شذرات الذهب في أخبار من ذهب

سنة ست وثلاثين ومائة
فيها توفي أشعث بن سوّار الكنديّ الأفرق النّجار بالكوفة، لقي الشّعبيّ وغيره [1] .
قال في «المغني» [2] : أشعث بن سوّار الكوفيّ الأفرق التوابيتيّ النجّار، مولى ثقيف. روى عن الشّعبيّ وغيره، وهو من الضعفاء الذين روى لهم مسلم متابعة، ضعفه أحمد، وابن معين، والدّارقطنيّ. وقد وثقه بعضهم.
وقال الثّوريّ: هو أثبت من مجالد. انتهى.
وجعفر بن ربيعة الكنديّ المصريّ، له عن أبي سلمة، والأعرج، وطائفة.
وحصين بن عبد الرّحمن السّلميّ الكوفيّ الحافظ، عن ثلاث وتسعين سنة، لقي جابر بن سمرة، والكبار.
قال في «المغني» [3] : حصين بن عبد الرّحمن الحارثي الكوفي، مقلّ، ما علمت أن [4] أحدا وهاه. انتهى.
__________
[1] في الأصل: «ونحوه» وأثبت ما في المطبوع.
[2] (1/ 91) .
[3] (1/ 177) .
[4] لفظة «أن» لم ترد في «المغني» .

(2/158)


وربيعة بن أبي عبد الرّحمن فرّوخ الفقيه، أبو عثمان المدنيّ، عالم المدينة، ويقال له: ربيعة الرّأي. قيل له ذلك، لأنه كان يتقوى بالرأي.
سمع أنسا وابن المسيّب.
وكانت له حلقة للفتوى، وأخذ عنه مالك، وغيره، وأدرك جماعة من الصحابة.
مات بالهاشميّة [1] مدينة بناها السّفّاح بالأنبار، ويوم مات قال مالك:
ذهبت حلاوة الفقه.
وكان أقدمه السّفّاح للقضاء، وكان يكثر الكلام، ويقول: الساكت بين النائم والأخرس. وتكلم يوما وعنده أعرابيّ فقال: ما العيّ [2] فقال: الذي.
أنت فيه منذ اليوم.
وهو من الثقات كما قال ابن ناصر الدّين.
وفيها زيد بن أسلم العدويّ مولاهم الفقيه العابد، لقي ابن عمر، وجماعة، وكانت له حلقة للفتوى والعلم بالمدينة.
قال أبو حازم الأعرج: لقد رأيتنا في حلقة زيد بن أسلم أربعين فقيها أدنى خصلة فينا التواسي بما في أيدينا.
ونقل البخاريّ: أنّ زين العابدين بن عليّ بن الحسين كان يجلس إلى زيد بن أسلم.
وقال ابن ناصر الدّين: زيد بن أسلم القرشيّ العدويّ العمريّ مولاهم المدنيّ أبو عبد الله، وقيل: أبو أسامة الإمام الفقيه العلّامة. روى عن ابن
__________
[1] انظر «معجم البلدان» لياقوت (5/ 389) .
[2] في الأصل: «ما العلى» وهو خطأ، وأثبت ما في المطبوع وهو الصواب.

(2/159)


عمر، وسلمة بن الأكوع، وأنس، وأضرابهم، وله تفسير للقرآن [1] يرويه عنه ابنه عبد الرّحمن. انتهى.
وفيها العلاء بن الحارث الحضرميّ الفقيه الشاميّ صاحب مكحول.
روى عن عبد الله بن بسر، وطائفة. وكان مفتيا جليلا. قاله في «العبر» [2] .
وقال في «المغني» [3] : العلاء بن الحارث الدّمشقيّ الفقيه صاحب مكحول.
قال أبو داود: ثقة تغيّر عقله.
وقال البخاريّ: منكر الحديث.
وقيل: كان يرى القدر. انتهى.
وفيها عطاء بن السائب بن مالك الثقفيّ الكوفيّ الصالح. روى عن عبد الله بن أبي أوفى، وطائفة.
قال أحمد بن حنبل: هو ثقة رجل صالح، كان يختم كلّ ليلة، من سمع منه قديما كان صحيحا. قاله في «العبر» [4] .
قال في «المغني» [5] : عطاء بن السائب، تابعي مشهور، حسن الحديث.
ساء حفظه بآخرة.
__________
[1] في المطبوع: «وله تفسير القرآن» .
[2] (1/ 184) .
[3] (2/ 439) .
[4] (1/ 184) .
[5] (2/ 434) .

(2/160)


قال أبو حاتم: سمع منه حمّاد بن زيد قبل أن يتغير.
وقال أحمد: ثقة رجل صالح.
وقال أيضا: من سمع منه قديما فهو صحيح.
وقال غيره: ليس بالقويّ.
وقال ابن معين: لا يحتج بحديثه. انتهى.
وفيها يحيى بن إسحاق الحضرميّ، سمع أنسا وجماعة.
قال ابن سعد: له أحاديث. وكان صاحب قرآن وعربيّة. انتهى [1] .
وفي ذي الحجّة مات السّفّاح أبو العبّاس عبد الله بن محمّد بن علي بن عبد الله بن عبّاس الهاشميّ بالأنبار، عن اثنتين وثلاثين سنة. وهو أول خلفاء بني العبّاس، وكان طويلا أبيض [2] جميلا حسن اللّحية، مات بالجدريّ.
وكانت دولته دون الخمس سنين.
وفي أيامه تفرّقت الكلمة، وخرج عن طاعته الناحية الغربيّة [3] إلى بلاد السّودان وإقليم الأندلس، وتغلب على هذه الممالك خوارج [وجماعة] [4] .
وأمه ريطة من بني الحارث بن كعب من كهلان [5] ، وكان بنو أميّة قد منعوهم من زواج الحارثيات لأنهم قيل لهم: يزول ملكهم على يد ابن الحارثية، فلما كان زمن عمر بن عبد العزيز، استأذنه والد السّفّاح، فقال له:
__________
[1] «العبر» (1/ 184) .
[2] في الأصل، والمطبوع: «أسن» وما أثبته من «العبر» للذهبي (1/ 185) مصدر المؤلف.
[3] يقصد الجهة الغربية من بغداد عاصمة دولة العباسيين آنذاك.
[4] لفظة «وجماعة» زيادة من «العبر» للذهبي (1/ 185) .
[5] في المطبوع: «بني الحارث بن كعب بن كهلان» .

