«تاريخه» لمصر: ابو عبد الله المقرئ،
المحدّث، النّحْويّ، كَانَ من العلماء الأتقياء، عارفا بالقراءات
والحديث والنّحو. وكتب الكثير، وكان سليم القلب، ذا سمتٍ وصلاح
وهدى وخير، على سمْت السَّلف، متصدّرا للحديث طول نهاره بالمدرسة
الكامليّة.
سَمِعْتُ منه وانتفعتُ ببركته، وقرأت عَلَيْهِ «الشّاطبيّة» من
حفظي، بسماعه من أَبِي عَبْد اللَّه القُرطُبيّ. وكان ثقة حُجّة.
وكان لَهُ تلميذ يقرا عَلَيْهِ الحديث، فلمّا مات بكى وجعل يمرّغ
وجهه عَلَى رِجْليه ويقول: يا سيّدي اطلبنى من اللَّه، فإنّي لا
اقدر ارى غيرك قاعدا مكانك. فاتّفق أنْ مات التّلميذ من الغد.
قلت: كتب عَنْهُ شيخه الحافظ أَبُو على البكْري. قرأت ذَلِكَ فِي
مجلدٍ بخطّ البكريّ.
193- مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم [1] بْن مُحَمَّد بْن الأزهر.
أَبُو عَبْد اللَّه ابن الحافظ أَبِي إِسْحَاق الصَّريفيّني. من
أولاد المحدّثين.
سمّعه أبُوهُ الكثير من الموفّق عَبْد اللّطيف بْن يوسف، وجماعة.
ولم يكن من أهل العلم. وقد أخذ عَنْهُ بعض الطَّلَبة.
تُوُفّي فِي شعبان. وسمع «الصّحيح» من ابن رُوزبة.
مولده بمنبج في سنة عشرين وستّمائة.
194- مُحَمَّد بْن باخل [2] .
الأمير، شمس الدّين الهكّارىّ، متولّى الثّغر الإسكندريّ.
تُوُفّي فِي رجب بالإسكندريّة، وقد ذكره الحافظ قُطْب الدّين فِي
«تاريخه» فقال: مُحَمَّد بْن باخل بْن عَبْد اللَّه بْن أَحْمَد
بْن عَبْد اللَّه بْن أَحْمَد بن عبد الله بن مرزبان الهكّارىّ.
__________
[1] انظر عن (محمد بن إبراهيم) في: المقتفى للبرزالى 1/ ورقة 121
ب.
[2] انظر عن (محمد بن باخل) في: نهاية الأرب 31/ 124، وعيون
التواريخ 31/ 350، 351، والوافي بالوفيات 2/ 242 رقم 644، وذيل
التقييد 1/ 111 رقم 146، وتاريخ ابن الفرات 8/ 14 و 15، 16.
(51/159)
إلى ان قَالَ: كَانَ صارما عادلا، وله ميل
إلى الأدب. سَمِعَ جميع «سُنَن ابن ماجة» من الموفّق عَبْد اللّطيف
بْن يوسف، و «مقامات الحريرىّ» بحرّان.
وخرّج لَهُ الحافظ منصور بْن سُليم.
أجاز لي مرارا. ومولده سنة عشرين وستّمائة.
قلت: مرّت ترجمته.
195- مُحَمَّد بْن جبارة [1] .
الفقيه، الإِمَام، تقىّ الدّين، المقدسيّ، الحنبلىّ.
تُوُفّي فِي ذي الحجّة بقاسيون.
وهو مُحَمَّد بْن عَبْد المولى [2] الزّاهد العابد.
سَمِعَ ببغداد من المؤتمن.
وهو والد شهاب الدّين المقرئ.
196- مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن [3] بْن الْحَسَن.
نظام الدّين، أَبُو عَبْد اللَّه الدّارىّ، الخليلىّ، عمّ الصّاحب
فخر الدّين.
تُوُفّي بمصر فِي ربيع الأول، وله إجازة من ابن المعطوش، وابن
الجوزىّ، وجماعة [4] .
وسمع «السّيرة النّبويّة» من ابن مجلّى، وعاش تسعين عاما.
وكان تاجرا متموّلا، كثير البّرَّ. خرّج لَهُ التّقيّ عُبَيد
مشيخة.
سَمِعَ من ابن جبير.
__________
[1] هو «محمد بن عبد الولي» ، وسيأتي برقم (202) .
[2] كذا. وفي ترجمته الآتية، والمصادر: «عبد الولي» .
