تاريخ الطبري تاريخ الرسل والملوك وصلة تاريخ
الطبري
الجزء الثالث
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
ذِكْرُ الأَحْدَاثِ الْكَائِنَةِ فِي
سَنَةِ سَبْعٍ مِنَ الْهِجْرَةِ
غَزْوَةُ خَيْبَرَ
ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ سَبْعٍ، فخرج رسول الله ص فِي بَقِيَّةِ
الْمُحَرَّمِ إِلَى خَيْبَرَ وَاسْتَخْلَفَ عَلَى الْمَدِينَةِ سِبَاعَ
بْنَ عُرْفُطَةَ الْغِفَارِيَّ، فَمَضَى حَتَّى نَزَلَ بِجَيْشِهِ
بِوَادٍ يُقَالُ لَهُ الرَّجِيعُ، فَنَزَلَ بَيْنَ أَهْلِ خَيْبَرَ
وَبَيْنَ غَطَفَانَ- فِيمَا حَدَّثَنَا ابن حميد قال: حَدَّثَنَا سلمة،
عن ابن إِسْحَاقَ- لِيَحُولَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ أَنْ يُمِدُّوا
أَهْلَ خَيْبَرَ، وَكَانُوا لَهُمْ مُظَاهِرِينَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ
ص.
قَالَ: فَبَلَغَنِي أَنَّ غَطَفَانَ لَمَّا سَمِعَتْ بِمَنْزَلِ رسول
الله ص مِنْ خَيْبَرَ، جَمَعُوا لَهُ، ثُمَّ خَرَجُوا لِيُظَاهِرُوا
يَهُودَ عَلَيْهِ، حَتَّى إِذَا سَارُوا مَنْقَلَةً سَمِعُوا
خَلْفَهُمْ فِي أَمْوَالِهِمْ وَأَهَالِيهِمْ حِسًّا، ظَنُّوا أَنَّ
القوم قد خالفوا إِلَيْهِمْ، فَرَجَعُوا عَلَى أَعْقَابِهِمْ،
فَأَقَامُوا فِي أَهَالِيهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ، وَخَلَّوْا بَيْنَ
رَسُولِ اللَّهِ وَبَيْنَ خَيْبَرَ، وبدا رسول الله ص بِالأَمْوَالِ
يَأْخُذُهَا مَالا مَالا، وَيَفْتَتِحُهَا حِصْنًا حِصْنًا، فَكَانَ
أَوَّلَ حُصُونِهِمُ افْتُتِحَ حِصْنُ نَاعِمٍ، وَعِنْدَهُ قُتِلَ
مَحْمُودُ بْنُ مَسْلَمَةَ، أُلْقِيَتْ عَلَيْهِ رَحًا مِنْهُ
فَقَتَلَتْهُ، ثُمَّ الْقَمُوصُ، حِصْنُ ابْنِ أَبِي الحقيق وأصاب رسول
الله ص مِنْهُمْ سَبَايَا، مِنْهُمْ صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيِّ بْنِ
أَخْطَبَ وَكَانَتْ عِنْدَ كِنَانَةَ بْنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَبِي
الْحُقَيْقِ، وَابْنَتَيْ عَمٍّ لَهَا فَاصْطَفَى رَسُولُ الله ص
صَفِيَّةَ لِنَفْسِهِ، وَكَانَ دِحْيَةُ الْكَلْبِيُّ قَدْ سَأَلَ رسول
الله صَفِيَّةَ، فَلَمَّا اصْطَفَاهَا لِنَفْسِهِ أَعْطَاهُ ابْنَتَيْ
عَمِّهَا، وَفَشَتِ السَّبَايَا مِنْ خَيْبَرَ فِي الْمُسْلِمِينَ
(3/9)
قال: ثم جعل رسول الله ص يَتَدَنَّى
الْحُصُونَ وَالأَمْوَالَ.
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قال: حَدَّثَنَا سلمة، عن محمد بن إسحاق،
عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، أَنَّهُ حَدَّثَهُ بَعْضُ
أَسْلَمَ، أَنَّ بَنِي سَهْمٍ مِنْ أَسْلَمَ، أتوا رسول الله ص،
فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَاللَّهِ لَقَدْ جَهِدْنَا وَمَا
بِأَيْدِينَا شَيْءٌ، فَلَمْ يَجِدُوا عِنْدَ رَسُولِ الله شَيْئًا
يُعْطِيهِمْ إِيَّاهُ، [فَقَالَ النَّبِيُّ:
اللَّهُمَّ إِنَّكَ قَدْ عَرَفْتَ حَالَهُمْ، وَأَنْ لَيْسَتْ بِهِمْ
قُوَّةٌ، وَأَنْ لَيْسَ بِيَدِي شَيْءٌ أُعْطِيهِمْ إِيَّاهُ،
فَافْتَحْ عَلَيْهِمْ أَعْظَمَ حُصُونِهَا، أَكْثَرَهَا طَعَامًا
وَوَدَكًا] فَغَدَا النَّاسُ، فَفَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ حِصْنَ
الصَّعْبِ بْنِ مُعَاذٍ، وَمَا بِخَيْبَرَ حِصْنٌ كَانَ أَكْثَرَ
طَعَامًا وَوَدَكًا مِنْهُ.
قَالَ: وَلَمَّا افْتَتَحَ رَسُولُ اللَّهِ ص مِنْ حُصُونِهِمْ مَا
افْتَتَحَ، وَحَازَ مِنَ الأَمْوَالِ مَا حَازَ، انْتَهَوْا إِلَى
حِصْنِهِمْ الْوَطِيحِ وَالسَّلالِمِ- وَكَانَ آخِرَ حُصُونِ خَيْبَرَ
افْتُتِحَ- حَاصَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ بِضْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً.
فَحَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنْ
مُحَمَّدِ بن إسحاق، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَهْلِ بْنِ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بْنِ سَهْلٍ أَخِي بَنِي حَارِثَةَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ
عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِيِّ، قَالَ: خَرَجَ مَرْحَبٌ الْيَهُودِيُّ
مِنْ حِصْنِهِمْ، قَدْ جَمَعَ سِلاحَهُ وَهُوَ يَرْتَجِزُ، وَيَقُولُ:
قَدْ عَلِمَتْ خَيْبَرُ أَنِّي مَرْحَبُ شَاكِي السِّلاحِ بَطَلٌ
مُجَرَّبُ أَطْعَنُ أَحْيَانًا وَحِينًا أَضْرِبُ إِذَا اللُّيُوثُ
أَقْبَلَتْ تُحَرَّبُ كَانَ حِمَايَ، لِلْحِمَى لا يُقْرَبُ.
وَهُوَ يَقُولُ: هَلْ من مبارز! [فقال رسول الله ص:
مَنْ لِهَذَا؟ فَقَامَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ، فَقَالَ: أَنَا لَهُ
يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنَا وَاللَّهِ الْمَوْتُورُ الثَّائِرُ،
قَتَلُوا أَخِي بِالأَمْسِ! قَالَ: فَقُمْ إِلَيْهِ، اللَّهُمَّ
أَعِنْهُ عَلَيْهِ] .
فَلَمَّا أَنْ دَنَا كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ صَاحِبِهِ، دَخَلَتْ
بَيْنَهُمَا شجره عمريه
(3/10)
مِنْ شَجَرِ الْعُشَرِ، فَجَعَلَ
أَحَدُهُمَا يَلُوذُ بِهَا مِنْ صَاحِبِهِ، فَكُلَّمَا لاذَ بِهَا
اقْتَطَعَ بِسَيْفِهِ مِنْهَا مَا دُونَهُ مِنْهَا، حَتَّى بَرَزَ
كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ، وَصَارَتْ بَيْنَهُمَا
كَالرَّجُلِ الْقَائِمِ، مَا بَيْنَهُمَا فَنَنٌ، ثُمَّ حَمَلَ
مَرْحَبٌ عَلَى مُحَمَّدٍ فَضَرَبَهُ، فَاتَّقَاهُ بِالدَّرَقَةِ
فَوَقَعَ سَيْفُهُ فِيهَا، فعضت به فامسكته، وضربه محمد ابن مَسْلَمَةَ
حَتَّى قَتَلَهُ.
ثُمَّ خَرَجَ بَعْدَ مَرْحَبٍ أَخُوهُ يَاسِرٌ، يَرْتَجِزُ وَيَقُولُ:
قَدْ عَلِمَتْ خَيْبَرُ انى ياسر شاكى السِّلاحِ بَطَلٌ مُغَاوِرُ
إِذَا اللُّيُوثُ أَقْبَلَتْ تُبَادِرُ وَأَحْجَمَتْ عَنْ صَوْلَتِي
الْمَغَاوِرُ إِنَّ حِمَايَ فِيهِ موت حاضر.
وَحَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، قَالَ:
حدثنى محمد ابن إِسْحَاقَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، أَنَّ
الزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَّامِ خَرَجَ إِلَى يَاسِرٍ، فَقَالَتْ أُمُّهُ
صَفِيَّةُ بِنْتُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ: أَيُقْتَلُ ابْنِي يَا رَسُولَ
اللَّهِ؟ قَالَ:
بَلِ ابْنُكِ يَقْتُلُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ فَخَرَجَ الزُّبَيْرُ
وَهُوَ يَقُولُ:
قَدْ عَلِمَتْ خَيْبَرُ أَنِّي زَبَّارْ قَرْمٌ لِقَوْمٍ غَيْرُ نِكْسٍ
فَرَّارْ ابْنُ حُمَاةِ الْمَجْدِ وَابْنُ الأَخْيَارْ يَاسِرُ لا
يَغْرُرْكَ جَمْعُ الْكُفَّارْ فَجَمْعُهُمْ مِثْلُ السَّرَابِ
الْجَرَّارْ.
ثُمَّ الْتَقَيَا فَقَتَلَهُ الزُّبَيْرُ.
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ،
قال: حَدَّثَنَا عَوْفٌ، عَنْ مَيْمُونٍ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّ
عَبْدَ اللَّهِ بْنَ بُرَيْدَةَ حَدَّثَ عَنْ بُرَيْدَةَ
الأَسْلَمِيِّ، قَالَ: لَمَّا كَانَ حِينَ نزل رسول الله ص بحصن اهل
خيبر، اعطى رسول الله ص اللِّوَاءَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، وَنَهَضَ
مَنْ نَهَضَ
(3/11)
مَعَهُ مِنَ النَّاسِ، فَلَقَوْا أَهْلَ
خَيْبَرَ، فَانْكَشَفَ عمر واصحابه، فرجعوا الى رسول الله ص، يجبنه
اصحابه ويجبنهم، [فقال رسول الله ص:
لأُعْطِيَنَّ اللِّوَاءَ غَدًا رَجُلا يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ،
وَيُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ] .
فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ تَطَاوَلَ لَهَا أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ،
فَدَعَا عَلِيًّا ع وَهُوَ أَرْمَدُ، فَتَفَلَ فِي عَيْنَيْهِ،
وَأَعْطَاهُ اللِّوَاءَ، وَنَهَضَ مَعَهُ مِنَ النَّاسِ مَنْ نَهَضَ
قَالَ: فَلَقِيَ أَهْلَ خَيْبَرَ، فَإِذَا مَرْحَبٌ يَرْتَجِزُ
وَيَقُولُ:
قَدْ عَلِمَتْ خَيْبَرُ أَنِّي مَرْحَبُ شَاكِي السِّلاحِ بَطَلٌ
مُجَرَّبُ أَطْعَنُ أَحْيَانًا وَحِينًا أَضْرِبُ إِذَا اللُّيُوثُ
أَقْبَلَتْ تَلَهَّبُ فَاخْتَلَفَ هُوَ وَعَلِيٌّ ضَرْبَتَيْنِ،
فَضَرَبَهُ عَلِيٌّ عَلَى هَامَتِهِ، حَتَّى عَضَّ السَّيْفُ مِنْهَا
بِأَضْرَاسِهِ، وَسَمِعَ أَهْلُ الْعَسْكَرِ صَوْتَ ضَرْبَتِهِ، فما
تتام آخر الناس مع على ع حَتَّى فَتَحَ اللَّهُ لَهُ وَلَهُمْ.
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ،
قَالَ: حَدَّثَنَا الْمُسَيَّبُ بْنُ مُسْلِمٍ الأَوْدِيُّ، قَالَ:
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كان
رسول الله ص رُبَّمَا أَخَذَتْهُ الشَّقِيقَةُ، فَيَلْبَثُ الْيَوْمَ
وَالْيَوْمَيْنِ لا يخرج فلما نزل رسول الله ص خَيْبَرَ أَخَذَتْهُ
الشَّقِيقَةُ فَلَمْ يَخْرُجْ إِلَى النَّاسِ وَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ
أَخَذَ رَايَةَ رَسُولِ اللَّهِ، ثُمَّ نَهَضَ فَقَاتَلَ قِتَالا
شَدِيدًا، ثُمَّ رَجَعَ فَأَخَذَهَا عُمَرُ فَقَاتَلَ قِتَالا شَدِيدًا
هُوَ أَشَدُّ مِنَ الْقِتَالِ الأَوَّلِ، ثُمَّ رَجَعَ فَأَخْبَرَ
بِذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ، [فَقَالَ: أَمَا وَاللَّهِ لأُعْطِيَنَّهَا
غَدًا رَجُلا يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، وَيُحِبُّهُ اللَّهُ
وَرَسُولُهُ، يأخذها عنوه]- قال: وليس ثم على ع- فَتَطَاوَلَتْ لَهَا
قُرَيْشٌ، وَرَجَا كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَنْ يَكُونَ صَاحِبَ
ذَلِكَ،
(3/12)
فاصبح فجاء على ع عَلَى بَعِيرٍ لَهُ،
حَتَّى أَنَاخَ قَرِيبًا مِنْ خباء رسول الله ص وَهُوَ أَرْمَدُ،
وَقَدْ عَصَبَ عَيْنَيْهِ بِشِقَّةِ بُرْدٍ قطري، فقال رسول الله ص:
مَا لَكَ؟ قَالَ: رَمِدَتْ بَعْدُ، فَقَالَ رَسُولُ الله ص: ادن منى،
فدنا فَتَفَلَ فِي عَيْنَيْهِ، فَمَا وجعهُمَا حَتَّى مَضَى
لِسَبِيلِهِ ثُمَّ أَعْطَاهُ الرَّايَةَ، فَنَهَضَ بِهَا مَعَهُ
وَعَلَيْهِ حُلَّةٌ أُرْجُوَانٌ حَمْرَاءُ قَدْ أُخْرِجَ خَمَلُهَا
فَأَتَى مَدِينَةَ خَيْبَرَ، وَخَرَجَ مَرْحَبٌ صَاحِبُ الْحِصْنِ
وَعَلَيْهِ مِغْفَرٌ مُعَصْفَرٌ يَمَانٍ، وَحَجَرٌ قَدْ ثَقَبَهُ
مِثْلَ الْبَيْضَةِ عَلَى رَأْسِهِ، وَهُوَ يَرْتَجِزُ وَيَقُولُ:
قَدْ عَلِمَتْ خَيْبَرُ أَنِّي مَرْحَبُ شَاكِي السِّلاحِ بطل مجرب
فقال على ع:
أَنَا الَّذِي سَمَّتْنِي أُمِّي حَيْدَرَهْ أَكِيلُكُمْ بِالسَّيْفِ
كَيْلَ السَّنْدَرَهْ لَيْثٌ بِغَابَاتٍ شَدِيدٌ قَسْوَرَهْ.
فَاخْتَلَفَا ضَرْبَتَيْنِ، فَبَدَرَهُ عَلِيٌّ فَضَرَبَهُ، فَقَدَّ
الْحَجَرَ وَالْمِغْفَرَ وَرَأْسَهُ، حَتَّى وَقَعَ فِي الأَضْرَاسِ
وَأَخَذَ الْمَدِينَةَ.