(2/161)


تزوج من شئت، وبويع له وهو ابن أربع وعشرين، أو ثمان وعشرين، وكان بينه وبين أبيه في السن أربع عشرة سنة، وسمّي السّفّاح لأنه سفح دماء بني أميّة، وكان يحتمل من عبد الله بن الحسين المثنى مواجهته له بما يكره، ويعطيه العطاء الجزيل، وقال له أخوه المنصور يوما في عبد الله بن الحسين وابنه محمّد: إن هؤلاء شنئونا [1] فآنسهم بالإحسان، فإن استوحشوا، فالشر يصلح ما عجز عنه الخير، ولا تدع محمدا يسرح [2] في أعنّة العقوق، فقال له السّفّاح: من شدّد نفّر، ومن لان تألّف، والتغافل من سجايا الكرام.
ودخل على السّفّاح أبو نخيلة [3] فسلم عليه، وانتسب له، وقال: عبدك يا أمير المؤمنين وشاعرك، أفتأذن لي في إنشادك؟ فقال له: ألست القائل في مسلمة بن عبد الملك بن مروان؟:
__________
[1] قال ابن منظور: الشّناءة مثل الشّناعة: البغض. انظر «لسان العرب» (شنأ) .
[2] في المطبوع: «يمرح» .
[3] في الأصل، والمطبوع: «أبو نحيلة» وهو تصحيف. قال أبو الفرج الأصفهاني: أبو نخيلة اسمه لا كنيته، ويكنى أبو الجنيد، ذكر الأصمعي ذلك، وأبو عمرو الشيباني، وابن حبيب، لا يعرف له اسم غيره، وله كنيتان: أبو الجنيد، وأبو العرماس، وهو ابن حزن بن زائدة بن لقيط ابن هرم بن يثربي، وقيل: ابن أثربي بن ظالم بن مجاشر بن حمان بن عبد العزى بن كعب بن لؤي بن سعد بن زيد مناة بن تميم. وكان عاقا بأبيه، فنفاه أبوه عن نفسه، فخرج إلى الشام وأقام هناك إلى أن مات أبوه، ثم عاد وبقي مشكوكا في نسبه، مطعونا عليه، وكان الأغلب عليه الرجز، وله قصيد ليس بالكبير. ولما خرج إلى الشام اتصل بمسلمة بن عبد الملك، فاصطنعه، وأحسن إليه، وأوصله إلى الخلفاء واحدا بعد واحد، واستماحهم له، فأغنوه، وكان بعد ذلك قليل الوفاء لهم. انقطع إلى بني هاشم، ولقب نفسه شاعر بني هاشم، فمدح الخلفاء من بني العبّاس، وهجا بني أمية فأكثر. وكان طامعا، فحمله ذلك على أن قال في المنصور أرجوزة يغريه فيها بخلع عيسى بن موسى، وبعقد العهد لابنه محمد المهدي، فوصله المنصور بألفي درهم، وأمره أن ينشدها بحضرة عيسى بن موسى، ففعل، فطلبه عيسى فهرب منه، وبعث في طلبه مولى له، فأدركه في طريق خراسان، فذبحه وسلخ جلده.
«الأغاني» (20/ 390) ، وانظر «الأعلام» للزركلي (8/ 15) .

(2/162)


أمسلم إني يا بن كلّ خليفة ... ويا فارس الهيجا ويا جبل الأرض
شكرتك إنّ الشّكر حبل من التّقى [1] ... وما كلّ من أوليته نعمة يقضي [2]
وأحييت لي ذكري وما كان خاملا ... ولكنّ بعض الذّكر أنبه من بعض [3]
قال: فأنا يا أمير المؤمنين الذي أقول:
لما رأينا [4] استمسكت يداكا ... كنّا أناسا نرهب الأملاكا
ونركب الأعجاز والأوراكا ... من كلّ شيء ما خلا الإشراكا
فكلّ ما قد قلت في سواكا ... زور وقد كفّر هذا ذاكا
إنا انتظرنا قبلها أباكا ... ثمّ انتظرنا بعدها أخاكا [5]
ثمّ انتظرنا لها إياكا [6] ... فكنت أنت للرّجاء ذاكا [7]
فرضي عنه ووصله وأجازه.
__________
[1] في الأصل: «حبل من الفيء» ، وأثبت ما في المطبوع وهو موافق لما في «مروج الذهب» مصدر المؤلف، و «الأغاني» ، و «طبقات الشعراء» لابن المعتز.
[2] في الأصل: «وما كل من أوليته نعمة يغضي» وأثبت ما في المطبوع وهو مواقف لما في «مروج الذهب» و «الأغاني» ، و «طبقات الشعراء» لابن المعتز.
[3] الأبيات في «مروج الذهب» (3/ 287) ، و «الأغاني» (20/ 392) . و «طبقات الشعراء» لابن المعتز ص (64) ورواية الأبيات عنده:
أمسلم إني يا بن خير خليفة ... ويا فارس الدّنيا ويا جبل الأرض
شكرتك إن الشكر حبل من التقى ... وما كل من أوليته نعمة يقضي
وأنبهت لي ذكري وما كان خاملا ... ولكن بعض الذكر أنبه من بعض
وما بين البيتين الثاني والثالث عنده بيت آخر هو:
وألقيت لما جئت بابك زائرا ... رواقا مديدا سامق الطول والعرض
[4] في الأصل: «لما رأيت» وأثبت ما في المطبوع، وهو موافق لما في «مروج الذهب» .
[5] في الأصل، والمطبوع: «ثم انتظرنا بعدها لقاكا» وأثبت ما في «مروج الذهب» .
[6] كذا في الأصل، والمطبوع، و «مروج الذهب» : «ثم انتظرناك لها إياكا» ولعل الصواب: «ثم انتظرنا لها إياكا» .
[7] الأبيات في «مروج الذهب» للمسعودي (3/ 278) .

