تاريخ الطبري تاريخ الرسل والملوك وصلة تاريخ
الطبري
عاد الخبر الى ما كان من امر أخي ابن
زكرويه
فذكر عن محمد بن داود بن الجراح انه قال: انفذ زكرويه بن مهرويه بعد ما
قتل ابنه صاحب الشامة رجلا كان يعلم الصبيان بقرية تدعى الزابوقه من
عمل الفلوجة، يسمى عبد الله بن سعيد، ويكنى أبا غانم، فتسمى نصرا ليعمى
امره، فدار على احياء كلب يدعوهم الى رايه، فلم يقبله منهم احد سوى رجل
من بنى زياد، يسمى مقدام بن الكيال، فانه استغوى له طوائف من الاصبغيين
المنتمين الى الفواطم وسواقط من العليصيين وصعاليك من سائر بطون كلب،
وقصد ناحيه الشام، وعامل السلطان على دمشق والأردن احمد بن كيغلغ، وهو
مقيم بمصر على حرب ابن خليج، الذى كان خالف محمد بن سليمان، ورجع الى
مصر، فغلب عليها، فاغتنم ذلك عبد الله بن سعيد هذا، وسار الى مدينتي
بصرى واذرعات من كورتى حوران والبثنية، فحارب أهلها ثم آمنهم، فلما
استسلموا قتل مقاتلتهم، وسبى ذراريهم، واستصفى أموالهم، ثم سار يؤم
دمشق، فخرج اليه جماعه ممن كان مرسوما بتشحينها من المصريين كان خلفهم
احمد بن كيغلغ مع صالح بن الفضل، فظهروا عليهم، واثخنوا فيهم ثم
اغتروهم ببذل الامان لهم، فقتلوا صالحا، وفضوا عسكره، ولم يطمعوا في
مدينه دمشق، وكانوا قد صاروا إليها، فدافعهم أهلها عنها، فقصدوا نحو
طبرية مدينه جند الأردن، ولحق بهم جماعه افتتنت من
(10/122)
الجند بدمشق، فواقعهم يوسف بن ابراهيم بن
بغامردى عامل احمد بن كيغلغ على الأردن، فكسروه وبذلوا الامان له، ثم
غدروا به، فقتلوه ونهبوا مدينه الأردن، وسبوا النساء، وقتلوا طائفه من
أهلها، فانفذ السلطان الحسين بن حمدان لطلبهم ووجوها من القواد، فورد
دمشق وقد دخل أعداء الله طبرية، فلما اتصل خبره بهم عطفوا نحو السماوه،
وتبعهم الحسين يطلبهم في بريه السماوه، وهم ينتقلون من ماء الى ماء،
ويعورونه حتى لجئوا الى الماءين المعروفين بالدمعانه والحاله، وانقطع
الحسين من اتباعهم لعدمه الماء، فعاد الى الرحبه واسرى القرامطة مع
غاويهم المسمى نصرا الى قريه هيت، فصبحوها وأهلها غارون لتسع بقين من
شعبان مع طلوع الشمس، فنهب ربضها، وقتل من قدر عليه من أهلها، واحرق
المنازل، وانتهب السفن التي في الفرات في غرضتها، وقتل من اهل البلد-
فيما قيل- زهاء مائتي نفس ما بين رجل وامراه وصبى، وأخذ ما قدر عليه من
الأموال والمتاع، واوقر- فيما قيل- ثلاثة آلاف راحله، كانت معه زهاء
مائتي كر حنطه بالمعدل ومن البر والعطر والسقط جميع ما احتاج اليه،
واقام بها بقية اليوم الذى دخلها والذى بعده، ثم رحل عنها بعد المغرب
الى البريه وانما أصاب ذلك من ربضها، وتحصن منه اهل المدينة بسورها،
فشخص محمد بن إسحاق بن كنداجيق الى هيت في جماعه من القواد في جيش كثيف
بسبب هذا القرمطى، ثم تبعه بعد ايام مؤنس الخازن.
وذكر عن محمد بن داود، انه قال: ان القرامطة صبحوا هيت وأهلها غارون،
فحماهم الله منه بسورها، ثم عجل السلطان محمد بن إسحاق بن كنداجيق
نحوهم، فلم يقيموا بها الا ثلاثا، حتى قرب محمد بن إسحاق منهم، فهربوا
منه نحو الماءين، فنهض محمد نحوهم، فوجدهم قد عوروا المياه بينه
وبينهم، فانفذت اليه من الحضره الإبل والروايا والزاد وكتب الى الحسين
ابن حمدان بالنفوذ من جهة الرحبه اليهم ليجتمع هو ومحمد بن إسحاق على
الإيقاع بهم، فلما احس الكلبيون باشراف الجند عليهم، ائتمروا بعدو الله
(10/123)
المسمى نصرا، فوثبوا عليه، وفتكوا به،
وتفرد بقتله رجل منهم يقال له الذئب ابن القائم، وشخص الى الباب متقربا
بما كان منه، ومستأمنا لبقيتهم، فأسنيت له الجائزة، وعرف له ما أتاه،
وكف عن طلب قومه، فمكث أياما ثم هرب، وظفرت بطلائع محمد بن إسحاق برأس
المسمى بنصر، فاحتزوه وادخلوه مدينه السلام، واقتتلت القرامطة بعده،
حتى وقعت بينهما الدماء، فصار مقدام بن الكيال الى ناحيه طيّئ مفلتا
بما احتوى عليه من الحطام، وصارت فرقه منهم كرهت أمورهم الى بنى اسد
المقيمين بنواحي عين التمر، فجاوروهم وأرسلوا الى السلطان وفدا يعتذرون
مما كان منهم، ويسألون اقرارهم في جوار بنى اسد، فأجيبوا الى ذلك،
وحصلت على الماءين بقية الفسقه المستبصره في دين القرامطة.