حَدَّثَنَا ابن حميد، قال: حَدَّثَنَا سلمة، عن محمد بن إسحاق، عن عبد
الله بن الْحَسَنِ، عَنْ بَعْضِ أَهْلِهِ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ مولى
رسول الله ص، قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ حين
بعثه رسول الله ص بِرَايَتِهِ، فَلَمَّا دَنَا مِنَ الْحِصْنِ خَرَجَ
إِلَيْهِ أَهْلُهُ، فَقَاتَلَهُمْ فَضَرَبَهُ رَجُلٌ مِنَ الْيَهُودِ،
فَطَرَحَ تِرْسَهُ مِنْ يَدِهِ، فَتَنَاوَلَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ بَابًا كَانَ عِنْدَ الْحِصْنِ، فَتَتَرَّسَ بِهِ عَنْ
نَفْسِهِ، فَلَمْ يَزَلْ فِي يَدِهِ وَهُوَ يُقَاتِلُ، حَتَّى فَتَحَ
اللَّهُ عَلَيْهِ، ثُمَّ أَلْقَاهُ مِنْ يَدِهِ حِينَ فَرَغَ، فَلَقَدْ
رَأَيْتُنِي فِي نَفَرٍ سَبْعَةٌ أَنَا ثَامِنُهُمْ، نَجْهَدُ عَلَى
أَنْ نَقْلِبَ ذَلِكَ الْبَابَ فَمَا نَقْلِبُهُ.
حَدَّثَنَا ابْنُ حميد، قال: حَدَّثَنَا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: ولما
(3/13)
فتح رسول الله ص الْقَمُوصَ، حِصْنَ ابْنِ
أَبِي الْحُقَيْقِ، أُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ بِصَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيِّ
بْنِ أَخْطَبَ، وَبِأُخْرَى مَعَهَا، فَمَرَّ بِهِمَا بِلالٌ- وَهُوَ
الَّذِي جَاءَ بِهِمَا- عَلَى قَتْلَى مِنْ قَتْلَى يَهُودَ، فَلَمَّا
رَأَتْهُمُ الَّتِي مَعَ صَفِيَّةَ صَاحَتْ وَصَكَّتْ وَجْهَهَا،
وَحَثَتِ التُّرَابَ عَلَى رَأْسِهَا، فَلَمَّا رَآهَا رَسُولُ اللَّهِ
قَالَ: أَغْرِبُوا عَنِّي هَذِهِ الشَّيْطَانَةَ، وَأَمَرَ بِصَفِيَّةَ
فَحِيزَتْ خَلْفَهُ، وَأُلْقِيَ عَلَيْهَا رِدَاؤُهُ، فَعَرَفَ
المسلمون ان رسول الله ص قد اصطفاها لنفسه، [فقال رسول الله ص
لِبِلالٍ- فِيمَا بَلَغَنِي- حِينَ رَأَى مِنْ تِلْكَ الْيَهُودِيَّةِ
مَا رَأَى:
أَنُزِعَتْ مِنْكَ الرَّحْمَةُ يَا بِلالُ، حَيْثُ تَمُرُّ
بِامْرَأَتَيْنِ عَلَى قَتْلَى رِجَالِهِمَا!] وَكَانَتْ صَفِيَّةُ
قَدْ رَأَتْ فِي الْمَنَامِ وَهِيَ عَرُوسٌ بِكِنَانَةَ بْنِ
الرَّبِيعِ بْنِ أَبِي الْحُقَيْقِ، أَنَّ قَمَرًا وَقَعَ فِي
حِجْرِهَا، فَعَرَضَتْ رُؤْيَاهَا عَلَى زَوْجِهَا فَقَالَ: مَا هَذَا
إِلا أَنَّكِ تَمَنِّينَ مَلِكَ الْحِجَازِ مُحَمَّدًا، فَلَطَمَ
وَجْهَهَا لَطْمَةً اخْضَرَّتْ عَيْنُهَا مِنْهَا، فَأُتِيَ بِهَا
رَسُولُ اللَّهِ ص وَبِهَا أَثَرٌ مِنْهَا، فَسَأَلَهَا: مَا هُوَ؟
فَأَخْبَرَتْهُ هَذَا الْخَبَرَ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَأُتِيَ رَسُولُ الله ص بِكِنَانَةَ بْنِ
الرَّبِيعِ بْنِ أَبِي الْحُقَيْقِ- وَكَانَ عِنْدَهُ كَنْزُ بَنِي
النَّضِيرِ- فَسَأَلَهُ فَجَحَدَ أَنْ يكون يعلم مكانه، فاتى رسول الله
ص برجل من يهود، فقال لرسول الله ص: إِنِّي قَدْ رَأَيْتُ كِنَانَةَ
يُطِيفُ بِهَذِهِ الْخَرِبَةِ كُلَّ غَدَاةٍ.
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ لِكِنَانَةَ: أَرَأَيْتَ ان وجدناه عندك،
ااقتلك؟ قال: نعم، فامر رسول الله ص بِالْخَرِبَةِ فَحُفِرَتْ،
فَأُخْرِجَ مِنْهَا بَعْضُ كَنْزِهِمْ، ثُمَّ سَأَلَهُ مَا بَقِيَ،
فَأَبَى أَنْ يُؤَدِّيَهُ، [فَأَمَرَ به رسول الله ص الزُّبَيْرَ بْنَ
الْعَوَّامِ، فَقَالَ: عَذِّبْهُ حَتَّى تَسْتَأْصِلَ مَا عِنْدَهُ،]
فَكَانَ الزُّبَيْرُ يَقْدَحُ بِزَنْدِهِ فِي صَدْرِهِ حَتَّى أَشْرَفَ
عَلَى نَفْسِهِ، ثُمَّ دَفَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ إِلَى مُحَمَّدِ بْنِ
مَسْلَمَةَ، فَضَرَبَ عُنُقَهُ بِأَخِيهِ مَحْمُودِ بْنِ مَسْلَمَةَ
وَحَاصَرَ رَسُولُ الله ص أَهْلَ خَيْبَرَ فِي حِصْنَيْهِمُ،
الْوَطِيحَ وَالسَّلالِمَ، حَتَّى إِذَا أَيْقَنُوا بِالْهَلَكَةِ
سَأَلُوهُ
(3/14)
أَنْ يُسَيِّرَهُمْ وَيَحْقِنَ لَهُمْ
دِمَاءَهُمْ، فَفَعَلَ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ قَدْ حَازَ الأَمْوَالَ
كُلَّهَا:
الشِّقَّ وَنَطَاةَ وَالْكَتِيبَةَ، وَجَمِيعَ حُصُونِهِمْ إِلا مَا
كَانَ مِنْ ذَيْنِكَ الْحِصْنَيْنِ.
فَلَمَّا سَمِعَ بِهِمْ أَهْلُ فَدَكَ قَدْ صَنَعُوا مَا صَنَعُوا
بَعَثُوا إِلَى رسول الله ص يَسْأَلُونَهُ أَنْ يُسَيِّرَهُمْ
وَيَحْقِنَ دِمَاءَهُمْ لَهُمْ، وَيُخَلُّوا له الأَمْوَالَ، فَفَعَلَ،
وَكَانَ فِيمَنْ مَشَى بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ فِي ذَلِكَ
مُحَيِّصَةُ بْنُ مَسْعُودٍ، أَخُو بَنِي حَارِثَةَ، فَلَمَّا نَزَلَ
أَهْلُ خَيْبَرَ عَلَى ذَلِكَ، سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ أَنْ
يُعَامِلَهُمْ بِالأَمْوَالِ عَلَى النِّصْفِ، وَقَالُوا: نَحْنُ
أَعْلَمُ بِهَا منكم، واعمر لها، فصالحهم رسول الله ص عَلَى النِّصْفِ،
عَلَى أَنَّا إِذَا شِئْنَا أَنْ نُخْرِجَكُمْ أَخْرَجْنَاكُمْ،
وَصَالَحَهُ أَهْلُ فَدَكَ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ، فَكَانَتْ خَيْبَرُ
فَيْئًا لِلْمُسْلِمِينَ، وَكَانَتْ فَدَكُ خالصه لرسول الله ص،
لأَنَّهُمْ لَمْ يَجْلِبُوا عَلَيْهَا بِخَيْلٍ وَلا رِكابٍ.
فلما اطمان رسول الله ص أَهْدَتْ لَهُ زَيْنَبُ بِنْتُ الْحَارِثِ
امْرَأَةُ سَلامِ بْنِ مِشْكَمٍ شَاةً مَصْلِيَّةً، وَقَدْ سَأَلَتْ:
أَيُّ عُضْوٍ مِنَ الشَّاةِ أَحَبُّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ؟ فَقِيلَ
لَهَا: الذِّرَاعُ، فَأَكْثَرَتْ فِيهَا السُّمَّ، فَسَمَّتْ سَائِرَ
الشَّاةِ، ثُمَّ جَاءَتْ بِهَا، فَلَمَّا وَضَعَتْهَا بين يدي رسول
الله ص تَنَاوَلَ الذِّرَاعَ، فَأَخَذَهَا فَلاكَ مِنْهَا مُضْغَةً
فَلَمْ يسغها، ومعه بشر بن البراء ابن مَعْرُورٍ، وَقَدْ أَخَذَ
مِنْهَا كَمَا أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ، فَأَمَّا بِشْرٌ فَأَسَاغَهَا،
وَأَمَّا رَسُولُ اللَّهِ فَلَفَظَهَا، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ هَذَا
الْعَظْمَ لَيُخْبِرُنِي أَنَّهُ مَسْمُومٌ، ثُمَّ دَعَا بِهَا
فَاعْتَرَفَتْ، فَقَالَ: مَا حَمَلَكِ عَلَى ذَلِكَ؟ قَالَتْ:
بُلِّغْتُ مِنْ قَوْمِي مَا لَمْ يَخْفَ عَلَيْكَ، فَقُلْتُ: إِنْ
كَانَ نَبِيًّا فَسَيُخْبَرُ، وَإِنْ كَانَ مَلِكًا اسْتَرَحْتُ منه،
فتجاوز عنها النبي ص وَمَاتَ بِشْرُ بْنُ الْبَرَاءِ مِنْ أَكْلَتِهِ
الَّتِي أَكَلَ.
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنْ
مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ مَرْوَانَ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي
سَعِيدِ بْنِ الْمُعَلَّى، قَالَ: وقد كان رسول الله ص
(3/15)
قَالَ فِي مَرَضِهِ الَّذِي تُوُفِّيَ
فِيهِ- وَدَخَلَتْ عَلَيْهِ أُمُّ بِشْرِ بْنِ الْبَرَاءِ تَعُودُهُ:
يَا أُمَّ بِشْرٍ، إِنَّ هَذَا الأَوَانَ وَجَدْتُ انْقِطَاعَ
أَبْهَرِي مِنَ الأَكْلَةِ الَّتِي أَكَلْتُ مَعَ ابْنِكِ بِخَيْبَرَ.
قَالَ: وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ يَرَوْنَ أَنَّ رَسُولَ الله ص قَدْ
مَاتَ شَهِيدًا مَعَ مَا أَكْرَمَهُ اللَّهُ بِهِ مِنَ النُّبُوَّةِ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَلَمَّا فرغ رسول الله ص مِنْ خَيْبَرَ
انْصَرَفَ إِلَى وَادِي الْقُرَى فَحَاصَرَ أَهْلَهُ لَيَالِيَ، ثُمَّ
انْصَرَفَ رَاجِعًا إِلَى الْمَدِينَةِ
ذكر غزوه رسول الله ص وَادِي الْقُرَى
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سلمة، عن ابن إسحاق، عن
ثور ابن زَيْدٍ، عَنْ سَالِمٍ مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُطِيعٍ،
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: لَمَّا انْصَرَفْنَا مع رسول الله ص
مِنْ خَيْبَرَ إِلَى وَادِي الْقُرَى، نَزَلْنَا أَصْلا مع مغارب
الشمس، ومع رسول الله ص غُلامٌ لَهُ، أَهْدَاهُ إِلَيْهِ رِفَاعَةُ
بْنُ زَيْدٍ الجذامى، ثم الضبيبى، فو الله انا لنضع رحل رسول الله ص
إِذْ أَتَاهُ سَهْمُ غَرْبٍ، فَأَصَابَهُ فَقَتَلَهُ، فَقُلْنَا: هنيئا
له الجنه! [فقال رسول الله ص: كَلا وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ
بِيَدِهِ، إِنَّ شَمْلَتَهُ الان لتحرق عليه في النار قال: وكان
غَلَّهَا مِنْ فَيْءِ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَ خَيْبَرَ] قَالَ: فسمعها
رجل من اصحاب رسول الله ص فَأَتَاهُ، [فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ،
أَصَبْتُ شِرَاكَيْنِ لِنَعْلَيْنِ لِي، قَالَ: فَقَالَ:
يُقَدُّ لَكَ مِثْلَهُمَا مِنَ النَّارِ] .
وَفِي هَذِهِ السَّفْرَةِ نَامَ رَسُولُ الله ص وَأَصْحَابُهُ عَنْ
صَلاةِ الصُّبْحِ حَتَّى طَلَعَتِ الشَّمْسِ، حَدَّثَنَا ابْنُ
حُمَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عن ابن إسحاق،
(3/16)
عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ
الْمُسَيِّبِ، قَالَ: لما انصرف رسول الله ص مِنْ خَيْبَرَ، وَكَانَ
بِبَعْضِ الطَّرِيقِ، قَالَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ: مَنْ رَجُلٌ
يَحْفَظُ عَلَيْنَا الْفَجْرَ، لَعَلَّنَا نَنَامُ؟ فَقَالَ بِلالٌ:
أَنَا يَا رَسُولَ الله احفظ لك، فنزل رسول الله ص، وَنَزَلَ النَّاسُ
فَنَامُوا، وَقَامَ بِلالٌ يُصَلِّي، فَصَلَّى مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ
يُصَلِّيَ ثُمَّ اسْتَنَدَ إِلَى بَعِيرِهِ، وَاسْتَقَبَلَ الْفَجْرَ
يَرْمُقُهُ، فَغَلَبَتْهُ عَيْنُهُ، فَنَامَ فَلَمْ يُوقِظْهُمْ إِلا
مَسُّ الشَّمْسِ، وَكَانَ رسول الله ص أَوَّلَ أَصْحَابِهِ هَبَّ مِنْ
نَوْمِهِ، فَقَالَ: مَاذَا صَنَعْتَ بِنَا يَا بِلالُ! فَقَالَ:
يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَخَذَ بِنَفْسِي الَّذِي أَخَذَ بِنَفْسِكَ،
قَالَ: صدقت ثم اقتاد رسول الله غَيْرَ كَثِيرٍ، ثُمَّ أَنَاخَ
فَتَوَضَّأَ وَتَوَضَّأَ النَّاسُ، ثُمَّ أَمَرَ بِلالا فَأَقَامَ
الصَّلاةَ، فَصَلَّى بِالنَّاسِ، فَلَمَّا سَلَّمَ أَقْبَلَ عَلَى
النَّاسِ، [فَقَالَ: إِذَا نَسِيتُمُ الصَّلاةَ فَصَلُّوهَا إِذَا
ذَكَرْتُمُوهَا، فَإِنَّ اللَّهَ عز وجل يقول: «وَأَقِمِ الصَّلاةَ
لِذِكْرِي] » .
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَكَانَ فَتْحُ خَيْبَرَ فِي صفر.
