تاريخ الطبري تاريخ الرسل والملوك وصلة تاريخ
الطبري
ثم دخلت
سنة خمس وثلاثين ومائة
(ذكر ما كان فيها من الأحداث)
ذكر خبر خروج زياد بن صالح
4 فمما كان فيها من ذلك خروج زياد بْن صالح وراء نهر بلخ، فشخص أبو
مسلم من مرو مستعدا للقائه، وبعث أبو داود خالد بْن إبراهيم نصر بْن
راشد إلى الترمذ، وأمره أن ينزل مدينتها، مخافة أن يبعث زياد بْن صالح
إلى الحصن والسفن فيأخذها، ففعل ذلك نصر، وأقام بها أياما، فخرج عليه
ناس من الراوندية من أهل الطالقان مع رجل يكنى أبا إسحاق، فقتلوا نصرا،
فلما بلغ ذلك أبا داود بعث عيسى بْن ماهان في تتبع قتلة نصر، فتتبعهم
فقتلهم، فمضى أبو مسلم مسرعا، حتى انتهى إلى آمل، ومعه سباع بْن ابى
النعمان الأزدي، وهو الذي كان قدم بعهد زياد بْن صالح من قبل أبي
العباس، وأمره إن رأى فرصة أن يثب على أبي مسلم فيقتله فأخبر أبو مسلم
بذلك، فدفع سباع بْن النعمان إلى الحسن بْن الجنيد عامله على آمل،
وأمره بحبسه عنده، وعبر أبو مسلم إلى بخارى، فلما نزلها أتاه أبو شاكر
وأبو سعد الشروي في قواد قد خلعوا زيادا، فسألهم أبو مسلم عن أمر زياد
ومن أفسده، قالوا: سباع بْن النعمان، فكتب إلى عامله على آمل أن يضرب
سباعا مائة سوط، ثم يضرب عنقه، ففعل.
ولما أسلم زيادا قواده ولحقوا بأبي مسلم لجأ إلى دهقان باركث، فوثب
عليه الدهقان، فضرب عنقه، وجاء برأسه إلى أبي مسلم، فأبطأ أبو داود على
أبي مسلم لحال الراوندية الذين كانوا خرجوا، فكتب اليه ابو مسلم: اما
بعد فليفرخ روعك، ويأمن سربك، فقد قتل الله زيادا، فاقدم، فقدم ابو
داود، كس، وبعث عيسى بْن ماهان إلى بسام، وبعث ابن النجاح إلى الأصبهبذ
إلى شاوغر، فحاصر الحصن فاما أهل شاوغر فسألوا الصلح، فأجيبوا إلى ذلك
(7/466)
واما بسام فلم يصل عيسى بْن ماهان إلى شيء
منه، حتى ظهر أبو مسلم بستة عشر كتابا وجدها من عيسى بْن ماهان إلى
كامل بْن مظفر صاحب أبي مسلم، يعيب فيها أبا داود، وينسبه فيها إلى
العصبية وإيثاره العرب وقومه على غيرهم من أهل هذه الدعوة، وإن في
عسكره ستة وثلاثين سرادقا للمستأمنة، فبعث بها أبو مسلم إلى أبي داود،
وكتب إليه: إن هذه كتب العلج الذي صيرته عدل نفسك، فشأنك به فكتب ابو
داود الى عيسى ابن ماهان يأمره بالانصراف إليه عن بسام، فلما قدم عليه
حبسه ودفعه إلى عمر النغم، وكان في يده محبوسا، ثم دعا به بعد يومين أو
ثلاثة فذكره صنيعته به وإيثاره إياه على ولده، فأقر بذلك، فقال أبو
داود: فكان جزاء ما صنعت بك أن سعيت بي وأردت قتلي فأنكر ذلك، فأخرج
كتبه فعرفها، فضربه أبو داود يومئذ حدين: أحدهما للحسن بْن حمدان ثم
قَالَ أبو داود: أما إني قد تركت ذنبك لك، ولكن الجند أعلم فأخرج في
القيود، فلما أخرج من السرادق وثب عليه حرب بْن زياد وحفص بْن دينار
مولى يحيى بْن حضين، فضرباه بعمود وطبرزين، فوقع إلى الأرض، وعدا عليه
أهل الطالقان وغيرهم.
فأدخلوه في جوالق، وضربوه بالأعمدة، حتى مات ورجع أبو مسلم إلى مرو.