(2/163)


وكان أبو العبّاس إذا حضر طعامه أبسط النّاس وجها [1] ، فكان إبراهيم بن مخرمة الكنديّ إذا أراد أن يسأله حاجة أخّرها إلى أن يحضر طعامه، ثم يسأله، فقال له يوما: يا إبراهيم، ما دعاك إلى أن تشغلني عن طعامي بحوائجك؟ قال: يدعوني إلى ذلك التماس النّجح لمن [2] أسال له، فقال له أبو العبّاس: إنك لحقيق بالسؤدد لحسن هذه الفطنة.
وكان إذا تعادى رجلان من أصحاب السّفّاح وبطانته لم يسمع من أحدهما في الآخر شيئا ولم يقبله وإن كان القائل عنده عدلا في شهادته، وإذا اصطلح الرّجلان لم يقبل شهادة واحد منهما لصاحبه ولا عليه، ويقول: إن الضغينة القديمة تولّد العداوة المحضة، وتحمل على إظهار المسالمة وتحتها الأفعى التي إذا استمكنت [3] لم تبق.
وكان في أول أيامه يظهر لندمائه، ثم احتجب عنهم، وذلك لسنة خلت من ملكه، وكان قعوده من وراء الستارة، وإذا غنّاه أحد صوتا يطرب من وراء الستارة ويصيح بالمطرب له من المغنّين: أحسنت والله، أعد هذا الصوت [4] .
وكان لا ينصرف عنه أحد من ندمائه ولا مطربيه إلّا بصلة من مال أو كسوة، ويقول: لا يكون سرورنا معجّلا، ومكافأة من سرّنا وأطربنا مؤجّلا، وقد سبقه إلى هذا الفعل بهرام جور من ملوك الفرس.
وقد حضر أبو بكر الهذلي ذات يوم والسّفّاح مقبل عليه يحدّثه بحديث
__________
[1] في «مروج الذهب» : «أبسط ما يكون وجها» .
[2] في «مروج الذهب» : «لما» .
[3] في «مروج الذهب» : «إذا تمكنت» .
[4] في الأصل والمطبوع: «وأعد هذا الصوت» وأثبت ما في «مروج الذهب» (3/ 279) .

(2/164)


لأنوشروان [1] في بعض حروبه بالمشرق مع بعض الملوك، فعصفت ريح شديدة، فأذرت ترابا وقطعا من الآجرّ من أعلى السطح إلى المجلس، فجزع من حضر المجلس لوقوعها [2] وارتاع لها، والهذليّ شاخص نحو أبي العبّاس لم يتغير كما تغير غيره، فقال له السّفّاح: لله أنت يا أبا بكر، لم أر كاليوم، أما راعك ما راعنا، ولا أحسست بما ورد علينا؟ فقال: يا أمير المؤمنين، ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه، وإنما للمرء قلب واحد، فلما غمره السرور بفائدة [3] أمير المؤمنين لم يكن فيه لحادث مجال. وإن الله- عزّ وجلّ- إذا أفرد [4] بكرامة أحد وأحب أن يبقي [5] له ذكرها جعل تلك الكرامة على لسان نبيه أو خليفته، وهذه كرامة خصصت بها فمال إليها ذهني، وشغل بها قلبي [6] فلو انقلبت [7] الخضراء على الغبراء ما أحسست بها ولا وجمت [8] لها إلّا بما يلزمني في نفسي [9] لأمير المؤمنين أعزّه الله. فقال السّفّاح: لئن بقيت لك لأرفعنّ منك ضبعا [10] لا تطيف به السّباع ولا تنحطّ عليه العقبان [11] .
__________
[1] في «مروج الذهب» : «لأنوشروين» .
[2] في المطبوع: «لوقعها» ، وفي «مروج الذهب» (3/ 279) : «لوقوع ذلك» .
[3] في الأصل، والمطبوع: «بالسرور لفائدة» وأثبت ما في «مروج الذهب» .
[4] في الأصل، والمطبوع: «إذا انفرد» وأثبت ما في «مروج الذهب» .
[5] في الأصل، والمطبوع: «وأحب أن يفضي» وأثبت ما في «مروج الذهب» .
[6] في «مروج الذهب» : «وشغل بها فكري» .
[7] في الأصل: «فلو تقلبت» وأثبت ما في المطبوع وهو موافق لما في «مروج الذهب» .
[8] في الأصل، «ولا ححت» وفي المطبوع: «ولا جمعت» وكلاهما خطأ، والتصحيح من «مروج الذهب» (3/ 280) .
[9] في «مروج الذهب» : «من نفسي» .
[10] في «مروج الذهب» : «لأرفعن منك وضيعا» . والضبع: العضد. انظر «مختار الصحاح» ص (376) .
[11] في «مروج الذهب» : «وتنحطّ عليه العقاب» .

(2/165)


ومما ذكر من أخباره واستفاض من أسماره [1] ما ذكره البهلول بن العبّاس، عن الهيثم بن عدي الطّهماني، عن يزيد الرّقاشي، قال: كان السّفّاح تعجبه [2] مسامرة الرّجال، وإني سمرت عنده ذات ليلة، فقال:
يا يزيد، أخبرني بأظرف حديث سمعته، قلت: يا أمير المؤمنين، وإن كان في بني هاشم؟ قال: ذلك أعجب إليّ، قلت: يا أمير المؤمنين، نزل رجل من تنوخ بحيّ من بني عامر بن صعصعة، فجعل لا يحطّ شيئا من متاعه إلّا تمثل بهذا البيت:
لعمرك ما تبلى سرابيل عامر [3] ... من اللّؤم ما دامت عليها جلودها [4]
فخرجت إليه جارية [من الحي] [5] فحادثته وآنسته، وساءلته حتّى أنس بها، ثم قالت: ممن أنت متّعت بك.
فقال: رجل من [بني] تميم [6] .
قالت: أتعرف الذي يقول:
تميم بطرق اللّؤم أهدى من القطا ... ولو سلكت سبل المكارم ضلّت
ولو أنّ برغوثا على ظهر قملة ... يكرّ على جمعي [7] تميم لولّت
[ذبحنا فسمّينا فتمّ ذبيحنا ... وما ذبحت يوما تميم فسمّت]
__________
[1] في المطبوع: «واستفاض من آثاره» .
[2] في «مروج الذهب» (3/ 285) : «يعجبه» .
[3] في «مروج الذهب» : «سرائر عامر» . والسرابيل: جمع سربال، وهو القميص. انظر «مختار الصحاح» ص (293) .
[4] البيت في «مروج الذهب» للمسعودي (3/ 285) .
[5] ما بين حاصرتين زيادة من «مروج الذهب» .
[6] لفظة «بني» زيادة من «مروج الذهب» .
[7] في الأصل، والمطبوع: «صيفي» ، وأثبت ما في «مروج الذهب» (3/ 286) .