وكتب السلطان الى حسين بن حمدان في معاودتهم باجتثاث اصولهم، فانفذ
زكرويه اليهم داعيه له من اكره اهل السواد يسمى القاسم بن احمد بن على،
ويعرف بابى محمد، من رستاق نهر تلحانا، فاعلمهم ان فعل الذئب بن القائم
قد اتقره عنهم، وثقل قلبه عليهم، وانهم قد ارتدوا عن الدين، وان وقت
ظهورهم قد حضر وقد بايع له بالكوفه اربعون الف رجل، وفي سوادها
أربعمائة الف رجل، وان يوم موعدهم الذى ذكره الله في كتابه في شان موسى
كليمه ص، وعدوه فرعون إذ يقول: «مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ
يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى» وان زكرويه يأمرهم ان يخفوا امرهم، ويظهروا
الانقلاع نحو الشام، ويسيروا نحو الكوفه حتى يصبحوها في غداه يوم
النحر، وهو يوم الخميس لعشر تخلو من ذي الحجه سنه ثلاث وتسعين ومائتين،
فإنهم لا يمنعون منها.
وانه يظهر لهم، وينجز لهم وعده الذى كانت رسله تأتيهم به، وان يحملوا
القاسم بن احمد معهم فامتثلوا امره، ووافوا باب الكوفه، وقد انصرف
الناس عن مصلاهم مع إسحاق بن عمران عامل السلطان بها، وكان الذين وافوا
باب الكوفه في هذا اليوم- فيما ذكر- ثمانمائه فارس او نحوها، راسهم
الذبلانى ابن مهروبه من اهل الصوعر وقيل انه من اهل جنبلاء، عليهم
الدروع والجواشن والإله الحسنه، ومعهم جماعه من الرجاله على الرواحل،
فاوقعوا
(10/124)
بمن لحقوه من العوام، وسلبوا جماعه، وقتلوا
نحوا من عشرين نفسا، وبادر الناس الى الكوفه فدخلوها، وتنادوا السلاح
فنهض إسحاق بن عمران في اصحابه، ودخل مدينه الكوفه من القرامطة زهاء
مائه فارس من الباب المعروف بباب كنده، فاجتمعت العوام وجماعه من اصحاب
السلطان، فرموهم بالحجارة وحاربوهم، والقوا عليهم الستر، فقتل منهم
زهاء عشرين نفسا، وأخرجوهم من المدينة، وخرج إسحاق بن عمران ومن معه من
الجند، فصافوا القرامطة الحرب وامر إسحاق بن عمران اهل الكوفه بالتحارس
لئلا يجد القرامطة غره منهم، فيدخلوا المدينة، فلم يزل الحرب بينهم الى
وقت العصر يوم النحر، ثم انهزمت القرامطة نحو القادسية، واصلح اهل
الكوفه سورهم وخندقهم، وقاموا مع اصحاب السلطان يحرسون مدينتهم ليلا
ونهارا.
وكتب إسحاق بن عمران الى السلطان يستمده، فندب للخروج اليه جماعه من
قواده، منهم طاهر بن على بن وزير ووصيف بن صوارتكين التركى والفضل بن
موسى بن بغا، وبشر الخادم الافشينى وجنى الصفواني ورائق الخزري.
وضم اليه جماعه من غلمان الحجر وغيرهم فشخص اولهم يوم الثلاثاء للنصف
من ذي الحجه، ولم يراس واحد منهم، كل واحد منهم رئيس على اصحابه.
وامر القاسم بن سيما وغيره من رؤساء الاعراب بجمع الاعراب من البوادى
بديار مضر وطريق الفرات ودقوقاء وخانيجار وغيرها من النواحي، لينهضوا
الى هؤلاء القرامطة إذ كان اصحاب السلطان متفرقين في نواحي الشام ومصر،
فمضت الرسائل بذلك اليهم، فحضروا ثم ورد الخبر فيها بان الذين شخصوا
مددا لإسحاق بن عمران خرجوا الى زكرويه في رجالهم، وخلفوا إسحاق بن
عمران بالكوفه مع من معه من رجاله ليضبطها، وصاروا الى موضع بينه وبين
القادسية اربعه اميال، يعرف بالصور وهي في البريه في العرض، فلقيهم
زكرويه هنالك فصافوه يوم الاثنين لتسع بقين من ذي الحجه.