وحج بالناس في هذه السنة سليمان بْن علي وهو على البصرة وأعمالها وعلى
قضائها عباد بْن منصور.
وكان على مكة الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْبَدِ بْنِ
عباس، وعلى المدينة زياد بْن عبيد الله الحارثي، وعلى الكوفة وأرضها
عيسى بْن موسى، وعلى قضائها ابن أبي ليلى، وعلى الجزيرة أبو جعفر
المنصور، وعلى مصر أبو عون، وعلى حمص وقنسرين وبعلبك والغوطة وحوران
والجولان والأردن عبد الله ابن علي وعلى البلقاء وفلسطين صالح بْن علي،
وعلى الموصل إسماعيل بْن علي، وعلى أرمينية يزيد بْن أسيد، وعلى
أذربيجان محمد بْن صول، وعلى ديوان الخراج خالد بْن برمك.
(7/467)
ثم دخلت
سنة ست وثلاثين ومائة
(ذكر الخبر عما كَانَ فِيهَا من الأحداث)
ذكر قدوم ابى مسلم على ابى العباس
ففي هذه السنة قدم أبو مسلم العراق من خراسان على أبي العباس أمير
المؤمنين.
ذكر الخبر عن قدومه عليه وما كان من امره في ذلك:
ذكر علي بْن محمد أن الهيثم بْن عدي أخبره والوليد بْن هشام، عن أبيه،
قالا: لم يزل أبو مسلم مقيما بخراسان، حتى كتب إلى أبي العباس يستأذنه
في القدوم عليه، فأجابه إلى ذلك، فقدم على أبي العباس في جماعة من أهل
خراسان عظيمة ومن تبعه من غيرهم من الأنبار، فأمر أبو العباس الناس
يتلقونه، فتلقاه الناس، وأقبل إلى أبي العباس، فدخل عليه فأعظمه
وأكرمه، ثم استأذن أبا العباس في الحج فقال: لولا أن أبا جعفر يحج
لاستعملتك على الموسم وأنزله قريبا منه، فكان يأتيه في كل يوم يسلم
عليه، وكان ما بين أبي جعفر وأبي مسلم متباعدا، لأن أبا العباس كان بعث
أبا جعفر إلى أبي مسلم وهو بنيسابور، بعد ما صفت له الأمور بعهده على
خراسان وبالبيعة لأبي العباس ولأبي جعفر من بعده، فبايع له أبو مسلم
وأهل خراسان وأقام أبو جعفر أياما حتى فرغ من البيعة، ثم انصرف وكان
أبو مسلم قد استخف بأبي جعفر في مقدمه ذلك، فلما قدم على أبي العباس
أخبره بما كان من استخفافه به.
قَالَ علي: قَالَ الوليد عن أبيه: لما قدم أبو مسلم على أبي العباس،
قَالَ أبو جعفر لأبي العباس: يا أمير المؤمنين، أطعني واقتل أبا مسلم،
فو الله إن في رأسه لغدرة، فقال: يا أخي، قد عرفت بلاءه وما كان منه،
فقال
(7/468)
أبو جعفر: يا أمير المؤمنين، إنما كان
بدولتنا، والله لو بعثت سنورا لقام مقامه وبلغ ما بلغ في هذه الدولة
فقال له أبو العباس: فكيف نقتله؟
قَالَ: إذا دخل عليك وحادثته وأقبل عليك دخلت فتغفلته فضربته من خلفه
ضربة أتيت بها على نفسه، فقال أبو العباس: فكيف بأصحابه الذين يؤثرونه
على دينهم ودنياهم؟ قَالَ: يئول ذلك كله إلى ما تريد، ولو علموا أنه قد
قتل تفرقوا وذلوا، قَالَ: عزمت عليك إلا كففت عن هذا، قَالَ: أخاف
والله ان لم تتغده اليوم يتعشاك غدا، قَالَ: فدونكه، أنت أعلم.
قَالَ: فخرج أبو جعفر من عنده عازما على ذلك، فندم أبو العباس وأرسل
إلى أبي جعفر: لا تفعل ذلك الأمر.
وقيل: إن أبا العباس لما أذن لأبي جعفر في قتل أبي مسلم، دخل أبو مسلم
على أبي العباس، فبعث أبو العباس خصيا له، فقال: اذهب فانظر ما يصنع
أبو جعفر، فأتاه فوجده محتبيا بسيفه، فقال للخصي: أجالس أمير المؤمنين؟
فقال له: قد تهيأ للجلوس، ثم رجع الخصي إلى أبي العباس فأخبره بما رأى
منه، فرده إلى أبي جعفر وقال له: قل له الأمر الذي عزمت عليه لا تنفذه
فكف ابو جعفر
. حج ابى جعفر المنصور وابى مسلم
وفي هذه السنة حج أبو جعفر المنصور وحج معه أبو مسلم.
