة 75.
87- مُحَمَّد بن أسعد حَفَدة العطّاريّ [1] .
درّس، وأفتى، وناظر، وأخذ عَن: الغزاليّ.
وقد ذُكِر فِي سنة إحدى وسبعين.
وذكره فِي سنة ثلاثٍ أَبُو الفَرَج بْن الجوزيّ، وابن الدّبيثيّ وقال: رَوَى عَن أَبِي الفتْيان عُمَر الدهِسْتاني. ثنا عَنْهُ: عَبْد الوهّاب بْن سكينة، وابن الأخضر.
وطوّل فيه ابْن النّجّار.
88- مُحَمَّد بْن بدر بْن عَبْد اللَّه.
أَبُو الرّضا الشّيحيّ.
كان أَبُوهُ يروي عَن أَبِي بَكْر الخطيب.
سمع: أَبَاهُ، وأبا الحسن بن العلاف، وأبا القاسم بن بيان.
روى عنه: أحمد بن أحمد البندنيجيّ، وابن الأخضر.
وآخر من روى عنه يحيى بن القميرة.
توفّي في ربيع الأوّل.
89- محمد بن بنيمان بن يوسف [2] .
الهمذانيّ.
توفّي في آخر السّنة عن تسعين سنة.
__________
[1] تقدّم في وفيات 571 هـ. برقم (17) .
[2] انظر عن (محمد بن بنيمان) في: التحبير 2/ 101، 102 رقم 712، ومعجم شيوخ ابن السمعاني (مخطوط) ورقة 207 أ، وسير أعلام النبلاء 20/ 598، 599 رقم 375.

(40/128)


وكان مُسْنِد همذان فِي وقته.
يحوّل إلى هنا. نعم.
هُوَ أَبُو الفضل المؤدّب الأديب.
سمع: مُحَمَّد بْن جامع القطّان الجوهريّ، شَيْخ هَمَذَانيّ.
وقد رَوَى عَن ابنه جامع بْن محمد، والرّيحانيّ.
وتوفّي سنة إحدى وسبعين.
وسمع من: مكّيّ بْن منصور السّلّار الكُرْجي، ومن: سعد بْن عليّ العِجْلي مفتي همذان، ومن: عَبْد الرَّحْمَن بْن حمد الدّونيّ، وغيرهم.
روى: «سنن» النّسائيّ، و «عمل يوم وليلة» لابن السُني، عَن الدّونيّ.
قال السَّمْعاني [1] : هُوَ أَبُو الفضل المؤدّب المؤذّن الأشْناني [2] . وهو سِبْط أَحْمَد بْن نصر الحافظ الأعمش. شَيْخ أديب فاضل، جميل الطّريقة، لَهُ سَمْتٌ، ووقار، وصلاح، وتودُد، مكثر من الحديث.
سمع من: جَدّه، وعَبْدُوس بْن عَبْد اللَّه بن عبدوس، والحسن بْن ياسين، وجماعة كبيرة بإفادة جدّه.
وقرأ الأدب على أَبِي المظفّر الأبِيورَدي.
سمعت من لفظه كِتَاب «سُنَن التَحدْيث» لصالح بْن أَحْمَد الهَمَذَانيّ، وجزء الذُهلي.
قلت: حدَّث عَنْهُ: يوسف بْن أَحْمَد الشّيرازيّ فِي «الأربعين البُلْدانية» لَهُ، وأبو المواهب بْن صَصْرَى، ومحمد بْن مُحَمَّد الكرابيسيّ الهَمَذَانيّ، وصالح بْن المعزّم، وأحمد بْن آدم الكرابيسيّ، وآخرون.
وكان أسند من بقي ببلده. وكان شيخا صالحا، أديبا، فاضلا، انفرد بالرواية عن جماعة.
__________
[1] في التحبير 2/ 101.
[2] الأشناني: نسبة إلى الأشنان الّذي تغسّل به الثياب، وإلى بيعة وشرائه. (الأنساب 1/ 272) .

(40/129)


قال أَبُو المواهب: سَأَلْتُهُ عَن مولده فقال: سنة اثنتين وثمانين وأربعمائة.
وتُوُفي فِي آخر سنة ثلاثٍ وسبعين بهَمَذَان.
90- محمود [1] بن تكش [2] .
الأمير شهاب الدين الحارمي، خال صلاح الدّين.
أعطاه السّلطان حماه عند ما تملّكها، فبقي بها هذه المدّة، ومرض فحاصرته الفرنج حصارا شديدا، ولولا لُطْف اللَّه لأخذت الفرنج حماه.
ولمّا ترحّلوا تُوُفي شهاب الدّين.
تُوُفي قبله بثلاثة أيّام ولدُهُ، وكان شابّا مليحا، من أحسن أهل زمانه.
91- مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن هبة اللَّه بْن المظفّر ابْن رئيس الرؤساء أَبِي القاسم عليّ ابْن المسلمة [3] .
أَبُو الفَرَج، وزير العراق [4] .
__________
[1] في الأصل: «محمد» والتصويب من: البرق الشامي 3/ 53، وسنا البرق الشامي 1/ 268، 269، والروضتين ج 1 ق 2/ 707، ومفرّج الكروب 2/ 70، ومرآة الزمان 8/ 343، والبداية والنهاية 12/ 298 و 299، والسلوك ج 1 ق 1/ 66، وعقد الجمان (مخطوط) 12/ 211 أ.
وسيعاد برقم (183) في وفيات 575 هـ.
[2] تصحفت في البداية والنهاية 12/ 299 إلى: «تتش» .
[3] انظر عن (مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن هبة اللَّه) في: المنتظم 10/ 280 رقم 369 (18/ 246، 247 رقم 4324) ، والكامل في التاريخ 11/ 446، 447، وذيل تاريخ مدينة السلام بغداد 2/ 12- 18 رقم 220، وتاريخ إربل 1/ 212، والروضتين ج 1 ق 2/ 714، 715، وتلخيص مجمع الآداب ج 4/ رقم 644، ومرآة الزمان 8/ 346- 349، والبرق الشامي 3/ 89، 90، وسنا البرق الشامي 1/ 284- 286، والفخري 319- 321، والمختصر في أخبار البشر 3/ 61، والعبر 4/ 217، والإعلام بوفيات الأعلام 236، ومرآة الجنان 3/ 398، والبداية والنهاية 12/ 298، والوافي بالوفيات 3/ 235، وعقد الجمان (مخطوط) 12/ ورقة 23 أ، ب، والنجوم الزاهرة 6/ 81، وشذرات الذهب 4/ 245.
[4] قال ابن الطقطقي بعد أن ذكر لقبه «عضد الدين» : كان عضد الدين من أفاضل الناس وأعيانهم وكان أستاذ الدار في أيام المستنجد، فلما جرى للمستنجد ما جرى استولى عضد الدين ونهض في إخراج المستضيء من الحبس ومبايعته وإحلافه، فاستوزره المستضيء، -

(40/130)


__________
[ (-) ] ونهض عضد الدين بأعباء الوزارة نهوضا مرضيا، وفرّق في يوم جلوسه في دست الوزارة ذهبا كثيرا وحنطة على المقيمين بالمشاهد والجوامع والمدارس والرّبط، وتلطّف بالأمور تلطّفا لم يكن في حساب الناس. وبيته مشهور بالرياسة يعرفون قديما ببيت الرفيل، وكان ابن التعاويذي الشاعر البغدادي شاعرهم ومنقطعا إليهم وأنفق جلّ عمره معهم، ولهم يخاطب بقوله:
قضيت شطر العمر في مدحكم ... ظنا بكم أنكم أهله
وعدت أفنيه هجاء لكم ... فضاع فيكم عمري كلّه
وله فيهم مدائح كثيرة، فمن جملتها:
وما زلت في آل الرّفيل بمعزل ... عن الجور مبذولا لي الأمن والخصب
فإن أقترف ذنبا بمدح سواهم ... فإنّ خماص الطير يقنصها الحبّ
وإن عاد لي عطف الوزير محمد ... فقد أكثب النائي ولان لي الصّعب
وزير إذا اعتلّ الزمان فرأيه ... هناء به تطلى خلائقه الجرب
وما زال أمر عضد الدين يجري على السداد حتى عزله المستضيء وقبض عليه.
وصورة عزله: كان يوما جالسا في الدست فهجم عليه خادم من خدم الخليفة فقال له: قد استغني عنك! ثم أطبق دواته ودخل الأتراك والجند إلى دوره فنهبوا ما بها، ودخل العوامّ أيضا وكسرت الصناديق الآبنوس والعاج بالدبابيس وأخذ جميع ما كان بها. فخرج عضد الدين وهو يتشاهد ويقول للأتراك: أما تستحيون مني! أما دخلتم داري! أما أكلتم زادي! فلم ينفعه ذلك. فلم يمض إلّا ساعة واحدة حتى صارت داره بلاقع، ثم حمل إلى الحريم ووكل به هناك مدة، ثم أعاده المستضيء إلى الوزارة وحكّمه وبسطه، فصفت له الدنيا وعظم شأنه وكثرت خيراته وهباته وأحبّه الناس. وكان سخيّا وهوبا شريف النفس. قيل:
إنه ما اشترى لداره قطّ سكّرا بأقلّ من ألف دينار.
حدّث عنه بعض مماليكه قال: احتاج مرة إلى ألف دينار فأنفت نفسه أن يقترضها من أولاده أو من غيرهم، وكان يأنس بي، فقال لي: يا ولدي قد احتجت إلى ألف دينار أعيدها عليك بعد أيام. فقلت: السمع والطاعة يا مولاي. ثم مضيت وأحضرت له خمسة آلاف دينار. وقلت: يا مولاي، هذه والله، اكتسبتها منك، فخذ منها ما شئت. فأطرق ساعة، ثم قال: والله لا أخذت منها حبّة واحدة، خذها وانصرف، ثم أنشد:
والصاحب المتبوع يقبح أن يرى ... متتبّعا ما في يدي أتباعه
ولم يزل أمره في الوزارة الثانية جاريا على السداد حتى كان آخر مدّته، فطلب من الخليفة الإذن له في الحج، فأذن له، فتجهّز تجهّزا لم ير مثله. ثم عبر إلى الجانب الغربي من مدينة السلام ليتوجّه إلى الحلّة والكوفة ومنها إلى مكة، وبين يديه جميع أرباب الدولة، فلقيه رجل عند محلّة هناك تعرف بقطفتا، فقال: يا مولانا مظلوم مظلوم وناوله قصّة، فتناولها الوزير منه، فوثب عليه وثبة عالية وضربه بسكّين في ترقوته، ووثب عليه آخر من-

(40/131)


سمع من: ابْن الحُصَين، وعُبيد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن البَيْهَقي، وزاهِر الشّحّاميّ.
روى عَنْهُ: حافده دَاوُد بْن عليّ.
وكان أوّلا أستاذ دار المقتفي، والمستنجد، ووَزَرَ للمستضيء. وكان فِيهِ مروءة وإكرام للعُلَماء.
وُلِد سنة أربع عشرة وخمسمائة، وكان يُلَقب عَضُدَ الدّين.
وكان سَرِيًا، مَهيبًا، جوادا.
قال الموفّق عَبْد اللّطيف: كان إذا وزن الذّهب يرمي تحت الحُصْر قُرَاضة كثيرة قدْر خمسة دنانير، فأخذتُ منها يوما، فَنَهَرني أَبِي وقال: هذه يرميها الوزير برسم الفرّاشين.
وكان يسير فِي داره، فلا يرى واحدا منّا معشر الصّبيان إلَّا وضع فِي يده دينارا، وكذا كان يفعل ولداه كمال الدّين، وعماد الدّين، إلَّا أنّ دينارهما أخفّ. وكان والدي ملازِمه على قراءة القرآن والحديث.
استوزره الْإِمَام المستضيء أوّل ما ولي، واستفحل أمره. وكان المستضيء كريما رءوفا، واسع المعروف، هيّنا، ليّنا. وكانت زوجته بنفسه كثيرة الصّدقات والمروءة.
وكان الوزير ذا انصباب إلى أهل العِلم والصُوفية، يُسبغ عليهم النّعمة، ويشتغل هُوَ وأولاده بالحديث والفقه والأدب. وكان النّاس معهم فِي بلهنيّة،
__________
[ (-) ] الجانب الآخر فضربه في خاصرته، ووثب آخر وبيده سكّين مسلولة فلم يصل إليه، وتكاثر الناس على الثلاثة فقتلوهم، ثمّ مات الوزير وصلّي عليه ودفن في تربتهم.
وقيل: إنّ الثلاثة الذين قتلوه كانوا من الباطنية من جبل السّمّاق.
وحكى بعض أهل قطفتا قال: دخلت قبل قتل الوزير بساعتين إلى مسجد هناك فرأيت به ثلاثة رجال، وقد قدّموا واحدا منهم إلى المحراب وأقاموه، ثم صلّى الرجلان الآخران عليه صلاة الميت، ثم قام ونام آخر وصلّى الآخران عليه، حتى صلّى كل واحد منهم على الآخر، وأنا أراهم وهم لا يروني. فعجبت مما فعلوا. ثم لما قتل الوزير وقتل الثلاثة تأمّلت وجوههم فإذا هم هم. (الفخري) .

(40/132)


ثمّ وقعت كُدُورات، منها الإحنة الّتي وقعت بينه وبين قُطْب الدّين قايماز.
قلت: ذكرتُها فِي مكانها.
وعُزِلَ ثمّ أعيدَ إلى الوزارة.
وخَرج من بيته حاجّا فِي رابع ذي القعدة، فضربه واحد من الباطنيّة أربع ضربات على باب قطْفتا، فَحُمِل إلى دارٍ هُنَاك، فلم يتكلّم، إلَّا أنّه كان يقول: اللَّه، اللَّه. وقال: ادفنوني عند أَبِي. ثمّ مات بعد الظُهْر، رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى.
92- مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن الحُسين بْن السَّكَن [1] .
أَبُو سعد بْن المعوجّ.
ولّي حجابة الباب النّوبيّ فِي سنة إحدى وسبعين، وجرِح مع الوزير أَبِي الفَرَج المذكور جراحاتٍ مُنْكَرَة، ومات ليْلَتِئذ.
93- مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن هِبَة اللَّه بْن أَحْمَد بْن منصور [2] .
أَبُو الثّناء الزيتُوني، الواعظ، المجهر، سبط ابْن الواثق.
ولد سنة اثنتين وخمسمائة.
وسمع: هبة اللَّه بْن الحُصَيْن، وأبا بَكْر الْأَنْصَارِيّ.
وبنَيْسابور من: مُحَمَّد بْن الفضل الفراويّ، وعبد الجبّار الخُواري، وأبي [3] سَعِيد بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن صاعد، وزاهر بْن طاهر، وعبد الغافر بْن إِسْمَاعِيل.
وبهراة: تميم بْن أَبِي سَعِيد الْجُرْجاني.
ولِزم مسجدا فِي آخر عمره يعظ فيه، ويروي الحديث.
__________
[1] انظر عن (مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن الْحُسَيْن) في: المنتظم 10/ 282 رقم 371 (18/ 247 رقم 4326) ، ذيل تاريخ مدينة السلام بغداد 2/ 18، 19 رقم 221، ومرآة الزمان 8/ 347.
[2] انظر عن (محمد بن محمد بن هبة الله) في: المنتظم 10/ 281 رقم 370 (18/ 247 رقم 4325) .
[3] في الأصل: «وأبا» .

(40/133)


وسمع منه خلْق، وحدّث بكتاب «أسباب النّزول» للواحديّ.
روى عَنْهُ: أَبُو طَالِب بْن عَبْد السّميع، وأبو مُحَمَّد بْن قُدَامة، والبهاء عَبْد الرَّحْمَن، وطائفة.
قال ابْن قُدَامة: كان شَيْخ جماعة، لَهُ أصحاب. حدّثني الشّهاب الهَمَذَانيّ أنّه رَجُل صالح لَهُ كرامات.
وقال ابْن النّجّار: لزِم مسجده معتكفا على الإقراء والتّحديث والوعظ ونفْع النّاس. وكان مشهورا بالصّلاح والزهْد والعبادة والتُقى، كان النّاس يتبرّكون به ويستشفون بدُعائه. وكان لَهُ صِيت عظيم عند الخاصّ والعامّ.
كان السّلطان مَسْعُود يأتي إلى زيارته، ويقال إنّه وُجِد فِي ترِكته عدّة رقاع قد كتبها إليه السّلطان يخاطبه فِيهَا بخادمه.
وكان مليح الخلْقة، ظريف الشكْل، بزِي الصُوفية، وَلَهُ تلاميذ ومريدون.
وقال ابْن الدّبيثيّ: تُوُفي فِي نصف رَمَضَان رَحِمَهُ اللَّهُ.
94- مُحَمَّد بْن ميدمان [1] .
أَبُو عَبْد اللَّه الكلبيّ، القُرْطبي.
سمع: «جامع التّرمذيّ» سنة عشرين وخمسمائة من عبّاد بْن سرحان.
وكان أديبا متصرّفا فاضلا.
ذكره الأبّار.
95-[مَنَوية] [2] .
أمَة الواحد بِنْت عبد الله بْن أحمد بْن عبد القادر بْن يوسف، ابنة عمّ أَبِي الْحُسَيْن بْن عبد الحقّ وزوجته.
__________
[1] انظر عن (محمد بن ميدمان) في: تكملة الصلة لابن الأبّار.
[2] في الأصل بياض. والمثبت من: المختصر المحتاج إليه 3/ 272 رقم 1436.

(40/134)


سمعت من: أَبِي الْحَسَن بْن العلّاف.
وصفها أَبُو سعد بْن السمْعاني، وَرَوَى عَنْهَا هُوَ، وموفّق الدّين بْن قُدَامَة، وآخرون.
وتُوُفيت فِي المحرَّم فِي عَشْر الثّمانين، رحمها اللَّه.
- حرف الهاء-
96- هارون بْن الْعَبَّاس بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن المأمون [1] .
أَبُو مُحَمَّد الهاشميّ، العبّاسيّ، المأمونيّ، البغداديّ، الأديب.
سمع: أَبَا بَكْر الْأَنْصَارِيّ، وأبا منصور بْن زُريق الشَّيْبَانيّ، وغيرهما.
وصنّف شرحا «لمقامات الحريريّ» مختصرا. وجمع تاريخا على السّنين فِيهِ أخبار الأوائل والحوادث والدّول فِي مجلّدين.
تُوُفي فِي ذي الحجّة.
97- هِبَةُ اللَّه بْن محفوظ بْن الحَسَن بْن مُحَمَّد بْن الحُسَيْن بْن أَحْمَد بْن الْحُسَيْن بْن صَصْرَى [2] .
القاضي الجليل أَبُو الغنائم الرّبعيّ، التّغلبيّ. الدّمشقيّ.
روى عَن: يحيى بْن بطريق، وابن المسلم، وهبة اللَّه بن طاوس، وجماعة.
وتفقّه وقرأ القرآن، وحصّل وشهد على القضاة، وحدَّث بدمشق والحرمين.
روى عَنْهُ: ولداه أَبُو المواهب، وأبو القاسم.
وكان كثير البِر والتعبُّد والتّلاوة. يختم فِي شهر رَمَضَان ثلاثين ختمة.
__________
[1] انظر عن (هارون بن العباس) في: العبر 4/ 217، 218، ومرآة الجنان 3/ 398، وكشف الظنون 302، 417، وإيضاح المكنون 1/ 295 و 2/ 535، ومعجم المؤلفين 13/ 128.
[2] انظر عن (هبة الله بن محفوظ) في: حديث خيثمة الأطرابلسي 173، وموسوعة علماء المسلمين في تاريخ لبنان الإسلامي ق 2/ ج 5/ 28 رقم 1324.

(40/135)


تُوُفي فِي جُمادى الآخرة سنة ثلاثٍ، وَلَهُ اثنتان وستّون سنة.
- حرف لام ألِف-
98-[لاحقُ] [1] بْن عليّ بْن منصور بْن كَارَة [2] .
أَبُو مُحَمَّد أخو دَهْبَل.
روى عَن: أَبِي القاسم بن بيان، وابن نبهان.
كتب عنه أبو سعد السمْعاني، وذكره فِي «تاريخه» .
وحدّث عَنْهُ: ابْن الأخضر، والشّيخ الموفّق، والبهاء، وآخرون.
تُوُفي ليلة نصف شعبان، وَلَهُ ثمان وسبعون سنة.
وعنه: ابْن المقيّر، وعبد العزيز بْن خَلَف.
- حرف الياء-
99- يحيى بْن موهوب بْن المبارك بْن السدنْك [3] .
أَبُو نصر المستعمل، أخو أَحْمَد.
سمع: أَبَا القاسم بْن بيان، وأبا العزّ مُحَمَّد بْن المختار، وغيرهما.
روى عَنْهُ: ابْن الأخضر، وعبد العزيز بْن الزّبيديّ، والبهاء عَبْد الرَّحْمَن، ومحمد بْن عَبْد الواحد بْن سُفيان، وجماعة.
وتُوُفي فِي شوّال، وَلَهُ أربعٌ وسبعون سنة [4] .
100- يحيى بن يوسف بن أحمد [5] .
__________
[1] في الأصل بياض، والمثبت من: العبر 4/ 218، والمختصر المحتاج إليه 2/ 36، وتكملة إكمال الإكمال لابن الصابوني 309، وشذرات الذهب 4/ 426.
[2] كارة: بالكاف وفتح الراء.
[3] انظر عن (يحيى بن موهوب) في: المختصر المحتاج إليه 3/ 251 رقم 1367.
[4] وكان مولده سنة 499 هـ.
[5] انظر عن (يحيى بن يوسف) في: المختصر المحتاج إليه 3/ 252 رقم 1370، والعبر 4/ 218 وفيه «يحيى بن يوسف بن بالان الخبّاز» ، والمعين في طبقات المحدّثين 175 رقم 1868، والنجوم الزاهرة 6/ 82.

(40/136)


أَبُو شاكر السِّقْلاطُوني [1] ، عُرِف بصاحب ابْن بالان.
شيخ مُسْنِد، مُعَمَّر.
روى عَن: ثابت بْن بُنْدار، والحسين بْن عليّ بْن البُسْري، وابن الطُيُوري، وأبي سعد بْن حُشَيْش، وأحمد بْن سَوْسن، وغيرهم.
روى عَنْهُ: ابْن الأخضر، وابن قُدَامة، والبهاء، والمبارك بْن عليّ المطرّز، وأبو الحسن علي بن هبة الله بن الجميزي، وآخرون.
وكان خبّازا.
تُوُفي فِي شعبان.
101- يوسف بْن مُحَمَّد.
أَبُو الحَجاج الإسكندريّ، المؤدّب.
سمع: أَبَا بَكْر الطُرْطُوشيّ.
قال ابْن المفضّل: ثنا، وكان فَرَضِيًّا، لَهُ شِعْر.
وَفِيهَا وُلِد الشّريف أَبُو عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن عليّ الحُسَيْني، الحلبيّ، ثمّ الْمَصْرِيّ فِي رَمَضَان.
ومحمد بْن سُلَيْمَان بْن أَبِي الفضل الأنصاريّ ليلة الفطر.
__________
[1] السّقلاطوني: نسبة إلى السقلاطون وهي ضرب من الثياب الروميّة الملوّنة بالألوان القرمزية، وغيرها.

(40/137)


سنة أربع وسبعين وخمسمائة
- حرف الألف-
102- أَحْمَد بْن أَحْمَد بْن عليّ.
أَبُو منصور النّهروانيّ، المؤدّب، المعروف بابن بَهْدل.
سمع: أَبَا سعد أَحْمَد بْن الطّيوريّ، وغيره.
سمع منه: عُمَر الْقُرَشِيّ، وأبو القاسم بْن البندنيجيّ.
وتوفّي في رمضان عَن ثمانين سنة.
روى عَنْهُ: ابْن الطّيوريّ.
103- أَحْمَد بْن عَلِيّ بْن أَحْمَد بْن هِبَة اللَّه بْن مُحَمَّد بْن عليّ بْن المهتدي باللَّه.
أَبُو تمّام بْن أَبِي الْحَسَن بْن أَبِي تمّام الهاشميّ ابْن الغريق. خطيب الحربيّة.
روى عَن: ابْن الحُصَيْن، وغيره.
كتب عَنْهُ: مُحَمَّد بْن المبارك بْن مَشق.
104- أَحْمَد بْن عليّ بْن الْحُسَيْن بْن النّاعم [1] .
أَبُو بَكْر الوكيل بباب القاضي.
سمع: هبة اللَّه بْن أَحْمَد المَوُصلي، وأبا القاسم بْن بيان، وابن بدران الحلوانيّ، والقاسم بن عليّ الحريريّ.
__________
[1] انظر عن (أحمد بن عليّ بن الحسين) في: سير أعلام النبلاء 21/ 543 دون ترجمة.

(40/138)


روى عنه: ابن الأخضر، وأبو محمد بن قُدَامة، والبهاء عَبْد الرَّحْمَن، وجماعة.
تُوُفي فِي ربيع الأوّل.
105- أَحْمَد بْن نصر بْن تميم [1] .
الفقيه أَبُو زيد الحمويّ، الأشعريّ، المتكلّم.
كان متعصّبا فِي علم الكلام.
ولّي حسْبه دمشق وحسبة مِصْر.
106- إِبْرَاهِيم بْن أَحْمَد.
والد البهاء عَبْد الرَّحْمَن المقدسيّ.
تُوُفي فِي رجب.
قرأت ترجمته بخطّ الضّياء، وقال: ولد فِي حدود سنة خمس وعشرين وخمسمائة. وسألت عَنْهُ خالي الموفّق، فقال: كان رجلا كاملا حَسَن الخَلْق.
كان يمازحني وأنا صغير، وكنت أحبّه لحسن خلقه.
سمعت أنّ عمّي إِبْرَاهِيم سافر إلى مِصْر فِي تجارة، ومضى إلى إسكندريّة فسمع من السّلفيّ.
وكان مقدّم الفرنج قد حبسه وأراد صلبه لأنّهم وجدوه ومعه متاع من آلة الكنيسة قد اشتراه من سارق، فهرب هُوَ وغيره من الحبس باللّيل.
107- أسعد بْن بلدرك بْن أَبِي اللّقاء [2] .
أَبُو أَحْمَد الجبريليّ، البوّاب بدار الخلافة.
شيخ بغداديّ، معمّر.
قال: عُمَر بْن عليّ الْقُرَشِيّ: سَأَلْتُهُ عَن مولده فقال: فِي ربيع الأوّل سنة سبعين وأربعمائة.
__________
[1] سيعاد باسم: «زيد بن نصر بن تميم» برقم (110) .
[2] انظر عن (أسعد بن بلدرك) في: العبر 4/ 219، وسير أعلام النبلاء 20/ 578 رقم 360، والإعلام بوفيات الأعلام 236، والبداية والنهاية 12/ 301، وشذرات الذهب 4/ 246.

(40/139)


قلت: كان يمكن أن يُجيز لَهُ أَبُو الْحُسَيْن بْن النّقّور، وأن يسمع من أَبِي نصر الزّينبيّ فيبقى مُسْند الدُنيا.
قال ابْن الدّبيثيّ [1] : كان أَبُوهُ صاحبا للرئيس أَبِي الخطّاب بْن الجرّاح، فأسمعه منه، ومن: أَبِي الْحَسَن بْن العلّاف.
روى عَنْهُ: ابْن الأخضر، والشّيخ الموفّق، والبهاء عَبْد الرَّحْمَن، ومحمد بْن أَبِي البدر مقبل بْن فتيان بْن المنّى، وطائفة سواهم.
تُوُفي في سلْخ ربيع الأوّل.
108- ( ... ) [2] بْن أَبِي الفوارس بْن أَبِي بَكْر.
أَبُو بَكْر الأصبهاني، السنباك.
سمع: أَبَا مطيع مُحَمَّد بْن عَبْد الواحد.
وحدّث فِي رجب من السّنة.
ولا أعلم وفاته.
روى عَنْهُ: الحافظ عَبْد الغنيّ.
- حرف الحاء-
109- الْحَسَن بْن علي بْن مُحَمَّد بْن فَرَج [3] .
الكلبيّ، المعروف بابن الجميّل الدّانيّ. والد عُمَر وعثمان المحدّثين النازلين بديار مِصْر.
نزل أَبُو عليّ سبْتة، وبها تُوفي عَن ثمانين سنة.
قال الأبّار: لَا أعلم له رواية.
__________
[1] في المختصر المحتاج إليه ج 1.
[2] في الأصل بياض.
[3] انظر عن (الحسن بن علي) في: تكملة الصلة لابن الأبّار.

(40/140)


- حرف الزاي-
110- زيد بن نصر بن تميم [1] .
الحمويّ، الفقيه الشّافعيّ.
كذا سمّاه أَبُو المواهب بن صَصْرَى، وهذا هُوَ أَبُو زيد أَحْمَد بْن نصر المذكور آنفا.
وقال: تُوُفي فِي شعبان بدمشق وقد جاوز السّبعين، وكان ذا فنون وذا خبرة بمقالة الأشعريّ.
روى عَن: عَبْد الكريم بْن حمزة، وجمال الْإِسْلَام وتفقّه عَلَيْهِ مدّة.
قال البهاء ابْن عساكر: كان شديد التّعصّب فِي مذهب الحقّ، وهو زيد أَبُو القاسم الحمويّ، ثمّ تسمّى بأحمد، وتكنّى بأبي زيد.
قلت: رَوَى عَنْهُ: أَبُو القاسم بْن صَصْرَى.
- حرف السين-
111- سعد بْن مُحَمَّد بْن سعد بن صيفيّ [2] .
__________
[1] تقدّم باسم: «أحمد بن نصر بن تميم» برقم (105) .
[2] انظر عن (سعد- الحيص بيص) في: خريدة القصر (قسم شعراء العراق) 1/ 202- 316، والمنتظم 10/ 288 رقم 373 (18/ 253 رقم 4328) ، والكامل في التاريخ 11/ 454، ومعجم الأدباء 11/ 199، والتذكرة الفخرية للإربلي 16 و 95 و 194 و 364 و 434، وتاريخ إربل 1/ 77، 178، 179، وعيون الأنباء 1/ 283، ووفيات الأعيان 2/ 362- 365 رقم 358، والروض المعطار 134، والمختصر في أخبار البشر 3/ 61، والعبر 4/ 219، وسير أعلام النبلاء 21/ 61، 62 رقم 16، والإعلام بوفيات الأعلام 236، وتاريخ ابن الوردي 2/ 88، 89، ومرآة الجنان 3/ 399، 400، والبداية والنهاية 12/ 301، 302، وطبقات الشافعية الكبرى للسبكي 4/ 221، وتاريخ إربل 1/ 77 و 178، ومرآة الزمان 8/ 352، والوافي بالوفيات 15/ 165- 169 رقم 236، وطبقات الشافعية للإسنويّ 1/ 443، 444 رقم 399، والمختصر المحتاج إليه 2/ 82، 83 رقم 684، والسلك الناظم 112- 132، وتكملة إكمال الإكمال 271- 273 (بالهامش) ، -

(40/141)


شهاب الدّين، أَبُو الفوارس التّميميّ، الشّاعر المشهور، الملقّب بالحَيْص بَيص، ومعناهما: الشّدّة والاختلاط.
قيل إنّه رَأَى النّاس فِي شدةٍ وحركة، فقال: ما للنّاس فِي حَيْصَ بَيْص؟
فلزمه ذلك. وكان من فُضَلاء العالم.
تفقّه فِي مذهب الشّافعيّ بالرّيّ على القاضي مُحَمَّد بْن عَبْد الكريم الوزّان، وتكلّم فِي مسائل الخلاف.
وذكره ابْن السّمعانيّ فِي «ذيله» [1] فقال: كان فصيحا، حسن الشّعر.
وذكره ابن أبي طيِّئ فِي «تاريخ الشّيعة» [2] فقال: شاعر فاضل، بليغ، وافر الأدب، عظيم المنزلة فِي الدّولتين العبّاسيّة والسّلجوقيّة. وكان ذا معرفة تامّة بالأدب، و [باع] [3] فِي اللّغة، وحفْظ كثير للشعْر. وكان إماما فِي الرأي، حَسَن العقيدة.
حدّثني عَبْد الباقي بْن زُرَيق الحلبيّ الزّاهد قَالَ: رَأَيْته واجتمعت به فكان صدْرًا فِي كلّ عِلم، عظيم النّفس، حَسَن الشارة، يركب الخيل العربيّة الأصيلة ويتقلّد بسيفين، ويحمل حلقة الرمح، ويأخذ نفسه بمآخذ الأمراء، ويتبادى فِي لفْظه، ويعقد القاف. وكان أفصح مَن رَأَيْت.
وكان يناظر على رأي الجمهور.
وقال الزَّيْنَبي: سمع من: أَبِي طَالِب الْحُسَيْن بْن مُحَمَّد الزَّيْنَبي.
وبواسط من: أبي المجد محمد بن جهور.
__________
[ (-) ] ولسان الميزان 3/ 19، والنجوم الزاهرة 6/ 84، وتاريخ ابن سباط 1/ 152، وكشف الظنون 786، وشذرات الذهب 4/ 246، وهدية العارفين 1/ 385، وروضات الجنات 308، وديوان الإسلام 2/ 139، 140 رقم 752، وأعيان الشيعة 34/ 199، والأعلام 3/ 87، ومعجم المؤلفين 4/ 212.
[1] في حكم المفقود.
[2] في حكم المفقود.
[3] في الأصل بياض، والمستدرك من: سير أعلام النبلاء 21/ 62.

(40/142)


وله دِيوان شِعر مشهور وترسُل. وكان برِعًا فِي الشّعر، مُحِسنًا، بديع المعاني، مليح الرسائل ذا خبرة تامّة باللّغة.
ومن شِعره:
فما أنصفت بغداد نائبها [1] الذيِ ... كثُر الثّناء به على بغداد
سَل ذا [2] إذا مدّ الجدال رِواقَهُ ... بصوارم غير السّيوف حدادِ
وجرت بأنواع العلوم مقالتي ... كالسّيل مَدَّ إلى قرار الوادي
وذعرت ألباب الخصوم بخاطرٍ ... يُقظان فِي الإصدار والإيراد
فتصدّعوا متفرّقين كأنّهم ... مالٌ تفرّقه يد ابْن طِراد
[3] وله يستعفي من حضور سِماط ابْن هُبَيرة، ويسمّون السّماط: الطَّبَق، لِما كان يناله من تألّمه بقعود بعض الأعيان فوقه، فقال:
يا باذلَ المال فِي عَدمٍ [4] وفي سَعَة ... ومُطْعمَ الزّاد فِي صُبْحِ وفيِ غَسَقِ
فِي كلّ بيت خِوانٌ من فَوَاضله [5] ... يَمِيرُهُم وَهْوَ يدعوهم إلى الطبَقِ
فاض النّوال، فلولا خوفُ مفعمة ... من بأس عدلك نادى الناسُ بالغرقِ
وكلّ أرضٍ بها صَوْبٌ وساكبةٌ ... حين [6] الوَغَى من نجيع الخيل والعَرَقِ
صُنْ مَنكِبي عند زِحامٍ إنْ غضبتُ لَهُ ... تمكَّنَ الطَّعْنُ من عقلي ومن خُلُقي
وإنّ رضيتُ به فالذُلُ منقصةٌ ... وكم تكلفتُهُ خجلا [7] فلم أطقِ
وإنْ تَوَهَّم قومٌ أنّه حُمُقُ ... فربّما [8] [اشتبه] [9] التّوقير بالحمق
__________
[1] في الخريدة 1/ 225 «ناشئها» ، وفي المنتظم: «ناشئيها» .
[2] في المنتظم «شاني» ، وفي الخريدة «سل بي» .
[3] المنتظم 10/ 288 (18/ 253) ، الخريدة 1/ 225.
[4] في الخريدة: «عدل» .
[5] في الخريدة: «مكارمه» .
[6] في الخريدة: «حتى» .
[7] في الخريدة: «حملا» .
[8] في الخريدة: «فطالما» .
[9] في الأصل بياض، والمستدرك من الخريدة 1/ 285.

(40/143)


وقد مدح الخلفاء والوزراءَ، واكتسب بالشُعْر. وكان لَا يخاطب أحدا إلَّا بالكلام العربيّ [1] ، ويلبس زيّ العرب، ويتقلّد سيفا. فعمل فِيهِ أَبُو القاسم بْن الفضل:
كم تَبَادَى وكم تُطَولُ طَرْطُورَكَ ... ؟ ما فيك شَعْرهٌ من تميم
فَكُلِ الضَّبَّ وأقْرطِ [2] الحنَظْلَ ... اليابس [3] واشربْ ما شئت من بَوْل الظّليم
ليس ذا وجه من يضيف وَلَا يَقْري ... وَلَا يدفع الأذى عَن حريم
[4] فعمل أَبُو الفوارس لمّا بلغته الأبيات:
لا تَضَع من عظيم قَدْر وإنْ كنت ... مُشارًا إليه بالتّعظيم
فالشّريف العظيم [5] يصغر [6] قدْرًا ... بالتّعدّي [7] على الشّريف العظيم [8]
وَلَعُ الخمر بالعُقُول رَمى الخمرَ ... بتنجيسها وبالتّحريم
[9] رواها عَنْهُ القاضي بهاء الدّين بْن شدّاد سماعا.
وقد رَوَى عنه: محمد بن أبي البدر بْن المَني، وغيره.
وتُوُفي رَحِمَهُ اللَّهُ فِي سادس شعبان [10] .
112- سعد اللَّه بْن نجا بْن محمد بن فهد [11] .
__________
[1] في معجم الأدباء 11/ 201 «إلا بكلام مغرب» .
[2] في الوافي: «واقرض» .
[3] في الوافي: «الأخضر» .
[4] وفيات الأعيان 2/ 364.
[5] في الخريدة، ووفيات الأعيان: «الكريم» ، وكذا في الوافي بالوفيات.
[6] في الخريدة: «ينقض» ، وفي وفيات الأعيان: «ينقص» ، وكذا في الوافي.
[7] في الوافي: «بالتجدّي» .
[8] في الخريدة: ووفيات الأعيان «العظيم» ، وكذا في الوافي.
[9] خريدة القصر 1/ 320، وفيات الأعيان 2/ 364، الوافي بالوفيات 15/ 167.
[10] وقال ابن خلّكان: وكان إذا سئل عن عمره يقول: أنا أعيش في الدنيا مجازفة، لأنه كان لا يحفظ مولده، وكان يزعم أنه من ولد أكثم بن صيفي التميمي حكيم العرب. ولم يترك أبو الفوارس عقبا. (وفيات الأعيان 2/ 365) .
[11] انظر عن (سعد الله بن نجا) في: المختصر المحتاج إليه 2/ 79 رقم 681، وسير أعلام النبلاء 20/ 543 (دون ترجمة) ، والوافي بالوفيات 15/ 185 رقم 259.

(40/144)


أَبُو صالح بْن الوادي الدّلّال فِي الدُّور.
سمع الكثير من: زاهر [1] ، وهبة اللَّه بْن عَبْد اللَّه الشُرُوطي، وأبي غالب بْن البنّاء، وهبة اللَّه بْن الطّبر، وطبقتهم.
وبورك لَهُ فِي مسموعاته.
وروى الكثير، وسمع منه خلْق.
قال ابْن الدّبيثيّ [2] : كان ثقة، مضى على الصّحة، وأجاز لي مَرْوِياته.
قلت: رَوَى عَنْهُ ابْن قُدَامة، والبهاء عَبْد الرَّحْمَن، وجماعة من البغداديّين.
وتُوُفي فِي ذي الحِجة [3] .
- حرف الشين-
113- شُهْدَة بنتُ أَبِي نصر [4] أَحْمَد بْن الفَرَج بن عمر الدّينوريّ، ثمّ البغداديّ، الإبريّ [5] .
__________
[1] هو زاهر الشحّامي.
[2] في المختصر المحتاج إليه.
[3] عن 84 سنة.
وقال الصفدي: سمع الكثير، وقرأ وكتب بخطّه وجدّ في السماع والتحصيل، ورزقه الله الرواية مع تأخّر إسناده، وحدّث بأكثر مسموعاته. وكان صدوقا ديّنا، حافظا لكتاب الله تعالى، حسن التلاوة إلّا أنه كان خاليا من العلم.
[4] انظر عن (شهدة بنت أبي نصر) في: الأنساب 1/ 118، والمنتظم 10/ 288 رقم 374 (18/ 254 رقم 4329) . والكامل في التاريخ 11/ 454، والتقييد لابن نقطة 501 رقم 689، وتاريخ إربل 1/ 98، 132، 155، 174، 184، 187، 213، 225، والمختصر المحتاج إليه 2/ 263- 265 رقم 1409، والمختصر في أخبار البشر 3/ 61، ووفيات الأعيان 2/ 477، 478، ومرآة الزمان 8/ 352، والعبر 4/ 220، ودول الإسلام 2/ 87، والمعين في طبقات المحدّثين 175 رقم 1869، والإعلام بوفيات الأعلام 236، وسير أعلام النبلاء 20/ 542، 543 رقم 344، وتاريخ ابن الوردي 2/ 89، ومرآة الجنان 3/ 400، والوافي بالوفيات 16/ 190، 920، رقم 224، وذيل التقييد لقاضي مكة 2/ 378، 379 رقم 1847، وتاريخ ابن الدبيثي 15/ 402، والنجوم الزاهرة 6/ 84، ونزهة الجلساء في أشعار النساء للسيوطي 61، وشذرات الذهب 4/ 248، والدرّ المنثور 256، 257، وأعلام النساء 2/ 309- 312.
[5] الإبري: بكسر الهمزة وفتح الباء الموحدة وفي آخرها الراء المهملة، نسبة إلى بيع الإبر وعملها.

(40/145)


الكاتبة، فخر النّساء، مُسْنِدة العراق.
قال ابْن الدّبيثيّ [1] : امْرَأَة جليلة صالحة، ذات دِين، وورع، وعبادة.
سمعَت الكثير وعُمرت، وصارت أسند أهل زمانها، وعُني بها أبوها.
وسمعت من: طِراد بْن مُحَمَّد الزَّيْنَبي، وابن طلحة النّعاليّ، وأبي الْحَسَن بْن أيّوب، وأبي الخطّاب بْن البطِر، وأحمد بْن عَبْد القادر بْن يوسف، والحسن بْن أَحْمَد بْن سلمان الدّقّاق، وثابت بْن بُنْدار، وأخيه أَبِي ياسر أَحْمَد، وعبد الواحد بْن علوان الشَّيْبَانيّ، وجعفر السّرّاج، وأبي منصور مُحَمَّد بْن هريسة، ومنصور بْن حِيد النيْسابوري، وأبي البركات حمد بْن عَبْد اللَّه الوكيل، وأبي غالب الباقِلاني، وجماعة.
روى عَنْهَا: الحفّاظ الكبار أَبُو القاسم بْن عساكر، وأبو سعد السّمعانيّ، وأبو مُحَمَّد عَبْد الغنيّ، وعبد القادر الرَّهاوي، وعبد العزيز بْن الأخضر، وأبو الفَرَج بْن الْجَوْزي، وأبو مُحَمَّد بْن قُدَامة، والعماد إِبْرَاهِيم بْن عَبْد الواحد، والبهاء عَبْد الرَّحْمَن، والشّهاب بْن راجح، والقاضي أَبُو صالح الْجِيلي، والنّاصح ابْن الحنبليّ، والفخر الإربليّ، وعبد الرّزّاق بْن سُكَيْنَة، وشيخ الشّيوخ أَبُو مُحَمَّد بْن حَمُوَيْه، والأعزّ ابْن العُليق [2] ، وإبراهيم بْن الخيّر، وأبو الْحَسَن بْن الْجُمَّيْزي، وأبو القاسم بْن قميرة، ومحمد بْن مُقْبل بْن المَني، وخلق كثير.
وكانت تكتب خطّا مليحا.
قال أَبُو الفَرَج بْن الْجَوْزي [3] : قرأت عليها كثيرا من حديثها. وكان لها خطٌ حَسَن. وتزوَّجت ببعض وُكَلاء الخليفة، وعاشت مخالِطة للدّار ولأهل العلم. وكان لها بِر وخير. وقرِئ عليها الحديث سنين، وعمّرت حتّى قاربت المائة.
__________
[1] في تاريخه 15/ 402.
[2] ضبطه ابن حجر في (تبصير المنتبه 3/ 965) بضم العين وتشديد اللام الممالة.
[3] في المنتظم.

(40/146)


وتُوفيت ليلة الإثنين رابع عشر المحرّم، وصُلِّيَ عليها بجامع القصر، وأزِيل شبّاك المقصورة لأجْلها، وحَضَرها خلْقٌ كثير وعامّة العُلماء.
وقال الشَّيْخ المُوَفق، وقد سُئل عَنْهَا: انتهى إليها [1] إسناد بغداد، وعُمرتْ حتّى ألحقت الصّغار بالكِبار. وكان لها دار واسعة، وقلّ ما كانت تَردُّ أحدا يريد السّماع. وكانت تكتب خطّا جيّدا، لكنّه تغيّر لكِبَرِها.
وقال أَبُو سعد السّمعانيّ فِي «الذّيل» وذكرها، فقال: امْرَأَة من أولاد المحدّثين، متميّزة فصيحة، حَسَنَة الحظّ، تكتب على طريقة الكاتبة بِنْت الأقرع. وما كان ببغداد فِي زمانها من يكتب مثل خطّها. وكانت مختصّة بأمير [2] المؤمنين المقتفي.
سَمَّعها أبوها الكثير، وعُمرت حتّى حدّثت. قرأتُ عليها جزء الحفّار [3] .
__________
[1] في الأصل: «إلينا» ، والتصحيح من سير أعلام النبلاء 20/ 543.
[2] في الأصل: «بأمور» .
[3] وقال الصفدي: رأيت بخط بعض الأفاضل يقول: نقلت من مجموع بخط الصاحب كمال الدين ابن العديم لشهدة بنت الإبري الكاتبة:
مل بي إلى مجرى النسيم الواني ... واجعل مقيلك دوحتي نعمان
وإذا العيون شنّ غارة سحرها ... ورمين عن خضر المتون حوان
فاحفظ فؤادك أن يصاب بنظرة ... عرضا فآفة قلبك العينان
من كلّ جائلة الوشاح يهزّها ... مرح الشباب اللّدن هزّ البان
بيض غنين بحسنهنّ عن الحلي ... ولذاك أسماء النساء غواني
سكنوا العقيق وحرّكوا بغرامهم ... قلبا يكاد يطير بالخفقان
حمّلته ثقل السلوّ فلم يطق ... فأطعته في طرحه وعصاني
سلبته يوم الدوحتين طليقة ... نزلت بهذا الحيّ من غطفان
حتّام تفرط في الصبابة أضلعي ... وتلجّ في عبراتها أجفاني
وإذا تبسّم ثغر برق منجد ... أغرى دموع العين بالهملان
يا حاوي البكرات هل لك روحة ... بالغمر عند مروّح الرعيان
فتذكر الناسّين عهدي بالحمى ... فجديده أبلاه من أبلاني
وذكرت ميدان الوداع فأرسلت ... عيني إلى أمد البكاء عناني-

(40/147)


- حرف الصاد-
114- صالح بْن عَبْد الملك بْن سَعِيد [1] .
أَبُو الْحَسَن الأوسيّ، المالِقي.
أخذ القراءات عَن: أَبِيهِ، وأبي المطرّف بْن زيد الورّاق، ومنصور بن الخير.
وروى عَن: أَبِي يحمر الأسديّ، وأبي القاسم بْن رشد، وغالب بْن عطيّة، وشُرَيْح، وخلْق سواهم.
وكان من أهل العِلم والزُّهد. وكان يشارك فِي الأصول.
قال الأبّار [2] : لم يكن بالضّابط. أخذ عَنْهُ أَبُو بَكْر بْن أَبِي زَمَنِين، وأبو الصّبر السّبتيّ، وابن عَيْشُون وأجاز لَهُ فِي صَفَر من هذه السّنة [3] .
ولا نعلم وفاته [4] .
__________
[ () ]
- لم أخش من ظمأ الحوادث إذ عرت ... ومعي نظير الجدول الريّان
إن مسّني سغب قراني غربة ... أو قلّني ظمأ فرى فسقاني
وإذا السيوف تحدّثت بجفونها ... فحديثها منه بأحمر قاني
قال الصفدي: أنا أستبعد أن يكون هذا الشعر لشهدة، على أني رأيته أيضا في مجموع قديم بخط فاضل، وقد نسبه إليها. (الوافي بالوفيات 16/ 191، 192) .
[1] انظر عن (صالح بن عبد الملك) في: تكملة الصلة لابن الأبّار، رقم 762، وبغية الملتمس 319، رقم 851، والذيل والتكملة لكتابي الموصول والصلة للمراكشي 4/ 133، 134 رقم 252.
[2] في تكملة الصلة.
[3] وقال ابن عبد الملك المراكشي: له مقالة في الإيمان والإسلام. وقد استقضي في حدود الثلاثين وخمسمائة.
[4] وقال المراكشي: توفي في أوائل رمضان سنة ست وثمانين وخمسمائة، ومولده سنة خمسمائة.
وقال الضبيّ: محدّث مالقيّ يروي عن الحافظ أبي بكر بن العربيّ، كتب كثيرا، ثم فقد يده اليمنى، فصار يكتب باليسرى، وكتب بها كثيرا. نقلت من خطّ يده اليسرى كتاب أبي عيسى الترمذي في أربعة أسفار. (بغية الملتمس) .

(40/148)


115- ( ... ) [1] بْن مُحَمَّد بْن مَسْعُود بْن السّدنك.
أَبُو الفتح الحريميّ.
سمع: أبا الحسن العلّاف، وأبا عليّ بْن نبهان، وغيرهما.
سمع منه: أَبُو سعد السّمعانيّ، وذكره فِي «الذّيل» .
وروى عَنْهُ: أحمد بن منصور الكازرونيّ، وغيره، وابن الأخضر، وأبو المعالي بْن شافع.
وتُوُفي فِي رَمَضَان.
- حرف العين-
116- عَبْد اللَّه بْن الخَضِر بْن الْحُسَيْن [2] .
الفقيه أَبُو البركات بْن الشّيرجيّ، المَوْصِلي، الشّافعيّ، أحد الأئمّة.
انتفع به جماعة. وحصَّلَ المذهب وناظر.
وسمع: أَبَا بَكْر الْأَنْصَارِيّ، وأبا منصور الشَّيْبَانيّ، وجماعة.
روى عَنْهُ: غير واحدٍ بالمَوْصِل، منهم: مُحَمَّد بْن علوان الفقيه، والقاضي بهاء الدّين بْن شدّاد.
وكان زاهدا إماما، متقشّفا.
117- عَبْد اللَّه بْن عَمْر بْن عَبْد اللَّه بْن عَمْر [3] .
أَبُو رشيد الأصبهانيّ.
سمع: الرئيس: أَبَا عَبْد اللَّه الثّقفيّ، وأحمد بْن عَبْد الغفّار بْن أشتة،
__________
[1] بياض في الأصل.
[2] انظر عن (عبد الله بن الخضر) في: المختصر المحتاج إليه 2/ 143 رقم 772، وطبقات الشافعية الكبرى للسبكي 4/ 234، ووفيات الأعيان 7/ 85، وطبقات الشافعية للإسنويّ 2/ 110، 111 رقم 708، والوافي بالوفيات 17/ 159 رقم 14.
[3] انظر عن (عبد الله بن عمر) في: العبر 4/ 220، والإعلام بوفيات الأعلام 236، وسير أعلام النبلاء 20/ 576 رقم 358، والمعين في طبقات المحدّثين 175 رقم 1870، وشذرات الذهب 4/ 248.

(40/149)


وهو آخر من رَوَى عَنْهُمَا بأصبهان.
وتُوُفي فِي ربيع الآخر عَن نيفٍ وتسعين سنة.
روى عَنْهُ: طائفة بأصبهان [1] . وبالإجازة: ابْن اللّتّي، وكريمة.
118- عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ خلف [2] .
أبو محمد الشّاطبيّ.
أخَذَ القراءات عَن أَبِيهِ.
وسَمِعَ من: أَبِي الوليد بْن الدّبّاغ، وأبي إِسْحَاق بْن جماعة، وأبي بَكْر بْن أسد وتفقهَ به.
وأخذ الأدب عَن جماعة. وعاش ستّين سنة.
ذكره الأبَّار.
119- عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن عيسى.
أَبُو مُحَمَّد بْن المالقيّ، الْأَنْصَارِيّ.
نزيل مَراكُش.
أخذ عن: أَبِي الحكم بْن برجان، واختلَف إليه. وبَرَعَ فِي عِلمه.
وكان فقيها، نظّارا، خطيبا، مفوّها متيقّظا. وكان ذا دنيا وسعةٍ وجاه.
120- عَبْد الرحيم بْن عَبْد الخالق بْن أَحْمَد بْن عَبْد القادر بْن مُحَمَّد بْن يوسف [3] .
أَبُو نَصْر بْن الحافظ أَبِي الفَرَج، أخو أَبِي الحسين عبد الحقّ البغداديّ.
__________
[1] قال المؤلّف- رحمه الله- في سير أعلام النبلاء: «وسمع منه أحاديث: ابن نظيف محمد بن محمود الواعظ الهمذاني، ومحمد بن أبي سعيد الأديب الأصبهاني، ومحمد بن محمد بن محمد بن المقرئ، وأخوه أحمد، ومحمد بن أبي الحسن القصار، والحسين بن الحسن الكوسج، الأصبهانيون» .
[2] انظر عن (عبد الله بن محمد بن علي) في: تكملة الصلة لابن الأبّار.
[3] انظر عن (عبد الرحيم بن عبد الخالق) في: المختصر المحتاج إليه 3/ 24، 24 رقم 785، والعبر 4/ 220، وشذرات الذهب 4/ 248.

(40/150)


من بيت حديثٍ وصلاح.
حدّث عَن: أَبِي القاسم بْن بيان، وابن نبهان، وأبي الْحَسَن مُحَمَّد بْن مرزوق، وأبي طَالِب بْن يوسف.
قال أبو المحاسن عمر بن عليّ القرشيّ: كتبت عَنْهُ، وكان خيّاطا، خيّرا، ذا مروءة تامّة.
ولد سنة خمس وخمسمائة، وتوفّي بمكّة.
قلت: حدّث ببغداد ودمشق.
روى عَنْهُ: ابْن الأخضر، والشّيخ موفّق الدّين، والبهاء عَبْد الرَّحْمَن، وعبد الحقّ الضّياليّ، والشّمس أَحْمَد بْن عَبْد الواحد، وكتائب بْن مهديّ، وآخرون، آخرهم عَبْد الحقّ بْن خَلَف.
121- عُبَيْد اللَّه بْن عَبْد اللَّه بْن خَلَف بْن عيّاش.
أَبُو مروان الْأَنْصَارِيّ، القُرْطُبي، نزيل مالقة.
سمع: «الموطّأ» من: أَبِي مُحَمَّد بْن عتّاب سنة اثنتي عشرة وخمسمائة.
وكان رجلا صالحا.
حدّث عَنْهُ أَبُو الْعَبَّاس بْن الجنان المالقيّ.
122- عليّ بْن عيسى بْن هبة اللَّه [1] .
الشَّيْخ مهذّب الدّين بْن النّقّاش البغداديّ، الطّبيب، الأديب، صاحب أمين الدّولة ابْن التّلميذ.
سمع من: ابْن الحُصَيْن [2] ، وحدّث.
وكان بزّازا. وكان أبوه أديبا.
__________
[1] انظر عن (علي بن عيسى) في: عيون الأنباء في طبقات الأطباء لابن أبي أصيبعة 2/ 162، ومنامات الوهراني 142، والوافي بالوفيات 21/ 377، 378 رقم 248، والأعلام 4/ 318.
[2] سمعه حضورا سنة 521 هـ.

(40/151)


تُوُفي سنة أربع وأربعين.
وهو من شيوخ ابْن السّمعانيّ.
قدِم المهذّب دمشق وطبّ بها، ورأس واشتغل وأشغَلَ، واشتهر ذِكره.
وخدم نور الدّين بالطّبّ والإنشاء، وخدم فِي زمانه فِي مارستانه. ثمّ طَب صلاح الدّين.
وتُوُفي فِي المحرّم بدمشق [1] .
123- عليّ بْن مُحَمَّد بْن عيسى [2] .
الأصبهانيّ، الوزير، جلال الدّين ابْن الوزير جمال الدّين الجواد، وزير صاحب المَوْصِل.
وَزَرَ هذا للملك سيف الدّين غازي بْن مودود فِي سنة إحدى وسبعين
__________
[1] قيل عنه: قرأ الطبيعيات واشتغل بها، واشتهر عنه التهاون بأمور الشرع ومداومة شرب الخمر، ونقل عنه إلى الصاحب الوزير ابن هبيرة أنه تكلّم في القرآن بما لا يجوز فأهدر دمه، فخرج من بغداد وسكن دمشق إلى أن توفي بها.
واتصل بنور الدين الشهيد وقدم رسولا إلى بغداد سنة سبع وستين وخمسمائة، وحدّث بها عن أبيه وابن الحصين، كذا قال محب الدين ابن النجار.
وقال الصفدي: وأظنّه مهذّب الدين ابن النقاش الطبيب الأديب صاحب أمين الدولة ابن التلميذ. طبّ بدمشق ورأس بها واشتهر ذكره. وخدم نور الدين بالطب والإنشاء، وباشر في مارستانه. ثم خدم صلاح الدين، وأوقعه الله في لسان الوهراني، وفيه وضع المنام المشهور عنه.
ومن شعره:
رزقت يسارا فوافيت من ... قدرت به حين لم يرزق
وأتلفت من بعده فاعتذرت ... إليه اعتذار أخ مملق
وإن كان يشكر فيما مضى ... بذا فسيعذر فيما بقي
ومن شعره:
كيف السّلوّ وقد تملّك ... مهجتي من غير أمري
قمر تراه إذا استمرّ ... كمثل أربعة وعشر
يرنو بنجلاوين يسقم ... من سقامها ويبري
وإذا تبسّم في دجى ... ليل شهدت له بفجر
[2] انظر عن (علي بن محمد) في: مرآة الزمان 8/ 352، 353.

(40/152)


وخمسمائة، فظهرت منه فضيلة وخبرة الدّيوان، وَلَهُ خمسٌ وعشرون سنة.
ثمّ قُبض عَلَيْهِ بعد سنين فشفع فِيهِ حُمْوُه كمال الدّين وزير صاحب آمِد، فأطلِق لَهُ، فسار إلى آمِد مريضا، وتعلّل ثمّ مات بدنيسر سنة أربعٍ وسبعين، ثمّ حُمِل إلى المدينة النّبويّة، فدُفِن عند والده رحمهما اللَّه تعالى.
124- عليّ بْن مَهْدي بْن عليّ بْن قلينا.
أَبُو القاسم اللخْمي، الفقيه الإسكندريّ. وبنو قلينا من أقدم بيت فِي الْإِسْلَام. يقال إنْ أسلافهم حضروا فتح الإسكندريّة.
وذكر هذا الحافظ ابْن المفضَّل، وقال: كان ثقة، وَلَهُ أدبٌ وشِعر.
حَدَّثَنَا عَن أبي عبد الله الرازي، وأبي بكر الطُّرْطُوشيّ، وأبي الْحَسَن التُونسي.
قلت: وإليه يُنْسَب جزء ابْن قلينا الَّذِي للسَّلَفي.
125- عليّ بْن خَلَف بن العريف.
أبو القاسم الإسكندرانيّ.
قال ابْن المفضّل: تُوُفي فِي صَفَر، ونبا عَن: أَبِي عَبْد اللَّه الرّازيّ.
126- عُمَر بْن مُحَمَّدِ بْن عَبْد اللَّه بْن الخَضِر بْن مسافر [1] .
أَبُو الخطّاب العُلَيْمي، ثمّ الدّمشقيّ، التّاجر، ويُعرف بابن حوائج كاش.
سافر للتّجارة إلى مِصْر، والعراقيْن، وخُراسان، وما وراء النّهر. وكان يطلب الحديث ويسمع ويكتب حتّى أكْثَرَ من ذلك.
سمع: نصر اللَّه بْن مُحَمَّد المصُيصي، ونصر بْن أَحْمَد بْن مقاتل، وناصر بْن عَبْد الرَّحْمَن النّجّار، وأبا القاسم بْن البنّ بدمشق.
والشّريف ناصر بن إسماعيل الحسنبيّ الخطيب، وعبد الله بن رفاعة
__________
[1] انظر عن (عمر بن محمد) في: المختصر المحتاج إليه 3/ 104، 105 رقم 950، والعبر 4/ 220، والإعلام بوفيات الأعلام 236، وسير أعلام النبلاء 21/ 49.

(40/153)


بمصر، والسلَفي بالثغْر، والحسين بْن خميس بالموصل، ونصر بْن المظفّر الشّخص بهَمَذَان، وأبا سعد هبة الرَّحْمَن بْن القُشَيري، وأبا البركات عَبْد اللَّه بْن الفُرَاويّ، وعُمَر بْن أَحْمَد الصّفّار، وعبد الخالق بْن زاهر بَنيْسابور، وهبة اللَّه الدقّاق، ومحمد بْن عَبْد اللَّه الحرّانيّ، وابن البطّيّ ببغداد.
وبالَغَ حتّى سمع مِن أقرانه ومَن دونهم.
وكان يفهم ويدري.
قال ابْن النّجّار: كان صدوقا محمود السّيرة.
روى اليسير ببغداد، ودمشق. ثنا عَنْهُ ابْن الأخضر وأثنى عَلَيْهِ. وسمع منه: شيخه أَبُو سعد السّمعانيّ.
وروى عَنْهُ زين الأمَناء وقال: سمعته يقول: مولدي سنة عشرين وخمسمائة.
قال: وتُوُفي بدمشق فِي شوّال. وكان فاضلا، حَسَن الأخلاق، طيّب المعاشرة.
- حرف الفاء-
127- فتح بْن مُحَمَّد بْن فتح.
أَبُو نصر الإشبيليّ، الْأَنْصَارِيّ.
أخذ القراءات عَن: منصور بْن الخيّر، وأبي الْعَبَّاس بْن القصبيّ، وابن الأصبَغ عيسى بْن حزْم، وغيرهم.
وتصدَّر بقُرْطُبة مدّة، ثمّ أقرأ بشِلْب، ثمّ تحوّل إلى فاس، فأخذ عَنْهُ أَبُو القاسم بْن الملجوم، ومفرّج الضّرير، وعبد الجليل بْن مُوسَى، وعقيل بْن عطيّة.
تُوُفي فِي شهر رجب.
- حرف الكاف-
128- كرم بْن أَحْمَد بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن قُتَيبة [1] .
الدّارقزّيّ.
__________
[1] انظر عن (كرم بن أحمد) في: المختصر المحتاج إليه 3/ 162 رقم 1111.