[3] انظر عن (محمد بن الحسين) في: المقتفى للبرزالى 1/ ورقة 121 ب،
والمقفّى الكبير 5/ 577 رقم 2119.
[4] قال البرزالي: وله إجازة بغدادية مؤرّخة بسنة ست وتسعين
وخمسمائة.
(51/160)
197- محمد بن زنطار [1] .
ابو خطّاب الأشرافيّ، خادم الأثر بدار الحديث.
روى «مُسْنَد الشّافعيّ» ، عَنِ ابن الزّبيدىّ.
ومات فِي صفر، رحمه اللَّه [2] .
198- مُحَمَّد بْن الصّلاح [3] .
العدل، جمال الدّين الحنفىّ، الخشّاب.
كَانَ من عُدُول القيمة بدمشق [4] .
تُوُفّي فِي شعبان.
199- مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن إِبْرَاهِيم.
الفقيه، شمس الدّين، أَبُو عَبْد اللَّه بْن العلّامة تاج الدّين
الفَزَاريّ، الدّمشقيّ، الشافعيّ.
تُوُفّي شابّا فِي جمادى الآخرة.
200- مُحَمَّد بن عَبْد العزيز [5] بْن يَحْيَى.
اللّوريّ، أخو الشّيخ أَبِي إِسْحَاق [6] .
سَمِعَ معه من الرّشيد بْن مَسْلَمَة.
مات بسِجِلْماسَة. حجّ مرّتين.
201- مُحَمَّد بْن عَبْد القادر [7] بْن عَبْد الخالق بن خليل بن
مقلّد.
__________
[1] انظر عن (محمد بن زنطار) في: المقتفى للبرزالى 1/ ورقة 116 ب.
[2] وقال البرزالي: «ومولده سنة ثلاث وعشرين وستمائة» .
[3] انظر عن (محمد بن الصلاح) في: المقتفى للبرزالى 1/ ورقة 119 أ،
والمختار من تاريخ ابن الجزري 316.
[4] وزاد البرزالي: «مشهورا بالمروءة، وقضاء أشغال الناس» .
[5] انظر عن (محمد بن عبد العزيز) في: المقتفى للبرزالى 1/ ورقة
121 أ، ب.
[6] وقال البرزالي: وكان دخل دمشق مع أخيه.
[7] انظر عن (محمد بن عبد القادر) في: ذيل مرآة الزمان 4/ 232-
234، والمقتفى للبرزالى 1/ ورقة 117 أو 118 أ، وتالى كتاب وفيات
الأعيان 149 رقم 241، ونهاية الأرب
(51/161)
قاضى القُضاة، عزّ الدّين، أَبُو المفاخر
الأَنْصَارِيّ، الدّمشقيّ، الشّافعيّ، المعروف بابن الصّائغ.
وُلِد سنة ثمانٍ وعشرين وستمائة.
وسمع من: أَبِي المُنَجّا بْن اللّتّيّ، وابى الْحَسَن بْن
الْجُمَّيْزيّ، وابى الحَجّاج يوسف بْن خليل، وجماعة.
وتفقّه فِي صباه عَلَى جماعة، ولازم القاضي كمال الدّين
التّفْليسيّ، وصار من أعيان أصحابه. ثمّ ولى تدريس الشّاميّة
مُشاركًا للقاضي شمس الدّين ابن المقدسيّ، بعد فصولٍ جرت، فلمّا
حضر الصّاحب بهاء الدّين إلى دمشق استقلٌ شمس الدّين بالشاميّة
وحده، وولى عزّ الدّين وكالة بيت المال، ورفع الصّاحب من قدره
ونوَّه بذكره.
ثمّ عمد إلى القاضي شمس الدّين ابن خَلَّكان فعزله بالقاضي عزّ
الدّين فِي سنة تسع وستّين، فباشر القضاء، وظهرت منه نهضة وشهامة،
وقيام فِي الحقّ ودرء للباطل، وحِفْظُ الأوقات واموال الأيتام
والأشراف، وتصدّى لذلك، فحُمِدت سيرته، وأحبّه النّاس، وأبغضه كلّ
مِرُيب، وأعلا اللَّه منار الشَّرع بِهِ.