وقد قيل كانت الوقعه يوم الأحد لعشر بقين منه، وجعل اصحاب السلطان
بينهم وبين سوادهم نحوا من ميل، ولم يخلفوا أحدا من المقاتله عنده،
واشتدت
(10/125)
الحرب بينهم وكانت الدبره أول هذا اليوم
على القرمطى واصحابه حتى كادوا ان يظفروا بهم، وكان زكرويه قد كمن
عليهم كمينا من خلفهم، ولم يشعروا به فلما انتصف النهار خرج الكمين على
السواد فانتهبه، وراى اصحاب السلطان السيف من ورائهم، فانهزموا اقبح
هزيمه، ووضع القرمطى واصحابه السيف في اصحاب السلطان، فقتلوهم كيف
شاءوا، وصبر جماعه من غلمان الحجر من الخزر وغيرهم، وهم زهاء مائه
غلام، وقاتلوا حتى قتلوا جميعا بعد نكاية شديده نكوها في القرامطة،
واحتوت القرامطة على سواد اصحاب السلطان فحازوه، ولم يفلت من اصحاب
السلطان الا من كان في دابته فضل فنجا به، او من اثخن بالجراح، فطرح
نفسه في القتلى، فتحامل بعد انقضاء الوقعه حتى دخل الكوفه وأخذ للسلطان
في هذا السواد، مما كان وجه به مع رجاله من الجمازات، عليها السلاح
والإله زهاء ثلاثمائة جمازه، ومن البغال خمسمائة بغل.
وذكر ان مبلغ من قتل من اصحاب السلطان في هذه الوقعه سوى غلمانهم
والحمالين ومن كان في السواد الف وخمسمائة رجل، فقوى القرمطى واصحابه
بما أخذوا في هذه الوقعه، وتطرف بيادر كانت الى جانبه، فاخذ منها طعاما
وشعيرا، وحمله على بغال السلطان الى عسكره، وارتحل من موضع الوقعه نحوا
من خمسه اميال في العرض الى موضع يقرب من الموضع المعروف بنهر المثنية،
وذلك ان روائح القتلى آذتهم.
وذكر عن محمد بن داود بن الجراح انه قال: وافى باب الكوفه الاعراب
الذين كان زكرويه راسلهم، وقد انصرف المسلمون عن مصلاهم مع إسحاق بن
عمران، فتفرقوا من جهتين، ودخلوا ابيات الكوفه، وقد ضربوا على القاسم
بن احمد داعيه زكرويه قبة، وقالوا: هذا ابن رسول الله ص، ودعوا: يا
لثارات الحسين! يعنون الحسين بن زكرويه المصلوب بباب جسر مدينه السلام،
وشعارهم: يا احمد يا محمد- يعنون ابنى زكرويه المقتولين.
وأظهروا الاعلام البيض، وقدروا ان يستغووا رعاع الكوفيين بذلك القول،
فاسرع إسحاق بن عمران ومن معه المبادره نحوهم، ودفعهم وقتل من ثبت له
منهم،
(10/126)
وحضر جماعه من آل ابى طالب، فحاربوا مع
إسحاق بن عمران، وحضر جماعه من العامه، فحاربوا فانصرف القرامطة
خاسئين، وصاروا الى قريه تدعى العشيره من آخر عمل طسوج السالحين ونهر
يوسف مما يلى البر من يومهم، وانفذوا الى عدو الله زكرويه بن مهرويه من
استخرجه من نقير في الارض، كان متطمرا فيه سنين كثيره بقرية الدرية
واهل قريه الصوعر يتلفونه على ايديهم، ويسمونه ولى الله فسجدوا له لما
راوه، وحضر معه جماعه من دعاته وخاصته، واعلمهم ان القاسم بن احمد اعظم
الناس عليهم منه، وانه ردهم الى الدين بعد خروجهم منه، وانهم إذا
امتثلوا امره انجز مواعيدهم، وبلغهم آمالهم.
ورمز لهم رموزا، وذكر فيها آيات من القرآن، نقلها عن الوجه الذى انزلت
فيه، واعترف لزكرويه جميع من رسخ حب الكفر في قلبه، من عربي ومولى
ونبطي وغيرهم انه رئيسهم المقدم، وكهفهم وملاذهم، وأيقنوا بالنصر وبلوغ
الأمل وسار بهم وهو محجوب عنهم يدعونه السيد، ولا يبرزونه لمن في
عسكرهم، والقاسم يتولى الأمور دونه، ويمضيها على رايه الى مؤاخر سقى
الفرات من عمل الكوفه واعلمهم ان اهل السواد قاطبه خارجون اليه، فأقام
هنالك نيفا وعشرين يوما، يبث رسله في السواديين مستلحقين، فلم يلحق بهم
من السواديين الا من لحقته الشقوة، وهم زهاء خمسمائة رجل بنسائهم
وأولادهم، وسرب اليه السلطان الجنود، وكتب الى كل من كان نفذ نحو
الأنبار وهيت لضبطها خوفا من معاوده المقيمين، كانوا بالمائين إليها
بالانصراف نحو الكوفه، فعجل اليهم جماعه من القواد منهم، بشر الافشينى
وجنى الصفواني ونحرير العمرى، ورائق فتى امير المؤمنين والغلمان الصغار
المعروفين بالحجريه، فاوقعوا بأعداء الله بقرب قريه الصوعر، فقتلوا
رجالتهم وجماعه من فرسانهم، وأسلموا بيوتهم في ايديهم، فدخلوها،
وتشاغلوا بها، فعطفت القرامطة عليهم فهزموهم وذكر عن بعض من ذكر انه
حضر مجلس محمد بن داود بن الجراح، وقد ادخل اليه قوم من القرامطة، منهم
سلف زكرويه، فكان مما حدثه ان قال: كان زكرويه مختفيا في منزلي في
سرداب في دارى عليه باب حديد،
(10/127)
وكان لنا تنور ننقله، فإذا جاءنا الطلب
وضعنا التنور على باب السرداب، وقامت امراه تسجره، فمكث كذلك اربع
سنين، وذلك في ايام المعتضد وكان يقول: لا اخرج والمعتضد في الأحياء ثم
انتقل من منزلي الى دار قد جعل فيها بيت وراء باب الدار، إذا فتح باب
الدار انطبق على باب البيت، فيدخل الداخل فلا يرى باب البيت الذى هو
فيه، فلم يزل هذه حاله حتى مات المعتضد، فحينئذ انفذ الدعاه، وعمل في
الخروج.