(2/166)


أرى اللّيل يجلوه النّهار ولا أرى ... عظام المخازي عن تميم تجلّت [1]
فقال: لا والله ما أنا من تميم.
قالت: فممن أنت؟
قال: رجل من عجل [2] .
قالت: أتعرف الذي يقول:
أرى النّاس يعطون الجزيل وإنّما ... عطاء بني عجل ثلاث وأربع
إذا مات عجليّ بأرض فإنّما ... يشقّ له منها ذراع وإصبع
فقال: لا والله ما أنا من عجل [3] .
قالت: فممن [4] أنت؟
قال: رجل من بني يشكر.
قالت: أتعرف الذي يقول:
إذا يشكريّ مسّ ثوبك ثوبه ... فلا تذكرنّ الله حتّى تطهّرا
قال: لا والله ما أنا من يشكر.
قالت: فممن [5] أنت؟
قال: رجل من عبد القيس.
__________
[1] في الأبيات تقديم وتأخير في الأصل، والمطبوع، وقد أعدت ترتيبها على النحو الذي في «مروج الذهب» والبيت الذي بين حاصرتين استدركته منه..
[2] في الأصل: «عجيل» وأثبت ما في المطبوع، وهو موافق لما في «مروج الذهب» .
[3] في الأصل: «عجيل» وأثبت ما في المطبوع، وهو موافق لما في «مروج الذهب» .
[4] في الأصل: «قالت فمن» ، وأثبت ما في المطبوع.
[5] في الأصل: «قالت فمن» وأثبت ما في المطبوع.

(2/167)


قالت: أتعرف الذي يقول:
رأيت عبد القيس لاقت ذلّا ... إذا أصابوا بصلا وخلّا
ومالحا معتّقا قد صلّا ... باتوا يسلّون الفساء [1] سلّا
سلّ النّبيط القصب المبتلّا
قال: لا والله ما أنا من عبد القيس.
قالت: فممن أنت؟
قال: رجل من باهلة.
قالت: أتعرف الذي يقول:
إذا ازدحم الكرام على المعالي ... تنحّى الباهليّ عن الزّحام
ولو كان الخليفة باهليّا ... لقصّر عن مناوأة الكرام
وعرض الباهليّ ولو توقّى ... عليه مثل منديل الطعام
قال: لا والله وما أنا من باهلة.
قالت: فممن أنت؟
قال: رجل من بني فزارة.
قالت: أتعرف الذي يقول:
لا تأمننّ فزاريّا خلوت به ... على قلوصك واكتبها بأسيار
لا تأمننّ فزاريّا على حمر ... بعد الذي ابتلّ [2] أير العير في النّار
قال: لا والله ما أنا من فزارة.
قالت: فممن أنت؟
قال: رجل من ثقيف.
__________
[1] في «مروج الذهب» : «يسلون النساء» .
[2] في «مروج الذهب» : «امتلّ» .

(2/168)


قالت: أتعرف الذي يقول:
أضلّ الناسبون أبا ثقيف ... فما لهم أب إلّا الضّلال
فإن نسبت أو انتسبت ثقيف ... إلى أحد فذاك هو المحال
خنازير الحشوش فقتّلوها ... فإنّ دماءها لكم حلال
قال: لا والله ما أنا من ثقيف.
قالت: فممن أنت؟
قال: رجل من بني عبس.
قالت: أتعرف الذي يقول:
إذا عبسيّة ولدت غلاما ... فبشّرها بلؤم مستفاد
قال: لا والله ما أنا من عبس.
قالت: فممن أنت؟
قال: رجل من ثعلبة.
قالت: أتعرف الذي يقول:
فثعلبة بن قيس شرّ قوم ... والأمهم وأغدرهم بجار
قال: لا والله ما أنا من ثعلبة.
قالت: ممن أنت؟.
قال: أنا رجل من غنيّ.
قالت: أتعرف الذي يقول:
إذا غنويّة ولدت غلاما ... فبشّرها بخيّاط مجيد
قال: لا والله ما أنا من غنيّ.

(2/169)


قالت: فممن أنت؟
قال: رجل من بني مرّة.
قالت: أتعرف الذي يقول:
إذا مرّيّة خضبت يداها ... فزوّجها ولا تأمن زناها
قال: لا والله ما أنا من بني مرّة.
قالت: فممن أنت؟
قال: رجل من بني ضبّة.
قالت: أتعرف الذي يقول:
لقد زرقت عيناك يا بن مكعبر ... كما كلّ ضبّيّ من اللّؤم أزرق
قال: لا والله ما أنا من بني ضبّة.
قالت: فممن أنت؟
قال: رجل من بجيلة.
قالت: أتعرف الذي يقول:
سألنا عن بجيلة أين حلّت ... لنخبر أين قرّ بها القرار؟
فما تدري بجيلة حين تدعى ... أقحطان أبوها أم نزار؟
فقد وقعت بجيلة بين بين ... وقد خلعت كما خلع العذار
قال: لا والله ما أنا من بجيلة.
قالت: فممن أنت ويحك؟! قال: أنا رجل من الأزد.

(2/170)


قالت: أتعرف الذي يقول:
إذا أزديّة ولدت غلاما ... فبشّرها بملّاح مجيد [1]
قال: لا والله ما أنا من الأزد.
قالت: فممن أنت ويلك؟! أما تستحي؟! قل الحقّ.
قال: رجل من خزاعة.
قالت: أتعرف الذي يقول:
إذا افتخرت خزاعة في قديم ... وجدنا فخرها شرب الخمور
وباعت كعبة الرّحمن جهرا ... بزق بئس مفتخر الفجور
قال: لا والله ما أنا من خزاعة.
قالت: فممن أنت؟
قال: رجل من سليم.
قالت: أتعرف الذي يقول:
فما لسليم شتّت الله أمرها ... تنيك [2] بأيديها وتعيا أيورها
قال: لا والله ما أنا من سليم.
قالت: فممن أنت؟
قال: رجل من لقيط.
قال: أتعرف الذي يقول:
__________
[1] في الأصل: «فبشر بحباط محيد» ، وفي المطبوع: «فبشرها بحباط محيد» وكلاهما خطأ.
والتصحيح من «مروج الذهب» (3/ 287) .
[2] في الأصل، والمطبوع: «تنيل» ، والتصحيح من «مروج الذهب» (3/ 288) .