قال: وشهد مع رسول الله ص نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءِ الْمُسْلِمِينَ،
فَرَضَخَ لَهُنَّ رَسُولُ الله من الفيء ولم يضرب لهن بسهم
. امر الحجاج بن علاط السلمى
قَالَ: وَلَمَّا فُتِحَتْ خَيْبَرُ قَالَ الْحَجَّاجُ بْنُ علاط السلمى
ثم البهزى لرسول الله ص: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ لِي مَالا
بِمَكَّةَ عِنْدَ صَاحِبَتِي أُمِّ شَيْبَةَ بِنْتِ أَبِي طَلْحَةَ-
وكانت عنده، له منها معرض بن الحجاج- ومال متفرق فِي تُجَّارِ أَهْلِ
مَكَّةَ، فَأْذَنْ لِي يَا رسول الله فاذن له رسول الله ص، ثُمَّ
قَالَ: إِنَّهُ لا بُدَّ لِي مِنْ أَنْ أَقُولَ، قَالَ: قُلْ، قَالَ
الْحَجَّاجُ: فَخَرَجْتُ حَتَّى إِذَا قَدِمْتُ مَكَّةَ، فَوَجَدْتُ
بِثَنِيَّةِ الْبَيْضَاءِ رِجَالا مِنْ قُرَيْشٍ يَتَسَمَّعُونَ
الأَخْبَارَ، وَيَسْأَلُونَ عَنْ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ، وَقَدْ
بَلَغَهُمْ أَنَّهُ قَدْ سار
(3/17)
إِلَى خَيْبَرَ، وَقَدْ عَرَفُوا أَنَّهَا
قَرْيَةُ الْحِجَازِ، ريفا ومنعه وَرِجَالا، فَهُمْ يَتَحَسَّسُونَ
الأَخْبَارَ، فَلَمَّا رَأَوْنِي قَالُوا: الْحَجَّاجُ بْنُ عِلاطٍ-
وَلَمْ يَكُونُوا عَلِمُوا بِإِسْلامِي- عِنْدَهُ وَاللَّهِ الْخَبَرَ!
أَخْبِرْنَا بِأَمْرِ مُحَمَّدٍ، فَإِنَّهُ قَدْ بَلَغَنَا أَنَّ
الْقَاطِعَ قَدْ سَارَ إِلَى خَيْبَرَ، وَهِيَ بَلْدَةُ يَهُودَ
وَرِيفُ الْحِجَازِ قَالَ: قُلْتُ: قَدْ بَلَغَنِي ذَلِكَ، وَعِنْدِي
مِنَ الْخَبَرِ مَا يَسُرُّكُمْ قَالَ: فَالْتَاطُوا بِجَنْبَيْ
نَاقَتِي يَقُولُونَ: إِيهِ يَا حَجَّاجُ! قَالَ: قُلْتُ: هُزِمُوا
هَزِيمَةً لَمْ تَسْمَعُوا بِمِثْلِهَا قَطُّ، وَقُتِلَ أَصْحَابُهُ
قَتْلا لَمْ تَسْمَعُوا بِمِثْلِهِ قَطُّ، وَأُسِرَ مُحَمَّدٌ أَسْرًا،
وَقَالُوا: لَنْ نَقْتُلَهُ حَتَّى نَبْعَثَ بِهِ إِلَى مَكَّةَ
فَيَقْتُلُوهُ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ بِمَنْ كَانَ أَصَابَ مِنْ
رِجَالِهِمْ قَالَ: فَقَامُوا فَصَاحُوا بِمَكَّةَ وَقَالُوا: قَدْ
جَاءَكُمُ الْخَبَرُ، وَهَذَا مُحَمَّدٌ إِنَّمَا تَنْتَظِرُونَ أَنْ
يُقْدَمَ بِهِ عَلَيْكُمْ فَيُقْتَلَ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ قَالَ:
قُلْتُ: أَعِينُونِي عَلَى جَمْعِ مَالِي بِمَكَّةَ عَلَى غُرَمَائِي،
فَإِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَقْدُمَ خَيْبَرَ، فَأُصِيبَ مِنْ فَلِّ
مُحَمَّدٍ وَأَصْحَابِهِ قَبْلَ أَنْ يَسْبِقَنِي التُّجَّارُ إِلَى
مَا هُنَالِكَ.
قَالَ: فَقَامُوا فَجَمَعُوا مَالِي كَأَحَثِّ جَمْعٍ سَمِعْتُ بِهِ
فَجِئْتُ صَاحِبَتِي فَقُلْتُ: مَالِي- وَقَدْ كَانَ لِي عِنْدَهَا
مَالٌ مَوْضُوعٌ- لَعَلِّي أَلْحَقُ بِخَيْبَرَ، فَأُصِيبُ مِنْ فُرَصِ
الْبَيْعِ قَبْلَ أَنْ يَسْبِقَنِي إِلَيْهِ التُّجَّارُ فَلَمَّا
سَمِعَ الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ الْخَبَرَ وَجَاءَهُ
عَنِّي، أَقْبَلَ حَتَّى وَقَفَ إِلَى جَنْبِي، وَأَنَا فِي خَيْمَةٍ
مِنْ خِيَامِ التُّجَّارِ، فَقَالَ: يَا حَجَّاجُ، مَا هَذَا الَّذِي
جِئْتَ بِهِ؟ قَالَ: قُلْتُ: وَهَلْ عِنْدَكَ حِفْظٌ لِمَا وَضَعْتُ
عِنْدَكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قُلْتُ: فَاسْتَأْخِرْ عَنِّي حَتَّى
أَلْقَاكَ عَلَى خَلاءٍ، فَإِنِّي فِي جَمْعِ مَالِي كَمَا تَرَى،
فَانْصَرِفْ عَنِّي حَتَّى إِذَا فَرَغْتُ مِنْ جَمْعِ كُلِّ شَيْءٍ
كَانَ لِي بِمَكَّةَ، وَأَجْمَعْتُ الْخُرُوجَ، لَقِيتُ الْعَبَّاسَ،
فَقُلْتُ: احْفَظْ عَلَيَّ حَدِيثِي يَا أَبَا الْفَضْلِ، فَإِنِّي
أَخْشَى الطَّلَبَ ثَلاثًا، ثُمَّ قُلْ مَا شِئْتَ قَالَ: أَفْعَلُ،
قَالَ: قُلْتُ فَإِنِّي وَاللَّهِ لَقَدْ تَرَكْتُ ابْنَ أَخِيكَ
عَرُوسًا عَلَى ابْنَةِ مَلِكِهِمْ- يَعْنِي صَفِيَّةَ بنت حيي ابن
أَخْطَبَ- وَلَقَدِ افْتَتَحَ خَيْبَرَ، وَانْتَثَلَ مَا فِيهَا،
وَصَارَتْ لَهُ وَلأَصْحَابِهِ.
قَالَ: مَا تَقُولُ يَا حَجَّاجُ! قَالَ: قُلْتُ: إِي وَاللَّهِ،
فَاكْتُمْ عَلَيَّ، ولقد اسلمت
(3/18)
وَمَا جِئْتُ إِلا لآخُذَ مَالِي فَرَقًا
مِنْ أَنْ أُغْلَبَ عَلَيْهِ، فَإِذَا مَضَتْ ثَلاثٌ فَأَظْهِرْ
أَمْرَكَ، فَهُوَ وَاللَّهِ عَلَى مَا تُحِبُّ قَالَ: حَتَّى إِذَا
كَانَ الْيَوْمُ الثَّالِثُ لَبِسَ الْعَبَّاسُ حُلَّةً لَهُ،
وَتَخَلَّقَ وَأَخَذَ عَصَاهُ، ثُمَّ خَرَجَ حَتَّى أَتَى الْكَعْبَةَ،
فَطَافَ بِهَا، فَلَمَّا رَأَوْهُ قَالُوا:
يَا أَبَا الْفَضْلِ، هَذَا وَاللَّهِ التَّجَلُّدُ لِحَرِّ
الْمُصِيبَةِ! قَالَ: كَلا وَالَّذِي حَلَفْتُمْ بِهِ! لَقَدِ
افْتَتَحَ مُحَمَّدٌ خَيْبَرَ، وَتُرِكَ عَرُوسًا عَلَى ابْنَةِ
مَلِكِهِمْ، وَأَحْرَزَ أَمْوَالَهَا وَمَا فِيهَا، فَأَصْبَحَتْ لَهُ
وَلأَصْحَابِهِ قَالُوا: مَنْ جَاءَكَ بِهَذَا الْخَبَرِ؟ قَالَ:
الَّذِي جَاءَكُمْ بِمَا جَاءَكُمْ بِهِ، لَقَدْ دَخَلَ عَلَيْكُمْ
مُسْلِمًا، وَأَخَذَ مَالَهُ وَانْطَلَقَ لِيَلْحَقَ برسول الله
واصحابه فيكون معه، قالوا: يال عباد اللَّهِ! أَفْلَتَ عَدُوُّ
اللَّهِ! أَمَا وَاللَّهِ لَوْ عَلِمْنَا لَكَانَ لَنَا وَلَهُ شَأْنٌ،
وَلَمْ يَنْشَبُوا ان جاءهم الخبر بذلك
ذكر مقاسم خيبر وأموالها
حَدَّثَنَا ابن حميد، قال: حَدَّثَنَا سلمة، عن مُحَمَّدِ بْنِ
إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ،
قَالَ: كَانَتِ الْمَقَاسِمُ عَلَى أَمْوَالِ خَيْبَرَ عَلَى الشِّقِّ
وَنَطَاةَ وَالْكَتِيبَةِ، فَكَانَتِ الشِّقُّ وَنَطَاةُ فِي سُهْمَانِ
الْمُسْلِمِينَ، وَكَانَتِ الْكَتِيبَةُ خمس الله عز وجل وخمس النبي ص،
وَسَهْمَ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ
السَّبِيلِ، وَطُعْمَ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ، وَطُعْمَ رِجَالٍ مَشَوْا
بَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ وَبَيْنَ أَهْلِ فَدَكَ بِالصُّلْحِ، مِنْهُمْ
محيصه ابن مسعود، اعطاه رسول الله ص مِنْهَا ثَلاثِينَ وَسْقَ شَعِيرٍ،
وَثَلاثِينَ وَسْقَ تَمْرٍ وَقُسِّمَتْ خَيْبَرُ عَلَى أَهْلِ
الْحُدَيْبِيَةِ، مَنْ شَهِدَ مِنْهُمْ خَيْبَرَ وَمَنْ غَابَ عَنْهَا،
وَلَمْ يَغِبْ عَنْهَا إِلا جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حرام
الأنصاري، فقسم له رسول الله ص كَسَهْمِ مَنْ حَضَرَهَا
(3/19)
قال: ولما فرغ رسول الله ص مِنْ خَيْبَرَ
قَذَفَ اللَّهُ الرُّعْبَ فِي قُلُوبِ أَهْلِ فَدَكَ حِينَ بَلَغَهُمْ
مَا أَوْقَعَ اللَّهُ بِأَهْلِ خَيْبَرَ، فَبَعَثُوا إِلَى رَسُولِ
اللَّهِ يُصَالِحُونَهُ عَلَى النِّصْفِ مِنْ فَدَكَ، فَقَدِمَتْ
عَلَيْهِ رُسُلُهُمْ بِخَيْبَرَ أَوْ بِالطَّائِفِ، وَإِمَّا بَعْدَ
مَا قَدِمَ الْمَدِينَةَ فَقَبِلَ ذَلِكَ مِنْهُمْ، فَكَانَتْ فَدَكُ
لِرَسُولِ الله ص خَاصَّةً، لأَنَّهُ لَمْ يُوجِفْ عَلَيْهَا بِخَيْلٍ
وَلا رِكابٍ.
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، قَالَ:
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي
بَكْرٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ الله ص يَبْعَثُ إِلَى أَهْلِ خَيْبَرَ
عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَوَاحَةَ خَارِصًا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ
وَيَهُودَ، فَيَخْرُصُ عَلَيْهِمْ، فَإِذَا قَالُوا: تَعَدَّيْتَ
عَلَيْنَا، قَالَ: إِنْ شِئْتُمْ فَلَكُمْ، وَإِنْ شِئْتُمْ فَلَنَا،
فَتَقُولُ يَهُودُ: بِهَذَا قَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ.
وَإِنَّمَا خَرَصَ عَلَيْهِمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ، ثُمَّ
أُصِيبَ بِمُؤْتَةَ، فَكَانَ جَبَّارُ بْنُ صَخْرِ بْنِ خَنْسَاءَ،
أَخُو بَنِي سَلِمَةَ، هُوَ الَّذِي يَخْرُصُ عَلَيْهِمْ بَعْدَ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ، فَأَقَامَتْ يَهُودُ عَلَى ذَلِكَ لا يَرَى
بِهِمُ الْمُسْلِمُونَ بَأْسًا فِي مُعَامَلَتِهِمْ، حتى عدوا في عهد
رسول الله ص على عبد الله ابن سَهْلٍ، أَخِي بَنِي حَارِثَةَ،
فَقَتَلُوهُ، فَاتَّهَمَهُمْ رَسُولُ الله ص وَالْمُسْلِمُونَ
عَلَيْهِ.
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ
إِسْحَاقَ، قَالَ:
سَأَلْتُ ابْنَ شِهَابٍ الزُّهْرِيَّ: كَيْفَ كَانَ إِعْطَاءُ رَسُولِ
اللَّهِ ص يَهُودَ خَيْبَرَ نَخِيلَهُمْ حِينَ أَعْطَاهُمُ النَّخْلَ
عَلَى خَرْجِهَا؟ أَبَتَّ ذَلِكَ لَهُمْ حَتَّى قُبِضَ، أَمْ
أَعْطَاهُمْ إِيَّاهَا لِضَرُورَةِ مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ؟
فَأَخْبَرَنِي ابن شهاب ان رسول الله ص افْتَتَحَ خَيْبَرَ عَنْوَةً
بَعْدَ الْقِتَالِ، وَكَانَتْ خَيْبَرُ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى
رَسُولِهِ، خَمَسَهَا رَسُولُ الله وقسمها
(3/20)
بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، وَنَزَلَ مَنْ
نَزَلَ مِنْ أَهْلِهَا عَلَى الإِجْلاءِ بَعْدَ الْقِتَالِ،
فَدَعَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ص فَقَالَ: [إِنْ شِئْتُمْ دَفَعْنَا
إِلَيْكُمْ هَذِهِ الأَمْوَالَ عَلَى أَنْ تَعْمَلُوهَا، وَتَكُونَ
ثِمَارُهَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ، وَأُقِرُّكُمْ مَا أَقَرَّكُمُ
اللَّهُ] فَقَبِلُوا، فَكَانُوا عَلَى ذلك يعملونها وكان رسول الله ص
يَبْعَثُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَوَاحَةَ فَيَقْسِمُ ثَمَرَهَا،
وَيَعْدِلُ عَلَيْهِمْ فِي الْخَرْصِ، فَلَمَّا تَوَفَّى اللَّهُ عز
وجل نبيه ص أَقَرَّهَا أَبُو بَكْرٍ بَعْدَ النَّبِيِّ فِي أَيْدِيهِمْ
عَلَى الْمُعَامَلَةِ الَّتِي كَانَ عَامَلَهُمْ عَلَيْهَا رَسُولُ
اللَّهِ حَتَّى تُوُفِّيَ، ثُمَّ أَقَرَّهَا عُمَرُ صَدْرًا مِنْ
إِمَارَتِهِ، ثَمَّ بَلَغَ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ الله ص قَالَ فِي
وَجَعِهِ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ: [لا يَجْتَمِعَنَّ بِجَزِيرَةِ
الْعَرَبِ دِينَانِ،] فَفَحَصَ عُمَرُ عَنْ ذَلِكَ حَتَّى بَلَغَهُ
الثَّبْتُ، فَأَرْسَلَ إِلَى يَهُودَ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَذِنَ فِي
إِجْلائِكُمْ، فَقَدْ بلغنى ان رسول الله ص قَالَ: [لا يَجْتَمِعَنَّ
بِجَزِيرَةِ الْعَرَبِ دِينَانِ،] فَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ عَهْدٌ مِنْ
رَسُولِ اللَّهِ فَلْيَأْتِنِي بِهِ أُنْفِذْهُ لَهُ، وَمَنْ لَمْ
يَكُنْ عِنْدَهُ عَهْدٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ مِنَ الْيَهُودِ
فَلْيَتَجَهَّزْ لِلْجَلاءِ، فَأَجْلَى عُمَرُ مَنْ لَمْ يَكُنْ
عِنْدَهُ عهد من رسول الله ص مِنْهُمْ.
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: ثُمَّ رَجَعَ رَسُولُ الله ص إِلَى
الْمَدِينَةِ.
قَالَ الواقدي: فِي هَذِهِ السَّنَةِ رد رسول الله ص زَيْنَبَ
ابْنَتَهُ عَلَى أَبِي الْعَاصِ بْنِ الرَّبِيعِ، وَذَلِكَ فِي
الْمُحَرَّمِ.