ذكر الخبر عن مسيرهما وعن وصفه مقدمهما على أبي العباس: أما أبو مسلم
فإنه- فيما ذكر عنه- لما أراد القدوم على أبي العباس، كتب يستأذنه في
القدوم للحج، فأذن له، وكتب إليه أن أقدم في خمسمائة من الجند، فكتب
إليه أبو مسلم: إني قد وترت الناس ولست آمن على نفسي فكتب إليه أن أقبل
في ألف، فإنما أنت في سلطان أهلك ودولتك، وطريق مكة لا تحتمل العسكر،
فشخص في ثمانية آلاف فرقهم فيما بين نيسابور والري، وقدم بالأموال
والخزائن فخلفها بالري، وجمع أيضا أموال الجبل، وشخص منها في ألف
وأقبل، فلما أراد الدخول تلقاه القواد وسائر الناس، ثم استأذن
(7/469)
أبا العباس في الحج، فأذن له، وقال: لولا
أن أبا جعفر حاج لوليتك الموسم.
وأما أبو جعفر فإنه كان أميرا على الجزيرة، وكان الواقدي، يقول: كان
إليه مع الجزيرة أرمينية وأذربيجان، فاستخلف على عمله مقاتل بْن حكيم
العكي، وقدم على أبي العباس فاستأذنه في الحج، فذكر علي بْن محمد عن
الوليد بْن هشام عن أبيه أن أبا جعفر سار إلى مكة حاجا، وحج معه أبو
مسلم سنة ست وثلاثين ومائة، فلما انقضى الموسم أقبل أبو جعفر وأبو
مسلم، فلما كان بين البستان وذات عرق أتى أبا جعفر كتاب بموت أبي
العباس، وكان أبو جعفر قد تقدم أبا مسلم بمرحلة، فكتب إلى أبي مسلم:
إنه قد حدث أمر فالعجل العجل، فأتاه الرسول فأخبره، فأقبل حتى لحق أبا
جعفر، وأقبلا إلى الكوفة.
وفي هذه السنة عقد أبو العباس عبد الله بْن محمد بْن علي لأخيه أبي
جعفر الخلافة من بعده، وجعله ولي عهد المسلمين، ومن بعد أبي جعفر عيسى
ابن موسى بْن محمد بْن علي، وكتب العهد بذلك، وصيره في ثوب، وختم عليه
بخاتمه وخواتيم أهل بيته، ودفعه إلى عيسى بْن موسى
. ذكر الخبر عن موت ابى العباس السفاح
وفيها توفي أبو العباس أمير المؤمنين بالأنبار يوم الأحد، لثلاث عشرة
خلت من ذي الحجة وكانت وفاته فيما قيل بالجدري.
وقال هشام بْن محمد: توفي لاثنتي عشرة ليلة مضت من ذي الحجة.
واختلف في مبلغ سنه يوم وفاته، فقال بعضهم: كان له يوم توفي ثلاث
وثلاثون سنة وقال هشام بْن محمد: كان يوم توفي ابن ست وثلاثين سنة.
وقال بعضهم: كان له ثمان وعشرون سنة.
وكانت ولايته من لدن قتل مروان بْن محمد إلى أن توفي أربع سنين:
ومن لدن بويع له بالخلافة إلى أن مات أربع سنين وثمانية أشهر وقال
بعضهم:
وتسعة أشهر وقال الواقدي: أربع سنين وثمانية أشهر منها ثمانية أشهر
وأربعة
(7/470)
أيام يقاتل مروان.
وملك بعد مروان أربع سنين وكان- فيما ذكر- ذا شعرة جعدة، وكان طويلا
أبيض أقنى الأنف، حسن الوجه واللحية.
وأمه ريطة بنت عبيد الله بْن عبد الله بْن عبد المدان بْن الديان
الحارثي وكان وزيره أبو الجهم بْن عطية.
وصلى عليه عمه عيسى بْن علي، ودفنه بالأنبار العتيقة في قصره.
وكان- فيما ذكر- خلف تسع جباب، وأربعة أقمصة، وخمسه سراويلات، واربعه
طيالسه، وثلاثة مطارف خز |