تاريخ الطبري تاريخ الرسل والملوك وصلة تاريخ الطبري

. ذكر خبر قتل عامر بن ضباره ودخول قحطبه أصبهان
قال أبو جعفر: وفي هذه السنة قتل عامر بْن ضبارة.
ذكر الخبر عن مقتله وعن سبب ذلك:
وكان سبب مقتله أن عبد الله بْن معاوية بْن عبد الله بْن جعفر لما هزمه ابن ضبارة مضى هاربا نحو خراسان، وسلك إليها طريق كرمان، ومضى عامر بْن ضبارة في أثره لطلبه، وورد على يزيد بْن عمر مقتل نباتة بْن حنظلة بجرجان، فذكر علي بْن محمد ان أبا السرى وأبا الحسن الجشمى والحسن ابن رشيد وجبله بن فروج وحفص بن شبيب اخبروه، قالوا: لما قتل نباتة كتب ابن هبيرة إلى عامر بْن ضبارة وإلى ابنه داود بْن يزيد بْن عمر أن يسير إلى قحطبة- وكانا بكرمان- فسارا في خمسين ألفا حتى نزلوا أصبهان بمدينة جي- وكان يقال لعسكر ابن ضبارة عسكر العساكر- فبعث قحطبة إليهم مقاتلا وأبا حفص المهلبي وأبا حماد المروزي مولى بني سليم وموسى بْن عقيل وأسلم بْن حسان وذؤيب بْن الأشعث وكلثوم بْن شبيب ومالك بن طريف والمخارق بن غفار والهيثم بْن زياد، وعليهم جميعا العكي، فسار حتى نزل قم وبلغ ابن ضبارة نزول الحسن بأهل نهاوند، فأراد أن يأتيهم معينا لهم، وبلغ الخبر العكي، فبعث إلى قحطبة يعلمه، فوجه زهير بْن محمد إلى قاشان، وخرج العكي من قم وخلف بها طريف بْن غيلان، فكتب إليه قحطبة يأمره أن يقيم حتى يقدم عليه، وأن يرجع إلى قم، وأقبل قحطبة من الري، وبلغه طلائع العسكرين، فلما لحق قحطبة بمقاتل بْن حكيم

(7/405)


العكي ضم عسكر العكي إلى عسكره، وسار عامر بْن ضبارة إليهم وبينه وبين عسكر قحطبة فرسخ، فأقام أياما، ثم سار قحطبة إليهم، فالتقوا وعلى ميمنة قحطبة العكي ومعه خالد بْن برمك، وعلى ميسرته عبد الحميد بْن ربعي ومعه مالك بْن طريف- وقحطبة في عشرين ألفا وابن ضبارة في مائة ألف، وقيل في خمسين ومائة ألف- فأمر قحطبة بمصحف فنصب على رمح ثم نادى: يا أهل الشام، إنا ندعوكم إلى ما في هذا المصحف، فشتموه وأفحشوا في القول، فأرسل إليهم قحطبة: احملوا عليهم، فحمل عليهم العكي، وتهايج الناس، فلم يكن بينهم كثير قتال حتى انهزم أهل الشام، وقتلوا قتلا ذريعا، وحووا عسكرهم، فأصابوا شيئا لا يدرى عدده من السلاح والمتاع والرقيق، وبعث بالفتح إلى ابنه الحسن مع شريح بْن عبد الله.
قَالَ علي: وأخبرنا أبو الذيال، قَالَ: لقي قحطبة عامر بْن ضبارة، ومع ابن ضبارة ناس من أهل خراسان، منهم صالح بن الحجاج النميرى وبشر ابن بسطام بْن عمران بْن الفضل البرجمي وعبد العزيز بْن شماس المازني وابن ضبارة في خيل ليست معه رجالة، وقحطبة معه خيل ورجالة فرموا الخيل بالنشاب، فانهزم ابن ضبارة حتى دخل عسكره، واتبعه قحطبه، فترك ابن ضبارة العسكر، ونادى: إلي، فانهزم الناس وقتل.
قَالَ علي: وأخبرنا المفضل بْن محمد الضبي، قَالَ: لما لقي قحطبة ابن ضبارة انهزم داود بْن يزيد بْن عمر، فسأل عنه عامر، فقيل: انهزم، فقال: لعن الله شرنا منقلبا! وقاتل حتى قتل.
قَالَ علي: وأخبرنا حفص بْن شبيب، قَالَ: حدثني من شهد قحطبة وكان معه، قَالَ: ما رأيت عسكرا قط جمع ما جمع أهل الشام بأصبهان من الخيل والسلاح والرقيق، كأنا افتتحنا مدينة، وأصبنا معهم ما لا يحصى من البرابط والطنابير والمزامير، ولقل بيت أو خباء ندخله إلا أصبنا فيه زكرة أو زقا من الخمر، فقال بعض الشعراء:
لما رمينا مضرا بالقب ... قرضبهم قحطبة القرضب
يدعون مروان كدعوى الرب.