ولما ورد خبر الوقعه التي كانت بين القرمطى واصحاب السلطان بالصوعر على
السلطان والناس، اعظموه، وندب للخروج الى الكوفه من ذكرت من القواد،
وجعلت الرئاسة لمحمد بن إسحاق بن كنداج، وضم اليه جماعه من اعراب بنى
شيبان والنمر زهاء الفى رجل، وأعطوا الأرزاق.
[أخبار متفرقة]
ولاثنتى عشره بقيت من جمادى الاولى قدم بغداد من مكة جماعه نحو العشرة،
فصاروا الى باب السلطان، وسألوه توجيه جيش الى بلدهم، لانهم على خوف من
الخارج بناحيه اليمن ان يطأ بلدهم، إذ كان قد قرب منها بزعمهم.
وفي يوم الجمعة لاثنتي عشرة ليلة خلت من رجب، قرئ على المنبر ببغداد
كتاب ورد على السلطان، ان اهل صنعاء وغيرهم من مدن اليمن اجتمعوا على
الخارجي الذى كان تغلب عليها، فحاربوه وهزموه، وفلوا جموعه، فانحاز الى
موضع من نواحي اليمن، ثم خلع السلطان لثلاث خلون من شوال على مظفر ابن
حاج، وعقد له على اليمن، فخرج ابن حاج لخمس خلون من ذي القعده، ومضى
الى عمله باليمن، فأقام بها حتى مات.
ولسبع بقين من رجب من هذه السنه، اخرج مضرب المكتفي، فضرب بباب
الشماسيه على ان يخرج الى الشام بسبب ابن الخليج، فوردت خريطة لست بقين
منه من مصر من قبل فاتك، يذكر انه والقواد زحفوا الى الخليجي، وكانت
بينهم حروب كثيره، وان آخر حرب جرت بينهم وبينه قتل فيها اكثر اصحابه،
(10/128)
ثم انهزم الباقون، فظفروا بهم، واحتووا على
معسكرهم، فهرب الخليجي حتى دخل الفسطاط، فاستتر بها عند رجل من اهل
البلد، ودخل الأولياء الفسطاط.
فلما استقروا بها دل على الخليجي، وعلى من كان استتر معه ممن شايعه،
فقبض عليهم وحبسهم قبله، فكتب الى فاتك في حمل الخليجي ومن أخذ معه الى
مدينه السلام، فردت مضارب المكتفي التي اخرجت الى باب الشماسه، ووجه في
رد خزائنه، فردت وقد كانت جاوزت تكريت.
ثم وجه فاتك بالخليجى من مصر وجماعه ممن اسر معه مع بشر مولى محمد بن
ابى الساج الى مدينه السلام.
فلما كان في يوم الخميس للنصف من شهر رمضان من هذه السنه ادخل مدينه
السلام من باب الشماسيه، وقدم بين يديه احدى وعشرون رجلا على جمال،
وعليهم برانس ودراريع حرير، منهم ابنا بينك- فيما قيل- وابن اشكال الذى
كان صار الى السلطان من عسكر عمرو الصفار في الامان، وصندل المزاحمى
الخادم الأسود.
فلما وصل الخليجي الى المكتفي، فنظر اليه امر بحبسه في الدار، وامر
بحبس الآخرين في الحديد، فوجه بهم الى ابن عمرويه، وكانت اليه الشرطه
ببغداد، ثم خلع المكتفي على وزيره العباس بن الحسن خلعا، لحسن تدبيره
في هذا الفتح، وخلع على بشر الافشينى.
ولخمس خلون من شوال ادخل بغداد راس القرمطى المسمى نصرا الذى كان انتهب
هيت منصوبا على قناه ولسبع خلون من شوال ورد الخبر مدينه السلام ان
الروم أغاروا على قورس، فقاتلهم أهلها، فهزموهم، وقتلوا اكثرهم، وقتلوا
رؤساء بنى تميم، ودخلوا المدينة، واحرقوا مسجدها، واستاقوا من بقي من
أهلها.
وحج بالناس في هذه السنة الفضل بْن عبد الملك الهاشمى.
