زبدة الحلب في تاريخ حلب
القسم الثالث
حلب في العصر الأموي
خلافة معاوية بن أبي سفيان
ومات علي كرم الله وجهه مقتولاً بالكوفة، في سنة أربعين، ومعاوية متغلب
على الشام جميعه، فصالح الحسن بن علي عليهما السلام وبويع بالخلافة، في
ربيع الأول سنة إحدى وأربعين، فمصر معاوية قنسرين، وأفردها عن حمص.
وقيل إنما فعل ذلك ابنه يزيد. وصار الذكر في ولاية قنسرين، ووظف معاوية
الخراج على قنسرين أربعمائة آلف وخمسين آلف دينار، وحلب للخلفاء من بني
أمية لمقامهم بالشام، وكون الولاة في أيامهم بمنزلة الشرط، لا يستقلون
بالأمور والحروب، وولاة الصوائف ترد كل عام مع الجيوش الإسلامية إلى
دابق. وقام جماعة متهم بنواحي حلب، فإن سليمان بن عبد الملك رابط بدابق
إلى أن مات. وأقام عمر بن عبد العزيز بخناصرة إلى أن مات.
(1/23)
ولم يزل حبيب بن مسلمة مع معاوية في حروبه،
وقد وجهه إلى أرمينية والياً، ومات بها سنة اثنتين وأربعين. واستعمل
معاوية عبد الرحمن بن خالد بن الوليد على غزو الروم، ولشدة بأسه خافه
معاوية، وخشي منه، وأمر ابن أثال النصراني أن يحتال في قتله. وضمن له
أن يضع عنه خراجه ما عاش، وأن يوليه خراج حمص. فلما قدم عبد الرحمن من
الروم دس إليه ابن أثال شربة مسمومة مع بعض مماليكه فشربها، فمات بحمص
سنة ست وأربعين.
وقاد مالك بن عبد الله الخثعمي الصوائف أربعين سنة. وسير معاوية جيشاً
كثيفاً إلى بلاد الروم، وجعل عليهم سفيان بن عوف، وأمر يزيد ابنه
بالغزاة معهم، فتثاقل، واعتل، فأمسك عنه أبوه. فأصاب الناس في غزاتهم
جوع ومرض شديد، وذلك في سنة اثنتين وخمسين.
وشتا بأرض الروم بعده عبد الرحمن بن أم الحكم الثقفي، وغزا المسلمون
الصائفة في سنة أربع وخمسين كذلك، وفتحوا قرب القسطنطينية.
خلافة يزيد بن معاوية
فلما مات معاوية سنة ستين، وولي ابنه يزيد أمرهم بالعود منها فعادوا.
ومات يزيد بن معاوية بحوارين من أرض الشام في سنة أربع
(1/24)
وستين. وبويع بعده معاوية ابنه بالخلافة في
الشام ولكنه لم يمكث إلا ثلاثة أشهر حتى هلك.
خلافة مروان بن الحكم
وبويع بعده مروان بن الحكم، وذلك في سنة أربع وستين.
وتحارب مروان والضحاك بمرج راهط عشرين ليلة، واقتتلوا قتالاً شديداً،
فقتل الضحاك، قتله دحية بن عبد الله، وقتل معه ثمانون رجلاً من أشراف
أهل الشام. وكانت الوقعة في المحرم سنة خمس وستين.
ولما بلغت الهزيمة زفر بن الحارث الكلابي بقنسرين هرب منها فلحق
بقرقيسيا. واستوثق الشام لمروان واستعمل عماله عليها. ولما مات مروان
سنة خمس وستين قام ابنه عبد الملك في اليوم الذي مات فيه.
خلافة عبد الملك في مروان
وأقام عبد الملك بدمشق بعد رجوعه من قنسرين ما شاء الله أن يقيم، ثم
سار يريد قرقيسيا، وبها زفر بن الحارث الكلابي، ثم قفل إلى دمشق فدبر
لعمرو بن سعيد فقتله. واستعمل عبد الملك أخاه محمداً على الجزيرة
وأرمينية فغزا منها، وأثخن العدو، وذلك في سنة ثلاث وسبعين.
(1/25)
وأعاد الكرة في سنة خمس وسبعين حين خرجت
الروم من قبل مرعش.
وبعد سنتين غزا الصائفة الوليد بن عبد الملك، وظل على الولاية إلى أن
مات عبد الملك في شوال سنة ست وثمانين.
خلافة الوليد بن عبد الملك
وولى ابنه الوليد بن عبد الملك ومحمد بن مروان على ولايته فما زال كذلك
إلى أن عزله الوليد بن عبد الملك في سنة تسعين. وولى مكانه أخاه مسلمة
بن عبد الملك. فدخل مسلمة حران وكان محمد بن مروان يتعمم للخطبة، فأتاه
آت فقال: هذا مسلمة على المنبر يخطب! فقال محمد: هكذا تكون الساعة
بغتة! وارتعدت يده، فسقطت المرآة من يده، فقام ابنه إلى السيف فقال: مه
يا بني، ولآني أخي وولاه أخوه.