(7/406)


ذكر خبر محاربه قحطبه اهل نهاوند ودخولها
وفي هذه السنة كانت وقعة قحطبة بنهاوند بمن كان لجأ إليها من جنود مروان بْن محمد وقيل: كانت الوقعة بجابلق من أرض أصبهان يوم السبت لسبع بقين من رجب.
ذكر الخبر عن هذه الوقعة:
ذكر علي بْن محمد أن الحسن بْن رشيد وزهير بْن الهنيد أخبراه أن ابن ضبارة لما قتل كتب بذلك قحطبة إلى ابنه الحسن، فلما أتاه الكتاب كبر وكبر جنده، ونادوا بقتله، فقال عاصم بْن عمير السغدي: ما صاح هؤلاء بقتل ابن ضبارة إلا وهو حق، فاخرجوا إلى الحسن بْن قحطبة وأصحابه، فإنكم لا تقومون لهم، فتذهبون حيث شئتم قبل أن يأتيه أبوه أو مدده فقالت الرجالة: تخرجون وأنتم فرسان على خيول فتذهبون وتتركوننا! فقال لهم مالك ابن أدهم الباهلي: كتب إلي ابن هبيرة ولا أبرح حتى يقدم علي فأقاموا وأقام قحطبة بأصبهان عشرين يوما، ثم سار حتى قدم على الحسن نهاوند فحصرهم أشهرا، ثم دعاهم إلى الأمان فأبوا، فوضع عليهم المجانيق، فلما رأى ذلك مالك طلب الأمان لنفسه ولأهل الشام- وأهل خراسان لا يعلمون- فأعطاه الأمان فوفى له قحطبة، ولم يقتل منهم أحدا، وقتل من كان بنهاوند من أهل خراسان، إلا الحكم بْن ثابت بْن أبي مسعر الحنفي، وقتل من أهل خراسان أبا كامل وحاتم بْن الحارث بْن شريح وابن نصر بن سيار وعاصم بْن عمير وعلي بْن عقيل وبيهس بْن بديل من بني سليم، من أهل الجزيرة، ورجلا من قريش يقال له البختري، من أولاد عمر بْن الخطاب- وزعموا أن آل الخطاب لا يعرفونه- وقطن بْن حرب الهلالي.
قَالَ علي: وحدثنا يحيى بْن الحكم الهمداني، قَالَ: حدثني مولى لنا قَالَ: لما صالح مالك بْن أدهم قحطبة قَالَ بيهس بن بديل: ان ابن ادهم لمصالح علينا، والله لأفتكن به، فوجد أهل خراسان أن قد فتح لهم الأبواب، ودخلوا وأدخل قحطبة من كان معه من أهل خراسان حائطا

(7/407)