(10/129)
ثم دخلت
سنه اربع وتسعين ومائتين
ذكر الخبر عما كَانَ فِيهَا من الأحداث الجليله
فمما كان فيها من ذلك دخول ابن كيغلغ طرسوس غازيا في أول المحرم، وخرج
معه رستم، وهي غزاه رستم الثانيه، فبلغوا سلندو، ففتح الله عليهم،
وصاروا الى آلس، فحصل في ايديهم نحو من خمسه آلاف راس، وقتلوا من الروم
مقتله عظيمه، وانصرفوا سالمين
. خبر زكرويه بن مهرويه القرمطى
ولاثنتى عشره خلت من المحرم ورد الخبر مدينه السلام ان زكرويه بن
مهرويه القرمطى ارتحل من الموضع المعروف بنهر المثنية، يريد الحاج،
وانه وافى موضعا بينه وبين واقصه اربعه اميال.
وذكر عن محمد بن داود انهم مضوا في البر من جهة المشرق، حتى صاروا
بالماء المسمى سلمان وصار ما بينهم وبين السواد مفازة، فأقام بموضعه
يريد الحاج ينتظر القافلة الاولى، ووافت القافلة واقصه لست- او سبع-
خلون من المحرم، فانذرهم اهل المنزل، واخبروهم ان بينهم وبينهم اربعه
اميال.
فارتحلوا ولم يقيموا، فنجوا وكان في هذه القافلة الحسن بن موسى الربعي
وسيما الابراهيمى، فلما امعنت القافلة في السير صار القرمطى الى واقصه،
فسألهم عن القافلة فاخبروه انها لم تقم بواقصه، فاتهمهم بإنذارهم
إياهم، فقتل من العلافين بها جماعه، واحرق العلف، وتحصن أهلها في
حصنهم، فأقام بها أياما، ثم ارتحل عنها نحو زبالة.
وذكر عن محمد بن داود انه قال: ان العساكر سارت في طلب زكرويه نحو عيون
الطف، ثم انصرفت عنه لما علمت بمكانه بسلمان، ونفذ علان بن كشمرد مع
قطعه من فرسان الجيش متجرده على طريق جاده مكة نحو زكرويه، حتى نزلوا
السبال، فمضى نحو واقصه حتى نزلها بعد ان جازت القافلة
(10/130)
الاولى، ومر زكرويه في طريقه بطوائف من بنى
اسد، فأخذها من بيوتها معه، وقصد الحاج المنصرفين عن مكة، وقصد الجادة
نحوهم.
ووافى خبر الطير من الحوفه لاربع عشر بقيت من المحرم من هذه السنه بان
زكرويه اعترض قافلة الخراسانيه يوم الأحد لإحدى عشره خلت من المحرم
بالعقبه من طريق مكة، فحاربوه حربا شديدا، فساءلهم: وقال: افيكم
السلطان؟ قالوا: ليس معنا سلطان، ونحن الحاج، فقال لهم: فامضوا فلست
أريدكم فلما سارت القافلة تبعها فاوقع بها، وجعل اصحابه ينخسون الجمال
بالرماح، ويبعجونها بالسيوف، فنفرت، واختلطت القافلة، وأكب اصحاب
الخبيث على الحاج يقتلونهم كيف شاءوا، فقتلوا الرجال والنساء، وسبوا من
النساء من أرادوا، واحتووا على ما كان في القافلة، وقد كان لقى بعض من
افلت من هذه القافلة علان بن كشمرد، فسأله عن الخبر، فاعلمه ما نزل
بالقافلة الخراسانيه، وقال له: ما بينك وبين القوم الا قليل، والليلة
او في غد توافى القافلة الثانيه، فان رأوا علما للسلطان قويت انفسهم
والله الله فيهم! فرجع علان من ساعته، وامر من معه بالرجوع، وقال: لا
اعرض اصحاب السلطان للقتل، ثم اصعد زكرويه، ووافته القافلة الثانيه.
وقد كان السلطان كتب الى رؤساء القافلتين الثانيه والثالثه ومن كان
فيهما من القواد والكتاب مع جماعه من الرسل الذين تنكبوا طريق الجادة
بخبر الفاسق وفعله بالحاج، ويأمرهم بالتحرز منه، والعدول عن الجادة نحو
واسط والبصره، او الرجوع الى فيد او الى المدينة، الى ان يلحق بهم
الجيوش.
ووصلت الكتب اليهم فلم يسمعوا ولم يقيموا، ولم يلبثوا وتقدم اهل
القافلة الثانيه وفيها المبارك القمي واحمد بن نصر العقيلي واحمد بن
على بن الحسين الهمذاني، فوافوا الفجره، وقد رحلوا عن واقصه، وعوروا
مياهها، وملئوا بركها وبئارها بجيف الإبل والدواب التي كانت معهم،
مشققه بطونها، ووردوا منزل العقبه في يوم الاثنين لاثنتى عشره خلت من
المحرم، فحاربهم اصحاب القافلة الثانيه وكان ابو العشائر مع اصحابه في
أول القافلة ومبارك القمي فيمن معه في ساقتها، فجرت بينهم حرب شديده
حتى كشفوهم، وأشرفوا على الظفر بهم، فوجد الفجره من ساقتهم غره،
فركبوهم من جهتها، ووضعوا رماحهم في جنوب ابلهم
(10/131)
وبطونها، فطحنتهم الإبل وتمكنوا منهم،
فوضعوا السيف فيهم فقتلوهم عن آخرهم، الا من استعبدوه ثم انفذوا الى ما
دون العقبه باميال فوارس لحقوا المفلته من السيف، فأعطوهم الامان،
فرجعوا فقتلوهم اجمعين، وسبوا من النساء ما أحبوا، واكتسحوا الأموال
والأمتعة وقتل المبارك القمي والمظفر ابنه، واسر ابو العشائر، وجمع
القتلى، فوضع بعضهم على بعض، حتى صاروا كالتل العظيم ثم قطعت يدا ابى
العشائر ورجلاه، وضربت عنقه، واطلق من النساء من لم يرغبوا فيه، وافلت
من الجرحى قوم وقعوا بين القتلى، فتحاملوا في الليل ومضوا، فمنهم من
مات، ومنهم من نجا وهم قليل وكان نساء القرامطة يطفن مع صبيانهم في
القتلى يعرضون عليهم الماء، فمن كلمهم أجازوا عليه.