قَالَ: وَفِيهَا قَدِمَ حَاطِبُ بْنُ أَبِي بَلْتَعَةَ مِنْ عِنْدِ
الْمُقَوْقِسِ بِمَارِيَةَ وَأُخْتِهَا سِيرِينَ وَبَغْلَتِهِ دُلْدُلَ
وَحِمَارِهِ يَعْفُورَ وَكَسَا، وَبَعَثَ مَعَهُمَا بِخَصِيٍّ فَكَانَ
مَعَهُمَا، وَكَانَ حَاطِبٌ قَدْ دَعَاهُمَا إِلَى الإِسْلامِ قَبْلَ
أَنْ يَقْدَمَ بِهِمَا، فَأَسْلَمَتْ هِيَ وَأُخْتُهَا،
فَأَنْزَلَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ ص عَلَى أُمِّ سُلَيْمِ بِنْتِ
مِلْحَانَ- وَكَانَتْ مَارِيَةُ وضيئه- قال: فبعث النبي ص
(3/21)
بِأُخْتِهَا سِيرِينَ إِلَى حَسَّانِ بْنِ
ثَابِتٍ، فَوَلَدَتْ لَهُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ حَسَّانٍ.
قَالَ: وَفِي هذه السنه اتخذ النبي ص مِنْبَرَهُ الَّذِي كَانَ
يَخْطُبُ النَّاسُ عَلَيْهِ، وَاتَّخَذَ دَرَجَتَيْنِ وَمَقْعَدَةً.
قَالَ: وَيُقَالُ إِنَّهُ عُمِلَ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ قَالَ: وَهُوَ
الثَّبْتُ عِنْدَنَا.
قَالَ: وفيها بعث رسول الله ص عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فِي ثَلاثِينَ
رَجُلا إِلَى عَجُزِ هَوَازِنَ بِتُرْبَةٍ، فَخَرَجَ بِدَلِيلٍ لَهُ
مِنْ بَنِي هِلالٍ، وَكَانُوا يَسِيرُونَ اللَّيْلَ، وَيَكْمُنُونَ
النَّهَارَ، فَأَتَى الْخَبَرُ هَوَازِنَ فَهَرَبُوا، فَلَمْ يَلْقَ
كَيْدًا، وَرَجَعَ.
قَالَ: وَفِيهَا سَرِيَّةُ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي قُحَافَةَ فِي
شَعْبَانَ إِلَى نَجْدٍ، قَالَ سلمه ابن الأَكْوَعِ: غَزَوْنَا مَعَ
أَبِي بَكْرٍ فِي تِلْكَ السَّنَةِ.
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: قَدْ مَضَى خَبَرُهَا قَبْلُ.
قَالَ الواقدي: وَفِيهَا سَرِيَّةُ بَشِيرِ بْنِ سَعْدٍ إِلَى بَنِي
مُرَّةَ بِفَدَكَ فِي شَعْبَانَ فِي ثَلاثِينَ رَجُلا فَأُصِيبَ
أَصْحَابُهُ وَارْتُثَّ فِي الْقَتْلَى، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى
الْمَدِينَةِ.
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَفِيهَا سَرِيَّةُ غَالِبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ
فِي شَهْرِ رَمَضَانَ إِلَى الْمَيْفَعَةِ، فَحَدَّثَنَا ابْنُ حميد
قال: حدثنا سلمة، قال: حدثني محمد بن إسحاق، عن عبد الله بن أبي بكر،
قال: بعث رسول الله ص غالب ابن عَبْدِ اللَّهِ الْكَلْبِيَّ إِلَى
أَرْضِ بَنِي مُرَّةَ، فأصاب بها مرداس بن نهيك حليفا لهم مِنَ
الْحُرَقَةِ مِنْ جُهَيْنَةَ، قَتَلَهُ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ وَرَجُلٌ
مِنَ الأَنْصَارِ.
قَالَ أُسَامَةُ: لَمَّا غَشِينَاهُ، قَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ
إِلا اللَّهُ، فَلَمْ نَنْزِعْ عَنْهُ حَتَّى قَتَلْنَاهُ، فَلَمَّا
قَدِمْنَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ أَخْبَرْنَاهُ الْخَبَرَ، [فَقَالَ:
يَا أُسَامَةُ، مَنْ لَكَ بِلا إِلَهَ إِلا اللَّهُ!] قَالَ الواقدي:
وَفِيهَا سَرِيَّةُ غَالِبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ إِلَى بَنِي عَبْدِ
بْنِ ثَعْلَبَةَ، ذَكَرَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَعْفَرٍ حَدَّثَهُ
عَنِ ابْنِ أَبِي عَوْنٍ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ عتبة، قال:
(3/22)
قال يسار مولى رسول الله ص: يَا رَسُولَ
اللَّهِ، إِنِّي أَعْلَمُ غِرَّةً مِنْ بَنِي عَبْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ،
فَأَرْسَلَ مَعَهُ غَالِبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ فِي مِائَةٍ
وَثَلاثِينَ رَجُلا، حَتَّى أَغَارُوا عَلَى بَنِي عَبْدٍ،
فَاسْتَاقُوا النَّعَمَ وَالشَّاءَ، وَحَدَرُوهَا إِلَى الْمَدِينَةِ.
قَالَ: وَفِيهَا سَرِيَّةُ بَشِيرِ بْنِ سَعْدٍ إِلَى يُمْنٍ
وَجِنَابٍ، فِي شَوَّالٍ مِنْ سَنَةِ سَبْعٍ، ذَكَرَ أَنَّ يَحْيَى
بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ سَعِيدٍ حَدَّثَهُ عَنْ سَعْدِ بْنِ
عُبَادَةَ، عَنْ بَشِيرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
زَيْدٍ، قَالَ: الَّذِي أَهَاجَ هَذِهِ السَّرِيَّةَ أَنَّ حُسَيْلَ
بْنَ نُوَيْرَةَ الاشجعى- وكان دليل رسول الله ص الى خيبر- قدم على
النبي ص، فَقَالَ: مَا وَرَاءَكَ؟ قَالَ: تَرَكْتُ جَمْعًا مِنْ
غَطَفَانَ بِالْجِنَابِ قَدْ بَعَثَ إِلَيْهِمْ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ
لِيَسِيرُوا إِلَيْكُمْ، فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ بَشِيرَ بْنَ سَعْدٍ،
وَخَرَجَ مَعَهُ الدَّلِيلُ حُسَيْلُ بْنُ نُوَيْرَةَ، فَأَصَابُوا
نَعَمًا وَشَاءً، وَلَقِيَهُمْ عَبْدٌ لِعُيَيْنَةَ بْنِ حِصْنٍ
فَقَتَلُوهُ، ثُمَّ لَقُوا جَمْعَ عُيَيْنَةَ، فَانْهَزَمَ، فَلَقِيَهُ
الْحَارِثُ بْنُ عَوْفٍ مُنْهَزِمًا، فَقَالَ: قَدْ آنَ لَكَ يَا
عُيَيْنَةُ أَنْ تُقْصِرَ عما ترى
عمره القضاء
حَدَّثَنَا ابن حميد، قال: حَدَّثَنَا سلمة، عن ابْنِ إِسْحَاقَ،
قَالَ: لَمَّا رَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ ص إِلَى الْمَدِينَةِ مِنْ
خَيْبَرَ، أَقَامَ بِهَا شَهْرَ رَبِيعٍ الأَوَّلِ وَشَهْرَ رَبِيعٍ
الآخِرِ وَجُمَادَى الأُولَى وجمادى الآخرة ورجب وَشَعْبَانَ وَشَهْرَ
رَمَضَانَ وَشَوَّالا، يَبْعَثُ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ مِنْ غَزْوِهِ
وَسَرَايَاهُ، ثُمَّ خَرَجَ فِي ذِي الْقَعْدَةِ فِي الشَّهْرِ الَّذِي
صَدَّهُ فِيهِ الْمُشْرِكُونَ مُعْتَمِرًا عُمْرَةَ الْقَضَاءِ مَكَانَ
عُمْرَتِهِ الِّتِي صَدُّوهُ عَنْهَا، وَخَرَجَ مَعَهُ الْمُسْلِمُونَ
مِمَّنْ كَانَ مَعَهُ فِي عُمْرَتِهِ تِلْكَ، وَهِيَ سَنَةُ سَبْعٍ،
فَلَمَّا سَمِعَ بِهِ أَهْلُ مَكَّةَ خَرَجُوا عَنْهُ، وَتَحَدَّثَتْ
قُرَيْشٌ بَيْنَهَا أَنَّ مُحَمَّدًا وَأَصْحَابَهُ فِي عُسْرٍ
وَجَهْدٍ وَحَاجَةٍ.
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ
إِسْحَاقَ، عَنِ
(3/23)
الحسن بن عمارة، عن الحكم بن عتيبة، عَنْ
مِقْسَمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: اصْطَفُّوا لرسول الله ص عِنْدَ
دَارِ النَّدْوَةِ لِيَنْظُرُوا إِلَيْهِ وَإِلَى أَصْحَابِهِ،
فَلَمَّا دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ الْمَسْجِدَ، اضْطَبَعَ بِرِدَائِهِ،
وَأَخْرَجَ عَضُدَهُ الْيُمْنَى، ثُمَّ [قَالَ: رَحِمَ اللَّهُ امْرَأً
أَرَاهُمُ الْيَوْمَ مِنْ نَفْسِهِ قُوَّةً! ثُمَّ اسْتَلَمَ الرُّكْنَ
وَخَرَجَ يُهَرْوِلُ وَيُهَرْوِلُ أَصْحَابُهُ مَعَهُ حَتَّى إِذَا
وَارَاهُ الْبَيْتُ مِنْهُمْ، وَاسْتَلَمَ الرُّكْنَ الْيَمَانِيَّ
مَشَى حَتَّى يَسْتَلِمَ الأَسْوَدَ، ثُمَّ هَرْوَلَ كَذَلِكَ ثَلاثَةَ
أَطْوَافٍ، وَمَشَى سَائِرَهَا] .
وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ: كَانَ النَّاسُ يَظُنُّونَ أَنَّهَا
لَيْسَتْ عَلَيْهِمْ، وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ إِنَّمَا
صَنَعَهَا لِهَذَا الْحَيِّ مِنْ قُرَيْشٍ لِلَّذِي بَلَغَهُ عَنْهُمْ،
حَتَّى حَجَّ حَجَّةَ الْوَدَاعِ، فَرَمَلَهَا، فَمَضَتِ السُّنَّةُ
بها.
حَدَّثَنَا ابن حميد، قال: حَدَّثَنَا سلمة، عن ابن إسحاق، عن عبد الله
بن أبي بكر، ان رسول الله ص حِينَ دَخَلَ مَكَّةَ فِي تِلْكَ
الْعُمْرَةِ، دَخَلَهَا وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ آخِذٌ
بِخِطَامِ نَاقَتِهِ، وَهُوَ يَقُولُ:
خَلُّوا بَنِي الْكُفَّارِ عَنْ سَبِيلِهِ ... إِنِّي شَهِيدٌ أَنَّهُ
رَسُولِهِ
خَلُّوا فَكُلُّ الْخَيْرِ فِي رَسُولِهِ ... يَا رَبِّ إِنِّي
مُؤْمِنٌ بِقِيلِهِ
اعرف حق الله في قبوله ... يَا رَبِّ إِنِّي مُؤْمِنٌ بِقِيلِهِ
أَعْرِفُ حَقَّ اللَّهِ فِي قَبُولِهِ ... نَحْنُ قَتَلْنَاكُمْ عَلَى
تَأْوِيلِهِ
كَمَا قَتَلْنَاكُمْ عَلَى تَنْزِيلِهِ ... ضَرْبًا يُزِيلُ الْهَامَ
عن مقيله
كَمَا قَتَلْنَاكُمْ عَلَى تَنْزِيلِهِ ... ضَرْبًا يُزِيلُ الْهَامَ
عَنْ مَقِيلِهِ
وَيُذْهِلُ الْخَلِيلَ عَنْ خَلِيلِهِ.
حَدَّثَنَا ابن حميد، قال: حَدَّثَنَا سلمة، عن محمد بن إسحاق،
(3/24)
عَنْ أَبَانِ بْنِ صَالِحٍ وَعَبْدِ
اللَّهِ بْنِ ابى نجيح، عن عطاء بن رَبَاحٍ وَمُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ، أَنَّ رَسُولَ الله ص تَزَوَّجَ مَيْمُونَةَ بِنْتَ
الْحَارِثِ فِي سَفَرِهِ ذَلِكَ، وَهُوَ حَرَامٌ، وَكَانَ الَّذِي
زَوَّجَهُ إِيَّاهَا الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَأَقَامَ رسول الله ص بِمَكَّةَ ثَلاثًا،
فَأَتَاهُ حُوَيْطِبُ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ أَبِي قَيْسِ بْنِ
عَبْدِ وُدِّ بْنِ نَصْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ حِسْلٍ، فِي نَفَرٍ مِنْ
قُرَيْشٍ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ، وَكَانَتْ قُرَيْشٌ وكلته باخراج
رسول الله ص مِنْ مَكَّةَ، فَقَالُوا لَهُ: إِنَّهُ قَدِ انْقَضَى
أَجَلُكَ فَاخْرُجْ عَنَّا، [فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ص: مَا
عَلَيْكُمْ لَوْ تَرَكْتُمُونِي فَأَعْرَسْتُ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ
فَصَنَعْنَا لَكُمْ طَعَامًا فَحَضَرْتُمُوهُ!] قَالُوا: لا حَاجَةَ
لَنَا فِي طَعَامِكَ فَاخْرُجْ عَنَّا فَخَرَجَ رَسُولُ الله ص
وَخَلَّفَ أَبَا رَافِعٍ مَوْلاهُ عَلَى مَيْمُونَةَ، حَتَّى أَتَاهُ
بِهَا بِسَرِفٍ، فَبَنَى عَلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ هُنَالِكَ،
وَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ أَنْ يُبَدِّلُوا الْهَدْيَ وَأَبْدَلَ
مَعَهُمْ، فَعَزَّتْ عَلَيْهِمُ الإِبِلُ فَرَخَّصَ لَهُمْ في البقر،
ثم انصرف رسول الله ص إِلَى الْمَدِينَةِ فِي ذِي الْحِجَّةِ،
فَأَقَامَ بِهَا بَقِيَّةَ ذِي الْحِجَّةِ- وَوَلَّى تِلْكَ الْحِجَّةَ
الْمُشْرِكُونَ- وَالْمُحَرَّمَ وَصَفَرًا وَشَهْرَيْ رَبِيعٍ،
وَبَعَثَ فِي جُمَادَى الأُولَى بَعْثَهُ إِلَى الشَّامِ الَّذِينَ
أُصِيبُوا بِمُؤْتَةَ.
وَقَالَ الواقدي: حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَنِ الزهري، قال:
امرهم رسول الله ص أَنْ يَعْتَمِرُوا فِي قَابِلٍ قَضَاءً لِعُمْرَةِ
الْحُدَيْبِيَةِ، وَأَنْ يُهْدُوا.
قَالَ: وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَافِعٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ
ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: لَمْ تَكُنْ هَذِهِ الْعُمْرَةُ قَضَاءً،
وَلَكِنْ كَانَ شَرْطٌ عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَعْتَمِرُوا قَابِلا
فِي الشَّهْرِ الَّذِي صَدَّهُمُ الْمُشْرِكُونَ فِيهِ.
قَالَ الواقدي: قَوْلُ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ أَحَبُّ إِلَيْنَا،
لأَنَّهُمْ أُحْصِرُوا وَلَمْ يَصِلُوا إِلَى الْبَيْتِ.