وقال غير علي: أرسل قحطبة إلى أهل خراسان الذين في مدينة نهاوند يدعوهم إلى الخروج إليه، وأعطاهم الأمان، فأبوا ذلك ثم أرسل إلى أهل الشام بمثل ذلك فقبلوا، ودخلوا في الأمان بعد أن حوصروا ثلاثة أشهر: شعبان ورمضان وشوال، وبعث أهل الشام إلى قحطبة يسألونه أن يشغل أهل المدينة حتى يفتحوا الباب وهم لا يشعرون، ففعل ذلك قحطبة، وشغل أهل المدينة بالقتال، ففتح أهل الشام الباب الذي كانوا عليه، فلما رأى أهل خراسان الذين في المدينة خروج أهل الشام، سألوهم عن خروجهم، فقالوا: أخذنا الأمان لنا ولكم، فخرج رؤساء أهل خراسان، فدفع قحطبة كل رجل منهم إلى رجل من قواد اهل خراسان، ثم امر مناديه فنادى: من كان في يده أسير ممن خرج إلينا من أهل المدينة فليضرب عنقه، وليأتنا برأسه ففعلوا ذلك، فلم يبق أحد ممن كان قد هرب من أبي مسلم وصاروا إلى الحصن إلا قتل، ما خلا أهل الشام فإنه خلى سبيلهم، وأخذ عليهم إلا يمالئوا عليه عدوا.
رجع الحديث إلى حديث علي عن شيوخه الذين ذكرت: ولما أدخل قحطبة الذين كانوا بنهاوند من أهل خراسان ومن اهل الشام الحائط، قال لهم عاصم بن عمير: ويلكم! الا تدخلوا الحائط! وخرج عاصم فلبس درعه، ولبس سوادا كان معه، فلقيه شاكري كان له بخراسان فعرفه، فقال: أبو الأسود؟
قَالَ: نعم، فأدخله في سرب، وقال لغلام له: احتفظ به ولا تطلعن على مكانه أحدا، وأمر قحطبة: من كان عنده أسيرا فليأتنا به فقال الغلام الذي كان وكل بعاصم: إن عندي أسيرا أخاف أن أغلب عليه، فسمعه رجل من أهل اليمن، فقال: أرنيه، فأراه إياه فعرفه، فأتى قحطبة فأخبره، وقال: رأس من رءوس الجبابرة، فأرسل إليه فقتله، ووفى لأهل الشام فلم يقتل منهم أحدا.
قَالَ علي: وأخبرنا أبو الحسن الخراساني وجبلة بْن فروخ، قالا: لما قدم قحطبة نهاوند والحسن محاصرهم، أقام قحطبة عليهم، ووجه الحسن إلى مرج القلعة، فقدم الحسن خازم بْن خزيمة إلى حلوان، وعليها عبد الله

(7/408)


ابن العلاء الكندي، فهرب من حلوان وخلاها.
قَالَ علي: وأخبرنا محرز بْن إبراهيم، قَالَ: لما فتح قحطبة نهاوند، أرادوا أن يكتبوا إلى مروان باسم قحطبة، فقالوا: هذا اسم شنيع، اقلبوه فجاء هبط حق، فقالوا: الاول مع شنعته ايسر من هذا فردوه.

ذكر وقعه شهرزور وفتحها
وفي هذه السنة كانت وقعة أبي عون بشهرزور ذكر الخبر عنها وعما كان فيها:
ذكر علي أن أبا الحسن وجبلة بْن فروخ، حدثاه قالا: وجه قحطبة أبا عون عبد الملك بْن يزيد الخراساني ومالك بْن طريف الخراساني في أربعة آلاف إلى شهرزور، وبها عثمان بْن سفيان على مقدمة عبد الله بْن مروان، فقدم أبو عون ومالك، فنزلا على فرسخين من شهرزور، فأقاما به يوما وليلة، ثم ناهضا عثمان بْن سفيان في العشرين من ذي الحجة سنة إحدى وثلاثين ومائة فقتل عثمان بْن سفيان، وبعث أبو عون بالبشارة مع إسماعيل بْن المتوكل، وأقام أبو عون في بلاد الموصل.
وقال بعضهم: لم يقتل عثمان بْن سفيان، ولكنه هرب إلى عبد الله بْن مروان، واستباح أبو عون عسكره، وقتل من أصحابه مقتلة عظيمة بعد قتال شديد وقال: كان قحطبة وجه أبا عون إلى شهرزور في ثلاثين ألفا بأمر أبي مسلم إياه بذلك قَالَ: ولما بلغ خبر أبي عون مروان وهو بحران، ارتحل منها ومعه جنود الشام والجزيرة والموصل، وحشرت بنو أمية معه أبناءهم مقبلا إلى أبي عون، حتى انتهى إلى الموصل، ثم أخذ في حفر الخنادق من خندق إلى خندق، حتى نزل الزاب الأكبر، وأقام أبو عون بشهرزور بقية ذي الحجة والمحرم من سنة اثنتين وثلاثين ومائة، وفرض فيها لخمسه آلاف رجل.