وكان أكثر مقام مسلمة بالناعورة، وبنى فيها قصراً بالحجر الأسود الصلد،
وحصناً بقي منه برج إلى زماننا هذا.
وكان عبد الملك بن مروان يقول للوليد: كأنني لو قدمت بك قد عزلت أخي
وليت أخاك.
ومات الوليد بن عبد الملك في سنة ست وتسعين.
خلافة سليمان
وولي سليمان بن عبد الملك فسير أخاه مسلمة غازياً إلى القسطنطينية
واستخلف مسلمة على عمله خليفة، ورابط فيها سليمان بمرج دابق إلى أن مات
به سنة تسع وتسعين.
(1/26)
خلافة عمر بن عبد
العزيز
وولي عمر بن عبد العزيز بن مروان، فكان أكثر مقامه بخناصرة الأحص. وولى
من قبله على قنسرين هلال بن عبد الأعلى. ثم ولى أيضاً عليها الوليد بن
هشام المعيطي على الجند، والفرات بن مسلم على خراجها،
وتوفي عمر بدير سمعان من أرض معرة النعمان، يوم الجمعة لخمس بقين من
رجب سنة إحدى ومائة.
خلافة يزيد بن عبد الملك
وولي يزيد بن عبد الملك، والوليد على قنسرين، وكان مرائياً، سأل عمر أن
ينقص رزقه تقرباً إليه، فعلم أنه إنما أراد أن يتزين عنده بذلك، فحط
رزقه. وكتب إلى يزيد، وهو ولي عهده: " إن الوليد بن هشام كتب إلي
كتاباً أكثر ظني أنه تزين بما ليس هو عليه فأنا أقسم عليك إن حدث وأفضى
هذا الأمر إليك فسألك أن ترد رزقه، وذكر أني نقصته فلا يظفز منك بهذا.
فلما استخلف يزيد كتب الوليد إليه: " إن عمر نقصني وظلمني فغضب يزيد،
وعزله، وأغرمه كل رزق جرى عليه في ولاية عمر ويزيد كلها، فلم يل له
عملاً حتى هلك.
ومات يزيد بن عبد الملك بالبلقاء في شعبان سنة خمس ومائة.
خلافة هشام
فاستخلف هشام بن عبد الملك.
(1/27)
وولى على قنسرين وعملها خال أخيه سليمان
وهو الوليد بن القعقاع بن خليد العبسي وقيل: إنه ولى عبد الملك بن
القعقاع على قنسرين، وإليهم ينسب حيار بني عبس، وإلى أبيهم ينسب
القعقاعية قرية من بلد الفايا.
وتوفي هشام سنة خمس وعشرين ومائة.
خلافة الوليد بن يزيد
وولي الوليد بن يزيد عبد الملك، وكانت بينه وبين بني القعقاع وحشة،
فهرب الوليد بن القعقاع وغيره من بني أبيه من الوليد، فعاذت بقبر يزيد
بن عبد الملك. فولى الوليد على قنسرين يزيد بن عمر بن هبيرة، وبعث إلى
الوليد بن القعقاع، فأخذه من جوار قبر أبيه، ودفعه إلى يزيد بن عمر بن
هبيرة، وهو على قنسرين، فعذبه وأهله. فمات الوليد بن القعقاع في
العذاب.
خلافة يزيد بن الوليد
وخرج يزيد بن الوليد على الوليد بن يزيد، فقتله في البخراء في جمادى
الآخرة سنة ست وعشرين ومائة. ووثب على عامله بدمشق فأخذه، وسير أخاه
مسرور بن الوليد، وولاها قنسرين، وقيل بل ولي قنسرين أخوه بشر بن
الوليد، وبويع يزيد، ومات في ذي الحجة من هذه السنة.
خلافة إبراهيم بن الوليد ومروان بن محمد
وبويع إبراهيم بن الوليد، وخلع في شهر ربيع الأول، سنة سبع وعشرين
ومائة.
(1/28)
فولي مروان بن محمد بن مروان بن الحكم،
وكان بحران، فسار منها
في سنة سبع وعشرين ومائة. ونزل بحلب، وقبض على مسرور بن الوليد الوالي
بحلب، وعلى أخيه بشر، بعد أن لقيهما فهزمهما وقتلهما بحلب. وكان معهما
إبراهيم بن عبد الحميد بن عبد الرحمن، فقتله أيضاً.
وولى على حلب وقنسرين عبد الملك بن الكوثر الغنوي، بعد أن خلع إبراهيم
ابن الوليد نفسه وأمنه مروان.
واستتب أمر مروان. وخرج على مروان سليمان بن هشام بن عبد الملك فالتقاه
مروان بن محمد بخساف فاستباح عسكره في سنة ثمان وعشرين ومائة.
وكان الحكم وعثمان ابنا الوليد بن يزيد حبسا بقلعة قنسرين، وكان يزيد
بن الوليد حبسهما، فنهض عبد العزيز بن الحجاج ويزيد بن خالد القسري،
فقتلاهما وقتلا معهما يوسف بن عمر الثقفي بقنسرين، وأخذا بعد ذلك
فقتلهما مروان وصلبهما.
(1/29)
|