وَقَالَ الواقدي: وَحَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بْنِ موهب، عن محمد ابن ابراهيم، قال: ساق رسول الله ص فِي
عُمْرَةِ الْقَضِيَّةِ سِتِّينَ بَدَنَةً
(3/25)
قَالَ: وَحَدَّثَنِي مُعَاذُ بْنُ
مُحَمَّدٍ الأَنْصَارِيُّ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ،
قَالَ: حَمَلَ السِّلاحَ وَالْبِيضَ وَالرِّمَاحَ، وَقَادَ مِائَةَ
فَرَسٍ، وَاسْتَعْمَلَ عَلَى السِّلاحِ بَشِيرَ بْنَ سَعْدٍ، وَعَلَى
الْخَيْلِ مُحَمَّدَ بْنَ مُسْلِمَةَ، فَبَلَغَ ذَلِكَ قُرَيْشًا
فَرَاعَهُمْ، فَأَرْسَلُوا مِكْرَزَ بْنَ حَفْصِ بْنِ الأَخْيَفِ،
فَلَقِيَهُ بِمَرِّ الظَّهْرَانِ، [فَقَالَ لَهُ:
مَا عَرَفْتُ صَغِيرًا وَلا كَبِيرًا إِلا بِالْوَفَاءِ، وَمَا أُرِيدُ
إِدْخَالَ السِّلاحِ عَلَيْهِمْ، وَلَكِنْ يَكُونُ قَرِيبًا إِلَيَّ]
فَرَجَعَ إِلَى قُرَيْشٍ فَأَخْبَرَهُمْ.
قَالَ الواقدي: وَفِيهَا كَانَتْ غَزْوَةُ ابْنِ أَبِي الْعَوْجَاءِ
السُّلَمِيِّ إِلَى بَنِي سُلَيْمٍ فِي ذِي الْقَعْدَةِ، بَعَثَهُ
رَسُولُ اللَّهِ ص إِلَيْهِمْ بَعْدَ مَا رَجَعَ مِنْ مَكَّةَ فِي
خَمْسِينَ رَجُلا، فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ.
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: فَلَقِيَهُ- فِيمَا حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ،
قَالَ: حَدَّثَنَا سلمة، عن ابن إسحاق، عن عبد الله بْنِ أَبِي بَكْرٍ-
بَنُو سُلَيْمٍ، فَأُصِيبَ بِهَا هُوَ وَأَصْحَابُهُ جَمِيعًا.
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: أَمَّا الْوَاقِدِيُّ فَإِنَّهُ زَعَمَ أَنَّهُ
نَجَا وَرَجَعَ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَأُصِيبَ أَصْحَابُهُ
(3/26)
ثُمَّ دَخَلَتْ
سَنَةُ ثَمَانٍ مِنَ الْهِجْرَةِ
فَفِيهَا تُوُفِّيَتْ- فِيمَا زَعَمَ الْوَاقِدِيُّ- زَيْنَبُ ابْنَةُ
رَسُولِ الله ص، عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي
قَتَادَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ.
خبر غزوه غالب بن عبد الله الليثى بنى
الملوح
قال: وفيها اغزى رسول الله ص غَالِبَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ اللَّيْثِيَّ
فِي صَفَرٍ إِلَى الْكَدِيدِ إِلَى بَنِي الْمُلَوِّحِ قَالَ أَبُو
جَعْفَرٍ: وَكَانَ مِنْ خَبَرِ هَذِهِ السَّرِيَّةِ وَغَالِبِ بْنِ
عَبْدِ اللَّهِ، مَا حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعِيدٍ
الْجَوْهَرِيُّ وَسَعِيدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ- قَالَ
إِبْرَاهِيمُ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ
يَحْيَى: حَدَّثَنِي أَبِي- وَحَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ إسحاق، قال: حدثنى يعقوب ابن
عُتْبَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ مُسْلِمِ بْنِ عَبْدِ الله بن خبيب
الجهنى، عن جندب ابن مكيث الجهنى، قال: بعث رسول الله ص غالب بن عبد
الله الكلبي، كلب ليث، إِلَى بَنِي الْمُلَوِّحِ بِالْكَدِيدِ،
وَأَمَرَهُ أَنْ يُغِيرَ عَلَيْهِمْ، فَخَرَجَ- وَكُنْتُ فِي
سَرِيَّتِهِ- فَمَضَيْنَا، حَتَّى إذا كنا بقديد لقينا بها الحارث ابن
مَالِكٍ- وَهُوَ ابْنُ الْبَرْصَاءِ اللَّيْثِيُّ- فَأَخَذْنَاهُ
فَقَالَ: إِنِّي إِنَّمَا جِئْتُ لأُسْلِمَ، فَقَالَ غَالِبُ بْنُ
عَبْدِ اللَّهِ: إِنْ كُنْتَ إِنَّمَا جِئْتَ مُسْلِمًا، فَلَنْ
يَضُرَّكَ رِبَاطُ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، وَإِنْ كُنْتَ عَلَى غَيْرِ
ذَلِكَ اسْتَوْثَقْنَا مِنْكَ قَالَ: فَأَوْثَقَهُ رباطا ثُمَّ خَلَّفَ
عَلَيْهِ رُوَيْجِلا أَسْوَدَ كَانَ مَعَنَا، فَقَالَ: امْكُثْ مَعَهُ
حَتَّى نَمُرَّ عَلَيْكَ، فَإِنْ نَازَعَكَ فَاحْتَزَّ رَأْسَهُ قَالَ:
ثُمَّ مَضَيْنَا حَتَّى أَتَيْنَا بَطْنَ الْكَدِيدِ، فَنَزَلْنَا
عُشَيْشِيَةً بَعْدَ الْعَصْرِ، فَبَعَثَنِي أَصْحَابِي رَبِيئَةً،
فَعَمِدْتُ إِلَى تَلٍّ يُطْلِعُنِي عَلَى الْحَاضِرِ، فَانْبَطَحْتُ
عَلَيْهِ- وَذَلِكَ قُبَيْلَ الْمَغْرِبِ- فَخَرَجَ مِنْهُمْ رَجُلٌ،
فَنَظَرَ فَرَآنِي مُنْبَطِحًا عَلَى التَّلِّ، فَقَالَ لامْرَأَتِهِ:
وَاللَّهِ إِنِّي لأَرَى عَلَى هَذَا التَّلِّ سَوَادًا مَا كُنْتُ
رَأَيْتُهُ أَوَّلَ النَّهَارِ، فَانْظُرِي لا تَكُونُ الْكِلابُ
(3/27)
جَرَّتْ بَعْضَ أَوْعِيَتِكِ فَنَظَرَتْ
فَقَالَتْ: وَاللَّهِ مَا أَفْقِدُ شَيْئًا قَالَ: فَنَاوِلِينِي
قَوْسِي وَسَهْمَيْنِ مِنْ نَبْلِي، فَنَاوَلَتْهُ فَرَمَانِي بِسَهْمٍ
فَوَضَعَهُ فِي جَنْبِي قَالَ:
فَنَزَعْتُهُ فَوَضَعْتُهُ، وَلَمْ أَتَحَرَّكْ ثُمَّ رَمَانِي
بِالآخَرِ، فَوَضَعَهُ فِي رَأْسِ مَنْكِبِي، فَنَزَعْتُهُ
فَوَضَعْتُهُ وَلَمْ أَتَحَرَّكْ فَقَالَ: أَمَا وَاللَّهِ لَقَدْ
خَالَطَهُ سَهْمَايَ، وَلَوْ كَانَ رَبِيئَةً لَتَحَرَّكَ، فَإِذَا
أَصْبَحْتِ فَاتَّبِعِي سَهْمَيَّ فَخُذِيهِمَا لا تَمْضُغُهُمَا
عَلَيَّ الْكَلابُ، قَالَ: فَأَمْهَلْنَاهُمْ حَتَّى رَاحَتْ
رَائِحَتُهُمْ، حَتَّى إِذَا احتلبوا وعطنوا سكنوا، وَذَهَبَتْ
عَتَمَةٌ مِنَ اللَّيْلِ شَنَنَّا عَلَيْهِمُ الْغَارَةَ، فَقَتَلْنَا
مَنْ قَتَلْنَا وَاسْتَقْنَا النَّعَمَ، فَوَجَّهْنَا قَافِلِينَ،
وَخَرَجَ صَرِيخُ الْقَوْمِ إِلَى الْقَوْمِ مُغَوِّثًا قَالَ:
وَخَرَجْنَا سِرَاعًا حَتَّى نَمُرَّ بِالْحَارِثِ بْنِ مَالِكٍ، ابْنِ
الْبَرْصَاءِ، وَصَاحِبِهِ، فَانْطَلَقْنَا بِهِ مَعَنَا، وَأَتَانَا
صَرِيخُ النَّاسِ، فَجَاءَنَا مَا لا قِبَلَ لَنَا بِهِ، حَتَّى إِذَا
لَمْ يَكُنْ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ إِلا بَطْنُ الْوَادِي مِنْ
قَدِيدٍ، بَعَثَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ حَيْثُ شَاءَ سَحَابًا مَا
رَأَيْنَا قَبْلَ ذَلِكَ مَطَرًا وَلا خَالا، فَجَاءَ بِمَا لا
يَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ يُقْدِمَ عَلَيْهِ، فَلَقَدْ رَأَيْنَاهُمْ
يَنْظُرُونَ إِلَيْنَا، مَا يَقْدِرُ أَحَدٌ مِنْهُمْ أَنْ يُقْدِمَ
وَلا يَتَقَدَّمَ، وَنَحْنُ نَحْدُوهَا سِرَاعًا، حَتَّى
أَسْنَدْنَاهَا فِي الْمُشَلَّلِ، ثُمَّ حَدَرْنَاهَا عَنْهَا،
فَأَعْجَزْنَا الْقَوْمَ بِمَا فِي أَيْدِينَا، فَمَا أَنْسَى قَوْلَ
رَاجِزٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَهُوَ يَحْدُوهَا فِي أَعْقَابِهَا،
وَيَقُولُ:
أَبَى أَبُو الْقَاسِمِ أَنْ تَعْزُبِي ... فِي خَضِلٍ نَبَاتُهُ
مُغْلَوْلَبِ
صُفْرٍ أَعَالِيهِ كَلَوْنِ الْمُذْهَبِ
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سلمة، قال: حدثني محمد
بن إسحاق، عن رَجُلٍ مِنْ أَسْلَمَ، عَنْ شَيْخٍ مِنْهُمْ، أَنَّ شعار
اصحاب رسول الله ص تِلْكَ اللَّيْلَةَ كَانَ: أَمِتْ أَمِتْ.
قَالَ الواقدي: كَانَتْ سَرِيَّةُ غَالِبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ
بِضْعَةَ عشر رجلا
(3/28)
قال: وفيها بعث رسول الله ص الْعَلاءَ بْنَ
الْحَضْرَمِيِّ إِلَى الْمُنْذِرِ بْنِ سَاوَى الْعَبْدِيِّ، وَكَتَبَ
إِلَيْهِ كِتَابًا فِيهِ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، مِنْ
مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ رَسُولِ اللَّهِ إِلَى الْمُنْذِرِ بْنِ سَاوَى
سَلامٌ عَلَيْكَ، فَإِنِّي أحمد إليك اللَّه الَّذِي لا إله إلا هُوَ،
أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ كِتَابَكَ جَاءَنِي وَرُسُلَكَ وَإِنَّهُ مَنْ
صَلَّى صَلاتَنَا، وَأَكَلَ ذَبِيحَتَنَا، وَاسْتَقْبَلَ قِبْلَتَنَا،
فَإِنَّهُ مُسْلِمٌ، لَهُ مَا لِلْمُسْلِمِينَ وَعَلَيْهِ مَا عَلَى
الْمُسْلِمِينَ، وَمَنْ أَبَى فَعَلَيْهِ الْجِزْيَةُ قال: فصالحهم
رسول الله ص عَلَى أَنَّ عَلَى الْمَجُوسِ الْجِزْيَةَ، لا تُؤْكَلُ
ذَبَائِحُهُمْ، وَلا تُنْكَحُ نِسَاؤُهُمْ.
قَالَ: وَفِيهَا بَعَثَ رسول الله ص عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ إِلَى
جَيْفَرَ وَعَبَّادَ ابْنَيْ جَلَنْدِيٍّ بِعُمَانَ، فَصَدَّقَا
النَّبِيَّ، وَأَقَرَّا بِمَا جَاءَ بِهِ، وَصَدَّقَ أَمْوَالَهُمَا،
وَأَخَذَ الْجِزْيَةَ مِنَ الْمَجُوسِ.
قَالَ: وَفِيهَا سَرِيَّةُ شُجَاعِ بْنِ وَهْبٍ إِلَى بَنِي عَامِرٍ،
فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الأَوَّلِ فِي أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ رَجُلا،
فَشَنَّ الْغَارَةَ عَلَيْهِمْ، فَأَصَابُوا نَعَمًا وَشَاءً،
وَكَانَتْ سِهَامُهُمْ خَمْسَةَ عَشَرَ بَعِيرًا، لِكُلِّ رَجُلٍ.
قَالَ: وَفِيهَا كَانَتْ سَرِيَّةُ عَمْرِو بْنِ كَعْبٍ الْغِفَارِيِّ
إِلَى ذَاتِ أَطْلاحٍ، خَرَجَ فِي خَمْسَةَ عَشَرَ رَجُلا، حَتَّى
انْتَهَى إِلَى ذَاتِ أَطْلاحٍ، فَوَجَدَ جَمْعًا كَثِيرًا،
فَدَعَوْهُمْ إِلَى الإِسْلامِ، فَأَبَوْا أَنْ يُجِيبُوا، فَقَتَلُوا
أَصْحَابَ عَمْرٍو جَمِيعًا، وَتَحَامَلَ حَتَّى بَلَغَ الْمَدِينَةَ.
قَالَ الواقدي: وَذَاتُ أَطْلاحٍ مِنْ نَاحِيَةِ الشَّامِ، وَكَانُوا
مِنْ قُضَاعَةَ، وَرَأْسُهُمْ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ سَدُوسٌ قَالَ:
وَفِيهَا قَدِمَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ مُسْلِمًا عَلَى رسول الله ص
، قَدْ أَسْلَمَ عِنْدَ النَّجَاشِيِّ، وَقَدِمَ مَعَهُ عُثْمَانُ بن
طلحه العبدري، وخالد ابن الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، قَدِمُوا
الْمَدِينَةَ فِي أَوَّلِ صَفَرٍ.