(40/154)


سمع الكثير بنفسه من: أَبِي غالب ابْن البنّاء، وأبي المواهب بْن مُلوك، والقاضي أَبِي بَكْر، وطائفة.
وروى عَنْهُ: صفيّة بِنْت عَبْد الجبّار.
وأضرّ بأخَرَة.
- حرف الميم-
129- مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن عُبَيْد اللَّه بْن عَبْد الرَّحْمَن [1] .
الْأَنْصَارِيّ، الإشبيليّ أَبُو عَبْد اللَّه ابْن المجاهد الزّاهد. وقيل لأبيه المجاهد لأنّه كان كثير الغزو.
ولد أَبُو عَبْد اللَّه فِي سنة ثلاثٍ وثمانين وأربعمائة، وقد سمع من: أَبِي مروان الباجيّ، ولازمَ أَبَا بَكْر بْن العربيّ.
وأخذ النّحو عَن: أَبِي الْحُسَيْن بن الأخضر.
قال الأبّار [2] : كان المشار إليه فِي وقته بالصّلاح والورع والعبادة وإجابة الدّعاء. كان أحد أولياء اللَّه الذين تُذكر بهم رؤيتهم. آثاره مشهودة وكراماته معروفة رضي اللَّه عنه، مع الحظّ الوافر من الفِقه والقراءات.
وعُمر وأسَنْ.
وأخذ عَنْهُ: أَبُو بَكْر بْن خير، وأبو عمران المرتّل وهو الَّذِي سلك طريقته من بعده، وأبو عَبْد اللَّه بْن قسّوم الفهميّ، وأبو الخطّاب بْن الجميّل.
وتُوُفي فِي شوّال.
وكان قد انقطع من مجلس أَبِي بَكْر بْن العربيّ، فقيل لَهُ فِي ذلك، فقال: كان يدرّس وبغلته عند الباب ينتظر الركوب إلى السّلطان.
__________
[1] انظر عن (محمد بن أحمد بن عبيد الله) في: تكملة الصلة لابن الأبار، والعبر 4/ 220، 221 وفيه «محمد بن أحمد بن عبد الله» ، وسير أعلام النبلاء 20/ 543، والعبر 4/ 220، 221، ومرآة الجنان 3/ 400، وشذرات الذهب 4/ 249.
[2] في تكملة الصلة.

(40/155)


130- مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن أَحْمَد.
أَبُو عَبْد الرَّحْمَن القيْسي، المُرْسي، الفقيه.
أخذ بقُرطُبة عَن: أَبِي مروان بْن سَمُرة، وطبقته.
ثمّ أقبل على مطالعة كُتُب الأوائل، فصار إماما فِيهَا، وَاللَّه أعلم بما يعتقده منها.
تُوُفي بمراكُش.
131- مُحَمَّد بْن عليّ بْن أَحْمَد بْن واصل [1] .
أَبُو المظفّر ابْن الموازينيّ، الْمَصْرِيّ، ثمّ البغداديّ سِبْط ابْن الإخوة.
روى عَن: ابْن بيان الرّزّاز.
وعنه: ابْن الأخضر، وابن الحُصْري.
132- مُحَمَّد بْن نسيم بْن عَبْد اللَّه [2] .
العَيْشوني [3] ، أَبُو عَبْد اللَّه.
كان نسيم مولى أَبِي الفضل بْن عَيْشُون.
سمع مُحَمَّد من: أَبِي الْحَسَن بْن العلّاف، وأبي القاسم بْن بيان.
روى عَنْهُ: ابْن الأخضر، والبهاء عَبْد الرَّحْمَن، والمأمون بْن أَحْمَد الرشيديّ، وعبد القادر الرّهاوي، والحسين بْن باز الموصليّ، وأبو الْحَسَن عليّ بن الجمّيزيّ، وآخرون.
__________
[1] انظر عن (محمد بن علي بن أحمد) في: ذيل تاريخ مدينة السلام بغداد 2/ 122 رقم 347، والمختصر المحتاج إليه 1/ 91، والعبر 4/ 221، وسير أعلام النبلاء 20/ 543 دون ترجمة، والبداية والنهاية 12/ 302، وشذرات الذهب 4/ 242، 243.
[2] انظر عن (محمد بن نسيم) في: العبر 4/ 251، والمختصر المحتاج إليه 1/ 153، والوافي بالوفيات 1105 رقم 2125، والبداية والنهاية 12/ 302، والنجوم الزاهرة 6/ 84، وشذرات الذهب 4/ 249.
[3] العيشوني: بالشين المعجمة. وقد وقع في (البداية والنهاية) : «العبسوني» . انظر: اللباب 2/ 368.

(40/156)


ومات شهيدا، فإنّه وقع من سُلم بيته فمات لوقته فِي جُمادى الآخرة.
133- مُحَمَّد بْن هِبَة اللَّه بْن عَبْد اللَّه [1] .
السدِيد، السلَمَاسي، الفقيه الشّافعيّ.
قال ابْن خَلكان [2] : هُوَ الَّذِي شهر طريقة الشّريف بالعراق. وقصده النّاس واشتغلوا عَلَيْهِ. وخرج من تلامذته علماء ومدرّسون منهم العماد مُحَمَّد والكمال مُوسَى ابنا يونس، والشّرف مُحَمَّد بْن علوان بْن مهاجر.
وكان مسدّدا فِي الفتوى. أعاد ببغداد بالنّظاميّة، وأتقن عدّة فنون.
وتُوُفي فِي شعبان.
134- المبارك بْن مُحَمَّد [3] بْن مكارم [4] بْن سكينة [5] .
أَبُو المظفّر.
بغداديّ محتشم.
روى عَن: أَبِي القاسم بْن بيان.
وعنه: ابْن الأخضر.
تُوُفي فِي رجب [6] بأرض السّواد.
__________
[1] انظر عن (محمد بن هبة الله) في: وفيات الأعيان 3/ 372، والمختصر المحتاج إليه 1/ 155، وطبقات الشافعية الكبرى للسبكي 4/ 195، وطبقات الشافعية الوسطى، له (مخطوط) 128 أ، ومرآة الجنان 3/ 400، 401، والوافي بالوفيات 5/ 156 رقم 2185، وطبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 1/ 350، 351 رقم 317.
[2] في وفيات الأعيان.
1/ 155، وطبقات الشافعية الكبرى للسبكي 4/ 195، وطبقات الشافعية الوسطى، له (مخطوط) 128 أ، ومرآة الجنان 3/ 400، 401، والوافي بالوفيات 5/ 156 رقم 2185، وطبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 1/ 350، 351 رقم 317.
[3] انظر عن (المبارك بن محمد) في: المختصر المحتاج إليه 3/ 175 رقم 1146، والمشتبه في الرجال 1/ 268، 269.
[4] في الأصل: «كامل» وهو سهو. والمثبت من المصدرين.
[5] سكّينة: بتشديد الكاف، بمعنى المدية.
[6] وله ثلاث وسبعون سنة.

(40/157)


ذمّه ابْن النّجّار، كان يأكل الرّبا.
135- المشرّف بن عليّ بن مشرّف بن المسلم.
أبو الفضل الأنماطيّ.
توفّي بالإسكندريّة. ومولده سنة ستّ وخمسمائة.
قاله ابن المفضّل الحافظ.
- المهذّب بن النّقّاش [1] .
الطّبيب.
هو عليّ بن عيسى البغداديّ، مرّ.
- حرف النون-
136- نفيس بن دينار.
الرّزّاز.
روى عَن: ابْن الحُصَيْن.
وعنه: تميم البَنْدَنِيجي.
- حرف الياء-
137- ياقوت النّقّاش.
عن ابْن الحُصَيْن.
وعنه: ابْن الأخضر، وجماعة.
وَفِيهَا وُلِد: الصّدر البكريّ، وإبراهيم بْن نجيب بْن بشارة بالقاهرة، والحسن بْن عليّ بْن منتصر الكببيّ، وأحمد بن حامد بن أحمد الأرياحيّ.
__________
[1] تقدّم برقم (122) .

(40/158)


سنة خمس وسبعين وخمسمائة
- حرف الألف-
138- أحمدُ بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن الْحَسَن [1] .
أَبُو بَكْر الفارسيّ.
شيخ رباط الزَّوْزَني ببغداد.
قال ابْن الدّبيثيّ: كان كثير العبادة دائم الصّوم والصّلاة والتّلاوة، وهو أصغر من أخيه الْحَسَن.
وقد سمع: هبة اللَّه بْن الطبر، وأبا بَكْر الْأَنْصَارِيّ، وابن رزيق الشَّيْبَانيّ، وغيرهم.
سمع منه: مُحَمَّد بْن سعد اللَّه الدجاجيّ، ومحمد بْن علي بْن الرأس.
تُوُفي كهلا فِي ذي القعدة.
139- أَحْمَد بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن سلمان بْن حمزة بْن الخضِر.
السُّلَميّ، الدّمشقيّ، أَبُو الْحُسَيْن.
سمع: عمّ أبيه عَبْد الكريم بْن حمزة.
روى عَنْهُ: أَبُو المواهب، وأبو القاسم ابنا صَصْرَى.
وتُوُفي فِي ذي القعدة وقد جاوز السّبعين رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى.
140- أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن ابن الدّينوريّ.
__________
[1] انظر عن (أحمد بن عبد الرحمن بن الحسن) في: الكامل في التاريخ 11/ 461، وذيل تاريخ مدينة السلام بغداد (مصورة مكتبة الدراسات العليا بجامعة بغداد رقم 446) ورقة 23 ب، والعسجد المسبوك 2/ 176، والمختصر المحتاج إليه 1/ 189 رقم 366، والوافي بالوفيات 7/ 45 رقم 2975.

(40/159)


أَبُو الْعَبَّاس البغداديّ. شَيْخ مُقِلّ.
سمع: أَبَا عليّ بْن المهديّ، وابن الحُصَيْن.
وعنه: أَبُو المحاسن القُرَشي، وابنه عَبْد اللَّه بْن عُمَر.
تُوُفّي فِي رَمَضَان.
141- أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن [1] .
أَبُو الْعَبَّاس اليافعيّ، السّبتيّ [2] .
روى عَن: شُرَيْح، والقاضي عِياض.
وعنه: أَبُو الخطّاب بْن دحية، وغيره [3] .
142- أَحْمَد بْن مَسْعُود بْن عَبْد الواحد بْن مطر.
أَبُو الْعَبَّاس الهاشميّ، البغداديّ.
سمع: أَبَا الغنائم النّرسيّ، وأبا الْحَسَن مُحَمَّد بْن مرزوق.
سمع منه: ابناه، وعمر بْن عليّ، وغير واحد.
وروى عَنْهُ: الشَّيْخ موفّق الدّين، والبهاء عَبْد الرَّحْمَن، وآخرون.
تُوُفي فِي شعبان وَلَهُ ثمان وسبعون سنة.
143- أَحْمَد بْن أَبِي الوفاء بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن عَبْد الصمَد [4] .
أَبُو الفتح البغداديّ، الحنبليّ، ابْن الصّائغ. ويُعرف بغلام أَبِي الخطّاب لخدمته لَهُ.
روى عن: أبي القاسم بن بيان.
__________
[1] انظر عن (أحمد بن محمد بن عبد الرحمن) في: تكملة الصلة لابن الأبار 166 رقم 320.
[2] ويعرف بابن المعذور.
[3] وقال ابن الأبّار: وتجوّل في بلاد الأندلس، وبلغ بلنسية، فسمع بها من أبي الحسن بن هذيل، وهناك لقيه ابن عياد، وأجاز له روايته. ومنها: كتاب «الإلماع» لعياض، حدّث به عنه ... ومولده حول الخمسمائة.
[4] انظر عن (أحمد بن أبي الوفاء) في: تاريخ إربل 1/ 98، 292، والعبر 4/ 222، والمختصر المحتاج إليه 1/ 228، وذيل طبقات الحنابلة 1/ 347، 348 رقم 165، والوافي بالوفيات 8/ 230 رقم 3668، وشذرات الذهب 4/ 249 وسيعاد مختصرا برقم (195) .

(40/160)


وحدّث بحلب، وحرّان.
روى عَنْهُ: الحافظ أَبُو مُحَمَّد عَبْد الغنيّ، والحافظ يوسف بن أحمد الشّيرازيّ، وأبو القاسم بن صصريّ، وإبراهيم بن أبي الحسن الزّيّات، وأخواه محمد وبركات، وعليّ بن سلامة الخيّاط، وعماد بن عبد المنعم بن منيع، وعبد الحقّ بن خلف، وسليمان بن أحمد المقدسيّ الفقيه، وابنه عبد الرزّاق بن أحمد.
وتوفّي بحرّان.
قال ابن النّجّار: درّس بحرّان وأفتى.
مولده سنة سبعين [1] وأربعمائة، وتوفّي سنة ستّ. كذا قَالَ فِي موته [2] .
144- إِبْرَاهِيم السّلميّ بْن عليّ [3] .
أَبُو إِسْحَاق السّلميّ، الأمِدي، ظهير الدّين ابْن الفرّاء.
قرأ ببعض الروايات على أَبِي عَبْد اللَّه البارع.
وسمع من: ابْن الحُصَيْن، والفراويّ.
وتفقّه على أسعد الميهَني.
وعلقَ الخلاف بنَيْسابور عَن الْإِمَام مُحَمَّد بْن يحيى.
وحدّث «بصحيح مسلم» .
ومولده سنة إحدى وخمسمائة.
وكان فقيها، مَهِيبًا، عارفا بمذهب الشّافعيّ.
ومن شِعره:
تَحَامَتْهُ غزْلان الحِمَى ومها النَّقا ... كما تَتَحَامى العَيْنُ سهْمًا مُفَوقا
وبات يُرَجى من مزار مزوّر ... وِصالًا مُحالًا واعتِذارًا منمّقا
وكم جمعت بين الشّتيتين غفوةٌ ... فما التَقَتِ الأجفانُ حتّى تفرّقا
__________
[1] في ذيل طبقات الحنابلة 1/ 347 ولد ببغداد سنة تسعين وأربعمائة. قاله ابن القطيعي عنه.
وقال أبو المحاسن القرشي عنه: سنة سبعين.
[2] ذكر ابن القطيعي وفاته في سنة 576 هـ.
[3] انظر عن (إبراهيم بن علي الآمدي) في: البداية والنهاية 12/ 304، 305.

(40/161)


145- إِبْرَاهِيم بْن عليّ بْن مواهب [1] .
أَبُو إِسْحَاق ابْن الزّرّاد الأزجيّ.
سمع: أَبَا الغنائم مُحَمَّد بْن عليّ النّرسيّ، وابن الحُصَيْن.
روى عَنْهُ: أَبُو سعد السّمعانيّ وهو أقدم منه، وأبو الْحَسَن القطيعيّ فِي تاريخه.
تُوُفي رَحِمَهُ اللَّهُ فِي تاسِع رجب.
146- إِسْحَاق بْن مَوْهُوب بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن الخَضِر [2] .
أَبُو طاهر بْن أَبِي منصور بْن الجواليقيّ.
سمع: زاهر بْن طاهر، وابن الحُصَيْن، وجماعة.
ووُلِد سنة سبْع عشرة.
147- إِسْمَاعِيل بْن موهوب بْن الجواليقيّ [3] .
أَبُو مُحَمَّد.
تُوُفي فِي شوّال بعد أخيه إِسْحَاق بشهرين.
وكان إِسْمَاعِيل أديبا لغَويًا. قرأ على والده.
وسمع من: ابْن الحُصَيْن، وأبي العزّ بْن كادش.
وأقرأ النّاس العربيّة بعد أَبِيهِ.
وروى عَنْهُ: ابْن الأخضر، وغيره.
ووُلِد سنة اثنتي عشرة وخمسمائة [4] .
قال ابْن النّجّار: كان من أعيان العلماء بالأدب صحيح النّقل، كثير
__________
[1] سيعيده برقم (196) .
[2] انظر عن (إسحاق بن موهوب) في: معجم الأدباء 6/ 88، وإنباه الرواة 1/ 230، ومرآة الزمان 8/ 355، والوافي بالوفيات 8/ 427 رقم 3901.
[3] انظر عن (إسماعيل بن موهوب) في: معجم الأدباء 2/ 358، وإنباه الرواة 1/ 210، ومرآة الزمان 8/ 355، 356، وذيل تاريخ بغداد لابن الدبيثي 250 أ، وذيل طبقات الحنابلة 1/ 346، 347 رقم 164، والبداية والنهاية 12/ 305، والوافي بالوفيات 9/ 230 رقم 4135، وبغية الوعاة 1/ 457، وشذرات الذهب 4/ 249.
[4] في مرآة الزمان 8/ 355 ولد سنة 511 هـ.

(40/162)


المحفوظ، ثقة، نبيلا، مليح الخطّ. تأدبَ على أَبِيهِ، وَلَهُ حَلْقة بجامع القصر. وقد كتّب أولاد الخلفاء كأبيه، مع التّزهّد والدّيانة والرّزانة.
قال ابْن الْجَوزي: ما رأينا ولدا أشبه أَبَاهُ مثل إِسْمَاعِيل بْن الجواليقيّ [1] .
148- إِسْمَاعِيل بْن أَبِي القاسم نصر بْن نصر.
العُكْبَري، أَبُو مُحَمَّد الواعظ.
سمع: أَبَا طَالِب بْن يوسف، وأبا سعد أَحْمَد بْن الطّيوريّ.
وتُوُفي فِي شوّال.
وولد سنة خمسمائة.
قال ابْن النّجّار: كان فقيها شافعيا، حَسَن الوعظ.
149- إلْيَسَعُ بْن عيسى بْن حزْم بْن عَبْد اللَّه بْن إلْيسَعُ [2] .
أَبُو يحيى الغافقيّ، الجيّانيّ، المقرئ.
سكن أَبُوهُ المَرِية.
أخذ القراءات عَن: أَبِيهِ، وأبي الْعَبَّاس القصير، وأبي القاسم بْن أَبِي رجاء، وأبي الْحَسَن شُرَيْح.
وسمع منهم، ومن: أَبِي عَبْد اللَّه بْن زُغَيْبة، وابن موهب الجذاميّ، وأبي
__________
[1] ذيل طبقات الحنابلة 1/ 347.
وقال المنذري: هو أحد الفضلاء النّسّاك، سمع من غير واحد، وحدّث.
وقال ابن الدبيثي: شيخ فاضل له معرفة بالأدب، وقور، حسن الطريقة، واختصّ بخدمة الخلفاء في أيام المستضيء.
وقال ابن النجار: روى لنا عَنْهُ ابن الأخضر، وأثنى عليه ثناء كثيرا.
[2] انظر عن (اليسع بن عيسى) في: تكملة الصلة لابن الأبّار (مخطوط) 3/ ورقة 140، والمطبوع 744، 745، ومعجم الشيوخ لابن الأبّار 334- 336، والمغرب 2/ 88، والعبر 4/ 222، 223، ومعرفة القراء الكبار 2/ 544، 545 رقم 490، وميزان الاعتدال 4/ 446، والمغني في الضعفاء 2/ 756، وسير أعلام النبلاء 20/ 553 دون ترجمة، ومرآة الجنان 3/ 402، وغاية النهاية 2/ 385، 386، ولسان الميزان 6/ 269، 270، وحسن المحاضرة 1/ 496، وشذرات الذهب 4/ 250، ونفح الطيب 2/ 379، وكشف الظنون 306، وهدية العارفين 2/ 536.

(40/163)


الفضل بْن مشرّف، وابن أخت غانم.
ولقي بِبَلَنْسيَة: أَبَا حفص بْن واجب، وأبا إِسْحَاق بْن خَفَاجة الشّاعر.
وأجاز لَهُ أَبُو مُحَمَّد بْن عتّاب، وأبو عمران بن أبي تليد، وجماعة.
ورحل واستوطن الإسكندرية، وأقرأ بها القراءات. ثمّ رحل إلى القاهرة واشتمل عَلَيْهِ الملك صلاح الدّين، وَرَسَم لَهُ جاريا يقوم به. وكان يُكْرمه ويحترمه ويقبل شفاعته. وكان مِن أوّل من خطب بالدّعوة العباسيّة.
وكان فقيها، مشاوَرًا، مُقْرئًا، محدّثا، حافظا نسّابة، بديع الخطّ، بليغ الإنشاء، رائق النظم. وَلَهُ تصنيف سمّاه «المُغرِب فِي محاسن المَغرب» .
قيل هُوَ متّهم فِي هذا التّصنيف.
روى عَنْهُ: أَبُو عَبْد اللَّه التّجيبيّ، والحافظ أَبُو الْحَسَن بْن المفضّل، وأَبُو الْحُسَيْن بْن الصّفراويّ، وآخرون.
وقرأ عَلَيْهِ بالروايات ابن الصّفروايّ، وغيره.
وتُوُفي فِي رجب وقد جاوز السّبعين.
- حرف التاء-
150-[تجَني] [1] أمّ عِتْب الوَهْبانية [2] .
عتيقة أبي المكارم بن وهبان.
__________
[1] في الأصل بياض. والمثبت من: الإستدراك لابن نقطة (مخطوط) باب: تجني ونحيي، والمختصر المحتاج إليه 3/ 259 رقم 1391، والعبر 4/ 223، ودول الإسلام 2/ 88، والمشتبه في الرجال 1/ 69، وسير أعلام النبلاء 20/ 550، 551 رقم 351، والإعلام بوفيات الأعلام 237، والمعين في طبقات المحدّثين 175 رقم 1872، وتذكرة الحفاظ 4/ 154 وفيه: «تحيي» ، والمستفاد من ذيل تاريخ بغداد 268، 269، والوافي بالوفيات 10/ 379، رقم 4873، والقاموس المحيط (مادة ج ن ي) وفيه ظنّها مسمّاة بالفعل المضارع من: جنيت، المبني للمجهول، أي تجنى، وتبصير المنتبه 1/ 194، والنجوم الزاهرة 6/ 8، والدارس في تاريخ المدارس 2/ 93، وشذرات الذهب 4/ 250، وتاج العروس 10/ 78، وأعلام النساء 1/ 165، 166، وانظر: الإكمال 1/ 503 بالحاشية.
[2] في دول الإسلام: «الربانية» .

(40/164)


شيخة مسندة معمّرة. وهي من آخر من سمع فِي الدّنيا من طِراد الزَّيْنَبي، وابن طلْحة النعَالي.
روى عَنْهَا: أَبُو سعد السّمعانيّ، والشّيخ الموفّق، والبهاء عَبْد الرَّحْمَن، والنّاصح بْن نجم الحنبليّ، وعبد الرّحيم بْن عُمَر بْن عليّ القُرَشي، وعمر بْن عَبْد العزيز بْن النّاقد، وعبد السّلام بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن سُكَيْنَة، وأبو الفُتُوح نصر بْن الحُصري، وهبة اللَّه بْن الْحَسَن الدّوامي، وسيّدة بِنْت عَبْد الرحيم بْن السهْروَرْدي، ومحمد بْن عَبْد الكريم السّيّديّ، وزُهرة بِنْت حاضر، وفخر النّساء بِنْت الوزير مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه ابْن رئيس الرؤساء، ويوسف بْن يحيى البزّاز، وأبو الوليد منصور بْن عَبْد اللَّه بْن عفيجة، وإبراهيم بْن الخيّر، ويحيى بْن القُمَيْرة، وآخرون.
قال ابْن الدّبيثيّ [1] : أجازت لنا، وتُوُفيت فِي شوّال.
- حرف الحاء-
151- الحجّاج بْن عليّ بْن حَجاج [2] .
أَبُو القاسم بْن الدّبيثيّ، الواسطيّ.
قال ابْن الدّبيثيّ: هُوَ جدّي لأمّي.
سمع بواسط من القاضي الجلّابيّ. وسمع ببغداد من: أَبِي السّعادات أَحْمَد بْن أَحْمَد، وابن الحُصَيْن.
وسألته عَن مولده فقال: سنة خمس وخمسمائة يوم عاشوراء وتُوفي رَحِمَهُ اللَّهُ فِي صَفَر.
سمعته يتمثّل بِشعْر.
152- الْحَسَن المستضِيء بأمر اللَّه [3] .
__________
[1] في المختصر المحتاج إليه 3/ 259.
[2] انظر عن (الحجّاج بن علي) في: المختصر المحتاج إليه ج 1.
[3] انظر عن (المستضيء بأمر الله) في: المنتظم 10/ 236 (18/ 190 وما بعدها) ، وسنا البرق-

(40/165)


أمير المؤمنين أَبُو مُحَمَّد بْن المستنجد باللَّه يوسف بْن المقتفي مُحَمَّد بْن المستظهر أَحْمَد بْن المقتدي، الهاشميّ، العبّاسيّ.
بويع بالخلافة بعد موت أبيه فِي ربيع الآخر سنة ستّ وستّين وخمسمائة. وكان القائم بأخذ البيعة لَهُ الوزير عَضُد الدّين أَبُو الفَرَج مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه ابْن رئيس الرؤساء واستوزره يومئذٍ.
وُلِد المستضيء في سنة ستّ وثلاثين وخمسمائة، وكان ذا حُلُم وأناة، وفيه رَأفة. وكان كثير الصدَقة والمعروف. وأمّه أرمنيّة تُدْعى غضة، وكان لَهُ من الولد أَحْمَد، وهو الْإِمَام النّاصر، وهاشم أَبُو منصور.
قال ابْن الْجَوْزي فِي «المنتظم» [1] : بايعه النّاس ونودي برفع المكوس، ورد مظالم كثيرة، وأظهر من العدل والكرم ما لم نره فِي أعمارنا. وفَرق مالا عظيما على الهاشميّين، والعلويّين، والعُلماء، والمدارس، والرُّبُط. وكان
__________
[ (-) ] الشامي 1/ 342، وخريدة القصر (قسم شعراء العراق) 1/ 9، والتاريخ الباهر 179، والكامل في التاريخ 11/ 459، وتاريخ دولة آل سلجوق 277، وزبدة التواريخ 286، وتاريخ الزمان 195، وتاريخ مختصر الدول 216، ومختصر التاريخ لابن الكازروني 237- 241، وتاريخ إربل 1/ 210 و 214 و 421، والفخري 319- 321، وخلاصة الذهب المسبوك 1278- 280، وتاريخ ابن الدبيثي (مخطوط دار الكتب الوطنية بباريس، رقم 5922) ورقة 22، ومرآة الزمان 8/ 356، ومضمار الحقائق 4، والمختصر في أخبار البشر 3/ 62، ومرآة الزمان 8/ 356، والمختصر المحتاج إليه 2/ 30، والإعلام بوفيات الأعلام 237، والعبر 4/ 223، وسير أعلام النبلاء 21/ 68- 72 رقم 24، ودول الإسلام 2/ 88، وتاريخ ابن الوردي 2/ 89، ونهاية الأرب 23/ 300- 308، والبداية والنهاية 12/ 304، ومرآة الجنان 3/ 401، والوافي بالوفيات 12/ 309- 311 رقم 280، والعسجد المسبوك 2/ 163، ومآثر الإنافة 2/ 50- 55، وتاريخ الخميس 2/ 409، وتاريخ ابن خلدون 3/ 528، والجوهر الثمين 1/ 212، 213، وفوات الوفيات 2/ 269- 271 رقم 19، والسلوك ج 1 ق 1/ 70، والنجوم الزاهرة 6/ 85، وتاريخ الخلفاء 444، وتاريخ ابن سباط 1/ 153، 154، وشذرات الذهب 4/ 250، 251، وأخبار الدول 177، وتحفة الناظرين للشرقاوي (على هامش: فتوح الشام للواقدي) 1/ 133.
وانظر كتاب: المصباح المضيء في خلافة المستضيء، لابن الجوزي.
[1] ج 10/ 436 (18/ 190) .

(40/166)


دائم البَذْل للمال ليس لَهُ عنده وقْع. ولمّا استخلف خلع على أرباب الدّولة وغيرهم، فحكى خيّاط المخزن أنّه فصّل ألفا وثلاثمائة قباء إبريسم. وخُطِب لَهُ على منابر بغداد، ونُثِرت لَهُ الدّنانير كما جَرَت العادة.
ووُلي رَوْح بْن الحديثيّ قضاء القضاة، ثمّ أمّر سبعة عشر مملوكا.
وللحَيْص بَيص فِيهِ:
يا إمام الهدى علوت من الجو ... د بمالٍ وفِضةٍ ونِضَارِ
فوهْبتُ الأعمارَ والأمْنَ والبلدان ... فِي ساعةٍ مَضَتْ من نَهَارِ
فبماذا نُثْني عليكَ وقد جَاوزتَ ... فضلَ البُحُورِ والأمطارِ
إنّما أنت مُعجزٌ مستقلٌ ... خارقٌ للعقول وللأفكار
جَمَعَتْ نفسك الشّريفة بالبأس ... وبالجود بين ماءٍ ونارِ
[1] قال ابْن الجوزيّ [2] : واحتجبِ المستضيء عن أكثر الناس، فلم يركب إلا مع الخدم، ولم يدخل عَلَيْهِ غير قيماز. وفي خلافته انقضت دولة بني عُبَيد المصريّين، وخُطِب لَهُ بمصر، وضُرِبت السّكّة باسمه، وجاء البشير بذلك إلى بغداد، فغلّقت الأسواق ببغداد وعلمت القباب. وصنفتُ كتابا سمّيته «النّصر على مِصْر» وعرضته على الْإِمَام المستضيء.
تُوُفي فِي شوّال.
قلت: رُزِق سعادة عظيمة فِي خلافته، وخُطِب لَهُ باليمن، وبَرقة، وتَوْرَز، ومصر إلى أسوان. ودانت الملوك بطاعته. وكان يطلب ابْن الجوزيّ، ويأمر بعقد مجلس الوعظ، ويجلس بحيث يُسمع، ويميل إلى الحنابلة.
وفي أيّامه ضَعُفَ الرفْض ببغداد ووهى، وأمن النّاس.
__________
[1] لم ترد هذه الأبيات في (ديوان الحيص بيص) بتحقيق مكي السيد جاسم وشاكر هادي شكر (بغداد 1974- 1975) ، كما لم ترد في خريدة القصر حيث ورد معظم شعره.
[2] في المنتظم.

(40/167)


قال ابْن النّجّار: وكان حليما، رحيما، شفيقا، ليّنا، كريما. نقلت من خطّ أَبِي طَالِب عَبْد السّميع أنّه كان من الأئمّة الموفّقين، كثير السّخاء، حَسَن السّيرة. إلى أن قَالَ: اتّصل بي أنّه وهب فِي يومٍ لجهاتٍ وحظايا زيادة على خمسين ألف دينار.
وقال عَبْد العزيز بْن دُلَف: ثنا مَسْعُود بْن النّاصر قَالَ: كنت أنادم المستضيء، وكان صاحب المخزن ابْن العطّار قد عمل تور كأنّه شمعدان شمعه من ألف دينار.
قال: فحضر وفيه الشّمعة، فلمّا قمت قام الخادم بها بين يدي، فأطلق لي التور.
مات فِي سَلْخ شوّال.
- حرف السين-
153- سالم بْن عليّ بْن سلامة [1] .
الدّلّال ابْن البيطار.
بغداديّ، سمع بنفسه من القاضي أَبِي بَكْر الْأَنْصَارِيّ، وعليّ بْن الصّبّاغ، وجماعة.
وحدّث [2] .
154- سَعِيد بْن عَبْد اللَّه بْن أَحْمَد بْن مفضّل [3] .
أَبُو القاسم الأزجيّ.
__________
[1] انظر عن (سالم بن علي) في: المختصر المحتاج إليه 2/ 99 رقم 710، والوافي بالوفيات 15/ 88، 89 رقم 117.
[2] قال ابن الدبيثي: سمع منه القرشي، وابن مشّق، وغيرهما، وكان صحيح السماع. توفي في آخر سنة خمس وسبعين وخمسمائة.
وقال ابن النجار: سمع الكثير وحصّل الأصول. وكان متيقّظا صالحا صدوقا.. وخرّج له ابن الأخضر فوائد في جزء لطيف، ورواه لنا عنه. ولد سنة إحدى وخمسمائة.
[3] انظر عن (سعيد بن عبد الله) في: المختصر المحتاج إليه 2/ 87 رقم 691.

(40/168)


سمع: أبيّا النّرسيّ، ومحمد بْن عَبْد الباقي الدّوريّ.
وكان كاتبا مذموم السّيرة.
سمع منه: أَبُو مُحَمَّد بْن الخشّاب، والقدماء [1] .
وتُوُفي فِي رَمَضَان [2] .
- حرف الشين-
155- شافع بْن صالح [3] بْن حاتم [4] .
الجيليّ، ثمّ البغداديّ. أخو الحافظ أَحْمَد بْن صالح. وشافع الأكبر.
وكان من عُدُول بغداد.
سمع: أَبَا سعد بْن الطيُوري، وهبة اللَّه بْن الحُصَيْن، وهبة اللَّه الشُرُوطي.
روى عَنْهُ: إلياس بْن جامع الإربليّ، وجماعة.
قال ابْن الدّبيثيّ: أجاز لنا.
وتُوُفي فِي آخر السّنة.
156- شهاب بْن أَبِي الفوارس مُحَمَّد بْن هبة اللَّه.
أَبُو شجاع البوّاب.
أسمعه خاله عليّ بْن سعد الخبّاز من: أَبِي نصر بْن رضوان، وهبة اللَّه بْن الحُصَيْن.
روى عنه غير واحد.
__________
[1] ولد سنة 497 هـ.
[2] في المختصر: «شعبان» .
[3] انظر عن (شافع بن صالح) في: المختصر المحتاج إليه 2/ 102 رقم 718، والتكملة لوفيات النقلة للمنذري 3/ 532 رقم 2932 في ترجمة ابنه (أبي المعالي صالح بن شافع بْن صالحُ بْن شافع بْن صالح بْن حاتم..) ، وذيل طبقات الحنابلة 1/ 49، والوافي بالوفيات 16/ 76 رقم 95، وشذرات الذهب 3/ 364.
[4] في الأصل: «حامد» وهو سهو.

(40/169)


- حرف العين-
157- عبد الله بن أحمد بن بكران [1] .
أَبُو مُحَمَّد الدّاهريّ، الضّرير، المقرئ والد عَبْد السّلام الخفّاف.
والدّاهرية من قُرى السّواد.
قرأ على سِبْط الخيّاط. وسمع من: أَبِي غالب بن البنّاء.
وتُوُفي راجعا من الحجّ.
158- عَبْد اللَّه بْن أَحْمَد بْن علي بْن قُرَشي.
أَبُو الوليد الحَجْري، القُرطُبي.
سمع من: أَبَا الوليد بْن الدّبّاغ، وأبي الْحَسَن بْن النّعمة، وجدّه لأمّه أَبِي الْحَسَن بْن فيد.
وصحِب أَبَا بَكْر عتيق ابْن الخصم وتأدّب به، وأبي الْحَسَن بْن سعد الخير.
ومَهَرَ فِي صناعة العربيّة واللُغة، وجلس لإقرائهما. وَلَهُ النظْم والنثْر.
أخذ عَنْهُ: أَبُو عَبْد اللَّه بْن سعادة النحْوي، وغيره.
159- عَبْد الحقّ بْن عَبْد الخالق بْن أحمد بن عَبْد القادر بن مُحَمَّد بن يوسف [2] .
أَبُو الْحُسَيْن الشَّيْخ، الثقة، من بيت الحديث والفضل.
__________
[1] انظر عن (عبد الله بن أحمد بن بكران) في: المختصر المحتاج إليه 2/ 130، ومعرفة القراء الكبار 2/ 572 رقم 529، وغاية النهاية 1/ 405.
[2] انظر عن (عبد الحق بن عبد الخالق) في: الكامل في التاريخ 11/ 461، وتاريخ إربل 1/ 35، 98، 132، 184، والمختصر المحتاج إليه 2/ 70، 71 رقم 873، والعبر 4/ 224، وسير أعلام النبلاء 20/ 552، 553 رقم 353، والمعين في طبقات المحدّثين 175 رقم 1871، ودول الإسلام 2/ 88، والإعلام بوفيات الأعلام 237، وتذكرة الحفاظ 4/ 1361، وتاريخ ابن الدبيثي 15/ 269، وذيل التقييد 2/ 115 رقم 1259، والعسجد المسبوك 2/ 176، 177، والنجوم الزاهرة 6/ 86، وشذرات الذهب 4/ 251.

(40/170)


ولد سنة أربع وتسعين وأربعمائة. وسمّعه أبوه الكثير من أبي الحسين بن الطّيوريّ، وجعفر السّرّاج، وأبي القاسم الرّبعيّ، وأبي سعد بْن خُشَيْش، وأبي الْحَسَن العلّاف، وابن بيان، وخلْق سواهم.
وكان أَبُو الفضل بْن شافع يقول: هُوَ أثبت أقرانه [1] .
وقال عَبْد العزيز بْن الأخضر: كان عَبْد الحقّ لَا يحدّث بما سمعه حُضُورًا. ترك ذلك تورّعا [2] .
روى عَنْهُ: ابْن السّمعانيّ، وذكره فِي «تاريخه» ، وأبو الفَرَج بْن الجوزيّ، وقال: كان حافظا لكتاب اللَّه، ديّنا، ثقة، سمع الكثير وحدّث [3] .
وهو من بيت المحدّثين [4] .
وقال البهاء عَبْد الرَّحْمَن: سمعنا كثيرا على عَبْد الحق، وكان من بيت الحديث فإنه روى لنا عَن أَبِيهِ عَن أَبِيهِ عَن أَبِيهِ.
قال: وكان صالحا فقيرا، وكان عَسِرًا فِي السَّماع جدّا. ورزُقت منه حظّا، لأَنَّه كَانَ يراني مُنْكَسرًا مُواظبًا، وكان يُعيرني الأجزاءَ فأكتبها. وألهِمَ فِي آخر عِمره القرآن، فكان يقرأ كُلَّ يوم عشرين جزءا أو أكثر [5] .
قلت: وَرَوَى عَنْهُ الحافظان: عَبْد العزيز بْن الأخضر، وعبد القادر الرّهاويّ، والشّيخ موفّق الدّين، والحافظ عَبْد الغنيّ، والشّهاب بْن راجح، وحمد بْن صِديق الحرّانيّ، وأبو الْحُسَيْن القطيعيّ، وعبد الرَّحْمَن بْن بخْتيار، وقَيصَر البوّاب، وإبراهيم بْن الخيّر، ويحيى بْن القُمَيْرَة، وعليّ بْن هبة اللَّه بْن الْجُمَّيْزيّ، والأعزّ بْن العُليق، ومحمد بْن عَبْد الكريم السّنديّ، وخلق سواهم.
وقال ابْن مَشقْ: تُوُفي فِي السادسِ والعشرين من جُمادى الأولى.
__________
[1] المختصر المحتاج إليه 2/ 70.
[2] المختصر المحتاج إليه 2/ 70.
[3] المختصر المحتاج إليه 2/ 71.
[4] المختصر المحتاج إليه 2/ 71.
[5] المختصر المحتاج إليه 2/ 71.

(40/171)


160- عَبْد المحسّن بْن تُرَيْك بْن عَبْد المحسن بْن تُرَيْك [1] .
أَبُو الفضل الأزَجي، البيّع.
سمع: أَبَا الغنائم النرْسِي، وأبا القاسم بْن بيان، وأبا عَبْد اللَّه الدّوريّ.
سمع منه: أَحْمَد وتميم ابنا أَحْمَد البَنْدَنِيجي، وعبد العزيز بْن الأخضر، والبهاء عَبْد الرَّحْمَن، ونصر بْن عَبْد الرّزّاق، وآخرون.
تُوُفي يوم عَرَفَة.
161- عُبَيْد اللَّه بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن قُدَامة.
أخو الشَّيْخ أَبِي عُمَر، والشّيخ الموفّق.
وُلِد فِي أوّل سنة خمسين، وعاش خمسا وعشرين سنة.
ومات فِي طريق الحجّ.
وقد سافر إلى بغداد، وسمع من: شُهْدَة، وعبد الحقّ، وجماعة.
وكان ذا مُروءة وكَرَم. رُمِيَ بسهمٍ بين مَكَّة وعَرَفات، فبقي منه مريضا حتّى مات بين تَيْماء والمدينة.
قال الضّياء: وسمعت أنّ ابنه الشّرف كان طفلا نائما، فانتبه فقال:
السّاعة يدفنون أَبِي. فَزَجَرَتْه أمّه. فلمّا قدِم الحاجّ تبيّن أنّهم دفنوه تلك اللّيلة.
خلّف من الولد: أَحْمَد، وسارة، وزينب.
162- عَلم [2] زَوْجَة الشّيخ مُحَمَّد بْن يحيى الزّبيديّ.
امْرَأَة زاهدة، صالحة، واعِظة.
قدِمَت بغداد مع زوجها. وهي أمّ المبارك وجدّة الْحُسَيْن.
تزوّج بها بدمشق، وعمّرت دهرا.
__________
[1] انظر عن (عبد المحسّن بن تريك) في: المختصر المحتاج إليه 2/ 87 رقم 915، والمشتبه في الرجال 1/ 72، والعبر 4/ 224، وسير أعلام النبلاء 20/ 553 دون ترجمة.
[2] في الأصل: «علما» والتصحيح من: المختصر المحتاج إليه 3/ 267 رقم 1420.

(40/172)


163- عليّ بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن عُمَر بْن حَسَن [1] .
أَبُو الْحَسَن العَلَوي الحسينيّ الزيديّ البغداديّ، القُدْوَة السيّد الفقيه الشافعيّ المحدّث.
قال ابْن الدّبيثيّ [2] : أحد الأعيان والزّهّاد والنّسّاك. حفظ القرآن وحصّل الفقه، وكتب الكثير من الحديث وجمعه. وكان نبيلا، جامعا لِصفات الخير.
سمعتُ شيخنا ابْن الأخضر يعظّم شأنه ويُثني عَلَيْهِ ويصف زُهده ودينه.
وقال: أوّل سماعه سنة أربعين وإلى آخر عمره.
سمع: الحافظ ابْن ناصر، وابن الزاغُوني، ونصر بْن العُكْبَري.
وانتخبَ لنفسه أجزاء، وحدّث بها وسمع منه شيوخه وأقرانه تَبَركًا به، منهم: عُمَر القُرَشي، وعمر العُلَيمي، وأبو المواهب بْن صَصْرَى.
وكان ثقة صدوقا. وُلِد سنة تسعٍ وعشرين وخمسمائة.
وتُوُفي فِي شوّال وأبواه فِي الحياة، ودُفِنَ بداره. ووقَفَ كُتُبه، وانتفع بها النّاس. فقيل إنّ الوزير عضُد الدّين ابْن رئيس الرؤساء لمّا عادَ إلى الوزارة بعث إليه بألف دينار، وكان نَذَرَها إن عاد إلى الوزارة، فلمّا سمع المستضيء بذلك بعث إلى الشّريف بألف دينار أخرى، وبعثت إليه بنفسه أمّ الخليفة بألف دينار، فلم يتصرّف فِيهَا بل بنى مسجدا واشترى كُتُبًا كثيرة وقفها [3] فِيهِ وانتفع بها النّاس [4] .
__________
[1] انظر عن (علي بن أحمد) في: المختصر المحتاج إليه 3/ 114، 115 رقم 975، والتاريخ المجدّد لمدينة السلام لابن النجار (مخطوطة الظاهرية) ورقة 1690، 170، ومرآة الزمان 8/ 356، 357، وذيل تاريخ بغداد 3/ 158- 162 رقم 740، و (المخطوط) 2/ ورقة 212 أ، وسير أعلام النبلاء 21/ 104، 105 رقم 49، والمعين في طبقات المحدّثين 175 رقم 1873، وطبقات الشافعية الكبرى للسبكي 4/ 271، والنجوم الزاهرة 6/ 86، والعسجد المسبوك 2/ 177.
[2] في المختصر المحتاج إليه.
[3] في الأصل: «فوقها» .
[4] وقال ابن النجار: أبو الحسن العلويّ الحسني الزيدي نسبا الشافعيّ مذهبا، وكذا رأيت-

(40/173)


164- عليّ بْن حُمَيْد بْن عمّار [1] .
أَبُو الْحَسَن الأنصاري، الأطرابلسي، ثم المكي، النحوي، المقرئ.
حدث فِي هذا العام «بصحيح الْبُخَارِيّ» ، عَن أَبِي مكتوم عيسى بن أبي ذر الهروي سماعا، وهو آخر مَن سمع منه.
روى عَنْهُ: محمد بن عبد الرحمن التجيبي الأندلسي، وعبد الرَّحْمَن بْن أَبِي حَرَميّ فُتُوح بْن بَنِين الْمَكِّيّ العطّار، وناصر بْن عَبْد اللَّه الْمَصْرِيّ العطّار
__________
[ (-) ] نسبه بخط يده، كان أحد الأعيان المشار إليهم بالزهد والعبادة والفضل والعفة والنزاهة، وحسن الطريقة، وصحّة العقيدة، وسلامة الطويّة، قطع أوقاته في العبادة، ومواصلة الطاعة، وطلب العلم ودرسه وكتابته والسعي في تحصيله حتى مكّن الله منزلته في قلوب الناس، فأحبّه الخاص والعام، ووقع له القبول في الأرض حتى كان يقصده الأماثل والأعيان لزيارته والتبرّك به، وهو مع ذلك متواضع في طلب العلم وحضور مجالس الحديث والسماع من كل راو وصحبة طلب العلم والنسخ والتحصيل لا يفتر من ذلك، وكان موصوفا بحسن الخلق، والخلق وطيب الملقى وحسن العشرة وحلاوة الألفاظ والجود والمروءة، وبذل ما بيده، وتفقد المتحملين، والإفضال على الناس، وسمع الحديث الكثير، وقرأ بنفسه وكتب بخطه، واستكتب بخط غيره، وحصّل الأصول الكثيرة حتى صار له من الكتب المصنّفة والمسانيد والأجزاء شيء كثير، فوقفه بمسجده الّذي استجدّه بدار دينار الصغيرة، وشاركه في الوقفية شريكه رفيقه صبيح النصري، وأضاف إلى كتبه ما حصّله من كتب وما كتبه بخطه واستكتبه بخط غيره، وكان على طريقة جميلة من حسن الصحبة وصحة النيّة وسلامة الطويّة حتى كأنهما روحان في جسد.. وبالغ في الطلب حتى طلب من أقرانه، وعمّن هو دونه، وحدّث باليسير لأنه مات شابا قبل أوان الرواية..
قرأت في كتاب القاضي أبي المحاسن عمر بن علي القرشي بخطه قال: وممن مات في شوال في هذه السنة في هذا الطاعون- يعني سنة خمس وسبعين وخمسمائة- الشريف الزاهد وليّ الله أبو الحسن علي بن أحمد بن عمر بن الزيدي، وكان عالما فاضلا، حافظا عارفا له المجاهدات الكثيرة والمعرفة التامة، والأحوال الحسنة والكرامات الظاهرة لو أتيت ما شاهدت له من الكرامات، وما حدّثني به الثقات من ذلك لقام من ذلك كراريس، ومات عن قريب من سبع وأربعين سنة، وكان رفيقي في السماع سنين كثيرة. (ذيل تاريخ بغداد) .
[1] انظر عن (علي بن حميد) في: سير أعلام النبلاء 20/ 541 (دون ترجمة) ، والعقد الثمين لقاضي مكة 6/ 156، 157، وذيل التقييد، له 2/ 191 رقم 1413. وقد تقدّم برقم (12) .

(40/174)


نزيل مَكَّة ستّين عاما، وأبو الربيع سُلَيْمَان بن أحمد السّعديّ المغربل الشّاوي، وآخرون.
وحدّث فِي سنة خمسٍ وسبعين.
165- عليّ بْن هبة اللَّه بْن عليّ بْن خلدون [1] .
أَبُو المعالي الواعظ.
وُلِد ببغداد، ونشأ بالكوفة، وحجّ، ودخل مِصْر فتعلّم الوعْظ، ثمّ قدِم دمشقَ وسمع بها من أَبِي الْحُسَيْن عليّ بْن المَوَازيني. وسكنها حتّى مات.
روى عَنْهُ: أَبُو المواهب بْن صَصْرَى وقال: تُوُفي فِي ربيع الآخر عَن ثلاثٍ وتسعين سنة ممتَّعًا بحواسّه.
قلت: وَرَوَى عَنْهُ: عتيق السّلمانيّ، ومكّيّ بْن عِلان.
166- عُمَر بْن عَليّ بْن الخَضر بْن عَبْد اللَّه بْن عليّ [2] .
أبو المحاسن القرشيّ، الزّبيريّ، الدّمشقيّ، القاضي، الحافظ.
قال ابْن الدّبيثيّ [3] : حافظ، ثقة، عالم. عِني بطلب الحديث وبسماعه وكتابته:
وسمع بدمشق، وحلب، وحَران، والمَوْصِل، وبغداد، والكوفة، والحجاز، ورزق الفهم والحديث.
سمع: أَبَا الدُّر ياقوت، وأبا القاسم بن البنّ، وأبا طالب عبد
__________
[1] انظر عن (علي بن هبة الله) في: المختصر المحتاج إليه 3/ 146 رقم 10066، والتاريخ المجدّد لابن النجار (مخطوطة باريس رقم 2131) ورقة 65، 66، وسير أعلام النبلاء 20/ 553 دون ترجمة، والإعلام بوفيات الأعلام 237، والنجوم الزاهرة 6/ 86.
[2] انظر عن (عمر بن علي) في: المختصر المحتاج إليه 3/ 101، 102 رقم 944، والتاريخ المجدّد لابن النجار (مخطوطة باريس) ورقة 113، والكامل في التاريخ (حوادث 575 هـ.) ولقبه: نعنع، وتلخيص مجمع الآداب ج 5/ رقم 1483، والعبر 4/ 224، وسير أعلام النبلاء 21/ 105، والإعلام بوفيات الأعلام 237، والمعين في طبقات المحدّثين 175 رقم 1874، ومرآة الجنان 3/ 402، والعسجد المسبوك 2/ 177، والنجوم الزاهرة 6/ 86، وشذرات الذهب 4/ 252.
[3] في المختصر المحتاج إليه.

(40/175)


الرَّحْمَن بْن العجميّ، وحامد بْن محمود الحرّانيّ.
وقدِم بغدادَ فِي سنة ثلاثٍ وخمسين، وسكنها. وسمع: أَبَا الوقت، وأبا جعفر العبّاسيّ، وأَبَا المظفّر بْن التُريْكي، وأَبَا مُحَمَّد بْن المادح، فمن بعدهم.
حتى سمع من أصحاب قاضي المَرِسْتان.
وصحِب أَبَا النّجيب السّهرورديّ. وولّاه قاضي القضاة رَوْح بْن الحديثيّ قضاء الحريم.
ونُفذَ رسولا إلى نور الدّين وما كان بلغ الثّلاثين سنة.
سمع منه: أَبُو سُكرة الباقداريّ، وأحمد بن أحمد البَنْدَنِيجي، وأبو الفُتُوح بْن الحصْري، وابنه أَبُو بَكْر عَبْد اللَّه بْن عُمَر.
وأجاز لي.
وُلِد بدمشق فِي شَعْبان سنة ستّ وعشرين.
وتُوُفي فِي ذي الحجّة.
167- عيسى بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بن عُبَيْد اللَّه [1] .
أَبُو هاشم الدُّوشابي [2] ، الهاشميّ، العبّاسيّ، البغداديّ، الهرّاس. وهو منسوب إلى دوشاب بْن عليّ العبّاسيّ.
سمع من: أَبِي عَبْد اللَّه الْحُسَيْن بْن عليّ بْن البُسْري.
قال أَبُو سعد السّمعانيّ: كان هرّاسا. كتبتُ عَنْهُ حديثين.
قلت: وَرَوَى عَنْهُ: البهاء عَبْد الرَّحْمَن، وأبو بَكْر عَبْد اللَّه بْن نصر قاضي حرّان، وحمد بْن صُدَيق، وابن المقيّر، وجماعة.
توفّي في رجب.
__________
[1] انظر عن (عيسى بن أحمد) في: الأنساب 5/ 263، 264، واللباب 1/ 513، والمختصر المحتاج إليه 3/ 152 رقم 1084، والعبر 5/ 225، وسير أعلام النبلاء 21/ 83، والإعلام بوفيات الأعلام 237.
[2] الدّوشابي: بضم الدال المهملة وسكون الواو وفتح الشين المعجمة وفي آخرها باء موحّدة. هذه النسبة إلى دوشاب، وهو الدبس بالعربية، وبيعه أو عمله.

(40/176)


168- عيسى بْن الْإِمَام المسترشد باللَّه.
تُوُفي كهلا فِي المحرّم.
- حرف القاف-
169- القاسم بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن دحمان [1] .
أَبُو مُحَمَّد الْأَنْصَارِيّ، المالقيّ، المقرئ.
قال الأبّار: أخذ القراءات عَن أَبِي منصور بْن الخير، وأبي عَبْد اللَّه ابْن أخت غانم، وأبي الْحُسَيْن بْن الطّراوة، وأبي الفتح سَعْدون المراديّ أخذ عَنْهُ كُتُب النّحو.
وناظر فِي «المدوّنة» على: أَبِي مُحَمَّد بْن الوحيديّ، وأبي عَبْد اللَّه بْن الأديب. وسمع منهما «صحيح الْبُخَارِيّ» .
وأجاز لَهُ أَبُو بحر الأسَدي، وأبو عَبْد اللَّه بْن الحاجّ، وجماعة.
وكان مقرِئًا جليلا، نحويّا ماهرا، عالما بالقراءات والعربيّة، متصوّرا لإقرائها. حدّث عَنْهُ جماعة من شيوخنا.
وقد أخذ عَنْهُ: أَبُو زيد السُهَيْلي مَعَ تقدّمه، وأبو الْحَسَن بْن خروف.
تُوُفي بمالقة وقد نيّف على الثّمانين.
- حرف الميم-
170- مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن الفَرَج [2] .
أَبُو منصور الدّقاق، البغداديّ الوكيل بباب القاضي. وهو أحد الإخوة الأربعة.
__________
[1] انظر عن (القاسم بن عبد الرحمن) في: التكملة لكتاب الصلة لابن الأبّار (مخطوط) 3/ ورقة 101، والمطرب لابن سعيد 216، وبغية الملتمس للضبّي 450، 451 رقم 1307، والذيل والتكملة لكتابي الموصول والصلة 5 ق 2/ 545، 546، ومعرفة القراء الكبار 2/ 551 رقم 500، وغاية النهاية 2/ 19، وبغية الوعاة 2/ 255.
[2] انظر عن (محمد بن أحمد بن الفرج) في: تاريخ إربل 1/ 184، والمختصر المحتاج إليه 1/ 9.

(40/177)


سمّعه خاله الحافظ مُحَمَّد بْن ناصر من أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن المَحَامِلي، وعبد اللَّه بْن أَحْمَد بْن السّمرقنديّ، وأبي طَالِب اليُوسُفي، وأبي العزّ القلانِسي.
وحدّث عَنْهُمْ. وكان ثقة.
روى عَنْهُ: الحافظ أَبُو بَكْر الخازميّ، وأبو مُحَمَّد بْن الأخضر، والبهاء عَبْد الرَّحْمَن، وطائفة سواهم.
وتُوُفي فِي ذي الحجة. وكان مولده في سنة أربع وخمسمائة.
وأوّل سماعه سنة إحدى عشرة من ابْن يوسف.
171- مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن بْن الْحَسَن بْن الخليل [1] .
أَبُو الفَرَج الأديب الهيتيّ.
سمع: أَبَا القاسم بْن الطبر، وعبد الوهّاب الأنماطيّ.
وقرأ العربيّة على ابْن الشّجريّ.
كتب عَنْهُ ابْن السّمعانيّ مع تقدّمه، وتُوُفي فِي ربيع الآخر [2] .
172- مُحَمَّد بْن خير بْن عُمَر بْن خليفة [3] .
__________
[1] انظر عن (محمد بن الحسين) في: مرآة الزمان 8/ 357، 358.
[2] ولد بهيت سنة 495 هـ. وسكن بغداد وكان صالحا فاضلا، له نظم ونثر وله براعة في ذلك:
يا راقدا أسهر لي مقلة ... عزيزة عندي وأبكاها
ما آن للهجران أن ينقضي ... عن مهجة هجرك أفناها
إن كنت ما ترحمني فارتقب ... يا قاتلي في قتلي الله
وله من النثر:
من كان الصمت شجرته، كانت السلامة ثمرته.
في احتراز اللبيب، ما يغنيه عن الطبيب.
من ترك المراء، استمال الورى.
[3] انظر عن (محمد بن خير) في: بغية الملتمس للضبي 75 رقم 113، وتكملة كتاب الصلة-

(40/178)


المقرئ، الأستاذ، الحافظ، أَبُو بَكْر اللّمتونيّ، الإشبيليّ.
أخذ القراءات عَن شُريْح، واختصّ به حتّى برع وفاق.
وسمع من: أبي مروان الباجيّ، وأبي بَكْر بْن العربيّ.
ورحل إلى قرطبة فسمع من: أَبِي جعفر بْن عَبْد العزيز، وابن عمّه أَبِي بَكْر، وأبي القاسم بْن بقيّ، وابن مغيث، وابن أَبِي الخصال، وطائفة.
قال الأبّار [1] : وكان مكثرا إلى الغاية بحيث انّه سمع من رفاقه، وسمع أكثر من مائة نفر. وَلَا نعلم أحدا من طبقته مثله. وتصدّر بإشبيليّة للإقراء والإسماع. وأخذ النّاس عَنْهُ. وكان مقرئا مجوّدا، ومحدّثا مُتقنًا، أديبا، نَحويًا، لغويّا، واسع المعرفة، رضا، مأمونا. ولما مات بيعت كتبه بأغلى ثمن لصحّتها.
ولم يكن لَهُ نظير فِي هذا الشّأن مع الحظّ الأوفر من علم اللّسان.
تُوُفي فِي ربيع الأوّل، وكان لَهُ جنازة مشهودة.
ووُلِد سنة اثنتين وخمسمائة.
أكثر عَن شيخنا ابْن واجب.
173- مُحَمَّد ابْن قاضي القضاة أَبِي الْحَسَن علي بْن أَحْمَد بْن عَليّ بْن مُحَمَّد بْن عَلِيّ [2] .
القاضي أبو الفتح بن الدّامغانيّ.
__________
[ (-) ] لابن الأبّار 2/ 523- 525، والعبر 4/ 225، والمعين في طبقات الحفاظ 175 رقم 1875، ومعرفة القراء الكبار 2/ 558، رقم 512، وتذكرة الحفاظ 4/ 1366، وسير أعلام النبلاء 21/ ومرآة الجنان 3/ 402، والوافي بالوفيات 3/ 51 رقم 949، وغاية النهاية 1/ 139، وبغية الوعاة 1/ 41، وطبقات الحفاظ للسيوطي 483، وشذرات الذهب 4/ 252، ومعجم طبقات الحفاظ 156 رقم 1073.
[1] في تكملة الصلة.
[2] انظر عن (محمد بن علي بن أحمد) في: ذيل تاريخ مدينة السلام بغداد 2/ 125 رقم 352، والمختصر المحتاج إليه 1/ 91، وتلخيص مجمع الآداب 4/ رقم 1219، والجواهر المضيّة 2/ 21، ومرآة الزمان 8/ 358.

(40/179)


كان عارفا بمذهب أَبِي حنيفة، وناب فِي الحُكْم عَن والده.
وتُوُفي شابا عَن تسعٍ وعشرين سنة [1] .
174- مُحَمَّد بْن عليّ بْن حمزة بْن مُحَمَّد [2] أَبُو يَعْلَى بْن الأقساسيّ [3] ، العلويّ، الشّريف، الكوفيّ، أخو النّقيب أَبِي مُحَمَّد الْحَسَن بْن عليّ.
كان أديبا، شاعرا [4] .
سمع من: أَبِي النّرسيّ، وأبي البركات عُمَر بْن إِبْرَاهِيم العَلويّ.
وتُوُفّي فِي ذي الحجّة وقد قارب الثّمانين.
175- مُحَمَّد بْن القاضي عياض بْن مُوسَى بْن عياض [5] .
اليحصُبي السّبتيّ أَبُو عَبْد اللَّه قاضي دانية.
قيل: تُوُفي فِي هذه السّنة، أو سنة اثنتين وسبعين [6] .
__________
[1] وقال سبط ابن الجوزي: من بيت الرئاسة والفضل والقضاء استنابه أبوه في القضاء، وكان فاضلا نزها عفيفا.
[2] انظر عن (محمد بن علي بن حمزة) في: الكامل في التاريخ 11/ 188، وذيل تاريخ مدينة السلام بغداد 2/ 126 رقم 353، وتلخيص مجمع الآداب 4/ 698 رقم 2894، والمختصر المحتاج إليه 1/ 92، والوافي بالوفيات 4/ 155، 156 رقم 1689، والعسجد المسبوك 2/ 178.
[3] الأقساسي: بفتح الألف وسكون القاف والألف بين السينين المهملتين. هذه النسبة إلى الأقساس وهي قرية كبيرة بالكوفة. (الأنساب 1/ 333) .
[4] من شعره:
ربّ قوم في خلائقهم ... غرر قد صيّروا غررا
ستر الإثراء عيبهم ... سترى إن زال ما سترا
ومنه أيضا:
وكنت إذا خاصمت خصما كببته ... على الوجه حتى خاصمتني الدراهم
فلما تنازعنا الخصام تحكّمت ... عليّ وقالت: قم فإنك ظالم
[5] انظر عن (محمد بن عياض) في: الوفيات لابن قنفذ 288 رقم 575، والديباج المذهب 289، الوافي بالوفيات 4/ 294 رقم 1826.
[6] في الديباج المذهب وفاته سنة 595 هـ. وقال ابن قنفذ في (الوفيات) إنه توفي بغرناطة، وعرّف في تآليفه بأبيه.

(40/180)


176- مُحَمَّد بْن أَبِي غالب بْن أَحْمَد بْن مرزوق [1] .
الحافظ أَبُو بَكْر الباقداريّ [2] ، الضّرير.
قدِم بغداد في صباه من باقدارى، وقرأ على جماعة.
وسمع الحديث من خلق كثير.
وقال ابْن الدّبيثيّ: وانتهى إليه معرفة رجال الحديث وحفظه، وعليه كان المعتمد فِيهِ [3] .
وقال أَبُو الفتوح بْن الحُصْري: هُوَ آخر من بقي من حفّاظ الحديث الأئِمة [4] .
وقال ابْن الدّبيثيّ: سمعتُ غير واحدٍ من شيوخنا يذكرون أَبَا بَكْر الباقداريّ، ويصفُونه بالحفْظ ومعرفة الرجال، والمُتُون، والإتقان، مع كونه ضريرا مقصورا، إلَّا أنّه كان حفَظَة، حَسَن الفهم.
سمع: أَبَا مُحَمَّد سبط الخيّاط، وابن ناصر، وابن الزّاغونيّ، والفضل بْن سهل الإسْفَرَائيني، والنّاس بعدهم.
وبلغني أنّ ابْن ناصر كان يُراجع الباقداريّ فِي أشياء، ويرجع إلى قوله [5] .
وقال الحافظ زكيّ الدّين عَبْد العظيم، وذكر الباقداريّ فقال: كان أَبُوهُ أحد حُفاظ بغداد المشهورين بمعرفة الرجال، والتّقدّم مع ضرره [6] .
__________
[1] انظر عن (محمد بن أبي غالب) في: العبر 4/ 225، والمعين في طبقات المحدّثين 175 رقم 1876، وفيه «محمد بن غالب» ، ومرآة الجنان 3/ 2- 4، وذيل طبقات الحنابلة 1/ 344- 346 رقم 162، وشذرات الذهب 4/ 252.
[2] الباقداري: بكسر القاف، نسبة إلى باقدارى بالقصر. قرية من قرى بغداد. (شذرات الذهب) .
[3] ذيل طبقات الحنابلة 1/ 344.
[4] ذيل طبقات الحنابلة 1/ 345.
[5] ذيل طبقات الحنابلة 1/ 345.
[6] ذيل طبقات الحنابلة 1/ 345.