وكان ينطوى عَلَى ديانة وورع وخوف من اللَّه تعالى ومعرفة تامّة
بالأحكام، ولكنّه كانت لَهُ بادرة من التّوبيخ والمحاققة وكشف
الأمور،
__________
[ () ] 31/ 97- 99، وتاريخ ابن الفرات 7/ 275، ودول الإسلام 2/
186، والعبر 5/ 344، 345، والإشارة إلى وفيات الأعيان 373،
والإعلام بوفيات الإعلام 285، ومرآة الجنان 4/ 199، 200، وتاريخ
ابن الوردي 2/ 232، والبداية والنهاية 13/ 304، وعيون التواريخ 21/
343، 344، والوافي بالوفيات 3/ 270، 271 رقم 1315، وطبقات الفقهاء
لابن قاضى شهبة 3/ 51- 53 رقم 488، وطبقات الشافعية الوسطى للسبكى،
والورقة 80 أ، والكبرى، له 5/ 31، وقضاة دمشق 76، والنجوم الزاهرة
7/ 364، وشذرات الذهب 5/ 383، وذيل التقييد 1/ 161 رقم 277،
والدليل الشافي 2/ 638، وطبقات الشافعية للإسنويّ 2/ 49، والسلوك ج
1 ق 3/ 727، وعقد الجمان (2) 333، 34، ودرّة الأسلاك 1/ ورقة 78،
وتذكرة النبيه 1/ 91.
(51/162)
واطّراح للرؤساء الذين يدخلون فِي العدالة
بالرئاسة والجاه. فتعصّبوا عَلَيْهِ، وتكلّموا فِيهِ، وتتبّعوا
غلطاته، وتغيّر عَلَيْهِ الصّاحب، وما بقي يمكنه عزله لأنّه.
بالغ فِي وصفه عَنْد السّلطان. ودام فِي القضاء إلى أول سنة سبْع
وسبعين، فعُزل وأعيد ابن خَلَّكّان، ففرح بعزْله خلْق. وبقي عَلَى
تدريس العذراويّة، فلمّا قدِم السّلطان الملك المنصور لغزوة حمص
سنة ثمانين إعادة إلى القضاء، وباشر فِي أوائل سنة ثمانين فعاد إلى
عادته من إقامة الشَرع وإسقاط الشهود المطعون فيهم، والغضّ من
الأعيان، فربّى لَهُ أعداء وخصوما، فتضافروا عَلَيْهِ وسعوا فِيهِ،
فامتُحِن، فجاءه رسول إلى الجامع وقد جاء إلى سنة اثنتين وثمانين
سعوا فِيه، فامتُحِن، فجاءه رسول إلى الجامع وقد جاء إلى صلاة
الجمعة، فأخذه إلى القلعة، فقال لَهُ المشدّ بدر الدّين الأقرعيّ:
قد امر السّلطان ان تجلس فِي مسجد الخيّالة. ففعل ولم يمكّن من
صلاة الجمعة، وذلك بسبب محضر أثبته تاج الدّين عَبْد القادر بْن
السّنْجاري عَلَيْهِ بحلب، بمبلغ مائة ألف دينار، وانّها عنده من
جهة الشّرف ابن الإسكاف كانت للخادم رَيحان الخليفتىّ. ثمَ إنّ
المشدّ احضر النّظام ابن الحصيرىّ نائب القاضي حسام الدّين
الحنفىّ، فنفّذ المحضر، وامضى حكم قاضى سرمين ابن الأستاذ بِهِ،
وذهب النّاس إلى القاضي يتوجّعون لَهُ، وبقي نائبة شمس الدّين
عَبْد الواسع الأبهريّ يحكم. فلمّا كَانَ فِي اليوم الثّالث منع
نائبة من الحكم، ومنع النّاس من الدّخول إلَيْهِ إلّا أقاربه، وولى
القضاء بهاء الدّين ابن الزّكىّ. ثمّ نبغ آخر، وزعم انّ حياصة
مُجَوهرة وعُصابة بقيمة خمسةٍ وعشرين ألف دينار كانت عند العماد
بْن محيي الدّين ابن العربىّ للملك الصّالح إِسْمَاعِيل ابن صاحب
حمص، وانتقلت إلى القاضي عزّ الدّين، ووكّلوا علاء الدّين على ابن
السّكاكرىّ للملك الزّاهر، وبقيّة ورثة الصّالح وذكروا انّ الشّهود
كمال الدّين ابن النّجّار والجمال أَحْمَد بْن أَبِي بَكْر
الحموىّ. ثمّ توقّف ابن النّجّار واقتحم الشّهادة الجمال وغيره،
ثمّ قَالُوا للقاضي: هذه القضيّة قد ثبتت عليك، والأخرى فِي مظنّة
الإثبات ولم يبق إلا ان تحمل المال.