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَكَانَ سَبَبُ إِسْلامِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ،
مَا حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قال: حَدَّثَنَا سلمة، عن ابن إسحاق،
عن يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ رَاشِدٍ مَوْلَى ابْنِ أَبِي
أَوْسٍ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي أَوْسٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي
(3/29)
عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ مِنْ فِيهِ إِلَى
أُذُنِي، قَالَ: لَمَّا انْصَرَفْنَا مَعَ الأَحْزَابِ عَنِ
الْخَنْدَقِ، جَمَعْتُ رِجَالا مِنْ قُرَيْشٍ كَانُوا يَرَوْنَ
رَأْيِي، وَيَسْمَعُونَ مِنِّي، فَقُلْتُ لَهُمْ:
تَعْلَمُونَ وَاللَّهِ أَنِّي لأَرَى أَمْرَ مُحَمَّدٍ يَعْلُو
الأُمُورَ عُلُوًّا مُنْكَرًا وَإِنِّي قَدْ رَأَيْتُ رَأْيًا فَمَا
تَرَوْنَ فِيهِ؟ قَالُوا: وَمَاذَا رَأَيْتَ؟ قُلْتُ: رَأَيْتُ أَنْ
نَلْحَقَ بِالنَّجَاشِيِّ، فَنَكُونَ عِنْدَهُ، فَإِنْ ظَهَرَ
مُحَمَّدٌ عَلَى قومنا كنا عند النجاشى، فلان نَكُونَ تَحْتَ يَدَيْهِ
أَحَبُّ إِلَيْنَا مِنْ أَنْ نَكُونَ تَحْتَ يَدَيْ مُحَمَّدٍ، وَإِنْ
يَظْهَرْ قَوْمُنَا فَنَحْنُ مَنْ قَدْ عَرَفُوا، فَلا يَأْتِينَا
مِنْهُمْ الا خير فقالوا: ان هذا لراى قُلْتُ:
فَاجْمِعُوا لَهُ مَا نُهْدِي إِلَيْهِ- وَكَانَ أَحَبَّ مَا يُهْدَى
إِلَيْهِ مِنْ أَرْضِنَا الأُدْمُ- فَجَمَعْنَا لَهُ أُدْمًا كَثِيرًا،
ثُمَّ خَرَجْنَا حَتَّى قدمنا عليه، فو الله إِنَّا لَعِنْدَهُ، إِذْ
جَاءَهُ عَمْرُو بْنُ أُمَيَّةَ الضمرى- وكان رسول الله ص قَدْ
بَعَثَهُ إِلَيْهِ فِي شَأْنِ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ
وَأَصْحَابِهِ- قَالَ: فَدَخَلَ عَلَيْهِ ثُمَّ خَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ
قَالَ: فَقُلْتُ لأَصْحَابِي: هَذَا عَمْرُو بْنُ أُمَيَّةَ
الضَّمْرِيُّ، لَوْ قَدْ دَخَلْتُ عَلَى النَّجَاشِيِّ وَسَأَلْتُهُ
إِيَّاهُ، فَأَعْطَانِيهِ فَضَرَبْتُ عُنُقَهُ! فَإِذَا فَعَلْتُ
ذَلِكَ رَأَتْ قُرَيْشٌ أَنِّي قَدْ أَجْزَأْتُ عَنْهَا حِينَ قَتَلْتُ
رَسُولَ مُحَمَّدٍ فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ، فَسَجَدْتُ لَهُ كَمَا كُنْتُ
أَصْنَعُ، فَقَالَ: مَرْحَبًا بِصَدِيقِي! أَهْدَيْتَ لِي شَيْئًا مِنْ
بِلادِكَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، أَيُّهَا الْمَلِكُ، قَدْ أَهْدَيْتُ لَكَ
أُدْمًا كَثِيرًا، ثُمَّ قَرَّبْتُهُ إِلَيْهِ، فَأَعْجَبَهُ
وَاشْتَهَاهُ، ثُمَّ قُلْتُ لَهُ: أَيُّهَا الْمَلِكُ، إِنِّي قَدْ
رَأَيْتُ رَجُلا خَرَجَ مِنْ عِنْدِكَ، وَهُوَ رَسُولُ رَجُلٍ عَدُوٍّ
لَنَا، فَأَعْطِنِيهِ لأَقْتُلَهُ، فَإِنَّهُ قَدْ أَصَابَ مِنْ
أَشْرَافِنَا وَخِيَارِنَا قَالَ: فَغَضِبَ، ثُمَّ مَدَّ يَدَهُ
فَضَرَبَ بِهَا أَنْفَهُ ضَرْبَةً ظَنَنْتُ أَنَّهُ قَدْ كَسَرَهُ-
يَعْنِي النَّجَاشِيَّ- فَلَوِ انْشَقَّتِ الأَرْضُ لِي لَدَخَلْتُ
فِيهَا فَرَقًا مِنْهُ ثُمَّ قُلْتُ: وَاللَّهِ أَيُّهَا الْمَلِكُ
لَوْ ظَنَنْتَ أَنَّكَ تَكْرَهُ هَذَا مَا سَأَلْتُكَهُ، قَالَ:
أَتَسْأَلُنِي أَنْ أُعْطِيَكَ رَسُولَ رَجُلٍ يَأْتِيهِ النَّامُوسُ
الأَكْبَرُ الَّذِي كَانَ يَأْتِي مُوسَى، لِتَقْتُلَهُ! فَقُلْتُ:
أَيُّهَا الْمَلِكُ، أَكَذَاكَ هُوَ؟ قَالَ:
(3/30)
وَيْحَكَ يَا عَمْرُو! أَطِعْنِي
وَاتَّبِعْهُ، فَإِنَّهُ وَاللَّهِ لَعَلَى الْحَقِّ، وَلَيَظْهَرَنَّ
عَلَى مَنْ خَالَفَهُ كَمَا ظَهَرَ مُوسَى عَلَى فِرْعَوْنَ
وَجُنُودِهِ.
قَالَ: قُلْتُ: فَتُبَايِعُنِي لَهُ عَلَى الإِسْلامِ؟ قَالَ: نَعَمْ،
فَبَسَطَ يَدَهُ، فَبَايَعْتُهُ عَلَى الإِسْلامِ، ثُمَّ خَرَجْتُ
إِلَى أَصْحَابِي، وَقَدْ حَالَ رَأْيِي عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ،
وَكَتَمْتُ أَصْحَابِي إِسْلامِي، ثُمَّ خَرَجْتُ عَامِدًا لِرَسُولِ
الله لاسلم، فلقيت خالد ابن الْوَلِيدِ- وَذَلِكَ قَبْلَ الْفَتْحِ-
وَهُوَ مُقْبِلٌ مِنْ مَكَّةَ، فَقُلْتُ: إِلَى أَيْنَ يَا أَبَا
سُلَيْمَانَ؟
قَالَ: وَاللَّهِ لَقَدِ اسْتَقَامَ الْمَنْسِمُ، وَإِنَّ الرَّجُلَ
لَنَبِيٌّ، أَذْهَبُ وَاللَّهِ أُسْلِمُ، فَحَتَّى مَتَى! فَقُلْتُ:
وَاللَّهِ مَا جِئْتُ إِلا لأُسْلِمَ، فَقَدِمْنَا عَلَى رسول الله ص،
[فَتَقَدَّمَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ فَأَسْلَمَ وَبَايَعَ، ثُمَّ
دَنَوْتُ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أُبَايِعُكَ عَلَى
أَنْ تَغْفِرَ لِي مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِي، وَلا أَذْكُرَ مَا
تَأَخَّرَ! فَقَالَ رَسُولُ الله ص: يَا عَمْرُو، بَايِعْ فَإِنَّ
الإِسْلامَ يَجُبُّ مَا قَبْلَهُ، وَإِنَّ الْهِجْرَةَ تَجُبُّ مَا
قَبْلَهَا فَبَايَعْتُهُ ثُمَّ انْصَرَفْتُ] حَدَّثَنَا ابْنُ
حُمَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ،
عَمَّنْ لا أَتَّهِمُ، أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ طَلْحَةَ بْنِ أَبِي
طَلْحَةَ، كَانَ مَعَهُمَا، أَسْلَمَ حِينَ أَسْلَمَا
. ذِكْرُ مَا فِي الْخَبَرِ عَنِ الْكَائِنِ كَانَ مِنَ الأَحْدَاثِ
الْمَذْكُورَةِ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ مِنْ سِنِي الْهِجْرَةِ
فَمِمَّا كَانَ فِيهَا مِنْ ذَلِكَ تَوْجِيهُ رسول الله ص عَمْرَو بْنَ
الْعَاصِ فِي جُمَادَى الآخِرَةِ إِلَى السلاسل من بلاد قضاعه في
ثلاثمائة، وَذَلِكَ أَنَّ أُمَّ الْعَاصِ بْنِ وَائِلٍ- فِيمَا ذُكِرَ-
كَانَتْ قُضَاعِيَّةً، فَذُكِرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ص أَرَادَ أَنْ
يَتَأَلَّفَهُمْ بِذَلِكَ، فَوَجَّهَهُ فِي أَهْلِ الشَّرَفِ مِنَ
الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ، ثُمَّ اسْتَمَدَّ رَسُولُ الله ص،
فَأَمَدَّهُ بِأَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ عَلَى
الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ، فِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ فِي
مِائَتَيْنِ، فكان جميعهم خمسمائة
(3/31)
غزوه ذات السلاسل
وَحَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، قَالَ:
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن أبي بكر،
قال: بعث رسول الله ص عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ إِلَى أَرْضِ بَلِيٍّ
وَعُذْرَةَ، يَسْتَنْفِرُ النَّاسَ إِلَى الشَّامِ، وَذَلِكَ أَنَّ
أُمَّ الْعَاصِ بْنِ وَائِلٍ كَانَتِ امْرَأَةً مِنْ بَلِيٍّ، فبعثه
رسول الله إِلَيْهِمْ يَسْتَأْلِفُهُمْ بِذَلِكَ، حَتَّى إِذَا كَانَ
عَلَى مَاءٍ بِأَرْضِ جُذَامٍ، يُقَالُ لَهُ السَّلاسِلُ- وَبِذَلِكَ
سُمِّيَتْ تِلْكَ الْغَزْوَةُ ذَاتَ السَّلاسِلِ- فَلَمَّا كَانَ عليه
خاف، فبعث الى رسول الله يستمده، فبعث اليه رسول الله ص أبا عبيده ابن
الْجَرَّاحِ فِي الْمُهَاجِرِينَ الأَوَّلِينَ، فِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ
وَعُمَرُ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ، [وَقَالَ لأَبِي عُبَيْدَةَ
حِينَ وَجَّهَهُ: لا تَخْتَلِفَا، فَخَرَجَ أَبُو عُبَيْدَةَ حَتَّى
إِذَا قَدِمَ عَلَيْهِ، قَالَ لَهُ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ: إِنَّمَا
جِئْتُ مَدَدًا لِي، فَقَالَ لَهُ أَبُو عُبَيْدَةَ:
يَا عَمْرُو، إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَدْ قَالَ لِي: لا تَخْتَلِفَا،
وَأَنْتَ إِنْ عَصَيْتَنِي أَطَعْتُكَ، قَالَ: فَأَنَا أَمِيرٌ
عَلَيْكَ، وَإِنَّمَا أَنْتَ مَدَدٌ لِي، قَالَ: فَدُونَكَ! فَصَلَّى
عمرو ابن العاص بالناس]
غزوه الخبط
قَالَ الواقدي: وَفِيهَا كَانَتْ غُزْوَةُ الْخَبَطِ، وَكَانَ الأمير
فيها ابو عبيده ابن الجراح، بعثه رسول الله ص في رجب منها، في ثلاثمائة
مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ قِبَلَ جُهَيْنَةَ، فَأَصَابَهُمْ
فِيهَا أَزْلٌ شَدِيدٌ وَجَهْدٌ، حَتَّى اقْتَسَمُوا التَّمْرَ
عَدَدًا.
وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا
عَمِّي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ
الْحَارِثِ أَنَّ عَمْرَو بْنَ دِينَارٍ حدثه انه سمع جابر ابن عَبْدِ
اللَّهِ يَقُولُ: خَرَجْنَا فِي بَعْثٍ وَنَحْنُ ثلاثمائة، وَعَلَيْنَا
أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ، فَأَصَابَنَا جُوعٌ، فَكُنَّا
نَأْكُلُ الْخَبَطَ ثَلاثَةَ أَشْهُرٍ، فَخَرَجَتْ دَابَّةٌ من البحر
(3/32)
يُقَالُ لَهَا الْعَنْبَرُ، فَمَكَثْنَا
نِصْفَ شَهْرٍ، نَأْكُلُ مِنْهَا، وَنَحَرَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ
جَزَائِرَ، ثُمَّ نَحَرَ مِنَ الْغَدِ كَذَلِكَ، فَنَهَاهُ أَبُو
عُبَيْدَةَ، فَانْتَهَى.
قَالَ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ- وَسَمِعْتُ ذَكْوَانَ أَبَا صَالِحٍ
قَالَ: إِنَّهُ قَيْسُ بْنُ سَعْدٍ.
قَالَ عَمْرٌو: وَحَدَّثَنِي بَكْرُ بْنُ سَوَادَةَ الْجُذَامِيُّ،
عَنْ أَبِي جَمْرَةَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ نَحْوَ ذَلِكَ،
إِلا أَنَّهُ قَالَ: جَهِدُوا، وقد كان عليهم قيس ابن سَعْدٍ، وَنَحَرَ
لَهُمْ تِسْعَ رَكَائِبَ، وَقَالَ: بَعَثَهُمْ فِي بَعْثٍ مِنْ وَرَاءِ
الْبَحْرِ، وَإِنَّ الْبَحْرَ أَلْقَى إِلَيْهِمْ دَابَّةً، فَمَكَثُوا
عَلَيْهَا ثَلاثَةَ أَيَّامٍ يَأْكُلُونَ مِنْهَا وَيُقَدِّدُونَ
وَيَغْرِفُونَ شَحْمَهَا، [فَلَمَّا قَدِمُوا على رسول الله ص ذَكَرُوا
لَهُ ذَلِكَ مِنْ أَمْرِ قَيْسِ بْنِ سعد، فقال رسول الله: إِنَّ
الْجُودَ مِنْ شِيمَةِ أَهْلِ ذَلِكَ الْبَيْتِ،] وَقَالَ فِي
الْحُوتِ: لَوْ نَعْلَمُ أَنَّا نَبْلُغُهُ قَبْلَ أَنْ يَرُوحَ
لأَحْبَبْنَا أَنْ لَوْ كَانَ عِنْدَنَا مِنْهُ شَيْءٌ، وَلَمْ
يَذْكُرِ الْخَبَطَ وَلا شَيْئًا سِوَى ذَلِكَ.
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: حَدَّثَنَا الضَّحَّاكُ بْنُ
مَخْلَدٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ،
أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يُخْبِرُ، قَالَ:
زَوَّدَنَا النَّبِيُّ ص جِرَابًا مِنْ تَمْرٍ، فَكَانَ يَقْبِضُ لَنَا
أَبُو عُبَيْدَةَ قَبْضَةً قَبْضَةً، ثُمَّ تَمْرَةً تَمْرَةً،
فَنَمُصُّهَا وَنَشْرَبُ عَلَيْهَا الْمَاءَ إِلَى اللَّيْلِ، حَتَّى
نَفِدَ مَا فِي الْجِرَابِ، فَكُنَّا نَجْنِي الْخَبَطَ، فَجُعْنَا
جُوعًا شَدِيدًا قَالَ: فَأَلْقَى لَنَا الْبَحْرُ حُوتًا مَيِّتًا،
فَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: جِيَاعٌ كُلُوا، فَأَكَلْنَا- وَكَانَ أَبُو
عُبَيْدَةَ يَنْصُبُ الضِّلْعَ مِنْ أَضْلاعِهِ فَيَمُرُّ الرَّاكِبُ
عَلَى بَعِيرِهِ تَحْتَهُ، وَيَجْلِسُ النَّفَرُ الْخَمْسَةُ فِي
مَوْضِعِ عَيْنِهِ- فَأَكَلْنَا وَادَّهَنَّا حَتَّى صَلَحَتْ
أَجْسَامُنَا، وَحَسُنَتْ شَحْمَاتُنَا، [فَلَمَّا قَدِمْنَا
الْمَدِينَةَ قال جابر: فذكرنا ذلك للنبي ص، فَقَالَ: كُلُوا رِزْقًا
أَخْرَجَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَكُمْ، مَعَكُمْ مِنْهُ شَيْءٌ؟ -
وَكَانَ مَعَنَا مِنْهُ شَيْءٌ- فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ بَعْضُ الْقَوْمِ
فَأَكَلَ مِنْهُ] .
قَالَ الواقدي: وَإِنَّمَا سُمِّيَتْ غَزْوَةُ الْخَبَطِ، لأَنَّهُمْ
أَكَلُوا الْخَبَطَ حَتَّى كَأَنَّ أَشْدَاقَهُمْ أَشْدَاق الإِبِلِ
العضهه
(3/33)
[حوادث متفرقة]
قَالَ:
وَفِيهَا كَانَتْ سَرِيَّةٌ وَجَّهَهَا رَسُولُ اللَّهِ ص فِي
شَعْبَانَ، أَمِيرُهَا أَبُو قَتَادَةَ
. حَدَّثَنَا ابْنُ حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: حدثني ابن إِسْحَاقَ،
عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ
إِبْرَاهِيمَ، عَنْ [عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي حَدْرَدٍ
الأَسْلَمِيِّ، قَالَ: تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً مِنْ قَوْمِي،
فَأَصْدَقْتُهَا مِائَتَيْ دِرْهَمٍ، فَجِئْتُ رَسُولَ اللَّهِ ص
أَسْتَعِينُهُ عَلَى نِكَاحِي، فَقَالَ: وَكَمْ أَصْدَقْتَ؟ قُلْتُ:
مِائَتَيْ دِرْهَمٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ!