(40/181)


قلت: وسمع منه: إِبْرَاهِيم الشّعّار، وعمر بْن عليّ القُرَشي، ونصر بْن الحُصْري.
وقال ابْن الدّبيثيّ: أَنَا عَبْد اللَّه بْن عُمَر الوكيل، أَنَا الحافظ أَبُو بَكْر، أَنَا ابْن الزاغُوني، وسعيد بن البنّاء، وابن المادح قَالُوا: أَنَا أَبُو نصر الزَّيْنَبي، فذكر من البعث أنّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُوفيت بنته زينب، فخرج لجنازتها.. الحديث.
تُوُفي الحافظ أَبُو بَكْر فِي ذي الحجّة كهْلًا.
وكانت بنته «عجيبة» من أسند شيوخ بغداد. سمّعها واستجاز لها الكبار.
177- مُحَمَّد بْن مُحَمَّد [1] .
الأنباريّ، أَبُو الفَرَج.
صاحب ديوان الإنشاء ببغداد. ناب فِي الوزارة.
وقد كتب الإنشاء سبعة عشر عاما وأشهرا.
وحدّث عَن: عَبْد اللَّه بْن أَحْمَد بْن السمَرْقَنْدي.
تُوُفي فِي ذي القعدة وَلَهُ ثمان وستّون سنة.
روى عَنْهُ: أَحْمَد بْن طارق الكَرْكي.
وكان ناقص الفضيلة، ظاهر القصور فِي التَرسُل. وإنّما رُوعي لأجل والده سديد الدّولة مُحَمَّد بْن عَبْد الكريم.
178- مُحَمَّد بْن محرز [2] .
أبو عَبْد اللَّه الوَهْرَاني المغربيّ، ركن الدّين. وقيل جمال الدّين.
أحد ظُرفاء العالم وأدبائهم. قدِم من بلاده إلى ديار مِصْر وهو يدّعي أنّه
__________
[1] انظر عن (محمد بن محمد) في: الكامل في التاريخ 11/ 461، ومضمار الحقائق 135، 136، والعسجد المسبوك 2/ 178، ومرآة الزمان 8/ 358.
[2] انظر عن (محمد بن محرز) في: وفيات الأعيان 4/ 385، 386 رقم 656، والعبر 4/ 225، 226، والوافي بالوفيات 4/ 386- 389 رقم 1945، وشذرات الذهب 4/ 252، وتاريخ الأدب العربيّ 1/ 489.

(40/182)


يعرف صناعة الإنشاء، فرأى بها القاضي الفاضل والعماد الكاتب وتلك الحلبة، فعلم من نفسه أنّه ليس من طبقتهم، فسلك سبيل الهزل، وعمل المنامات المشهورة [1] ، والرسائل المعروفة. ولو لم يكن فِي ذلك إلَّا المنام الكبير لكفاه، فإنّه ما سُبِق إلى مثله.
قدم دمشق وأقام بها مُدَيْدَة، وبها تُوُفي فِي رجب.
وأمّا وَهْران فمدينةٌ كبيرةٌ على أرض القيروان بينها وبين تلْمِسان يومان.
بُنيت سنة تسعين ومائتين.
ومن كلامه، ممّا كتب به إلى القاضي الأثير: «فالخادم كلّما ذكر تلك المائدة الخصيبة، وما يجري عليها من الخواطر المصيبة علِم أنّ التخلّف عَنْهَا هُوَ المصيبة. لكنّه إذا ذكر ما يأتي بعدها من القيام والقعود، والركوع والسّجود، علم أنّ هذا أجْرة ما يأكله من تلك الوليمة، نحو من عشرين تسليمة، كلّ لُقْمة بنقْمة، فما تحصل الشّبعة إلَّا بأربعين ركعة، فيكون الدّعوة عَلَيْهِ لَا لَهُ، والحضور فِي الشّرطة أحبّ إليه منها لَهُ. فزهدتُ حينئذٍ فِي الوصول، إذ ليس للخادم من الدّين، وَلَا قوّة اليقين، ما يهجز لأجله مؤاكلة الوجوه القمريّة، بمشاهدة السّنّة العمرية. فموعد الإتمام انقضاء شهر الصّيام، والسّلام» .
وكتب رُقْعة إلى ابْن القاسم العَوْني الأعور: يا مولاي الشَّيْخ الزّاهد، دبّوس الْإِسْلَام، لتّ الفقهاء، قنطاريّة العلماء، تافروت الأئمّة، طبل باز السّنّة، نصر اللَّه خاطرك، وستر ناظرك. أنت تعلم أنّ اللَّه ما خلقك إلَّا تلْعة، فكُنْ فِي رقاب الرّافضة واليهود، وما صوّرك إلَّا لالكة فِي رءوس المبْتَدِعة، وأراذل الشّهود. وأنت بلا مِرْية جعموس عظيم، ولكنْ فِي ذقون الزّائغين، فاللَّه ينفعك بالإسلام، وَلَا يوقعك يوم القيامة فِي يد عليّ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وأنْ ينقذك من الهاوية، بشفاعة معاوية.
__________
[1] طبعت باسم «منامات الوهراني ومقاماته ورسائله» ، بتحقيق: إبراهيم شعلان ومحمد تغش. وصدرت عن دار الكاتب العربيّ للطباعة والنشر بالقاهرة 1387 هـ. / 1968 م.

(40/183)


وله: وصل كِتَاب الأمير المولى تقيّ الدّين مصطفى أمير المؤمنين- أطال اللَّه بقاءه-، حتّى يتوب المخلص من القيادة، وينقطع المُعيدي إلى العبادة، بألفاظ أحسن من فتور الألحاظ، ومعاني كترجيع المغاني. وكان ذلك أجمل فِي عيني من الرَّوض غبّ السَّحاب، وألذّ من الصَّفْع بخفاف القِحاب، لَا بل أحلى من مطابقة الزّامر للعَوَّاد، وأَشْهى إلى النّفس من مواعيد القوَّاد، فطرب المملوك وَلَا طَرَب فلان الفُلاني لما اجتمع بفلانة فِي دعوة فلان فِي المحرّم من هذه السّنة، وغنَّت لَهُ:
ما غيَّر البُعْد ودّا كنت تعرفه ... وَلَا تبدَّل بعد الذكْر نسيانا
ولا ذكرت صديقا كنت آلفه ... إلَّا جعلتك فوق الذّكر عنوانا
فإنّه لمّا سمع ذلك قام وقعد، وصاح ولطم، وفتل شَعْر عنْفُقَته، وأدار شربوشه على رأسه، وشقّ غلالته، وجَرَى إلى الشّمعة ليحرق ذقنه بها ولم يزل يحلف بحياة الجماعة، لَيَسْكِبَن قدحه فِي سُرتها، ويتلقّاه ويستقيه من بين أشفارها، بحيث أن يكون لحيته ستارة على ثُقبها، فمنعه عشيقها، فحلف برأس الملك العظيم ليشْرِبَن بخُفها، فقال: هذا هيّن، فلو أردت أن أسقيك بالخفّ ثلاثمائة فَعَلْت. فَعَبَّ فِي الخُف إلى أن وقع. لَا وَاللَّه وَلَا طَرَب الصّوفية ليلة العيد، إذا حضر عندهم مرتضى المغنّي، معشوق العماد الكاتب، وقد أسبل شَعْره على كتفيه، وأمسك أَبُو شعيب الشّمعة بين يديه، وهو يغنّي لابن رشيق القيروانيّ:
فتور عينيك ينهاني ويأمرني ... وورد خدّيك يغري بي ويغريني
أمّا لئن بِعْت ديني واشتريت به ... دنيا فما بِعت فيك الدّين بالدُّونِ
سُبحانَ من خَلَق الأشياء قاطبة ... تُراه صوّر ذاك الجسم من طينِ
استغفر اللَّه لَا وَاللَّه ما نَفَعَتْ ... من سِحْرِ مُقْلته آياتُ ياسين
فإنّهم لمّا سمعوا هاجوا وماجوا، وصاحوا وناحوا، وزعقوا وقفزوا إلى السّماء، وفتلوا حتّى انخسف ببعضهم الموضع، فنُبِشوا وكُفنوا ودُفنوا، والباقون يرقصون وَلَا يدرون.

(40/184)


وبعد هذا فالّذي فعله مولانا تقيّ الدّين من التقاء الْجَمْع الكثير بالعدد القليل عين الخطأ، لأنّه ما المغرورُ بمحمودٍ وإنْ سَلِم. فاللَّه اللَّه لَا يكون لها مَثنوية، وَلَا يرجع المولى يلتقي ألفا وستّمائة فارس إلَّا أن يكون فِي ثلاثين ألفا، بشرط أن يكون العدوّ مثل حمزة الزّامر، وعثمان الجنكيّ، وأبي عليّ العوّاد، وحُمَيدة المخنّث، وأمثال هؤلاء الفرسان، ويكون جُنْدك مثل فُلان وفُلان الّذين ما اجتمع المملوك بواحدٍ منهم إلَّا تجشّأ فِي وجهي سيوف وسكاكين، ويزعم أنّه يُقرقش الحديد. والرأي عندي غير هذا كلّه. وهو أن تستقيل من الخدمة، وتنقطع فِي بستان القابون، وتنكث التّوبة، وتجمع عُلُوق دمشق، وقِحاب الموصل، وقَوادين حلب، ومغاني العراق، وتقطع بقية العُمر على القصْف، وتتّكل على عفْو العفوّ الرحيم. فَيَوْمٌ من أيّامك فِي دِمياط مكفّر لهذا كلّه. فإنْ قِبلت منّي فأنت صحيح المِزاج، وإنْ أبَيْت ولعنت كلّ من جاء من وَهْران، فأنت منحرف، محتاج إلى العلاج.
وله، جواب كِتَاب إلى الكِنْدي: «فأمّا تعريضه لخادمه بالقِيَادة، وعَتَبِه عليّ بالتّزويج بالنّساء العَوَاهر، فسيّدي معذور، لأنّه لم يَذُق حلاوة هذه الصّفعة، ولو أنّه- أدام اللَّه عزّه- خرج يوما من البيت، ولم يترك إلَّا ثمن الخُبْز والْجُبن، ورجع بعد ساعة، وجد السَنْبُوسَك المورّد، والدّجاج المسمّن، والفاكهة المنوّعة، والخُضْرة النّضرة، فتربّع فِي الصدْر، فأكل وشرب وطرِب، ولم يخرج فِي هذا كلّه إلَّا التّغافل وحُسْن الظّنّ، وقِلة الفضول لَسَأل اللَّه أن يُحْييه قوّادا، وأن يُميته قوّادا، وأن يحشره مع القوّادين.
ويظنّ الخادم أنّه فِي هذا القول كجالب التّمر إلى هجر، و (ربّ حامِل فقهٍ إلى من هُوَ أفقه منه) [1] ، ومهما جهل من فضل نكاح المِلاح النهِمات،
__________
[1] ما بين القوسين جزء من الحديث المشهور: «نضّر الله امرأ سمع مقالتي هذه فوعاها وحفظها وعقلها، فربّ حامل فقه ليس بفقيه» . وفي رواية: «نضّر الله امرأ سمع منّا حديثا فحفظه حتى يبلّغه غيره، فربّ حامِل فقهٍ إلى من هُوَ أفقه منه، وربّ حامل فقه ليس بفقيه» .

(40/185)


فلا يجهل أنّ أكل الحلاوة مع النّاس أحسن من أكل الخرا منفردا» .
179- مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن عثمان.
أَبُو الفضل بْن الدباب البابَصْري، الدّبّاس.
عن: عَبْد اللَّه بْن الحُصَيْن، وأحمد بْن المُجلي.
وعنه: مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن صالح الْجِيلي.
وكان شيخا صالحا، كثير الصّدق.
مات فِي شعبان.
180- المبارك بْن علي بْن الْحُسَيْن بْن عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد [1] .
أَبُو مُحَمَّد بْن الطّبّاخ البغداديّ، الحنبليّ. نزيل مَكَّة.
كان إمام الحنابلة بِمَكَّةَ ويكتب العُمر [2] ويبيعها.
سمع: أَبَا السّعادات أَحْمَد بْن أَحْمَد المتوكّليّ، وهبة اللَّه بْن الحُصَيْن، وابن كادَش، وإسماعيل بْن أَبِي صالح المؤذّن، وجماعة.
ونسخ بخطّه [3] .
__________
[1] انظر عن (المبارك بن علي) في: المنتظم 10/ 216، وتاريخ ابن الدبيثي 15/ 338، والمختصر المحتاج إليه 3/ 172 رقم 1139، والإعلام بوفيات الأعلام 237، والعبر 4/ 226، وذيل طبقات الحنابلة 1/ 346 رقم 163، وذيل التقييد لقاضي مكة 2/ 286 رقم 1637، والعقد الثمين، له 7/ 119، والعسجد المسبوك 2/ 177، 178، وشذرات الذهب 4/ 253.
[2] أي يكتب مناسك العمرة للمعتمرين الذين لا يعرفون مناسكها.
[3] طبع بروايته كتاب «الكنى والأسماء» لأبي بشر محمد بن أحمد بن حمّاد الدولابي، في حيدرآباد الدكن سنة 1322 هـ.، وجاء في أوله: «أخبرنا الشيخ الإمام الحافظ أبو محمد المبارك بن علي بن الحسين مكاتبة من مكة- شرّفها الله تعالى- ونقلته من خطّه» .
وتكرّر ذكره ثانية في ج 2/ ص 2 منه: «أبو محمد المبارك بن علي بن الحسين الطباخ البغدادي في كتابه إليّ من مكة» .
وقال ابن رجب: وعني بالطلب، وسمع الكثير، وقرأ بنفسه، وكتب بخطّه. وكان صالحا ديّنا ثقة، وهو كان حافظ الحديث بمكة في زمانه، والمشار إليه بالعلم بها.

(40/186)


سمع منه: أبو سعد السمعاني مع تقدمه.
وروى عَنْهُ: أَبُو مُحَمَّد بْن قدَامة، وابن الأخضر، وغير واحد.
وتُوُفي فِي شوّال.
أخبرني عَبْد الحافظ، أَنَا ابْن قُدَامة، أَنَا ابْن الطّبّاخ، أنا زاهر، وإسماعيل بْن المؤذّن بالمسلسل بالأوّليّة.
181- المبارك بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن قيداس.
أَبُو المعالي الحريميّ.
سمع: ابْن بيان، وأبيّا النرْسي.
وعنه: عَبْد اللَّه بْن أَحْمَد الخبّاز.
وكان ظريفا مطبوعا.
بقي إلى هذه السّنة، وتُوُفي فِي الغُربة.
182- المبارك بْن مُحَمَّد بْن عَبْد الكريم بْن أَبِي الفوارس [1] .
أَبُو الفُتُوح الهاشميّ، البغداديّ.
سمع: ابْن بيان، وابن نبهان.
وقرأ القرآن على: أَبِي بَكْر المزْرَفي.
سمع منه: عُمَر القُرَشي، وابن الأخضر.
وتُوُفي رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى فِي ذي القعدة.
183- محمود بْن تكَش [2] .
الأمير شهاب الدّين الحارِمي صاحب حماه. خال السّلطان صلاح الدّين يوسف بن أيّوب.
__________
[1] انظر عن (المبارك بن محمد) في: المختصر المحتاج إليه 3/ 175 رقم 1147.
[2] انظر عن (محمود بن تكش) في: البرق الشامي 3/ 53، وسنا البرق الشامي 1/ 268، 269، والروضتين ج 1 ق 2/ 707، ومفرّج الكروب 2/ 70، ومرآة الزمان 8/ 343، والسلوك ج 1 ق 1/ 66، والبداية والنهاية 12/ 298، 299، وعقد الجمان (مخطوط) 12/ ورقة 211 ب. وقد تقدّم في وفيات 573 هـ. برقم (90) .

(40/187)


مات فِي هذه السّنة كهْلًا [1] .
184- مكّيّ بْن مُحَمَّد بْن عَبْد الملك.
الهَمَذَانيّ، أَبُو مُحَمَّد الشّعّار.
من بيت الحديث.
ذكره ابْن النّجّار فقال: كان حافظا ذا فَهمٍ ثاقب وإدراك. وكان من أصحاب الحافظ أَبِي العلاء العطّار، خِصيصًا به، مُقَدمًا عنده.
قدِم بغداد، وحدّث عَن: مُحَمَّد بْن عليّ بْن كاكوَيْه الكاتب، وأبي الْحَسَن مُحَمَّد بْن عَبْد الملك الكرجيّ، وأبي جَعْفَر مُحَمَّد بْن أَبِي عليّ الحافظ، وهبة اللَّه ابْن أخت الطّويل.
روى عنه: محمد بن محمود الحرّانيّ، وأبو الحَسَن القطيعيّ.
وتوفّي في المحرّم عن 52 سنة.
185- منصور بْن نصر بْن منصور بْن الْحُسَيْن [2] .
أَبُو بَكْر بن العطّار الحرّانيّ، ثمّ البغداديّ، الكاتب الوزير.
كان أَبُوهُ من كبار التّجّار.
قال ابْن النّجّار: نشأ أَبُو بَكْر، وسمع الكثير وقرأ العلم.
وقال ابن الدّبيثيّ: لقبه ظهير الدّين.
سمع من: ابن ناصر، وأبي بكر بن الزاغوني، وأبي الوقت.
سمع منه: مكّيّ الغرّاد.
__________
[1] مرض عند نزول الفرنج على حماه، ومرض ولده تكش الأمير وهو شاب في ريعان إبانه، وعنفوان حسنه وإحسانه. فمات يوم الأربعاء سابع جمادى الآخرة، ومات شهاب الدين يوم الأحد بعده بثلاثة أيام. واتفق ذلك وقت وقعة الرملة. فأصيب السلطان في الشام.
بخاله وابن أخته منه. (سنا البرق 1/ 268، 269) .
[2] انظر عن (منصور بن نصر) في: الكامل في التاريخ 11/ 447، والمنتظم 18/ 191، 193، 197، 222، 230، ومرآة الزمان 8/ 358- 360، والمختصر المحتاج إليه 3/ 191، رقم 1204، وسير أعلام النبلاء 21/ 84، 85 رقم 32، والفخري 321 و 323.

(40/188)


فلمّا مات أبوه بسط يده بالمال وخالط الدّولة.
قال ابن النّجّار: ورث نعمة طائلة، وخالط الكبراء وأرباب المناصب، وبذل معروفه، وتوصّل حتّى صار له اختصاص بالإمام المستضيء قبل أن يلي الخلافة. فلمّا استخلف قرّبه وولّاه مُشارفة المخزن، ثمّ ولّاه نظر المخزن والوكالة المطلقة، وارتفع أمره. فلمّا قُتِلَ الوزير أَبُو الفَرَج ابْن رئيس الرؤساء ردّ المستضيء جميع أمور دواوينه إليه، ونابه فِي الوزارة. وكان كلّ الدولة يحضرون عَلَيْهِ. وكان يولّي ويعزل. وكان شَهْمًا مِقدامًا، لَهُ هيبة عظيمة، وشدّة وطأة، ولم يزل على ذلك حتّى مات المستضيء، فأقرّه النّاصر على نظر المخزن فقط، ثمّ خلّاه أيّاما وقبض عَلَيْهِ وسجنه أيّاما، ومات.
وبلغني أنْ مولده سنة أربع وثلاثين وخمسمائة.
وأنبأنا ابْن الجوزيّ [1] قَالَ: منصور بْن العطّار كان مِقْدامًا على القطْع والصلْب، ولمّا مات حُمِل إلى بيت أخته، فأخْرج بعد الصُبْح، فعلم به النّاس فضربوا التّابوت بالآجُر، ثمّ رُمي فطُرح التّابوت فِي النّار، وخرّق الكفن، وأخذ القُطْن، فأخرج عريانا، وشُد فِي رجْله حبلٌ، وسُحِب إلى المدبغة.
ورمَوْه فِيهَا. ثمّ سُحِب إلى قراح أَبِي الشحْم، والصّبيان يصيحون بين يديه: يا مولانا وقّع لنا. إلى أن جاء جماعة من الأتراك فاستخلصوه منهم، ولفّوه فِي شقّة، ومضوا به فألقوه فِي قبر والده [2] .
تُوُفي فِي ذي القعدة وأراح اللَّه منه، إلَّا أنّه كان نقمة وعذابا على الشّيعة.
__________
[1] في المنتظم.
[2] وقال ابن الطقطقي: ومن طريف ما وقع في ذلك أن بعض الأتراك عمّر حمّاما وجعل مجراته تجوز على دار بعض الجيران. فتأذّى ذلك الجار بتلك المجراة، فشكا ذلك إلى الوزير، فزبره ولم يأخذ بيده، وقال له: إن لم تسكت وإلّا جعلت رأسك في المجراة، فيقال: إنّ ابن العطار لما سحبه العوامّ ومثّلوا به اجتازوا به على باب الحمّام المذكور، فاتفق أنه وقع في المجراة، فسحبوه فيها خطوات، فتعجّب الناس من ذلك. (الفخري 323) .

(40/189)


186-[منوجهر] [1] بْن مُحَمَّد بْن تركانشاه.
أَبُو الفضل الكاتب. كاتب الأمير قُطْب الدّين قايماز المستنجديّ.
قال ابْن النّجّار: كان أديبا فاضلا، صادقا، حَسَن الطّريقة، صدوقا.
سمع: أَبَاهُ أَبَا الوفاء، وهبة اللَّه بْن أَحْمَد المَوْصِلي، وأبا القاسم بْن بيان، والقاسم بْن عليّ الحريريّ رَوَى عَنْهُ المقامات مِرارًا. وهو آخر من رواها عَنْهُ ببغداد.
روى عَنْهُ: أَبُو سعد السّمعانيّ [2] .
وثنا عَنْهُ: ابْن الأخضر، وأبو الفُتُوح بْن الحُصْري، وأحمد بْن البَنْدَنِيجي، وسعيد بْن المبارك الحماميّ.
وقرأتُ مولده بخطّه فِي شوّال سنة تسع وثمانين وأربعمائة.
وحدّث بكتاب «إصلاح المنطق» عَن أَبِي عَبْد اللَّه البارع.
قلت: وأصله من بروجرد، وهو بغداديّ.
وروى عَنْهُ: البهاء عَبْد الرَّحْمَن، ونصر بن عبد الرّزّاق الجيليّ، ويوسف بْن عُمَر بْن صُفَير، وطائفة سواهم.
وتُوُفي فِي جُمادى الآخرة.
- حرف النون-
187- نصر اللَّه بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن عَبْد السّلام [3] .
__________
[1] في الأصل بياض، والمستدرك من: المختصر المحتاج إليه 1/ 67 و 3/ 202، 203 رقم 1235، ومعجم الأدباء 7/ 193، والمستفاد من ذيل تاريخ بغداد 233 رقم 179، والعبر 4/ 226، وفيه «متوجهر وتركشاه» ، والعسجد المسبوك 2/ 178، وبغية الوعاة 2/ 399، وشذرات الذهب 4/ 254.
[2] وهو ذكره في تاريخه فقال: هو أخو تركانشاه، يكون مولده تقريبا سنة أربع وتسعين وأربعمائة، سمع بقراءة والدي جزءا من هبة الله الموصلي.
[3] انظر عن (نصر الله بن عبد الرحمن) في: الكامل في التاريخ 11/ 461، والمختصر المحتاج إليه 3/ 208 رقم 1246، والجواهر المضية 2/ 197، والعسجد المسبوك 178.

(40/190)


أَبُو الفُتُوح الدامغانيّ، الحنفيّ، الفقيه.
كان مُفتيًا، مناظِرًا ببغداد، كثير العبادة، ديّنا خيّرا رَحِمَهُ اللَّهُ.
- حرف الياء-
188- يوسف بْن أَحْمَد بْن الْحُسَيْن.
أَبُو طَالِب اللّبّان. لَهُ دكّان ببغداد لبيع اللّبن.
سمع: أَبَا المعالي أَحْمَد بْن الْبُخَارِيّ، وأخاه هبة اللَّه، وأبا العزّ بْن كادش.
وعنه: أَحْمَد بْن البَنْدَنِيجي، وعبد الرَّحْمَن بْن عُمَر بْن الغزّال.
مات فِي شعبان عَن خمسٍ وسبعين سنة.
189- يوسف بْن عَبْد اللَّه بْن سَعِيد بْن عَبْد اللَّه بْن أَبِي زيد [1] .
الأندلسيّ اللّرييّ [2] الأستاذ أَبُو عُمَر بْن عيّاد [3] .
أخذ القراءات عَن: أَبِي عَبْد اللَّه بْن أَبِي إِسْحَاق.
وقدِم بَلَنْسِيَة سنة ثمان وعشرين وخمسمائة، ولقي بها أعلام المقرءين:
أبا مروان بن الصّيقل، وابن هذيل، وأبا الحسن بن النّعمة، فأخذ عنهم.
وسمع من: أبي الوليد بن الدّبّاغ، وطارق بن يعيش، وخلق.
وكتب إليه أبو القاسم بن ورد، وأبو محمد بن عطيّة.
__________
[1] انظر عن (يوسف بن عبد الله) في: تكملة الصلة لابن الأبّار (مخطوط) 3/ ورقة 141، ومعرفة القراء الكبار 2/ 554، 555 رقم 506، وتذكرة الحفاظ 4/ 1361، والعبر 4/ 226، وسير أعلام النبلاء 21/ 180، 181 رقم 91، ومرآة الجنان 3/ 402، وغاية النهاية 2/ 397، وطبقات الحفاظ 484، ونيل الابتهاج للتنبكتي 351، وشذرات الذهب 4/ 254، ومعجم طبقات الحفاظ والمفسرين 190 رقم 1074، وإيضاح المكنون 1/ 54، 545 و 2/ 60، 70، 325، وهدية العارفين 2/ 552، 553، والأعلام 9/ 317، ومعجم المؤلفين 13/ 313.
[2] تحرّفت هذه النسبة في غاية النهاية إلى «اللدي» بالدال.
[3] تصحّفت في العبر إلى «عباد» .

(40/191)


وكان معنيّا بصناعة الحديث، جمّاعة للدّفاتر والدّواوين، معدودا في الأثبات المكثرين. سمع العالي والنّازل، ولقي خلقا، ولو اعتنى بذلك من أوّل أمره اعتناءه به فِي الآخر لبذّ أقرانه وفات أصحابه.
وكان يحفظ أخبار المشايخ وينفق عليهم ويعتني بهم، ويؤرّخ وفياتهم ويدوّن قصصهم، وفي ذلك أنفق عمره.
وكان قد شرع فِي تذييل كِتَاب ابْن بَشكُوال، وَلَهُ كِتَاب «الكفاية فِي مراتب الرّواية» و «المرتضى في شرح المنتقى لابن الجارود» ، و «بهجة الألباب في شرح الشّهاب» ، و «الأربعون حديثا فِي النّشر وأهوال الحشر» ، «وأربعون حديثا في وظائف العبادة» ، و «المنهج الرائق في الوثائق» ، و «بهجة الحقائق فِي الزّهد والرقائق» ، وكتاب «طبقات الفقهاء» من عصر ابْن عَبْد البرّ إلى عصره.
حدّث عَنْهُ: ابنه أَبُو عَبْد اللَّه مُحَمَّد، وأبو الحَجاج بْن عَبدَة، وأبو مُحَمَّد بْن غَلْبُون، وغيرهم.
وصفه بعض أصحابه بالمشاركة فِي الآداب والفقه وفهم القراءات.
وكان من أهل التّواضع والخُلُق السهْل.
واستشهد ببلده عند كبسة العدوّ، فقاتل حتّى أثخِن جراحا، ثمّ أجهزوا عَلَيْهِ، وذلك يوم العيد. وعاش سبعين سنة رَحِمَهُ اللَّهُ. ترجمه الأبّار [1] .
190- يوسف بْن عُمَر بْن الحَسَن [2] .
أَبُو الحَجاج بْن البستنيان البغداديّ، المقرئ.
سمع: أَبَا طَالِب بْن يوسف، وحدّث.
وتوفّي في المحرّم وقد شاخ.
__________
[1] في تكملة الصلة.
[2] انظر عن (يوسف بن عمر) في: المختصر المحتاج إليه 3/ 234 رقم 1319.

(40/192)


وَفِيهَا وُلد ابْن عَبْد الدائم، والإمام مجد الدّين إِسْمَاعِيل بْن باطيش الفقيه، ومحمد بْن الأنجب النّعّال، وعبد الغنيّ بْن بنين، والعماد أَبُو بَكْر بْن هلال بْن عبّاد الحنفيّ.

(40/193)


سنة ست وسبعين وخمسمائة
- حرف الألف-
191- أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن عَلِيِّ بْن هبة اللَّه بْن عَبْد السلام [1] .
أبو الغنائم الكاتب.
سمّعه أَبُوهُ أَبُو الفتح من: جَدّه، وأبي الغنائم بْن المهتدي باللَّه، وأبي عليّ بْن المهديّ، وابن الحُصَيْن.
روى عَنْهُ: أَحْمَد بْن طارق الكَرْكي، وغيره.
ذُبِح غِيلة فِي جُمادى الأولى ولم يُعلم بوفاته.
192- أَحْمَد بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن علي بْن حمدي [2] .
أَبُو المظفّر البغداديّ، المقرئ، الشّاهد.
قرأ القراءات عَلَى أَبِي مُحَمَّد سِبْط الخَيّاط، وقبله على أَبِي بَكْر المَزْرَفي، وأبي عَبْد اللَّه البارع.
وأقام بعد بمسجد ابْن جردة. وكان طيّب الصّوت مجوّدا.
سمع: أَبَا سعد بْن الطُيُوري، وأبا العزّ بْن كادش، وزاهر بْن طاهر، وابن الحُصين، وخلْقًا سواهم.
وحدّث بالكثير. وولد سنة عشر وخمسمائة.
وتوفّي في جمادى الأولى.
__________
[1] سيعاد برقم (243) .
[2] انظر عن (أحمد بن أحمد) في: المختصر المحتاج إليه 1/ 171، والوافي بالوفيات 6/ 228، 229 رقم 2699، ومرآة الزمان 8/ 361.

(40/194)


روى عَنْهُ: أَبُو مُحَمَّد بْن قُدامة، والبهاء عَبْد الرَّحْمَن، ومحمد بْن مقبل بْن المَني [1] .
193- أَحْمَد بْن عَبْد اللَّه بْن الْإِمَام أَبِي بَكْر مُحَمَّد بْن أَحْمَد [2] .
الشّاشيّ، ثمّ البغداديّ، العلّامة أَبُو نصر مدرّس النّظاميّة، وأحد المصنّفين فِي المذهب.
تفقّه على أَبِيهِ، وعلى أَبِي الحسين بْن الخَل [3] .
وسمع من أَبِي الوقت.
ومات شابّا رَحِمَهُ اللَّهُ.
194- أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن إبراهيم [4] .
__________
[1] وبالغ في الطلب حتى كتب عن أصحاب طراد، وابن البطر، وابن طلحة، ومن دونهم، وكتب بخطه كثيرا وكان خطّه جيدا ونقله حسنا، وله معرفة بالحديث، وحدّث بأكثر مسموعاته وسمع منه الكبار.
قال ابن النجار: وكان ثقة صدوقا، حدّثنا عنه الحافظ أبو محمد ابن الأخضر، وله طريقة غريبة في التلاوة يقصده الناس لسماعها. وتوفي سنة ست وسبعين وخمسمائة بالمخزن كان به معتقلا وحمل إلى بيته فدفن بباب حرب لأنه تولى نظر ديوان الجوالي أيام الإمام المستضيء ثم عزل واعتقل.
[2] انظر عن (أحمد بن عبد الله) في: تاريخ ابن الدبيثي (مخطوطة شهيد علي) ورقة 163، وسير أعلام النبلاء 21/ 85 رقم 33، وطبقات الشافعية الكبرى للسبكي 4/ 39، والوافي بالوفيات 2/ 73، و 7/ 117 رقم 3044.
[3] ولازم ابن الخلّ حتى برع، وولي التدريس بالنظاميّة.. وحدّث باليسير، وكانت له معرفة بالفقه.
[4] انظر عن (أحمد بن محمد بن أحمد السلفي) في: الأنساب 7/ 105، 106، وتاريخ دمشق (أحمد بن عتبة- أحمد بن محمد بن المؤمّل) 7/ 179- 182 رقم 109، والكامل في التاريخ 11/ 469، واللباب 1/ 550، وتاريخ إربل 1/ 132، 215، 216، 245، والتقييد لابن نقطة 176- 180 رقم 199، وتكملة إكمال الإكمال لابن الصابوني 6، 11، 14، وتاريخ ابن الدبيثي 15/ 119، والروضتين 2/ 16، ووفيات الأعيان 1/ 155- 107، والتدوين في أخبار قزوين 2/ 224- 226، ومرآة الزمان 8/ 361، وبدائع البدائه لابن ظافر 252 و 350، والتكملة لوفيات النقلة للمنذري (الطبعة الأولى) 3/ 151، وتلخيص مجمع الآداب لابن الفوطي ج 4 ق 2/ 1135، والوفيات لابن قنفذ 289 رقم 576، وطبقات الشافعية للنووي (مخطوط) ورقة 42، وملء العيبة للفهري (انظر فهرس الأعلام) 2/ 484، وأزهار الرياض 3/ 167، 283، والمختصر المحتاج إليه 1/ 206، -

(40/195)


الحافظ الكبير أَبُو طاهر بْن أَبِي أَحْمَد بْن سِلَفة الأصبهانيّ، الْجَرْواني، وجَرْوان: محلّة بأصبهان. وسِلَفة لقب أَحْمَد وإليه يُنْسَب.
قال الحافظ عَبْد الغنيّ: سمعت السِّلَفيّ يقول: أَنَا أذكر قتل نظام المُلْك فِي سنة خمسٍ وثمانين، وكان عمري نحو عشر سِنين. وقد كتبوا عنّي فِي أول سنة اثنتين وتسعين وأنا ابْن سبْع عشرة سنة أكثر أو أقلّ، وليس في
__________
[ (-) ] والعبر 4/ 227، وتذكرة الحفاظ 4/ 1298، وميزان الاعتدال 1/ 155 رقم 610، وأهل المائة فصاعدا (نشر في مجلّة المورد العراقية) 134، وسير أعلام النبلاء 21/ 5- 39 رقم 1، والمعين في طبقات المحدّثين 176 رقم 1879، والإعلام بوفيات الأعلام 237، ودول الإسلام 2/ 89، والوافي بالوفيات 7/ 351- 356 رقم 3344، وطبقات الشافعية الكبرى للسبكي 4/ 210، وطبقات الشافعية الوسطى، له (مخطوط) ورقة 37 أ، ومرآة الجنان 3/ 403، 404، والبداية والنهاية 12/ 307، والمستفاد من ذيل تاريخ بغداد 68- 72 رقم 45، وذيل التقييد لقاضي مكة 1/ 371، 372 رقم 721، وغاية النهاية 1/ 102، 103 رقم 472، وتوضيح المشتبه 5/ 131، 132، وذيل تاريخ ابن الفرات 9/ 23، وطبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 1/ 338، 339 رقم 304، وطبقات الشافعية للإسنويّ 2/ 58، 59 رقم 644، ولسان الميزان 1/ 299، 300 رقم 880، والتاج المكلّل للقنوجي 34، والعسجد المسبوك 2/ 181، 182، وتبصير المنتبه 2/ 738، والسلوك ج 1 ق 1/ 63، 72، وعقد الجمان للعيني (مخطوط) 16/ ورقة 630، والنجوم الزاهرة 6/ 88، وحسن المحاضرة 1/ 354، وطبقات الحفاظ 469، وتاريخ الخلفاء 457، ومختصر تاريخ دمشق لابن منظور 3/ 229 رقم 278، وشذرات الذهب 4/ 255، وديوان الإسلام لابن الغزّي 3/ 94 رقم 1175، وكشف الظنون 54، 587، 982، 996، 997، 1044، 1696، وإيضاح المكنون 2/ 508، وفهرس الفهارس للكتاني 2/ 339- 342، والأعلام 1/ 215، ومعجم المؤلفين 2/ 75، 76، وتهذيب تاريخ دمشق 1/ 449، ومعجم طبقات الحفاظ والمفسرين 57 رقم 1047، وموسوعة علماء المسلمين في تاريخ لبنان الإسلامي (تأليفنا) ق 2 ج 1/ 355- 357 رقم 210، ودراسات في تاريخ الساحل الشامي (لبنان في العصر الفاطمي) - التاريخ الحضاريّ- (تأليفنا) 324- 326.
وانظر للسلفي كتابه «معجم السفر» ففيه معلومات كثيرة عنه. وانظر: مختصر معجم السفر، الّذي نشره الدكتور إحسان عباس في (أخبار وتراجم أندلسية) بيروت 1963- ص 5- 14، والجزء الأول من معجم السفر الّذي نشرته د. بهيجة الحسني- بغداد 1398 هـ. / 1978، ونقد الكتاب المذكور للدكتور بشار عوّاد معروف في مجلّة المورد العراقية- مجلّد 8، العدد 1، بغداد 1979، ومقدّمة كتاب سؤالات الحافظ السلفي لخميس الحوزي، بتحقيق مطاع الطرابيشي، طبعة دار الفكر دمشق 1403 هـ. / 1983 م.

(40/196)


وجهي شعرة كالبخاريّ، يعني لمّا كتبوا عَنْهُ.
وأوّل سماع السلَفي سنة ثمانٍ وثمانين.
سمع من: القاسم بْن الفضل الثّقفيّ، وسمع من: عَبْد الرَّحْمَن بْن مُحَمَّد بْن يوسف السمْسار، وسعيد بْن مُحَمَّد الجوهريّ، ومحمد بْن مُحَمَّد بْن عَبْد الوهّاب المَدِينيّ، والفضل بْن عليّ الحنفيّ، وأحمد بْن عَبْد الغفّار بْن أشتة، وأحمد ومحمد ابني عَبْد اللَّه بْن السُوذَرْجَاني [1] ، ومكّيّ بْن منصور بْن علّان الكرجيّ، ومَعْمَر بْن أَحْمَد اللّنبانيّ [2] ، وخلْق كثير.
وعمل مُعْجَمًا حافلا لشيوخه الأصبهانيّين. ثمّ دخل فِي رَمَضَان إلى بغداد، من سنة ثلاثٍ وتسعين وأدرك أَبَا الخطّاب نصر بْن البَطِر، فقال حمّاد الحرانيّ: سمعت السّلفيّ يقول: دخلت بغداد فِي رابعِ شوّال سنة ثلاثٍ، فساعةَ دخولي لم يكن لي هِمةٌ إلَّا أنْ مضيتُ إلى ابْن البَطِر فدخلت عَلَيْهِ، وكان شيخًا عِسرًا، فقلت: قد وصلت من أصبهان لأجلك. فقال: اقرأ. جعل بدل الرّاء غَيْنًا. فقرأتُ عَلَيْهِ وأنا مُتِكئ لأجل دمامل بي، فقال: أبصِرْ ذا الكلب. فاعتذرتُ بالدّماميل، وبكيت من كلامه، وقرأت سبعة عشر حديثا، وخرجت، ثمّ قرأتُ عَلَيْهِ نحوا من خمسة وعشرين جزءا، ولم يكن بذاك.
قلت: فسمع منه، ومن: أبي بكر الطّريثيثيّ، وأبي عَبْد اللَّه بْن البُسْري، وثابت بْن بُنْدَار، والموجودين بها.
وعمل معجَمًا لشيوخ بغداد، ثمّ حجّ وسمع فِي طريقه بالكوفة من: أَبِي البقاء المعمّر بْن مُحَمَّد الحبّال، وغيره.
وبمكّة من: الحسين بن عليّ الطّبريّ.
__________
[1] السّوذرجاني: بضم السين المهملة، والذال المفتوحة المعجمة، وسكون الراء، وفي آخرها النون. هذه النسبة إلى سوذرجان، وهي من قرى أصبهان. (الأنساب 7/ 185) .
[2] اللّنباني: بضم اللام، وسكون النون. وفتح الباء المنقوطة بواحدة وفي آخرها النون. هذه النسبة إلى محلّة كبيرة بأصبهان. (الأنساب 11/ 32) .

(40/197)


وبالمدينة: أَبَا الفَرَج القزوينيّ.
وقدِم بغدادَ، وأقبل على الفقه، والعربيّة، حتّى برع فيهما، وأتقن مذهب الشّافعيّ.
ثمّ رحل إلى البصرة سنة خمسمائة، فسمع من: مُحَمَّد بْن جَعْفَر العسكريّ، وجماعة.
وبزنجان: أَبَا بَكْر أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن زَنْجُوَيْه الفقيه، الرّاوي عَن أَبِي عليّ بْن شاذان.
وبهمذان: أبا غالب أحمد بن محمد المزكّي، وطائفة.
وجال في الجبال ومدنها.
وسمع بالرّيّ، والدّينور، وقزوين [1] ، وساوة، ونهاوند.
وكذا طاف بلاد أذربيجان إلى دربند، فسمع بأماكن، وعاد إلى الجزيرة من ثغر آمد.
وسمع بخلاط، والرّحبة. وقدم دمشق سنة تسع وخمسمائة بعلم جمّ، فأقام بها عامين. وسمع بها من: أبي طاهر الحنّائيّ، وأبي الْحُسَيْن بْن المَوَازِيني، وخلْق.
ثمّ مضى إلى صور [2] ، وركب منها البحر
__________
[1] قال عبد الكريم القزويني: ورد قزوين سنة إحدى وخمسمائة، وسمع بها من أبي الفتح إسماعيل بن عبد الجبار القاضي وغيره، ورأيت خطّه على كثير من الأجزاء العتيقة، وسمع واستفاد منه الجمّ الغفير. (التدوين 2/ 225) .
[2] أقام السّلفي مدّة في صور قبل أن يبحر إلى الإسكندرية سنة 511 هـ. فكان يأخذ على شيوخها، وهو كان يروي أيضا، فقصده عبد الجليل الحيفي من حيفا بساحل فلسطين، فسمع منه بصور، وكان من رجال البحر. والتقى السلفي بدمشق وصور أبا النور ضياء بن الحسين بن نصير، وهو من أهل جبل عاملة، وسمع منه. كما سمع بدمشق من: أبي الفرج أحمد بن الحسن بن علي بن زرعة الصوري، وأبي طالب علي بن عبد الرحمن بن محمد بن أبي عقيل الصوري، وأبي عمرو عثمان بن عمر بن أبي عبد الله البيروتي.
وكان أهل صور وطرابلس يتردّدون عليه وهو في الإسكندرية، ومنهم: عبد الله بن أحمد بن الحسين بن النقّار الطرابلسي وقد علّق عنه من شعره ومن شعر أبيه، وكان يراسله ويكاتبه-

(40/198)


الأخضر [1] إلى الإسكندرية، فاستوطنها إلى الموت، لم يخرج منها إلَّا مرّة فِي سنة سبع عشرة إلى مِصْر، فسمع من: أَبِي صادق المَدِيني، والموجودين. وعاد.
وكان إماما، مُقْرِئًا، محمودا، ومحدّثا، حافظا، جَهْبَذًا، وفقيها متقنا، ونَحْويًا ماهرا، ولُغَوِيًا محقّقا، ثقة فيما ينقله، حُجة، ثبتا. انتهى إليه عُلُو الإسناد فِي البلاد. وقد جمع مُعْجَمًا ثالثا فِي البلدان الّتي سمع بها، سوى أصبهان، وبغداد، فإنّ لكلّ واحدة معجما.
سمع منه ببغداد من شيوخه ورفاقه: أَبُو عليّ البَرَدَاني، وهزارسْب بْن عِوَض، وأبو عامر العَبْدَري، وعبد الملك بْن يوسف، وسعد الخير الأندلسيّ.
وروى عَنْهُ: الحافظ مُحَمَّد بْن طاهر شيخه، وسِبْطُه أَبُو القاسم عَبْد الرَّحْمَن بْن مكّيّ، وبينهما فِي الموت مائة وأربعٌ وأربعون سنة.
وروى عَنْهُ: الحافظ سعد الخير، وعليّ بْن إِبْرَاهِيم السرَقُسطِي، وأبو العِز مُحَمَّد بْن عليّ المُلْقَاباذِي، والطّبيب بْن مُحَمَّد المَرْوَزِي، وقد رَوَى عَن هؤلاء الثّلاثة عَنْهُ أَبُو سعد السّمعانيّ. ومات ابْن السّمعانيّ قبله بأربع عشرة سنة.
وروى عَنْهُ أَيْضًا: الصّائن هبة اللَّه بْن عساكر، ويحيى بْن سعدون القُرطُبي.
وروى عنه بالإجازة جماعة ماتوا قبله، منهم القاضي عياض.
__________
[ (-) ] نظما. وأنشده أبو الحسن علي بن يحيى الكتاني الجلالي المعروف بالناهض الّذي تربّى في خدمة بني عمّار بطرابلس، وأبو البركات محمد بن موهوب القاضي بمصر، وهو من مواليد صور، وأبو الحسين علي بن الحسن بن جعفر الصيداوي الفقيه المعروف بعين الدولة، وتقيّة بنت غيث الأرمنازية، وكان ابنها الفقيه علي بن فاضل بن حمدون الصوري يدرس عليه. وتصدّر في جامع عمرو بن العاص بالفسطاط لإقراء القرآن مع المتصدّرين هبة الله الكاملي الصوري، وكان صديقا للسلفي أثناء إقامته بصور، فلم ينقطع السلفي عن زيارته في مصر وكان يأنس به. (انظر: كتابنا: لبنان في العصر الفاطمي- التاريخ الحضاريّ- الحياة الثقافية في صور) .
[1] هكذا يسمّيه المؤلف- رحمه الله-.

(40/199)


وروى عَنْهُ أمم منهم: حمّاد الحَراني، والحافظ عليّ بْن الفضل، والحافظ عَبْد الغنيّ، والحافظ عَبْد القاهر الرُهاوي، وابن راجح، وعبد القويّ بْن الجبّاب، وفرقد الكبانيّ، وعبد الغفّار المحبّلي، ونصر بْن جرو، والفخر الفارسيّ، والشّيخ حَسَن الأدمي، وعيسى بْن الوجيه اللّخميّ، ومحمد بْن عمّاد، ومحمد بْن عَبْد الوهّاب بْن الشّيرجيّ، وعبد الخالق بْن إِسْمَاعِيل التّنيسيّ، وعليّ بْن رحّال، ومحمد بْن مُحَمَّد بْن سَعِيد المأمونيّ، ومُرتَضَى بْن أَبِي الجود، وأبو القاسم عبد الرّحمن بن الصّفراويّ، وأبو الفضل جعفر الهمذانيّ، وإبراهيم ومحمد ابنا عَبْد الرَّحْمَن بْن الجبّاب، وأحمد بن محمد بن الجبّاب، وعبد الرحيم بْن الطُفَيْل، والحسين بْن دينار، وعليّ بْن مختار، ويوسف بْن المخيلي، وظافر بْن شحْم، وعليّ بْن زيد التسَارَسِي [1] ، ومحمد بْن عليّ بْن تاجر عينه، وحمزة بْن أوس الغزّال، وعلي بْن جُبَارة، ويحيى بْن عَبْد العزيز الأغمَاتي، وحسين بْن يوسف الشّاطبيّ، وعبد العزيز بْن النّقّار، ومظفّر بْن الفُوي [2] ، ومنصور بْن الدّماغ، وعليّ بْن مُحَمَّد السّخاويّ، وعليّ بْن عَبْد الجليل الرّازيّ، وأبو الوفاء عَبْد الملك ابْن الحنبليّ، وشُعَيب الزّعفرانيّ، والعَلَم بْن الصّابونيّ، والعزّ بْن روَاحة، وعبد الوهّاب بن رواح، ويوسف بن محمود السّاويّ، وبهاء الدّين بْن الجيِزي، وهبة اللَّه بْن مُحَمَّد ابْن الواعظ. وتُوُفي سنة خمسين وستّمائة، والسّبط.
وبقي أَبُو بَكْر مُحَمَّد بْن الْحَسَن السفَاقُسي إلى سنة أربعٍ وخمسين، فروى عَن السلَفي «المُسَلْسَل» بأوّل حديثٍ، رَوَاهُ حضورا، ولم يكن عنده سواه. وهو ابْن أخت الحافظ عليّ بْن المفضّل.
أَنْبَأَنِي أَحْمَدُ بْنُ سَلَامَةَ، عَنْ فَاطِمَةَ، بِنْتِ سَعْدٍ الْخَيِّرِ ح. وَقَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: قَرَأْتُ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الله المخزوميّ، عن فاطمة بنت سعد
__________
[1] التّسارسي: بفتح التاء المشدّدة المثنّاة والسين المهملة، والراء، وسين مهملة أخرى.
(انظر: معجم البلدان) وفيه: تسارس: قصر ببرقة.
[2] الفوّي: بضم الفاء وتشديد الواو المفتوحة، نسبة إلى فوّة بلدة قريبة من الإسكندرية.

(40/200)


الْخَيِّرِ، قَالَتْ: أَنَا أَبِي سَنَةَ ثَمَانٍ وَعِشْرِينَ وَخَمْسِمَائَةٍ: حَدَّثَنِي أَبُو طَاهِرِ بْنُ سِلَفَةَ سَنَةَ سَبْعٍ وَتِسْعِينَ وَأْرَبَعِمَائَةٍ: أَنَا الْقَاسِمُ بْنُ الْفَضْلِ الثَّقَفِيُّ، فَذَكَرَ حَدِيثَ الْبَلَدِ الرَّائِعِ، وَهُوَ إِصْبَهَانُ، مَتْنُهُ: «إِنَّكُمُ الْيَوْمَ عَلَى دِينٍ وَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمُ الأُمَمَ» [1] .
ولا أعلم أحدا فِي الدّنيا حدّث نيّفا وثمانين سنة سوى السلَفي. وقد أملى المجالس الخمسة بسَلَمَاس، وعُمره ثلاثون سنة. وعمل «الأربعين البلديّة» الّتي لم يُسْبَق إلى مثلها.
وقد انتخب على غير واحدٍ من شيوخه.
قال الزّاهد أَبُو عليّ الأوقيّ: سمعت السّلفيّ يقول: لي ستّون سنة ما رَأَيْت منارة الإسكندريّة إلَّا من هذه الطّاقة. رواها ابْن النّجّار عَن الأوقيّ.
وقال ابْن المفضّل فِي معجمه: عدّة شيوخ شيخنا السّلفيّ تزيد على ستّمائة نفس بأصبهان. وخرج إلى بغداد وَلَهُ نحو من عشرين سنة أقلّ أو أكثر، ومشيخته البغداديّة خمسة وثلاثون جزءا. وَلَهُ تصانيف كثيرة. وكان يستحسن الشعْر ويَنْظمُه، ويُثيب من يمدحه.
وأخذ الفقه عَن: إلْكِيا أَبِي الْحَسَن عليّ بْن مُحَمَّد الطّبريّ، وأبي بَكْر مُحَمَّد بْن أَحْمَد الشّاشيّ، وأبي القاسم يوسف بْن عليّ الزّنجانيّ.
والأدب عَن: أَبِي زكريّا التبرِيزي، وأبي الكَرَم بْن فاخر، وعليّ بْن مُحَمَّد القصبجيّ.
وسمعته يقول: مَتَى لم يكن الأصل بخطّي لم أفرح به.
وكان جيّد الضّبط، كثير البحث عمّا يُشْكل عَلَيْهِ. وكان أوحد زمانه فِي علم الحديث، وأعْرَفهم بقوانين الرّواية والتحْدِيث. جمع بين عُلُو الإسناد، وعلوّ الانتقاد، وبذلك كان ينفرد عن أبناء جنسه.
__________
[1] حديث إني مكاثر بكم الأمم، أخرجه النسائي في النكاح 6/ 65، 66 باب: كراهية تزويج العقيم، وابن ماجة في النكاح (1863) باب تزويج الحرائر والولود، وأحمد في المسند 3/ 158 و 245 و 4/ 249 و 251.

(40/201)


وقال ابْن السّمعانيّ فِي «الذّيل» : هُوَ ثقة ورع، متقن، متيقّظ، حافظ، فَهْم، لَهُ حِفْظ من العربيّة، كثير الحديث، حَسَن الفهم والبصيرة فِيهِ.
روى عَنْهُ الحافظ ابْن طاهر فسمعت أَبَا الْعَلَاءِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ الْحَافِظُ يقول: سمعت مُحَمَّد بْن طاهر المقدسيّ يقول: سمعت أَبَا طاهر الأصبهانيّ، وكان من أهل الصنْعة، يقول: كان أَبُو حازم العبدريّ: إذا رَوَى عَن أَبِي سعد المالِيني يقول: أنبا أَحْمَد بْن حفص الحديثيّ هذا أو نحوه.
وقال الحافظ عَبْد القادر الرّهاويّ: سمعت من يحكي عَن الحافظ ابْن ناصر أنّه قَالَ عَن السّلفيّ: كان ببغداد كأنّه شُعْلة نار فِي تحصيل الحديث.
قال عَبْد القادر: وكان لَهُ عند ملوك مِصْر الجاه والكلمة النّافدة مع مخالفته لهم فِي المذهب. وكان لَا يبدو منه جفوة لأحد، ويجلس للحديث فلا يشرب ماء، وَلَا يَبزق، وَلَا يتورّك، وَلَا يبدو لَهُ قَدَم، وقد جاز المائة.
بلغني أنّ سلطان مِصْر حضر عنده للسّماع، فجعل يتحدّث مع أخيه فَزَبَره وقال: أيش هذا، نَحْنُ نقرأ الحديث وأنتما تتحدّثان؟! قال: وبلغني أنّه فِي مدّة مُقامة بالإسكندريّة، وهي أربعٌ وستّون سنة، ما خرج إلى بستان وَلَا فرجة غير مرةٍ واحدة. بل كان عامّة دهره لازما مدرسَتَه، وما كُنَّا نكاد ندخل عَلَيْهِ إلَّا نراه مطالِعا فِي شيء. وكان حليما، متجمّلا لحُفاظ الغرباء.
وقد سمعت بعض فُضَلاء هَمَذَان يقول: السلَفي أحفظ الحفّاظ.
وحدّث بدمشق، فسمع منه أصحابنا، ولم أظفر بالسّماع منه. وسمعت بقراءته من شيوخ عدّة. ثمّ خرج إلى مِصْر، واستوطن الإسكندريّة، وتزوّج بها امْرَأَة ذات يسار، وحصلت لَهُ ثروة بعد فقرٍ وتصوّف. وصارت لَهُ بالإسكندريّة وجاهة. وبنى لَهُ العادل عليّ بْن إِسْحَاق بْن السّلّار أميرُ مِصْر مدرسة بالإسكندريّة. وحدّثني عَنْهُ أخي وأجاز لي. أنا ابن البطر أَنَا ابْن البيّع، فذكر حديثا، وهو موافقة مُسْلِم من سادس المَحَامِليات.

(40/202)


ثمّ قَالَ: أنشدنا أَبُو سعد السّمعانيّ بدمشق، أنشدنا أَبُو العزّ مُحَمَّد بْن عليّ البُستي: أنشدنا أَبُو طاهر أَحْمَد بْن مُحَمَّد الحافظ لنفسه بميافارِقين:
إنّ علم الحديث عِلْم رجال ... تركوا الابتداع للأتباع
فإذا اللّيل جنهُم [1] كتبوه ... وإذا أصبحوا غدوا للسماعٍ
[2] وقلت: أنشَدَناهما أَبُو الْحُسَيْن اليُونيني وأبو عليّ بْن الخلّال قالا:
أنشدنا جَعْفَر بْن عليّ، أنشدنا السّلفيّ، فذكرهما.
وقال الحافظ عَبْد القادر عَنْهُ: وكان آمرا بالمعروف، ناهيا عَن المنكَر، حتّى إنّه كان قد زال من جواره مُنْكَرات كثيرة. ورأيته يوما وقد جاء جماعة من المقرءين بالألحان فأرادوا أن يقرءوا، فمنعهم من ذلك وقال: هذه القراءة بِدْعة. بل اقرأوا ترسّلا، فقرءوا كما أمرهم.
قرأت بخطّ الحافظ عَبْد الغنيّ جزءا فِيهِ نقل خطوط المشايخ للسّلفيّ بالقراءات. وقد قرأ بحرف عاصم على أَبِي سعد المطرّز، وقرأ بحمزة والكِسائي على مُحَمَّد بْن أَبِي نصر القصّار، وقرأ برواية قالون على نصر بْن مُحَمَّد الشّيرازيّ، وبرواية قُنْبُل على عَبْد اللَّه بْن أَحْمَد الخِرقي. وقد قرأ عليهم سنة إحدى وتسعين وبعدها.
وقال ابْن نُقْطَة [3] : كان حافظا، ثقة، جَوالًا فِي الآفاق. سَأَلَ عَن أحوال الرجال شجاعا الذُّهلي، والمؤتَمن السّاجيّ، وأبا عليّ البَرَدَاني، وأبا الغنائم النرسِي، وخميسا الحوزيّ.
وحدّثني عبد العظيم المنذريّ الحافظ قال: لمّا أرادوا أن يقرءوا «سُنَن النّسائيّ» على السلَفي أتَوْه بنسخة سعد الخير وهي مصحّحة قد سمعها من
__________
[1] في سير أعلام النبلاء 21/ 36: «فإذا جنّ ليلهم» . والمثبت يتفق مع: الوافي بالوفيات.
[2] سير أعلام النبلاء 21/ 36، الوافي بالوفيات 7/ 353.
[3] في التقييد 176.

(40/203)


الدُّوني. فقال: اسمي فِيهَا؟ قَالُوا: لَا. فاجتذبها من يد القارئ بغيظ وقال:
لَا أُحدث إلَّا من أصلٍ فِيهِ اسمي. ولم يُحدث بالكتاب.
وقال لي عَبْد العظيم إنّ أَبَا الْحَسَن المقدسيّ قَالَ: حفظت أسماء وَكَني، وجئت إلى السلَفي فذاكَرتُه بها، فجعل يذكرها من حفْظه، وما قَالَ لي أحسنت. وقال: ما هذا شيء مليح، أَنَا شَيْخ كبير فِي هذه البلدة هذه السّنين لَا يُذاكرني أحدٌ وحِفْظي هكذا.
وقال أَبُو سعد السّمعانيّ: أنشدنا يحيى بْن سعدون النّحويّ بدمشق:
أنشدنا السلَفي لنفسه:
ليس حُسْنُ الحديث قربَ رجالٍ ... عند أرباب عِلْمِهِ النقادِ
بل عُلُو الحديثِ عند أولي الإتقان ... والحِفظ صحةُ الإسناد
فإذا ما تجمّعا في حديث ... فاغتمنه فذاك أقصر المرادِ
[1] قلت: أنشدنا اليونينيّ، وابن الخلّال قَالَ: أنشدنا جَعْفَر أنشدنا السلَفي فذكرها.
قرأت بخطّ السّيف بْن المجد: سمعت أَحْمَد بْن سلامة النّجّار يقول إنّ الحافظين: عَبْد الغنيّ وعبد القادر، أرادا سماع كِتَاب اللّالكائيّ، يعني «شرح السّنّة» ، على السلَفي، فأخذ يتعلّل عليهما مرّة، ويدافعهما عَنْهُ أخرى بأصل السّماع، حتّى كلّمته امرأته فِي ذلك.
قرأت بخطّ الحافظ عُمَر بْن الحاجب أنّ «معجم السفَر» للسلَفي مشتمِل على ألفَيْ شَيْخ.
وقال الحافظ زكيّ الدّين عبد العظيم: كان السّلفيّ مغرى بجمع الكُتُب والاستكثار منها. وما كان يصل إليه من المال يُخرجه فِي شرائها. وكان عنده خزائن كُتُب، وَلَا يتفرّغ للنّظر فِيهَا. فلمّا مات وجدوا معظم الكتب في
__________
[1] سير أعلام النبلاء 21/ 37.

(40/204)


الخزائن قد عَفنت، والتصق بعضها فِي بعض، لنداوة الإسكندريّة. وكانوا يستخلصونها بالفأس فتلَفَ أكثرها.
أنبأنا أَحْمَد بْن سلامة الحدّاد، عَن الحافظ عَبْد الغنيّ، أنّ السلَفي أنشدهم لنفسه:
ضلّ المجسّم والمعطّل مثله ... عَن منهج الحقّ المبين ضلالا
وأتى أماثلهم ينكر لَا رعوا ... من مَعْشرٍ قد حاولوا الأشكالا
وعدّوا يقيسون الأمور برأيهم ... ويُدلسون على الوَري الأقوالا
فالأوّلون تعدّوا الحَد الَّذِي ... قد حُد فِي وصف الإله تعالى [1]
وتصوّروه صورة من جنسنا ... جسما، وليس اللَّه عزّ مثالا
والآخرون فعطّلوا ما جاء فِي ... القرآن أقبح بالمقال مقالا
وأبوا حديث المصطفى أنْ يقبلوا ... ورأوه حَشْوًا لَا يفيد منالا
وهي بضعةٌ وعشرون بيتا.
وله قصيدةٌ أخرى نحو من تسعين بيتا، سمّى فِيهَا أئمّة السّنّة، ورءوس البِدعة، أوردتها فِي ترجمته الّتي أفردتها [2] .
وقال الوجيه عيسى بْن عَبْد العزيز اللّخميّ: تُوُفي الحافظ صبيحة الجمعة خامس ربيع الآخر سنة ستّ وسبعين، وَلَهُ مائة وستّ سنين. ولم يزل يُقرأ عَلَيْهِ الحديث إلى أن غربت الشّمس من ليلة وفاته، وهو يرد على
__________
[1] في الأصل: «تعالا» .
[2] وأورد القزويني من شعره:
دين الرسول وشرعه أخباره ... وأجلّ علم يقتنى آثاره
من كان مشتغلا بها وينشرها ... بين البريّة لا عفت آثاره
وأيضا:
كم جئت طولا وعرضا ... وجلت أرضا فأرضا
وما ظفرت بخلّ ... من غير غلّ فأرضى
(التدوين 2/ 226) .

(40/205)


القارئ اللّحن الخفيّ، وصلّى يوم الجمعة الصّبح عند انفجار الفجر، وتُوُفي بعدها فجأة.
قلت: قد اضطرب قول السلَفي فِي مولده. وقد ذكرنا قوله للحافظ عَبْد الغنيّ إنّه كان ابْن نحو عشر سِنين وقت قُتِلَ نظام المُلْك، فيكون مولده على هذا القول فِي حدود سنة خمسٍ وسبعين.
وقال الْإِمَام شهاب الدّين أَبُو شامة: سمعت الْإِمَام عَلَم الدّين السَخَاوي يقول: سمعت أَبَا طاهر السلَفي يوما وهو ينشد لنفسه شعرا قاله قديما، وهو:
أَنَا من أهل الحديث وهم خير فِئَهْ ... جُزْت تسعين وأرجو أن أجوز مائه
فقيل لَهُ: قد حقّق اللَّه رجاءك. فعلمت أنّه قد جاوز المائة. وذلك فِي سنة اثنتين وسبعين وخمسمائة.
وقال مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن عليّ التّجيبيّ الأندلسيّ: سمعت الحديث على السلَفي، ووجدت بخطّه: مولدي بأصبهان سنة اثنتين وسبعين وأربعمائة تخمينا لَا يقينا.
وقال قاضي القضاة ابْن خَلكان [1] : كانت ولادة السّلفيّ سنة اثنتين وسبعين تقريبا.
قال: وجدت العلماء بالدّيار المصريّة من جملتهم الحافظ زكيّ الدّين عَبْد العظيم يقولون فِي مولده هذه المقالة.
قال: ثمّ وجدت فِي كِتَاب «زهر الرياض» لجمال الدّين عَبْد الرَّحْمَن بْن عَبْد المجيد الصفْراوي يقول: إنّ السلَفي كان يقول: مولدي- بالتّخمين لَا باليقين- سنة ثمانٍ وسبعين.
قد شذَّ الصفْراوي عَن الجماعة بهذا القول، والسلَفي فقد جاوز المائة بلا ريب. وقد طلب الحديث، وكتب الأجزاء، وقرأ بالروايات في سنة تسعين
__________
[1] في وفيات الأعيان 1/ 106، 107.