(7/409)


ذكر خبر مسير قحطبه الى ابن هبيرة بالعراق
وفي هذه السنة سار قحطبة نحو ابن هبيرة، ذكر علي بْن محمد أن أبا الحسن أخبره وزهير بْن هنيد وإسماعيل بْن أبي إسماعيل وجبلة بْن فروخ، قالوا: لما قدم على ابن هبيرة ابنه منهزما من حلوان، خرج يزيد بْن عمر بْن هبيرة، فقاتل قحطبة في عدد كثير لا يحصى مع حوثرة بْن سهيل الباهلي، وكان مروان أمد ابن هبيرة به، وجعل على الساقة زياد بْن سهل الغطفاني، فسار يزيد بْن عمر بْن هبيرة، حتى نزل جلولاء الوقيعة وخندق، فاحتفر الخندق الذي كانت العجم احتفرته ايام وقعه جلولاء، واقيل قحطبة حتى نزل قرماسين، ثم سار إلى حلوان، ثم تقدم من حلوان، فنزل خانقين، فارتحل قحطبة من خانقين، وارتحل ابن هبيرة راجعا إلى الدسكرة.
وقال هشام عن أبي مخنف، قال: اقبل قحطبه، وابن هبيرة فخندق بجلولاء، فارتفع إلى عكبراء، وجاز قحطبة دجلة، ومضى حتى نزل دمما دون الأنبار، وارتحل ابن هبيرة بمن معه منصرفا مبادرا إلى الكوفة لقحطبة، حتى نزل في الفرات في شرقيه، وقدم حوثرة في خمسة عشر ألفا إلى الكوفة، وقطع قحطبة الفرات من دمما، حتى صار من غربيه، ثم سار يريد الكوفة حتى انتهى إلى الموضع الذي فيه ابن هبيرة.
وفي هذه السنة حج بالناس الوليد بْن عروة بْن محمد بْن عطية السعدي، سعد هوازن، وهو ابن أخي عبد الملك بْن محمد بْن عطية الذي قتل أبا حمزة الخارجي وكان والي المدينة من قبل عمه، حَدَّثَنِي بِذَلِكَ أَحْمَد بْن ثَابِت، عمن ذكره، عن إسحاق بْن عيسى، عن أبي معشر وكذلك قَالَ الواقدي وغيره.
وقد ذكر أن الوليد بْن عروة إنما كان خرج خارجا من المدينة، وكان مروان قد كتب إلى عمه عبد الملك بْن محمد بْن عطية يأمره أن يحج بالناس وهو باليمن، فكان من أمره ما قد ذكرت قبل، فلما أبطأ عليه عمه عبد الملك

(7/410)


افتعل كتابا من عمه يأمره بالحج بالناس، فحج بهم.
وذكر أن الوليد بْن عروة بلغه قتل عمه عبد الملك فمضى إلى الذين قتلوه، فقتل منهم مقتلة عظيمة، وبقر بطون نسائهم، وقتل الصبيان، وحرق بالنيران من قدر عليه منهم وكان عامل مكة والمدينة والطائف في هذه السنة الوليد بْن عروة السعدي من قبل عمه عبد الملك بْن محمد، وعامل العراق يزيد بْن عمر بْن هبيرة وعلى قضاء الكوفة الحجاج بن عاصم المحاربى، وعلى قضاء البصره عباد ابن منصور الناجى.

(7/411)