فلمّا كَانَ فِي اليوم الخامس من اعتقاله أظهروا قضيّة ثالثة، وهو
انّ
(51/163)
ناصر الدّين مُحَمَّد ابن ملك الأمراء عزّ
الدّين ايدمر أودع عنده مبلغا كثيرا، فجاء المشدّ وسأله فقال:
أُحضر المبلغ إليَّ لأستودعه، فلم افعل، واسألوا الأمير بدر الدّين
أمير مجلس فإنّه الّذي احضر المبلغ. فخرج المشدّ وسأل أمير مجلس،
فصدَّق ما قاله القاضي، فلمّا كَانَ اليوم السّابع طلب المشدّ
لناصر الدّين ابن أخي القاضي وقال: تكتب لي أسماء جميع املاككم.
وهدَّده فكتب ذَلِكَ. فلمّا كَانَ يوم الجمعة ادّى الشهود عند حسام
الدّين الحنفىّ، وهم الجمال الحموىّ، بعد ان شهد عَلَيْهِ الشّيْخ
تاج الدّين، واخوه الشّيْخ شرف الدّين، وغير هما، انّه لا علم لَهُ
بهذه القضيّة، وشهد الشّهاب غازى الأمينيّ، والغرس البيانيّ،
فاستفسرهم القاضي حسام الدّين فتواقح بعضهم.
وكان الجمال من شيوخ المحدّثين، فأهانه المحدّثون، وتواصَوا ان لا
يسمعوا عَلَيْهِ بعدها.
ثمّ عمل المشدّ بداره مجلسا للحياصة، فحضر طائفة ممّن يبغض ابن
الصّائغ، منهم: ناظر الصُّحبة ابن الواسطىّ، والوكيل ابن
السَّكاكريّ، وحضر القاضي حسام الدّين، ومحيي الدّين ابن النّحّاس،
ورشيد الدّين سَعِيد، واحضر ناصر الدّين ابن أخى القاضي فقيل: قد
ادّى الشُّهود فهل لكم دافع.
فاحضر النجم السّبتىّ، والمجد محمود، فشهدا عند حسام الدّين على
القاضي عزّ الدّين بإسقاط ابن الحموىّ، وحضر الشَّيْخ على
الْمَوْصِلِيّ، والوجيه السّبتىّ فشهدا عَلَى إقرار ابن الحموىّ
انّه لا يعلم هذه القضيّة، فبدر ابن السّكاكرىّ، وقال عَلَى لسان
القاضي إنّه لا يرى ذَلِكَ دافعا. فكتب بذلك صورة مجلس، وأُمهلوا
ليحضروا دافعا. ثمّ طلب القاضي عزّ الدّين من السّلطان ان يحضر
بنفسه، ويتكلّم مَعَ خصمه من غير توكيل منهما فِي مجلس يعُقد.
فأُجيب إلى ذَلِكَ، وعُقد المجلس بمحضر القضاة الأربعة، والشيخ تاج
الدّين، والشيخ محيي الدّين ابن النّحاس، وزين الدّين الفارقىّ،
وشمس الدّين ابن الصّدر سُلَيْمَان، والقاضي عزّ الدّين المذكور،
فقال ابن السّكاكرىّ، وأشار إلى حسام الدّين: اسألكم الحكم بما ثبت
لموكّلى.
(51/164)
فقال القاضي عزّ الدّين: أَنَا سَأَلت
السّلطان أن يحضر معي خصمي:
فطلبوا الملك الزّاهر فتغيَّب، فأحضروا ولده الملك الأوحد، ثمّ
قُرِئَ المحضر، فقال القاضي عزّ الدّين للأوحد: أَنَا أحلّفك بأنّك
ما تعلم أنّ شهودك شهود زور. فقال: أنا أصبو عَنْ هذه القضيّة.
ونكل.
وقال عزّ الدّين أيضا: أَنَا أطلب من الشّهود تعيين الحياصة
والعُصابة وكم فيهما من جوهر وبَلَخْش. فأفتى بعضهم بلزوم
التّعيين، وتوقّف بعضهم فقال القاضي حسام الدّين: أَنَا أكشف هذا،
وأسأل أصحابنا، فإنّ التّعيين يختلف باختلاف الأجناس.
واحضروا فِي المجلس فحضر ابن السّنجاريّ، فقُرِئ وادّعَى بمضمونه
وكيل بيت المال زين الدّين عَلَى القاضي، فقال: لي دوافع، منها أنّ
ابن السّنجاريّ عدوّي، ومنها أنّ ابن الحصيريّ حكم عليّ من غير
حضوري ولا حضور وكيلي.