(40/206)


وبعدها، فقد حكى الحافظ عَبْد الغنيّ أنّه حدّث سنة اثنتين وتسعين، وما فِي وجهه شعرة، وأنّه كان ابْن سبع عشرة سنة أو نحوها، ولكنّه اختلف قوله، فتارة قَالَ سنة اثنتين وسبعين تقريبا، وتارة يقول فِي سنة خمسٍ وسبعين تقريبا، وهذا تبايُن ظاهر [1] .
195- أَحْمَد بْن أَبِي الوفاء [2] .
الصّائغ الحنبليّ.
قد ذُكِر فِي العام الماضي. وقيل: تُوُفي فِي هذا العام.
196- إِبْرَاهِيم بْن عليّ بْن مواهب [3] .
أَبُو إِسْحَاق ابْن الزّرّاد، الأزَجي، البزّاز.
روى عَن: أَبِي الغنائم النرْسي.
سمع منه: أَبُو سعد السّمعانيّ.
وتُوُفي فِي رجب.
197- أيّوب بْن مُحَمَّد بْن وهْب بْن أيّوب.
أَبُو مُحَمَّد الغافقيّ، المعروف بابن نوح، وهو لَقَب جدّهم وهْب بْن أيّوب لُقب به لكثرة أولاده.
كان أَبُو مُحَمَّد من رؤساء سَرَقُسْطَة.
روى عَن: أَبِيهِ مُحَمَّد، وأبي زيد بْن الورّاق، وأبي مروان بْن الصّيقل، وجماعة.
وأخذت الروم سَرَقُسطَة فخرج منها سنة اثنتي عشرة إلى طرطُوشَة، ثمّ سكن غُرْناطة، ولقي أَبَا عَبْد اللَّه بْن أَبِي الخصال، وكتب عَنْهُ خطَبَه الّتي عارض بها ابْن نُباته. ثمّ كَر إلى بَلَنسِية فسكنها، وولي قضاء جزيرة سَقر بعد أَبِيهِ. ونسخ عِلما كثيرا، وجمع شيئا من التّاريخ رَوَاهُ عَنْهُ ابنه القاضي أَبُو
__________
[1] كتب بعضهم على هامش الأصل: «إذا قال تقريبا فقد ارتفع التباين» .
[2] تقدّم برقم (143) .
[3] تقدّم برقم (145) .

(40/207)


عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن نوح، وقال: تُوُفي فِي صَفَر عَن تسعين سنة.
- حرف الباء-
198- بدر [1] .
الحبشيّ الجذاذاديّ [2] ، الطّواشيّ، أَبُو الضّياء، مولى العدل أَبِي عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن جذاذاد الإسكندريّ أو الْمَصْرِيّ، والثّاني أقرب.
سمع: أَبَا عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن أَحْمَد الرّازيّ، وأبا صادق المَدِيني، وأبا الْحُسَيْن الفرّاء، وعبد الرَّحْمَن بْن فاتك، وأبا القاسم بْن الدّوريّ.
روى عَنْهُ: أَبُو الْحَسَن بْن المفضّل، ويوسف بْن جبريل اللّواتيّ، وأبو القاسم سِبط السلَفي، وآخرون.
وتُوُفي فِي شوّال رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى.
- حرف التاء-
199- توران شاه [3] .
__________
[1] انظر عن (بدر) في: سير أعلام النبلاء 20/ 579 وفيه: «راوي الصحيح» .
[2] في السير: «الجذاداذي» .
[3] انظر عن (توران شاه) في: البرق الشامي 3/ 52، 778 93، 99، 143، 144، 153، وسنا البرق الشامي 1/ 129، والروضتين، والكامل في التاريخ 11/ 468، 469، والبستان (مخطوط) ورقة 119 أ، ومفرّج الكروب 1/ 228، 229، وتاريخ الزمان 197، وتاريخ مختصر الدول 218، وتلخيص مجمع الآداب ج 4 ق 2/ 1186، ووفيات الأعيان 1/ 306، ومرآة الزمان 8/ 362، والمختصر في أخبار البشر 3/ 62، 63، والدرّ المطلوب 68، ومسالك الأبصار (مخطوط) 27/ ورقة 130 أ، والإعلام بوفيات الأعلام 237، وسير أعلام النبلاء 21/ 53، 54 رقم 10، ودول الإسلام 2/ 89، والعبر 4/ 228، 229، وتاريخ ابن الوردي 2/ 90، والوافي بالوفيات 10/ 441- 443 رقم 4933، ومرآة الجنان 3/ 304، 405، والبداية والنهاية 12/ 306، 307، ومآثر الإنافة 2/ 65 (وفيه مات سنة 578 هـ.) ، والسلوك ج 1 ق 1/ 71، والذهب المسبوك في ذكر من حج من الخلفاء والملوك للمقريزي 70- 73، والعقود اللؤلؤية للخزرجي 1/ 26، والعسجد المسبوك 2/ 181، والنجوم الزاهرة 6/ 87، وتاريخ ابن سباط 1/ 157، 158، -

(40/208)


الملك المعظّم، شمس الدّولة بْن أيّوب بْن شاذي، أخو صلاح الدّين، والسّلطان سيف الدّين، وكان يُلقب أَيْضًا بفخر الدّين. وكان أسَن من صلاح الدّين، فكان يحترمه ويرجّحه على نفسه. وسيّره سنة ثمان وستّين إلى بلاد النّوبة ليفتحها، فلمّا قدِمَها وجدها لَا تساوي التّعب، فرجع بغنائم كثيرة، ورقيق.
ثمّ أرسله إلى اليمن، وبها عَبْد النَّبِيّ بْن مهديّ قد استولى على أكثر اليمن. فقدمها توران شاه، وظفر بعبد النَّبِيّ وقتله، وملك معظم اليمن.
وكان سخيّا جوادا. ثمّ إنّه قدِم دمشق فِي آخر سنة إحدى وسبعين، وقد تمهّدت لَهُ مملكة اليمن، لكنه كره المقام بها، وحنّ إلى الشّام وثِماره. وكان قد جاءه رسول من أخيه صلاح الدّين يرغّبه فِي المُقام باليمن، فلمّا أدّى الرسالة طلب ألف دينار، وقال لغلام لَهُ: امض إلى السّوق واشترِ لي بها قطعة ثلج. فقال: ومن أَيْنَ هنا الثّلج؟ فقال: فاشترِ به طَبَق مشْمش، فقال:
ومن أَيْنَ يوجد ذلك؟ فأخذ يذكر لَهُ أنواع الفواكه، والغلام يقول ما يوجد.
فقال للرسول: ليت شِعْري، ما أصنع بالأموال إذا لم أنتفع بها فِي شهوتي؟
ورجع الرَّسُول فأذِن لَهُ السّلطان فِي القُدوم. وقد كتب لَهُ بإنشاء القاضي الفاضل:
لا تضجَرَن ممّا أتيت [1] فإنّه ... صدرٌ لأسرار الصّبابة ينَفِثُ
أمّا فِراقُكَ واللقاءُ فإنّ ذا ... منهُ أمُوتُ وذا منه أبعَثُ
حَلَف الزّمان على تفرّق شَمِلنا ... فمتَى يرقّ لنا الزّمان ويَحْنَثُ؟
حول المضاجع كتبُكُم فكأنّني ... مَلْسُوعُكُمْ وهي الرقاةُ النفثُ
كم يَلْبَثُ الجسمُ الَّذِي ما نفسُهُ ... فِيهِ وَلَا أنفاسُهُ كم يلبثُ
[2] فلمّا قدِم دمشق استنابه بها صلاح الدّين لمّا رجع إلى مصر. ثمّ انتقل
__________
[ (-) ] وتحفة الأحباب للسخاوي 97، وشذرات الذهب 4/ 255.
[1] هكذا في الأصل، وديوان القاضي الفاضل. وفي الوافي بالوفيات 10/ 441 «أبثّ» .
[2] ديوان القاضي الفاضل 1/ 485، الوافي بالوفيات 10/ 441، 442.

(40/209)


توران شاه إلى مِصْر سنة أربعٍ وسبعين.
وكانت وفاته بالإسكندريّة فِي صَفَر سنة ستّ، فنقلته شقيقته ستّ الشّام فدفنته فِي مدرستها.
وذكر المهذّب مُحَمَّد بْن عليّ بْن الخيميّ الحلّيّ الأديب قال: رأيت في النّوم شمس الدّولة توران شاه بعد موته، فمدحته بأبيات وهو فِي القبر، فلفّ كفنه ورماه إليّ، ثمّ قَالَ:
لا تستقلّنّ معروفا سمحتُ به ... ميّتا فأمسيت [1] منه عاريَ البدن
ولا تظننَ جودي شَانَهُ بَخَل ... من بعد بذْليَ ملك الشّام واليمن
إنّي خرجتُ من الدّنيا وليس معي ... من كلّ ما ملكت يدي [2] سوى كفني
[3] توران شاه: معناه ملك الشّرق. قَالَ ابْن الأثير: كان لمّا قدِم من اليمن وعمل نيابة دمشق قد ملك بَعْلَبَك، ثمّ عوّضه أخوه عَنْهَا بالإسكندريّة إقطَاعًا، فذهب إليها. وكان لَهُ أكثر بلاد اليمن، ونوّابه هناك يحملون إليه الأموال من زَبِيد، وعدن، وما بينهما.
وكان أجْوَد النّاس وأسخاهم كفّا، يُخرجِ كلّما يُحمل إليه من البلاد، ومع هذا مات وعليه نحو مائتي ألف دينار، فَوَفاها أخوه صلاح الدّين عنه.
وكان منهمكا على اللهو واللعِب، فِيهِ شرّ وظُلْم.
- حرف الحاء-
200- حمّاد بْن إِبْرَاهِيم بْن إِسْمَاعِيل بْن إِسْحَاق بْن أَحْمَد بْن شيث بْن نصر بْن شيث بْن الحَكَم بْن افلذ بْن أبان بْن عقبة بن يزيد [4] .
__________
[1] في الوافي: «فأصبحت» .
[2] في الوافي: «كفّي» .
[3] الوافي بالوفيات 10/ 442، 443، وانظر له قصيدة أخرى.
[4] انظر عن (حمّاد بن إبراهيم) في: تاريخ ابن الدبيثي (مخطوطة باريس 5922) ورقة 38، والأنساب 8/ 78، وسير أعلام النبلاء 21/ 91، 92 رقم 38، والجواهر المضيّة 1/ 224، -

(40/210)


الْإِمَام قوام الدّين أَبُو المحامد ابْن الْإِمَام رُكْن الدّين أَبِي إِسْحَاق ابْن الْإِمَام أَبِي إِبْرَاهِيم الوائليّ، الْبُخَارِيّ ابْن الصّفّار الحنفيّ.
سمع من: أبيه، وإسماعيل بْن أَحْمَد بْن الْحُسَيْن البيهقيّ.
وعنه: إِسْمَاعِيل بْن مُحَمَّد البَيلقي، وإبراهيم بْن سالار الخُوَارَزْمي، وأبو الفضل عُبَيْد اللَّه بْن إِبْرَاهِيم المحبوبيّ، والأديب أَبُو عليّ الْحَسَن بْن عُمَر التَرْمِذيّ، وبُرهان الْإِسْلَام عُمَر بْن مَسْعُود بْن مازة، وآخرون آخرهم موتا تاج الْإِسْلَام مُحَمَّد بْن طاهر بْن مُحَمَّد الخُدَاباذي الْبُخَارِيّ.
نقلت ذلك من خطّ الفرَضي [1] .
ثمّ قَالَ:
- وأبوه رُكْن الدّين.
من كبار مشايخ الْبُخَارِيّ. سمع على: والده، وعلى عُمَر بْن منصور البزّاز المعروف بخنب، وعبد العزيز بْن المستقرّ الكرْمِيني، وأجاز لَهُ، وشيخ الْإِسْلَام أَبُو نصر أَحْمَد بْن عثمان العاصميّ البلخيّ، وغيرهم.
قال: وتُوُفي رُكْن الدّين بعد سنة اثنتين وثلاثين وخمسمائة.
- وأبوه إِسْمَاعِيل الوائليّ:
روى عَن: عُمَر بْن عبد العزيز بن مُحَمَّد بْن النضْر الشُرُوطي، وأبي عاصم مُحَمَّد بْن عليّ البلْخي، وأبي الْحُسَيْن عَبْد الغافر بْن مُحَمَّد الفارسيّ.
وعنه: ولده رُكن الدّين. ولم يذكر الفرضيّ لهذا وفاة.
__________
[ (-) ] رقم 560، وتلخيص مجمع الآداب ج 4/ رقم 3041، والوافي بالوفيات 13/ 153 رقم 166، وغاية النهاية 2/ 345 رقم 1401، ولسان الميزان 2/ 345 رقم 1401.
[1] وقال الصفدي: من بيت العلم والزهد، شذا طرفا من الكلام والفقه والأدب. وكان يؤمّ بالناس يوم الجمعة في الصلاة ويخطب غيره. وكذا عادة أهل بخارا، لا يصلّي بهم الخطيب إلّا من هو أعلم منه وأحسن طريقة.
ووقع في الوافي أنه توفي سنة ثلاث وتسعين وأربعمائة.

(40/211)


- حرف الخاء-
201- خَلف بْن يحيى بْن خطّاب [1] .
أَبُو القاسم القرْطُبي الزّاهد.
من أهلِ التصوّف والهَدْي الصّالح.
وكان يوصف بإجابة الدّعوة. أمّ بجامع قُرْطُبة مُدَيْدَة، ثمّ رغب فِي الانقباض.
وكان يعظ ويقصده النّاس للبركة رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى.
- حرف السين-
202- سالم بْن إِسْحَاق بْن الْحُسَيْن.
البزّاز أَبُو المعالي التّنوخيّ. تاجر صاحب مُرُوءة وخير.
قال الشّيخ الموفّق: كان ذا مروءة وكرم. حملني الحافظ عبد الغنيّ من بغداد إلى دمشق، وكنّا نرى منه كرما وبذلا.
قلت: روى عن سعيد بن البنّاء، وجماعة من البغداديّين.
سمع منهم بعد الأربعين وخمسمائة.
وروى عَنْهُ: أَبُو المواهب بْن صَصْرَى، والحافظ عَبْد القادر، والشّيخ الموفّق.
وكان يسافر كثيرا للتّجارة.
وتُوُفي فِي عَشْر السّتّين.
203- سَعِيد بْن الحسين بن سعيد بن محمد [2] .
__________
[1] انظر عن (خلف بن يحيى) في: تكملة الصلة لابن الأبّار 1/ 304 رقم 830، والوافي بالوفيات 13/ 369 رقم 462.
[2] انظر عن (سعيد بن الحسين) في: العبر 4/ 229، والمعين في طبقات المحدّثين 177 رقم 1880، والإعلام بوفيات الأعلام 237، وسير أعلام النبلاء 20/ 579، 580، ومرآة الجنان 3/ 405، والنجوم الزاهرة 6/ 88، وحسن المحاضرة 1/ 375، وفيه «سعد» ، -

(40/212)


أَبُو المَفَاخر الهاشميّ، المأمونيّ، النّيسابوريّ، الشّريف.
قدِم مصر وحدّث بها «بصحيح مُسْلِم» غير مرّة، عَن أَبِي عَبْد اللَّه الفراويّ.
روى عَنْهُ: أَبُو الْحَسَن بْن المفضّل المقدسيّ، وصالح بْن شجاع الدلَجي، وأحمد بْن مُحَمَّد بْن عَبْد العزيز ابْن الجبّاب، وحفيده مُحَمَّد بْن مُحَمَّد المأمونيّ، وآخرون.
ورّخه ابن المفضّل.
204- سَعِيد بْن عَبْد اللَّه بْن القاسم [1] .
فخر الدّين أَبُو الرّضا، أخو القاضي كمال الدّين مُحَمَّد الشّهرزوريّ [2] .
فقيه شافعيّ. سمع بالعراق من: زاهر الشّحّاميّ، والقاضي أَبِي بَكْر، وجماعة.
وتفقّه بخُراسان عند الفقيه مُحَمَّد بْن يحيى. وعاد إلى المَوْصِل، وتقدّم وسادَ، وصار أوجه أهل بيته. وسار فِي الرسليّة إلى بغداد.
سمع منه: هبة اللَّه بْن الْحَسَن الفقيه، والياس بْن جامع الإربليّ، وأحمد بْن صَدَقة.
وتُوُفي فِي جُمادى الآخرة فِي العَشْر الأخير عَن سبعين سنة [3] .
205- سُلَيْمَان بن أحمد بن سليمان [4] .
__________
[ (-) ] وشذرات الذهب 4/ 257، وبدائع الزهور ج 1 ق 1/ 244 وقد ورد في الأصل: «سعد» والمثبت من المصادر.
[1] انظر عن (سعيد بن عبد الله) في: مرآة الزمان 8/ 362، 363، والمختصر المحتاج إليه 2/ 787 88 رقم 692، وتلخيص مجمع الآداب ج 4/ رقم 1252، والوافي بالوفيات 14/ 232، 233 رقم 326، وطبقات الشافعية الكبرى للسبكي 4/ 221.
[2] انظر عنه في: المختصر المحتاج إليه 1/ 55.
[3] مولده سنة 506 هـ. وكان أمير أهل بيته، يعرف المذهب والخلاف، ويكتب خطّا حسنا.
وكان نزها كثير الصدقة مقبلا على أهل الخير.
[4] انظر عن (سليمان بن أحمد) في: تكملة الصلة لابن الأبّار، رقم 6987، والذيل والتكملة-

(40/213)


وبعض أصحابه قال فيه: سليمان بن خَلَف.
أَبُو الْحُسَيْن الإشبيليّ جدّ أَبِي الْعَبَّاس أَحْمَد بْن سيّد النّاس لأمّه.
سمع من: أَبِي بَكْر بْن طاهر، وأبي الْحَسَن شُرَيْح وأخذ عَنْهُ القراءات.
وسمع من: ابْن العربيّ، وغير واحد.
وكان مُقْرِئًا، نَحْوِيًا، ضابطا، مجوّدا.
أخذ عَنْهُ: أَبُو مُحَمَّد، وأَبُو سُلَيْمَان ابْنَا حَوْط اللَّه، ومفرّج بْن حسين الضّرير، وغيرهم.
حدّث فِي هذا العام وانقطع ذِكره.
206- سُلَيْمَان بْن مُحَمَّد بْن حَسَن [1] .
أَبُو طَالِب العُكْبَرِي، ثمّ الواسطيّ، المقرئ.
قرأ القراءات على: ابْن شيران، وأبي بَكْر المَزْرَفي، وسِبْط الخيّاط، والشّهرزوريّ.
قرأ عَلَيْهِ ابْن الدبِيثي، وعليّ بْن منصور البُرْسُقي.
- حرف العين-
207- عَبْد اللَّه بْن المحدّث عَبْد الرَّحْمَن بْن أَحْمَد بْن عَلِيّ بْن صابر السلَمي [2] .
أَبُو المعالي الدّمشقيّ، ويُعرف بابن سيده.
ولد سنة تسع وتسعين وأربعمائة.
__________
[ (-) ] لكتابي الموصول والصلة 4/ 56، 57 رقم 130، وبغية الوعاة 1/ 596 رقم 1264.
[1] انظر عن (سليمان بن محمد) في: المختصر المحتاج إليه 2/ 97 رقم 106، ومعرفة القراء الكبار (مخطوطة دار الكتب الوطنية بباريس 2084) ورقة 169، وغاية النهاية 1/ 315 رقم 1386.
[2] انظر عن (عبد الله بن عبد الرحمن) في: الإعلام بوفيات الأعلام 237، وسير أعلام النبلاء 21/ 93، 94 رقم 40، والعبر 4/ 229، والمختصر المحتاج إليه 2/ 146، 147 رقم 779، والنجوم الزاهرة 6/ 88، وشذرات الذهب 4/ 256، والعسجد المسبوك 2/ 182.

(40/214)


وسمع: الشّريف أَبَا القاسم النّسيب، وأبا طاهر مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن الحِنائي، وابن الموازينيّ، وطبقتهم.
وحدّث ببغداد فسمع منه: الحافظ أَبُو سعد السّمعانيّ كِتَاب «المروة» .
وذكره فِي «الذّيل» فقال: شابٌ قدِم بغداد للتّجارة.
وذكره أَبُو المواهب بْن صَصْرَى فِي «معجمه» فقال: باع كُتُب أَبِيهِ وعمّه بثمنٍ بخْس، وأعرض عَن الخير فِي وسط عمره، ثمّ أقلعَ فِي آخره. وسُمِع منه مِن النّسخ الّتي بأيدي النّاس.
وتُوُفي فِي رجب.
قلت: وَرَوَى عَنْهُ الحافظ أَبُو مُحَمَّد عَبْد الغنيّ [1] ، والشّيخان أَبُو عَمْرو والموفّق، والبهاء عَبْد الرَّحْمَن، والشّمس عُمَر بْن المُنَجا، وسالم بْن عَبْد الرّزّاق، وأخوه يحيى، وعبد الحقّ بْن خَلَف، والحافظ الضّياء، وغيرهم.
208- عَبْد اللَّه بْن خَلَف بْن مُحَمَّد بْن حبيب بن فرقد [2] .
__________
[1] غلط محقق كتاب «العسجد المسبوك» السيد شاكر محمود عبد المنعم، إذ اعتبر أن أبا محمد عبد الغنيّ هذا: هو أبو محمد عبد الغني بن سعيد بن علي بن سعيد بن بشر الأزدي الحافظ المصري، صاحب مشتبه النسبة، وكتاب المؤتلف والمختلف، وغير ذلك.
(العسجد 2/ 182 بالحاشية رقم 58) .
ويقول محقق هذا الكتاب طالب العلم «عمر عبد السلام تدمري» : إن هذا غلط فاحش، لأن عبد الغني بن سعيد الأزدي صاحب مشتبه النسبة توفي سنة 409 هـ. فكيف يروي عن أبي المعالي الدمشقيّ وهو لم يكن قد ولد بعد؟ أما الحافظ أبو محمد عبد الغني الّذي يروي عن أبي المعالي فهو: «أبو محمد عَبْد الغني بْن عَبْد الواحد بْن عَلِيّ بْن سرور بن رافع المقدسي الأصل الجماعيلي الدمشقيّ الدار المصري الوفاة الحنبلي. توفي سنة 600 هـ. (انظر عنه: التكملة لوفيات النقلة 2/ 17- 19 رقم 778) وانظر عن «عبد الغني بن سعيد الأزدي» في تاريخ الإسلام (401- 420 هـ.) 188- 190 رقم 277.
[2] انظر عن (عبد الله بن خلف) في: تكملة الصلة لابن الأبّار، رقم 854، والذيل والتكملة لكتابي الموصول والصلة 4/ 223، 224 رقم 382.

(40/215)


أَبُو مُحَمَّد القُرشِي، الفِهْري، الأندلسيّ، الإشبيليّ.
سمع مع أخيه أَبِي إِسْحَاق من: أَبِي مُحَمَّد بْن عتّاب، وأبي الْحَسَن بْن تقيّ [؟] . وناظَرَ فِي الرأي عَن أَبِي عَبْد اللَّه بْن الحاجّ.
وأخذ القراءات عَن أَبِي عَمْرو وموسى بْن حبيب عَن مكّيّ بْن أَبِي طَالِب.
وقال الأبّار [1] : كان حافظا للفقه، صادِعًا بالحقّ.
مولده بعد التّسعين وأربعمائة.
حدّث عَنْهُ ابنه أَبُو القاسم.
209- عَبْد اللَّه بْن مُغِيث بْن يونس بْن مُحَمَّد بْن مغيث بْن مُحَمَّد بْن يُونُس بْن عَبْد اللَّه بْن مُغِيث [2] .
أَبُو مُحَمَّد بْن الصّفّار الْأَنْصَارِيّ، القُرْطُبي.
روى عَن: جَدّه أَبِي الْحَسَن، وأبي عَبْد اللَّه بْن الحاجّ، وأبي الْحَسَن شُرَيْح، وأبي بَكْر بْن العربيّ، وجماعة.
وولّي قضاء الجماعة بقُرطُبة ثمانية عشر عاما.
قال الأبّار: رَوَى عَنْهُ أَبُو القاسم بْن الملجوم، وعامر بْن هاشم، وأبو مُحَمَّد بْن حَوْط الله، وأخوه أَبُو سُلَيْمَان بْن حَوْط اللَّه.
وتُوُفي فِي ربيع الأوّل وَلَهُ ستّون سنة.
210- عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ.
القاضي أَبُو مُحَمَّد السّعديّ، الغَرْناطي، ثمّ اليَحْصبي. من قلعة يحصب.
حدّث فِي هذا العام عَن أَبِي الوليد بْن طريف، وأبي الْحَسَن بن البادش، وطائفة.
__________
[1] في تكملة الصلة.
[2] انظر عن (عبد الله بن مغيث) في: تكملة الصلة لابن الأبّار.

(40/216)


وعنه: الأخَوان ابنا حوط اللَّه، وابن دحية، وآخرون.
211- عَبْد اللَّه بْن يوسف بْن عليّ بْن مُحَمَّد.
القُضَاعي، المُري.
سمع من: أَبِيهِ.
وبالثّغر من: أَبِي عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن أَحْمَد الرّازيّ.
روى عَنْهُ: عليّ بْن المفضّل الحافظ.
بقي إلى هذا العام.
212- عَبْد اللَّه بْن يَحْيَى بْن عليّ بْن هلال [1] .
أَبُو سَعِيد الأزَجي، الدّبّاس، المعروف بابن الأعرابيّ.
سمع أَبَا القاسم بْن بيان، وأَبَا ياسر البَرَداني، ومُحَمَّد بْن عَبْد الباقي الدّوريّ، وابن الحُصَيْن، وجماعة.
سمع منه: أَبُو مُحَمَّد بْن الخشّاب مع تقدّمه.
وروى عَنْهُ: ابْن الدّبيثيّ، والبهاء عَبْد الرَّحْمَن، وجماعة.
وتُوُفي فِي ربيع الآخر وَلَهُ ستٌ وسبعون سنة.
213- عَبْد الرَّحْمَن بْن عَبْد العزيز بْن مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن علي بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن سَعِيد بْن حُمَيد بْن أَبِي العجائز [2] .
أَبُو الفهْم الْأَزْدِيّ، الدّمشقيّ.
من بيت الحديث والرواية.
سمع: أَبَا طاهر الحِنائي، وغيره.
روى عَنْهُ: الحافظ ابْن عساكر، وابنه القاسم، وأبو المواهب بْن صَصْرَى، وإبراهيم الخُشُوعي، ومكّيّ بْن علّان، وطائفة.
__________
[1] انظر عن (عبد الله بن يحيى) في: تاريخ ابن الدبيثي.
[2] انظر عن (عبد الرحمن بن عبد العزيز) في: العبر 4/ 229، والمعين في طبقات المحدّثين 176 رقم 1878، وسير أعلام النبلاء 21/ 94 رقم 41، والإعلام بوفيات الأعلام 237، والعسجد المسبوك 2/ 183، والنجوم الزاهرة 6/ 88، وشذرات الذهب 4/ 257.

(40/217)


وكان ملازما لحلقة الحافظ ابْن عساكر.
تُوُفي رَحِمَهُ اللَّهُ فِي جُمادى الآخرة، وَلَهُ ثمانون سنة. وهو راوي حديث سختام.
214- عَبْد الرَّحْمَن بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن أحمد.
أبو جَعْفَر بْن القصير الْأَزْدِيّ، الغرناطيّ.
روى عَن: أبيه أَبِي الْحَسَن، وعمّه أَبِي مروان عَبْد الملك، وأبي الْحَسَن بْن البادش، وأبي الوليد بْن رُشد، والقاضي عِياض.
وكان وجيها فِي بلده، من بيت تقدّم، وكان كثير العناية بالرواية، وَلَهُ حظٌ وافرٌ من الفقه والأدب. وصنّف تصانيف منها شيء من مناقب أهل عصره. وحجّ وسكن بإفريقية وتونس.
وولّي القضاء.
وحدّث عَنْهُ: أَبُو عَبْد اللَّه بْن نافع الخطيب.
غرق فِي البحر فِي آخر العام رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى.
215- عَبْد الْعَزِيز بْن عَبْد الواحد بْن عَبْد الماجد بْن عَبْد الواحد بْن أَبِي القاسم القُشَيْري.
أَبُو المحاسن النَّيْسابوري، الصّوفيّ.
تُوُفي فِي ربيع الأوّل، وَلَهُ خمسون سنة.
روى عَن: عَبْد المنعم القُشَيْري.
رَوَى عَنْهُ: أبو القاسم بن صصرى.
216- عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْن هبة اللَّه ابْن رئيس الرؤساء.
أَبُو المفضّل ابْن الوزير أَبِي الفَرَج. يُلَقب كمال الدّين.
استنابه أَبُوهُ في الأستاذ داريّة ثمّ استقلّ بها عند ما وزَرَ أَبُوهُ.
وكان ذا غِلْظة وشدّة وطأة وصرامةٍ وقساوة وسوء سيرة. كانت الألسِنة مُجْمِعَة على ذَمْه. وَلَهُ شِعْرٌ جيّد.

(40/218)


قال العماد الكاتب: هُوَ شهم مَهِيب، وَلَهُ فهم مُصيب. وهو غضنفر بني المظفّر، وقيل: بني الرقيل. ومن شِعره:
وأهيَفٌ معسولُ النّكاهة واللمَى ... مليح النسى والشّمائل والقد
به ري عيني وهو ظاميء إلى دمي ... وخدّي لَهُ ورد ومن خدّه وردي
تُوُفي فِي الكُهُولة. وقد عُزِل عَن أستاذيّةالدار لسوء سيرته، فِي أيّام أَبِيهِ. وخافه مجد الدّين ابْن الصّاحب أستاذ دار الخليفة النّاصر، فدقّق الحيلة فِي القبض عَلَيْهِ، ثمّ صادره وعاقبه عقوبة شديدة. وقيل إنّه رفسه بِرجله فمات منها.
217- عليّ بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن بكروس [1] .
أَبُو الْحَسَن.
وُلِد سنة تسع وخمسمائة.
وتُوُفي فِي ثالث ذي الحجّة ببغداد.
كذا سمّاه ابْن مَشق، وسيُعاد.
218- عليّ بْن عَبْد الرحيم بْن الْحُسَيْن بْن عَبْد الملك [2] .
أَبُو الْحَسَن بْن القَصار [3] السّلميّ، المِرْداسي، الرّقّيّ، ثمّ البغداديّ، اللّغويّ.
__________
[1] سيعاد باسم: «عليّ بْن مُحَمَّد بْن المبارك بْن أَحْمَد بن بَكْروس» ، برقم (219) .
[2] انظر عن (علي بن عبد الرحيم) في: معجم الأدباء 14/ 10، 11، والكامل في التاريخ 11/ 469، واللباب 2/ 138، وتلخيص مجمع الآداب 3/ 944 و 967، وإنباه الرواة 2/ 291، 292، والعبر 4/ 229، 230، والمشتبه 1/ 365، والمعين في طبقات المحدّثين 177 رقم 1881، والإعلام بوفيات الأعلام 237، وسير أعلام النبلاء 20/ 578، 579 رقم 361، وتلخيص ابن مكتوم 144، 145، والوافي بالوفيات 21/ 232، 233، رقم 157، وفيه «علي ابن عبد الرحيم بن الحسن» ، ومرآة الجنان 3/ 405 وفيه «علي بن عبد الرحمن» ، وطبقات النحويين واللغويين لابن قاضي شهبة 2/ 164، 165، والنجوم الزاهرة 6/ 88، والعسجد المسبوك 2/ 182، وبغية الوعاة 2/ 175، وتاريخ الخلفاء 457، وشذرات الذهب 4/ 257.
[3] هكذا في الأصل وتاريخ الخلفاء 47، وفي العبر 4/ 229، وسير أعلام النبلاء 20/ 578، والوافي بالوفيات 21/ 232 «العصار» بالعين، ومثله في العسجد المسبوك 2/ 82، وفي مرآة الجنان 3/ 405 «عطار» .

(40/219)


كان علّامة العرب وحُجة الأدب فِي نقل اللّغة.
أخذ عَن أَبِي منصور بْن الجواليقيّ، وكتب الكثير. وأكثر المطالعة.
وكان مليح الخطّ، أنيق الوراقة والضّبط، ثقة.
سافر إلى مصر تاجرا، وأقام بها مدّة، وقرأ بها الأدب على أبي الحجّاج يوسف بن محمد بن الحسين الكاتب ابن الخلّال صاحب ديوان الإنشاء. ثمّ قدِم بغداد، وتصدّر للإقراء والإفادة فِي داره.
وكان الفضلاء يتردّدون إليه، ويقرءون عليه كتب الأدب.
وسمع من: أبي الغنائم بْن المهتدي، وأبي العزّ بْن كادَش، وجماعة.
روى عَنْهُ: أَبُو الفُتُوح بْن الحُصري، وابن أخته أَحْمَد بْن طارق، وغيرهما.
وتُوُفي فِي المحرّم.
وولد سنة ثمان وخمسمائة.
وقال ابْن النّجّار: وخلّف مالا طائلا، وكان بخيلا مقتّرا على نفسه رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى.
قلت: كان آية فِي اللّغة، وهو متوسّط فِي النحْو، وكان تاجرا متموّلا، سافر إلى مِصْر. ويحضر حلقة ابْن بَري، ويأخذ عَنْهُ النّحو، وكان ابْن بَري يأخذ عَنْهُ اللّغة.
وكان يحفظ من أشعار العرب ما لا يوصف [1] .
219- عليّ بْن مُحَمَّد بْن المبارك بْن أَحْمَد بن بَكْروس [2] .
__________
[1] وقال ابن النجار: لم يكن له عيب سوى تقنيطه على نفسه، وله في ذلك حكايات، وخلّف مالا طائلا.
[2] تقدّم باسم «عليّ بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن بكروس» برقم (217) .
وانظر عنه في:
التاريخ المجدّد لابن الدبيثي (مخطوطة باريس 2131) ورقة 16، 17، والمختصر المحتاج إليه 3/ 135 رقم 1032، وذيل طبقات الحنابلة 1/ 348 رقم 166.

(40/220)


أَبُو الْحَسَن أخو أَبِي الْعَبَّاس البغداديّ، الحنبليّ.
شيخ صالح، سمع الكثير بنفسه.
روى عَن: أَبِي الغنائم مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن المهتدي باللَّه، وابن الحُصَيْن، وأبي غالب بْن البنّاء، وهبة اللَّه الشرُوطي، وجماعة.
روى عَنْهُ: موفّق الدّين بْن قُدامة، والبهاء عَبْد الرَّحْمَن، والياس [1] الإربليّ، وآخرون.
تُوُفي فِي ذي الحجَّة [2] .
220- عُمَر بن عَبْد الرحمن بن عذرة.
أبو حفص الْأَنْصَارِيّ، الأندلسيّ، من أهل الجزيرة الخضراء.
روى عن: أبي بكر بن العربي، وأبي الحسن بْن مُغِيث، وأبي القاسم بْن بَقِي.
وولي قضاء بلده وقضاء سبتَة.
وكان فقيها مشاورا، له النّظم والنّثر.
أخذ عَنْهُ: أَبُو الوليد القسطليّ، وعمر بْن عَبْد المجيد النّحويّ، وجماعة.
وتوفّي في رمضان.
- حرف الغين-
221- غازي [3] .
__________
[1] مهملة في الأصل. والتحرير من تاريخ ابن الدبيثي ومختصره.
[2] مولده ثالث رجب 504 هـ. وتفقّه في المذهب وبرع وأفتى وناظر، ودرّس بمدرسة أخيه آخرا، وصنّف في المذهب، وله كتاب «رءوس المسائل» وكتاب «الأعلام» .
لزم بيته في آخر عمره لمرض حصل له إلى أن توفي.
[3] انظر عن (غازي) في: سنا البرق الشامي 1/ 356، 357، والكامل في التاريخ 11/ 462، 463، والتاريخ الباهر 180، وتاريخ الزمان 191، وزبدة الحلب 3/ 39، والأعلاق الخطيرة ج 3 ق 1/ 57 و 227، ومفرّج الكروب 1/ 116 و 2/ 92- 94، ووفيات الأعيان-

(40/221)


سيف الدين صاحب الموصل ابْن الملك قُطْب الدّين مودود بن أتابك زنكي بن آق سنقر التّركيّ. والد سنجر شاه صاحب جزيرة ابْن عُمَر.
لمّا مات أَبُوهُ قُطْب الدّين بلغ السلطانَ نورَ الدّين الخبر، وهو على تلّ باشَر، فسار فِي الحال إلى الموصل، وأتى الرّقّة فِي أوّل سنة ستّ وستّين فَمَلَكها، ثمّ سار إلى نَصيبين فملكها، ثمّ أخذ سَنْجَار فِي ربيع الآخر، ثمّ أتى الموصل، وقصد أن لَا يقابلها، فعبر بجيشه من مخاضة بلدٍ ثمّ نزل قُبَالة الموصل، وأرسل إلى غازي وعرّفه صحّة قصده، فصالحه. ونزل الموصل ودخلها، وأقرّ صاحبها فِيهَا، وزوّجه بابنته، وعاد إلى الشّام، فدخل فِي شعبان من السّنة. فلمّا تملّك صلاح الدّين وسار إلى حلب وحاصرها، سيّر إليه غازي جيشا عَلَيْهِ أخوه عزّ الدّين مَسْعُود، فالتقوا عند قرون حماه، فانكسر عزّ الدّين. فتجهّز غازي وسار بنفسه، فالتقوا على تلّ السّلطان، وهي قرية بين حلب وحماه فِي شوّال سنة إحدى وسبعين، فانكسرت ميسرة صلاح الدّين بمظفّر الدّين ابْن ربيب الدّين صاحب إربل، فإنّه كان على ميمنة غازي، فحمل السّلطان صلاح الدّين بنفسه، فانهزم جيش غازي فعاد إلى حلب، ثمّ رحل إلى الموصل. ومات بالسّلّ فِي صَفَر. وعاش نحوا من ثلاثين سنة.
قال ابْن الأثير [1] : كان مليح الشّباب، تامّ القامة، أبيض اللّون، وكان عاقلا وقُورًا، قليل الالتفات. لم يُذكر عَنْهُ ما يُنافي الصّفة. وكان غيورا شديد الغيرة، يمنع الخدّام من دخول الدّور، وَلَا يحبّ الظُّلْم، على شحّ فيه وجبن.
__________
[ (- 4] / 3، 4، ومضمار الحقائق 43، ومرآة الزمان 8/ 363، 365، والمختصر في أخبار البشر 3/ 62، وتاريخ مختصر الدول 218، والعبر 4/ 230، ودول الإسلام 2/ 89، وسير أعلام النبلاء 20/ 192، 193 رقم 124، والإعلام بوفيات الأعلام 237، وتاريخ ابن الوردي 2/ 90، وتاريخ ابن خلدون 5/ 238- 240، ومرآة الجنان 3/ 405، 406، و 407، والدرّ المطلوب 64، 69، والسلوك ج 1 ق 1/ 70، والنجوم الزاهرة 5/ 286، والعسجد المسبوك 179، 180، وتاريخ ابن سباط 1/ 156، 157، واللمعات البرقية في النكت التاريخية لابن طولون 12، وشذرات الذهب 4/ 139.
[1] في الكامل 11/ 463.

(40/222)


قلت: وأدار الخمر والزّنا ببلاده بعد موت نور الدّين، فمقته أهل الخير. وقد تاب قبل موته بيسير، وتملّك بعده أخوه مَسْعُود، فبقي ثلاث عشرة سنة.
- حرف الميم-
222- مُحَمَّد بْن حامد.
أَبُو سَعِيد الأصبهانيّ.
من حفّاظ الحديث ببلده.
يروي عَن: أَبِي العلاء صاعد بْن سيّار الدّهّان. وغيره.
تُوُفي بأصبهان.
223- مُحَمَّد بْن عُبَيْد اللَّه بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن هشام [1] .
الْإِمَام أَبُو عَبْد اللَّه الخُشني، الرّنديّ، نزيل مالقة.
ويُعْرف قديما باسم العويص.
أخذ القراءات عَن: منصور بْن الخير، وعن أَبِي القاسم بْن رضا.
وسمع من: ابْن مغيث، وابن مكّيّ، وجماعة.
وناظر فِي «كِتَاب سِيبوَيْه» على ابْن الطرَاوة وَرَوَى عَنْهُ، وعن أَبِي مُحَمَّد البَطَلْيوسي.
قال الأبّار: وكان مُقْرِئًا ماهرا، نحويّا، لغويّا، دأب على تعليم القرآن والعربيّة دهره. وحدّث.
وتُوُفي بمالقة فِي شوّال.
ثنا عَنْهُ: ابْن حَوْط اللَّه، وأبو الْعَبَّاس الغرقيّ.
224- مُحَمَّد بن عليّ بن محبوب [2] .
__________
[1] انظر عن (محمد بن عبيد الله) في: تكملة الصلة لابن الأبّار.
[2] انظر عن (محمد بن علي بن محبوب) في: ذيل تاريخ مدينة السلام بغداد لابن الدبيثي 2/ 126، 127 رقم 354، والمختصر المحتاج إليه 1/ 92.

(40/223)


أَبُو بَكْر البغداديّ المُسَدي [1] .
سمع: أَبَا العزّ مُحَمَّد بْن المختار، وأحمد بْن الْحُسَيْن بْن قريش.
وعنه: ابْن الحُصْري، ومحمد بْن عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن جرير.
وكان مباركا. تُوُفي فِي ربيع الآخر [2] .
225- مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن مَوَاهب [3] .
أَبُو العزّ بْن الخُراساني، البغداديّ، الشّاعر، صاحب العَرُوض ومصنّف النّوادر المنسوبة إلى حدّة الخاطر.
قرأ الأدب على: أبي منصور بن الجواليقيّ.
وله ديوان شعر في خمسة عشر مجلّدا. قاله العماد الكاتب. ومصنّفات أدبيّة ومدح الخلفاء والوزراء، وتغيّر ذهنه في آخر أيّامه قليلا. وكان بارع الأدب بصيرا بالعروض، مقدّما في اللّغة والنّحو، صاحب مُجْون وخلاعة ونوادر.
سمع: أَبَا الْحُسَيْن المبارك بْن عَبْد الجبّار، وأبا سعد بْن خُشَيْش، وأحمد بْن المظفّر بْن سَوْسن، وأبا عليّ بْن نبهان.
قال ابن الدّبيثيّ [4] : سمعت منه وتركته لتغيّره. وأجاز لي قبل أن يتغيّر ذهنه.
__________
[1] هذه النسبة تقال ببغداد لمن يعمل السدي للثياب السقلاطونية.
[2] وكان مولده في سنة 489 هـ.
[3] انظر عن (محمد بن محمد بن مواهب) في: معجم الأدباء 7/ 101، وإنباه الرواة 3/ 213، والمختصر المحتاج إليه 1/ 119، وتاريخ ابن الدبيثي (مخطوطة أحمد الثالث 2917/ 14) ورقة 68، وسير أعلام النبلاء 21/ 82، 83 رقم 30، والمعين في طبقات المحدّثين 177 رقم 1882، والعبر 4/ 230، ومرآة الجنان 3/ 405، والوافي بالوفيات 1/ 150، 151 رقم 65، وفوات الوفيات 3/ 238، وإنباه الرواة 3/ 213، والعسجد المسبوك 2/ 183، وبغية الوعاة 1/ 235، وشذرات الذهب 4/ 257، وتلخيص الآداب ج 4 ق 3/ 373 رقم 2428.
[4] في تاريخه.

(40/224)


قلت: روى عَنْهُ الشيخ الموفَّق، والبهاء عَبْد الرَّحْمَن، وجماعة.
تُوُفي فِي رَمَضَان، وَلَهُ اثنتان وثمانون سنة.
قال ابْن الدبِيثي: أنشدنا فِي المسترشد باللَّه:
قُلْ للإمام الَّذِي أنعامه نعمٌ ... وسحّ كفَّيْهِ منه تخجل الديَمُ
وعرضه وافر فِي كلّ نازِلة ... وماله فِي جميع النّاس مقتسَمُ
وبحرة الْجَم عذْبٌ ماؤه غدَقٌ ... سهل الشرائعِ غمر طيّب سمُ
مسترشد إنْ بَدَا فالبدر غُرَّتُهُ ... وإنْ يقلْ كَلِما فالدُّرُّ منتظِم
[1] 226- المبارك بْن عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد [2] .
أَبُو منصور البغدادي.
قال الدبِيثي: كان خيّرا متيقّظا. سمعت عَلَيْهِ.
روى عَن: ابْن الحُصَيْن، وزاهر بْن طاهر. ولازَم ابْن ناصر فأكثر.
وتُوُفي فِي رَمَضَان.
227- المبارك بْن المبارك بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن حكيم [3] .
أَبُو بَكْر الخياط البغداديّ.
__________
[1] وأورد له ابن النجار ما يكتب على كمران:
أنا محسود من الناس ... على أمر عجيب
أنا ما بين قضيب ... ينثني فوق كثيب
وقوله:
أنا راض منكم بأيسر شيء ... يرتضيه لعاشق معشوق
بسلام على الطريق إذا ما ... جمعتنا بالاتّفاق الطريق
وقوله:
إن شئت أن لا تعدّ غمرا ... فخلّ زيدا معا وعمرا
واستغن باللَّه في أمور ... ما زلن طول الزمان إمرا
ولا تخالف مدى الليالي ... للَّه حتى الممات أمرا
واقنع بما راج من طعام ... والبس إذا ما عريت طمرا
[2] انظر عن (المبارك بن عبد الله) في: المختصر المحتاج إليه 3/ 170 رقم 1131.
[3] انظر عن (المبارك بن المبارك) في: المختصر المحتاج إليه 3/ 176 رقم 1153.

(40/225)


سمع: أَبَا الْحَسَن العلّاف، وشجاعا الذُّهْلي، وأبا عليّ بْن المهديّ، وغيرهم.
روى عَنْهُ: إلياس بْن جامع، وابن الأخضر، والبهاء [1] عَبْد الرَّحْمَن، وآخرون.
تُوُفي أَيْضًا فِي رَمَضَان [2] .
228- المبارك بْن مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن العرمرم.
أَبُو جَعْفَر بْن أَبِي طاهر بْن الواسطيّ، البغداديّ.
له إجازة من جَعْفَر السّرّاج، وأبي الْحُسَيْن بْن الطُّيُوريّ.
سمع منه: عليّ بْن أَحْمَد الرنْدِي، ومحمد بْن سَعِيد بْن الدَّبيثي.
مات فِي ذي القعدة سنة ستّ.
229- مَسْعُود بن عُمَر الملّاح.
سمع: أَبَا الْحَسَن بْن الزَّاغوني، وعليّ بْن الفاعوس.
روى عَنْهُ: أَبُو الْحَسَن القطِيعي فِي «تاريخه» .
230- مَسْعُود بْن محمود بْن أَحْمَد بْن عَبْد المنعم بْن ماشاذة [3] .
الْإِمَام أَبُو عَبْد اللَّه الأصبهانيّ، المفسّر، الفقيه.
قال ابن النّجّار: كان إماما حافظا، قيّما بالمذهب، والخلاف، والتّفسير، والوعظ.
سمع: غانما البُرجي، وأَبَا عليّ الحدّاد، ومحمود بْن إِسْمَاعِيل، وعبد الكريم بْن فُورجة.
وحجَّ وحدّث [4] ببغداد [5] ، وجلس للوعظ، ولقي القبول التّام، واستحسن الأكابر كلامه.
__________
[1] في الأصل: «البا» .
[2] مولده تقريبا سنة 500 هـ.
[3] انظر عن (مسعود بن محمود) في: المختصر المحتاج إليه 3/ 190 رقم 1200.
[4] في الأصل: «وحدّث وحج ببغداد» .
[5] وكان قدومه بغداد سنة 576 هـ.

(40/226)


قلت: ولم يذكر أنّ أحدا رَوَى عَنْهُ.
231- مُسْلِم بْن عَبْد المحسن بْن أَحْمَد.
أَبُو الغنائم الكَفَرْطابيّ، ثمّ الدّمشقيّ، البزّاز.
سمع من: جدِّه لأمّه أَبِي طاهر مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن الحِنائي.
ودخل بغداد للتّجارة، وسمع بها: عَلِيِّ بْن هبة اللَّه بْن عَبْد السلام.
أخذ عَنْهُ: عُمَر بْن مُحَمَّد بْن جَابِر، وإلياس بْن جامع، وغيرهما.
وتُوُفي فِي جُمادى الآخرة عَن إحدى وسبعين سنة.
232- مظفَّر بْن خَلَف بْن عَبْد الكريم بْن خَلَف بْن طاهر بْن مُحَمَّد الشّحّاميّ.
النَّيْسابوري.
حدث بدمشق عَن: وجيه بْن طاهر.
وكان صوفيّا ينسخُ بالأجرة.
روى عَنْهُ: أَبُو المواهب بْن صَصْرَى، وأخوه أَبُو القاسم، ومحمد البَلْخي المقرئ.
233- مظفَّر بْن مُحَمَّد بْن عَبْد الباقي بْن جند.
أَبُو عَبْد اللَّه البنّاء، البغداديّ.
معمّر، وهو ابْن عمّ بقاء بْن عُمَر.
سمع: أَبَا طَالِب بْن يوسف، وأبا الْحَسَن الزاغُوني، وأبا غالب بْن البنّاء.
روى عَنْهُ: أَحْمَد بْن أَحْمَد البَنْدَنِيجي وأثنى عَلَيْهِ.
وتُوُفي فِي ربيع الآخر.
- حرف النون-
234- نَصْر اللَّه بْن أَحْمَد بْن حمزة بْن أَبِي الحجّاج [1] .
__________
[1] رسم اسم «الحجاج» في الأصل: «الحححاح» .

(40/227)


أَبُو الفتح العَدَوي، الحلبيّ، ثمّ الدّمشقيّ، العطّار.
حدّث عَن: هبة اللَّه بْن طاوس.
وعنه: أَبُو القاسم بْن صَصْرَى.
- حرف الهاء-
235- هبة اللَّه بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن هلال [1] .
أَبُو الفَرَج بْن الأعرابيّ، الأزجيّ، الدَّبَّاس.
سمع: أبا القاسم بن بيان، وأبا الغنائم النرسي، وأَبَا ياسر البرْداني.
سمع منه: أَبُو مُحَمَّد بْن الخشّاب، وعمر بْن عليّ القُرَشي.
وتُوُفي فِي رجب [2] .
وهو أسَنْ من ابْن عمّه عَبْد الجبّار بعامَيْن.
- حرف الواو-
236- واثق بْن الْحُسَيْن بْن عليّ [3] .
العطّار أَبُو الْحُسَيْن بْن السّمّاك.
سمع: أَبَا القاسم بْن الحُصَيْن، وأبا غالب بْن البنّاء.
روى عنه: عبد الله بْن أَحْمَد الخبَّاز.
وعاش ثلاثا وستّين سنة [4] .
- حرف الياء-
237- يوسُف بْن مُحَمَّد بْن عليّ بْن أَبِي سَعِيد [5] .
الموصليّ، ثمّ البغداديّ، أخو سليمان وعليّ، ووالد الموفّق عبد اللّطيف.
__________
[1] انظر عن (هبة الله بن أحمد) في: المختصر المحتاج إليه 3/ 20 رقم 1280.
[2] ولد في شعبان سنة 498 هـ.
[3] انظر عن (واثق بن الحسين) في: المختصر المحتاج إليه 3/ 217 رقم 1271.
[4] ولد سنة 513 هـ.
[5] انظر عن (يوسف بن محمد) في: المختصر المحتاج إليه 3/ 236 رقم 1324.

(40/228)


صحِب أَبَا النّجيب السّهرورديّ وتفقّه عَلَيْهِ.
وسمع: أَبَا القاسم بْن السّمرقنديّ، وأَبَا منصور بْن خَيْرون، وخلقا.
وسمّع ابنه، وحدّث.
وتُوُفي فِي المحرّم، وَلَهُ إحدى وستّون سنة [1] .
238- يونس بْن مُحَمَّد.
أَبُو الوليد القَسْطلي، الأندلسيّ.
مِنْ فُحُولِ الشُّعَرَاءِ وأعيان البُلغاء.
كتب لبعض ملوك الأندلس، وصنفَ فِي الأدب.
وَفِيهَا وُلِد كمال الدّين مُحَمَّد ابْن قاضي القُضاة صَدْر الدين عَبْد الملك بْن درباس الماراني فِي ربيع الأول.
__________
[1] ولد تقريبا سنة 515 هـ.

(40/229)


سنة سبع وسبعين وخمسمائة
- حرف الألف-
239- أَحْمَد بْن حَمَيْد بْن الْحَسَن.
أَبُو منصور الأزَجْي، الكاتب، الشَّيْبَانيّ، مصنّف «المقامات» العشرين.
أديب بارع، وشاعر مُحْسِن.
روى عَنْهُ: ولده يوسف.
تُوُفي فِي ربيع الأوّل ببغداد.
240- أَحْمَد بْن عَبْد الملك بْن عُمَيْرة [1] .
أَبُو جَعْفَر الضّبّي، الأندلسيّ.
سمع بُمرْسية [2] من: أَبِي عليّ الصَّدَفي، وأبي مُحَمَّد بْن أَبِي جَعْفَر الفقيه.
وبقرطُبة [3] : أَبَا مُحَمَّد بْن عتّاب، وابن رُشْد.
ولقي بمصالة منصور بْن الخير وأخذ عَنْهُ القراءات. وحجَّ، وكان زاهدا عابدا، قانتا للَّه.
روى عَنْهُ: سُلَيْمَان بْن حَوْط اللَّه، وأحمد بْن يحيى بْن عُمَيْرة.
وتُوُفي عَن سنّ عالية [4] .
__________
[1] انظر عن (أحمد بن عبد الملك) في: معجم شيوخ الصدفي 53، وتكملة الصلة لابن الأبّار 1/ 79، وبغية الملتمس للضبيّ 194، 195، رقم 441، والذيل والتكملة لكتابي الموصول والصلة 1 ق 1/ 264، 265 رقم 344، ونفح الطيب 3/ 357.
[2] رحل إليها سنة 513 هـ.
[3] رحل إليها سنة 515 هـ.
[4] وقال أبو جعفر بن يحيى بن عميرة: ساكنته أياما فما رأيته من الليالي إلا قائما ولا من النهار إلّا صائما. قال: وقال لي: كنت قبل أن أرحل أرى الناس يعظمون العلم وأهله، -

(40/230)


241- أَحْمَد بْن عَليّ بْن مُحَمَّد بْن عَبْد الملك بْن سُلَيْمَان بْن سند [1] .
أَبُو الْعَبَّاس الأندلسيّ، الكتّانيّ، النحْوي، من أهل إشبيلية.
وكان يُعرف باللّصّ لإغارته على الأشعار فِي حداثته [2] .
__________
[ (-) ] فلما قدمت من رحلتي لم أر ما عهدت، وأبصرت أمري، وأقبل على العمل وترك التصنّع ونبذ الدنيا. (الذيل والتكملة 1/ 264، 265) .
وقال الضبّي: هو ابن عمّ أبي يكنى أبا جعفر، وكان رحمه الله عالما عاملا زاهدا فاضلا متقلّلا من الدنيا، أخبرت عنه أنه كان يواصل الصيام خمسة عشر يوما. وكانت أوقاته محفوظة عليه. أخبرني رحمه الله قال: دخلت مرسية بعد العشر وخمسمائة سمعت بها على الحافظ أبي علي بن سكرة، وعلى الفقيه أبي محمد عبد الله بن محمد بن أبي جعفر، فلما توفي الحافظ أبو علي رحلت إلى قرطبة وسمعت بها وقرأت علي أبي الوليد بن رشد، وأبي محمد بن عتاب، والموروري، وجماعة. ثم انصرفت وقد نلت حظّا وافرا من العمل، فلما وصلت مالقة قيل لي: تترك الفقيه أبا علي منصور بن الخير بمالقة وتنصرف! فقصدته وجمعت عليه كتاب الله العزيز بالقراءات السبع، ثم انصرفت إلى وطني بلس، ورأى الناس عند دخوله يعظّمون العلم وأهله، فكتب: أرى من في بلس يلقاني على مسيرة يوم وأن أهل لورقة يتجاورون في لقائي ببلس، فلما وصلت لم ألق أحدا، ولا رأيت من الناس ما عهدت، فكان لي في ذلك موعظة ورجعت إلى نفسي فقلت: يا أحمد، فكأنك إنما رحلت في طلب العلم وسهرت الليل ليعظّمك الناس، لقد خبت وضلّ سعيك، فعكفت على ما ينفعني ولزمت بيتي، ولم أتعرّض لعرض دنياوي، وسلكت سبل القوم لعلّ الله أن يجعلني منهم، وبكتبهم انتفعت.
وكان رحمه الله إماما في طريقة التصوّف، وكنت لا تراه من الليل إلّا قائما. وكان أكثر دهره صائما. توفي وقد أناف على التسعين. توفي سنة سبع وسبعين وخمسمائة، ومولده بعيد الثمانين وأربعمائة.
ولما اجتمع معه شيخي القاضي أبو القاسم ابن حبيش بلورقة رأيته قد بكى فسألته ممّ بكاؤك؟ ذكرتني رؤية ابن عمّ أبيك هذا من تقدّم هكذا كان زيّهم وسمتهم. وقد بتّ عنده ليالي ذوات عدد فما كان يوقظني في أكثر الليالي إلّا بكاؤه في السجود، وما كان ينام من الليل إلّا قليلا، فلما وصلت من عنده مرسية حدّثت بذلك بعض جيرانه قديما بلورقة، فقال لي: هكذا أعرفه منذ أزيد من ثلاثين عاما. (بغية الملتمس) .
[1] هكذا في الأصل: «سند» ، وفي المصادر: «سيد» . انظر: المعجب 154، والمطرب 182، وتكملة الصلة 1/ 80، والمنّ بالإمامة 155، وزاد المسافر 25، ورايات المبرّزين 19، والذيل والتكملة لكتابي الموصول والصلة 1 ق 1/ 316- 320 رقم 411، وبغية الوعاة 1/ 344، 345 رقم 657، ونفح الطيب 5/ 325.
[2] وجاء في «المنّ بالإمامة» أنه يسمّى باللص لقوله يتغزّل في أبي الحسين ابن فندلة أيام الفتوة: -

(40/231)


روى عَن: أَبِي بَحْر الأسَدي، وأبي مُحَمَّد بْن صاوة.
وأقرأ الآداب والعربيّة واللّغة. وكان شاعرا محسنا [1] .
__________
[ (-) ]
خلبت قلبي بطرف ... أبا الحسين خلوب
قلم أسمّ بلصّ ... وأنت لصّ القلوب
وواضح من البيتين أنه كان يسمّى باللص قبل قوله لهما. ولابن دحية في (المطرب) وجهة أخرى للّقب إذ قال: وكان شيخنا هذا رحمه الله يلقّب باللص لدمائته وسكونه وتصرّفه خفية في جمع شئونه. ولكنه لا ينكر هذا اللقب مع جاهه عند سلطان زمانه. وانظر اعترافه بلقبه وأنه لسرقته أشعار الناس في (نفح الطيب 5/ 332) .
[1] وقال ابن عبد الملك المراكشي: وكان مقرئا محدّثا متحقّقا بعلوم اللسان نحوا ولغة وأدبا، ذاكرا للتواريخ حسن المجالسة، شاعرا مفلقا، وشعره مدوّن، وأقرأ اللغة والعربية والأدب طويلا. ومن طريف ما جرى له في انتحاله شعر غيره أن أحد بني عبد المؤمن قدم على إشبيلية واليا فانتدب أدباءها لامتداحه وتلقّيه بالتهنئة والإنشاد إذا دخلوا عليه قال: فطمعت في تلك الليلة أن يسمح خاطري بشيء في ذلك المقصد فلم يتّجه لي شيء، فنظرت إلى معلّقاتي فخرج لي قصيد لأبي العباس الأعمى وعليه مكتوب ولم ينشد، فأدغمت فيه اسم ذلك الأمير وقلبته في مدحه، فلمّا أصبحنا وخرجنا إلى اللقاء وأنشد الناس وأنشدت ذلك القصيد، فقام أبو القاسم محمد بن إبراهيم بن المواعيني، وأخرج من كمّه القصيد نفسه وقد صنع فيه ما صنعت، وأخبر بقصته في ذلك، فإذا قصّتهما واحدة، فضحك الوالي من ذلك وأثابهما ثواب غيرهما من الشعراء، وكثر العجب من تواردهما على السرقة وصارت بين الناس أحدوثة زمانا. وبالجملة فإنه كان من الشعراء المجيدين والأدباء المبرّزين والأساتيذ المفيدين، وقد أنجب تلامذة شعراء برعة. ومما استجيد من شعره في معنى المناجاة قوله:
مولاي إني ما أتيت جريمة ... إلّا وقلت تندّمي يمحوها
لولا الرجاء ونية لي نطتها ... بكريم عفوك لم أكن آتيها
ومن نظمه في حال مرض أصابه:
وقائلة والضنا شاملي ... على م سهرت ولم ترقد؟
وقد ذاب جسمك فوق الفراش ... حتى خفيت على العود
فقلت: وكيف أرى نائما ... ورابي المنيّة بالمرصد
وكان دأبه استصحاب كسرة خبز لا يفارقها، فقيل له في ذلك، فذكر أنه قيل له في النوم لا يموت إلا عطشان فأنا أخاف من ذلك فإن أصابني العطش دفعتها إلى سقّاء يسقيني، فقضى الله سبحانه أن توفي وحيدا في منزله فلا يبعد أن يكون مات عطشا كما أخبر في النوم. والله أعلم. وكانت وفاته عام سبعة أو ثمانية وقيل: ثلاثة. وقال أبو الحسن الشاري اثنين وسبعين وخمسمائة، وهذان القولان الآخران كلاهما باطل قطعا، فقد وقفت على بعض ما قرئ عليه مؤرّخا بجمادى الأولى سنة أربع وسبعين، مولده في صفر سنة ثنتين-

(40/232)


روى عَنْهُ: أَبُو الْحُسَيْن بْن رزقون، وأبو الخطّاب بْن دحية.
وعاش بضعا وسبعين سنة.
وتُوُفي سنة سبع أو سنة ثمانٍ وسبعين.
242- أَحْمَد بْن عليّ بْن سَعِيد.
أَبُو الْعَبَّاس الحوزيّ الصُّوفي.
قرأ بواسط، وسمع بها من: أَبِي عليّ الْحُسَيْن بْن إِبْرَاهِيم الفارقيّ.
وببغداد من: أَبِي بَكْر الْأَنْصَارِيّ.
وكان رجلا صالحا. عاش 77 سنة.
243- أَحْمَد بْن مُحَمَّدِ بْن عَلِيِّ بْن هبة اللَّه بْن عَبْد السلام [1] .
أبو الغنائم الكاتب، أخو أَبِي منصور عَبْد اللَّه.
سمع: أبا علي بن المهدي، وأبا القاسم بْن الحُصَيْن.
وحدّث.
قتله غلام لَهُ طَمَعًا فِي شيء كان لَهُ فِي المحرّم. وقيل في سنة ستّ.
وولد سنة أربع وخمسمائة.
244- أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن أَبِي القاسم.
الشَّيْخ أَبُو الرشيد الخفيفيّ، الصّوفيّ، الزّاهد.
قال ابْن النّجّار: قدِم بغداد شابّا من أبهَر زنجان، وتفقّه مدّة.
وسمع: زاهر الشّحّاميّ، وأبا بَكْر مُحَمَّد بْن عَبْد الباقي، وجماعة.
وصحب أَبَا النّجيب السَّهْرُوَرديّ، وانقطع، وجلس فِي الخَلْوَة، وظهر لَهُ الكرامات، وفُتِح عَلَيْهِ.
روى لنا عَنْهُ: أَبُو نصر عُمَر بْن مُحَمَّد بْن جَابِر المقري.
وقرأت بخطّ عُمَر بْن عليّ القُرَشي: جَلَسَ أَبُو الرشيد الأبهريّ فِي الخَلْوة اثنتي عشرة سنة، وفُتِح لَهُ خيرٌ كثير، وظهر كلامه.
__________
[ (-) ] أو ثلاث- الشك منه- وخمسمائة. (الذيل والتكملة) .
[1] تقدّم برقم (192) .