(2/171)


لعمرك ما البحار ولا الفيافي ... بأوسع من فقاح [1] بني لقيط
لقيط شرّ من ركب المطايا ... وأنذل من يدبّ على البسيط
ألا لعن الإله بني لقيط ... بقايا نسبة [2] من قوم لوط
قال: لا والله ما أنا من لقيط.
قالت: فممن أنت؟
قال: رجل من كندة.
قالت: أتعرف [3] الذي يقول:
إذا ما افتخر الكنديّ ... ذو البهجة والطّرّة
فبالنّسج وبالخفّ ... وبالسّدل [4] وبالحفرة
فدع كندة للنّسج ... فأعلى فخرها عرّة
قال: لا والله ما أنا من كندة.
قالت: فممن أنت؟
قال: رجل من خثعم.
قالت: أتعرف [5] الذي يقول:
وخثعم لو صفرت لها صفيرا ... لطارت في البلاد مع الجراد
قال: لا والله ما أنا من خثعم.
__________
[1] فقاح، جمع فقحة، وهي حلقة الدبر. (ع) .
[2] في المطبوع «مروج الذهب» (3/ 288) : «بقايا سبية» .
[3] في الأصل، والمطبوع: «فتعرف» وأثبت ما في «مروج الذهب» .
[4] في الأصل، والمطبوع: «وبالتيرك» وأثبت ما في «مروج الذهب» .
[5] في الأصل، والمطبوع: «فتعرف» وأثبت ما في «مروج الذهب» .

(2/172)


قالت: فممن أنت؟
قال: رجل من طيّء.
قالت أتعرف [1] الذي يقول:
وما طيّء إلّا نبيط تجمّعت ... فقالت طيانا [2] كلمة فاستمرّت
ولو أنّ حرقوصا يمدّ جناحه ... على جبلي طيّ إذا لاستظلّت
قال: لا والله ما أنا من طيّء.
قالت: فممن أنت؟
قال: رجل من مزينة.
قالت: أتعرف الذي يقول:
وهل مزينة إلّا من قبيلة ... لا يرتجى كرم منها ولا دين
قال: لا والله ما أنا من مزينة.
قالت: فممن أنت؟
قال: رجل من النّخع.
قالت: أتعرف الذي يقول:
إذا النّخع اللّئام غدوا جميعا ... تأذّى النّاس من وفر الزّحام [3]
وما تسمو [4] إلى مجد كريم ... وما هم في الصميم من الكرام
__________
[1] في الأصل، والمطبوع: «فتعرف» وأثبت ما في «مروج الذهب» .
[2] في الأصل، والمطبوع: «فقالت طيايا» وأثبت ما في «مروج الذهب» .
[3] في الأصل، والمطبوع: «من ذخر اللئام» وأثبت ما في «مروج الذهب» .
[4] في الأصل، والمطبوع: «وما يسموا» وأثبت ما في «مروج الذهب» .

(2/173)


قال: لا والله ما أنا من النّخع.
قالت: فممن أنت؟
قال: رجل من أود.
قالت: أتعرف الذي يقول:
إذا نزلت بأود في ديارهم ... فاعلم بأنّك منهم ليس بالنّاجي
لا تركننّ إلى كهل ولا حدث ... فليس في القوم إلّا كلّ عفّاج
قال: لا والله ما أنا من أود.
قالت: فممن أنت؟
قال: رجل من لخم.
قالت: أتعرف الذي يقول:
إذا ما انتمى قوم لفخر قديمهم ... تباعد فخر الجود عن لخم اجمعا [1]
قال: لا والله ما أنا من لخم.
قالت: فممن أنت ويلك؟!! أما تستحي من كثرة الكذب؟.
قال: أنا رجل من تنوخ، وهو الحقّ.
قالت: أتعرف الذي يقول:
إذا تنوخ قطعت منهلا ... في طلب الغارات والثّار
آبت بخزي من إله السّما ... وشهرة في الأهل والجار
قال: لا والله ما أنا من تنوخ.
__________
[1] في الأصل، والمطبوع: «جمعا» وأثبت ما في «مروج الذهب» وهو الصواب.

(2/174)


قالت: فممن أنت ثكلتك أمّك؟! [1] .
قال: أنا رجل من حمير.
قالت: أتعرف الذي يقول:
نبّئت حمير تهجوني فقلت لهم ... ما كنت أحسبهم كانوا ولا خلقوا
لأنّ حمير قوم لا نصاب لهم ... كالعود بالقاع لا ماء [2] ولا ورق
لا يكثرون وإن طالت حياتهم ... ولو يبول عليهم ثعلب غرقوا
قال: لا والله ما أنا من حمير.
قالت: فممن أنت؟
قال: رجل من يحابر [3] .
قالت: أتعرف الذي يقول:
ولو صرّ صرّار بأرض يحابر ... لماتوا وأضحوا في التّراب رميما
قال: لا والله ما أنا من يحابر.
قالت: فممن أنت؟
__________
[1] قال ابن الأثير إنه- صلّى الله عليه وسلّم- قال لبعض أصحابه: «ثكلتك أمك» أي فقدتك. والثّكل: فقد الولد. وامرأة ثاكل وثكلى. ورجل ثاكل وثكلان، كأنه دعا عليه بالموت لسوء فعله أو قوله.
والموت يعمّ كلّ أحد، فإذن الدعاء عليه كلا دعاء، أو أراد إذا كنت هكذا فالموت خير لك لئلا تزداد سوءا، ويجوز أن يكون من الألفاظ التي تجري على ألسنة العرب ولا يراد بها الدعاء، كقولهم: تربت يداك، وقاتلك الله. «النهاية» (1/ 217) .
[2] تحرفت لفظة «لا ماء» في الأصل إلى «لا يمر» وأثبت ما في المطبوع وهو الصواب.
[3] في الأصل: «بجاير» وفي المطبوع: «بحائر» وكلاهما خطأ، والتصحيح من «مروج الذهب» للمسعودي (3/ 290) .
قلت: وهذه القبيلة تنسب إلى يحابر بن مالك بن أدد بن زيد. انظر «جمهرة أنساب العرب» لابن حزم ص (406) .

(2/175)


قال: رجل من قشير.
قالت: أتعرف الذي يقول:
بني قشير قتلت [1] سيّدكم ... فاليوم لا فدية ولا قود
قال: لا والله ما أنا من قشير.
قالت: فممن أنت؟
قال: رجل من بني أميّة.
قالت: أتعرف [2] الذي يقول:
وهى بأميّة بنيانها ... وهان على الله فقدانها
وكانت أميّة فيما مضى ... جريء على الله سلطانها
فلا آل حرب أطاعوا الرّسول ... ولم يتّق الله مروانها
قال: لا والله ما أنا من بني أميّة.
قالت: فممن أنت؟
قال: رجل من بني هاشم.
قالت: أتعرف الذي يقول:
بني هاشم عودوا إلى نخلاتكم ... فقد صار هذا التّمر صاعا بدرهم
فإن قلتم رهط النّبيّ محمّد ... فإنّ النّصارى رهط عيسى بن مريم
قال: لا والله ما أنا من بني هاشم.
قالت: فممن أنت؟
__________
[1] في الأصل: «قتلتم» وأثبت ما في المطبوع وهو موافق لما في «مروج الذهب» .
[2] في الأصل، والمطبوع: «أفتعرف» وأثبت ما في «مروج الذهب» .