فطُلب ابن الحصيريّ فلم يتّفق حضوره، وانفصل المجلس.
ثمّ اجتمعوا بدار الحديث، وأحضِر ابن الحصيري، فقام عَلَيْهِ
الحنفيّة وقالوا: حكمك لا يصحّ. فقال: لَيْسَ حكمي بباطل، ولكنّه
لا يلزم الخصم.
وبحثوا فِي ذَلِكَ، فأحضر كُتُبًا ونقولا. وقال عزّ الدّين: لي
بيّنة تشهد بعداوة ابن السّنجاريّ. فقال: أثبت ذَلِكَ يا مولانا،
وعليك المهلة ثلاثة أيّام. وطلب ابن السّكاكريّ الحكم من الحنفيّ
عَلَى عادته وجرأته، فأخرج القاضي عزّ الدّين فتاوى الفقهاء أنّ
الدّعوى من أصلها باطلة، إذ كانت مجهولة. فأفتى بذلك من حضر
المجلس. فقال المشدّ للقاضي. ما تحكم. فقال: لا والله لا أحكم فِي
هذه القضيّة. وقام منزعجا، وانحَلّت القضيّة فكتب بذلك صورة بمجلس.
ثمّ بعد أيّام قَالَ المشدّ للقاضي عزّ الدّين: أيش المعمول!
قَالَ:
تصلّي ركعتين فِي اللّيل، وتدعو اللَّه أن يكشف لك أمري، ومهما خطر
لك بعد ذَلِكَ فافعل.
(51/165)
ثمّ سعى نائب السّلطنة حسام الدّين طرنطاي،
ولاجين، وعَلَم الدّين الدّواداريّ، وبيّنوا للسلطان أنّ القاضي ما
ثبت عَلَيْهِ شيء. وظهر أيضا أنّ ريحان الخليفتيّ تُوُفّي سنة أربع
وخمسين، وأنّ المحضر يتضمّن أن ريحان سيَّر الوديعة إلى الإسكاف في
أواخر سنة ستّ وخمسين. ثمّ قدم تجّارٌ واجتمعوا بطرنطاي، وعرّفوه:
أنّ ريحان مات وعليه دَيْن نحو اثني عشر ألف دينار وفاها عَنْهُ
الخليفة، ونحن ما رأينا هذا القاضي، ولا لنا معه غرض.
فأمر السلطان بإطلاقه مُكرمًا، فنزل من القلعة، وزار شيخ دار
الحديث، وعطف إلى ملك الأمراء لاجين فسلّم عَلَيْهِ بدار السّعادة،
ثمّ مضى إلى دار القاضي بهاء الدّين الَّذِي ولي بعده، فسلّم
عَلَيْهِ. ثمّ أقام بمنزلة بدرب النّقّاش. وطلع بعد أيّام إلى
بستانه بحمص، وبه مات إلى رحمة اللَّه وعند موته توضّأ وصلّى، وجمع
أهله وقال: هلَّلوا معي. فبقي لحظة يهلّل، وعبر إلى اللَّه تعالى،
وكان آخر قوله: لا إله إلا اللَّه.
تُوُفّي، رحمه اللَّه، فِي تاسع ربيع الآخر، وله خمسٌ وخمسون سنة.
وكان رحمه الله لا يصح بالرّاء.
202- مُحَمَّد بْن عَبْد الولي [1] بْن جبارة بْن عَبْد الوليّ.
الإِمَام، الزاهد، الصّالح، الفقيه، المتقِن، تقيّ الدّين
المقدسيّ، والد شيخنا الشّهاب المقرئ.
سَمِعَ ببغداد من هذه الطّبقة أَبِي الْحَسَن القَطِيعيّ، وجماعة.
وكان يتعاسر بالتّحديث.
وسمع بدمشق من أَبِي القاسم بْن صَصْرَى.
تُوُفّي في ذي الحجّة.
__________
[1] انظر عن (محمد بن عبد الولي) في: المقتفي للبرزالي 1/ ورقة 121
أ، والذيل على طبقات الحنابلة 2/ 312، ومختصره 85، والمنهج الأحمد
399، والمقصد الأرشد، رقم 999، والدرّ المنضّد 1/ 426 رقم 1136 وقد
تقدّم باسم «محمد بن جبارة» برقم (195) .
(51/166)
203- مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن أَحْمَد.