لَوْ كُنْتُمْ إِنَّمَا تَأْخُذُونَ الدَّرَاهِمَ مِنْ بَطْنِ وَادٍ
مَا زِدْتُمْ! وَاللَّهِ مَا عِنْدِي مَا أُعِينُكَ بِهِ] .
قَالَ: فَلَبِثْتُ أَيَّامًا، وَأَقْبَلَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي جُشَمَ
بْنِ مُعَاوِيَةَ يُقَالُ لَهُ رِفَاعَةُ بْنُ قَيْسٍ- أَوْ قَيْسُ
بْنُ رِفَاعَةَ- فِي بَطْنِ عَظِيمٍ مِنْ جُشَمَ، حَتَّى نَزَلَ
بِقَوْمِهِ وَمَنْ مَعَهُ بِالْغَابَةِ، يُرِيدُ أَنْ يجمع قيسا على
حرب رسول الله ص.
قَالَ: وَكَانَ ذَا اسْمٍ وَشَرَفٍ فِي جُشَمَ قال: فدعاني رسول الله ص
وَرَجُلَيْنِ، مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَقَالَ: اخْرُجُوا إِلَى هَذَا
الرَّجُلِ حَتَّى تَأْتُونَا بِهِ، أَوْ تَأْتُونَا مِنْهُ بِخَبَرٍ
وَعِلْمٍ قَالَ: وَقَدَّمَ لَنَا شَارِفًا عَجْفَاءَ، فحمل عليها
أحدنا، فو الله مَا قَامَتْ بِهِ ضَعْفًا حَتَّى دَعَمَهَا الرِّجَالُ
مِنْ خَلْفِهَا بِأَيْدِيهِمْ حَتَّى اسْتَقَلَّتْ وَمَا كَادَتْ ثُمَّ
قَالَ: تَبْلُغُوا عَلَى هَذِهِ وَاعْتَقِبُوهَا.
قَالَ: فَخَرَجْنَا وَمَعَنَا سِلاحُنَا مِنَ النَّبْلِ وَالسُّيُوفِ،
حَتَّى جِئْنَا قَرِيبًا مِنَ الْحَاضِرِ عُشَيْشِيَّةً مَعَ غُرُوبِ
الشَّمْسِ، فَكَمَنْتُ فِي نَاحِيَةٍ، وَأَمَرْتُ صَاحِبَيَّ،
فَكَمَنَا فِي نَاحِيَةٍ أُخْرَى مِنْ حَاضِرِ الْقَوْمِ، وَقُلْتُ
لَهُمَا: إِذَا سَمِعْتُمَانِي قَدْ كَبَّرْتُ وَشَدَدْتُ عَلَى العسكر
فكبرا وشدا معى.
قال: فو الله إِنَّا لَكَذَلِكَ نَنْتَظِرُ أَنْ نَرَى غِرَّةً أَوْ
نُصِيبَ مِنْهُمْ شَيْئًا، غَشِيَنَا اللَّيْلُ حَتَّى ذَهَبَتْ
فَحْمَةُ الْعِشَاءِ، وَقَدْ كَانَ لَهُمْ رَاعٍ قَدْ سَرَحَ فِي
ذَلِكَ الْبَلَدِ، فَأَبْطَأَ عَلَيْهِمْ حَتَّى تخوفوا عليه
(3/34)
قَالَ: فَقَامَ صَاحِبُهُمْ ذَلِكَ
رِفَاعَةُ بْنُ قَيْسٍ، فَأَخَذَ سَيْفَهُ، فَجَعَلَهُ فِي عُنُقِهِ
ثُمَّ قَالَ: وَاللَّهِ لأَتْبَعَنَّ أَثَرَ رَاعِينَا هَذَا، وَلَقَدْ
أَصَابَهُ شَرٌّ فَقَالَ نَفَرٌ مِمَّنْ مَعَهُ: وَاللَّهِ لا
تَذْهَبُ، نَحْنُ نَكْفِيكَ! فَقَالَ: وَاللَّهِ لا يَذْهَبُ إِلا
أَنَا، قَالُوا:
فَنَحْنُ مَعَكَ، قَالَ: وَاللَّهِ لا يَتْبَعُنِي مِنْكُمْ أَحَدٌ.
قَالَ: وَخَرَجَ حَتَّى مَرَّ بِي، فَلَمَّا أَمْكَنَنِي نَفَحْتُهُ
بِسَهْمٍ فَوَضَعْتُهُ في فؤاده، فو الله مَا تَكَلَّمَ، وَوَثَبْتُ
إِلَيْهِ فَاحْتَزَزْتُ رَأْسَهُ، ثُمَّ شَدَدْتُ فِي نَاحِيَةِ
الْعَسْكَرِ وَكَبَّرْتُ، وَشَدَّ صَاحِبَايَ وكبرا، فو الله مَا كَانَ
إِلا النَّجَاءُ مِمَّنْ كَانَ فِيهِ عِنْدَكَ بِكُلِّ مَا قَدَرُوا
عَلَيْهِ مِنْ نِسَائِهِمْ وَأَبْنَائِهِمْ، وَمَا خَفَّ مَعَهُمْ مِنْ
أَمْوَالِهِمْ.
قَالَ: فَاسْتَقْنَا إِبِلا عَظِيمَةً، وَغَنَمًا كَثِيرَةً، فَجِئْنَا
بِهَا الى رسول الله ص، وَجِئْتُ بِرَأْسِهِ أَحْمِلُهُ مَعِي، قَالَ:
فَأَعَانَنِي رَسُولُ الله ص مِنْ تِلْكَ الإِبِلِ بِثَلاثَةَ عَشَرَ
بَعِيرًا، فَجَمَعْتُ إِلَيَّ أَهْلِي.
وَأَمَّا الْوَاقِدِيُّ، فَذَكَرَ أَنَّ مُحَمَّدَ بن يحيى بن سهل بن
أبي حثمة، حدثه عن ابيه، النبي ص بَعَثَ ابْنَ أَبِي حَدْرَدٍ فِي
هَذِهِ السَّرِيَّةِ مَعَ أَبِي قَتَادَةَ، وَأَنَّ السَّرِيَّةَ
كَانَتْ سِتَّةَ عَشَرَ رَجُلا، وَأَنَّهُمْ غَابُوا خَمْسَ عَشْرَةَ
لَيْلَةً، وَأَنَّ سُهْمَانَهُمْ كَانَتِ اثْنَيْ عَشَرَ بَعِيرًا
يُعْدَلُ الْبَعِيرُ بِعَشْرٍ مِنَ الْغَنَمِ، وَأَنَّهُمْ أَصَابُوا
فِي وُجُوهِهِمْ أَرْبَعَ نِسْوَةٍ، فِيهِنَّ فَتَاةٌ وَضِيئَةٌ،
فَصَارَتْ لأَبِي قَتَادَةَ، فَكَلَّمَ مَحْمِيَةُ بْنُ الْجَزْءِ
فِيهَا رسول الله ص، فسال رسول الله ص أَبَا قَتَادَةَ عَنْهَا،
فَقَالَ: اشْتَرَيْتُهَا مِنَ الْمَغْنَمِ، فَقَالَ: هَبْهَا لِي،
فَوَهَبَهَا لَهُ، فَأَعْطَاهَا رَسُولُ الله مَحْمِيَةَ بْنَ جَزْءٍ
الزُّبَيْدِيَّ
. قَالَ:
وَفِيهَا أَغْزَى رسول الله ص فِي سَرِيَّةٍ أَبَا قَتَادَةَ إِلَى
بَطْنِ إِضَمٍ
حَدَّثَنَا ابن حميد، قال: حَدَّثَنَا سلمة، عن ابن إسحاق، عن يزيد ابن
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُسَيْطٍ، عَنْ أَبِي الْقَعْقَاعِ بن عبد الله بن
ابى حد رد الأسلمي
(3/35)
وَقَالَ بَعْضُهُمْ عَنِ ابْنِ
الْقَعْقَاعِ- عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي حَدْرَدٍ،
قَالَ:
بعثنا رسول الله ص إِلَى إِضَمٍ، فَخَرَجْتُ فِي نَفَرٍ مِنَ
الْمُسْلِمِينَ فِيهِمْ أَبُو قَتَادَةَ الْحَارِثُ بْنُ رِبْعِيٍّ
وَمُحَلِّمُ بْنُ جَثَّامَةَ بْنِ قَيْسٍ اللَّيْثِيُّ، فَخَرَجْنَا
حَتَّى إِذَا كُنَّا بِبَطْنِ إِضَمٍ- وَكَانَتْ قَبْلَ الْفَتْحِ-
مَرَّ بِنَا عَامِرُ بْنُ الأَضْبَطِ الأَشْجَعِيُّ عَلَى قُعُودٍ
لَهُ، مَعَهُ مَتِيعٌ لَهُ وَوَطْبٌ مِنْ لَبَنٍ فَلَمَّا مَرَّ بِنَا
سَلَّمَ عَلَيْنَا بِتَحِيَّةِ الإِسْلامِ، فَأَمْسَكْنَا عَنْهُ،
وَحَمَلَ عَلَيْهِ مُحَلِّمُ بْنُ جَثَّامَةَ اللَّيْثِيُّ لِشَيْءٍ
كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ، فَقَتَلَهُ وَأَخَذَ بَعِيرَهُ
وَمَتِيعَهُ، فَلَمَّا قَدِمْنَا عَلَى رَسُولِ الله ص فأخبرناه الخبر،
نزل فينا القرآن: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ فِي
سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا» الآيَةَ.
وَقَالَ الواقدي: إِنَّمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ص بَعَثَ هَذِهِ
السَّرِيَّةَ حِينَ خَرَجَ لِفَتْحِ مَكَّةَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ،
وَكَانُوا ثَمَانِيَةَ نَفَرٍ
ذِكْرُ الْخَبَرِ عَنْ غَزْوَةِ مُؤْتَةَ
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ- فِيمَا حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قال: حدثنا
سلمة عنه، قال: لما رجع رسول الله ص إِلَى الْمَدِينَةِ مِنْ خَيْبَرَ،
أَقَامَ بِهَا شَهْرَيْ رَبِيعٍ، ثُمَّ بَعَثَ فِي جُمَادَى الأُولَى
بَعْثَهُ إِلَى الشَّامِ الَّذِينَ أُصِيبُوا بِمُؤْتَةَ حَدَّثَنَا
ابْنُ حميد، قال: حَدَّثَنَا سلمة، عن مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ
مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ
الزُّبَيْرِ، قَالَ: بعث رسول الله ص بَعْثَهُ إِلَى مُؤْتَةَ فِي
جُمَادَى الأُولَى مِنْ سَنَةِ ثَمَانٍ، وَاسْتَعْمَلَ عَلَيْهِمْ
زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ، وَقَالَ: إِنْ أُصِيبَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ
فَجَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عَلَى النَّاسِ، فَإِنْ أُصِيبَ
جَعْفَرٌ فَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ عَلَى النَّاسِ.
فَتَجَهَّزَ النَّاسُ، ثُمَّ تَهَيَّئُوا لِلْخُرُوجِ، وَهُمْ ثَلاثَةُ
آلافٍ، فَلَمَّا حَضَرَ خُرُوجُهُمْ وَدَّعَ النَّاسُ أُمَرَاءَ
رَسُولِ اللَّهِ وَسَلَّمُوا عَلَيْهِمْ وَوَدَّعُوهُمْ فَلَمَّا
(3/36)
وُدِّعَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ
مَعَ مَنْ ودع من أمراء رسول الله ص بكى، فقالوا له: ما يبكيك يا بن
رَوَاحَةَ؟ فَقَالَ: أَمَا وَاللَّهِ مَا بِي حُبُّ الدُّنْيَا، وَلا
صَبَابَةٌ بِكُمْ، [وَلَكِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ الله يَقْرَأُ آيَةً
مِنْ كِتَابِ اللَّهِ يَذْكُرُ فِيهَا النَّارَ: «وَإِنْ مِنْكُمْ
إِلَّا وارِدُها كانَ عَلى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيًّا] » .
فَلَسْتُ أَدْرِي كَيْفَ لِي بِالصَّدْرِ بَعْدَ الْوُرُودِ! فَقَالَ
الْمُسْلِمُونَ: صَحِبَكُمُ اللَّهُ وَدَفَعَ عَنْكُمْ، وَرَدَّكُمْ
إِلَيْنَا صَالِحِينَ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ:
لَكِنَّنِي أَسْأَلُ الرَّحْمَنَ مَغْفِرَةً ... وَضَرْبَةً ذَاتَ
فَرْغٍ تَقْذِفُ الزَّبَدَا
أَوْ طَعْنَةً بِيَدَيْ حَرَّانَ مُجْهَزَةً ... بِحَرْبَةٍ تُنْفِذُ
الأَحْشَاءَ وَالْكَبِدَا
حَتَّى يَقُولُوا إِذَا مَرُّوا عَلَى جَدَثِي ... أَرْشَدَكَ اللَّهُ
مِنْ غَازٍ وَقَدْ رَشَدَا!
ثُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ تَهَيَّئُوا لِلْخُرُوجِ، فَجَاءَ عَبْدُ
اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ إِلَى رَسُولِ الله ص فَوَدَّعَهُ، ثُمَّ
خَرَجَ الْقَوْمُ، وَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ يُشَيِّعُهُمْ، حَتَّى
إِذَا وَدَّعَهُمْ وَانْصَرَفَ عَنْهُمْ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
رَوَاحَةَ:
خَلَفَ السَّلامُ عَلَى امْرِئٍ وَدَّعْتُهُ ... فِي النَّخْلِ خَيْرَ
مُشَيِّعٍ وَخَلِيلِ
ثُمَّ مَضَوْا حَتَّى نَزَلُوا مُعَانَ مِنْ أَرْضِ الشَّامِ، فَبَلَغَ
النَّاسَ أَنَّ هِرَقْلَ قَدْ نَزَلَ مَآبَ مِنْ أَرْضِ الْبَلْقَاءِ
فِي مِائَةِ أَلْفٍ مِنَ الرُّومِ، وَانْضَمَّتْ إِلَيْهِ
الْمُسْتَعْرِبَةُ مِنْ لَخْمٍ وَجُذَامٍ وَبَلْقَيْنَ وَبَهْرَاءَ
وَبَلِيٍّ فِي مِائَةِ أَلْفٍ مِنْهُمْ، عَلَيْهِمْ رَجُلٌ مِنْ
بَلِيٍّ، ثُمَّ أَحَدُ إِرَاشَةَ، يُقَالُ لَهُ: مَالِكُ بْنُ
رَافِلَةَ، فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ الْمُسْلِمِينَ أَقَامُوا عَلَى
مَعَانٍ لَيْلَتَيْنِ، يَنْظُرُونَ فِي أَمْرِهِمْ، وَقَالُوا:
نَكْتُبُ إِلَى رَسُولِ الله وَنُخْبِرُهُ بِعَدَدِ عَدُوِّنَا،
فَإِمَّا أَنْ يُمِدَّنَا بِرِجَالٍ، وَإِمَّا أَنْ يَأْمُرَنَا
بِأَمْرِهِ فَنَمْضِيَ لَهُ فَشَجَّعَ النَّاسَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
رَوَاحَةَ، وَقَالَ: يَا قَوْمُ، وَاللَّهِ إِنَّ الَّذِي تَكْرَهُونَ
لَلَّذِي خَرَجْتُمْ تَطْلُبُونَ الشَّهَادَةَ، وَمَا نُقَاتِلُ
النَّاسَ بِعَدَدٍ وَلا قُوَّةٍ وَلا كَثْرَةٍ، مَا نُقَاتِلُهُمْ إِلا
بِهَذَا الدِّينِ الَّذِي أَكْرَمَنَا اللَّهُ بِهِ، فَانْطَلِقُوا،
فَإِنَّمَا هي إِحْدَى
(3/37)
الْحُسْنَيَيْنِ، إِمَّا ظُهُورٌ، وَإِمَّا
شَهَادَةٌ، فَقَالَ النَّاسُ: قَدْ وَاللَّهِ صَدَقَ ابْنُ رَوَاحَةَ
فَمَضَى النَّاسُ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ فِي
مَحْبِسِهِمْ ذَلِكَ:
جَلَبْنَا الْخَيْلَ مِنْ آجَامِ قُرْحٍ ... تُغَرُّ مِنَ الْحَشِيشِ
لَهَا الْعُكُومُ
حَذَوْنَاهَا مِنَ الصَّوَّانِ سِبْتًا ... أَزَلَّ كَأَنَّ صَفْحَتَهُ
أَدِيمُ
أَقَامَتْ لَيْلَتَيْنِ عَلَى مُعَانٍ ... فَأُعْقِبَ بَعْدَ
فَتْرَتِهَا جُمُومُ
فَرُحْنَا وَالْجِيَادُ مُسَوَّمَاتٌ ... تَنَفَّسُ فِي مَنَاخِرِهَا
السَّمُومُ
فَلا وَأَبِي، مَآبِ لَنَأْتِيَنْهَا ... وَلَوْ كَانَتْ بِهَا عُرْبٌ
وَرُومُ
فَعَبَّأْنَا أَعِنَّتَهَا فَجَاءَتْ ... عَوَابِسَ وَالْغُبَارُ لَهَا
بَرِيمُ
بِذِي لَجَبٍ كَأَنَّ الْبِيضَ فِيهِ ... إِذَا بَرَزَتْ قَوَانِسُهَا
النُّجُومُ
فَرَاضِيَةُ الْمَعِيشَةِ طَلَّقَتْهَا ... أَسِنَّتُنَا فَتَنْكِحُ
أَوْ تَئِيمُ
ثُمَّ مَضَى النَّاسُ حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا
سَلَمَةُ، عن ابن إسحاق، عن عبد الله بن أبي بكر، أَنَّهُ حَدَّثَ عَنْ
زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ، قَالَ: كُنْتُ يَتِيمًا لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ
رَوَاحَةَ فِي حِجْرِهِ، فَخَرَجَ فِي سَفَرِهِ ذَلِكَ مُرْدِفِي عَلَى
حقيبه رحله، فو الله إِنَّهُ لَيَسِيرُ لَيْلَةً إِذْ سَمِعْتُهُ
وَهُوَ يتَمَثَّلُ أَبْيَاتَهُ هَذِهِ:
إِذَا أَدَّيْتِنِي وَحَمَلْتِ رَحْلِي ... مَسِيرَةَ أَرْبَعٍ بَعْدَ
الْحِسَاءِ
فَشَأْنُكِ أَنْعُمٌ وَخَلاكِ ذَمٌّ ... وَلا أَرْجِعُ إِلَى أَهْلِي
وَرَائِي
وَجَاءَ الْمُسْلِمُونَ وَغَادَرُونِي ... بِأَرْضِ الشَّامِ
مُشْتَهِيَ الثَّوَاءِ
وَرَدُّكِ كُلَّ ذِي نَسَبٍ قَرِيبٍ ... إِلَى الرَّحْمَنِ مُنْقَطِعُ
الإِخَاءِ
(3/38)
هُنَالِكَ لا أُبَالِي طَلْعَ بَعْلٍ ...
