ألف حمل من المال والسلاح، ومن الخيل
والعدد ما لا يوصف، وكان بمصر في تلك السنة غلاء عظيم ووباء، حتّى
مات فيها وفي أعمالها في تلك المدة ستمائة ألف إنسان على ما قيل.
ولما كان منتصف رمضان سنة ثمان وخمسين وثلاثمائة، وصلت البشارة إلى
المعز بفتح الديار المصرية ودخول عساكره إليها، وكانت كتب جوهر ترد
[1] إلى المعز باستدعائه إلى مصر، ويحثّه كل وقت على ذلك، ثم سيّر
إليه يخبره بانتظام الحال بمصر والشام والحجاز، وإقامة الدعوة له
بهذه المواضع، فسرّ بذلك سرورا عظيما، ثم استخلف على إفريقية بلكين
بن زيري الصنهاجي، وخرج متوجها إليها بأموال جليلة المقدار، ورجال
عظيمة الأخطار، وكان خروجه من المنصورية دار ملكه يوم الاثنين ثاني
عشري شوال، سنة اثنتين وستين وثلاثمائة.
ولم يزل في طريقه يقيم بعض الأوقات في بعض البلاد أياما ويجدّ
السير في بعضها، وكان اجتيازه على برقة، ودخل الإسكندرية رابع عشري
شعبان من السنة المذكورة، وركب فيها، ودخل الحمام، وقدم عليه بها
قاضي مصر أبو طاهر محمد بن أحمد، وأعيان أهل البلاد، وسلموا عليه،
وجلس لهم عند المنارة، وأخبرهم أنه لم يرد دخول مصر لزيادة في ملكه
ولا لمال، وإنما أراد إقامة الحق والجهاد والحج، وأن يختم عمره
بالأعمال الصالحة، ويعمل بما أمر به جدّه، صلى الله عليه وسلم،
ووعظهم وأطال، حتّى بكى بعض الحاضرين، وخلع على القاضي وجماعة
وودعوه وانصرفوا، ثم رحل منها في أواخر شعبان.
ونزل يوم السبت ثاني رمضان على ساحل مصر بالجيزة، فخرج إليه القائد
جوهر وترجل عند لقائه، وقبّل الأرض بين يديه، واجتمع به بالجيزة
__________
[1] في الأصل والمطبوع: «تردد» وما أثبته من «وفيات الأعيان» .
(4/349)
أيضا الوزير أبو الفضل جعفر بن الفرات،
وأقام المعز هناك ثلاثة أيام، وأخذ العسكر في التعدية بأثقالهم إلى
ساحل مصر، ولما كان يوم الثلاثاء خامس رمضان، عبر المعز النيل ودخل
القاهرة، ولم يدخل مصر، وكانت قد زيّنت له، وظنوا أنه يدخلها، وأهل
القاهرة لم يستدعوا للقائه لأنهم بنوا الأمر على دخوله مصر أولا،
ولما دخل القاهرة ودخل القصر ودخل مجلسا فيه [1] خرّ ساجدا [لله
تعالى] ثم صلى فيه ركعتين، وانصرف الناس عنه.
وكان المعز عاقلا، حازما، سريا، أديبا حسن النظر في النجامة، وينسب
إليه من الشعر:
لله ما صنعت بنا ... تلك المحاجر في المعاجر
أمضى وأقضى في النفو ... س من الخناجر في الحناجر
انتهى ما أورده ابن خلكان ملخصا.
__________
[1] في «وفيات الأعيان» : «ودخل مجلسا منه» وما بين حاصرتين زيادة
منه.
(4/350)