(2/176)


قال: رجل من همدان.
قالت: أتعرف الذي يقول:
إذا [1] همدان دارت يوم حرب ... رحاها فوق هامات الرّجال
رأيتهم يحثّون المطايا ... سراعا هاربين من القتال
قال: لا والله ما أنا من همدان.
قالت: فممن أنت؟
قال: رجل من قضاعة.
قالت: أتعرف الذي يقول:
لا يفخرنّ قضاعيّ بأسرته ... فليس من يمن محضا [2] ولا مضر
مذبذبين فلا قحطان والدهم ... ولا نزار فخلّوهم إلى سقر
قال: لا والله ما أنا من قضاعة [3] .
قالت: فممن أنت؟
قال: رجل من شيبان.
قالت: أتعرف الذي يقول:
شيبان قوم لهم عديد ... وكلّهم [4] مقرف لئيم
ما فيهم ماجد [5] حسيب ... ولا نجيب ولا كريم
__________
[1] في الأصل: «إذ» وأثبت ما في المطبوع وهو موافق لما في «مروج الذهب» (3/ 291) .
[2] في الأصل، والمطبوع: «محضن» وأثبت ما في «مروج الذهب» .
[3] في الأصل، والمطبوع: «ما أنا قضاعيا» وأثبت ما في «مروج الذهب» .
[4] في «مروج الذهب» : «فكلهم» .
[5] في الأصل والمطبوع: «من ماجد» والتصحيح من «مروج الذهب» .

(2/177)


قال: لا والله ما أنا من شيبان.
قالت: فممن أنت؟
قال: رجل من بني نمير.
قالت: أتعرف الذي يقول:
فغضّ الطّرف إنّك من نمير ... فلا كعبا بلغت ولا كلابا
ولو وضعت فقاح بني نمير ... على خبث الحديد إذا لذابا
قال: لا والله ما أنا من نمير.
قالت: فممن أنت؟
قال: أنا رجل من تغلب.
قالت: أتعرف الذي يقول:
لا تطلبنّ خؤولة في تغلب ... فالزّنج أكرم منهم أخوالا
والتّغلبيّ إذا تنحنح للقرى ... حكّ [1] استه وتمثّل الأمثالا
قال: لا والله ما أنا من تغلب.
قالت: فممن أنت؟
قال: رجل من مجاشع.
قالت: أتعرف الذي يقول:
تبكي المغيبة [2] من بنات مجاشع ... ولها إذا سمعت نهيق حمار
قال: لا والله ما أنا من مجاشع.
__________
[1] في الأصل: «حطّ» وأثبت ما في المطبوع، وهو موافق لما في «مروج الذهب» .
[2] في الأصل والمطبوع: «المعنة» ، وهو خطأ، والتصحيح من «مروج الذهب» والمغيبة: التي غاب عنها زوجها.

(2/178)


قالت: فممن أنت؟
قال: أنا رجل من كلب.
قالت: أتعرف الذي يقول:
فلا تقربن كلبا ولا باب دارها ... فما يطمع السّاري يرى ضوء نارها
قال: لا والله ما أنا من كلب.
قالت: فممن أنت؟
قال: رجل من تيم.
قالت: أتعرف الذي يقول:
تيميّة مثل أنف الفيل مقبلها [1] ... تهدي الرّدى ببنان غير مخدوم
قال: لا والله ما أنا من تيم.
قالت: فممن أنت؟
قال: رجل من تيم.
قالت: أتعرف الذي يقول:
تمنّيني [2] سويق الكرم جرم ... وما جرم وما ذاك السّويق
فما شربوه لمّا كان حلا ... ولا غالي بها إذ قام سوق [3]
فلمّا أنزل التّحريم فيها ... إذا الجرميّ منها لا يفيق
__________
[1] في الأصل، والمطبوع: «غبلها» وأثبت ما في «مروج الذهب» (3/ 292) .
[2] في الأصل: «تمنتي» وهو تصحيف وأثبت ما في المطبوع وهو موافق لما في «مروج الذهب» .
[3] في «مروج الذهب» : «ولا غالوا به في يوم سوق» .

(2/179)


قال: لا والله ما أنا من جرم.
قالت: فممن أنت؟
قال رجل من سليم.
قالت: أتعرف الذي يقول:
إذا ما سليم جئتها لغدائها ... رجعت كما قد جئت عريان [1] جائعا
قال: لا والله ما أنا من سليم.
قالت: فممن أنت؟
قال: رجل من الموالي.
قالت: أتعرف الذي يقول:
ألا من أراد اللّؤم والفحش والخنا ... فعند الموالي الجيد والطّرفان
[قال: لا والله ما أنا من الموالي.
قالت: فممن أنت؟] [2] قال: أخطأت نسبي وربّ الكعبة، أنا رجل من الخوز.
قالت: أتعرف الذي يقول:
لا بارك الله ربّي فيكم أبدا ... يا معشر الخوز إنّ الخوز في النّار
قال: لا والله ما أنا من الخوز.
__________
[1] في «مروج الذهب» : «غرثان» ، والغرثان: العطشان. انظر «مختار الصحاح» ص (471) .
[2] ما بين حاصرتين لم يرد في المطبوع، و «مروج الذهب» للمسعودي (3/ 293) .