وَلا نَخْلٍ أَسَافِلُهَا رِوَاءِ
قَالَ: فَلَمَّا سَمِعْتُهُنَّ مِنْهُ بَكَيْتُ، فَخَفَقَنِي
بِالدِّرَّةِ، وَقَالَ: مَا عَلَيْكَ يَا لُكَعُ! يَرْزُقُنِي اللَّهُ
الشَّهَادَةَ، وَتَرْجِعُ بَيْنَ شُعْبَتَيِ الرَّحْلِ! ثُمَّ قَالَ
عَبْدُ اللَّهِ فِي بَعْضِ شِعْرِهِ وَهُوَ يَرْتَجِزُ:
يَا زَيْدَ زَيْدَ الْيَعْمَلاتِ الذُّبَّلِ ... تَطَاوَلَ اللَّيْلُ
هُدِيتَ فَانْزِلِ
قَالَ: ثُمَّ مَضَى النَّاسُ حَتَّى إِذَا كَانُوا بِتُخُومِ
الْبَلْقَاءِ، لَقِيَتْهُمْ جُمُوعُ هِرَقْلَ مِنَ الرُّومِ
وَالْعَرَبِ، بِقَرْيَةٍ مِنْ قُرَى الْبَلْقَاءِ يُقَالُ لَهَا
مَشَارِفُ ثُمَّ دَنَا الْعَدُوُّ، وَانْحَازَ الْمُسْلِمُونَ إِلَى
قَرْيَةٍ يُقَالُ لَهَا مُؤْتَةُ، فَالْتَقَى النَّاسُ عِنْدَهَا،
فَتَعَبَّأَ الْمُسْلِمُونَ، فَجَعَلُوا عَلَى مَيْمَنَتِهِمْ رَجُلا
مِنْ بَنِي عُذْرَةَ، يُقَالُ لَهُ قُطْبَةُ بْنُ قَتَادَةَ، وَعَلَى
مَيْسَرَتِهِمْ رَجُلا مِنَ الأَنْصَارِ يُقَالُ لَهُ عَبَايَةُ بْنُ
مَالِكٍ، ثُمَّ الْتَقَى النَّاسُ، فَاقْتَتَلُوا، فَقَاتَلَ زَيْدُ
بْنُ حارثة برايه رسول الله ص حَتَّى شَاطَ فِي رِمَاحِ الْقَوْمِ،
ثُمَّ أَخَذَهَا جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، فَقَاتَلَ بِهَا حَتَّى
إِذَا أَلْحَمَهُ الْقِتَالُ اقْتَحَمَ عَنْ فَرَسٍ لَهُ شَقْرَاءَ
فَعَقَرَهَا، ثُمَّ قَاتَلَ الْقَوْمَ حَتَّى قُتِلَ، فَكَانَ جَعْفَرٌ
أَوَّلَ رَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ عَقَرَ فِي الإِسْلامِ فَرَسَهُ.
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: حدثنا سلمه وابو تميمله، عَنْ
مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عن يحيى بن عَبَّادٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ:
حَدَّثَنِي أَبِي الَّذِي أَرْضَعَنِي- وَكَانَ أَحَدَ بَنِي مُرَّةَ
بْنِ عَوْفٍ، وَكَانَ فِي تِلْكَ الْغَزْوَةِ غَزْوَةَ مُؤْتَةَ-
قَالَ: وَاللَّهِ لَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى جَعْفَرٍ حِينَ اقْتَحَمَ
عَنْ فَرَسٍ لَهُ شَقْرَاءَ، فَعَقَرَهَا، ثُمَّ قَاتَلَ الْقَوْمَ
حَتَّى قُتِلَ، فَلَمَّا قُتِلَ جَعْفَرٌ أَخَذَ الرَّايَةَ عَبْدُ
اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ، ثُمَّ تَقَدَّمَ بِهَا وَهُوَ عَلَى فَرَسِهِ،
فَجَعَلَ يَسْتَنْزِلُ نَفْسَهُ وَيَتَرَدَّدُ بَعْضَ التَّرَدُّدِ،
ثُمَّ قَالَ:
أَقْسَمْتُ يَا نَفْسُ لَتَنْزِلِنَّهْ طَائِعَةً أَوْ
فَلَتُكْرَهِنَّهْ
(3/39)
إِنْ أَجْلَبَ النَّاسُ وَشَدُّوا
الرَّنَّهْ ... مَا لِي أَرَاكِ تَكْرَهِينَ الْجَنَّهْ!
قَدْ طَالَمَا قَدْ كُنْتِ مُطْمَئِنَّهْ ... هَلْ أَنْتِ إِلا
نُطْفَةٌ فِي شَنَّهْ!
وَقَالَ أَيْضًا:
يَا نَفْسُ إِلا تَقْتُلِي تَمُوتِي ... هَذَا حِمَامُ الْمَوْتِ قَدْ
صُلِيتِ
وَمَا تَمَنَّيْتِ فَقَدْ أُعْطِيتِ ... إِنْ تَفْعَلِي فِعْلَهُمَا
هُدِيتِ
قَالَ: ثُمَّ نَزَلَ، فَلَمَّا نَزَلَ أَتَاهُ ابْنَ عَمٍّ لَهُ
بِعَظْمٍ مِنْ لَحْمٍ، فَقَالَ: شُدَّ بِهَا صُلْبَكَ، فَإِنَّكَ قَدْ
لَقِيتَ أَيَّامَكَ هَذِهِ مَا لَقِيتَ، فَأَخَذَهُ مِنْ يَدِهِ،
فَانْتَهَسَ مِنْهُ نَهْسَةً ثُمَّ سَمِعَ الْحَطْمَةَ فِي نَاحِيَةِ
النَّاسِ، فَقَالَ: وَأَنْتَ فِي الدُّنْيَا! ثُمَّ أَلْقَاهُ مِنْ
يَدِهِ، وَأَخَذَ سَيْفَهُ، فَتَقَدَّمَ فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ،
فَأَخَذَ الرَّايَةَ ثَابِتُ بْنُ أَقْرَمَ، أَخُو بِلْعِجْلانِ،
فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ اصْطَلِحُوا عَلَى رَجُلٍ
مِنْكُمْ، فَقَالُوا:
أَنْتَ، قَالَ: مَا أَنَا بِفَاعِلٍ، فَاصْطَلَحَ النَّاسُ عَلَى
خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ، فَلَمَّا أَخَذَ الرَّايَةَ دَافَعَ
الْقَوْمَ، وَحَاشَى بِهِمْ، ثُمَّ انْحَازَ وتحيز عنه حتى انصرف
بالناس.
فحدثني الْقَاسِمُ بْنُ بِشْرِ بْنِ مَعْرُوفٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا
سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الأَسْوَدُ بْنُ
شَيْبَانَ، عَنْ خَالِدِ بْنِ سُمَيْرٍ، قَالَ: قَدِمَ عَلَيْنَا
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبَاحٍ الأَنْصَارِيُّ- وَكَانَتِ الأَنْصَارُ
تُفَقِّهُهُ- فَغَشِيَهُ النَّاسُ، فَقَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو قتادة
فارس رسول الله ص، قال: بعث رسول الله جَيْشَ الأُمَرَاءِ، فَقَالَ:
عَلَيْكُمْ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ، فان اصيب فجعفر
(3/40)
ابن أَبِي طَالِبٍ، فَإِنْ أُصِيبَ
جَعْفَرٌ فَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ، فَوَثَبَ جَعْفَرٌ فَقَالَ:
يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا كُنْتُ أَذْهَبُ أَنْ تَسْتَعْمِلَ زَيْدًا
عَلَيَّ! قَالَ: امْضِ، فَإِنَّكَ لا تَدْرِي أَيُّ ذَلِكَ خَيْرٌ!
فَانْطَلَقُوا، فَلَبِثُوا مَا شَاءَ اللَّهُ ثم ان رسول الله ص صَعِدَ
الْمِنْبَرَ، وَأَمَرَ فَنُودِيَ: الصَّلاةُ جَامِعَةٌ! فَاجْتَمَعَ
الناس الى رسول الله، فَقَالَ:
بَابُ خَيْرٍ، بَابُ خَيْرٍ، بَابُ خَيْرٍ! أُخْبِرُكُمْ عَنْ
جَيْشِكُمْ هَذَا الْغَازِي، إِنَّهُمُ انْطَلَقُوا فَلَقُوا
الْعَدُوَّ، فَقُتِلَ زَيْدٌ شَهِيدًا- وَاسْتَغْفَرَ لَهُ- ثُمَّ
أَخَذَ اللِّوَاءَ جَعْفَرٌ، فَشَدَّ عَلَى الْقَوْمِ حَتَّى قُتِلَ
شَهِيدًا- فَشَهِدَ لَهُ بِالشَّهَادَةِ وَاسْتَغْفَرَ لَهُ- ثُمَّ
أَخَذَ اللِّوَاءَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ، فَأَثْبَتَ
قَدَمَيْهِ حَتَّى قُتِلَ شَهِيدًا- فَاسْتَغْفَرَ لَهُ- ثُمَّ أَخَذَ
اللِّوَاءَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ- وَلَمْ يَكُنْ مِنَ الأُمَرَاءِ،
هُوَ أَمَّرَ نَفْسَهُ-[ثم قال رسول الله ص: اللَّهُمَّ إِنَّهُ سَيْفٌ
مِنْ سُيُوفِكَ، فَأَنْتَ تَنْصُرُهُ- فَمُنْذُ يَوْمِئِذٍ سُمِّيَ
خَالِدُ سَيْفَ اللَّهِ- ثُمَّ قال رسول الله: أَبْكِرُوا فَأَمِدُّوا
إِخْوَانَكُمْ وَلا يَتَخَّلَفَنَّ مِنْكُمْ أَحَدٌ] فَنَفَرُوا
مُشَاةً وَرُكْبَانًا، وَذَلِكَ فِي حَرٍّ شَدِيدٍ.
حَدَّثَنَا ابن حميد، قال: حَدَّثَنَا سلمة، عن ابن إسحاق، عن عبد الله
ابن أَبِي بَكْرٍ، قَالَ: لَمَّا أَتَى رَسُولَ اللَّهِ مصاب جعفر،
[قال رسول الله ص: قَدْ مَرَّ جَعْفَرٌ الْبَارِحَةَ فِي نَفَرٍ مِنَ
الْمَلائِكَةِ، لَهُ جَنَاحَانِ، مُخْتَضِبَ الْقَوَادِمِ بِالدَّمِ،
يُرِيدُونَ بِيشَةَ، أَرْضًا بِالْيَمَنِ] .
قال وقد كان قطبة بْن قتادة العذري الذي كان على ميمنة المسلمين حمل
على مالك بْن رافلة قائد المستعربة فقتله قَالَ: وقد كانت كاهنة من حدس
حين سمعت بجيش رسول الله ص مقبلا قد قالت لقومها من حدس- وقومها بطن
يقال لهم بنو غنم: أنذركم قوما خزرا، ينظرون شزرا، ويقودون الخيل بترا،
ويهريقون دما
(3/41)
عكرا فأخذوا بقولها، فاعتزلوا من بين لخم، فلم يزالوا بعد اثرى حدس
وكان الذين صلوا الحرب يومئذ بنو ثعلبة، بطن من حدس، فلم يزالوا قليلا
بعد، ولما انصرف خالد بْن الوليد بالناس أقبل بهم قافلا.
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: حدثنا سلمة، قال: حدثنى محمد ابن
إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ
عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، قَالَ: لَمَّا دَنَوْا من دخول المدينة،
تلقاهم رسول الله ص والمسلمون، ولقيهم الصبيان يشتدون، ورسول الله
مُقْبِلٌ مَعَ الْقَوْمِ عَلَى دَابَّةٍ، فَقَالَ: خُذُوا الصِّبْيَانَ
فَاحْمِلُوهُمْ وَأَعْطُونِي ابْنَ جَعْفَرٍ، فَأُتِيَ بِعَبْدِ
اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ فَأَخَذَهُ، فَحَمَلَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ، قَالَ:
وَجَعَلَ النَّاسُ يَحْثُونَ عَلَى الْجَيْشِ التُّرَابَ،
وَيَقُولُونَ:
يَا فُرَّارُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، [فَيَقُولُ رسول الله: لَيْسُوا
بِالْفُرَّارِ، وَلَكِنَّهُمُ الْكُرَّارُ، إِنْ شَاءَ اللَّهَ!]
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، قال:
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي
بَكْرٍ، عَنْ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ
بَعْضِ آلِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ- وَهُمْ أَخْوَالُهُ- عَنْ أُمِّ
سَلَمَةَ زوج النبي ص، قَالَ: قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ لامْرَأَةِ
سَلَمَةَ بْنِ هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ: مَا لِي لا أَرَى سلمه يحضر
الصلاة مع رسول الله وَمَعَ الْمُسْلِمِينَ! قَالَتْ: وَاللَّهِ مَا
يَسْتَطِيعُ أَنْ يَخْرُجَ، كُلَّمَا خَرَجَ صَاحَ النَّاسُ:
أَفَرَرْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ! حَتَّى قَعَدَ فِي بَيْتِهِ فَمَا
يخرج.
وفيها غزا رسول الله ص أَهْلَ مَكَّةَ |