(40/233)


وقد كتب من كلامه ما يُقارِب ثمانين مجلّدة.
قال ابْن النّجّار: بلغني أنّه كان فِي جُمادى الآخرة. وكان منسوبا إلى ابْن خفيف الشّيرازيّ.
245- أَحْمَد بْن مواهب بْن حَسَن.
أَبُو عَبْد الرَّحْمَن البغداديّ، المعروف بغلام الزّاهد ابْن العلبيّ.
شيخ صالح، سمع: أَبَا طَالِب بْن يوسف.
سمع منه: ابنه عَبْد الرَّحْمَن، وتميم بْن أَحْمَد البَنْدَنِيجي، والحافظ عَبْد القادر الرّهاويّ.
سمعوا منه فِي هذه السّنة، وانقطع خبره.
246- إِبْرَاهِيم بْن مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم بْن مهران [1] .
الْإِمَام رضيّ الدّين أَبُو إِسْحَاق الجزَري، الفقيه الشّافعيّ.
تفقّه وبرع على شيخه أَبِي القاسم بْن البزْري. ثمّ تفقّه ببغداد بالنّظاميّة.
وسمع من: الكروخيّ.
ودرّس ببلده وساد بعد ابْن البزريّ.
مات فِي المحرّم عَن أربعٍ وستّين سنة. ذكره الفَرَضي [2] .
247- إِسْمَاعِيل بْن الملك الصّالح نور الدّين [3] .
__________
[1] انظر عن (إبراهيم بن محمد) في: الكامل في التاريخ 11/ 477.
[2] وقال ابن الأثير: كان فاضلا كثير الورع.
[3] انظر عن (إسماعيل بن نور الدين) في: البرق الشامي 3/ 14، 50- 52، 153، 173، والنوادر السلطانية 55، والتاريخ الباهر 181، 182، والكامل في التاريخ 11/ 472، 473، وتاريخ مختصر الدول 217، وتاريخ الزمان 197، وزبدة الحلب 3/ 40، 41، ومرآة الزمان 8/ 366، والمختصر في أخبار البشر 3/ 63، والدرّ المطلوب 69، (سنة 576 هـ.) ، والعبر 4/ 231، وسير أعلام النبلاء 21/ 110- 112 رقم 54، ودول الإسلام 2/ 89، والإعلام بوفيات الأعلام 238، والوافي بالوفيات 9/ 221- 223 رقم 4125، ومرآة الجنان 3/ 407، 408، والبداية والنهاية 12/ 308، 309، وتاريخ ابن الوردي 2/ 90، وتاريخ ابن خلدون 5/ 253، والكواكب الدرّية 229، 230، والسلوك-

(40/234)


أَبُو الفتح بْن الملك العادل نور الدين محمود بْن زنكي التركي.
خَتنه أَبُوهُ فِي سنة تسعٍ وستّين، وسرّ به، وزيّنوا دمشق، وكان وقتا مشهودا وهو يوم عيد الفِطْر. وزُينت دمشق أيّاما وضُرِبت خيمة بالميدان، وصلّى هناك بالنّاس شمس الدّين قاضي العسكر، وخَطَب، ثمّ مُدَّ السّماط العامّ، وأُنِهبَ على عادة التُّرْك.
وعاد نور الدّين إلى القلعة فمدّ سماطه الخاصّ، ولعب من الغد بالكُرة، فاعترضه برتقش أمير آخور وقال لَهُ: باش. فاغتاظ بخلاف عادته، وزير برتقش، ثمّ ساقَ ودخل القلعة، فما خرج منها إلَّا ميّتا.
وتُوُفي نور الدّين بعد الخِتان بأيّام، فحلّف أمراء دمشق لابنه أنْ يكون فِي السَّلْطَنة بعده، وهو يومئذ صبيّ، ووقعت البطاقة إلى حلب بموت نور الدّين، ومتولّيها شاذبخت الخادم، فأمر بضرب البشائر، وأحضر الأمراء والعلماء وقال: هذا كِتَاب من السّلطان بأنّه خَتَنَ ولده وولّاه العهد. فحلفوا كلّهم فِي الحال. ثمّ قام إلى مجلس فلبس الحِداد، وخرج إليهم وقال:
يُحسِن اللَّه عزاكم فِي الملك العادل بْن زنكي.
وأمّا صلاح الدّين فسار إلى الشّام ليكون هو المدبّر لدولة هذا الصّبيّ، ويستولي على الأمور. ووقعت الفتنة بحلب بين السّنّة والرّافضة. ونهبت الشّيعة دار قُطْب الدّين ابْن العجميّ، ودار بهاء الدّين بْن أمين المُلْك. ونزل بحْرية القلعة وأمَرهُم الأمير شمس الدّين عليّ بْن مُحَمَّد ابْن الداية والي القلعة أن يزحفوا إلى دار أَبِي الفضل بْن الخشّاب رئيس الشّيعة، فزحفوا إليها ونهبوها، واختفى ابْن الخشّاب.
ثمّ وصل الصّالح إِسْمَاعِيل إلى حلب فِي ثاني المحرّم من سنة سبعين، ومعه سابق الدّين عثمان ابْن الداية، فقبض عَلَيْهِ، وصعِد القلعة، وظهر ابن
__________
[ (-) ] ج 1 ق 1/ 77، والعسجد المسبوك 2/ 183، 184، ومضمار الحقائق 59، 60، والنجوم الزاهرة 6/ 89، وتاريخ ابن سباط 1/ 159، وشذرات الذهب 4/ 258.

(40/235)


الخشّاب، وركب فِي جَمْعٍ عظيم إلى القلعة، فصعدِ إليها، والشّيعة تحت القلعة وُقُوف. فَقُتِلَ بها ابْن الخشّاب وتفرّق ذلك الْجَمْع. وسُجِن شمس الدّين عليّ بْن الدّاية وأخواه: سابق الدّين عثمان، وبدر الدّين حَسَن.
ودخل السّلطان صلاح الدّين دمشق فِي سلخ ربيع الآخر، ثمّ سار إلى حمص فملكها. ثمّ نازلَ حلب فِي سَلْخ جُمادى الأولى، فنزل الملك الصّالح إلى البلد، واستنجد بأهلها، وذكّرهم حقوق والده، فوعدوه بالنَّصْر، وجاءته النّجدة من ابْن عمّه صاحب الموصل مع عزّ الدّين مَسْعُود بْن مودود. فردّ السّلطان صلاح الدّين إلى حماه، وتِبعه عزّ الدّين مَسْعُود، فالتقوا عند قرون حماه فِي رَمَضَان. فانكسر عزّ الدّين وانهزم، وردّ صلاح الدّين فنازل حلب، فصالحوه وأعطوه المَعَرَّة، وكَفَرْطاب، وبارين. ثمّ جاء صاحب الموصل سيف الدّين غازي فِي جيشٍ كثيف، وجاء صلاح الدّين بعساكره، فالتقوا فِي شوّال سنة إحدى وسبعين، فانكسر صاحب الموصل على تلّ السّلطان، وسار صلاح الدّين، فأخذ منبج، ثمّ نازل عزاز ففتحها، ثمّ نازل حلب فِي ذي القعدة، وأقام عليها مدّة. وبذل أهلها المجهود فِي القتال، بحيث أنّهم كانوا يحملون ويصلون إلى مخيّم صلاح الدّين، وأنّه قبض على جماعة منهم، فكان يشرّح أسافل أقدامهم، وَلَا يمنعهم ذلك عَن القتال، فلمّا ملَّ صالَحَهُم وسار عَنْهَا. وخرجت إليه أخت الملك الصّالح، وكانت طفلة، فأطلق لها عزاز لمّا طلبتها منه. وكان تدبير أمر حلب إلى والدة الصّالح، وإلى شاذبخت، وخالد بْن القيسرانيّ.
ثمّ إنّ الصّالح مرض بالقولنج جُمعَتَين، ومات فِي رجب من سنة سبْع، وتأسّفوا عليه، وأقاموا عليه المآتم، وفرشوا الرَّماد فِي الأسواق، وبالغوا فِي النّوح عَلَيْهِ. وكان أمرا مُنْكَرًا.
وكان ديِّنًا، عفيفا، ورِعًا، عادلا، محبّبا إلى العامّة، متِبعًا للسّنّة، رَحِمَهُ اللَّهُ، ولم يبلغ عشرين سنة.
وَذَكَرَ الْعَفِيفُ بْنُ سُكَّرَةَ الْيَهُودِيُّ- لَا رَحِمَهُ اللَّهُ-، وَكَانَ يُطَبِّبُهُ، قَالَ:

(40/236)


قُلْتُ لَهُ: يَا مَوْلانَا، وَاللَّهِ شِفَاؤُكَ فِي قَدَحِ خَمْرٍ، وَأَنَا أَحْمِلُهُ إِلَيْكَ سِرًّا، وَلَا تعلم والدتك، ولا اللّالا، ولا أحد. فَقَالَ: كُنْتُ أَظُنُّكَ عَاقِلًا، نَبِيُّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَجْعَلْ شِفَاءَ أُمَّتِي فِيمَا حُرِّمَ عَلَيْهَا» [1] . وَتَقُولُ لِي أَنْتَ هَذَا.
وَمَا يُؤَمِّنُنِي أَنْ أَشْرَبَهُ وَأَمُوتُ وَهُوَ فِي جَوْفِي؟! [2] .
وقيل: تُوُفي وَلَهُ قريبٌ من ثماني عشر سنة. فتملّك حلبَ بعده عزّ الدّين مَسْعُود ابْن عمّه مودود.
248- أشرف بْن هبة اللَّه.
أَبُو الْعَبَّاس الهاشميّ، البياضيّ. إمام جامع المنصور.
سمع: أحمد بن المُجلي، وهبة اللَّه بْن الحُصَين.
سمع منه: مُحَمَّد بْن مَشقْ، وأحمد بْن أَحْمَد البَنْدَنِيجي.
وتُوُفي فِي أوّل السّنة.
- حرف التاء-
249- تمرتاش.
مولى أَبِي الفَرَج هبة اللَّه ابْن رئيس الرؤساء.
سمع من: أَبِي الْحُسَيْن بْن العلّاف.
روى عَنْهُ: ابْن الأخضر، وغيره، ونصر بْن الحصريّ.
وتوفّي في رمضان.
__________
[1] أخرجه البخاري في الأشربة 6/ 248 باب: شراب الحلواء والعسل. وهو قول ابن مسعود في السّكّر: «إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرّم عليكم» .
[2] وقال ابن الأثير: إنه لما اشتدّ به المرض وضعف وصف له الأطباء قليل خمر، فقال لا أفعل حتى أسأل الفقهاء، فسأل الشافعية فأفتوه بالجواز، وسأل العلاء الكاشاني فأفتاه أيضا، ولم يفعل، وقال: إن كان الله قرّب أجلي أيؤخّره شرب الخمر؟ قال: لا. قال:
فو الله لا لاقيت الله وقد لقيت ما حرّم عليّ. فمات ولم يشربه. (الكامل) .
قال سبط ابن الجوزي: أخطأ الكاشاني، فإنّ الخمر لا يباح عند أبي حنيفة، وجميع أصحابنا للتداوي، وكذا عند مالك، وأحمد، وعند الشافعيّ يجوز للضرورة، وعندنا أن الله لم يجعل شفاء الأمّة فيما حرّم عليها. (مرآة الزمان 8/ 366، 367) .

(40/237)


- حرف السين-
250- سُلَيْمَان بْن أرسلان [1] .
المعروف بشرف الدّين بْن شاووش البغداديّ.
كان يخدم فِي السّواد فَعَلا وساد، وناب فِي وزارة النّاصر لدين اللَّه أوّل ما استخلف، ثمّ عُزِل بعد شهرين لشيخوخته وضعفه.
تُوُفّي فِي جُمَادَى الأولى عَنْ سِنٍّ عالية [2] .
- حرف العين-
251- عَبْد الرَّحْمَن بْن مُحَمَّد بْن عُبَيْد اللَّه بْن أَبِي سعيد [3] .
__________
[1] انظر عن (سليمان بن أرسلان) في: مضمار الحقائق 14، والوافي بالوفيات 15/ 352 رقم 497.
[2] وكان شيخا حسنا فاضلا نبيلا، حافظا لكتاب الله تعالى، كثير التلاوة. سمع من أبي الوفاء علي بن عقيل الحنبلي، وحدّث بيسير.
[3] انظر عن (عبد الرحمن بن محمد) في: الكامل في التاريخ 11/ 477، وإنباه الرواة 2/ 171، والروضتين 2/ 27، ووفيات الأعيان 3/ 139، ومرآة الزمان 8/ 368، والمختصر في أخبار البشر 3/ 63، والمختصر المحتاج إليه 2/ 209، والعبر 4/ 231، وسير أعلام النبلاء 21/ 113- 115 رقم 56، والمعين في طبقات المحدّثين 177 رقم 1883، والإعلام بوفيات الأعلام 238، وتاريخ ابن الوردي 2/ 91، وطبقات الشافعية الكبرى للسبكي 4/ 248، وطبقات الشافعية للإسنويّ 1/ 20، وفوات الوفيات 2/ 282، والبداية والنهاية 12/ 310، ومرآة الجنان 3/ 408، والوافي بالوفيات 18/ 247- 220 رقم 298، وطبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 1/ 342، 343، رقم 308، والوفيات لابن قنفذ 290 رقم 577، والعسجد المسبوك 2/ 185، 186، وفيه «عبد الله» بدل «عبيد الله» ، والبلغة في تاريخ أئمة اللغة 124، 125، والنجوم الزاهرة 6/ 90، وتاريخ الخلفاء 457، وبغية الوعاة 2/ 86، وتاريخ ابن سباط 1/ 160، وشذرات الذهب 4/ 258، وكشف الظنون 83، 123، 130، 182، 212، 228، 285، 621، 670، 690، 728، 972، 1095، 1096، 1165، 1271، 1457، 1540، 1564، 1565، 1731، 1789، 1858، 1899، 1918، 1940، 1983، 2002، 2030، وإيضاح المكنون 1/ 47، 92، 118، 191، 193، 206، 224، 301، 362، 420، 527، 548، و 2/ 50، 52، 112، 146، 154، 220، 271، 320، 324، 464، -

(40/238)


كمال الدين أَبُو البركات الأنباريّ، النّحويّ، الرجل الصّالح، صاحب التّصانيف المفيدة.
سكن بغداد من صباه، وتفقَّه بالنّظاميّة على أَبِي منصور بْن الرّزّاز، وقرأ النّحو على أَبِي السّعادات بْن الشَّجَري: واللّغة على أَبِي منصور بْن الجواليقيّ.
وبرع فِي الأدب حتّى صار شَيْخ العراق فِي عصره، وأقرأ النّاس ودرَّس النّحو بالنّظاميّة، ثمّ انقطع فِي منزله مشتغِلًا بالعِلم والعبادة والورع وإفادة النّاس.
وكان زاهدا ناسكا، تاركا للدُّنيا، ذا صِدق وإخلاص.
قال الموفّق عَبْد اللّطيف: أمّا شيخنا كمال الدّين الأنباريّ فلم أرَ فِي العبّاد والمنقطعين مثله [1] فِي طريقه، وَلَا أصدق منه فِي أسلوبه، خير محض لَا يعتريه تصنُّع، وَلَا يعرف الشّرور، وَلَا أحوال العالم. وكان لَهُ من أَبِيهِ دار يسكنها، ودار وحانوت مقدار أجرتهما نصف دينار فِي الشّهر ينتفع به ويشتري منه ورقا.
وسيّر إليه المستضيء خمسمائة دينار فردّها، فقالوا لَهُ: اجعلها لولدك، فقال: إنْ كنت خَلَقْتُه فأنا أرزقه.
وكان لَا يوقِد عَلَيْهِ ضوءا. وتحته حصير قَصَب، وعليه ثوب وعمامة من قُطْن يلبسهما يوم الجمعة. وكان لَا يخرج إلَّا للجمعة، ويلبس فِي بيته ثوبا خلقا.
وكان ممّن قعد فِي الخَلْوة عند الشَّيْخ أَبِي النّجيب.
قرأ عَلَيْهِ مُعيد بالنّظاميّة، فبقي يُكْثر الصّياح والكلام، فلطمه على رأسه وقال: ويلك، إذا كنت تَجْتَر فِي المرعى مَتَى ترعى؟
وللشيخ مائة وثلاثون مصنّفا، أكثرها نحو، وبعضها في الفقه
__________
[ (- 528، 539، 574، 626، 645، 675، 677، 724] وهدية العارفين 1/ 519، والأعلام 4/ 104، ودائرة المعارف الإسلامية 3/ 4، 5.
وانظر مقدّمة كتاب: نزهة الألبّاء، له، بتحقيق الدكتور إبراهيم السامرائي.
[1] في الأصل: «منه» .

(40/239)


والأصول، والتّصوّف، والزّهد، أتيت على أكثرها قراءة، وسماعا وحِفْظًا.
قلت: من كُتُبه «أسرار العربيّة» ، «الإنصاف فِي مسائل الخلاف» ، «أخبار النحَاة» ، «الدّاعي إلى الْإِسْلَام فِي عِلم الكلام» ، «النّور اللّائح [1] فِي اعتقاد السلَف الصّالح» ، «الْجُمَل فِي عِلم الجدل» ، «كتاب ما» [2] ، و «غرائب إعراب القرآن» ، «ديوان اللّغة» ، «الضّاد والظّاء» ، «تفسير لغة المقامات» ، «شرح الحماسة» ، «شرح المتنبّي» ، «نزهة الألبّاء فِي طبقات الأدبا» ، «تاريخ الأنبار» ، «نَسْمَةُ العبير فِي علم التّعبير» .
وروى الحديث عَن: أبيه، وخليفة بْن محفوظ الأنباريّ، ومحمد بْن مُحَمَّد بْن عطّاف، وأحمد بْن نظام الملك.
رَوَى عَنْهُ: الحافظ أَبُو بَكْر الحازمي، وابن الدّبيثيّ، وطائفة.
وتُوُفي فِي شعبان. وَلَهُ أربعٌ وستّون سنة.
ومن شِعره:
دَع الفؤادَ بما فِيهِ من الخِرِق ... ليس التصوُّفُ بالتّلبيس والخِرَقِ
بل التصوّف صَفْوُ القلبِ من كدرٍ ... ورؤيةُ الصُّوفية أعظم الخرقِ
وصبر النّفس على أذى مطاعمها ... وعن مطامعها فِي الخلق بالخلق
وترك دعوى بمعنى فِيهِ حقته ... فكيف دعوى بلا معنى وَلَا خلق؟
252- عَبْد الصمَد بْن عليّ [3] .
أَبُو القاسم بْن الأخرم البغداديّ، الحذّاء.
سمع: أَبَا عليّ الباقرحيّ، وأبا سعد بْن الطّيوريّ، وأَبَا طَالِب اليُوسُفي.
سمع منه: عُمَر القُرَشي، وجماعة.
وتُوُفي فجأة فِي ذي الحجّة، وَلَهُ سبعون سنة [4] .
__________
[1] في سير أعلام النبلاء 21/ 114 «اللامح» .
[2] في سير أعلام النبلاء 21/ 114 «كتاب لو وما» .
[3] انظر عن (عبد الصمد بن علي) في: المختصر المحتاج إليه 3/ 79 رقم 894.
[4] وقال ابن الدبيثي: رأيته ولم يتفق لي السماع منه وأجاز لي. ومولده سنة سبع وخمسمائة.

(40/240)


253- عَبْد القادر بْن عليّ بْن نوقة [1] .
أَبُو مُحَمَّد الواسطيّ الشّاعر.
جالس أَبَا السّعادات بْن الشَجَري، وأَبَا منصور بْن الجواليقيّ.
ومَدَح الخلفاء.
ومات غريبا بمصر.
ومن شِعره:
أصيب ببلوى الجسم أيّوب فاغْتَدَى ... به تضرب الأمثال أنْ ذُكِر [2] الصبرُ
فلمّا انتهى بلواه من بعد جسمه ... إلى القلب نادى مُعْلنًا: «مَسَّنِي الضّرّ» [3]
وكلُّ بلائيَ عند قلبي ولم أبحْ ... بشكوى الَّذِي ألقى ولم يظهر السّرّ
هذا هَذَيان وقَولٌ من وراء العافية، ومجرد دعوى كاذبة. كما فشر من قَالَ:
وكُلُّ بلاء أيّوب بعضُ بليّتي ولكن الشّعراء فِي كلّ واد [4] يهيمون، ويقولون ما لَا يفعلون. وكما قيل: أمْلَح الشعْر أكذبه [5] .
__________
[1] انظر عن (عبد القادر بن علي) في: خريدة القصر (قسم مصر) ، والمختصر المحتاج إليه 3/ 80 رقم 898.
[2] في المختصر: «إذ يذكر» .
[3] اقتباس من سورة الأنبياء، آية 83.
[4] في الأصل: «واحد» ، والقول فيه.
إشارة إلى الآيات الكريمة: وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ. أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وادٍ يَهِيمُونَ.
وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لا يَفْعَلُونَ 26: 224- 226 (النمل 224- 226) .
[5] وقال العماد الكاتب: لقيته كهلا، للفضل أهلا، وله نظم رائق بالتحسين والإحسان حقيق، وأنشدت له، ثم أنشدني لنفسه:
قسما بأغصان القدود ... تهزّ بيان الصدور
ويعضّ تفاح الخدود ... ورشف كافور الثغور
إني ليصرعني الهوى ... بين الروادف والخصور
بسلاف أفواه تسلل ... في أباريق النحور
(خريدة القصر) .

(40/241)


254- عثمان بْن يوسف بْن أَبِي بَكْر بْن عَبْد البرّ بْن سيّدي بْن ثابت [1] .
أَبُو عمرو الأنصاريّ، السّرقسطيّ، المعروف بالبلجيطيّ.
أخذ القراءات عَن: أَبِي زيد الورّاق، ويحيى بْن مُحَمَّد القلعيّ.
وأخذ قراءة نافع عَن: أَبِي زيد بْن حيوة.
واختلف إلى أَبِي جَعْفَر بن سراج، وأبي الحسن بن طاهر وأخذ عنه العربيّة.
وسمع «التّيسير» سنة إحدى وعشرين وخمسمائة من ابن هذيل.
وأقرأ القراءات، وسكن بلد لريّة ثمّ ولّي قضاءها.
وكان محقّقا للقراءات، ضابطا، إخباريا، ذاكرا، ماهرا بالقضاء والشّروط.
توفّي عَن تسعين سنة فِي نصف ذي القعدة.
أخذ عنه: أبو عمر بن عياد، وأبو عَبْد اللَّه بْن عيّاد، وأبو عَبْد اللَّه الشّونيّ، وأبو الربيع بْن سالم [2] .
255- عليّ بْن مُحَمَّد بْن الحَسَن [3] .
أَبُو المفاخر المستوفي البيهقيّ، الواعظ، الصُّوفي.
حدّث ببغداد وواسط عَن: مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن صاعد، وعبد الغافر بْن إسماعيل، وأبي عبد الله الفراويّ، وغيرهم.
وتوفّي رحمه الله في شعبان.
256- عمر بن عليّ بن الزاهد محمد بن عليّ بن حمّويه [4] .
__________
[1] انظر عن (عثمان بن يوسف) في: صلة الصلة لابن الزبير 75، وتكملة الصلة لابن الأبّار، رقم 1835، والذيل والتكملة لكتابي الموصول والصلة 5 ق 1/ 140، 141 رقم 286.
[2] وقال ابن عبد الملك المراكشي: وكان مقرئا مجوّدا، ضابطا، محقّقا، تاريخيا، ذاكرا ملوك بلده وقضاته وعلماءه، فقيها حافظا عاقدا للشروط، بصيرا بالأحكام، جيد الدربة فيها، تردّد في الكثير من كور بلنسية وأقرأ فيها، واستوطن لرية، ثم رحل عنها حاجا سنة إحدى وثلاثين وخمسمائة فكاد يغرق في ركوبه البحر، فعاد إليها واستقرّ بها واستقضي فيها وفي جزيرة شقر.
ولد بسرقسطة أول يوم من شعبان سنة سبع وثمانين وأربعمائة، وتوفي بلرية.
[3] انظر عن (علي بن محمد) في: المختصر المحتاج إليه 3/ 135 رقم 1033.
[4] انظر عن (عمر بن علي بن الزاهد) في: العبر 4/ 232، والإعلام بوفيات الأعلام 238، -

(40/242)


أبو الفتح الجوينيّ [1] الصّوفيّ. شيخ الشّيوخ بدمشق.
ولد في جمادى الأولى سنة ثلاث عشرة.
وسمع من: جدّه، وأبي عبد الله الفراويّ، وأبي القاسم الشّحّاميّ، وأبي الفتوح عبد الوهّاب الشّاذياخيّ [2] ، وعبد الجبّار الخواريّ [3] ، وعبد الواحد الفارمذيّ [4] .
وأقام بدويرة السّميساطيّ [5] . وحدّث، وإليه انتهى التّقدّم فِي التّصوّف.
وكان السّلطان صلاح الدّين يحترمه ويُعَظْمه، وهو أخو أَبِي بَكْر وأبي سعد عَبْد الواحد.
روى عَنْهُ: الحافظ أَبُو المواهب، وأخوه أَبُو القاسم الْحُسَيْن، والبهاء عَبْد الرحمن، والحافظ الضّياء، وآخرون.
__________
[ (-) ] وسير أعلام النبلاء 21/ 115 دون ترجمة، ومرآة الجنان 3/ 408، والنجوم الزاهرة 6/ 90، والعسجد المسبوك 2/ 186، وشذرات الذهب 4/ 259.
[1] الجويني: بضم الجيم وفتح الواو وسكون الياء المنقوطة باثنتين من تحتها، هذه النسبة إلى جوين وهي إلى ناحية كثيرة مشتملة على قرى مجتمعة يقال لها كويان معرّب وجعل جوين. وهذه الناحية متّصلة بحدود بيهق ولها قرى كثيرة متّصلة بعضها ببعض. (الأنساب 3/ 385) .
[2] الشاذياخي: بفتح الشين المعجمة والذال المعجمة الساكنة، والياء المفتوحة المنقوطة باثنتين من تحتها بين الألفين، وفي آخرها الخاء المعجمة. هذه النسبة إلى موضعين:
أحدهما إلى باب نيسابور مثل قرية متّصلة بالبلد بها دار السلطان. وشاذياخ: قرية ببلخ على أربعة فراسخ منها.
وقال ياقوت بكسر الذال المعجمة. يؤيّده قول أبي محلّم في شعره:
سقى قصور الشاذياخ الحيا (الأنساب 7/ 240- 242) .
[3] الخواريّ: بضم الخاء المنقوطة والراء بعد الواو والألف. هذه النسبة إلى خوار الري، مدينة على ثمانية عشر فرسخا من الري. (الأنساب 5/ 195) .
[4] الفارمذي: بفتح الفاء وسكون الراء وفتح الميم وفي آخرها الذال المعجمة. نسبة إلى فارمذ وهي قرية من قرى طوس.
[5] السّميساطي: بضم السين المهملة بعدها ميم، وسكون الياء المنقوطة باثنتين من تحتها، وبعدها سين أخرى مفتوحة وفي آخرها الطاء. نسبة إلى سميساط من بلاد الشام.
(الأنساب 7/ 153) .

(40/243)


وتُوُفي فِي رجب ودُفِن بمقابر الصّوفيّة.
وذكره العماد الكاتب فقال: كبير الشّأن، كثير الإحسان، لم يكن لَهُ فِي عِلْم الطّريقة والحقيقة مساو.
وأقبل عليه نور الدّين بكلّيته، وأمرني بإنشاء منشور لَهُ بمشيخة الشّام، ورغّبه بالإحسان فِي المُقام، ومن جملة ما أتحفه به عِمامةٌ ذهبيّة نفّذ بها صلاح الدّين من مِصْر، فبُذل لَهُ فِيهَا ألف دينار بزنة ذهبها، فلم يُجِب.
- حرف الميم-
257- مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن عَبْد العزيز [1] .
أَبُو عَبْد اللَّه الحِمْيَري، القُرْطُبيّ، المعروف بالأسْتِجِي نزيل مالقة.
سمع: «صحيح الْبُخَارِيّ» من شُرَيْح.
وولي خطابة مالقة.
وكان من أهل الفضل والصّلاح.
ورّخه الأبّار، وقال: ثنا عَنْهُ أَبُو عَبْد اللَّه الأندرشيّ، وأبو سُلَيْمَان بْن حَوْط اللَّه.
258- مُحَمَّد بْن عَبْد الملك بْن مَسْعُود بْن بَشْكُوال.
أخو الحافظ أَبِي القاسم، أَبُو عَبْد اللَّه القُرْطُبيّ.
روى عَن: أبيه، وأبي جَعْفَر البَطْروجي، وأبي الْحَسَن بْن مغيث.
وكان فقيها شروطيّا.
وأجاز لَهُ أَبُو عليّ بْن سُكرَة.
تُوُفي فِي جُمادى الآخرة قبل أخيه.
259- مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن شجاع بْن أَحْمَد بن عليّ.
أبو الطيّب اللّفتوانيّ، الأصبهانيّ.
__________
[1] انظر عن (محمد بن أحمد) في: تكملة الصلة لابن الأبّار.

(40/244)


سمع: أباه أَبَا بَكْر، وجعفر بْن عَبْد الواحد الثّقفيّ، وفاطمة الجوزدانيّة، وجماعة.
وطلب بنفسه، وكتب، وقرأ.
تُوُفي فِي صَفَر.
260- المبارك بْن عليّ بْن مُحَمَّد بن خَلَف [1] .
أَبُو الفائز البردانيّ، الدّلّال فِي الدّور.
سمع: أَبَا الغنائم النّرسيّ، ومحمد بن الحسن بن البنّاء، وأبا طَالِب بْن يوسف.
روى عَنْهُ: أَبُو بَكْر الحازميّ، وابن الأخضر، وآخرون [2] .
تُوُفي فِي جُمادى الآخرة وَلَهُ سبْعٌ وسبعون سنة. وقيل: إحدى وثمانون سنة [3] .
- حرف الهاء-
261- هاشم بْن أحمد بن عبد الواحد بن هاشم [4] .
أَبُو طاهر الحلبيّ، الخطيب. شَيْخ زَاهِد خيّر بارع فِي العربيّة.
كتب عَنْهُ: أَبُو سعد بْن السّمعانيّ، والخطيب يونس بْن مُحَمَّد الفارقيّ.
وتُوُفي فِي جُمادى الآخرة.
وروى عَنْهُ: أَبُو القاسم بْن صَصْرَى، وقال: كان خطيب حَلَب، جامعا لفنونٍ شتّى.
وقال ابْن النّجّار: أديب، بليغ، فصيح، لَهُ تصانيف وخُطَب، وَلَهُ كِتَاب «التّنبيه عَن اللّحن الخفيّ» . قرأ عَلَيْهِ حمزة بن القبّيطيّ.
عاش ثلاثا وثمانين سنة.
__________
[1] انظر عن (المبارك بن علي) في: المختصر المحتاج إليه 3/ 172 رقم 1140.
[2] وقال ابن الدبيثي: أجاز لي ورأيته.
[3] ولد سنة 500 هـ.
[4] انظر عن (هاشم بن أحمد) في: الوافي بالوفيات (مخطوط) 27/ 88، والأعلام 9/ 46، ومعجم المؤلفين 13/ 131.

(40/245)


262- هبة اللَّه بن المبارك بْن بكري الحريميّ [1] .
من بيت رواية.
سمع: أَبَا الْحَسَن الدَّينَوَرِيّ، وابن الحُصَيْن، أخذ عَنْهُ ابْن مَشقْ، وغيره.
وتُوُفي فِي شوّال.
وروى عَنْهُ: عَبْد الوهّاب بْن برغش، وعبد الرَّحْمَن بْن عُمَر الغزّال.
263- هبة اللَّه بْن أَبِي الكرم نصر اللَّه بْن مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن مَخْلَد [2] .
أَبُو الْعَبَّاس بْن الْجَلَخْت الواسطيّ، المعدّل.
ثقة، صحيح السّماع، من بيت رواية وعدالة.
وُلِد سنة أربع وثمانين وأربعمائة.
وسمع: أَبَا نُعَيْم مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم الجماريّ، وأبا نُعَيْم مُحَمَّد بْن زبزب، ومحمد بْن مُحَمَّد بْن السّواديّ.
وسمع ببغداد من: هبة اللَّه بْن الْبُخَارِيّ، وأَبَا بَكْر القاضي.
وروى الكثيرَ.
روى عَنْهُ: أَبُو عَبْد الله بن الدّبيثيّ وترجمه، وقال: تُوُفي فِي رجب.
- حرف الياء-
264- يَحْيَى بْن عليّ بْن يحيى بْن العافية.
المؤذّن أبو زكريّا الدّمشقيّ، المقري.
سمع من: جمال الْإِسْلَام أَبِي الْحَسَن.
كتب عَنْهُ: أَبُو المواهب بْن صَصْرَى، وقال: تُوُفي في ربيع الأوّل.
__________
[1] انظر عن (هبة الله بن المبارك) في: المختصر المحتاج إليه 3/ 227 رقم 1297.
[2] انظر عن (هبة الله بن أبي الكرم) في: المختصر المحتاج إليه 3/ 228 رقم 1298.

(40/246)


الكنى
265- أَبُو الفَهْم بْن فتيان بْن حيدرة.
الْبجَلي، الدّمشقيّ ابْن الكاتب.
زاهد عابد ورع.
روى عَن: جمال الْإِسْلَام.
وعنه: ابْن صَصْرَى.
وَفِيهَا وُلد: أَبُو البيان بْن سعد اللَّه بْن راهب الحمويّ بحماه، وشمس الدّين إِسْحَاق ابْن بلكوَيْه، وأبو الفتح عَبْد الهادي بْن عَبْد الكريم القَيْسي، وعبد العزيز بْن عَبْد الوهّاب الكَفَرْطابي، وعماد الدّين بْن الحَرَسْتانيّ، وكمال الدّين أَحْمَد بْن نعمة بنابلس.

(40/247)


سنة ثمان وسبعين وخمسمائة
- حرف الألف-
266- أَحْمَد بْن أَبِي الْحَسَن بْن عليّ بْن أَحْمَد بْن يحيى بْن حازم بْن عليّ بْن رفاعة [1] .
الزّاهد الكبير، سلطان العارفين فِي زمانه أَبُو الْعَبَّاس الرّفاعيّ، المغربيّ رضي اللَّه عنه.
قدِم أَبُوهُ العراقَ وسكن البطائح بقرية اسمها أمّ عَبِيدةَ، فتزوّج بأخت الشَّيْخ منصور الزّاهد، ورُزِق منها أولادا منهم الشَّيْخ أَحْمَد بْن الرفاعيّ رَحِمَهُ اللَّهُ.
وكان أَبُو الْحَسَن مُقرِئًا يؤمّ بالشّيخ منصور، فمات وزوجته حامل
__________
[1] انظر عن (أحمد بن أبي الحسن بن علي) في: الكامل في التاريخ 11/ 492، ووفيات الأعيان 1/ 171، ومرآة الزمان 8/ 370، 371، والمختصر في أخبار البشر 3/ 65، 66، ودول الإسلام 2/ 90، وسير أعلام النبلاء 21/ 77- 80 رقم 28، والعبر 4/ 233، والمعين في طبقات المحدّثين 177 رقم 1884، والإعلام بوفيات الأعلام 238، وتاريخ ابن الوردي 2/ 92، والبداية والنهاية 12/ 312، ومرآة الجنان 3/ 409- 412، وطبقات الشافعية الكبرى للسبكي 4/ 40، وطبقات الشافعية الوسطى، له (مخطوط) ورقة 30 أ، والوافي بالوفيات 7/ 219، رقم 3177، ومختصر تاريخ ابن الساعي 112، والعسجد المسبوك 2/ 187، والنجوم الزاهرة 6/ 92، وتاريخ ابن سباط 1/ 163، وشذرات الذهب 4/ 259- 262، وطبقات الأولياء لابن الملقّن 93- 101 رقم 22، وتاريخ الخلفاء 457، وبدائع الزهور ج 1 ق 1/ 224، والطبقات الكبرى للشعراني 1/ 164، والكواكب الدريّة في تراجم السادة الصوفية للمناوي 2/ 75، وذيل تاريخ الأدب العربيّ لبروكلمان 1/ 87، ومعجم المطبوعات العربية والمعرّبة 947، 948، والأعلام 1/ 169، ومعجم المؤلفين 2/ 25، وديوان الإسلام 2/ 331 رقم 995.

(40/248)


بالشّيخ أَحْمَد، فربّاه خاله منصور، فقيل إنّه ولد في أوّل المحرّم سنة خمسمائة.
ويُروى عَن الشَّيْخ يعقوب بْن كِراز قَالَ: كان سيّديّ أَحْمَد بْن الرفاعيّ فِي المجلس، فقال لأصحابه: إي سادة، أقسمتُ عليكم بالعزيز سبحانه، مَن كان يعلم فِي عَيْبًا [1] يقوله.
فقام الشَّيْخ عُمَر الفاروقيّ وقال: إي سيّديّ، أنا أعلم فيك عيبا.
فقال: يا شَيْخ عُمَر، قله [2] لي.
قال: إي سيّدي عَيبك نَحْنُ الّذين مثلنا فِي أصحابك.
فبكى الشَّيْخ والفقراء وقال: أي عُمَر، إنْ سَلِم المركبُ حمل من فيه في التّعدية.
وقيل إنْ هرّة نامت على كُم الشَّيْخ أَحْمَد، وجاء وقت الصّلاة، فقصّ كُمه، ولم يزعجْها، وعاد من الصّلاة فوجدها قد فاقت، فوصل الكُم بالثّوب وخيّطه وقال: ما تغيّر شيء.
وعن يعقوب بْن كِراز، وكان يؤذّن فِي المنارة ويُصلي بالشّيخ، قَالَ:
دخلت على سيّديّ أَحْمَد فِي يوم باردٍ، وقد تَوضأ ويده ممدودة، فبقي زمانا لَا يُحرك يده، فتقدمتُ وجئت أقبّلها فقال: أيّ يعقوب، شوشْتَ، على هذه الضّعيفة.
قلت: من هِيَ؟
قال: بَعُوضة كانت تأكل رزقها من يدي، فهربتْ منك.
قال: ورأيته مرّة يتكلّم ويقول: يا مُباركة ما علمت بك، أبعدتك عَن وطنك. فَنظَرتُ فإذا جرادةٌ تعلّقت بثوبه، وهو يعتذر إليها رحمة لها.
وعنه قَالَ: سلكت كلّ الطُرُق الموصلة، فما رَأَيْت أقرب وَلَا أسهل ولا
__________
[1] في الأصل: «عيب» .
[2] في الأصل: «قوله لي» .

(40/249)


أصحّ من الافتقار، والذّلّ، والإنكسار. فقيل لَهُ: يا سيّدي، فكيف يكون؟
قَالَ: تعظّم أمرَ اللَّه، وتُشْفِق على خلْق اللَّه، وتقتدي بسنّة سيّدك رسول اللَّه.
وورد أنّه كان فقيها، شافعيّ المذهب.
وعن الشَّيْخ يعقوب بْن كِراز قَالَ: كان سيّدي أَحْمَد إذا قدِم من سَفَرٍ شمَّرَ، وجمع الحَطَب، ثمّ يحمله إلى بيوت الأرامل والمساكين، فكان الفقراء يوافقونه ويحتطبون معه. وربّما كان يملأ الماء للأرامل ويُؤثرهم رَحِمَهُ اللَّهُ.
قيل لَهُ: أي منصور أطلب. فقال: أصحابي. فقال رَجُل لسيّدي أَحْمَد:
يا سيّدي وأنت أيش؟ فبكى فقال: أي فقير، ومَن أَنَا فِي البَيْن، ثَبت نَسَب وأطْلُب ميراث [1] .
فقلت: يا سيّدي أقسم عليك بالعزيز أيْش أنت؟
قال: أي يعقوب، لمّا اجتمع القوم وطلب كلّ واحدٍ شيئا [2] دارت النّوبة إلى هذا اللّاشيء أَحْمَد وقيل: أيْ أَحْمَد أطلُبْ. قُلْت: أيْ ربّ عِلْمُكَ محيط بطلبي. فكرّر عليّ القول، قُلْت: أي مولاي، أريد أن لَا أريد، وأختار أن لَا يكون لي اختيار. فأجابني، وصار الأمر لَهُ وعليه. أيْ يعقوب، مَن يختاره العزيز يُحببه إلى هذه البُقْعة.
وعن يعقوب قَالَ: مرَّ سيّديّ على دار الطّعام، فرأى الكلاب يأكلون التّمر من القوصرَّة، وهم يتجارشون، فوقف على الباب لئلّا يدخل إليهم أحد يؤذيهم، وهو يقول: إي مُبارَكين اصطلحوا وكُلُوا، وإلّا يدروا بكم منعوكم.
ورأى فقيرا يقتل قملة فقال: لَا واخَذَكَ اللَّه، شفيتَ غيظك؟
وعن يعقوب، قَالَ لي سيّديّ أَحْمَد: يا يعقوب، لو أنّ عن يميني خمسمائة يروّحوني بمراوح النّدّ والطّيب، وهم من أقرب النّاس إليّ، وعن يساري مثلهم من أبغض النّاس إليّ، معهم مقاريض يقرضون بها لحمي، ما
__________
[1] العبارة هكذا في الأصل.
[2] في الأصل: «شيء» .

(40/250)


زاد هؤلاء عندي، وَلَا نقص هؤلاء عندي بما فعلوه. ثمّ قرأ: لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى مَا فاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ وَالله لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ 57: 23 [1] .
وكان سيّدي أَحْمَد إذا حضر بين يديه تَمْرٌ أو رُطَبٌ ينقّي الشّيص والحشف لنفسه يأكله ويقول: أَنَا أحقّ بالدُّون من غيري، فإنّي مثله دون.
وكان لَا يجمع بين لبس قميصين لَا فِي شتاء وَلَا فِي صيف، وَلَا يأكل إلَّا بعد يومين ثلاثة أكلة. وإذا غَسَلَ ثوبه نزل فِي الشّطّ كما هُوَ قائم يفركه، ثمّ يقف فِي الشّمس حتّى ينشف.
وإذا ورد عَلَيْهِ ضيفٌ يدور على بيوت أصحابه يجمع الطّعام فِي مِئزِر.
وأحضر ابْن الصّيرفيّ وهو مريض ليدعو لَهُ الشَّيْخ ومعه خَدَمه وحَشَمه، فبقي أيّاما لم يكلّمه، فقال يعقوب بْن كِراز: أيْ سيّدي ما تدعو لهذا المريض.
فقال: أيْ يعقوب، وعِزَّةِ العزيزِ لأحمد كلّ يوم عَلَيْهِ مائة حاجةٍ مَقْضيّه، وما سألتموه [2] منها حاجة واحدة.
فقلت: أي سيّدي فتكون واحدة لهذا المريض المسكين.
فقال: لَا كرامة ولا عزازة، تريدني أكون سيّئ الأدب. لي إرادة وَلَهُ إرادة.
ثمّ قرأ: أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ 7: 54 [3] أيْ يعقوب، الرجل المتمكّن فِي أحواله، إذا سَأَلَ حاجة وقُضِيتَ لَهُ، نقص تمكُنُه درجة.
فقلت: أراكَ تدعو عقيب الصَّلَوات وكلّ وقت. قَالَ: ذاك الدّعاء تعبُّد وامتثال. ودعاء الحاجات لها شروط، وهو غير هذا الدّعاء.
ثمّ بعد يومين تعافى ذلك المريض.
__________
[1] سورة الحديد، الآية 23.
[2] في الأصل: «وما سألتوه» .
[3] سورة الأعراف، الآية 54.

(40/251)


وعن يعقوب أنّه سَأَلَ الشَّيْخ أَحْمَد: أيْ سيّدي، لو كانت جهنَّمُ لَكَ ما كنت تصنع بها؟ تُعَذبُ بها أحدا؟ [1] فقال: لَا وعِزتِهِ، ما كنت أدخل إليها أحدا. فقال: أي شَيْخ، فأنت تقول إنّك أكرم ممّن خلقها لينتقم بها ممّن عصاه. فزعق وسقط على وجهه زمانا، ثمّ أفاق وهو يقول: من هُوَ أَحْمَد فِي البَيْن؟ يكرّرها مرّات.
وقال: أيْ يعقوب، المالك يتصرّف سبحانه.
وعن يعقوب أنّ الشَّيْخ أَحْمَد كان لَا يقوم لأحد من أبناء الدُّنيا، ويقول: النّظر إلى وجوههم يُقسي القلب.
وعن الشَّيْخ يعقوب، وسُئل عَن أوراد سيّدي أَحْمَد، فقال: كان يُصلي أربع رَكْعاتٍ بألْف قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ 112: 1 [2] . ويستغفر اللَّه كلّ يوم ألف مرةٍ، واستغفارُه أن يقول: لَا إله إلَّا أنت سبحانك إنّي كنتُ من الظّالمين، عملت سوءا، وظلمت نفسي، وأسرفت فِي أمري، وَلَا يغفر الذّنوب إلَّا أنت، فاغفِرْ لي، وتُبْ عليَّ، إنّك أنت التوابُ الرَّحيم. يا حيُّ يا قَيومُ، لَا إله إلَّا أنت.
وذكر غير ذلك.
وكان يترنّم بهذا البيت:
إن كان لي عند سُلَيْمى قَبُولُ ... فلا أبالي ما يقول العَذُولُ
وكان يقول:
ومستخبر عَن سِرِّ ليلى تركته ... بعَمْياء من ليلى بغير يقين
يقولون: خبّرْنا، فأنت أمينُها ... وما أَنَا إنْ خبّرتهم بأمين
ويقول:
أرى رجالا بدون العَيش قد قنعوا ... وما أراهم رضوا الدّنيا على الديِن
__________
[1] في الأصل: «أحد» .
[2] أول سورة الإخلاص.

(40/252)


إذا رَأَيْت ملوكَ الأرض أجمعها ... بلا مِراءٍ وَلَا شكٍ وَلَا ميْنِ
وقيل هُوَ فوقهم فِي النّاس مرتبة ... فقُلْ نَعَم مَلِكٌ فِي زِي مسكينِ
ذاك الَّذِي حَسُنِت فِي النّاس سِيرتُهُ ... وصار يصلُحُ للدّنيا وللدّين
ويقول:
أغارُ عليها من أبيها وأمّها ... ومِن كلّ مَن يرنو إليها وينظُرُ
وأحْذَرُ من حدّ المرآة بكَفها ... إذا نظرت منك الَّذِي أَنَا أنظرُ
ومنه:
إذا تذكرتُ من أنتم وكيف أَنَا ... أجللت ذِكْركم يجري على بالي
ولو شريت بروحي ساعة سَلَفَتْ ... من عيشتي معكم ما كان بالغالي
وكان كثير التّعظيم لخاله سيّدي الشَّيْخ منصور، ويقول للفقراء: إذا قبّلتم عَتَبة الشَّيْخ منصور، فإنّما تقبّلون يده. ويقول: أَنَا ملّاح لسفينة الشَّيْخ منصور، فاسألوا ربّنا به فِي حوائجكم.
وكان يقول: إلى أن يُنْفَخُ فِي الصُّور لَا يأتي مثل طريق الشَّيْخ منصور.
وعن ابْن كِراز: سمعت يوسف بْن صُقَيْر المحدّث يقول: كُنَّا فِي قريةٍ الصّريّة مع سيّدي أَحْمَد، وقد غنّى ابْن هديّة:
لو يسمعون كما سمعت حديثَها ... خرّوا لعِزّه ركّعا وسُجُودا
فقام سيّدي وتواجد، وردّد البيت، ولم يَزَلْ حتّى كادت قلوب الفقراء تنفطر. وكان ذلك فِي بدايته بعد موت الشَّيْخ منصور. ولمّا كان فِي النهاية بقي سبع سِنين لَا يسمع الحادي وهو قريب منه حتّى تُوُفي.
وعنه قَالَ: ذكر الشَّيْخ جمال الدّين أبو الفرج بن الجوزيّ أنّ سبب وفاة سيّدي أَحْمَد أبيات أنشِدت بين يديه، تواجَدَ عند سماعها تواجُدًا كان سبب مرضه الَّذِي مات فِيهِ. وكان المنشد لها الشَّيْخ عَبْد الغنيّ بْن نُقْطَة حين زاره، وهي:
إذا جنّ ليلي هام قلبي بذِكركمْ ... أنوحُ كما ناح الحمامُ المطوقُ

(40/253)


وفوقي سَحَابٌ يمطِرُ الهمّ والأسى ... وتحتي بحارٌ بالدّموع [1] تدفّقُ
سلوا أمّ عَمْروٍ كيف بات أسيرها ... تُفَكُّ الأسارى دونه وهو موثقُ
فلا أَنَا [2] مقتولٌ ففي القتلِ راحةٌ ... وَلَا أَنَا ممنونٌ عليّ فأعتَقُ
[3] قال: وتُوُفي يوم الخميس ثاني عشر جُمادى الأولى سنة ثمانٍ وسبعين.
وعن يعقوب بْن كِراز قَالَ: كان سيّدي أَحْمَد والفقراء فِي نهر وليد فقال: لَا إله إلَّا اللَّه، قد حان أوان هذا المجلس، فليُعلم الحاضرُ الغائبَ أنْ أَحْمَد يقول، وأنتم تسمعون: مَن خَلا بامرأةٍ أجنبيّة، فأنا منه بريء، وسيّدي الشَّيْخ منصور منه بريء، وسيّدي المصطفى صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منه بريء، وربّنا سبحانه منه بريء، ومن خلا بأمْرَدٍ فَكذلك، ومن نكث البَيْعة فإنّما ينكث على نفسه. ثمّ قام من مجلسه.
وبعد شهر عَبَر إلى اللَّه، ودُفن فِي قبّة الشَّيْخ يحيى النّجّار.
وحكى الشَّيْخ مُحَمَّد بْن أَبِي بَكْر بْن أَبِي طَالِب الصّوفيّ أنّه سمع جدّه عفيف الدّين أَبَا طَالِب يقول: سمعت الشَّيْخ عَبْد الرَّحْمَن شَمْلَة يقول: سمعت سيّدي عليّ يقول: لمّا حَضَرَت الوفاةُ سيّدي أحمدَ قبْلها بأيّام قُلْت: أيْ سيّدي، ما نقول بعدك، وأيش تورّثنا؟
فقال: أيْ عليّ، قُلْ عنّي إنّه ما نام ليلة إلَّا وكلُّ الخَلْق أفضل منه، وَلَا حرد قطّ، وَلَا رأى لنفسه قيمة قطّ. وأمّا ما أورثه فيا ولدي تشهد أنّ لي مال حتّى أورثكم؟! إنّما أورثكم قلوبَ الخَلْق.
فلمّا سمعت من سيّدي خرجت إلى الشَّيْخ يعقوب بْن كِراز فأخبرته، فقال: لك حَسبٌ، أو لذرّيتك معك؟ فعدت إلى سيدي فقلت لَهُ فقال: لك
__________
[1] في الوافي: «بحار للأسى» .
[2] في الوافي: «فلا هو» .
[3] في الوافي: «عليه فيطلّق» . (7/ 219) .

(40/254)


ولذُريتك إلى يوم القيامة، البَيْعة عامّة، والنّعمة تامّة، والضّمين ثقة، هِيَ اليوم مشيخة وإلى يوم القيامة مملكة بمشيخة.
نقلت أكثر ما هنا عَن يعقوب من كِتَاب «مناقب ابْن الرفاعيّ» رضي اللَّه عنه. جمع الشَّيْخ محيي الدّين أَحْمَد بْن سُلَيْمَان الهماميّ، الحسينيّ، الرفاعيّ، شَيْخ الرّواق المعمور بالهلاليّة، بظاهر القاهرة، سمعه منه الشَّيْخ أَبُو عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن أَبِي بَكْر ابْن الشَّيْخ أَبُو طَالِب الْأَنْصَارِيّ، الرفاعيّ، الدّمشقيّ، ويُعرف بشيخ حِطين، بالقاهرة فِي سنة ثمانين وستّمائة. وقد كتبه عَنْهُ مناولة وإجازة المولى شمسُ الدّين أَبُو عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم الجزريّ، وأودعه تاريخه في سنة خمس وسبعمائة، فأوّله قَالَ: ذِكر ولادته. ثمّ قَالَ:
قَالَ الشَّيْخ أَحْمَد بْن عَبْد الرَّحْمَن ابْن الشَّيْخ يعقوب بْن كِراز، وأكثر الكتاب عَن الشَّيْخ يعقوب، وهو نحو من أربعة كراريس. وهو ثمانية فصول فِي مقاماته وكراماته، وغير ذلك. وهي بلا إسناد، وقع الاختيار منها على هذا القَدَر الَّذِي هنا.
وتُوُفي الشَّيْخ ولم يُعْقِب. وإنّما المشيخة فِي أولاد أخيه.
قال القاضي ابْن خَلكان [1] : كان رجلا صالحا، شافعيا، فقيها، انضمّ إليه خلْقٌ من الفقراء، وأحسنوا فِيهِ الاعتقاد، وهم الطّائفة الرفاعيّة، ويُقال لهم الأحمديّة. ويقال لهم البطائحيّة. ولهم أحوالٌ عجيبة من أكل الحَيات حيّة، والنّزول إلى التّنانير وهي تُضْرَم نارا، والدّخول إلى الأفْرِنَة، وينام الواحدُ منهم فِي جانب الفُرن والخبّاز يخبز فِي الجانب الآخر. وتُوقد لهم النّار العظيمة، ويُقام السّماع، فيرقصون عليها إلى أن تنطفئ. ويُقال إنّهم فِي بلادهم يركبون الأسود ونحو ذلك وأشباهه. ولهم أوقات معلومة يجتمع عندهم من الفقراء عالم لَا يُحْصَوْن ويقومون بكفاية الجميع.
والبطائح عدَّة قرى مجتمعة فِي وسط الماء بين واسط والبصرة.
__________
[1] في وفيات الأعيان.

(40/255)


- أَحْمَد بْن المسلم.
سيأتي [1] .
- حرف الحاء-
267- الْحَسَن بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن المعمّر.
أَبُو جَعْفَر البغداديّ.
سمع: أَبَا القاسم بْن بيان.
وعنه: نسيبه أَبُو طَالِب عليّ بْن جَعْفَر.
مات فِي صَفَر.
قاله ابْن النّجّار.
268- الْحَسَن بْن عليّ بْن الْحُسَيْن بْن شِيرُويْه [2] .
أَبُو علي الدَّيْلمي الأصل، الأزجيّ.
سمع: أَبَا الغنائم مُحَمَّد بْن عليّ النرْسي.
روى عَنْهُ: أَحْمَد وتميم ابنا البَنْدَنِيجي، ونصر بْن الحُصْري، وأبو الحسن بن المُقَير، وجماعة.
وتُوُفي فِي وسط السّنة.
269- الْحَسَن بن هبة اللَّه بْن مُحَمَّد بْن علي بْن المطّلب [3] .
__________
[1] بعد قليل باسم خليفة بْن المسلم بْن رجاء أَبُو طَالِب التنوخي الاسكندراني، ويعرف بأحمد اللّخمي. وهو برقم (272) .
[2] انظر عن (الحسن بن علي) في: سير أعلام النبلاء 21/ 89 دون ترجمة.
[3] انظر عن (الحسن بن هبة الله) في: الكامل في التاريخ 11/ 491، 492، وفيه «أبو المظفّر بن الحسن بن هبة الله بن المطّلب» ، وتاريخ ابن الدبيثي (مخطوطة باريس 5922) ورقة 20، والتاريخ المظفري لابن أبي الدم الحموي (مخطوطة مكتبة البلدية بالإسكندرية 1292 ب) ورقة 209، ومرآة الزمان 8/ 237، والمختصر المحتاج إليه 2/ 26، 27 رقم 597، وسير أعلام النبلاء 21/ 97، 98 رقم 45، وتلخيص مجمع الآداب ج 4/ رقم 2063، والوافي بالوفيات 12/ 291 رقم 262، والعسجد المسبوك 2/ 187 وفيه «أبو المظفر بن الحسن بن هبة الله بن المطلب» .

(40/256)


فخر الدّولة أَبُو المظفّر ابْن الوزير أَبِي [1] المعالي.
كان متصوّنا متزهّدا كثير الحجّ والصدَقات والأوقاف، كبير الشّأن، وافر الحُرْمة. لَهُ جامع كبير بغربيّ بغداد.
له مدرسة بشرقيّ بغداد ورباط، ولم يدخل فِي الولايات.
سمع: أَبَا الْحَسَن العلّاف، وقرأ الأدب على أَبِي بَكْر بْن جُوامرد.
وامتنع فِي كِبَره من الرواية.
وقد سمع منه: أَبُو سعد السمعاني، وأحمد بن صالح الجيليّ، والكبار.
وتُوُفي فِي شوّال.
- حرف الخاء-
270- الخضِر بْن هبة اللَّه بْن أَحْمَد بْن عَبْد اللَّه بْن عليّ بْن طاوس [2] .
أَبُو طَالِب الدمشقي.
قرأ القرآن على أبي الوحش سبيع بْن قيراط صاحب أَبِي عليّ الأهوازيّ، وهو آخر من قرأ فِي الدّنيا عَلَيْهِ، وآخر من سمع من الشّريف أَبِي القاسم النّسيب، وأبي الْحَسَن عليّ بْن طاهر.
ومولده فِي سنة اثنتين وتسعين وأربعمائة.
وكان أبوه وجده من كبار المقرءين.
روى عنه: أبو المواهب بن صصرى، وأخوه أَبُو القاسم.
وقال أَبُو القاسم: تُوُفي فِي ثامن شوّال.
وروى عَنْهُ أَيْضًا: موفّق الدّين بْن قُدَامة، والشّمس والضّياء ابنا عَبْد الواحد، والبهاء عَبْد الرَّحْمَن، وزين الأمَناء، وطائفة سواهم، وأحمد بن
__________
[1] في الأصل: «أبو» .
[2] انظر عن (الخضر بن هبة الله) في: المعين في طبقات المحدّثين 177 رقم 1885، والإعلام بوفيات الأعلام 238، وسير أعلام النبلاء 21/ 89 دون ترجمة، والعبر 4/ 233، 234، والوافي بالوفيات 13/ 328 رقم 407، وشذرات الذهب 4/ 261، والدارس في تاريخ المدارس 2/ 91، 95.

(40/257)


الْحَسَن بْن ريش، والعزّ النّسّابة، وإبراهيم بْن الخُشُوعي.
271- خَلَف بْن عَبْد الملك بْن مَسْعُود بْن مُوسَى بْن بشْكُوال بْن يوسف بْن داحة [1] .
أَبُو القاسم الْأَنْصَارِيّ، القُرْطُبيّ، المحدّث. حافظ الأندلس فِي عصره ومؤرّخها ومُسندها.
وُلِد سنة أربع وتسعين وأربعمائة.
وسمع: أباه، وأبا مُحَمَّد بْن عتّاب فأكثر، وأبا بحر بن العاص، وأبا الوليد بن رُشد، وأبا الوليد بْن طريف، وأبا القاسم بْن بَقِي، وخلْقًا.
ورحل إلى إشبيلية فسمع: شُرَيْح بْن مُحَمَّد، وأبا بَكْر بْن العربيّ.
وأجاز لَهُ: عليّ بْن سُكَّرَة، وأبو القاسم بْن منظور، وطائفة.
ومن العراق: أَبُو المظفّر هبة الله الشّلبيّ بأخرة.
__________
[1] انظر عن (خلف بن عبد الملك) في: معجم شيوخ الصدفي لابن الأبّار (طبعة مدريد 1885) ص 82، وتكملة الصلة، له، 1/ 304، رقم 831، ووفيات الأعيان 2/ 240، وفهرست ابن خير 502، 511، والوفيات لابن قنفذ 290 رقم 578، ومستفاد الرحلة والاغتراب للتجيبي السبتي 65، 66، 81، 183، 223، 228، 269، 286، 316، 345، 449، والمختصر في أخبار البشر 3/ 66، والعبر 4/ 234، وتذكرة الحفاظ 4/ 1239، والمعين في طبقات المحدّثين 177 و 1886، والإعلام بوفيات الأعلام 238، وسير أعلام النبلاء 21/ 139- 143 رقم 71، ودول الإسلام 2/ 90، وتاريخ ابن الوردي 2/ 92، ومرآة الجنان 3/ 412، 413، والوفيات لابن قنفذ 290 رقم 578، والوافي بالوفيات 13/ 369، 370 رقم 463، والبداية والنهاية 12/ 312، والديباج المذهب 114، وفيه وردت وفاته سنة 598 هـ.، وذيل التقييد 1/ 522، 523 رقم 1021، وطبقات الحفاظ 479، وتاريخ الخلفاء 457، وعقد الجمان (مخطوط) 16/ ورقة 650، وتاريخ ابن سباط 1/ 163، 164، وشذرات الذهب 4/ 261، 262، وملء العيبة للفهري (انظر فهرس الأعلام) 2/ 497، ومعجم طبقات الحفاظ والمفسّرين 84 رقم 1062، ودائرة المعارف الإسلامية 1/ 97، 98، وكشف الظنون 285، 286، 1674، 1707، وهدية العارفين 1/ 349، والرسالة المستطرفة 95، وشجرة النور الزكية 154، 155، ودائرة معارف البستاني 2/ 365، والأعلام 2/ 311، ومعجم المؤلفين 6/ 105، وديوان الإسلام 1/ 351، 352 رقم 550 وانظر مقدّمة كتاب «الصلة» طبعة مصر 1966.

(40/258)


وله مُعْجَم مفيد.
قال أَبُو عَبْد اللَّه الأبّار [1] : كان متّسع الرّواية، شديد العناية بها، عارفا بوجوهها، حجّة، مُقدمًا على أهل وقته، حافظا، حافلا، إخباريّا، تاريخيا، ذاكرا لأخبار الأندلس القديمة والحديث. سمع العالي والنّازل. وأسند عَن شيوخه نيّفا وأربعمائة كِتَاب بين صغيرٍ وكبير. ورحل إليه النّاس وأخذوا عَنْهُ.
وثنا عَنْهُ جماعة، ووصفوه بصلاح الدّخلة، وسلامة الباطن وصحّة التّواضع، وصِدق الصّبر للطّلبة، وطول الاحتمال: وألفَ خمسين تأليفا فِي أنواع العِلم. ووُلي بإشبيليّة قضاءَ بعض جهاتها لأبي بَكْر بْن العربيّ. وعقد الشّروط، ثمّ اقتصر على إسماع العِلم وعلى هذه الصّناعة، وهي كانت بضاعته. والرّواة عَنْهُ لَا يُحْصون، منهم: أَبُو بَكْر بْن خير، وأبو القاسم القنْطري، وأبو القاسم بْن سَمْحُون، وأبو الْحَسَن بْن الضّحّاك. وكلّهم مات قبله.
وصنّف كِتَاب «الصّلة» فِي علماء الأندلس، وَصَلَ به «تاريخ ابْن الفَرَضي» . وقد حمله عَنْهُ شيخه أَبُو الْعَبَّاس بْن العريف الزّاهد.
قلت: وَلَهُ «كِتَاب الحكايات المستغربة» مجلّد، و «غوامض الأسماء المبهمة» عشرة أجزاء، و «كتاب معرفة العلماء الأفاضل» أحد وعشرون جزءا، و «طرق حديث المِغْفَر» ثلاثة أجزاء، «القربة إلى اللَّه بالصّلاة على نبيّه» جزء كبير، «من رَوَى الموطّأ عَن مالك» فِي جزءين، «اختصار تاريخ أَبِي بَكْر القشّي» فِي تسعة أجزاء، «أخبار سُفْيان بْن عُيَيْنَة» جزء كبير، «أخبار ابْن المبارك» جزءان، «أخبار الأعمش» ثلاثة أجزاء، «أخبار النّسائيّ» جزء، «أخبار زيادة شبطون» جزء، «أخبار المُحَاسبي» جزء، «أخبار أَبِي القاسم» جزء، «أخبار إِسْمَاعِيل القاضي» جزء، «أخبار ابْن وهْب» جزء، «أخبار أَبِي المطرّف عبد الرحمن بن مرزوق القنازعيّ» جزء، «قضاة قرطبة» ثلاثة أجزاء،
__________
[1] في تكملة الصلة.