(2/180)


قالت: ممن [1] أنت؟
قال: من أولاد حام.
قالت: أتعرف الذي يقول:
ولا تنكحن أولاد حام فإنّهم ... مشاويه خلق الله حاشا ابن أكوع
قال: لا والله ما أنا من ولد حام، ولكني من ولد الشيطان الرّجيم.
قالت: فلعنك الله [2] ولعن أباك معك، أتعرف الذي يقول:
ألا يا عباد الله هذا عدوّكم ... عدوّ نبيّ الله إبليس ينهق
فقال لها: هذا مقام العائذ بك.
قالت: قم فارحل خاسئا مذموما، وإذا نزلت بقوم فلا تنشد فيهم شعرا حتّى تعرف من هم، ولا تتعرّض للمباحثة عن مساوئ النّاس، فلكل قوم إساءة وإحسان إلّا رسل ربّ العالمين [3] ومن اختاره الله من عباده وعصمه من عدوه، وأنت كما قال جرير للفرزدق:
وكنت إذا حللت بدار قوم ... رحلت بخزية وتركت عارا [4]
فقال لها: والله لا أنشدت بيت شعر أبدا.
فقال السّفّاح: لئن كنت عملت هذا الخبر، ونظمت فيمن ذكرت هذه الأشعار، فلقد أحسنت، وأنت سيّد الكذّابين، وإن كان الخبر صدقا وكنت فيما ذكرت محقّا، فإنّ هذه الجارية لمن أحضر النّاس جوابا، وأبصرهم بمثالب النّاس.
__________
[1] في «مروج الذهب» : «فمن» .
[2] لفظ الجلالة سقط من المطبوع.
[3] في «مروج الذهب» : «إلّا رسول رب العالمين» .
[4] لم أجد البيت في «ديوانه» المطبوع في دار بيروت.

(2/181)


قال المسعوديّ [1] : وللسّفّاح أخبار غير هذه، وأسمار حسان، أتينا على مبسوطها في كتابينا «أخبار الزّمان» و «الأوسط» . انتهى.
__________
[1] في «مروج الذهب» (3/ 293) .

(2/182)


سنة سبع وثلاثين ومائة
في أوّلها بلغ عبد الله بن عليّ موت ابن أخيه السّفّاح، فدعا بالشّام إلى نفسه، وعسكر بدابق، وزعم أنّ السّفّاح جعله ولي عهده من بعده، وأقام شهودا بذلك، فجهّز المنصور لحربه أبا مسلم الخراساني، فالتقى الجمعان في نصيبين في جمادى الآخرة، فاشتد القتال، ثم انهزم جيش عبد الله وهرب هو إلى البصرة وبها أخوه، وحاز أبو مسلم خزانته [1] وكانت شيئا عظيما، لأنه استولى على جميع نعمة بني أميّة، فبعث المنصور إلى أبي مسلم أن احتفظ بما في يدك [2] فصعب ذلك على أبي مسلم، وأزمع [3] على خلع المنصور، ثم سار نحو خراسان، فأرسل إليه المنصور يستعطفه ويمنّيه، وما زال به حتّى وقع في براثنه، فأقدم على قتله، فقتله في شعبان كما تقدم [4] .
وفيها، وقيل: في غيرها، توفي خصيف بن عبد الرّحمن الجزريّ الحرّانيّ [5] روى عن مجاهد، وسعيد بن جبير.
__________
[1] في «العبر» للذهبي (1/ 185) : «خزائنه» .
[2] في المطبوع: «احتفظ بما في يده» .
[3] أزمع على الأمر: ثبّت عليه عزمه. انظر «مختار الصحاح» ص (274) .
[4] انظر ص (131- 134) من هذا المجلد.
[5] انظر «تهذيب الكمال» للمزي (1/ 372- 373) مصورة دار المأمون للتراث.

(2/183)


قال في «المغني» [1] : خصيف بن عبد الرّحمن الجزري مكثر [2] عن التابعين، ضعفه أحمد وغيره. انتهى.
وفيها، أو في التي تليها، توفي منصور بن عبد الرّحمن العبدريّ [3] الحجبيّ المكيّ، ولد صفيّة بنت شيبة.
قال ابن عيينة: كان يبكي عند كل صلاة، فكانوا يرون أنه يذكر الموت.
ويزيد بن أبي زياد الكوفيّ عن نحو تسعين سنة.
روى عن مولاه عبد الله بن الحارث بن نوفل الهاشميّ وطائفة، وهو حسن الحديث [4] . روى له مسلم مقرونا بآخر. قاله في «العبر» [5] .
وقال في «المغني» [6] : يزيد بن أبي زياد الكوفي، مشهور، سيء الحفظ.
قال ابن حبّان: صدوق إلّا أنه كبر وساء حفظه، فكان يتلقن.
وقال يحيى [7] : ليس بالقويّ.
__________
[1] (1/ 209) .
[2] في المطبوع: «يكثر» وما في الأصل موافق لما عند الذهبي في «المغني» .
[3] في الأصل: «العبد» وأثبت ما في المطبوع وهو الصواب.
[4] كذا قال المؤلف: وهو حسن الحديث.
وقال الحافظ الذهبي في «العبر» (1/ 187) : لين الحديث.
وقال الحافظ ابن حجر في «تقريب التهذيب» (2/ 365) : ضعيف، كبر فتغير، صار يتلقن، وكان شيعيا.
وللتوسع راجع «تهذيب الكمال» للمزي (3/ 1533- 1534) مصورة دار المأمون للتراث بدمشق.
[5] (1/ 187) .
[6] (2/ 749) .
[7] يعني ابن معين.

(2/184)


وقال أيضا: لا يحتج بحديثه.
وقال ابن المبارك: ارم به. انتهى.
وفيها قتل أحد الأشراف بدمشق، وهو عثمان بن سراقة الأزدي. وكان قد توثّب عند موت السّفّاح وسبّ بني العبّاس على منبر دمشق، وبايع لهشام بن يزيد بن خالد بن معاوية الأموي، فبغتهم مجيء صالح عمّ السّفّاح، فلم يقووا لحربه، واختفى هشام، وضرب عنق ابن سراقة.

(2/185)


سنة ثمان وثلاثين ومائة
فيها جاء طاغية الرّوم قسطنطين بن أليون في مائة ألف، ونزل بدابق، بكسر الباء- وهو المذكور في «صحيح مسلم» - فلقيه صالح بن علي عمّ المنصور، والسّفّاح فهزمهم ولله الحمد.
وفيها توفي زيد بن واقد الدّمشقيّ. روى عن جبير بن نفير، وكثير بن مرّة، وخلق.
قال في «المغني» [1] [2] : زيد بن واقد، عن حميد، وثقه أبو حاتم، وسمع منه بالرّيّ.
وقال أبو زرعة: ليس بشيء. انتهى.
وفيها أبو شبل العلاء بن عبد الرّحمن بن يعقوب المدنيّ، مولى الحرقة [3] روى عن أبيه، وأنس، وطائفة.
قال أبو حاتم: ما أنكر من حديثه شيئا.
__________
[1] في «العبر» : «فلم يقو» .
[2] (1/ 248) .
[3] قال السمعاني: وهي قبيلة من همدان، هكذا قال أبو حاتم بن حبان، وكنت سمعت بعض الحفاظ يقول: الحرقات بطن من جهينة، وهو الصحيح. «الأنساب» (4/ 113- 114) .