وقيل انه كان في القافلة من الحاج زهاء عشرين الف رجل، قتل جميعهم غير
نفر يسير ممن قوى على العدو، فنجا بغير زاد ومن وقع في القتل وهو
مجروح، وافلت بعد، او من استعبدوه لخدمتهم.
وذكر ان الذى أخذوا من المال والأمتعة الفاخره في هذه القافلة قيمه
الفى الف دينار.
وذكر عن بعض الضرابين انه قال: وردت علينا كتب الضرابين بمصر انكم في
هذه السنه تستغنون، قد وجه آل ابن طولون والقواد المصريون الذين أشخصوا
الى مدينه السلام، ومن كان في مثل حالهم في حمل ما لهم بمصر الى مدينه
السلام، وقد سبكوا آنيه الذهب والفضه والحلى نقارا، وحمل الى مكة
ليوافوا به مدينه السلام مع الحاج، فحمل في القوافل الشاخصه الى مدينه
السلام، فذهب ذلك كله.
وذكر ان القرامطة بينا هم يقتلون وينهبون هذه القافلة يوم الاثنين، إذ
اقبلت قافلة الخراسانيه، فخرج اليهم جماعه من القرامطة، فواقعوهم، فكان
سبيلهم سبيل هذه فلما فرغ زكرويه من اهل القافلة الثانيه من الحاج.
وأخذ أموالهم، واستباح حريمهم، رحل من وقته من العقبه بعد ان ملا البرك
والابار بها بالجيف من الناس والدواب وكان ورد خبر قطعه على القافلة
(10/132)
الثانيه من قوافل السلطان مدينه السلام في
عشيه يوم الجمعه لاربع عشره بقيت من المحرم، فعظم ذلك على الناس جميعا
وعلى السلطان، وندب الوزير العباس بن الحسن بن أيوب محمد بن داود بن
الجراح الكاتب المتولى دواوين الخراج والضياع بالمشرق وديوان الجيش
للخروج الى الكوفه، والمقام بها لانفاذ الجيوش الى القرمطى فخرج من
بغداد لإحدى عشره بقيت من المحرم، وحمل معه اموالا كثيره لاعطاء الجند.
ثم سار زكرويه الى زبالة فنزلها، وبث الطلائع امامه ووراءه خوفا من
اصحاب السلطان المقيمين بالقادسية ان يلحقوه، ومتوقعا ورود القافلة
الثالثه التي فيها الأموال والتجار ثم سار الى الثعلبية، ثم الى
الشقوق، واقام بها بين الشقوق والبطان في طرف الرمل في موضع يعرف
بالطليح، ينتظر القافلة الثالثه، وفيها من القواد نفيس المولدى وصالح
الأسود، ومعه الشمسه والخزانه وكانت الشمسه جعل فيها المعتضد جوهرا
نفيسا.
وفي هذه القافلة، كان ابراهيم ابن ابى الاشعث- واليه كان قضاء مكة
والمدينة وامر طريق مكة والنفقة فيه لمصالحه- وميمون بن ابراهيم
الكاتب- وكان اليه امر ديوان زمام الخراج والضياع- واحمد بن محمد بن
احمد المعروف بابن الهزلج، والفرات بن احمد بن محمد بن الفرات، والحسن
بن اسماعيل قرابه العباس بن الحسن- وكان يتولى بريد الحرمين- وعلى بن
العباس النهيكى.
فلما صار اهل هذه القافلة الى فيد بلغهم خبر الخبيث زكرويه واصحابه،
وأقاموا بفيد أياما ينتظرون تقويه لهم من قبل السلطان، وقد كان ابن
كشمرد رجع من الطريق الى القادسية في الجيوش التي أنفذها السلطان معه
وقبله وبعد.
ثم سار زكرويه الى فيد، وبها عامل السلطان، يقال له حامد بن فيروز،
فالتجا منه حامد الى احد حصنيها في نحو من مائه رجل كانوا معه في
المسجد، وشحن الحصن الآخر بالرجال، فجعل زكرويه يراسل اهل فيد، ويسألهم
ان يسلموا اليه عاملهم ومن فيها من الجند، وانهم ان فعلوا ذلك آمنهم
فلم
(10/133)
يجيبوه الى ما سال ولما لم يجيبوه حاربهم،
فلم يظفر منهم بشيء.