(40/259)


«المسلسلات» جزء، «طُرق من كذَب عليّ» جزء إلى غير ذلك.
وممّن رَوَى عَنْهُ: أَبُو القاسم أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن رُشْد، وأحمد بْن عَبْد المجيد المالِقي، وأحمد بْن مُحَمَّد الأصلع، وأبو القاسم أَحْمَد بْن يزيد بْن بَقِي، وأحمد بْن عيّاش المُرْسي، وأحمد بْن أَبِي حُجة القيْسي، وثابت بْن مُحَمَّد الكَلاعي، ومحمد بْن إِبْرَاهِيم بْن صلتان، ومحمد بْن عَبْد اللَّه بْن الصّفّار القُرْطُبيّ، وموسى بْن عَبْد الرَّحْمَن الغَرْناطي، وأبو الخطّاب عُمَر بْن دِحْيَة، وأخوه عثمان بْن دِحْيَة.
وبالإجازة: أَبُو الفضل جَعْفَر بْن عليّ الهَمَذَانيّ، وأبو القاسم سِبْط السلَفي، وآخرون.
قال الأبّار [1] : تُوُفي فِي ثامن رَمَضَان. ودُفن بقرب قبر يحيى بْن يحيى اللّيثيّ وَلَهُ أربعٌ وثمانون سنة.
272- خليفة بْن المسلم بْن رجاء [2] .
أَبُو طَالِب التنوخي، الاسكندراني، ويُعرف بأحمد اللّخميّ.
قال أَبُو الْحَسَن بْن المفضّل الحافظ: غلب عَلَيْهِ أَحْمَد.
سمع: أَبَا عَبْد اللَّه الرّازيّ، وأَبَا بَكْر الطرطُوشي، وعبد المُعْطي بْن مسافر.
وكان عارفا بالفقه والأصول، ماهرا فِي عِلم الكلام وفيه لِينٌ فيما يرويه، إلَّا أَنَا لم نسمع منه إلَّا من أصوله.
توفّي في رمضان [3] .
__________
[1] في تكملة الصلة.
[2] انظر عن (خليفة بن المسلم) في: الوافي بالوفيات 13/ 383 رقم 485، ولسان الميزان 2/ 408 رقم 1678، والمقفى الكبير 1/ 663، 664 رقم 635 وفيه: «أحمد بن مسلم بن رجاء بن جامع بن منصور بن الحسين بن زياد بن المطهّر.. ويسمّى أيضا خليفة» .
وذكره المؤلّف- رحمه الله- في: سير أعلام النبلاء 21/ 89 دون ترجمة.
[3] وكان مولده بالإسكندرية سنة 494 هـ.

(40/260)


قلت: وَرَوَى عَنْهُ: أَبُو القاسم بْن رواحة، وعبد الوهّاب بْن روّاج، وأبو عليّ الأوقي، وبنا بْن هجّام [1] .
273- (......) [2] .
العبد الصّالح.
تُوُفي بالقاهرة، فِي ذي القعدة.
- حرف العين-
274- عَبْد اللَّه بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن عَبْد القاهر [3] .
الخطيب أَبُو الفضل بْن أَبِي نصر الطّوسيّ، ثمّ البغداديّ، نزيل المَوْصِل وخطيبها.
وُلِد فِي صفر سنة سبع وثمانين وأربعمائة.
وسمع حضورا من: طراد الزَّيْنَبي، وأبي عَبْد اللَّه بْن طلحة النّعاليّ، وطائفة.
وسمع من: ابْن البَطِر، والطُرَيثيثي، وأحمد بْن عَبْد القادر، وأبي الفضل مُحَمَّد بْن عَبْد السّلام، وجعفر السّرّاج، وأبي الخطّاب بْن الجرّاح، وأبي غالب الباقِلَاني، وأبي الْحَسَن بْن أيّوب البزّار، ومنصور بن حيد،
__________
[1] وقال المقريزي: وسير رسولا إلى ملك الروم لأنه لم يوجد في ذلك الزمان أكفى منه.
ومن شعره قوله:
خير المعارف من كفاني شرّه ... في ذا الزمان، وبتّ منه سالما
لا أبتغي ربحا وذلك بغيتي ... وأكون في طلب الفوائد ظالما
ومتى طلبت كمن مضى في ودّهم ... مع رفدهم أكون غمرا حالما
[2] في الأصل بياض، ولم أتبيّن اسم صاحب الترجمة.
[3] انظر عن (عَبْد اللَّه بن أَحْمَد بن مُحَمَّد) في: المختصر المحتاج إليه 2/ 131، 132 رقم 759، وتلخيص مجمع الآداب 5/ رقم 284، ودول الإسلام 2/ 90، والمعين في طبقات المحدّثين 177 رقم 1887، وتذكرة الحفاظ 4/ 1341، والإعلام بوفيات الأعلام 238، وسير أعلام النبلاء 21/ 87- 89 رقم 35، والعبر 4/ 234، وطبقات الشافعية الكبرى للسبكي 7/ 119، 120 رقم 814، والوافي بالوفيات 17/ 36، 37 رقم 29، ومرآة الجنان 3/ 413، والنجوم الزاهرة 6/ 94، والعسجد المسبوك 2/ 188، وشذرات الذهب 4/ 262.

(40/261)


والحسين بْن البُسْري وأبي منصور الحنّاط، وجماعة.
وتفرّد بالرّواية عَن أكثرهم. وكان فِي نفسه ثقة.
وكان أَبُو بَكْر الخازميّ إذا رَوَى عَنْهُ قَالَ: أَنَا أَبُو الفضل من أصله العتيق، يقول ذلك احترازا ممّا زوّر لَهُ وغيّره مُحَمَّد بْن عَبْد الخالق اليُوسُفي.
لكنّ لمّا بيّن المحدّثون ذلك للخطيب أَبِي الفضل رجع عن روايته. ثمّ خرّج لنفسه المشيخة المشهورة من أصوله.
روى عَنْهُ: أَبُو سعد السّمعانيّ. وعبد القادر الرّهاويّ، وأبو مُحَمَّد بْن قُدَامة، والبهاء عَبْد الرَّحْمَن، والقاضي أَبُو المحاسن يوسف بْن شدّاد، وأبو الْحَسَن عليّ بْن الأثير، وأبو البقاء يعيش النّحويّ، وعبد الكريم بْن عَبْد الرَّحْمَن التُرابي، وأبو الخير إياس الشَّهْرزُوري، وإبراهيم بْن يوسف بْن خنّة [1] الكُتُبي المَوْصِلي، وآخرون.
قال الشَّيْخ الموفّق: كان شيخا حَسَنًا. قرأت عَلَيْهِ «المعتقد» لعبد الرَّحْمَن بْن أَبِي حاتم. فكتب فِي آخره سماعي، وكتب: هذا اعتقادي وبه أدين للَّه تعالى. ولم نَرَ منه إلَّا الخير.
وقال ابْن الدّبيثي [2] : أنشدنا لنفسه كتابة:
أقولُ وقد خيّمت بالخيف من منى ... وقرّبت قُرْباني وقَضَّيْتُ أنْسَاكي
وحُرْمةِ بيتِ اللَّه ما أنا بالّذي ... أمَلُكِ مَعَ طولِ الزّمان وأنْسَاك
[3] تُوُفي رَحِمَهُ اللَّهُ فِي رَمَضَان فِي اثنتين وتسعين سنة.
وقال الحافظ ابْن النّجّار فِي تاريخه: ولد ببغداد، وقرأ الفقه والأصول
__________
[1] خنّة: بالخاء المعجمة ونون مشدّدة. هكذا قيدها في الأصل.
[2] في المختصر 2/ 132.
[3] في الأصل: «وأنساكي» ، والتصحيح من: الوافي بالوفيات 17/ 36.
ومن شعره أيضا:
سقى الله أياما لنا ولياليا ... نعمنا بها والعيش إذ ذاك ناضر
ليالي لا أصغي إلى لوم عاذل ... وطرفي إلى أنوار وجهك ناظر

(40/262)


على إلِكيا أَبِي الْحَسَن عَليّ بْن مُحَمَّد الهَرَّاسِيّ، وأبي بَكْر الشّاشيّ.
وقرأ الأدب على: أبي زكريّا التّبريزيّ، وأبي محمد الحريريّ.
وسمع بأصبهان من: أَبِي عليّ الحدّاد، وبَنيْسابور من: أَبِي نصر بْن القُشَيْري، وبترمذ من: أَبِي المظفّر ميمون بْن مُحَمَّد، وبالموصل من: أبيه وعمّه. وولي خطابتها زمانا.
وتفرّد وقصده الرّحّالون. ثنا عَنْهُ: هبة اللَّه بْن باطيش، وعليّ الطّبيب، وأبو الْحَسَن مُحَمَّد بْن القَطِيعي.
275- عَبْد اللَّه بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن عليّ بْن حَمْنيس [1] .
أَبُو مُحَمَّد السّرّاج البغداديّ. وقيل اسمه عُبَيْد اللَّه.
سمع: أَحْمَد بْن المظفّر بْن سوسن، وأَبَا القاسم بْن بيان، وأبا العزّ مُحَمَّد بْن المختار، وأَبَا الْحَسَن بن العلّاف، وأبا سعد بن خشيش.
قال ابْن الأخضر: كان عاميّا لَا يفهم، وَلَا يُحسن أن يُصلي، وَلَا يقرأ التّحيّات.
قلت: رَوَى عَنْهُ: تميم البَنْدَنِيجي، ونصر بْن الحُصْري، وأبو عَبْد اللَّه بْن الدّبيثيّ، وأبو صالح الجيليّ، ومحمد بْن إِسْمَاعِيل الطّبّال، وعبد اللطيف بن المبارك النّهروانيّ، وآخرون.
ومات في رجب عَن سنٍ عالية.
276-[عَبْد اللَّه] [2] بْن عَبْد اللَّه.
أَبُو الخير الرّوميّ، الجوهريّ، مولى جَعْفَر الطّيبيّ.
قال الدّبيثيّ: كان خيّرا حافظا للقرآن. قرأ لأبي عمرو على أبي العزّ
__________
[1] انظر عن (عَبْد اللَّه بن أَحْمَد بن مُحَمَّد) في: العبر 4/ 235، والمعين في طبقات المحدّثين 177 رقم 1888، وشذرات الذهب 4/ 262.
وذكره المؤلّف- رحمه الله- دون أن يترجم له في: سير أعلام النبلاء 21/ 89.
[2] في الأصل بياض، والمستدرك من: المختصر المحتاج إليه 2/ 146 رقم 778.

(40/263)


القلانسيّ سنة سبع عشرة وخمسمائة ببغداد. وأقرأ النّاس.
وروى عَن: أَبِي القاسم بْن الحُصَيْن.
277- عَبْد اللَّه بْن يحيى بْن عَبْد اللَّه بْن فُتُوح [1] .
أَبُو مُحَمَّد الحضرميّ، الدّانيّ، النّحويّ، المعروف بعبدون، وبابن صاحب الصّلاة.
أخذ القراءات عن أبي عبد الله بن سَعِيد الدّانيّ، وقرأ عَلَيْهِ الأدب، وعلى: والده يحيى، وأبي الْحَسَن طاهر.
وحمل عَن: الحافظ أَبِي الوليد بْن خيرة.
وأقرأ النّحو بشاطِبة زِمانًا. ثمّ أدّب بني صاحب بَلَنْسِيَة. وكان مبرّزا فِي العربيّة، مشاركا فِي الفقه وقَوْل الشعر، متواضعا، طيّب الأخلاق.
أخذ عَنْهُ جِله منهم: أَبُو جَعْفَر الذهَبي، وأبو الْحَسَن بْن حريق، وأبو مُحَمَّد بْن نصرون، وأبو الربيع بْن سالم.
وتُوُفي فِي مُسْتَهل رجب ببَلَنْسِية وَلَهُ إحدى وستّون سنة.
278- عَبْد [اللَّه] [2] بْن القاضي أَبِي خازم مُحَمَّد بْن القاضي أَبِي يَعْلَى بْن الفرّاء.
الحنبليّ أخو أَبِي يَعْلَى الصّغير.
سمع: أَبَاهُ، وابن الحُصَيْن، وابن كادش.
وعنه: القطِيعي، وعبد اللَّه بْن أَحْمَد الخبّاز.
ولد سنة عشر وخمسمائة.
ومات في ذي الحجّة.
__________
[1] انظر عن (عبد الله بن يحيى) في: المقتضب من تحفة القادم 68، 69، وتكملة الصلة 2/ 857، 858 رقم 2066، والوافي بالوفيات 17/ 168- 170 رقم 566، وبغية الوعاة 2/ 65، 66 رقم 1451.
[2] في الأصل بياض، والمستدرك من: ذيل طبقات الحنابلة 1/ 351- 353 رقم 171.

(40/264)


279- ( ... ) [1] بْن عَبْد اللَّه بْن علوان.
أَبُو عَبْد اللَّه الأسَدي، الحلبيّ المجاور بالحجاز، أخو أَبِي مُحَمَّد ابْن الأستاذ.
إمام زاهد عابد. علّق عَنْهُ أَبُو المواهب بْن صَصْرَى، وقال: أقام بالحجاز سنين، وكان للمجاورين به راحة.
قدِم علينا سنة ثمانٍ وسبعين، ثمّ سَأَلَ من صلاح الدّين أن يرسل معه من يخفره إلى المدينة، فأرسل معه مَن خفره، فوصل ومرض، فمات فِي شعبان منها.
280- عليّ بْن أنوشتكين [2] .
أَبُو الْحَسَن الجوهريّ.
روى عَن: أَبِي النرْسِيّ.
سمع منه: عُمَر بْن عليّ، وغيره.
وتُوُفي فِي رجب وقد نيّف على الثّمانين [3] .
281- عليّ بْن الْحُسَيْن [4] .
أَبُو الْحَسَن الأندلسيّ، النّجّار، الزّاهد المعروف بابن سَعْدوك من جزيرة شُقْر.
سكن بَلَنْسِيَة.
قال الأبّار [5] : كان من أهل الزّهد والصّلاح التّام والعِلم، يستظهر كثيرا من «صحيح مُسْلِم» . وتؤثَر عَنْهُ كرامات مشهورة ومقالات عجيبة.
__________
[1] في الأصل بياض.
[2] انظر عن (علي بن أنوشتكين) في: ذيل تاريخ بغداد 3/ 210، 211 رقم 689.
[3] قال ابن النجار: كان يبيع الجوهر، ثم كبر وأسنّ فانقطع في منزله.
[4] انظر عن (علي بن الحسين) في: تكملة الصلة لابن الأبّار، رقم 1869، والذيل والتكملة لكتابي الموصول والصلة 5 ق 1/ 205 رقم 406.
[5] في تكملة الصلة.

(40/265)


وكان يخبر بأشياء خَفِية لَا تتوانى أن تظهر جليّة.
وكان أمّارا بالمعروف، نهّاء عَن المُنْكَر. يجلس للنّاس ويِعظ.
وكانت العامّة حزبه. ولمّا مات ازدحم الخلْق على نَعشه رَحِمَهُ اللَّهُ.
282- عيسى بْن عِمران.
أَبُو مُوسَى المِكْناسي.
صحِب أَبَا القاسم بْن ورد وأختصَّ به. وكان يقول: لم يكن بالأندلس مثل أبي القاسم بن ورد.
ولقي بأغمات أَبَا مُحَمَّد اللخْمي فسمع منه فِي سنة ثلاثين. وكان من الرّاسخين فِي العِلم، قائما على الأصول والفروع، أديبا شاعرا، خطيبا، مُفَوَّهًا، مدركا، من رجال الكمال.
ولي قضاء مَراكُش فحمدت سيرته.
ولد سنة اثنتي عشرة وخمسمائة.
وتُوُفي فِي شعبان وَلَهُ ستٌ وستّون سنة.
- حرف الفاء-
283- فرّوخ شاه بْن شاهنشاه بْن أيّوب بْن شاذي [1] .
الملك عزّ الدّين أَبُو سعد، صاحب بَعْلَبَك، ابْن أخي السّلطان صلاح الدّين. كان كثير الصدَقة والتّواضع، ولديه فضيلة في العربيّة والشّعر.
__________
[1] انظر عن (فروخ شاه) في: البرق الشامي 3/ 29، 85، 86، 94، 149، 150، 161، 171، 178 و 5/ 18، 59، 60، 62، 67، 75، والنوادر السلطانية 56، والكامل في التاريخ 11/ 491، والأعلاق الخطيرة 1/ 49، ومفرّج الكروب 2/ 124- 126، ومرآة الزمان 8/ 372، وزبدة الحلب 3/ 27، ووفيات الأعيان 7/ 167، والمختصر في أخبار البشر 3/ 65، والإعلام بوفيات الأعلام 238، والعبر 4/ 233، و 235، ودول الإسلام 2/ 90، وسير أعلام النبلاء 21/ 89 دون ترجمة، والسلوك ج 1/ ق 1/ 79، وتاريخ ابن الوردي 2/ 92، والبداية والنهاية 12/ 311، ومضمار الحقائق 15 و 31، و 104، وتاريخ ابن سباط 1/ 163، والعسجد المسبوك 2/ 187.

(40/266)


ناب عَن صلاح الدّين بالشّام، وكان للتّاج الكِنْدي به اختصاص. وقد مدحه هُوَ والعماد الكاتب.
تُوُفي بدمشق فِي جُمادى الأولى، ودُفن بقبتِه. ومدرسته بالشّرف الأعلى [1] .
وولي بَعْلَبَكَّ بعده ابنُه الملك الأمجد.
- حرف القاف-
284- القاسم بْن عُمَر.
الأديب البارع، أَبُو عَبْد اللَّه البغداديّ، المؤدّب، ويُعرف بالخليع، الشّاعر مدح [2] الخلفاء والوزراء.
روى عَنْهُ: أَبُو الْحَسَن بْن القَطِيعي.
وكان من فحول الشّعراء. لَهُ قصيدة طنّانة فِي المستضيء.
مات فِي جُمادى الأولى سنة ثمانٍ، وَلَهُ إحدى وستّون سنة.
- حرف الميم-
285- مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن عُبَيْد اللَّه بْن حسين [3] .
__________
[1] وقال سبط ابن الجوزي: كان من الأفاضل الأنابل، كثير الصدقات، متواضعا، سخيّا، جوادا، مقداما، متّصلا من المظالم. وكان صلاح الدين قد استنابه بالشام، وكان فرخ شاه شاعرا فصيحا.
قال العماد: أنشدني في قلعة دمشق ونحن بين يدي صلاح الدين:
إذا شئت أن تعطي الأمور حقوقها ... وتوقع حكم العدل أحسن موقعه
فلا تصنع المعروف مع غير أهله ... فظلمك وضع الشيء في غير موضعه
وقد قال في وصف دمشق:
دمشق سقاك الله صوب غمامة ... فما غائب عنها لدى رشيد
عسى مسعد لي أن أبيت بأرضها ... على أنني لو صحّ لي لسعيد
وله أشعار كثيرة مدوّنة.
[2] في الأصل: «مع» .
[3] انظر عن (محمد بن أحمد بن عبيد الله) في: المختصر المحتاج إليه ج 1.

(40/267)


أَبُو المفضّل الآمِدي ثمّ الواسطيّ. سِبط ابْن الأغلاقيّ.
من أهل القرآن والحديث والتصوّف.
سمع من: أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن حمدون المقرئ، والمبارك بْن إِبْرَاهِيم الخطيب، وأبي عليّ الْحَسَن بْن إِبْرَاهِيم الفارقيّ.
وتُوُفي فِي ذي الحجّة بواسط، وَلَهُ ثلاثٌ وسبعون سنة.
روى عَنْهُ: أَبُو عَبْد اللَّه بْن الدُّبَيْثِيّ فِي «تاريخه» .
286- مُحَمَّد بْن عَبْد الملك بْن عليّ بْن مُحَمَّد [1] .
أَبُو المحاسن الهَمَذَانيّ.
كان أَبُوهُ محدّثا مُكثِرًا، قدِم بغداد واستوطنها.
وسمع مُحَمَّد من: ابْن الفاعوس، وابن الحُصَيْن، وأحمد بْن رضوان [2] ، وزاهر بْن طاهر.
وكان مُحَمَّد ثقة مطبوعا، سمع منه جماعة.
وتوفي في ذي الحجة.
أجاز لابن الدبِيثي [3] ، وللشّيخ الضّياء.
وحدّث عَنْهُ: عَبْد الرَّحْمَن بْن عُمَر الغزّال.
287- مُحَمَّد بْن عتيق بْن عطّاف.
أَبُو عَبْد اللَّه الْأَنْصَارِيّ اللّارديّ [4] ، المعروف بابن المؤذّن.
__________
[1] انظر عن (محمد بن عبد الملك) في: مشيخة النعّال البغدادي 61- 63، وذيل تاريخ مدينة السلام بغداد لابن الدبيثي 2/ 51- 53 رقم 259، وتلخيص مجمع الآداب لابن الفوطي ج 5/ رقم 1561، والمختصر المحتاج إليه 1/ 70.
[2] هو: أبو نصر أَحْمَد بْن عَبْد اللَّه بْن رضوان. (مشيخة النعّال) .
[3] وهو قال: وكان ثقة، صحيح السماع، سهل الأخلاق، وسمع منه أصحابنا وما لقيته. وقد أجاز لنا. (ذيل التاريخ 2/ 52) .
[4] اللّارديّ: بالراء مكسورة، والدال مهملة. نسبة إلى لاردة، مدينة مشهورة بالأندلس شرقي قرطبة تتّصل أعمالها بأعمال طرّكونة منحرفة عن قرطبة إلى ناحية الجوف. (معجم البلدان 5/ 7) .

(40/268)


سكن بَلَنْسِيَة.
وأخذ عَن: أَبِي مُحَمَّد القلنيّ وناظر عَلَيْهِ فِي «المدوّنة» .
ورحل إلى قُرْطُبة فناظر على أَبِي عَبْد اللَّه بْن الحاجّ.
وقُدم للشورى والفتيا بِبَلَنْسيَة. وكان عارفا بالفقه، حافظا إماما.
تُوُفي رَحِمَهُ اللَّهُ فِي شعبان وقد تعدّى الثّمانين.
288- مُحَمَّد بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْر [1] .
أَبُو عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبِي الفتح الكُشْميَهني [2] ، المَرْوَزي، الواعظ. والد أبي المحامد محمود.
قدم بغداد سنة ستّين وخمسمائة. وحدّث «بصحيح مُسْلِم» عَن الفُرَاوي فِي مجلس الوزير ابْن هُبَيْرة.
وسمع أَيْضًا من: أَبِي بَكْر مُحَمَّد بْن منصور السّمعانيّ، وأَبَا حنيفة النّعمان ابْن إِسْمَاعِيل، وأَبَا منصور مُحَمَّد بْن عليّ الكُراعي [3] .
وقد سمع ببغداد من: هبة اللَّه بْن الطَّبر، وأبي غالب بْن البنّاء.
وسمع بنَيْسابور من: أَحْمَد بْن عليّ بْن سَلْموَيْه، والفُرَاوي، وعبد الغافر بْن إِسْمَاعِيل.
وقد قدِم الشّام وحدّث بها.
روى عَنْهُ: أَبُو الفُتُوح بْن الحُصْري، والأستاذ عَبْد الرَّحْمَن الأسَدي بحلب، وزين الأمَناء ابْن عساكر، وأبو القاسم بن صصريّ بدمشق حدّث بها
__________
[1] انظر عن (محمد بن محمد بن عبد الرحمن) في: تاريخ ابن الدبيثي (مخطوطة شهيد علي) ورقة 108، والمختصر المحتاج إليه 1/ 120، وسير أعلام النبلاء 21/ 81، 82 رقم 29، والوافي بالوفيات 1/ 165، 166 رقم 96.
[2] الكشميهني: بضم الكاف وسكون الشين المعجمة وكسر الميم وسكون الياء المنقوطة من تحتها باثنتين وفتح الهاء وفي آخرها النون. نسبة إلى قرية من قرى مرو على خمسة فراسخ منها في الرمل إذا خرجت إلى ما وراء النهر. (الأنساب 10/ 436) .
[3] الكراعي: بضم الكاف وفتح الراء وفي آخرها العين المهملة. نسبة إلى بيع الأكارع والرءوس. (الأنساب 10/ 373، 374) .

(40/269)


هُوَ وابنه محمود ولم يذكرهما ابْن عساكر فِي «تاريخه» فإنّهما قدِما دمشق بعد أن فرغ من «التّاريخ» .
وآخر من رَوَى عَنْهُ: أَبُو إِسْحَاق الكاشْغَري [1] . سمع منه «جزء الكُرَاعي» أو بعضه في سنة ستّين وخمسمائة.
وكان ورِعًا ديّنا، مليح الوعظ.
روى عَنْهُ: أبو الفرج بن الجوزي، وغيره.
وتوفي في المحرّم بمَرْو، وَلَهُ خمسٌ، وثمانون سنة إلَّا شهرا.
289- مُحَمَّد بْن مالك بْن أَحْمَد بْن مالك [2] .
أَبُو بكر وأبو عَبْد اللَّه الميريليّ نزيل إشبيلية.
أخذ القراءات عَن شُرَيْح، والعربيّة عَن أَبِي الْعَبَّاس بْن حاطب.
وروى عَن: أَبِي بَكْر بْن العربيّ.
وحجَّ وحدّث. وكان فاضلا زاهدا مشارا إليه بإجابة الدّعوة.
روى عَنْهُ: ثابت بْن خيار وقرأ عَلَيْهِ «كِتَاب سِيبَويْه» ، وأبو إِسْحَاق الأصبحيّ، وأخذ عَنْهُ القراءات وأجاز لَهُ فِي شوّال من السّنة.
290- مروان بْن عَبْد اللَّه بْن مروان بْن مُحَمَّد [3] .
أَبُو عَبْد الملك البَلَنْسِي، قاضي بَلَنْسِيَة ورئيسها.
سَمِعَ من: أَبِي الْحَسَن بْن هُذَيْل، وَأَبِي عَبْد اللَّه بْن سَعِيد الدّانيّ، وأبي الوليد بْن الدّبّاغ.
وأجاز لَهُ أَبُو عليّ بْن سُكَّرَةَ، وجماعة.
وولّي القضاء سنة تسعٍ وثلاثين، ثمّ تأمّر ببلده عند انقراض الدّولة اللمتُونية فِي شوّال من سنة تسعٍ، وبويع بالإمرة في صفر سنة أربعين. ثمّ خلع
__________
[1] الكاشغريّ: بفتح الكاف وسكون الشين المعجمة وفتح الغين وفي آخرها الراء. نسبة إلى بلدة من بلاد المشرق يقال لها كاشغر. (الأنساب 10/ 324) .
[2] انظر عن (محمد بن مالك) في: غاية النهاية 2/ 234 رقم 3387.
[3] انظر عن (مروان بن عبد الله) في: تكملة الصلة لابن الأبار.

(40/270)


بعد قليل، وحبسه اللمتُونيون فِي حصن سيف عشرة سنين. ثمّ خلّص وسار إلى مَراكُش وحدث بها.
قال الأبّار: أخذ عَنْهُ: أَبُو مُحَمَّد، وأَبُو سُلَيْمَان ابْنَا حَوْط اللَّه، وعقيل بن عطيّة، وأبو الخطّاب بن الجميّل، وأخوه عثمان.
ومات بمَراكُش وَلَهُ أربعٌ وسبعون سنة.
291- مَسْعُود بْن مُحَمَّد بْن مَسْعُود [1] .
قُطْب الدّين النيْسابوري أَبُو المعالي الطُرَيثيثي [2] ، الفقيه الشّافعيّ، نزيل دمشق.
ولد سنة خمس وخمسمائة. ورأى: أَبَا نصر عَبْد الرحيم بْن القُشَيْري.
وتفقّه بنْيسابور على ابْن يحيى. وقرأ الأدب على والده أَبِي عَبْد اللَّه الطُرَيثيثي. ثمّ رحل إلى مَرْو، فتفقّه على أَبِي إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بْن مُحَمَّد المَرْوزي.
وسمع من: هبة الله السّدّيّ، وعبد الجبّار البيهقيّ.
__________
[1] انظر عن (مسعود بن محمد) في: وفيات الأعيان 3/ 135 و 311 و 4/ 200، 201، وتلخيص مجمع الآداب ج 4 ق 4/ 719، ومرآة الزمان 8/ 372، 373، والمختصر في أخبار البشر 3/ 66، والعبر 4/ 235، 236، ودول الإسلام 2/ 90، والإعلام بوفيات الأعلام 238، والمعين في طبقات المحدّثين 178 رقم 1889، وسير أعلام النبلاء 21/ 89 دون ترجمة، وطبقات الشافعية الكبرى للسبكي 4/ 309، وطبقات الشافعية للإسنويّ 2/ 498 رقم 1193، وتاريخ ابن الوردي 2/ 92، 93 ومرآة الجنان 3/ 413، 414، والبداية والنهاية 12/ 312، 313، وطبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 6/ 352، 353 رقم 319، والنجوم الزاهرة 6/ 94، والعسجد المسبوك 2/ 190 (وفيات 579 هـ.) ، وتاريخ ابن سباط 1/ 164، وشذرات الذهب 4/ 263، والدارس في تاريخ المدارس 1/ 83، والأعلام 8/ 115.
[2] الطّريثيثيّ: بضم الطاء المهملة، وفتح الراء، وسكون الياء المنقوطة من تحتها باثنتين، وبعدها الثاء المثلّثة بين الياءين، وفي آخرها مثلّثة أخرى. نسبة إلى طريثيث وهي ناحية كبيرة من نواحي نيسابور بها قرى كثيرة، ويقال لها بالعجمية «ترشيز» . (الأنساب 8/ 238) .

(40/271)


ودرّس بنظاميّة نَيْسابور نيابة، واشتغل بالوعظ. وورد بغداد ووعظ بها، وحصل لَهُ القبول التّامّ.
وكان ديّنا، عالما، متفنّنا.
ثمّ راح إلى دمشق سنة أربعين، وأقبلوا عَلَيْهِ، ودرّس بالمجاهديّة [1] ثمّ بالزّاوية الغزاليّة [2] بعد موت أَبِي الفتح نصر اللَّه المصّيصيّ.
وكان حَسَن النّظر.
ثمّ خرج إلى حلب، وولي بها تدريس المدرستين اللّتين بناهما نور الدّين وأسد الدّين، ثمّ مضى إلى هَمَذَان وولي بها التّدريس مدّة. ثمّ عاد إلى دمشق، ودرّس بالغزاليّة وحدّث، وتفرّد برئاسة الشّافعيّة.
قال القاسم بن عساكر: كان حَسَن الأخلاق، متودّدا، قليل التّصنّع.
مات في سلخ رمضان. ودفن يوم العيد.
قلت: وقد ورد بغداد رسولا، وكتب عَنْهُ: عُمَر بْن عليّ القرشيّ، وأبو المواهب بْن صَصْرَى، وأجاز للبهاء عَبْد الرَّحْمَن، وللحافظ الضّياء.
وروى عَنْهُ: أَبُو القاسم بْن صَصْرَى، وتاج الدّين عَبْد اللَّه بْن حَمُويْه.
وتخرّج به جماعة.
وقيل إنّه وعظ مرّة، فسأل نور الدّين أن يحضر مجلسه، فحضر فشرع فِي وعظه يناديه كما كان يفعل البرهان البلْخي شَيْخ الحنفيّة، فقال للحاجب:
اصعد إليه، وقُلْ لَهُ لَا تخاطبني باسمي.
فَسُئل نور الدّين عَن ذلك فيما بعد. فقال: إنّ البلْخي كان إذا قَالَ يا محمود قامت كلّ شعرةٍ فِي جَسَدي هيبة لَهُ، ويرقّ قلبي، والقُطْبُ إذا قَالَ يا محمود يقسو قلبي ويضيق صدري. حكاها سِبْط ابْن الجوزيّ [3] ، وقال: كان
__________
[1] انظر عنها في: الدارس في تاريخ المدارس 1/ 347، ومنادمة الأطلال 146، 147.
[2] انظر عنها في: الدارس في تاريخ المدارس 1/ 136 و 313.
[3] في مرآة الزمان 8/ 372.

(40/272)


القُطْب غريقا فِي بحار الدّنيا.
قلت: وكان معروفا بالفصاحة والبلاغة وكثرة النّوادر ومعرفة الفقه والخلاف. تخرّج به جماعة. ودرّس أَيْضًا بالجاروخيّة [1] . ودُفن بتُربةٍ أنشأها بغربيّ مقابر الصّوفيّة. وبنى مسجدا على الصّخرات الّتي بمقبرة طاحون الميدان، ووقف كُتُبه.
292- مَعَد بْن حَسَن بْن عَبْد اللَّه.
أَبُو تراب البغداديّ، المنادي.
سمع: أَبَا سعد أَحْمَد بْن عَبْد الجبّار الصيْرفي، وهبة اللَّه بْن الحُصَيْن.
سمع أَحْمَد بْن أَحْمَد البَنْدَنِيجي.
وكان لَا بأس به ينادي على السّقط.
وتُوُفي فِي جُمادى الآخرة.
293- مودود [2] .
الذّهبيّ، الزّاهد. بغداديّ كبير القدْر.
قال ابْن النّجّار: ذكر لي شيخنا السّهروَرْدي أنّه كان من أولياء اللَّه المكاشفين.
قال: وصحِبْتُه.
قال ابْن النّجّار: وذكر لي أَبُو الْحَسَن القَطِيعي: أخِذ مودود الذّهبيّ فِي حادثة إلى باب النّوبيّ، فأمروا بضربه، فلمّا رفع الضارب بيده لم يقدر على حطّها. فأطلق فأطلقت يد الضّارب، فانقطع عَن النّاس.
وكان جارنا أَبُو البركات الشَهرزُوري يذكر لنا أحواله وكراماته.
تُوفّي فِي هذا العام.
__________
[1] انظر عنها في: الدارس في تاريخ المدارس 1/ 169، ومنادمة الأطلال 93.
[2] في الأصل: «ممدود» ، والمثبت من: مرآة الزمان 8/ 373، والمختصر المحتاج إليه 3/ 203 رقم 1237، وفي العسجد المسبوك 2/ 190 «أبو ممدود» .

(40/273)


- حرف الهاء-
294- هبة اللَّه بْن مُحَمَّد بْن هبة اللَّه بْن مميل [1] .
أَبُو مُحَمَّد بْن أَبِي نصر الشّيرازيّ، ثمّ البغداديّ.
وُلِد ببغداد سنة خمسمائة، وسمع بها: أَبَا عليّ بْن نبهان، ومحمد بن الحسن بن باكير، الفارسيّ، وجماعة.
وكان عدْلًا فاضلا، وصوفيّا واعظا.
قدم دمشق سنة ثلاثين وخمسمائة فاستوطنها، وولي إمامة مشهد عليّ بالجامع. وفُوض إليه عقد الأنكحة.
وكان ديّنا، حَسَن الطّريقة.
ولمّا تُوُفي فِي ربيع الأوّل خَلَفه فِي إمامة المشهد ابنه القاضي أَبُو نصر.
روى عَنْهُ: ابنه، وابن ابنه أَبُو المعالي أَحْمَد بْن مُحَمَّد، وأبو المواهب بْن صَصْرَى، وآخرون.
- حرف الواو-
295- وفاء بْن أسعد بْن النّفيس بْن البهيّ [2] .
أَبُو الفضل التّركيّ، ثمّ البغداديّ الخبّاز.
شيخ صالح من أولاد الأجناد.
سمع: أَبَا القاسم بْن بيان [3] ، وأبا الخطّاب الكَلْوَاذاني [4] ، وأَبَا طاهر عَبْد الرَّحْمَن اليُوسُفي، وجماعة.
ووُلِد سنة خمسمائة.
__________
[1] انظر عن (هبة الله بن محمد) في: العبر 4/ 236، والإعلام بوفيات الأعلام 238، وسير أعلام النبلاء 21/ 89 دون ترجمة.
[2] انظر عن (وفاء بن أسعد) في: مشيخة النعّال 59- 61، والمختصر المحتاج إليه 1/ 12 و 3/ 218 رقم 1274، والعبر 4/ 237، وشذرات الذهب 4/ 263،
[3] هو: أبو القاسم علي بن أحمد بن بيان الرزّاز. توفي سنة 510 هـ.
[4] هو: أبو الخطاب محفوظ بن أحمد الكلوذاني. توفي سنة 510 هـ.

(40/274)


روى عَنْهُ: أَبُو مُحَمَّد بْن الأخضر، وأبو مُحَمَّد بْن قُدَامة، والبهاء عَبْد الرَّحْمَن، وأبو صالح الجيليّ، وجماعة.
وقال أَبُو الفُتوُح بْن الحُصْري: تُوُفّي فِي ربيع الآخر.
- حرف الياء-
296- يَحْيَى بْن أَحْمَد بْن يحيى بْن سيدبونه.
أَبُو زكريّا الخُزَاعي، الدّانيّ.
روى عَن: أبيه، وأبي إِسْحَاق بْن جماعة.
وأخذ القراءات عَن أَبِي عَبْد اللَّه بْن سَعِيد الدّانيّ.
وحجَّ، وسمع بالإسكندريّة.
سمع منه فِي هذا العام مُحَمَّد بْن عُمَر بْن عامر الدّانيّ.
وَفِيهَا وُلد بعقرباء، مكّيّ بْن عَبْد الرّزّاق.

(40/275)


سنة تسع وسبعين وخمسمائة
- حرف الألف-
297- أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن سُلَيْمَان بْن مُحَمَّد [1] .
الْإِمَام أَبُو جَعْفَر الْأَنْصَارِيّ، الأندلسيّ، الملقّب بالطّيلسان، لِحُسْنِ بِزته.
أكثر عَن أَبِي مروان بن مسرّة، وغيره.
وطال عُمره.
قال حفيده أَبُو القاسم بْن الطيْلسان: تُوُفي فِي صَفَر [2] .
298- إِبْرَاهِيم بْن أَحْمَد بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن عثمان [3] .
أَبُو إِسْحَاق الْأَنْصَارِيّ، الغَرْناطي.
سمع من: غالب بْن عطيّة، وابن البادش، وأبي الوليد بْن بقوة، وابن عتّاب.
وقرأ بالرّوايات على: منصور بْن الخير، وابن شفيع، وابن المطرّف بْن الورّاق.
وسمع «الموطّأ» فِي يومٍ واحد على ابْن موهب.
__________
[1] انظر عن (أحمد بن محمد بن سليمان) في: تكملة الصلة لابن الأبّار 1/ 81، والذيل والتكملة لكتابي الموصول والصلة ج 1 ق 2/ 432، 433 رقم 643.
[2] وكان من أهل العلم بتجويد القرآن العظيم كثير التلاوة له، معروف الفضل من بيت علم ونباهة ودين.
[3] انظر عن (إبراهيم بن أحمد) في: تكملة الصلة لابن الأبّار 1/ 155، 156، ومعرفة القراء الكبار 2/ 547 رقم 494، وغاية النهاية 1/ 7.

(40/276)


وله إجازة من أَبِي بَكْر الطرَطُوشي.
وأوّل سماعه سنة أربع عشرة وخمسمائة.
وكان ذا تفنّن فِي العلوم [1] .
وُلي القضاء بأماكن.
روى عَنْهُ: أَبُو الخطّاب بْن واجب.
مات فِي جُمادى الأولى وَلَهُ أربعٌ وثمانون سنة رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى.
299- إِسْمَاعِيل بْن قاسم الزّيّات [2] .
الْمَصْرِيّ.
روى عَن: أَبِي صادق مرشد بْن يحيى المَدِيني، وغيره.
روى عَنْهُ: الحافظ عَبْد الغنيّ، والشّيخ أَبُو عُمَر، ونبا بْن أَبِي المكارم الأطْرابُلُسي، وكريمة بِنْت عَبْد الحقّ القضاعيّة، وجماعة.
قال أَبُو الْحَسَن بْن المفضّل: أجاز لي ولولديّ.
وتُوُفي رَحِمَهُ اللَّهُ بمصر فِي شعبان.
- حرف الباء-
300- بُجَيْر بْن عليّ بْن بُجَيْر.
القاضي أَبُو الفتح الأشِيري، الفقيه. نزيل دمشق.
حدّث عَن: عَبْد الملك الكَرُوخي.
روى عَنْهُ: أَبُو القاسم بْن صَصْرَى، وغيره.
وناب في القضاء عن الشّهرزوريّ.
ودرّس بالغزاليّة مدّة، وعاش نيّفا وسبعين سنة.
تُوُفي فِي تاسع ربيع الآخر.
__________
[1] وقال ابن الأبّار: وكان من أهل المعرفة الكاملة والتفنّن في العلوم والنفوذ في الأحكام.
(تكملة الصلة) .
[2] انظر عن (إسماعيل بن قاسم) في: سير أعلام النبلاء 21/ 91 دون ترجمة.

(40/277)


301- بوري [1] .
تاج الملوك مجد الدّين، أخو السّلطان صلاح الدّين.
صار إلى عفو اللَّه فِي الثالث والعشرين من صَفَر، وَلَهُ ثلاثٌ وعشرون سنة.
وكان أصغر أولاد نجم الدّين أيّوب.
وكان أديبا فاضلا لَهُ ديوان شِعر، فمنه:
يا حياتي حين يرضى ... ومماتيِ حين يسخط [2]
بين أجفانك [3] وسلطان ... على ضَعْفي مُسلط
قد تصبّرت وإنْ ... برّح بي الشّوق وأفرط
فلعلّ الدّهر يوما ... بالتّلاقي منك يغلط
وله:
رمضان بلا مرضان إلَّا أنّهم ... غلطوا [4] إذا فِي قولهم وأساءوا
مرضان فيه تخالف، فنهاره ... سلّ وسائر [5] ليله استسقاء
[6] وله:
__________
[1] انظر عن (بوري) في: ذيل تاريخ دمشق 219، وزبدة الحلب 3/ 64، ومفرّج الكروب 2/ 144، ومرآة الزمان 8/ 378، والمختصر في أخبار البشر 3/ 66، والدرّ المطلوب 77، والعبر 4/ 237، وتاريخ ابن الوردي 2/ 93، ومرآة الجنان 3/ 414، 415، والوافي بالوفيات 10/ 320- 322 رقم 4832، والسلوك ج 1 ق 1/ 81، والمقفى الكبير 2/ 510- 512 رقم 984، والنجوم الزاهرة 6/ 96، وشذرات الذهب 4/ 265 ومضمار الحقائق 144، وترويح القلوب 78، وتاريخ ابن سباط 1/ 164 (578 هـ.) ، والأعلام 1/ 56.
[2] زاد في مرآة الجنان بيتا بعده:
آه من ورد على خدّيه ... بالمسك منقّط
[3] في مرآة الجنان «جفنيك» .
[4] في الدرّ المطلوب: «أخطوا» .
[5] في الدرّ المطلوب: «ولكن» .
[6] مفرّج الكروب 2/ 144، الدرّ المطلوب 77، النجوم الزاهرة 6/ 96، مرآة الزمان 8/ 378.

(40/278)


أقبل من أعشقه راكبا ... من جهة الغرب [1] على أشهب
فقلت: سُبحانك يا ذا العُلا ... أشرقت الشّمس من المغرب [2]
تُوُفي رَحِمَهُ اللَّهُ على حلب من طعنةٍ أصابت رُكْبته يوم سادس عشر المحرّم يوم نزول أخيه عليها، فمرض منها. وكان السّلطان قد أعدّ للصّالح عماد الدّين صاحب حلب ضيافة فِي المخيّم بعد الصُّلح، وهو على السّماط إذ جاءه الحاجب فأسرَّ إليه موت بوري، فلم يتغيّر وأمره بتجهيزه ودفْنه سرّا، وأعطى الضّيافة حقّها. فكان يقول: ما أخذنا حلب رخيصة.
وبوري بالعربيّ: ذئب.
- حرف التاء-
302- تقيّة [3] .
__________
[1] في مرآة الجنان «من جوانب الغور» .
[2] وله أيضا:
أيا حامل الرمح الشبيه بقدّ ... ويا شاهرا سيفا حكى لحظه غضبا
ضع الرمح واغمد ما سللت فربّما ... قتلت وما حاولت طعنا ولا ضربا
(مرآة الجنان 3/ 414) و (المقفى 2/ 511) .
وقال العماد فيه: «ذو الكرم الظاهر، والمحتد الطاهر، والفخر الصادع فجره الصادق، والنجر السامي قدره السامق، طفل السّنّ، كهل السنا، أهل المدح والثناء، نشأ بالفضل متشبّثا، وبالفصل متحدّثا، وبالنبل منبعثا، له الفطرة الذكية الزكية، والهمّة العليّة الجليّة، والعزمة الماضية المضيّة، لم يبلغ العشرين سنة، ولم يورق في ترعة الترعرع غصنه، وله نظم لطيف وفهم شريف.
وله قوله:
لي في الأنام حبيب ... ينمى إلى الأتراك
أشكو إليه غرامي ... فما يرقّ لشاكي
يظلّ بضحك عجبا ... والطرف منّي باك
فديته من غزال ... بعينه فتّاك
ظبي أغار على ريقه ... من المسواك
يا ليتني كنت في كفّه ... عويد أراك
[3] انظر عن (تقيّة) في: صلة الصلة لابن الزبير 217، والتكملة لوفيات النقلة للمنذري-

(40/279)


أمّ عليّ. الشّاعرة بِنْت المحدّث غَيْث بْن عليّ السُّلَمي الأرْمَنَازي [1] ، ثمّ الصُّوري. والدة المحدّث تاج الدّين عليّ بْن فاضل بْن صمدون الصُّوري.
صحِبَت السلَفْي بالإسكندريّة، تعاليقها، وقال: عَثَرْتُ في منزلي، فانجرح أخمصي، فشقّت وليدةٌ فِي الدّار خِرقةً من خمارها وعَصَبْتها، فأنشدتْ تقيّة فِي الحال لنفسها:
لو وجدت السبيلَ جُدْتُ بخدّي ... عِوَضًا عَن خمار تلك الوليدة
كيف لي أن أقبّل اليومَ رِجْلًا ... سلكت دَهْرَهَا الطّريق الحميدة [2]
وذكر الحافظ تقيّ الدّين المنذري أنّ تقيّة نظمت قصيدة تمدح بها الملك المظفّر تقي الدين عمر ابن أخي السلطان صلاح الدّين، فوصفت الخمر وآلة المجلس، فلمّا قرأها قَالَ: الشَّيْخة تعرف هذه الأحوال من صباها.
فبلغها ذلك، فعلمت قصيدة أخرى حربيّة وأرسلتها، تقول علمي بذاك كعلمي بهذا [3] .
__________
[ (-) ] (الطبعة الأولى) 3/ 151، والذيل والتكملة لكتابي الموصول والصلة 5 ق 1/ 260، ووفيات الأعيان 1/ 297، 298، وتكملة إكمال الإكمال لابن الصابوني 47- 51، وخريدة القصر (شعراء مصر) 2/ 221، وغربال الزمان (كتاب في التاريخ ينتهي بسنة 750 هـ.) ليحيى بن أبي بكر العامري (مخطوط بخزانة نصيف بجدّة) ، والعبر 4/ 237، والإعلام بوفيات الأعلام 238، 239، وسير أعلام النبلاء 21/ 91 دون ترجمة، والمشتبه في الرجال 1/ 74، ومرآة الجنان 3/ 415، 416، ونزهة الجلساء في أشعار النساء للسيوطي 27، وشذرات الذهب 4/ 265، وديوان الإسلام 2/ 6 رقم 750، وأعلام النساء 1/ 145، والأعلام 2/ 86، ومعجم المؤلفين 3/ 92، وشاعرات العرب، جمع وتحقيق عبد البديع صقر 37، وتاريخ التربية الإسلامية للدكتور أحمد شلبي 334، وكتابنا:
موسوعة علماء المسلمين في تاريخ لبنان الإسلامي ق 2 ج 5/ 166- 172 رقم 1534، ودراسات في تاريخ الساحل الشامي (لبنان من عصر السيادة الفاطمية حتى السقوط بيد الصليبين) قسم التاريخ الحضاريّ. ص 318- طبعة دار الإيمان- طرابلس 1994.
[1] الأرمنازي: بفتح الهمزة وسكون الراء وفتح الميم والنون، ثم زاي مكسورة. نسبة إلى أرمناز قرية بالقرب من صور على ساحل الشام.
[2] وفيات الأعيان 1/ 297.
[3] وفيات الأعيان 1/ 297، شذرات الذهب 4/ 265، 266.

(40/280)


ولدت بدمشق من أوّل سنة خمس وخمسمائة. وتوفّيت في أوائل شوّال [1] .
__________
[1] وصفها المنذري بأنها من الشاعرات المجيدات والفاضلات المشهورات. (التكملة لوفيات النقلة 3/ 151) وكتب عنها الحافظ السلفي وذكرها في (معجم السفر) ، وحدّث عنها الشيخ الحافظ أبو الحسن المقدسي، وكان يثني عليها كثيرا، وسمعها أبو الحجّاج يوسف المالقي المعروف بابن الشيخ بمالقة، وكان أحد الزهّاد المشهورين، وأجازت قطعة صالحة من نظمها باستدعاء ابنها لعليّ بن عتيق الأنصاري.
وقال ابن خلّكان: كانت فاضلة ولها شعر جيد، قصائد ومقاطيع. وكتب عنها السلفي في «معجم السفر» وقال:
لم أر شاعرة غيرها. وأثنى عليها، ومدحته. وذكرها في بعض تعاليقه، وكتب عن نفسه.
ووصفها أبو القاسم عبد الله بن رواحة الأنصاري الحموي بالأديبة وقال: أنشدتنا لنفسها بثغر الإسكندرية تمدح شيخنا الحافظ أبا طاهر السلفي وتعتذر إليه لانقطاع ولدها أبي الحسن بن حمدون عن مجلسه وملازمته للشريف أبي محمد بن أبي اليابس الديباجي، وكان الحافظ قد غضب عليه بسبب ذلك:
تاللَّه ما غبت عنكم مللا ... ولا فؤادي عن الدنوّ سلا
وكيف أنسى جميلكم ولكم ... عليّ فضل يبلغ الأملا
أنقذتموني من كل مهلكة ... قلت أبغي بقربكم بدلا
داركم مذ حللت بساحتها ... كأنّني الشمس حلّت الحملا
أسحبت ذيلي في عزّها مرحا ... وكنت قدما لا أعرف الخيلا
وإنما غبت عنكم خجلا ... لأن ذنبي يزيدني خجلا
تقول عيني ودمعها وكف ... لما رأيت عبدكم قد انتقلا
وزدت في عذله لأردعه ... وهو عصيّ لا يسمع العذلا
حتى إذا زدت في ملامته ... وظنّ قلبي بأنه اعتدلا
قلت له والدموع واكفة ... والقلب مني للبين قد وجلا
كيف تطيق البعاد عن رجل ... حوى جميع الفنون واكتملا
الحافظ الحبر والّذي اكتملت ... به المعالي وزيّن الدولا
أولاك فضلا وسؤددا وحجا ... فصرت في الناس أوحد الفضلا
فقال: خطّي لديه محتقر ... إن قلت قولا أجاب عنه بلا
يرفع دوني والعين تنظره ... ولم أزل مصابرا ومحتملا
وكل واش أتاه في سببي ... صدّقه وهو قائل زللا
كأنني «المشركون» إذ خدموا ... لا يرفع الله عنهم عملا
فصنت عرضي بنقلتي أسفا ... ولم أجد مسلكا ولا سبلا
-

(40/281)


__________
[ (-) ]
حتى كأن البلاد لست أرى ... في ساحتيها سهلا ولا جبلا
فهو إمامي ولا يرى أحد ... بين فؤادي وبينه خللا
أمدحه ما حييت مجتهدا ... في كل ناد ومحفل وملا
فإن حياني يزيدني شرفا ... وإن قلاني فليس ذاك قلى
فاللَّه يبقيه دائما أبدا ... وزاده الله رفعة وعلا
ما لاح برق وما دجا غسق ... وما همي وابل وما هطلا
وسمع منها القاضي أبو القاسم حمزة بن علي بن عثمان المخزومي المغربي المصري وقد وفد إلى دمشق في شعبان سنة 571 بكرّاسة فيها شعر تقيّة قد سمعه منها وخطّها عليه بتاريخ محرّم سنة 569 بالإسكندرية:
أعوامنا أشرقت أيامها ... وعلا على ظهر السّماك خيامها
والروض مبتسم بنور أقامه ... لما بكى فرحا عليه غمامها
والنرجس الغضّ الّذي أحداقه ... ترنو لتفهم ما يقول خزامها
والورد يحكي وجنة محمرّة ... انحلّ من فرط الحياء لثامها
وأهدت إلى بعض الأفاضل توتا فكتب إليها:
وتوت أتانا ماؤه في احمراره ... كدمعي على الأحباب حين ترحّلوا
هدية من فاقت جمالا وفطنة ... وأبهى من البدر المنير وأجمل
فلا عدمت نفسي تفضّلها الّذي ... يقصّر وصفي عن مداه ويعدل
فكتبت إليه تقيّة:
أتاني مديح يخجل الطرف حسنه ... كمثل بهيّ الدرّ في طيّ قرطاس
ولها وقد أعارت ابن حريز دفترا فحبسه عنده أشهرا:
قل لذوي العلم وأهل النّهى ... ويحكم لا تبذلوا دفترا
فإن تعيروه لذي فطنة ... لا بدّ أن يحبسه أشهرا
وإن تعودوا بعد نصحي لكم ... تخالفوني فالبراء البرا
ولها من قصيدة:
خان أخلّائي وما خنتهم ... وأبرزوا للشرّ وجها صفيق
كدّر الودّ القديم الّذي ... قد كان قدما صافيا كالرحيق
وساعدوني بعد قربي لهم ... وحمّلوا قلبي ما لا أطيق
ولها من أخرى:
هاجت وساوس شوقي نحو أوطاني ... وبان عنّي اصطباري بعد سلواني
وبتّ أرعى السّها والليل معتكر ... والدمع منسجم من سحب أجفاني
وعاتبت مقلتي طيفا ألمّ بها ... أهكذا فعل خلّان بخلّان؟ -

(40/282)


__________
[ (-) ]
نأيت عنكم وفي الأحشاء جمر لظى ... وسقم جسمي لما أهواه عنواني
إذا تذكرت أياما لنا سلفت ... أعان دمعي على تغريق نسياني
وكتب بعض الأفاضل لها وقد مدحت نفسها:
وما شرف أن يمدح المرء نفسه ... ولكن أفعالا تذمّ وتمدح
وما كلّ حين يصدق المرء قلبه ... ولا كل أصحاب التجارة تربح
ولا كل من ترجو لغيبك حافظ ... ولا كل من ضمّ الوديعة يصلح
فكتبت إليه:
تعيب على الإنسان إظهار علمه ... أبالجدّ هذا منك أم أنت تمزح
فدتك حياتي قد تقدّم قبلنا ... إلى مدحهم قوم وقالوا فأفصحوا
وللمتنبّي أحرف في مديحه ... على نفسه بالحق والحق أوضح
أروني فتاة في زماني تفوقني ... وتعلو على علمي وتهجو وتمدح
وكانت تقيّة سألت الشيخ الإمام العالم أبا الطاهر إسماعيل بن عوف الزهري عن الشعر، فقال: هو كلام، إن تكلّمت بحسن فهو لك، وإن تكلّمت بشر فهو عليك.
وقال ابن خلكان: لها من قصيدة في الحافظ أبي طاهر أحمد بن محمد السلفي:
أعوامنا قد أشرقت أيامها ... وعلا على ظهر السماك خيامها
والروض مبتسم بروض أقاحه ... لما بكى فرحا عليه غمامها
والنرجس الغضّ الّذي أحداقه ... ترنو فيفهم ما يقول خزامها
وشقائق النعمان في وجناته ... خالات مسك حاكها رقّامها
وبنفسج لبس الحداد لحزنه ... أسفا على مهج يزيد غرامها
والجلّنار على الغصون كأكؤس ... خرطت عقيقا والنضار مدامها
وكأنما زهر الرياض عساكر ... في موكب منشورة أعلامها
يبدي نسيم الصبح سرّ عبيرها ... فينمّ عن طيب بها تمّامها
يا صاح قم لسعادة قد أقبلت ... وتنبّهت بعد الكرى نوّامها
واجمع خواطرنا لنجلو فكرها ... لما تجرّد للقريض حسامها
مدح الإمام علي الأنام فريضة ... فخر الأئمة شيخها وإمامها
ومن شعرها:
نأيت وما قلبي على النأي بالراضي ... فلا تغترر منّي بصدّي وإعراضي
وإني لمشتاق إليهم متيّم ... وقد طعنوا قلبي بأسمر عرّاض
إذا ما تذكّرت الشام وأهله ... بكيت دما حزنا على الزمن الماضي
ومذ غبت عن وادي دمشق كأنني ... يقرض قلبي كل يوم بمقراض
أبيت أراعي النجم والنجم راكد ... وقد حجبوا عن مقلتي طيب إغماضي
فهل طارق منهم يلمّ بناظري ... فإنّ لقاء الطيف أكبر أغراضي-

(40/283)


وقد رَوَى عَنْهَا من شِعْرها أَبُو القاسم عَبْد اللَّه بْن رواحة.
وتُوُفي ابنها فِي سنة ثلاث وستّمائة.
303- ثعلب بْن مذكور بْن أرنب [1] .
أَبُو الْحَسَن، وقيل أَبُو الحُصَيْن الأكّاف [2] ، أخو رجب.
سمع من: أَبِي العزّ بْن كادَش، وأبي القاسم بْن الحُصَيْن، وأبي غالب بْن البنّاء.
وكان حارسا سيّئ الطّريقة، ليس بأهلٍ أن يُحمل عَنْهُ.
كان مقدّم حرّاس الخليفة.
مات فِي رَمَضَان [3] .
- حرف الحاء-
304- الْحَسَن بْن سَعِيد بْن عَبْد اللَّه بْن بُنْدار [4] .
أَبُو عليّ الشّاتايّ [5] عَلَم الدّين الشّاعر.
قدِم بغداد وتفقه وتأدّب.
وسمع من: قاضي المَرِسْتان، وابن الحُصَيْن، وإسماعيل بْن السَّمَرْقَندي.
__________
[ (-) ]
لعل الليالي أن تجرّد صارما ... على البين أو يقضي لها حكم قاضي
(موسوعة علماء المسلمين) .
[1] انظر عن (ثعلب بن مذكور) في: مشيخة النعّال البغدادي 68، 69، والمختصر المحتاج إليه 1/ 270، والمشتبه في الرجال 1/ 114 ولسان الميزان 2/ 82.
[2] الأكاف: بفتح الألف والكاف المشدّدة، هذه اللفظة لمن يعمل إكاف البهائم أي البرذعة.
[3] قال النعّال: وهو أخو شيخنا أبي الحرم رجب بن مذكور.
[4] انظر عن (الحسن بن سعيد) في: خريدة القصر (قسم شعراء الشام) 2/ 361، ووفيات الأعيان 2/ 113، والروضتين 1/ 171، وطبقات الشافعية الكبرى للسبكي 7/ 61، والوافي بالوفيات 12/ 28، 29 رقم 23 و 12/ 175- 178 رقم 155، وهو في الثانية باسم «الحسن بن علي بن سعيد بن عبد الله» ، والنجوم الزاهرة 6/ 58، وتهذيب تاريخ دمشق 4/ 177.
[5] الشاتاني: بالشين المعجمة وبعد الألف الأولى تاء ثالثة الحروف وبعد الألف الثانية نون.
وشاتان قلعة من ديار بكر.

(40/284)


وأنشأ الرسائل، وسكن الموصل، ونفّذه أميرها رسولا إلى الدّيوان.
وخرج إلى الشّام، وحدّث بها. وسمّاه ابْن عساكر فِي «تاريخه» .
وكان ابْن هُبَيْرة الوزير مقبلا عَلَيْهِ.
تُوُفي فِي شعبان بالموصل [1] .
305- الْحَسَن بْن عسكر [2] .
أَبُو مُحَمَّد الواسطيّ.
سمع: أَبَا عليّ الفارقيّ، وغيره.
روى عَنْهُ ابْن الدّبيثيّ قَالَ: كنت ببغداد فِي ليلة رجب سنة إحدى وعشرين وخمسمائة جالسا على دكَة للفُرْجَة بباب أبَرز، إذ جاء ثلاثُ نِسْوة فجلسْنَ إلى جانبي، فأنشدتُ متمثّلا:
هواء ولكنّه راكدٌ ... وماءٌ ولكنّه غير جاري
فقالت لي إحداهنّ: هَلْ تحفظ لهذا البيت تمام؟
قلت: لَا.
فقالت: إنْ أنْشَدَك أحدٌ تمامَه ما تُعطية؟
قلت: أقبّل فاه.
فأنشدتني.
وخمرٌ من الشّمس مخلوفةٌ ... بدت لك فِي قَدَحٍ من نُضَارِ
إذا ما تأملتَها وهي فيه ... تأملت نورا محيطا بنار
__________
[1] وهو ولد سنة: 51 هـ. وقيل 513 هـ. (الوافي 12/ 28 و 177) .
ومن شعره:
أهدى إلى جسدي الضّنى فأعلّه ... وعسى يرقّ لعبده ولعلّه
ما كنت أحسب أن عقد تجلّدي ... ينحلّ بالهجران حتى حلّه
يا ويح قلبي أين أطلبه وقد ... نادى به داعي الهوى فأضلّه
إن لم يجد بالعطف منه على الّذي ... أضناه من فرط الغرام فمن له
وأشدّ ما يلقاه من ألم الهوى ... قول العواذل إنّه قد ملّه
[2] انظر عن (الحسن بن عسكر) في: المختصر المحتاج إليه 2/ 21 رقم 586.

(40/285)


هواءٌ ولكنّه جامدٌ ... وماءٌ ولكنّه غير جاري
كأنّ المدير لها باليمين ... إذا دار للشُّرب أو باليَسارِ
توشّح ثوبا من الياسمين ... لَهُ فرد كمّ من الْجُلنَارِ
306- الْحُسَيْن بْن القاضي أَبِي الْحَسَن أَحْمَد ابْن قاضي القضاة عليّ بْن مُحَمَّد [1] .
الدامَغَانيّ.
استنابه أخوه قاضي القُضاة في القضاء ببغداد سنة ستّ وأربعين وخمسمائة.
قال ابْن النّجّار: لم يُحْمَد فِي القضاء. ثنا عَنْهُ أَحْمَد بْن الْحَسَن بْن حنظلة اللّيثيّ.
وقد سمع من: ابْن الحُصَيْن، وأبي غالب بْن البنّاء.
وعاش نيّفا وستّين سنة.
307- الْحُسَيْن بْن هبة اللَّه بن رُطْبة [2] .
أَبُو عَبْد اللَّه السّواريّ [3] ، شَيْخ الشّيعة وأبو شيخهم الفقيه العلّامة أَبِي طاهر هبة اللَّه.
كان متبحّرا فِي الأصول والفُروع على مذهب الرافضة.
قرأ الكثير، ورحل إلى خُراسان، والرّيّ، ومازنْدَران، ولقي كبار الشّيعة، وصنّف، واشتغل بسورا، والحلّة.
__________
[1] انظر عن (الحسين بن أحمد) في: المختصر المحتاج إليه 2/ 32 رقم 607، والجواهر المضيّة 1/ 207، والوافي بالوفيات 12/ 337، 338 رقم 313.
[2] انظر عن (الحسين بن هبة الله) في: الوافي بالوفيات 13/ 79 رقم 68، ولسان الميزان 2/ 316، وأمل الآمل 2/ 93، 104، وأعيان الشيعة 27/ 360، وورد «الحسن بن هبة الله» في 24/ 203 رقم 4480 وفيه: كان حيّا سنة 560 هـ.
و «رطبة: واحدة الرّطب» .
[3] السّوراي: بضم أوله وسكون ثانيه ثم راء وألف مقصورة أو ممدودة. نسبة إلى سورا بالقصر، موضع بالعراق من أرض بابل.