(2/186)


وسليمان بن فيروز [1] أبو إسحاق الشّيبانيّ مولاهم الكوفيّ.
قال ابن ناصر الدّين: كان من الحفاظ الثقات والأئمة الأثبات. انتهى.
وليث بن أبي سليم الكوفيّ [2] .
قال في «المغني» [3] : قال أحمد: مضطرب الحديث، ولكن حدّث عنه النّاس.
وقال ابن معين [والنسائيّ] : ضعيف.
وقال ابن حبّان: اختلط في آخر عمره.
وقال [ابن معين] أيضا: لا بأس به. انتهى.
__________
[1] ويقال له: سليمان بن أبي سليمان، أبو إسحاق الشيباني. (ع) .
[2] في «المغني» : «الليثي» .
[3] (2/ 536) وما بين حاصرتين مستدرك منه.

(2/187)


سنة تسع وثلاثين ومائة
فيها سار [1] عسكر المسلمين فنزلوا ملطية وهي خراب، فزرعوا أرضها، وطبخوا كلسا لبنائها، ورجعوا، فبعث طاغية الرّوم من حرق الزرع.
وفيها توفي خالد بن يزيد المصريّ [2] الفقيه كهلا.
يروي عن عطاء، والزّهري، وطبقتهما. وعنه اللّيث، ويكنى أبا عبد الرّحيم [3] .
وفيها يزيد بن عبد الله بن أسامة بن الهاد اللّيثيّ المدنيّ الفقيه. يروي عن شرحبيل بن سعد وطبقته من التابعين.
ويونس بن عبيد شيخ البصرة. رأى أنسا، وأخذ عن الحسن وطبقته.
قال سعيد بن عامر الضّبعيّ: ما رأيت رجلا قطّ أفضل منه. وأهل البصرة على ذاك.
وقال أبو حاتم: هو أكبر من سليمان التيميّ ولا يبلغ سليمان منزلته.
__________
[1] في الأصل، والمطبوع: «نزل» وأثبت ما في «العبر» للذهبي (1/ 188) وهو مصدر المؤلف في كلامه.
[2] قلت: وقال الحافظ ابن حجر: هو خالد بن يزيد الجمحي، ويقال: السكسكي. انظر «تقريب التهذيب» (1/ 220) .
[3] في الأصل: «ويكنى أبا عبد الرحمن» وهو خطأ، وأثبت ما في المطبوع وهو الصواب.

(2/188)


وقال يونس: ما كتبت شيئا قطّ- يعني لذكائه وحفظه-.
وقال ابن ناصر الدّين: رأى أنسا، وسمع الحسن، وابن سيرين وغيرهما، وكان إماما علما، وحافظا مقدّما، ومتقنا محرّرا. انتهى.
وصالح بن كيسان المؤدّب، ذكره ابن ناصر الدّين في «بديعة البيان» [1] فقال:
ثمّ أبو حازم المديني ... كصالح المؤدب الأمين
وقال في «شرحها» [2] : هو صالح بن كيسان المدنيّ العالم مؤدّب بني عمر بن عبد العزيز، جاوز المائة سنة. انتهى.
وقد رأيت كيف وصفه بالأمين، وكفى بها منقبة.
__________
[1] واسمها الكامل «بديعة البيان عن موت الأعيان» ، وهي مخطوطة لم تنشر بعد، وقد تكلم عنها الأستاذ الفاضل محمد نعيم العرقسوسي في مقدمته لكتاب «توضيح المشتبه» لابن ناصر الدين، طبع مؤسسة الرسالة.
[2] واسم هذا «الشرح» «التبيان لبديعة البيان» وهو مخطوط أيضا، وقد تكلم عنه الأستاذ العرقسوسي أيضا في مقدمته ل «توضيح المشتبه» .

(2/189)


سنة أربعين ومائة
فيها نزل جبريل بن يحيى الأمير من جهة صالح بن علي مرابطا بالمصّيصة، فأقام بها سنة حتّى بناها وحصّنها.
وفيها توفي فقيه واسط أبو العلاء أيوب بن أبي مسكين القصّاب كهلا، أخذ عن قتادة وجماعة.
خرّج له أبو داود، والترمذيّ، والنسائيّ.
قال في «المغني» [1] : أيوب بن مسكين [2] أبو العلاء الواسطي القصّاب [صدوق] . قال أبو حاتم: لا يحتج به. انتهى.
وداود بن أبي هند البصريّ الفقيه، وكان حافظا، مبينا، نبيلا.
روى عن سعيد بن المسيّب، وأبي العالية، واسم أبيه أبو هند دينار بن عذافر، وقيل: طهمان القشيريّ مولاهم.
قال ابن ناصر الدّين: كان داود مفتي أهل البصرة وأحد القانتين، رأسا في العمل والعلم، قدوة في الدّين. انتهى.
__________
[1] (1/ 98) ولفظة «صدوق» مستدركة منه.
[2] ويقال له: «ابن أبي مسكين» كما في «التقريب» و «التهذيب» و «ميزان الاعتدال» (ع) .

(2/190)


وفيها أبو حازم سلمة بن دينار المدنيّ الأعرج، عالم المدينة وزاهدها [1] وواعظها. سمع سهل بن سعد وطائفة. وكان أشقر فارسيا، وأمّه روميّة، وولاؤه لبني مخزوم.
قال ابن خزيمة: ثقة لم يكن في زمانه مثله، له حكم ومواعظ.
وأبو يزيد سهيل بن أبي صالح السمّان المدنيّ. روى عن أبيه وطبقته، وكان كثير الحديث، ثقة، مشهورا، أخذ عنه مالك والكبار.
وعمارة بن غزيّة المازنيّ المدنيّ. يروي عن الشّعبي وطبقته.
قال ابن سعد: ثقة كثير الحديث.
وعمرو بن قيس السّكونيّ الكنديّ الحمصيّ. ولهمائة سنة تامة.
روى عن عبد الله بن عمر والكبار، وذكر إسماعيل بن عيّاش أنه أدرك سبعين صحابيا.
وقال غيره: كان عمرو بن قيس أميرا من دولة عبد الملك بن مروان، وكان سيّد أهل حمص وشريفهم، ولي غزو الرّوم لعمر بن عبد العزيز.
__________
[1] في المطبوع: «وزاهداها» وهو خطأ.

(2/191)