قال: فلما راى انه لا طاقه له بأهلها، تنحى فصار الى النباج، ثم الى
حفير ابى موسى الأشعري.
وفي أول شهر ربيع الاول انهض المكتفي وصيف بن صوارتكين- ومعه من القواد
جماعه- فنفذوا من القادسية على طريق خفان، فلقيه وصيف يوم السبت لثمان
بقين من شهر ربيع الاول، فاقتتلوا يومهم، ثم حجز بينهم الليل، فباتوا
يتحارسون، ثم عاودهم الحرب، فقتل جيش السلطان منهم مقتله عظيمه، وخلصوا
الى عدو الله زكرويه، فضربه بعض الجند بالسيف على قفاه وهو مول ضربه
اتصلت بدماغه فاخذ أسيرا وخليفته وجماعه من خاصته واقربائه، فيهم ابنه
وكاتبه وزوجته، واحتوى الجند على ما في عسكره.
وعاش زكرويه خمسه ايام ثم مات، فشق بطنه، ثم حمل بهيئته، وانصرف بمن
كان بقي حيا في يديه من اسرى الحاج.
[أخبار متفرقة]
وفيها غزا ابن كيغلغ من طرسوس، فأصاب من العدو اربعه آلاف راس سبى
ودواب ومواشى كثيره ومتاعا ودخل بطريق من البطارقه اليه في الامان،
واسلم وكان شخوصه من طرسوس لهذه الغزاة في أول المحرم من هذه السنه.
وفيها كاتب اندرونقس البطريق السلطان يطلب الامان، وكان على حرب اهل
الثغور من قبل صاحب الروم، فاعطى ذلك، فخرج، واخرج نحوا من مائتي نفس
من المسلمين كانوا اسرى في حصنه، وكان صاحب الروم قد وجه اليه من يقبض
عليه، فاعطى المسلمين الذين كانوا في حصنه اسرى السلاح، واخرج معهم بعض
بنيه، فكبسوا البطريق الموجه اليه للقبض عليه ليلا، فقتلوا ممن معه
خلقا كثيرا، وغنموا ما في عسكره وكان رستم قد خرج في اهل الثغور في
جمادى الاولى قاصدا اندرونقس ليتخلصه، فوافى رستم قونيه بعقب الوقعه
وعلم البطارقه بمسير المسلمين اليهم فانصرفوا، ووجه اندرونقس ابنه الى
رستم، ووجه رستم كاتبه وجماعه من البحريين،
(10/134)
فباتوا في الحصن، فلما أصبحوا خرج اندرونقس
وجميع من معه من أسارى المسلمين، ومن صار اليهم منهم، ومن وافقه على
رايه من النصارى، واخرج ماله ومتاعه الى معسكر المسلمين، وخرب المسلمون
قونيه، ثم قفلوا الى طرسوس واندرونقس وأسارى المسلمين ومن كان مع
اندرونقس من النصارى.
وفي جمادى الآخرة منها كانت بين اصحاب حسين بن حمدان بن حمدون وجماعه
من اصحاب زكرويه كانوا هربوا من الوقعه التي اصابه فيها ما اصابه،
وأخذوا طريق الفرات يريدون الشام، فاوقع بهم وقعه، فقتل جماعه منهم،
اسر جماعه من نسائهم وصبيانهم.
وفيها وافى رسل ملك الروم احدهم خال ولده اليون وبسيل الخادم، ومعهم
جماعه باب الشماسيه بكتاب منه الى المكتفي يسأله الفداء بمن في بلاده
من المسلمين، من في بلاد الاسلام من الروم، وان يوجه المكتفي رسولا الى
بلاد الروم ليجمع الأسرى من المسلمين الذين في بلاده، وليجتمع هو معه
على امر يتفقان عليه، ويتخلف بسيل الخادم بطرسوس ليجتمع اليه الأسرى من
الروم في الثغور ليصيرهم مع صاحب السلطان الى موضع الفداء فأقاموا بباب
الشماسيه أياما، ثم ادخلوا بغداد ومعهم هديه من صاحب الروم عشره من
أسارى المسلمين، فقبلت منهم واجيب صاحب الروم الى ما سال.
وفيها أخذ رجل بالشام- زعم انه السفياني- فحمل هو وجماعه معه من الشام
الى باب السلطان، فقيل انه موسوس.
وفيها أخذ الاعراب بطريق مكة رجلين يعرف أحدهما بالحداد والآخر
بالمنتقم، وذكر ان المعروف بالمنتقم منهما أخو امراه زكرويه، فدفعوهما
الى نزار بالكوفه، فوجههما نزار الى السلطان، فذكر عن الاعراب انهما
كانا صارا إليهما يدعوانهم الى الخروج على السلطان.
وفيها وجه الحسين بن حمدان من طريق الشام رجلا يعرف بالكيال مع
(10/135)
ستين رجلا من اصحابه الى السلطان كانوا
استأمنوا اليه من اصحاب زكرويه.
وفيها وصل الى بغداد اندرونقس البطريق وفيها كانت وقعه بين الحسين بن
حمدان واعراب كليب والنمر واسد وغيرهم، اجتمعوا عليه في شهر رمضان
منها، فهزموه حتى بلغوا به باب حلب وفيها حاصر اعراب طيّئ وصيف بن
صوارتكين بفيد، وكان وجه أميرا على الموسم، فحوصر ثلاثة ايام، ثم خرج
اليهم، فواقعهم فقتل منهم قتلى، ثم انهزمت الاعراب ورحل وصيف من فيد
بمن معه من الحاج.