(40/286)


وتُوُفي فِي رجب.
- حرف السين-
308- سُبَيْع بْن خَلَف بْن مُحَمَّد [1] .
أَبُو الوحش الأسَدي، الأديب.
شاعر دمشقيّ معروف، مليح القول.
روى عَنْهُ: أَبُو المواهب بْن صَصْرَى، وقال: مات فِي عاشر رجب.
وأنشدني لنفسه:
يَمَّمْتُ دارَ أَبِي فلان قاصدا ... بمدائحي فيه وحسن قصائدي [2]
فرأيت منه ضدّ ما عُوّدْتُه ... من بُخْلِه المتكاثف المتزايد
فذكرتُ لمّا أنْ رجعتُ مُجَلْبَبًا ... بعطائه ولقيتُ غير عوائدي
وَلُربَّما جاد البخيلُ وما به ... جودٌ ولكن من نجاح القاصدِ [3]
- حرف الصاد-
309- صالح بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن عليّ بْن زَرْعان [4] .
أَبُو مُحَمَّد البغداديّ، التّاجر، أحد الأعيان.
سمع: ابْن الحُصَيْن، وأبا غالب بْن البنّاء، وأَبَا غالب مُحَمَّد بْن الْحَسَن الماوَرْديّ وجماعة.
وكتب بنفسه عنهم.
__________
[1] انظر عن (سبيع بن خلف) في: خريدة القصر (قسم شعراء الشام) 1/ 242، والوافي بالوفيات 15/ 112، 113 رقم 161.
[2] في الوافي: «مقاصدي» .
[3] الوافي 15/ 112، 113 وفيه نماذج أخرى من شعر سبيع.
[4] انظر عن (صالح بن عبد الرحمن) في: مشيخة النعّال 69، 70، والمختصر المحتاج إليه 2/ 105 رقم 723.
و «زرعان» ضبطه النعّال: بفتح الزاي وسكون الراء المهملة وعين مهملة وفي آخره نون.

(40/287)


سمع منه جماعة [1] .
- حرف الطاء-
310- طاهر بْن عطيّة.
أَبُو منصور اللَّخْميّ، الإسكندريّ.
رَجُل صالح.
روى عَن: أَبِي بَكْر الطّرطُوشيّ.
أخذ عَنْهُ: أَبُو الْحَسَن المقدسيّ، وغيره.
- حرف العين-
311- عبد الله بْن أحمد بْن أبي الفتح بن محمد بن أحمد [2] .
أبو الفتح القاسميّ، الخرقيّ، الأصبهانيّ.
شيخ نبيل صالح من أولاد المحدّثين، ومن بقايا المسندين.
سمع: أبا العبّاس الراويّ عَن عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبِي بَكْر الذَّكْوانيّ، وأَبَا مطيع مُحَمَّد بْن عَبْد الواحد الصّحّاف، وأبا الفتح أَحْمَد بْن عَبْد اللَّه بْن أَحْمَد السُّوذَرْجانيّ، وأبا الفتح أَحْمَد بْن مُحَمَّد الحدّاد، وبُنْدار بْن مُحَمَّد الخلْقاني القاضي، وعبد الرَّحْمَن بْن حمْد الدّونيّ، وأبا أَحْمَد حَمْد بْن عَبْد اللَّه بْن حنَّة، وعبد الرَّحْمَن بْن أبي عثمان الصّابونيّ، وعمر بْن مُحَمَّد بْن عُمَر بْن علُّوَيْه، وأبا عليّ الحدّاد، وطائفة سواهم.
وتفرّد بالرواية عَن جماعة، وسماعه من ابْن علّوَيْه فِي سنة اثنتين وتسعين وأربعمائة حضورا، فأنا ابْن الخلّال، ثنا مُحَمَّد بْن يوسف البرزاليّ
__________
[1] قال النعّال: وكان مولده سنة سبع وخمسمائة. وتوفي في صفر، ويقال في ليلة التاسع والعشرين من رجب، ويقال في شهر رمضان، وهذا هو الأشبه، سنة تسع وسبعين وخمسمائة ببغداد.
[2] انظر عن (عبد الله بن أحمد) في: المعين في طبقات المحدّثين 178 رقم 1890، والإعلام بوفيات الأعلام 238، وسير أعلام النبلاء 21/ 90، 91 رقم 37، ودول الإسلام 2/ 91، والعبر 4/ 237، وشذرات الذهب 4/ 266.

(40/288)


الحافظ أنْ هذا الشَّيْخ وُلِد فِي يوم عيد النّحر سنة تسعين وأربعمائة. وكان جدّه حيّا، فسمّاه باسمه وكنّاه بكْنيته. وعاش بعد ذلك شهرا.
قلت: رَوَى عَنْهُ: الحافظ عَبْد الغنيّ، ومحمد بْن مكّيّ الحنبليّ، وعبد الله بن أبي الفرج الجبّائيّ، والمهذّب بْن الْحُسَيْن بْن زينة، وأبو الفضل بْن سلامة العطّار، ومحمد بْن خليل الرّاذانيّ [1] ، وآخرون.
وبالإجازة: ابْن اللّتّيّ، وكريمة، والحافظ الضّياء، والرّشيد إِسْمَاعِيل بْن العراقيّ، وغيرهم.
وقرأت وفاته بخطّ زكيّ الدّين البِرْزالي فِي يوم الثلاثاء بعد فراغه من صلاة الصُّبح السّابع والعشرين من رجب، ودُفن بالمُصَلي، وصلّى عَلَيْهِ الحافظ أَبُو مُوسَى المَدِينيّ.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْعَطَّارُ بِقِرَاءَتِي: أَنَا أَبُو الْفَضْلِ بن سلامة بحران، أنا أبو الفتح عبد اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْعَطَّارُ بِقِرَاءَتِي: أَنَا أبو الفضل بن سلامة بحران، أنا أبو الْفَتْحِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بِإِصْبَهَانَ، أَنَا تَمَّامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ، ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ بُنْدَارٍ، ثنا الطَّبَرَانِيُّ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُعَلَّى الدِّمَشْقِيُّ، نا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي الْحَوَارِيِّ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ يُوسُفَ الْفِرْيَابِيَّ يَقُولُ: عَلَى الإِمَامِ أَنْ يَضْرِبَ أَعْنَاقَ الْجَهْمِيَّةِ وَالرَّوَافِضِ، فَإِنَّهُمْ زَنَادِقَةٌ.
312- عَبْد اللَّه بْن فَرَج.
أَبُو مُحَمَّد الْأَنْصَارِيّ، القُرْطُبّي، الورّاق الزمِن. الرجل الصّالح.
أجاز لَهُ أَبُو محمد بْن عتّاب ما رَوَاهُ عَن مكّيّ بْن أَبِي طَالِب خاصّة.
وأخذ أَيْضًا عَن: أَبِي الوليد بْن طريف، وأبي بكر بن العربيّ.
وتوفّي في رمضان.
__________
[1] الراذاني: بفتح الراء والذال المعجمة بين الألفين وفي آخرها النون. نسبة إلى راذان وهي قرية من قرى بغداد. (الأنساب 6/ 36) .

(40/289)


313- عليّ بْن عليّ بْن نَمَا بْن حمدون [1] .
الكاتب أَبُو الْحَسَن الحِلي، الرّافضيّ، الخبيث.
مدح ملوك الشّام، وَلَهُ ديوان. وقد كفّر الصّحابة رضي اللَّه عَنْهُمْ.
وهو القائل، لعنه اللَّه:
أيُولي على البريّة مَنْ ليسَ ... على حَمْل سُورةٍ بأمينِ [2]
وهذا البيت من قصيدة ينشدها أهل الرفض فِي المواسم.
ذكره ابن النّجّار.
- حرف الكاف-
314- كرم بْن بختيار بْن عليّ [3] .
البغداديّ، الزّاهد [4] .
أحد الصّالحين.
روى عَن: هبة اللَّه بْن الحُصَيْن.
أخذ عَنْهُ: ابْن مَشقْ، وعبد العزيز بْن الأخضر، وأحمد بْن أَبِي بَكْر البزّاز، وغيرهم.
وتُوُفي فِي ذي الحجّة [5] .
__________
[1] انظر عن (علي بن علي) في: ذيل تاريخ بغداد لابن النجار 3/ 344 رقم 149، والوافي بالوفيات 21/ 335- 337 رقم 219، وطبقات أعلام الشيعة (الثقات العيون في سادس القرون) 197، 198.
[2] من قصيدة طويلة في: الذيل، والوافي.
[3] انظر عن (كرم بن بختيار) في: الكامل في التاريخ 11/ 503 وفيه «مكرم» ، والمختصر المحتاج إليه 3/ 162 رقم 1112، وذيل طبقات الحنابلة 11/ 350، 351 رقم 169.
[4] كنيته: أبو الخير، وقيل أبو علي.
[5] ولد في حدود سنة 494 هـ.
وقال الناصح ابن الحنبلي: سمعت منه جزءا بقراءة الشيخ طلحة العلثي يوما وهو مضطجع على جنبه والفقيه ابن فضلان- يعني شيخ الشافعية- عنده يزوره، فأخذ بيد الشيخ كرم يقبّلها تبرّكا، وكان زاهدا منقطعا بالرصافة.
وقال القطيعي: كان زاهدا ورعا، سريع الدمعة، كثير العبادة، وفي بعض الأوقات تصدر-

(40/290)


- حرف الميم-
315- محمد بن أحمد بن بلال.
أَبُو سَعِيد المُزَني، الحارثيّ، الدّهّان.
حدّث عَن: جمال الْإِسْلَام أَبِي الْحَسَن.
وعنه: أَبُو المواهب بْن صَصْرَى، وأخوه الْحُسَيْن.
316- مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن حمزة بْن جِياه [1] .
أَبُو الفَرَج الكاتب الحلّي.
من فرسان البلاغة والشعْر. لَهُ النظْم والنثْر.
روى عَنْهُ: عليّ بْن نصر بْن هارون الحِلي، ومحمود بْن مفرَّج، وأبو بَكْر عُبَيْد اللَّه بْن عليّ التّيميّ.
ولم يكن بالعراق مثله فِي الترسُّل والأدب، ولكنّه كان ناقص الحظّ، لَهُ ملْك يتبلّغ منه.
مات في المحرّم [2] .
__________
[ (-) ] منه كلمات على خاطر الحاضر عنده.
وقال الدبيثي: كان أحد الشيوخ الموصوفين بالصلاح، وتوفي يوم الأربعاء سادس ذي الحجة سنة تسع وسبعين وخمسمائة، ودفن بمقبرة الإمام أحمد في دكة بشر الحافي، وكان حنبليا.
[1] انظر عن (محمد بن أحمد بن حمزة) في: معجم الأدباء 6/ 361، والوافي بالوفيات 2/ 112، 113 رقم 445، وبغية الوعاة 1/ 9 و «جيا» بكسر الجيم.
[2] ومن شعره:
حتّام أجري في ميادين الهوى ... لا سابقا أبدا ولا مسبوق
ما هزّني طرب إلى رمل الحمى ... إلّا تعرّض أجرع وعقيق
شوق بأطراف البلاد مفترق ... يحوي شتيت الشمل منه فريق
ومدامع كفلت بعارض مزنة ... لمعت لها بين الضلوع بروق
وكأنّ جفني بالدموع موكّل ... وكأنّ قلبي للجوى مخلوق
إن عادت الأيام لي بطويلع ... أو ضمّنا والظّاعنين طريق-

(40/291)


317- مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد [1] .
أبو عَبْد اللَّه بْن عرّاق [2] الغافقيّ، القُرْطبي، المقرئ.
أخذ القراءات، سوى قراءة الكوفيّين، عَن: أَبِي القاسم بْن النّخّاس، وعَوْن اللَّه بن محمد.
وسمع من: أَبِي مُحَمَّد بْن عَتّاب، وأبي بحر بْن العاص.
وتصدّر للإقراء والتّسميع.
روى عنه: ابن حوط الله، وأبو الخطّاب بن دحية.
وتوفّي في رجب.
ومولده في سنة تسعين وأربعمائة.
318- محمد بن بختيار [3] .
__________
[ (-) ]
لأنبّهنّ على الغرام بزفرتي ... ولتطربنّ لما أبثّ النوق
ومن شعر ابن جياه الكاتب قوله:
أما والعيون النّجل تصمي نبالها ... ولمع الثنايا كالبروق تخالها
ومنعطف الوادي تأرّج نشره ... وقد زار في جنح الظلام خيالها
وقد كان في الهجران ما يريح الهوى ... ولكن شديد في الطباع انتقالها
منها في المديح:
أيا ابن الألى جادوا وقد بخل الحيا ... وقادوا المذاكي والدماء نعالها
ذد الدهر عنّي من رضاك بعزمة ... معقودة أن لا يفكّ رعالها
ومنه قوله:
قل لحادي عشر البروج أبي العاشر ... منها ربّ القران الثاني
يا ابن شكر إن ضلّة الزمان ... صرت فيه تدعى من الأعيان
ليس طبعي ذمّ الزمان ولكن ... أنت أغريتني بذمّ الزمان
[1] انظر عن (محمد بن أحمد بن محمد) في: تكملة الصلة لابن الأبّار 2/ 530، والذيل والتكملة لكتابي الموصول والصلة 6/ 61، ومعرفة القراء الكبار 2/ 547، وغاية النهاية 2/ 86.
[2] تحرّفت في غاية النهاية إلى «عرّاف» بالفاء.
[3] انظر عن (محمد بن بختيار في: خريدة القصر (العراق) 1/ 85، والكامل في التاريخ 11/ 503، وتاريخ ابن الدبيثي 1/ رقم 91، والمختصر المحتاج إليه 1/ 28، والذيل على الروضتين (تحقيق محمد زاهد الكوثري) نشره عزت العطار الحسيني بدار الكتب المصرية-

(40/292)


أبو عبد الله البغداديّ، الأبله، الشّاعر، صاحب الدّيوان المشهور.
كان شابّا ظريفا وشاعرا محِسنًا، يلبس زيّ الْجُنْد. وشِعره فِي غاية الرّقّة وحُسْن المَخْلَص إلى المدح.
وكان أحد الأذكياء، ولذا قيل لَهُ الأبله بالضّدّ.
وقيل: بل كان فيه بله.
توفّي ببغداد فِي جُمادى الآخرة. وقد سار لَهُ هذا البيت:
ما يعرف الشوقَ إلَّا مَن يُكابدُهُ ... وَلَا الصبابةَ إلَّا من يُعانيها
[1] وله:
دارُكَ يا بدْرَ الدُّجَى جنةٌ ... وبغيرها نفسي لَا تلهو
وقد أتى فِي خبرٍ أنّه ... أكثر أهل الجنّة البُلْهُ
[2] وله:
أقول للغيث لمّا سال واديهِ ... تحدّثي عَن جفوني يا غواديهِ
أعَرت مُزْنَك أجفانا بكيت لَهُ ... فمن أعارك ضوء البرْق من فيهِ
أما ورد [خدّه] [3] والشُّهب ناعسةٌ ... واللّيل قد راق أو كادت حواشيه
__________
[ (- 1947-) ] ص 66، وذكر وفاته في سنة 605 هـ.، ومرآة الزمان 8/ 379، 380، ووفيات الأعيان 4/ 463، والعبر 4/ 238، وسير أعلام النبلاء 21/ 132 رقم 66، والإعلام بوفيات الأعلام 238، وتلخيص مجمع الآداب ج 4 ق 1/ 297، والوافي بالوفيات 2/ 244- 246، رقم 647، ومرآة الجنان 3/ 416، 417، والعسجد المسبوك 2/ 189، 190، والنجوم الزاهرة 4/ 266، وبغية الوعاة 1/ 33، وشذرات الذهب 4/ 266.
[1] وفيات الأعيان 4/ 464.
[2] الوافي بالوفيات 2/ 246، وفيات الأعيان 4/ 465.
[3] في الأصل بياض.
(الكامل 11/ 503) .
وقال العماد الكاتب: هو شاب ظريف يتزيّا بزيّ الجند، رقيق أسلوب الشعر حلو الصناعة رائق البراعة، عذب اللفظ، أرقّ من النسيم السّحري، وأحسن من الوشي التّستري، وكل ما ينظمه، ولو أنه يسير، يسير، والمغنون يغنون برائقات أبياته عن أصوات القدماء، فهم يتهافتون على نظمه المطرب تهافت الطير الحوّم على عذب المشرب. ثم قال: أنشدني لنفسه من قصيدة سنة خمس وخمسين وخمسمائة بغداد: -

(40/293)


لقد وهَى عزْمُ صبري يوم ودّعني ... أحوى ضعيف نطاق الخصر واهيه
عصيتُ فِي حبّه من بات يعذِلني ... وما أطعت الهوى دالا لأعصيه
باللَّه يا لائمي فيمن كلفْتُ به ... أقامةُ الغُصن أحلى، أم تثنيهِ؟
قال أَبُو الفَرَج بْن الجوزيّ: ذكِر عَنْهُ أنّه خَلَف ثمانية آلاف دينار، وشاع أنّه كان يُعامل بالرّبا.
ثمّ ورَّخ وفاته كما مرَّ.
روى عَنْهُ: أَبُو الْحَسَن القَطِيعي، وعليّ بْن نصر الأديب [1] .
319- مُحَمَّد بن جَعْفَر بْن عَقِيل [2] .
أَبُو العلاء البصريّ، ثمّ البغداديّ، المقرئ.
__________
[ (-) ]
زار من أحيا بزورته ... والدّجى في لون طرّته
قمر يثني معانقة ... بانة في طيّ بردته
بتّ أستجلي المدام على ... غرّة الواشي وغرّته
يا لها من زورة قصرت ... فأماتت طول جفوته
آه من خصر له وعلى ... رشفة من برد ريقته
يا له في الحسن من صنم ... كلّنا من جاهليّته
وذكر أبو المعالي الكتبي في (ملح الملح) من شعره في رجل كفل يتيما وكان مشهورا بالغلمان:
يا ذا الّذي كفل اليتيم ... وقصده كفل اليتيم
إن كنت تطمع في النعيم ... فقد حصلت على الجحيم
[1] ومن شعره:
أراق دمعي، لا بل أراق دمي ... ظلما بظلم من ريقه الشّبم
ذو قامة كالقضيب ناضرة ... وناظر من سقامه سقمي
حصلت من وعده على أصدق ... الوعد ومن وصله على التّهم
[2] انظر عن (محمد بن جعفر) في: مشيخة النعّال البغدادي 63- 65، وتاريخ ابن الدبيثي (مخطوطة شهيد علي) الورقة 27، 28، والمختصر المحتاج إليه 1/ 30، والعبر 4/ 238، وسير أعلام النبلاء 21/ 91 دون ترجمة، والإعلام بوفيات الأعلام 239، وشذرات الذهب 4/ 267.

(40/294)


قرأ القراءات على: أَبِي الخير المبارك الغسّال [1] ، وسمع: أَبَا القاسم بْن بيان، وأبا الغنائم النرسِي، وأَبَا غالب مُحَمَّد بْن عَبْد الواحد القزّاز.
قال ابْن الدّبيثيّ [2] : وكان حَسَن المحاضرة، كثير المحفوظ من الأشعار والحكايات.
وأجاز لَهُ: أَبُو الْحَسَن العلّاف، وأبو [3] الفتح الحدّاد الأصبهانيّ.
ذكره ابْن السّمعاني فِي «الذّيل» [4] .
قلت: رَوَى عَنْهُ: أمين الدّين سالم بْن صَصْرَى، ومحمد بْن أَحْمَد بْن خيثمة بْن الخرّاط، ومحمد بْن سَعِيد بْن الخازن، وآخرون.
ولم أظفر باسم أحدٍ ممّن قرأ عَلَيْهِ بالرّوايات.
وتُوُفي فِي جمادى الآخرة وَلَهُ ثلاثٌ وتسعون سنة [5] .
320- محمد بن عبد العزيز بن عَليّ بن عيسى [6] .
أَبُو الْحَسَن الغافقيّ، القُرْطُبيّ، المعروف بالشّقوريّ.
سمع من: أَبِي عَبْد اللَّه بْن الأحمر، وأبي بَكْر بْن العربيّ، وأبي جَعْفَر البطروجيّ، وجماعة.
قال الأبّار: وكان حافظا لأخبار الأندلس، مَعْنِيًّا بالرجال، ضابطا، متقنا، لَهُ مشاركة فِي اللّغة والنّحو، مع الزّهد والفضل.
ووُلي قضاء شَقُورة وحُمِدت سيرته، وأخذ النّاس عنه.
__________
[1] الغسّال: بالغين المعجمة والسين المهملة.
[2] في تاريخه.
[3] في الأصل: «وأبا» وهو خطأ.
[4] وقال النعّال: حدّث عنه الحافظ أبو سعد عبد الكريم بن محمد السمعاني، وتوفي قبل مولدي بثلاث سنين. (مشيخة النعال 64) .
[5] مولده في ذي الحجّة سنة 486 هـ.
[6] انظر عن (محمد بن عبد العزيز) في: تكملة الصلة لابن الأبار.

(40/295)


وتُوُفي فِي المحرّم. وكان مولده فِي سنة عشرين وخمسمائة.
321- مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن الْجُنيد بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن الْجُنيد [1] .
أَبُو مُسْلِم الأصبهانيّ.
سمع: أبا الفتح الحدّاد، وأبا سعد المطرّز، والحافظ مُحَمَّد بْن طاهر المقدسي.
وقدِم بغداد حاجّا مع خاله أَبِي الغنائم مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن بْن رزينةٍ، فكتب عَنْهُ المبارك بْن كامل الخفّاف حديثين.
وكان ثقة من بيت حديث وتصوّف.
تُوُفي فِي رجب وَلَهُ 82 سنة.
وقد رَوَى الكثير بأصبهان.
322- مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن حمزة بْن أَبِي جيش.
أَبُو طَالِب الْأَزْدِيّ، الدّمشقيّ.
سمع: هبة اللَّه بْن الأكفانيّ.
روى عَنْهُ: المسلم بْن عَبْد الوهّاب، وأبو القاسم بْن صَصْرَى.
323- مُحَمَّد بْن أَبِي الأزهر علي بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن علي بْن يوسف [2] .
أَبُو طَالِب الواسطيّ، الكتّانيّ، المحتسب، المعدّل.
كان على حسْبة واسط هُوَ وأبوه.
ولد سنة خمس وثمانين وأربعمائة.
__________
[1] انظر عن (محمد بن محمد بن الجنيد) في: الوافي بالوفيات 1/ 157، 158 رقم 78.
[2] انظر عن (محمد بن أبي الأزهر) في: تاريخ ابن الدبيثي (مخطوط شهيد علي) ورقة 84، والمطبوع 15/ 53، والتقييد لابن نقطة 95، والمختصر المحتاج إليه 1/ 94، والعبر 4/ 238، والمعين في طبقات المحدّثين 178 رقم 1891، والإعلام بوفيات الأعلام 239، وسير أعلام النبلاء 21/ 115، 116 رقم 57، وذيل التقييد لقاضي مكة 1/ 176 رقم 317، وشذرات الذهب 4/ 267.

(40/296)


قال ابْن الدّبيثيّ [1] : سمع مُحَمَّد بْن عليّ بْن أَبِي الصَّقْر الشّاعر، وأبا نُعَيْم مُحَمَّد بن إبراهيم الحماديّ، وأبا الْحَسَن كاتب الوقف، وأبا نُعَيْم بْن زَبزَب، وأحمد بْن أَبِي مُحَمَّد العُكْبَري، وأَبَا غالب مُحَمَّد بْن أَحْمَد، والمبارك بْن فاخر، وهبة اللَّه بْن السقَطي.
وانفرد فِي الدّنيا بإجازة أَبِي طاهر أَحْمَد بْن الْحَسَن الباقلّانيّ، وأبي منصور عَبْد المحسن الشّيحيّ، وأبي الْحَسَن بْن أيّوب البزّاز.
ورحل إلى بغداد، فسمع أَبَا الْحَسَن بْن العلّاف، وأَبَا القاسم بْن بيان، ونور الهدى الزَّيْنَبي.
وكان ثقة صحيح السّماع، متخشّعا، يرجع إلى دين وصلاح.
رحل النّاس إليه وكتبوا عَنْهُ.
روى عَنْهُ: أَبُو المواهب بْن صَصْرَى، ويوسف بْن أَحْمَد الشّيرازيّ، وعبد القادر الرُهاوي، وأبو بَكْر بْن مُوسَى الحارميّ، وأبو الفتح المنْدائي، وأبو طَالِب بْن عَبْد السّميع.
وسمعنا منه الكثير ونِعْمَ الشَّيْخ كان.
سمعت منه بقراءتي فِي سنة أربع وسبعين.
قلت: وروى عنه المرجّى بْن شُقيْر كِتَاب «الطّوالات» للتّنوخيّ.
قال ابْن الدبِيثي [2] : وأنشدنا قَالَ: أنشدنا مُحَمَّد بْن عليّ بن زبزب سنة أربع وخمسمائة: أنشدنا أَبُو تمّام عليّ بْن مُحَمَّد بْن حسن قاضي واسط لبعضهم:
لمّا تكهّل مَن هَوَيْت ... وقلت: رَبْعٌ قد دثر
عاينت من طلّابه ... بالباب أفواجا زُمَر
وكذاك أرباب الحديث ... نفاقهم عند الكبر
__________
[1] في تاريخه.
[2] في تاريخه.

(40/297)


تُوُفي رحمه الله فِي ثاني المحرّم بواسط وَلَهُ أربعٌ وتسعون سنة.
324- محمود بْن نصر بْن حمّاد بْن صَدَقة بْن الشّعار [1] .
أَبُو المجد الحرّانيّ، البغداديّ، والد المحدّث إِبْرَاهِيم.
شيخ صالح، سمع الكثير بنفسه من: هبة اللَّه بْن الحُصَيْن، وهبة اللَّه بْن الطبَر، وأبي بَكْر المَزْرَفي، فَمَن بعدهم.
قال ابْن الدّبيثيّ: كان ثقة، صحيح النّقل.
تُوُفي فِي رَمَضَان، وَلَهُ ثمان وسبعون سنة.
قرأتُ عَلَيْهِ ونِعْمَ الشَّيْخ كان.
قلت: وَرَوَى عَن: العلّامة أَبِي الوفاء بْن عَقِيل.
وروى عَنْهُ: القاضي أَبُو منصور سَعِيد بْن مُحَمَّد بْن جحدر الصُوفي.
وقد قرأ بالروايات على هبة اللَّه بْن الطَّبر، وكان ثقة.
325- مُقَاتل بْن عزّون.
الرّقّيّ، المعروف بابن العريف المصريّ.
واسع الرّواية.
قال الحافظ ابْن المفضّل فِي «الوَفَيَات» : قرأتُ عَلَيْهِ «سُنَن أَبِي دَاوُد» ، وأخبرنا ابْن المشرّف، عَن الحبّال، عَن أَبِي مُحَمَّد النّحّاس، عَن ابْن الأعرابيّ مناولة، عَنه.
وقرأتُ عَلَيْهِ ستّة أجزاء من أول كِتَاب «الأسماء والكنَى» للنَّسَائي، وهو عشرون جزءا، عن ابن المشرّف، عن الحبّال، عَن ابْن الخصيب، عَن ابْن النّسائيّ، عَن أَبِيهِ.
وناولني «صحيح مُسْلِم» ، أصل سماعه من يوسف المَيُورقي، اللخْمي، عَن الْحُسَيْن بْن عليّ الطّبريّ، بسنده.
__________
[1] انظر عن (محمود بن نصر) في: مشيخة النّعال 65- 67، والمختصر المحتاج إليه 3/ 185 رقم 1183، وسير أعلام النبلاء 21/ 91 دون ترجمة.

(40/298)


وتوفّي في رمضان. ومولده سنة إحدى وخمسمائة رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى.
326- الموفَّق بْن شوعة [1] .
اليهوديّ، المصريّ، الطّبيب، الملقّب بالقيثارة.
من أعيان الأطبّاء والكحّالين. وكان ظريفا، شاعرا، ماجنا.
خدم السّلطان صلاح الدّين بالطّبّ.
وكان الشَّيْخ نجم الدّين الخَبُوشاني لَهُ صورة بمصر، وفيه صلاح و (دين) [2] ، فإذا رَأَى ذِميًا راكبا قصد قتْله، فكانوا يتحامونه، فرأى الموفّق راكبا فضربه بشيء أصاب عينه، فقلعها وراحت هدْرًا.
وله، أعني الموفّق، قصيدة يهجو فِيهَا ابْن جُمَيع اليهوديّ رأس الأطبّاء بالقاهرة ويرميه بالأبْنَة. ولهم اللعْنة.
- حرف الياء-
327- يوسف بْن إِبْرَاهِيم بْن عثمان [3] .
أَبُو الحَجّاج العَبْدَري، الغَرْناطيّ، المعروف بالثَغْري [4] .
أخذ القراءات عَن: عَبْد الرحيم بْن الفَرَس، وأبي الْحَسَن شُرَيْح بْن مُحَمَّد، وأبي بَكْر يحيى بْن الخلوف، وأبي الْحَسَن بْن الباذش.
وسمع منهم، ومن: أَبِي مروان الباجيّ، وأبي بَكْر بْن العربيّ، وأبي الحسن بن مغيث، وخلق.
__________
[1] انظر عن (الموفق بن شوعة) في: عيون الأنباء لابن أبي أصيبعة 3/ 192، 193 وفيه «شرعة» بالراء في العنوان، و «شوعة» في المتن.
[2] في الأصل بياض.
[3] انظر عن (يوسف بن إبراهيم) في: بغية الملتمس للضبّي 488، 489، رقم 1438، وتكملة الصلة (مخطوط) 3/ ورقة 142، ومعجم شيوخ الصدفي، لابن الأبار 331، وصلة الصلة لابن الزبير 213، 214، ومعرفة القراء الكبار 2/ 551، 552 رقم 501، وغاية النهاية 2/ 392، 393، وطبقات المفسّرين للداوديّ 2/ 378، 379.
[4] عرف بالثّغري لأن أباه أصله من ثغر لاردة. (تكملة الصلة) .

(40/299)


وصحِب أَبَا بَكْر بْن مَسْعُود النَّحْوي مدَّة، وأخذ عَنْهُ العربيّة. وأجاز لَهُ أَبُو عليّ بْن سُكَّرَة، وأبو بَكْر الطّرْطُوشي.
قال الأبّار [1] : وكان فقيها حافظا، محدّثا، راوية، مقرئا، ضابطا، مفسّرا، أديبا. نزل فِي الفتنة قليوشة وأقرأ فِيهَا. وولي الصّلاة والخطْبة.
أكثر عَنْهُ أَبُو عَبْد اللَّه التُّجيْبي وقال: لم أر أفضل منه، وَلَا أزهد، وَلَا أحفظ لحديثٍ وتفسير منه. ولم أر بالبلاد المشرقية أفضل من أَبِي مُحَمَّد العثماني وَلَا أزهد وَلَا أورع.
قال: وروى عَن أَبِي الحَجّاج: أَبُو عُمَر بْن عيّاد، وأبو الْعَبَّاس بْن عُمَيْرَة، وأبو سليمان بن حَوْط اللَّه [2] .
وتُوُفي رَحِمَهُ اللَّهُ فِي شوّال، وَلَهُ 86 سنة.
328- يونس بْن مُحَمَّد بْن مَنْعة بْن مالك بْن مُحَمَّد [3] .
الْإِمَام رضيّ الدّين أَبُو الفضل المَوْصِلي الإربليّ الأصل، الشّافعيّ.
والد الشَّيْخ كمال الدّين مُوسَى وعماد الدّين مُحَمَّد.
وُلِد بإربل، وتفقَّه بالموصل على الْحُسَيْن بْن نصر بْن خميس الْجُهَنيّ، وسمع منه كثيرا من حديثه. ثمّ انحدر إلى بغداد وتفقَّه بها على أَبِي منصور سَعِيد بْن مُحَمَّد الرّزّاز.
__________
[1] في تكملة الصلة.
[2] وقال الضبّي: فقيه، محدّث، راوية عارف، أديب. انتقل إلى مرسية في الفتنة وصار خطيبا بقليوشة من قرى مدينة أوريولة، واقتنع ولم يتعرّض لظهور، وكان قد غصّ به جماعة من الفقهاء بمرسية حين وصلها لمعرفته، فسعى له في الخطبة بجامع قليوشة المذكورة وانتقل إليها. سمعت عليه بعض كتاب «الموطّأ» . (بغية الملتمس) .
[3] انظر عن (يونس بن محمد) في: تاريخ إربل 1/ 74، ووفيات الأعيان 6/ 252، والإعلام بوفيات الأعلام 239، والعبر 4/ 238، ومرآة الجنان 3/ 406 (576 هـ.) و 415، وطبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 1/ 354، 355 رقم 321، وتاريخ الخلفاء 457، والنجوم الزاهرة 6/ 96، وشذرات الذهب 4/ 267.

(40/300)


ثمّ ردَّ إلى الموصل وسكنها، وصادف بها قبولا عند متولّيها زين الدّين عليّ كَوْجَك صاحب إربل.
ودرَّس وأفتى وناظر، وتفقَّه به جماعة.
تُوُفي فِي المحرَّم وَلَهُ ثمانٍ وستّون سنة. ورَّخه ابْن خَلكان [1] .
وَفِيهَا وُلد:
نقيب الأشراف بهاء الدّين عليّ بْن مُحَمَّد بْن أَبِي الجن.
وأبو المجد عَبْد الملك بْن نصر بْن الفويّ بالثغْر. سمع من ابْن المفضّل.
وأبو بَكْر بْن عليّ بْن بكّار.
__________
[1] في وفيات الأعيان.
وحدّث القاضي أبو محمد جعفر بن محمد بن محمود قال: أنشدت شيخنا يونس بْن مُحَمَّد بْن مَنْعة بْن مالك الفقيه- رحمه الله- أبياتا «إلى ماذا يقول» :
ماذا يقول رضيّ الدين في رجل ... قد شفّه قمر يزري على القمر
متيّم قلق صبّ حليف ضنى ... مولّه بفتور اللحظ والحور
وقد خلا بالذي يهوى فهل حرج ... عليه إن فاز بالتقبيل والنظر؟
(تاريخ إربل 1/ 74) .

(40/301)


سنة ثمانين وخمسمائة
- حرف الألف-
329- أَحْمَد بْن عليّ بْن معمّر بْن رضوان [1] .
أَبُو بَكْر بْن جرادة المشاهر البغداديّ.
سمع: إِسْمَاعِيل بْن ملّة، وأَبَا طَالِب بْن يوسف.
سمع منه: عُمَر بْن عليّ.
وتُوُفي فِي جُمادى الآخرة، وهو ابْن خمسٍ وتسعين سنة.
قاله الدّبيثيّ.
330- أَحْمَد بْن المبارك بْن دَرَك [2] .
أَبُو الْعَبَّاس البغداديّ، الضّرير، المقرئ، الدارقَزّي [3] .
شيخ صالح.
سمع: أَبَا القاسم بْن بيان، وأحمد بْن عليّ بْن قريش.
سمع منه: أَحْمَد بْن طارق، وعبد العزيز بْن الأخضر، وغيرهما.
وقال إلياس بْن جامع الإربليّ [4] : قرأت عَلَيْهِ جزءا تحت شجرةٍ فِي داره، فقال لي: قرأتُ تحت هذه الشّجرة عشرة آلاف ختْمة.
تُوُفي فِي جُمادى الآخرة، وَلَهُ ثمان وسبعون سنة.
__________
[1] انظر عن (أحمد بن علي) في: تكملة الصلة لابن الأبار ج 1.
[2] انظر عن (أحمد بن المبارك) في: تاريخ ابن الدبيثي 2/ ورقة 65 ب، والمختصر المحتاج إليه 1/ 214، 215، والعسجد المسبوك 2/ 192، 193.
[3] الدارقزّي: نسبة إلى دار القزّ.
[4] له ذكر في تاريخ إربل 1/ 191.

(40/302)


331- إِبْرَاهِيم بْن حسين بْن يوسف بْن محارب [1] .
أَبُو إِسْحَاق القيْسي البَلَنْسِي، المقرئ.
أخذ القراءات عَن أَبِي عَبْد اللَّه بْن سَعِيد.
سمع من: أَبِي بَكْر بْن برنجال.
وأخِذت عَنْهُ القراءات وكتبها. وكان مشهورا بالتّجويد.
قال الأبّار: أخذ عنه شيوخنا أبو عبد الله بن واجب، وأبو الحجّاج بن أيّوب، وأبو الحسن بن خيرة.
وقرأ عليه في صغره أبو جعفر بن عون الله الحصّار.
توفّي سنة ثمانين أو إحدى وثمانين.
332- إيلغازي بْن ألبي بْن تمرتاش بْن إيلغازي بْن أرتق [2] .
الملك قطب الدّين صاحب ماردين. وليها مدّة طويلة بعد أَبِيهِ.
وكان موصوفا بالشّجاعة والعدل.
تُوُفي فِي جُمادى الآخرة، وخلّف ولدين صغيرين، فأقيم فِي الأمر أحدهما، وهو حسام الدّين، وقام بتدبيره مملوكه نظام الدّين ألْبُقش من تحت جناح خال أَبِيهِ شاه أرمن صاحب خلاط. فلمّا مات ولي الآخر قُطب الدّين، فامتدّت أيّامه إلى أن قتَلَ ألْبقُش واستقلّ بالأمر [3] .
__________
[1] انظر عن (إبراهيم بن حسين) في: تكملة الصلة لابن الأبار ج 1.
[2] انظر عن (إيلغازي) في: الكامل في التاريخ 11/ 475 و 508، وتاريخ مختصر الدول 219، وتاريخ الزمان 202 ووفيات الأعيان 1/ 191 و 2/ 265 و 451، والأعلاق الخطيرة ج 3 ق 1/ 121، 149، وق 2/ 446، 447، 450، 451، 556، والروضتين 2/ 60 (طبعة وادي النيل) ، ومرآة الزمان 8/ 383، وتلخيص مجمع الآداب ج 4 ق 4/ 620، والدرّ المطلوب 78، والمختصر في أخبار البشر 3/ 68، والعبر 4/ 239، وتاريخ ابن الوردي 2/ 94، والوافي بالوفيات 10/ 26، 27 رقم 4469، والسلوك ج 1 ق 1/ 86 (سنة 579 هـ.) ، والنجوم الزاهرة 6/ 97، والعسجد المسبوك 2/ 191، وتاريخ ابن سباط 1/ 168، وشذرات الذهب 4/ 268.
[3] الأعلاق الخطيرة ج 3 ق 2/ 557 وفيه أن قطب الدين بن إيلغازي قتل ألبقش وهو يعوده في مرضه.

(40/303)


- حرف الباء-
333- بدر بْن عَبْد الغنيّ بْن مُحَمَّد [1] .
أَبُو النجْم الطّحّان، الواسطيّ، المقرئ.
قرأ على: عليّ بْن شِيران، وأبي مُحَمَّد سبط الخيّاط.
روى القراءات بواسط.
قال الدّبيثيّ: سمعتُ منه. وتُوُفّي فِي ربيعٍ الأوّل.
- حرف الحاء-
334- الْحَسَن بْن عيسى بْن أصبغ.
أَبُو الوليد الْأَزْدِيّ، القُرْطُبيّ، المعروف بابن المناصف.
روى عَن: عمّ أمّه أَبِي مُحَمَّد بْن عتّاب، سمع منه «المدوّنة» وكتابه الكبير فِي المواعظ الملقّب ب «شفاء الصُّدور» .
وله إجازة عَن: أَبِي عليّ بْن سُكَّرَة.
ولي خطابة إشبيلية.
وحدّث عَنْهُ: أَبُو القاسم بْن الملجوم، وأبو سليمان بن حوط الله، وأبو الخطّاب بن دحية.
وتوفّي في المحرّم.
وولد ظنّا سنة اثنتين وخمسمائة.
335- الحُسَيْن بْن عليّ بْن عَبْد الواحد بْن شبيب [2] .
أبو عبد الله النّصيبيّ، ثمّ البغداديّ، الكاتب.
كان كاتبا منشئا، فصيحا، بليغا، مفوّها، له النّظم والنّثر.
وكان يدخل على المستنجد باللَّه ويجالسه، ويحبّ سماع كلامه. ويأمره
__________
[1] انظر عن (بدر بن عبد الغني) في: تكملة الصلة لابن الأبار ج 1.
[2] انظر عن (الحسين بن علي بن عبد الواحد) في: معجم الأدباء 10/ 126- 130 رقم 10 وفيه قال محقّقه بالحاشية: «لم نعثر له على ترجمة سوى ترجمته في ياقوت» .

(40/304)


بإطالة مقامه. قَالَ لَهُ مرّة مصحّفا: أَابنُ شَبِيب؟ فجاوبه مسرعا: عبدُ مولانا [1] .
تُوُفي فِي ربيع الآخر [2] .
- حرف الزاي-
336- زهير بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن أَبِي سَعِيد [3] .
أَبُو سعد الأصبهانيّ. يعرف بشعرانة [4] .
__________
[1] وقال ياقوت: كان أديبا كاتبا شاعرا له اليد الطولى في حلّ الألغاز العويصة. تفاوض أبو منصور محمد بن سليمان بن قتلمش، وأبو غالب بن الحصين في سرعة خاطر ابن شبيب وتقدّمه في حلّ الألغاز، فعمل ابن قتلمش أبياتا على صورة الألغاز، ولم يلغز فيها بشيء وأرسلاها إلى ابن شبيب يمتحنانه بها وهي:
وما شيء له في الرأس رجل ... وموضع وجهه منه قفاه؟
إذا غمّضت عينك أبصرته ... وإن فتّحت عينك لا تراه
ونظم أيضا:
وجار وهو تيّار ... ضعيف العقل خوّار
بلا لحم ولا ريش ... وهو في الرمز طيّار
بطبع بارد جدّا ... ولكن كلّه نار
فكتب ابن شبيب على الأول: هو طيف الخيال. وكتب على الثاني: هو الزئبق. فجاء أبو غالب وأبو منصور إليه وقالا: هب اللغز الأول طيف الخيال، والبيت الثاني يساعدك على ما قلت، فكيف تعمل بالبيت الأول؟ فقال: لأن المنام يفسّر بالعكس، لأن من بكى يفسّر بكاؤه بالضحك والسرور، ومن مات يفسّر موته بطول العمر. وأما اللغز الثاني: فإن أصحاب صناعة الكيمياء يرمزون للزئبق بالطيّار والفرّار والآبق وما أشبه ذلك، لأنه يناسب صفته، وأمّا برده فظاهر، ولإفراط برده ثقل جسمه وجرمه، وكله نار لسرعة حركته وتشكّله في افتراقه والتئامه، وعلى كل حال ففي ذلك تسامح يجوز في مثل هذه الصور الباطلة إذا طبّقت على الحقيقة.
ومن شعر ابن شبيب في المستنجد:
أنت الإمام الّذي يحكي بسيرته ... من ناب بعد رسول الله أو خلفا
أصبحت لبّ بني العباس كلّهم ... إن عدّدت بحروف الجمّل الخلفا
فإنّ جمّل حروف «لبّ» اثنان وثلاثون، والمستنجد هو الثاني والثلاثون من الخلفاء.
[2] مولده سنة 500 هـ.
[3] انظر عن (زهير بن محمد) في: المختصر المحتاج إليه 2/ 75 رقم 673، وتلخيص مجمع الآداب 4/ 91، وغاية النهاية 1/ 295.
[4] ويلقّب: غياث الدين.

(40/305)


والد مُحَمَّد شعرانة الَّذِي أجاز للقاضي تقي الدّين الحنبليّ.
سمع: سَعِيد بْن أَبِي الرجاء الصيرَفي.
قال الدّبيثيّ: وكان مقرئا مجوّدا، قدِم بغداد، ولقِيتُه بالحِلة وبمدينة النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وسمعتُ منه.
وتُوُفي معنا بوادي العروس فِي تاسع المحرّم.
- حرف السين-
337- السّديد [1] .
أَبُو البيان بْن المدوَّر اليهوديّ، طبيب السّلطان صلاح الدّين.
كان حاذقا بصيرا بالعلاج، خدم الخلفاء الباطنيّة، وخدم بعدهم صلاح الدّين، وطال عمره وانقطع. وكان لَهُ فِي الشّهر أربعة وعشرون دينارا إلى أن مات إلى لعنة اللَّه.
وكان يُقرئ الطبَّ فِي داره بمصر، وعاش ثلاثا وثمانين سنة. وهو من تلامذة زين الحسّاب.
تُوُفي سنة ثمانين.
338- سعد بْن الْحَسَن بْن سلمان [2] .
أَبُو مُحَمَّد الحرّانيّ، ثمّ البغداديّ، ويُعرف بابن التّورانيّ [3] . وتُوران قرية على باب حَران.
كان تاجرا معروفا، وأديبا شاعرا. جالس أَبَا منصور الجواليقيّ، وغيره.
روى عَنْهُ أبو سعدون شعره في «الذّيل» .
__________
[1] انظر عن (السديد) في: عيون الأنباء 2/ 115، والوافي بالوفيات 15/ 127 رقم 180.
[2] انظر عن (سعيد بن الحسن) في: معجم الأدباء 11/ 192، رقم 57، ومعجم البلدان 2/ 57، والمختصر المحتاج إليه 2/ 83 رقم 685، والوافي بالوفيات 15/ 178 رقم 239، وبغية الوعاة 2/ 252.
[3] تحرّفت في معجم الأدباء إلى «النوراتي» .

(40/306)


وتُوُفي فِي ذي القعدة [1] .
- حرف العين-
339- عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن وقّاص.
أَبُو مُحَمَّد اللّمطيّ، المَيُورقي، خطيب مَيُورقَة ومفتيها.
استشهد فِي الحادثة الكائنة بقصر مَيُورقَة فِي هذا العام.
340- عَبْد الرحيم بْن أَبِي البركات إِسْمَاعِيل بْن أَبِي سعد أَحْمَد بْن مُحَمَّد [2] .
صدر الدّين أَبُو القاسم النيْسابوري، ثمّ البغداديّ، الصُّوفي. شَيْخ الشّيوخ.
كان حَسَن النظْم والنّثر، وَلَهُ رأي ودهاء وتقدمٌ وجاه عريض. فكان المشار إليه فِي حُسْن الرأي والتّدبير، مع زُهد وعبادة.
ترسّل إلى الشّام، وكانت الملوك تستضيء برأيه [3] .
سمع: أَبَاهُ، وأَبَا القاسم بْن الحُصَيْن، وزاهر بن طاهر، وأبا عليّ
__________
[1] ومن شعره:
قد قلت للقلب اللجوج ... وقد شكا فرط الغرام
ألبين يوم ذا فكيف ... إذا بليت ببين عام
ومنه:
جاءت تسائل عن ليلي فقلت لها ... وسورة الهمّ تمحو سيرة الجذل
ليلي يكفيك فأغنى عن سؤالك لي ... إن بنت طال وإن واصلت لم يطل
وقال ما يكتب على سكّين:
حدّي وحدّك أمضي ... من القضاء وأجرى
كم قط صدري رأسا ... وشقّ رأسي صدرا
[2] انظر عن (عبد الرحيم بن إسماعيل) في: الكامل في التاريخ 11/ 509، والمختصر المحتاج إليه 3/ 25، 27 رقم 786، والإعلام بوفيات الأعلام 239، وسير أعلام النبلاء 21/ 102 (دون ترجمة) ، والوافي بالوفيات 18/ 121، 122 رقم 133، وفيه «عبد الرحمن» ، والعسجد المسبوك 2/ 192.
[3] في الوافي 18/ 21 «تستغني برأيه» .

(40/307)


الفارقيّ، ومقرّب بْن الْحُسَيْن النّسّاج.
وروى الكثير، وكان صدوقا نبيلا.
سمع منه: أَبُو سعد السّمعانيّ مع تقدُّمه، وأبو الخير القزوينيّ، وأبو منصور حَفَدَة العطّاريّ.
وروى عَنْهُ: أَبُو أحمد بْن سُكَيْنَة، وابنه أَبُو الفُتُوح، وأبو عَبْد الله محمد بن الدّبيثيّ، وسالم بن صَصْرَى، وآخرون.
وكان فِي الرسْليَة من قِبَل أمير المؤمنين، هُوَ والطّواشيّ شهاب الدّين بشير، فمرضا بدمشق، وطلبا العود إلى بغداد. وسارا فِي الحَرّ، فتوفّي بشير بالسخْنة. وأمّا الشَّيْخ صدر الدّين فإنّه لم يستعمل فِي مرضه هذا دواء توكُّلًا على اللَّه تعالى. كذا نقل ابْن الأثير [1] فِي «تاريخه» .
وتُوُفي بالرحْبَة فِي رجب.
وكان معه كَفَنُهُ إلى أَيْنَ سافر، وكان من غزْل أمّه، ومعه دينار لتجهيزه، من أجرة غزْل أمّه [2] .
341- عَبْد الرحيم بْن عُمَر بْن عَبْد الرحيم بْن أَحْمَد [3] .
__________
[1] في الكامل 11/ 509.
[2] ومن شعره:
من عاش في أهله أبدوا سآمته ... وعافه منهم أهل وجيران
يحنو ودادا وتبدو منهم إحن ... وليس يألوهم نصحا وإن خانوا
يهوى لإيثارهم موتا يعاجله ... والمرتجى بعده عفو وغفران
إن بان من بينهم سرّوا بغيبته ... وليس يهناؤه عيش إذا بانوا
ومنه من أبيات:
سافر بهمّك في مقامات الرضى ... واسرح بقلبك في رياض الأنس
شمّر فقد وضح الطريق إلى الهدى ... والحرّ موعده زوال اللّبس
من عاف شهوته وعفّ ضميره ... فهو المعافى من عيوب النفس
[3] انظر عن (عبد الرحيم بن عمر) في: تكملة الصلة لابن الأبار 2/ 600، 601، ومعجم المؤلفين 5/ 210.

(40/308)


أَبُو القاسم الحضْرمي، الفاسيّ، المعروف بابن عكيس.
سمع بقُرْطُبة وإشبيلية من: أَبِي الْحَسَن بْن مُغِيث، وأبي بَكْر بْن العربيّ.
وكان حافظا، مشاورا، فقيها، مبرّزا، لَهُ تواليف.
حدّث عَنْهُ: ابنه عُمَر، وأبو مُحَمَّد بْن مطروح.
تُوُفي فِي شعبان وَلَهُ ثمانون سنة.
342- عَبْد القادر بْن هبة اللَّه الغضائريّ [1] .
سمع: أَبَا القاسم بْن الحُصَيْن، وأَبَا الْحُسَيْن بْن الفرّاء.
كتب عَنْهُ: ابْن مَشقْ، وغيره.
343- عَبْد اللّطيف بْن مُحَمَّد بْن ثابت [2] .
الْخُجَنْدِيُّ. رئيس أصبهان.
عالم، إمام كبير القدْر، بعيد الصّيت.
قدِم بغداد ووعظ، وحجَّ، وعاد إلى بلده.
فتُوُفّي فِي ربيع الأوّل. وقد حدّث [3] .
344- عُبَيْد اللَّه بْن عَلِيّ بْن مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن بن الفرّاء [4] .
__________
[1] انظر عن (عبد القادر بن هبة الله) في: المختصر المحتاج إليه 3/ 80 رقم 899.
[2] انظر عن (عبد اللطيف بن محمد) في: الكامل في التاريخ 11/ 509، 510، وتاريخ ابن الدبيثي (مخطوطة باريس) 2/ ورقة 160 ب، والطبقات الشافعية الكبرى للسبكي 4/ 261، وشذرات الذهب 4/ 327.
[3] قال ابن الأثير: وله شعر فمنه:
بالحمى دار ساقاها مدمعي ... يا سقى الله الحمى من مربع
ليت شعري والأماني ضلّة ... هل إلى وادي الغضى من مرجع؟
أذنت علوة للواشي بنا ... ما على علوة لو لم تسمع
أو تحرّت رشدا فيما وشى ... أو عفت عني فما قلبي معي
[4] انظر عن (عبيد الله بن علي) في: مشيخة النّعال 70- 72، والمختصر المحتاج إليه 2/ 180، 181 رقم 824، وتاريخ ابن الدبيثي (مخطوطة باريس 22 59) ورقة 115، وتلخيص مجمع الآداب ج 5/ رقم 361، وذيل تاريخ بغداد 2/ 92- 94 رقم 338، ولسان الميزان 4/ 109، وذيل طبقات الحنابلة 1/ 351- 353 رقم 171 وفيه «عبد الله» .

(40/309)


أَبُو القاسم بْن أَبِي الفَرَج ابْن أَبِي خازم ابْن القاضي أَبِي يَعْلَى البغداديّ، الحنبليّ.
سمّعه أَبُوهُ الكثير من أَبِي منصور عَبْد الرَّحْمَن القَزَّاز، وأبي منصور بْن خيرون، وأبي عَبْد اللَّه السّلال، وأبي الْحَسَن بْن عَبْد السّلام.
وطلب هُوَ بنفسه، وأكثر عَن أصحاب عاصم بْن الْحَسَن، وطِراد.
وبالغ حتّى سمع من أصحاب ابْن الحُصَيْن. وكتب وحصّل الأصول.
قال ابْن النّجّار [1] : وكانت داره مجمعا لأهل العِلم والشّيوخ، وينفق عليهم ويتكرَّم. وكان لطيفا حَسَن الأخلاق ذا مروءة. قرأ الفقه وشهد على القضاة، ثمّ عُزِل لمّا ظهرت منه أشياء لَا تليق بأهل الدّين قبل موته بقليل.
سمع منه: ابْن الأخضر، وكان يصفه بالسّخاء والعطاء.
وقال لي ابْن القطيعيّ: كان عَدْلًا فِي روايته ضعيفا فِي شهادته.
مات سنة ثمانين فِي آخرها. مرض بالفالج أسبوعا. ومولده سنة سبْعٍ وعشرين.
قلت: رَوَى عَنْهُ الشَّيْخ الموفّق وقال: كان آخر مَن بقي مِن ذرّيّة القاضي أَبِي يَعْلَى ممّن لَهُ حشمة وجاه ومنصب.
وكان لَهُ دار واسعة، وعنده أكثر كتب أَبِي يَعْلَى. ثمّ افتقر فباع أكثرها.
345- عتيق بْن أَحْمَد بْن سلمون.
أَبُو بَكْر البَلَنْسِي، النحْوي.
أخذ القراءات عَن: ابْن هُذَيل، والنّحو عَن: أَبِي مُحَمَّد بْن عَبْدُون.
استشهد فِي كائنة غربالة.
346- عثمان بْن محمد بن عيسى [2] .
__________
[1] في ذيل تاريخ بغداد 2/ 93.
[2] انظر عن (عثمان بن محمد) في: صلة الصلة لابن الزبير 76، وتكملة الصلة لابن الأبّار، رقم 1836، وبغية الملتمس للضبّي 409، 410، رقم 1177، والذيل والتكملة لكتابي-

(40/310)


أَبُو عَمرو اللخْمي، المُرْسِي، البشجيّ [1] ، نسبة إلى بعض الثّغور.
أخذ عَن: أَبِي الْحَسَن بْن هُذيْل، وأبي عَبْد اللَّه بْن سعادة.
وكان فقيها ماهرا، مدرّسا، مناظِرًا.
تفقّه به أَبُو سُلَيْمَان بْن حوْط اللَّه.
وروى عَنْهُ: هُوَ، وأبو عيسى بْن أَبِي السّداد [2] .
347- عليّ بْن مُحَمَّد بْن عَبْد الوارث [3] .
أَبُو الْحَسَن الغَرْناطي.
روى عَن: أَبِي الْحُسَيْن بْن ثابت، وابن العربيّ، وشُرَيْح بْن مُحَمَّد، وأبي جَعْفَر البطْروجي.
قال ابْن الزُبَيْر [4] : صاحب رواية ودراية وخير وتواضع.
تُوُفي سنة ثمانين أو نحوها.
348- علي بن محمد بن عبد الملك [5] .
- الموصول والصلة 5 ق 1/ 138، 139 رقم 282.
__________
[1] في الذيل والتكملة: «البججي» ، والمثبت يتفق مع: الصلة، والتكملة. وفي بغية الملتمس 410 «البشيجي» .
[2] وكان فقيها حافظا مدرّسا للفقه، أديبا ماهرا، ذا مشاركة في علم الحديث، وحظ صالح من قرض الشعر. دخل يوما مجلس أبي العباس ابن الحلال القاضي فسأل بعض الحاضرين عنه فقيل له هو ابن أخت أبي عبد الله القسطلي، فأنشد السائل متمثّلا:
فإنّ ابن أخت القوم مصغى إناؤه ... إذا لم يزاحم خاله باب جلد
فأجابه أبو عمرو بديهة:
أنا ابن الأكرمين من آل لخم ... وأخوالي أولو عالي السناء
وليس إناي بين القوم مصغى ... لأني من بني ماء السماء
وكان له سلف في العلم. (الذيل والتكملة) .
[3] انظر عن (علي بن محمد بن عبد الوارث) في: صلة الصلة لابن الزبير 107، والذيل والتكملة لكتابي الموصول والصلة 5 ق 1/ 313 رقم 618.
[4] في صلة الصلة.
[5] انظر عن (علي بن محمد بن عبد الملك) في: صلة الصلة لابن الزبير 106، وتكملة الصلة لابن الأبّار، رقم 1872، والذيل والتكملة لكتابي الموصول والصلة ج 5-

(40/311)


أَبُو الحَكَم اللخْمي الإشبيليّ.
نزل به أَبُوهُ قُرْطبة.
سمع: أباه، وأبا عَبْد الملك بْن مكّيّ، وأبا الْحُسَيْن بْن مغيث.
ووُلي خطّة الكتابة بمَرّاكُش.
وكان كاتبا بليغا مفوَّهًا، من بيت رئاسة.
حدّث فِي هذا العام واختفى خَبَرهُ [1] .
- حرف الميم-
349- مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن أَبِي عَليّ.
أَبُو بَكْر الأصبهانيّ، ثمّ البغداديّ السّيّديّ، منسوب إلى خدمة الأمير السّيّد أَبِي الْحَسَن العَلوي.
شيخ صالح. سمع فِي الكهولة من: ابْن البطّيّ، وأبي زُرْعة، ومُعَمّر بْن الفاخر.
وسمّع: ابنه عَبْد الكريم، وحفيده أَبَا جَعْفَر محمدا.
وكان ثقة.
روى عَنْهُ: إلياس بْن جامع الإربليّ فِي مصنّفاته.
وتُوُفي فِي شعبان، وَلَهُ سبعون سنة.
350- مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن أَبِي عليّ مُحَمَّد بْن سَعِيد بْن نبهان.
أَبُو الفَرَج البغداديّ، الكراخيّ.
سمع من: جدّه، وابن بيان الرّزّاز.
__________
[ (-) ] ق 1/ 312 رقم 615.
[1] وقال المراكشي: وكان من بيت علم وجلالة، نبيه القدر، أحد الكتبة المجيدين، الفائقين لفظا وخطا، متين المعارف الأدبية، سريّ الهمّة، كريم الأخلاق، وكتب عن أبي يعقوب بن عبد المؤمن زمانا، ثم إن أبا يعقوب خيّم بظاهر إشبيلية في غزواته ونهى أهل محلّته كلهم عن الدخول إلى إشبيلية فدخل إليها أبو الحكم هذا فهجره أبو يعقوب ثم أقصاه ولم يعده بعد إلى الكتابة.

(40/312)


روى عَنْهُ: تميم البَنْدَنِيجي، والْحُسَيْن بْن مُحَمَّد بْن عَبْد القاهر، وأبو بَكْر عَبْد اللَّه بْن أَحْمَد المقرئ، وسالم بْن صَصْرَى، ومحمد بْن إِسْمَاعِيل الطّبّال، وجماعة. وكان شاعرا يمدح الرؤساء، وَلَهُ:
تركتُ القريضَ لمن قالَهُ ... وجُودَ فلان وأفضالَهُ
وتبت من الشّعر لمّا رَأَيْت ... كساد كساد القريض وإهمالَهُ
وعدتُ إلى منزلي واثقا ... بربٌ يرى الخلْق سوالَهُ
تُوُفي فِي رَمَضَان وَلَهُ أربعٌ وتسعون سنة.
351- مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن طاهر [1] .
أَبُو بَكْر الْأَنْصَارِيّ، الإشبيليّ، النّحويّ. ويُعرف بالخِدَب [2] .
أخذ العربيّة عَن: أَبِي القاسم بْن الرّمّال، وأبي الْحَسَن بْن مُسْلِم.
وسادَ أهل زمانه فِي العربيّة، ودرّس فِي بلادٍ مختلفة. وكان قائما على «كِتَاب سيبوَيْه» ، وَلَهُ عليه تعليق سمّاه «الطُّرر» ، لم يُسبق إلى مثله.
وكان يتعانى التّجارة، فدخل مدينة فاس وأقرأ أهلها مدَّة.
أخذ عَنْهُ: أَبُو ذَرّ الخُشَنيّ، وأبو الْحَسَن بْن خَرُوف.
وحجّ، وأقرأ بمصر، وحلب، والبصْرة، ثم رجع. واختلط عقله فأقام ببجاية وربّما ثاب إليه عقل فيتكلّم فِي مسائل أحسن ما يكون. ذكره الأبّار [3] .
__________
[1] انظر عن (محمد بن أحمد) في: تكملة الصلة لابن الأبّار، 803، والوافي بالوفيات 2/ 113، 114 رقم 448، وبغية الوعاة 1/ 12، وتاريخ الخلفاء 457، والمقفى الكبير 5/ 182، 183 رقم 1733، ولسان الميزان 5/ 48 رقم 184، وكشف الظنون 213، ومعجم المؤلفين 8/ 271.
[2] الخدبّ: ضبطه الصفدي فقال: بكسر الخاء المعجمة والدال المهملة المفتوحة والباء الموحّدة المشدّدة. وهو الرجل الطويل.
[3] في التكملة. وقال: وأقسم أنه يقرئ كتاب سيبويه بالبصرة حيث وضعه سيبويه، فأقرأه بها.
وأنشد له أبو محمد المنذري من قصيدة طويلة يمدح بها السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب: -

(40/313)


352- مُحَمَّد بْن حمزة بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن سلامة بْن أَبِي جميل [1] .
القُرَشي أَبُو عَبْد اللَّه بْن أَبِي يَعْلَى الشُّرُوطي المعدّل الدّمشقيّ، المعروف بابن أَبِي الصّقر. أحد محدّثي دمشق الثّقات.
وُلِد فِي رجب سنة تسع وتسعين وأربعمائة.
وسمع من: هبة اللَّه بْن الأكفانيّ، وعليّ بْن أَحْمَد بْن قبيس، وجمال الْإِسْلَام أَبِي الْحَسَن السلَمي، وطائفة.
ورحل سنة تسعٍ وعشرين، فسمع: هبة اللَّه بْن الطَّبَر، وأبا بَكْر الْأَنْصَارِيّ، وجماعة.
ولم يزل مشتغلا بالطلَب والإفادة.
وسمّع ولده مُكْرَمًا من حمزة بْن الحُبُوبي، وطبقته. وكان شُرُوطي البلد.
روى عَنْهُ: البهاء عَبْد الرَّحْمَن، وعبد القادر الرّهاويّ، وأبو الْحَسَن القطِيعي، والضّياء مُحَمَّد، وآخرون.
وقرأت وفاته بخطّ الحافظ الضّياء فِي يوم السَّبْت السّابع والعشرين من صفر سنة ثمانين.
__________
[ (-) ]
مغاني سلمى بالشريف ألا اسلمي ... سقتك الغوادي كلّ أوطف أسحم
فكم وقفة لي في جنابك أعربت ... عن الشوق حتى قيل عليّ المتيّم
وصهباء شملال كأنّ مسيرها ... إلى الريح ينمى للجديد، وشدتم
وأنه قال: كنت في صباي أربط شعري بالحائط حتى لا أنام عن الاشتغال، وسكنت في الفندق إيثارا لطلب العلم، أربع عشرة سنة.
وأنه قدم إلى مصر ومعه أربعة آلاف دينار أخذها منه أخوه فاختلّ عقله، وعاد إلى بجاية، فصار بالليل يسرد وقت اختلاله أبيات سيبويه.
[1] انظر عن (محمد بن حمزة) في: الإعلام بوفيات الأعلام 239، والمعين في طبقات المحدّثين 178 رقم 1892. وسير أعلام النبلاء 21/ 109 رقم 52، والعبر 4/ 239، وشذرات الذهب 4/ 268.

(40/314)


قلت: رَوَى عَنْهُ أَبُو المواهب بْن صَصْرَى.
353- مُحَمَّد بْن خَالِد بْن بختيار [1] .
أَبُو بَكْر الأزَجي ابْن الرّزّاز، الضّرير، المقرئ.
قال الدّبيثيّ: شَيْخ فاضل، عارف بالقراءات والأدب.
قرأ على: أَبِي عَبْد اللَّه البارع، وسِبْط الخيّاط، ودعوان بْن عليّ.
وسمع منهم. وأقرأ النّاس مدّة، وتخرّج به جماعة فِي النّحو. وكان ثقة عارفا بوجوه القراءات. أمّ مدّة بمسجد دعوان بباب الأزَج.
وتُوُفي فِي المحرّم رَحِمَهُ اللَّهُ.
354- مُحَمَّد بْن سَعِيد بْن عُبَيْد اللَّه [2] .
أَبُو المظفّر المؤدّب. شيخ بغداديّ، مليح الخطّ.
علّم خلْقًا.
قال الدّبيثيّ: هُوَ مؤدّبنا. وكان شيخنا ابْن ناصر يقول: هُوَ علّمني الخطّ.
حدّث عَن: أَبِي بَكْر مُحَمَّد بْن عَبْد الباقي الْأَنْصَارِيّ، وأبي منصور بْن الجواليقيّ، وجماعة.
وتُوُفي فِي ربيع الآخر.
355- مُحَمَّد بْن عَبْد الكريم بن الفضل [3] .
__________
[1] انظر عن (محمد بن خالد) في: تاريخ ابن الدبيثي 1/ 263، وإنباه الرواة 3/ 123، والمختصر المحتاج إليه 1/ 46، ومعرفة القراء الكبار 2/ 552 رقم 502، وتلخيص ابن مكتوم (مخطوط) ورقة 208، وغاية النهاية 2/ 136.
[2] انظر عن (محمد بن سعيد) في: المختصر المحتاج إليه ج 1.
[3] انظر عن (محمد بن عبد الكريم) في: عيون الأنباء 2/ 190، وتاريخ إربل 1/ 82، والتدوين في أخبار قزوين 1/ 328- 422، وذيل تاريخ مدينة السلام بغداد لابن الدبيثي 2/ 64 رقم 272، وسير أعلام النبلاء 21/ 97 رقم 44، وطبقات الشافعية الكبرى للسبكي 6/ 131- 133، وطبقات الشافعية للإسنويّ 1/ 570، والوافي بالوفيات 3/ 280، 281 رقم 1322، وتاريخ الخلفاء 457، وطبقات الشافعية لابن هداية الله 80.

(40/315)


أَبُو الفضل القَزْوِيني، الرافعيّ، الفقيه الشّافعيّ، والد صاحب «الشّرح» تفقّه ببلده على مَلْكَدَاذ بْن عليّ العمركيّ، وأبي عليّ بْن شافعيّ، وأبي سُلَيْمَان الزُبَيْري. وسمع منهم.
ثمّ قدِم بغداد، وتفقّه على أَبِي منصور بْن الرّزاز بالنّظاميّة، وسمع منه.
ومن: سعد الخير، ومحمد بْن طِراد الزَّيْنَبي، وغيرهم.
ثمّ رحل إلى مُحَمَّد بْن يحيى فقيه نَيْسابور فتفقّه عنده، وبرع في المذهب.
وسمع من: عَبْد الله بْن الفُرَاوي، وعبد الخالق بْن الشّحّاميّ.
ثمّ عاد إلى وطنه، ودرّس الفقه وَرَوَى الحديث [1] .
أخذ عَنْهُ: ابنه الْإِمَام أَبُو الفضائل، وغيره.
وتُوُفي في رمضان وهو فِي عَشْر السّبعين [2] .
356- مُحَمَّد بْن أَبِي بَكْر مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن [3] .
أَبُو عَبْد الرَّحْمَن المَرْوَزي، الكُشْميهني، الصّوفيّ.
قدِم دمشق سنة ثمانٍ وخمسين، وحدّث بها عَن: مُحَمَّد بْن عليّ الكراعيّ.
روى عَنْهُ: أبو القاسم بن صصريّ، وغير واحد.
__________
[1] طوّل ابنه ترجمته في (التدوين) وقال فيها إنه سافر إلى الري سنة 535، وإلى بغداد 536، وحجّ سنة 538، وعقد المجلس في التاجية سنة 542 هـ. ودخل نيسابور في تلك السنة، وسمع بطوس، وآمل، وعاد إلى قزوين سنة 549 هـ. وذكر أسماء شيوخه، ثم تلاميذه، ومصنّفاته: «التحصيل في تفسير التنزيل» ، وهو كتاب كبير يشتمل على ثلاثين مجلّدة، و «الحديث الحاوي الأصول من أخبار الرسول» صلّى الله عليه وسلم، و «تحفة الغزاة ونزهة الهداة» ، و «فضائل الشهور الثلاثة» ، وغيره.
[2] لم يحدّد ابنه تاريخ ولادته فقال: كانت ولادته رحمه الله سنة ثلاث عشرة أو أربع عشرة وخمسمائة. (التدوين 1/ 329) .
[3] انظر عن (محمد بن أبي بكر محمد) في: المختصر المحتاج إليه 1/ 120، 121، والعسجد المسبوك 2/ 190 (في وفيات سنة 579 هـ.) ، والوافي بالوفيات 1/ 165، 166 رقم 96.

(40/316)


ومات سنة 580.
357- المبارك بْن مُحَمَّد بْن يحيى [1] .
أَبُو بَكْر ابْن الواعظ الزّبيديّ.
قدِم مع أبيه بغداد وسكنها، وتكلّم فِي الوعظ.
وسمّع ابنيه الْحَسَن والحسين من أَبِي الوقت.
وحدّث عَن: أَبِي غالب بْن البنّاء، وغيره.
أخذ عَنْهُ: مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن صالح الجيليّ، وابن الدّبيثيّ، وغيرهما.
وتُوُفي فِي جُمادى الآخرة، وَلَهُ 86 سنة.
358- محمود بْن أَبِي القاسم بْن عُمَر بْن حَمَكَا [2] .
أَبُو الوفاء سِبْط مُحَمَّد بْن أَحْمَد البغداديّ، الأصبهانيّ.
شيخ معمّر، مُسْنِد، ثقة. حمل النّاس عَنْهُ، وطال عمره. وتفرّد فِي عصره.
وكانت لَهُ إجازة من النّقيب طِراد الزَّيْنَبي، وابن طلْحة النّعاليّ.
وسمع: أَبَا الفتح أَحْمَد بْن عَبْد اللَّه السوذرْجاني.
وحدّث ببغداد في سنة ستّ وخمسين وخمسمائة.
وتُوُفي سنة ثمانين هذه فِي ربيع الآخر وَلَهُ إحدى وتسعون سنة.
روى عَنْهُ: مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن واقا، وأبو الفُتُوح بْن الحُصْري، والحافظ عَبْد الغنيّ.
وهو ابْن أخت الحافظ أَبِي سعد البغداديّ.
- حرف الهاء-
359- هبة اللَّه بْن أَبِي نصر مُحَمَّد بْن هِبَة اللَّه بْن مُحَمَّد بْن الْبُخَارِيّ [3] .
__________
[1] انظر عن (المبارك بن محمد) في: المختصر المحتاج إليه 3/ 175 رقم 1149.
[2] انظر عن (محمود بن أبي القاسم) في: المعين في طبقات المحدّثين 178 رقم 1893.
والمختصر المحتاج إليه 3/ 186، وسير أعلام النبلاء 21/ 89، 90 رقم 36.
[3] انظر عن (هبة الله بن أبي نصر) في: المختصر المحتاج إليه 3/ 227 رقم 1295، وطبقات-

(40/317)


أبو المظفّر، ابْن عمّ قاضي القُضاة أَبِي طَالِب.
تفقّه على مذهب الشّافعيّ، وبرع فِي علم الكلام. وولّاه أمير المؤمنين النّاصر نيابة الوزارة إلى أن مات فِي المحرّم. بقي فِيهَا بعض سنة.
- حرف الواو-
360- وشاح بْن جواد بْن أَحْمَد [1] .
أَبُو طاهر البغداديّ، الضّرير.
سمع: أَبَا طَالِب عَبْد القادر بْن يوسف.
أخذ عَنْهُ: أَبُو مُحَمَّد بْن الأخضر، وغيره.
تُوُفي فِي شعبان.
- حرف الياء-
361- يوسف بْن عَبْد المؤمن بْن علي [2] .
السلطان أَبُو يعقوب صاحب المغرب.
لمّا مات عَبْد المؤمن فِي سنة ثمانٍ وخمسين كان قد جعل الأمرَ بعده
__________
[ (-) ] الشافعية الكبرى للسبكي 4/ 381.
[1] انظر عن (وشاح بن جواد) في: المختصر المحتاج إليه 3/ 219 رقم 1376، ونكت الهميان للصفدي 306.
[2] انظر عن (يوسف بن عبد المؤمن) في: الكامل في التاريخ 11/ 505، والحلية السيراء لابن الأبّار 2/ 240، 241، 259، 260، والمعجب في تلخيص أخبار المغرب 236- 260، والروض المعطار 103، 127، 163، 303، 319، 346، 479، 568، والمختصر في أخبار البشر 3/ 67، والإحاطة 4/ 354، 356، وشرح رقم الحلل 190، 199، 200، والدرّ المطلوب 74 (سنة 578 هـ.) ، ومرآة الزمان 8/ 374، 375 (سنة 578 هـ.) ، والعبر 4/ 239- 241، ودول الإسلام 2/ 91، والإعلام بوفيات الأعلام 239، وسير أعلام النبلاء 21/ 98- 103 رقم 46، ووفيات الأعيان 7/ 130- 138 رقم 845، ومرآة الجنان 3/ 417، 418، وتاريخ ابن الوردي 2/ 93، والعسجد المسبوك 2/ 193، وصبح الأعشى 5/ 192، والبداية والنهاية 12/ 315، ومآثر الإنافة 2/ 72، والسلوك ج 1/ 86، (سنة 579 هـ.) ، والنجوم الزاهرة 6/ 93، ومضمار الحقائق 33، 201، وتاريخ ابن سباط 1/ 167، وشذرات الذهب 4/ 264.

(40/318)


لابنه الأكبر محمد، وكان لا يصلح للملك لإدمانه الخمور وكثرة طيشه.
وقيل: كان به أَيْضًا جُذام. فاضطرب أمره، وخلعه الموحّدون بعد شهرٍ ونصف. ودار الأمر بين أخويه يوسف وعمر، فامتنع عُمَر وبايع أخاه مختارا، وسلّم إليه الأمر، فبايعه النّاس، واتّفقت عَلَيْهِ الكلمة بسعي أخيه عُمَر، وأمّهما هِيَ زينب بِنْت مُوسَى الضّرير.
وكان أَبُو يعقوب أبيض بحُمرة، أسود الشعْر، مستدير الوجه، أفْوَه، أعْين، إلى الطّول ما هُوَ، حُلْو الكلام، فِي صوته جهارة، وفي عبارته فصاحة. حُلْو المفاكهة، لَهُ معرفة تامّة باللّغة والأخبار. قد صَرَفَ عنايته إلى ذلك لمّا ولي لأبيه إشبيلية، وأخذ عَن علمائها، وبرع فِي أشياء من القرآن والحديث والأدب.
قال عَبْد الواحد بْن عليّ التّميميّ فِي كِتَاب «المُعْجِب» : صحّ عندي أنّه كان يحفظ أحد الصّحيحين، غالب ظنّي أنه الْبُخَارِيّ. وكان سديد الملوكيّة، بعيد الهمّة، سخيّا، جوادا، استغنى النّاس فِي أيّامه، وتموّلوا.
قال: ثمّ إنّه نظر فِي الفلسفة والطّبّ، وحفظ أكثر الكتاب الملكيّ.
وأمر بجمع كُتُب الفلاسفة، فأكثر منها وتطلّبها من الأقطار. وكان ممّن صحبه أَبُو بَكْر مُحَمَّد بْن طُفَيْل الفيلسوف، وكان بارعا فِي علم الأوائل، أديبا، شاعرا، بليغا، فكان أَبُو يعقوب شديد الحبّ لَهُ. بلغني أنّه كان يقيم عنده فِي القصر أياما ليلا ونهارا، وكان هُوَ الَّذِي نبّه على قدر الحكيم أَبِي الوليد مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن رُشْد المتفلسف.
وسمعت أَبَا بَكْر بْن يحيى القُرطُبي الفقيه يقول: سمعت الحكيم أَبَا الوليد يقول: لمّا دخلت على أمير المؤمنين أَبِي يعقوب وجدته هُوَ وأبو بَكْر بْن طُفَيْل فقط، فأخذ أَبُو بَكْر يُثْني عليّ ويُطْريني، فكان أوّل ما فاتحني به أمير المؤمنين أن قَالَ لي: ما رأيهم، يعني الفلاسفة، فِي السّماء، أقديمة أمْ حادثة؟ فأدركني الخوف فتعلّلت وأنكرت اشتغالي بعلم الفلسفة، ففهم منّي

(40/319)


الرَّوْع، فالتفت إلى ابْن طُفَيْل وجعل يتكلّم على المسألة، ويذكر قول أرسطو فِيهَا، ويُورد احتجاجَ أهل الْإِسْلَام على الفلاسفة، فرأيت منه غزارةَ حِفْظٍ لم أظنّها فِي أحدٍ من المشتغلين. ولم يزل يبسطني حتّى تكلّمت، فعرف ما عندي من ذلك. فلمّا قمت أمر لي بخِلْعةٍ ودابةٍ ومال.
وقد وَزَرَ لأبي يعقوب أخوه عُمَر أيّاما، ثمّ رفع قدره عَنْهَا، وولّى أَبَا العلاء إدريس بْن جامع إلى أن قبض عَلَيْهِ سنة سبْعٍ وسبعين، وأخذ أمواله، واستوزر وليّ عهده ولده يعقوب.
وكتبَ لَهُ أَبُو مُحَمَّد عيّاش بْن عَبْد الملك بْن عيّاش كاتب أَبِيهِ، وأبو القاسم العالميّ، وأبو الفضل جَعْفَر بْن أَحْمَد بْن محشوه البجّائيّ. وكان على ديوان جيشه أَبُو عَبْد الرَّحْمَن الطّوسيّ. وكان حاجبه مولاه كافور الخَصِي.
وكان لَهُ من الولد ستّة عشر ذَكَرًا مِنهم صديقي يحيى.
قال: ومنه تلقّيت أكثر أخبارهم. ولم أر فِي الملوك وَلَا فِي السُّوقة مثله.
قال: وقُضاته: أَبُو مُحَمَّد المالقيّ، ثمّ عيسى بْن عمران التّاريّ، وتارا من أعمال فاس. ثمّ الحَجاج بْن إِبْرَاهِيم التّجيبيّ الأغماتيّ الزّاهد، فاستعفى، فولي بعده أَبُو جَعْفَر أَحْمَد بْن مضاء القرطبيّ.
وفي سنة اثنتين وستّين وخمسمائة نزعت قبيلة غمارة الطّاعة، وكان رأسهم سبُع بن حيّان ومزدرع فدعوا إلى الفتنة. واجتمع لهم خلْق.
وبلاد غمارة طولا وعرضا مسيرة اثنتي عشرة مرحلة، فخرج أَبُو يعقوب بجيوشه، فأسلمت الرجلين جموعهما فأُسِرا، وشرّدهما إلى قُرطُبة.
ودخل الأندلس، والتفت على ما بيد مُحَمَّد بْن سعد بْن مردنيش، فنزل إشبيلية، وجهّز العساكر إلى مُحَمَّد، وأمّر عليهم أخاه أمير غَرْناطة عثمان.
فخرج مُحَمَّد فِي جموع أكثرها من الفرنج. وكانوا أجناده، قد اتّخذهم أنصاره لمّا أحسّ باختلاف قوّاده عَلَيْهِ، فقتل أكثرهم، وأمّر الفرنج وأقطعهم. وأخرج

(40/320)


الكثير من أهل مُرْسِية وأسكن الفِرنج دُورَهم. فالتقى هُوَ والموحّدون على فرسخ من مُرْسِية، فانكسر وانهزم جيشه، وقتِل منهم جملة. ودخل مُرْسِية مستعدّا للحصار، فضايقه الموحدون، وما زالوا محاصرين لَهُ إلى أن مات، فسُتِرت وفاتُه إلى أن ورد أخوه يوسف بْن سعد من بَلَنْسِيَة، فاتّفق رأيه ورأي القُواد على أن يسلّموا إلى أَبِي يعقوب البلادَ. ففعلوا ذلك.
وقد قيل إنّ مُحَمَّد بْن سعد لمّا احتضر أشار على بنيه بتسليم البلاد.
وسار أَبُو يعقوب من إشبيلية قاصدا بلاد الأدفنش [1] لعنه اللَّه تعالى.
فنازل مدينة وبزي، وهي مدينة عظيمة، فحاصرها أشهرا إلى أن اشتدّ الأمر وأرادوا تسليمها.
قال: فأخبرني جماعة أن أهل هذه المدينة لمّا برّح بهم العطش أرسلوا إلى أَبِي يعقوب يطلبون الأمان، فأبى، وأطمعه ما نُقِل إليه من شدّة عَطَشَهم وكثْرة من يموت منهم فلمّا يئسوا [2] من عنده سُمِع لهم فِي اللّيل لغَطٌ وضجيج، وذلك أنّهم اجتمعوا يدعون اللَّه ويستسقون، فجاء مطرٌ عظيم كأفواه القرَب ملأ صهاريجهم وتقوّوا، فرحل عَنْهُمْ أَبُو يعقوب بعد أن هادَنَ الأدفنش [3] سَبْع سِنين.
وأقام بإشبيليّة سنتين ونصف، ورجع إلى مَراكُش فِي آخر سنة تسعٍ وستّين وقد ملك الجزيرة بأسرها.
وفي سنة إحدى وسبعين خرج إلى السُّوس لتسكين خلافٍ وقع بين القبائل فسكّنهم.
وفي سنة خمس وسبعين خرج إلى بلاد إفريقية حتّى أتى مدينة قَفْصة.
وقد قام بها ابْن الرّند، وتلقّب بالنّاصر لدين النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فحاصره وأسره،
__________
[1] في الأصل: «الادنش» .
[2] في الأصل: «يأسوا» .
[3] في الأصل: «الفنش» .

(40/321)


وصالح ملك صَقَلْية وهادنه على أن يحمل إليه كلّ سنة مالا، فأرسل إليه فيما بلغني ذخائر معدومة النّظير، منها حجر ياقوت على قدر استدارة حافر الفَرَس، فكلّلوا به المصحف، مع أحجار نفيسة. وهذا المصحف من مصاحف عثمان رضي اللَّه عنه، من خزائن بني أميّة، يحمله الموحّدون بين أيديهم أنّى توجّهوا على ناقةٍ عليها من الحُلِي والدّيباج ما يعدل أموالا طائلة.
وتحته وطاء من الدّيباج الأخضر، وعن يمينه وشماله لواءان أخضران مذهّبان لطيفان. وخلف النّاقة بغْلٌ مُحَلَّى عَلَيْهِ مصحف آخر. قيل إنّه بخط ابْن تُومَرْت. هذا كلّه بين يدي أمير المؤمنين.
قال: وبلغني من سخاء أَبِي يعقوب أنّه أعطى هلال بْن مُحَمَّد بْن سعد المذكور أَبُوهُ فِي يوم اثني عشر ألف دينار وقرّبه، وبالغ فِي رفْع منزلته.
وقال الحافظ أَبُو بَكْر بْن الجدّ: كُنَّا عند أمير المؤمنين أَبِي يعقوب، فسألنا عَن سِحْر النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كم بقي مسحورا؟ فبقي كلّ إنسانٍ منّا يتزمزم، فقال: بقي به شهرا كاملا. صحّ ذلك.
وكان أمير المؤمنين إماما يتكلّم فِي مذاهب الفقهاء فيقول: قول فلانٍ صواب، ودليله من الكتاب والسّنّة كذا كذا، فنتابعه على ذلك.
قال عَبْد الواحد: ولمّا تجهّز لحرب الروم أمر العلماء أن يجمعوا أحاديث فِي الجهاد تُمْلى على الموحّدين ليدرسوا. ثمّ كان هُوَ يُملي بنفسه عليهم، فكان كلّ كبيرٍ من الموحّدين يجيء بلوح ويكتب.
وكان يُسهل عَلَيْهِ بذل الأموال سعة ما يتحصّل من الخراج. كان يرتفع إليه من إفريقية فِي كلّ سنة مائة وخمسون، حمل بغل، هذا سوى حملِ بجّاية وأعمالها، وتلْمِسان وأعمالها. وكانت أيّامه مواسم وخصْبًا وأمْنًا.
وفي سنة تسع وسبعين تجهّز للغزو واستنفر أهل السّهل والجبل والعرب، فعبر بهم الأندلس فنزل إشبيلية، ثمّ قصد مدينة شَنْتَرِين أعادها إلى المسلمين، وهي بغرب الأندلس. أخذها ابْن الربق لعنه اللَّه، فنازلها أَبُو

(40/322)


يعقوب وضايقها، وقطّع أشجارها، وحاصرها مدّة. ثمّ خاف المسلمون البرد وزيادة النّهر، فأشاروا على أَبِي يعقوب بالرجوع فوافقهم.
وقال: غدا فرحل. فكان أوّل من قَوض خباءه أَبُو الْحَسَن عليّ بْن القاضي عَبْد اللَّه المالقيّ، وكان خطيبهم. فلمّا رآه النّاس قوّضوا أخبيتهم ثقة به لمكانه، فعبر تلك العشيّة أكثرُ العسكر النهرَ، وتقدّموا خوف الزّحام، وبات النّاس يعبرون اللّيل كلّه، وأبو يعقوب لَا عِلم لَهُ بذلك. فلمّا رَأَى الروم عبور العساكر، وأخبرهم عيونهم بالأمر، انتهزوا الفُرصة وخرجوا وحملوا على النّاس، فانهزموا أمامهم حتّى بلغوا إلى مخيّم أَبِي يعقوب، فَقُتِلَ على باب المخيّم خلقٌ من أعيان الْجُنْد، وخلص إلى أمير المؤمنين، فطُعن تحت سُرته طعنة مات منها بعد أيّام يسيرة. وتدارك النّاس، فانهزم الروم إلى البلد، وقد قضوا ما قضوا، وعَبَر الموحّدون بأبي يعقوب جريحا فِي مَحَفة، وتهدّد ابْن المالقيّ فهرب بنفسه حتّى دخل مدينة شَنْتَرِين، فأكرمه ابْن الربق. وبقي عنده إلى أن تهيّأ لَهُ أمر، فكتب إلى الموحّدين يستعطفهم ويتقرّب إليهم بضعف البلد، ويدلّهم على عورته. وقال لابن الربق: إنّي أريد أن أكتب إلى عيالي بإكرام الملك لي. فإذِن لَهُ، فعثر على كتابه فأحضره وقال: ما حملك على هذا مع إكرامي لك؟ فقال: إنّ ذلك لَا يمنعني من النّصح لأهل ديني.
فأحرقه.
ولم يسيروا بأبي يعقوب إلَّا ليلتين أو ثلاثا حتّى مات.
وأخبرني من كان معهم أنّه سمع فِي العسكر النّداء الصّلاة على جنازة رَجُل، فصلّى النّاس قاطبة لَا يعرفون على مَن صلّوا. وصبّروه وبعثوا به في تابوت مع كافور الحاجب إلى تين ملّل، فدُفن هناك مع أَبِيهِ وابن تومرت.
مات فِي سابع رجب، وأخذ البيعة لابنه يعقوب عند موته، فبايعوه.
وَفِيهَا وُلد:

(40/323)


التّقيّ عَبْد الرَّحْمَن بْن مُرْهَف النّاشريّ، المقرئ، وقاضي حماه أَبُو طاهر إِبْرَاهِيم بْن هبة اللَّه بْن البازريّ الْجُهَني فِي شعبان.
وفاطمة بِنْت محمود ابْن الملثّم العادليّ، سمعت من البُوصِيري.
وَفِيهَا وُلِد: عَبْد الحميد بْن رضوان الْمَصْرِيّ.
وأبو القاسم مُحَمَّد بْن عَبْد المنعم، رَوَى عَن ابْن طَبَرْزَد.
وأبو بَكْر مُحَمَّد بن زكريّا بْن رحمة.

(40/324)


المتوفون على التخمين
- حرف الألف-
362- إِبْرَاهِيم بْن مُحَمَّد [1] .
اللخْمي السّبتيّ، المعروف بابن المتقن.
روى عَن: أَبِي مُحَمَّد بْن عَتّاب، وأبي بحر الأسَدي.
وحجّ، وسمع من السلفي.
قال الأبار: توفّي بعد السّبعين وخمسمائة.
363- إسحاق بن هبة الله.
أَبُو طاهر الخراقيّ، المقرئ.
قدِم دمشق سنة اثنتين وسبعين، وحدّث عَن: عليّ بْن الصّبّاغ.
روى عَنْهُ: أَبُو القاسم بْن صَصْرَى، وغيره.
364- إِسْمَاعِيل بْن غانم بْن خَالِد [2] .
أَبُو رشيد الأصبهانيّ، البيّع.
سمع: أبا الفتح أحمد بن عبد الله السوذرجاني، وأحمد بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن مُوسَى بْن مردويه، وجماعة.
وعمّر دهرا.
__________
[1] انظر عن (إبراهيم بن محمد) في: تكملة الصلة لابن الأبار ج 1.
[2] انظر عن (إسماعيل بن غانم) في: المعين في طبقات المحدّثين 178 رقم 1894.

(40/325)


روى عنه: الحافظ عبد الغني، ومحمد بن سَعِيد بْن أَبِي أَحْمَد الأسواريّ، ومحمد بْن النّجيب أَحْمَد بْن نصر الأصبهانيّ، وآخرون.
وبقي إلى سنة خمسٍ وسبعين. وهو من كبار الشّيوخ الّذين لحقهم عَبْد الغنيّ بأصبهان.
365- إِسْمَاعِيل بْن يونس بْن سلمان.
الْقُرَشِيّ، الدّمشقيّ المعروف بابن الأفطس.
سمع: هبة اللَّه بْن الأكفانيّ، وعليّ بْن أَحْمَد بْن قُبَيْس.
وأجاز للضّياء مُحَمَّد.
- حرف الحاء-
366- حبيب بْن إِبْرَاهِيم بْن عَبْد اللَّه.
أَبُو رشيد الأصبهانيّ، المقرئ.
سمع: محمود بْن إِسْمَاعِيل الصّيرفيّ، وغيره.
وعنه: الحافظ عَبْد الغنيّ، وغيره.
وأجاز للحافظ الضّياء فيما أظنّ.
- حرف الزاي-
367- زاهر بْن إِسْمَاعِيل بْن أَبِي القاسم.
الهَمَذَانيّ.
أجاز للضّياء في سنة أربع وسبعين. وأدركه الحافظ عَبْد الغنيّ.
- حرف السين-
368- سالم بْن عَبْد السّلام بْن علوان [1] .
__________
[1] انظر عن (سالم بن عبد السلام) في: المختصر المحتاج إليه 2/ 99 رقم 711، وتلخيص مجمع الآداب (في الملقبين ب «قوام الدين» ) ، والوافي بالوفيات 15/ 83 رقم 109، وطبقات الشافعية الكبرى للسبكي 4/ 220.

(40/326)


أَبُو المُرجَّى البوازيجيّ [1] ، الصُّوفي.
صحِب أَبَا النّجيب السهروَرْدي ولازَمَه.
وسمع معه من: زاهر الشّحّاميّ، وغيره.
وعنه: يوسف بْن مُحَمَّد الواعظ، وعمر بْن مُحَمَّد المقرئ، وشهاب الدّين السَّهْرُوَرديّ، وغيرهم.
وتوفّي قبل الثّمانين وخمسمائة. قاله ابْن الدّبيثيّ.
369- سلامة الصّيّاد [2] .
المَنْبِجِي، الزّاهد، رفيق الشَّيْخ عدِي.
قال الحافظ عَبْد القادر الرهَاوي، وكانا جميعا من تلاميذ الشَّيْخ عقيل:
المنبجيّ الزّاهد، ساح ولقي المشايخ، ورأى منهم الكرامات، وأقام بالمَوْصِل مدّة فِي زمن بني الشهرزُورِي حين كان لا يقدر أحد أن يتظاهر بالحنبليّة وَلَا السّنّة. فأقام يظهر السّنّة ويحاجّ عنها. ثمّ رجع إلى منبج، فأقام بها إلى أن مات.
وكان يتعيّش في المقاثي وعمل الحُصْر، وينفق من ذلك. دخلتُ عَلَيْهِ بمنبج فِي داره وهو جالس على حصير يعمله، فترك العمل، وأقبل عليّ يحادثني، فرأيت منه وقارا وعدْلًا وحِفْظ لسان، وتعرّيا من الدّعاوى.
__________
[1] لقبه عند ابن الفوطي «قوام الدين» ، وسمّاه: «سالم بن عبد السلام بن عبدان بن عبدون البوازيجي» . وقال: أنشد:
أهلا وسهلا بطيف مرتحل ... أنسني بالعناق والقبل
وصار يهدي فمي إلى فمه ... أحلى من السلسبيل والعسل
ما لي أنيس سوى مطوّقة ... فارقها إلفها فلم يصل
تؤنسني في الدّجى ويؤنسها ... كل كئيب الفؤاد مختبل
تنشدني سجعها وأنشدها ... مدح علي بن جعفر بن علي
ما قال لا قط في محاورة ... كأنه عدّ لا من الخطل
[2] انظر عن (سلامة الصياد) في: الوافي بالوفيات 15/ 331 رقم 469.

(40/327)


وكان قد لزِم بيته، وترك الخروج إلى الجماعة لأنّ أهل مَنْبِج كانوا قد صاروا ينتحلون مذهب الأشعريّ، ويبغضون الحنابلة بسبب واعظ قدِم يُسمى الدّماغ، فأقام بها مدّة، وحسّن لهم ذلك. وكان البلد خاليا من أهل العلم، فشربت قلوبهم ذلك.
قال: وسمعت رجلا يقول للشّيخ عسكر النّصيبيّ: أهل مَنْبِج قد صاروا يبغضون أهل حرّان. فقال: لَا يبغض أهل حرّان من فِيهِ خير.
وسمعت الشَّيْخ سلامة يقول، لمّا مضى الدّماغ إلى دمشق ومات، جاءنا الخبر فقاموا يُصلون عَلَيْهِ، ولم أقم أَنَا، فقالوا لي: ما تصلّي عَلَيْهِ؟ فقلت:
لَا، قُعُودي أفضل. وقالوا لي: لِمَ لَا تخرج إلى الجماعة؟ فقلت: جماعتكم صارت فِرقة.
وقال لي: عبر الشَّيْخ الزّاهد أَبُو بَكْر بْن إِسْمَاعِيل الحرّانيّ على مَنْبِج، ولم يدخل إليّ، وبعث يقول: إنّه لم يدخل إليّ لأجل أهل منبج. وأنا أيش ذنبي.
وكان الشَّيْخ أَبُو بَكْر يذكره كثيرا، وينوّه باسمه، ويحثّ على زيارته، وهو الَّذِي عرّفنا به.
سمعت الشَّيْخ سلامة يقول: كنت بالموصل فِي زمن بني الشّهرزوريّ أذكر السّنّة، وأنكِر السّماع.
سمعت رجلا من أهل الموصل يقول: جئت إلى الجزيرة، فأخبرت أنّ الشَّيْخ هناك، فسألت عَنْهُ فوجدته فِي بعض المساجد، فجئت إليه، ثمّ خرجنا من هناك، فمشى بين يديّ، فنظرت فإذا هُوَ سبقني، فقلت فِي نفسي من غير أن يسمع، كذا وكذا من أخت كذا.
فالتفت إليّ وقال: أيّ أخواتي فإنّهن جماعة؟
قلت: أيهنّ شئت.

(40/328)


370- سُلَيْمَان بْن مُحَمَّد بْن سُلَيْمَان [1] .
أَبُو الربيع الحضرميّ، الإشبيليّ، المعروف بالمفوّقيّ.
روى عَن: أَبِي مُحَمَّد بْن عَتّاب، وأبي بحر الأسَدي.
وكان يعقد الشّروط.
وكان أَبُو بَكْر بْن الجدّ يغضّ منه ويغص به.
روى عَنْهُ: ابْن أخته مُحَمَّد بْن عليّ التُجِيبي.
قال الأبّار [2] : تُوُفي فِي حدود الثّمانين.
371- السمَوْأل بْن يحيى بْن عَياش [3] .
المغربيّ، ثمّ البغداديّ.
كان يهوديا فأسلم، وبرع فِي العلوم الرّياضيّة.
وكان يتوقّد ذكاء، وسكن بلاد العجم مدّة بأَذَرْبيْجان ونواحيها.
ومات قبل أن يكتهل بمَراغة فِي هذا القُرب.
قال الموفّق عبد اللّطيف: أبلغ فِي العدديّات مبلغا لم يصله أحدٌ فِي زمانه، وكان حادّ الذّهن جدّا، بلغ فِي العدديّات وصناعة الجبْر الغاية القُصْوى. وَلَهُ كِتَاب «المفيد الأوسط فِي الطّبّ» ، وكتاب «إعجاز المهندسين» صنّفه في سنة سبعين وخمسمائة، وكتاب «الرّدّ على اليهود» ، وكتاب «القوانين فِي الحساب» .
__________
[1] انظر عن (سليمان بن محمد) في: تكملة الصلة لابن الأبّار، والذيل والتكملة لكتابي الموصول والصلة 4/ 78 رقم 194.
[2] في تكملة الصلة.
[3] انظر عن (السموأل بن يحيى) في: تاريخ الحكماء لقفطي 209، والوافي بالوفيات 15/ 453، 454 رقم 610، وعيون الأنباء 2/ 30، 31، وتاريخ مختصر الدول 337، وكشف الظنون 1377، 1412، 1940، وإيضاح المكنون 1/ 99، 556، 562 و 2/ 323، 328، 335، 340، وتراث العرب العلمي لطوقان 333، ومعجم المؤلفين 4/ 281.

(40/329)


- حرف الصاد-
372- صالح بْن وجيه بْن طاهر بْن مُحَمَّد.
الشّحّاميّ.
أجاز للشّيخ الضّياء مروياته.
- حرف العين-
373- عَبَّاس بْن أَبِي الرجاء بْن بدر.
أَبُو الفضل الرّارانيّ [1] .
أجاز للضّياء من أصبهان. وهو أخو خليل.
سمع من: الحدّاد.
374- عَبْد اللَّه بْن عَبْد الواحد بْن الْحَسَن بْن المفرّج.
أَبُو مُحَمَّد الكنانيّ، الدّمشقيّ، المؤدّب.
إمام مسجد ابْن لَبِيد بالفسقار.
سمع: أَبَا الْحَسَن بْن الموازينيّ، ومحمد بْن عليّ بْن مُحَمَّد بْن أَبِي العلاء المصّيصيّ.
قال أَبُو المواهب بْن صَصْرَى: وكانت لَهُ حلقة بالجامع يقرئ بها الصّبيان، وكان شيخا صالحا.
وقال ابْن خليل: وُلِد فِي رجب سنة اثنتين وتسعين وأربعمائة.
قلت: روى عنه: أبو القاسم بن صصرى، والبهاء عَبْد الرَّحْمَن، وجماعة.
وأجاز لجماعة.
وتُوُفي سنة نيفٍ وسبعين، وقد جاوز الثّمانين رَحِمَهُ الله تعالى.
__________
[1] الراراني: راران بالراءين المفتوحتين المنقوطتين من تحتهما بنقطة واحدة قرية من قرى أصبهان. (الأنساب 6/ 38) .

(40/330)


375- عبد الجبّار بْن مُحَمَّد بْن عليّ بْن أَبِي ذَرّ الصّالحانيّ [1] .
أَبُو سَعِيد الأصبهانيّ.
من كبار مُسْنِدي بلده.
سمع من: القاسم بْن الفضل الأصبهانيّ، الثّقفيّ.
وحدّث سنة سبعين. وتُوُفي بعد ذلك بسنة أو نحوها.
روى عَنْهُ: مُحَمَّد بْن خليل الرّارانيّ، وعمر بْن أَبِي بَكْر بْن مَسْعُود الأصبهانيّ. وبالإجازة كريمة.
376- عَبْد الرّزّاق بْن إِسْمَاعِيل بْن مُحَمَّد بْن عثمان [2] .
أَبُو المحاسن الهَمَذَانيّ القُومَسَاني.
سمع: عَبْد الرَّحْمَن بْن حَمْد الدُّوني، وناصر بْن مَهْدي الهَمَذَانيّ، وغيرهما.
روى عَنْهُ: الحافظ عَبْد الغنيّ.
وأجاز للحافظ الضّياء فِي سنة أربعٍ وسبعين.
377- عبد الملك بن محمد بن عبد الملك [3] .
أبو مروان الْأَنْصَارِيّ، الإشبيليّ، الحماميّ.
سمع «تاريخ ابْن أَبِي خيثمة» من: أَبِي الْحَسَن بْن مغيث.
وعنه: أَبُو القاسم الملّاحيّ، وأبو سُلَيْمَان حوط الله.
مات قبل الثّمانين وخمسمائة.
378- عُبَيْد اللَّه بْن مُحَمَّد التّميميّ.
أَبُو الْحُسَيْن ابْن اللّحيانيّ، الإشبيليّ، المقرئ.
أخذ القراءات عَن: شريح، وأحمد بن عيشون.
__________
[1] انظر عن (عبد الجبار بن محمد) في: المعين في طبقات المحدّثين 178 رقم 1895.
[2] انظر عن (عبد الرزاق بن إسماعيل) في: المعين في طبقات المحدّثين 178 رقم 1896.
[3] انظر عن (عبد الملك بن محمد) في: تكملة الصلة لابن الأبّار، رقم 1723، والذيل والتكملة لكتابي الموصول والصلة ج 5 ق 1/ 35 رقم 86.

(40/331)


وتصدّر للإقراء.
قرأ عَلَيْهِ: أَبُو القاسم بْن أَبِي هارون.
وحدّث عَنْهُ: مفرّج بْن حسين الضّرير.
تُوُفي فِي حدود الثّمانين.
379- عليّ بْن بركات.
أَبُو الْحَسَن المَشْغراني، ثمّ الدّمشقيّ، المقرئ.
تُوُفي بعد السّبعين.
روى عَن: نصر اللَّه بْن مُحَمَّد المصّيصيّ.
روى عَنْهُ: أَبُو القاسم بْن صَصْرَى.
380- عليّ بْن الْحُسَيْن اللّوّاتيّ.
مرّ فِي سنة ثلاثٍ وسبعين [1] .
381- عليّ بْن خَلَف بْن غالب [2] .
أَبُو الْحَسَن الْأَنْصَارِيّ، الأندلسيّ. نزيل [قصر كُتامة] [3] .
سمع من: أَبِي القاسم بْن رضا، وأبي عَبْد اللَّه بْن مُعَمَّر، وأبي الْحَسَن بْن وليد بْن مَفوز.
وتعلّم الفرائض والحساب وتصوّف. وصنّف كِتَاب «اليقين» .
رَوَاهُ عَنْهُ: عَبْد الجليل بْن مُوسَى.
وقال أيّوب بْن عَبْد اللَّه السّبتيّ: رحَلت إليه مرّات إلى قصر عَبْد الكريم وكان قد سكنه. وكان محدّثا شاعرا [4] .
__________
[1] تقدم برقم (80) .
[2] انظر عن (علي بن خلف) في: صلة الصلة لابن الزبير 99، وتكملة الصلة لابن الأبّار، رقم 1870، والتشوّف 211 قم 81، وسلوة الأنفاس 2/ 24، وجذوة الاقتباس 297، والذيل والتكملة لكتابي الموصول والصلة 5 1/ 208- 212 رقم 415.
[3] إضافة من مصادر ترجمته.
[4] وقال المراكشي: وكان عالما أديبا شاعرا، ديّنا زاهدا متواضعا، إذا رأيته وعظك بحاله وهو صامت مما غلب عليه من الحضور والمراقبة للَّه تعالى، قد جمع الله له محاسن جمّة-

(40/332)


382- عليّ بْن مُحَمَّد بْن ناصر.
أَبُو الْحَسَن الْأَنْصَارِيّ، القُرْطُبيّ.
أخذ القراءات عَن: أَبِي عَبْد اللَّه بْن صائن، وعبد الجليل بْن عَبْد العزيز.
وروى عَن: أَبِي القاسم بْن بَقِي، وأبي جَعْفَر البَطْرُوحي، وأبي القاسم بن رضا، وجماعة.
وكان مقرئا، نحْويًا.
روى عَنْهُ: أَبُو بَكْر مُحَمَّد بْن عليّ الشّريشيّ.
383- عليّ بْن هبة اللَّه.
الكامليّ، الْمَصْرِيّ.
سمع من: أَبِي صادق مرشد المَدِيني، وغيره.
روى عَنْهُ: الحافظ عَبْد الغنيّ، وعبد القادر، وابن رواحة، وعليّ بْن رحّال، وعبد الرحيم بْن الطّفيل، ومحمد بْن الملثَّم، وآخرون.
384- عليّ بْن أَبِي القاسم بْن أَبِي حنّون [1] .
أَبُو الْحَسَن التلْمِساني، قاضي مَرّاكُش.
روى عَن: أَبِي عَبْد اللَّه الخَولاني، وأبي عليّ بْن سُكَّرَة.
وعنه: أَبُو عَبْد اللَّه بْن عبد الحقّ التلْمِساني، وعقيل بْن طلْحة، وأبو الخطّاب ابْن دحية.
قال الأبّار: كان حيّا في حدود الثّمانين.
__________
[ (-) ] من العلوم والمعارف والآداب، وخصوصا علم الحقائق والرياضات وعلوم المعاملات والمقامات والأحوال السنية والآداب السّنّيّة، وكان من المحدّثين قيّد في الحديث روايات كثيرة، ولقي من المشايخ الجلّة جملة، غير أنه كان يغلب عليه المراقبة للَّه والتأهّب للقائه وحسن الرعاية والإقبال على الدار الآخرة، وكان قد بلغ الثمانين سنة وهو في اجتهاده كما كان في بدايته، وكان شيخ وقته علما وحالا وورعا، أشفق خلق الله على الناس، وأحسنهم ظنا بهم.
[1] انظر عن (علي بن أبي القاسم) في: تكملة الصلة لابن الأبار.

(40/333)


- حرف القاف-
385- القاسم بْن عليّ بْن صالح [1] .
أَبُو مُحَمَّد الْأَنْصَارِيّ نزيل دانية.
أخذ القراءات عَن: أَبِي الْعَبَّاس القصيبيّ، وأبي الْعَبَّاس بْن العريف، وابن غلام الفَرَس فسمع منه «التّيسير» سنة سبع وعشرين وخمسمائة.
وتصدّر للإقراء بدانية.
أخذ عنه: أسامة بن سليمان، وغيره.
بقي إلى قريب الثّمانين وخمسمائة. نسيته وقت ترتيب الأسماء.
- حرف الميم-
386- محمد بن التّابلان [2] .
المنبجيّ الزّاهد.
قال الحافظ عبد القادر: كان رفيق الشّيخ عديّ والشّيخ سلامة، من تلاميذ الشيخ عقيل. حدّثني بعض الصُّوفية أنّ الشَّيْخ عقيل أوصى لَهُ بعد موته بالجلوس فِي موضعه. دخلت عَلَيْهِ بمنْبج غير مرّة فرأيت شيخا وَقورًا مَهِيبًا.
عاش عُمرًا طويلا فِي طريقةِ حَسَنة ومحمود ذِكر. وكان لَهُ جماعة تلاميذ.
وكان حافظا للقرآن يؤمّ بالنّاس. وكان لَهُ ملْك يتعيْش منه رَحِمَهُ اللَّهُ.
قلت: كأنّ هذا بقي إلى قرب السّتّمائة، فإنّ ابنه الفقيه أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن إبراهيم بن التّابلان المنبجيّ سمع منه شيخنا الشّهاب الدشْتيّ بمَنْبِج، وهو يروي عَن التّاج الكنديّ.
__________
[1] ذكره المؤلّف- رحمه الله- في آخر المتوفين ظنّا، وقد نسي ترتيبه ونوّه بذلك في آخر الترجمة.
[2] انظر عن (محمد بن التابلان) في: الوافي بالوفيات 2/ 274 رقم 698.

(40/334)


387- مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد.
الغَرْناطي أَبُو عَبْد اللَّه بْن الغاسل.
سمع: أَبَا عَبْد اللَّه النُمَيْري وصحِبَه زمانا.
ورحل معه فلقي أَبَا الْحَسَن بْن الباذَش.
وقرأ بالروايات على شُرَيْح.
وسمع أَيْضًا: أَبَا الْحَسَن بْن مغيث.
وأجاز لَهُ ابْن عتّاب.
وكان مُقرِئًا، محدّثا، ضابطا. توفّي سنة نيفٍ وسبعين.
388- مُحَمَّد بْن عَبْد العزيز [1] .
الفقيه أَبُو عَبْد الله الإربليّ، الشّافعيّ.
قدِم بغداد، وتفقّه بالنّظاميّة، وبرع فِي المذهب. وولي إعادة النّظاميّة.
ومن شِعره، وكتبه عَنْهُ عَبْد السّلام بْن يوسف الدّمشقيّ:
رُوَيدك فالدّنيا الدَّنية كم دَنَتْ ... بمكروهها من أهلها وصحابها
لقد فاق فِي الآفاق كلّ موفّق ... أفاقَ بها من سُكْره وصحابها
فسَلْ جامعَ الأموالِ فِيهَا بِحِرْصه ... أخَلَّفَها من بعده أمْ سَرَى بها؟
هِيَ الآل فاحذَرْها وذَرْها لأهلها ... فما الآل إلَّا لمعة من سرابها
وكم أسد ساد البرايا ببرّه ... ولو نابها خَطْب إذا ما دنا بها
فأصبح فِيهَا عبرة لأولي النُّهى ... بمخلبها قد مزَّقَتْه ونابها
قال ابْن النّجّار: وبلغني أنْ أَبَا عَبْد اللَّه الإربليّ سافر إلى الشّام ومات هناك فِي حدود سنة ثمانين وخمسمائة.
389- مُحَمَّد بْن عَلِيِّ بْن عَبْد اللَّه بْن عَلِيّ [2] .
__________
[1] انظر عن (محمد بن عبد العزيز) في: الوافي بالوفيات 3/ 259، 260 رقم 1289.
[2] انظر عن (محمد بن علي) في: ذيل تاريخ مدينة السلام بغداد لابن الدبيثي 2/ 127 رقم 355، وذيل تاريخ بغداد لابن النجار (مخطوطة أحمد الثالث 2917/ 14) الورقة 87، -

(40/335)


أَبُو بَكْر البَتِمَّاري [1] ، النَّهْرواني، المعروف بابن العُجَيْل.
سمع: أحمد بن المظفر بن سوسن، وأبا سَعِيد بْن خُشَيْش.
سمع منه: عُمَر الْقُرَشِيّ، وغيره.
وأصابه صَمَمٌ.
وتُوُفي بعد السّبعين. ذكره ابْن النّجّار.
390- محمد بن كشيلة.
الحرّانيّ، الزّاهد.
قال الرّهاويّ: كان أحد مشايخ أهل حَران، زُهْدًا، وورعا واجتهادا فِي أبواب الخير.
وكان متواضعا، كريما، حيّيا، لَا يكاد يرفع رأسه من الحياء، صبورا على الفَقْر موثرا.
وكان الشَّيْخ أَبُو بَكْر بْن إِسْمَاعِيل يذكره ويمدحه بكونه يعيش من كسْبه.
ولمّا مرض أَبُو بَكْر خرج مُحَمَّد إلى عيادته، فوصّى لَهُ بثُلث رحاه، واستخلفه فِي موضعه بالمشهد.
وسمعت بعض أصحابنا يقول: قَالَ أصحاب أَبِي بَكْر لأبي بَكْر: من تأمرنا نجالس بعدك؟ فقال: عليكم بسيّد السّادات مُحَمَّد.
ذكر الرّهاويّ هؤلاء وغيرهم. وما أراه ذكر الشَّيْخ حياء، وسأذكره فِي سَنَةِ إِحْدَى وَثَمَانِينَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تعالى.
391- محمود بْن مُحَمَّد.
أَبُو الثّناء البغداديّ.
__________
[ (-) ] والمختصر المحتاج إليه 1/ 92.
[1] البتمّاري: بفتح الباء وكسر التاء المنقوطة باثنتين من فوقها، وتشديد الميم المفتوحة، وفي آخرها الراء، هذه النسبة إلى بتمّار وهي قرية من قرى النهروان ببغداد. (الأنساب 2/ 76) .

(40/336)


حدّث بالإسكندريّة عَن: هبة اللَّه بْن الحُصَيْن، وأبي منصور القزّاز.
روى عَنْهُ: عليّ بْن المفضّل، وغيره.
392- المطهّر بْن عَبْد الكريم بْن مُحَمَّد بْن عثمان.
الهَمَذَانيّ القُومَسَاني.
روى عَن: عَبْد الرَّحْمَن بْن الدّونيّ، وناصر بْن مَهْدي.
وعنه: الحافظ أَبُو مُحَمَّد المقدسيّ، وغيره.
وناصر المذكور هُوَ ابْن مهديّ بْن نصر بْن عليّ بْن نصر بْن عَبْدان أَبُو عليّ المشطّب الهَمَذَانيّ. بكّر به أبوه أبو الحَسَن المشطّب فأسمعه «سنن الحلوانيّ» من عليّ بن شعيب بن عبد الوهّاب الهمذانيّ.
وكان عليّ بْن شُعيب مسند همذان في زمانه. روى عَن أَوس الخطيب، وجبريل العدل، وأبي أَحْمَد الغطرِيفي، وإسحاق بْن سعد بْن الْحَسَن بْن سُفيان، وطائفة.
روى عَنْهُ: عليّ بْن الْحُسَيْن، وابن ممان. وناصر هذا، وأحمد بْن عمر البيّع.
وكان ثقة، صَدُوقًا، صالحا.
قال الحافظ شِيرُوَيْه: سمعت أَبَا بَكْر الْأَنْصَارِيّ يقول: لمّا رجع الشَّيْخ مُحَمَّد بْن عيسى، شَيْخ الصُّوفية، إلى هَمَذَان استقبله الخاصّ والعامّ، وكان عليّ بْن شُعيب مع من استقبله، وكان راجلا، رثّ الهيئة، فكان أَبُو منصور مُحَمَّد بْن عيسى لَا ينزل لأحد، لَا للأشراف وَلَا للوجوه، وإنّما يُصافحهم راكبا. فلمّا رَأَى عليّ بْن شُعيب نزل عَن دابّته وعانقه، ومشى معه ساعة حتّى سأله أن يركب فركب.
قلت: كان ابْن شُعيب باقيا بعد الثّلاثين وأربعمائة.

(40/337)


الكنى
393- أَبُو بَكْر بْن إِسْمَاعِيل الحرّانيّ. الزّاهد.
ذكره الحافظ فقال: كان من مفاريد الزّمان. اجتمعت فيه من خِلال الخير أشياء لو سُطِرت كانت سيرة. كان زاهدا، ورِعًا، مجاهدا، مجتهدا، متواضعَا، ذا عزائم خالصة، بصيرا بآفات أعمال الآخرة وعيوب الدّنيا، ذا تجارب.
ساح وخالط، وكان لَا تأخذه فِي اللَّه لومَة لائم، منقادا للحقّ، محبّا للخمول، عاريا من زيّ أهل الدّين. ظاهرا لَا يستوطن المواضع. كان تارة يكون مُعَممًا، وتارة بغير عمامة، وتارة محلوقا وتارة بشَعْر. إذا وقف بين جماعة لَا يعرفه الغريب، ولم يكن لَهُ فِي المسجد موضع يُعرف به.
وكان إذا قَالَ لَهُ أحد: أريد أن أتوب على يدك. يقول: أيش تعمل بيدي، تُبْ إلى اللَّه.
وكان شجاعا. وهو الَّذِي جَرى المسلمين على محاصرة الرّها في سنة تسع وثلاثين وخمسمائة، واشتهر بين النّاس أنّهم يوم وقعة الثَلْمة الّتي بالرُّها دخل منها المسلمون رأوا رجلا قد صعِد فِيهَا، فهزم من كان بها من الإفرنج، وصعِد النّاس بعده، فحكى لي بعض النّاس أنّه الشَّيْخ أَبُو بَكْر رضي اللَّه عَنْهُ.
وبلغني أنّ ناسا اختلفوا فِيهِ، فحلف بعضهم أنّه الشَّيْخ عديّ بْن صخْر، فاختلفوا إليه فِي ذلك، فقال: ذاك الحرّانيّ. سمعته يقول: كان أَبِي قد أسره الفرنج إلى الرُّها، فقادوه، وأخذوني وأخي رهينة، يعني وهما صغيران، فكان صاحب البلد يأخذني ويجيء بي عند الصّليب، ويجعل يُحني رأسي نحوه، فأمتِنع عَلَيْهِ مع هيبته، ويقع فِي نفسي أنّي إنْ فعلت صرت نصرانيّا.
وكان يأخذ أخي فيجيء به إلى الصّليب، فيسجد لَهُ، فأتعلّق به وأمنعه.
ثمّ إنّه خلّص من أيدي الفِرنج، فسمعته يقول: كنت أمرّ إلى الرُّها فِي اللّيل فأصعد إلى السّور، وأنزل إلى البلد، فإذا عرفوا بي صعدت إلى السّور، فإذا صرت على السّور ومعي سيفي وترسي لم أبال بأحدٍ. وصعدت مرّة إلى السّور، فلقيت اثنين، قتلت الواحد ودخل الآخر إلى البرُج، فدخلت خلفه فقتلته.

(40/338)


سمعته غير مرةٍ يقول: رَأَيْت قائلا يقول لي: كن تَبَعًا إلَّا فِي ثلاثة: فِي الزّهد، والورع، والجهاد.
وحجّ نحوا من ثلاثين حَجَّة ماشيا. وبلغني عَنْهُ أنّه حجّ في بعضها، ولم ينم فِي تلك المدَّة حتّى خرج من الحجّ. ثمّ إنّه ترك الحجّ، وسكن مشهدا قريبا من حَران، واشتغل بعمارة رحى هناك. ورتّب الضّيافة لكلّ وارد خبزا ولحما وشهوات.
وكان سبب ذلك كما حكى لي قَالَ: كنت أَنَا وآخر فِي الشّام، فجعْنا جوعا شديدا، ثمّ جئنا إلى قريةٍ، فصنع لنا إنسان طعاما وقدّمه إلينا، فجعلنا نأكل وهو حارّ، فلمّا رَأَى شَرَهَنَا فِي الأكل مع حرارته قَالَ: أرِفقُوا فهو لكم.
فأعتقد أنّه لو كان لذلك الرجل ذنوب مثل الجبال لغُفِرت لِما صادف من إشباع جوعنا. فرأيت أنّ حجّي ليس فِيهِ منفعة لغيري، وأنّي لو عملت موضعا يستظل به إنسان كان أفضل من حجّي.
وكان مع ذلك يكره كثرة العلائق ويقول: لو قيل لي فِي المنام أنّك تصير إلى هذا المال ما صَدَّقت.
وبنى عند المشهد خانا للسّبيل، وكان يعمل عامّة نهاره فِي الحَر والغُبار، ويقول: لو أن لي من يعمل معي فِي اللّيل لعملت.
وعمل لنفسه رحى، وكان يتقوَّت منه باليسير، ويُخرج الباقي فِي البِرّ.
دخلت عَلَيْهِ فِي بيته مِرارًا وهو يتعشّى، فما رَأَيْته جالسا فِي سِراج قطّ، وَلَا كان تحته حصير جيّد قطّ وَلَا فِراش، بل حصير عتيق، تحته قش الرَز.
وحضرت يوما معه فِي مكانٍ، فلمّا حضر وقت الغداء جلسنا نتغدّى، وأخرج رغيفا كان معه، فأكل نصفه، وناولني باقيه، وقال: ما بقي يصلح لي، آكل شيئا وَلَا أعمل شيئا.
وقال لي: وددت أنّي لآتي مكانا لَا أخرج منه حتّى أموت.

(40/339)


وقد سمعته يقول، وذكر لي إنسان أنّ بعض الرؤساء عرض عَلَيْهِ ملكا يقفه عَلَيْهِ، فقال لَهُ أَبُو بَكْر: وأيش تعمل به لو لم يكن فِي مالهم شُبْهة إلَّا الجاه لكفى.
سمعت فتيان بْن نيّاح الحرّانيّ، وكان عالِم أهل حَران وقد جرى بيننا ذِكر الكرامات فقال: أَنَا لَا أحكي عَن الأموات ولكن عَن الأحياء. هذا أَبُو بَكْر بْن إِسْمَاعِيل حجّ فِي بعض السّنين، فلمّا قرُب مجيء الحاجّ جاء الخبر أنّ أَبَا بَكْر قد مات. فجلست محزونا فجاءتني والدته وأنا فِي مكاني هذا، فسلمَتْ، فرددتُ عليها متحزْنًا.
فقالت [1] : أيش هُوَ؟
فقلت: هُوَ الَّذِي يحكى.
فقالت: ما هُوَ صحيح.
قلت: من أَيْنَ لكِ؟
قَالَتْ هُوَ قَالَ لي قبل أن يخرج إنّه سَيَبْلُغُكِ أنّي قد متّ، فلا تصدّقي، فإنّي لا بدّ أجيء وأتزوّج، وأرزقُ ابنا وأموت.
قال: فأوّل من جاء هُوَ، وتزوّج ورُزق ابنا، ومات.
هذا مع كراهيته إظهار الكرامات والدعاوَى.
وكان عاقلا فِطنًا، يتكلّم بالحكمة فِي أمر الدّين.
حدّثني مَن حضر موته قَالَ: كُنَّا أَنَا وفلان وفلان، فتوضّأ ثمّ صار يسأل عَن وقت الظُهر، فقال بعضنا: جرت عادة النّاس يأخذون من آثار مشايخهم للتّبرّك. فقال: إن قبِلتم منّي لَا تريدون شيئا من الدّنيا.
قال: فبينما أَنَا جالس أغفيت، فرأيت كأنّ البيت الَّذِي نَحْنُ فِيهِ يخرج منه مثل ألسُن الشّمع، يعني النّور. ورأيت كأنّ شيخا جاء إلى عند الشَّيْخ أَبِي بَكْر، فقلت: من هذا؟ فقيل: هذا الشّيخ حمد.
__________
[1] في الأصل: «فقال» .

(40/340)


فانتبهت فجعلت أسأل الجماعة عَن الشَّيْخ حمْد، ففِطن لي الشَّيْخ فقال: أيش تقول؟ فقصصت عَلَيْهِ الرّؤيا، فقال: نعم هذا الشَّيْخ حمْد بْن سُرور قد جاء إلينا. وكان الشَّيْخ حمْد من مشايخ حَران.
قال: ثمّ إنّه مال يسأل عَن وقت الظُهر، حتّى بقي من الوقت قدر قراءة جزء، ثمّ إنّه تَفَلَ مثل النَّقْحة، فخرجت منها نفسُه وحُمِل إلى حَران فدُفن بها رضي اللَّه عنه.
394- أَبُو جَعْفَر بْن هارون.
التّرحاليّ، الأندلسيّ، من كبار أهل إشبيلية.
وكان رأسا فِي الفلسفة، والطّبّ، والكحالة. ذا عناية بكتب أرِسْطُوطاليس.
خدم أَبَا يعقوب بْن عَبْد المؤمن.
وقد أخذ عَن الفقيه أَبِي بَكْر بْن العربيّ، ولازمه مدّة.
وعنه أخذ أَبُو الوليد بْن رُشْد الحفيد، عِلْم الأوائل.
وترحاله: من ثغور الأندلس.
395- أَبُو الفتح.
المَوْصِلي، العابد، ويُعرف بابن الرئيس.
قال الحافظ الرّهاويّ: كان زاهدا، ورِعًا، قنوعا، صائم الدهْر، نورانيّ الوجه، حَسَن الأخلاق، رزين العقل، متواضعا، شديدا فِي السّنّة، داعيا إليها، حافظا للقرآن.
لقّن خلْقًا. وكان خيّاطا يتقوّت باليسير والباقي ينفقه على أخيه وأولاد أخيه.
وكان يلبس قميص خام ومِئزر خام خِشنًا.
ولم يكن بالموصل فِي آخر زمانه مثله. وشيّعه خلق لا يحصون رحمه الله تعالى.

(40/341)


396- أبو ألوفا.
شيخ أهل آمد في زمانه.
قال الحافظ الرّهاويّ: تكرّرت إليه مدّة مقامي بآمد، فرأيت منه عقلا وافرا، وحلما وتواضعا، وسخاء، وتألّفا للنّاس على مذهب أحمد.
وكان كثير الاحتمال للأذى في تألّف النّاس. مفيدا بكلامه، حافظا للسانه، ذكيّا، فهما. لم أر في تردادي إليه سقطة، ولا بلغني عنه.
ولقد فرحت برؤيتي له فرحا شديدا، وأحببته كأشدّ ما أحببت أحدا من المشايخ.
وكان له شيء من الدّنيا يتعيّش منه، ويواسي منه الفقراء، رحمه الله تعالى.
انتهى المجلد السابع عشر من تاريخ الإسلام ونقلته من خط مؤلفه الحافظ العلامة شمس الدين الذهبي والحمد للَّه وحده. يتلوه إن شاء الله تعالى الطبقة 59. سنة 581.

(40/342)


(بعون الله وتوفيقه تمّ تحقيق هذه الطبقة من «تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام» لمؤرّخ الإسلام الحافظ شمسُ الدين مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَد بْن عثمان بن قايماز المعروف بالذهبي، الدمشقيّ، المتوفّى سنة 748 هـ. - رحمه الله-، وقام بضبط نصّها، وتخريج أحاديثها وأشعارها، وتوثيق مادّتها، والإحالة إلى المصادر، والتعليق على متنها، وصنعة فهارسها، خادم العلم وطالبه، الحاج أبو غازي، الأستاذ الدكتور عمر عبد السلام تدمري، أستاذ التاريخ الإسلامي في الجامعة اللبنانية، عضو الهيئة العربية العليا لإعادة كتابة تاريخ الأمة في اتحاد المؤرّخين العرب، الطرابلسي مولدا وموطنا، الحنفيّ مذهبا، وكان الفراغ من التحقيق عند أذان العصر من يوم السبت الثاني والعشرين من شهر ذي القعدة سنة 1415 هـ. الموافق للثاني والعشرين من شهر نيسان (أبريل) 1995 م. وذلك في منزله بساحة النجمة من مدينة طرابلس الشام المحروسة، حماها الله وجعلها آمنة عامرة مطمئنة، سخاء رخاء رغدا، وسائر بلاد المسلمين، ونفع الله بهذا العمل إلى يوم الدين، فهو نعم المولى وإليه أنيب)

(40/343)