وحج بالناس الفضل بن عبد الملك الهاشمى.
(10/136)
ثم دخلت
سنه خمس وتسعين ومائتين
(ذكر الخبر عما كَانَ فِيهَا من الأحداث) فمن ذلك ما كان من خروج عبد
الله بن ابراهيم المسمعي عن مدينه أصبهان الى قريه من قراها على فراسخ
منها وانضمام نحو من عشره آلاف من الأكراد وغيرهم- فيما ذكر- اليه
مظهرا الخلاف على السلطان فامر بدر الحمامي بالشخوص اليه، وضم اليه
جماعه من القواد ونحو من خمسه آلاف من الجند وفيها كانت وقعه للحسين بن
موسى على اعراب طيّئ الذين كانوا حاربوا وصيف بن صوارتكين على غره
منهم، فقتل من رجالهم- فيما قيل- سبعين، واسر من فرسانهم جماعه.
وفيها توفى ابو ابراهيم اسماعيل بن احمد عامل خراسان وما وراء النهر في
صفر منها، لاربع عشره خلت منه، وقام ابنه احمد بن اسماعيل بن احمد في
عمل ابيه مقامه، وولى اعمال ابيه وذكر ان المكتفي لاربع ليال خلون من
شهر ربيع الآخر قعد، فعقد بيده لواء ودفعه الى طاهر بن على بن وزير،
وخلع عليه وامره بالخروج باللواء الى احمد بن اسماعيل.
وفيها وجه منصور بن عبد الله بن منصور الكاتب الى عبد الله بن ابراهيم
المسمعي، وكتب اليه يخوفه عاقبه الخلاف اليه، فتوجه اليه، فلما صار
اليه ناظره، فرجع الى طاعه السلطان، وشخص في نفر من غلمانه، واستخلف
على عمله بأصبهان خليفه، ومعه منصور بن عبد الله، حتى صار الى باب
السلطان، فرضى عنه المكتفي، ووصله وخلع عليه وعلى ابنه.
وفيها اوقع الحسين بن موسى بالكردى المتغلب كان على نواحي الموصل، فظفر
باصحابه، واستباح عسكره وأمواله، وافلت الكردى فتعلق بالجبال فلم يدرك
(10/137)
وفيها فتح المظفر بن حاج بعض ما كان غلب
عليه بعض الخوارج باليمن، وأخذ رئيسا من رؤسائهم يعرف بالحكيمى وفيها
لثلاث عشره ليله بقيت من جمادى الآخرة امر خاقان المفلحى بالشخوص الى
اذربيجان لحرب يوسف بن ابى الساج، وضم اليه نحو اربعه آلاف رجل من
الجند ولثلاث عشره بقيت من شهر رمضان دخل بغداد رسول ابى مضر زياده
الله بن الاغلف، ومعه فتح الأعجمي، ومعه هدايا وجه بها الى المكتفي.
وفيها تم الفداء بين المسلمين والروم في ذي القعده، وكانت عده من فودى
به من الرجال والنساء ثلاثمائه آلاف نفس.
وفي ذي القعده لاثنتى عشره ليله خلت منها توفى المكتفي بالله، وكانت
خلافته ست سنين وسته اشهر وتسعه عشر يوما، وكان يوم توفى ابن اثنتين
وثلاثين سنه يومئذ، وكان ولد سنه اربع وستين ومائتين، ويكنى أبا محمد،
وأمه أم ولد تركية تسمى جيجك وكان ربعه جميلا، رقيق اللون، حسن الشعر،
وافر الحمه، وافر اللحية.
(10/138)
خلافه المقتدر بالله
ثم بويع جعفر بن المعتضد بالله، ولما بويع جعفر بن المعتضد لقب المقتدر
بالله وهو يومئذ ابن ثلاث عشره سنه وشهر واحد واحد وعشرين يوما وكان
مولده ليله الجمعه لثمان بقين من شهر رمضان من سنه اثنتين وثمانين
ومائتين، وكنيته ابو الفضل، وأمه أم ولد يقال لها شغب، فذكر كان في بيت
المال يوم بويع خمسه عشر الف الف دينار ولما بويع المقتدر غسل المكتفي
وصلى عليه، ودفن في موضع من دار محمد بن عبد الله بن طاهر.
وفيها كانت بين عج بن حاج والجند وقعه في اليوم الثانى من ايام منى،
قتل فيها جماعه، وجرح منهم، بسبب طلبهم جائزه بيعه المقتدر، وهرب الناس
الذين كانوا بمنى الى بستان ابن عامر، وانتهب الجند مضرب ابى عدنان
ربيعه بن محمد بمنى.
وكان احد أمراء القوافل، وأصاب المنصرفين من مكة في منصرفهم في الطريق
من القطع والعطش امر غليظ، مات من العطش- فيما قيل- منهم جماعه وسمعت
بعض من يحكى ان الرجل كان يبول في كفه، ثم يشربه.
وحج بالناس فيها الفضل بن عبد الملك الهاشمى.
(10/139)
|