شذرات الذهب في أخبار من ذهب
سنة ست وخمسين
وستمائة
فيها قتل المستعصم بالله أبو أحمد عبد الله بن المستنصر بالله أبي جعفر
منصور بن الظّاهر محمد بن النّاصر العبّاسي [1] ، آخر الخلفاء
العراقيين. وكانت دولتهم خمسمائة سنة وأربعا وعشرين سنة.
ولد أبو أحمد هذا سنة تسع وستمائة في خلافة جدّ أبيه، وأجاز له المؤيد
الطّوسي وجماعة، وسمع من علي ابن النّيّار [2] الذي لقنه الختمة.
وروى عنه محيى الدّين بن الجوزي، ونجم الدّين البادرائي بالإجازة،
واستخلف في جمادى الأولى سنة أربعين. وكان حليما، كريما، سليم الباطن،
قليل الرأي، حسن الدّيانة، مبغضا للبدعة في الجملة، ختم له
__________
[1] انظر «سير أعلام النبلاء» (23/ 174- 184) و «العبر» (5/ 225- 226)
و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (274) و «عيون التواريخ» (20/ 129) و
«البداية والنهاية» (13/ 204- 211) و «النجوم الزاهرة» (7/ 63- 64) و
«تاريخ الخلفاء» للسيوطي ص (464- 477) .
[2] جاءت الإشارة إليه في ترجمة المترجم في «سير أعلام النبلاء» على
النحو التالي: «ختم على ابن النيّار» ثم ذكره الذهبي في «سير أعلام
النبلاء» (23/ 323) في عداد من توفي مع الحافظ المنذري سنة (656) فقال:
«وشيخ الشيوخ صدر الدّين ابن النيّار» فقط. وجاء في التعليق على ترجمة
المستعصم من «السّير» ما نصه: «وابن النيّار قتل في الوقعة- يعني التي
قتل فيها المستعصم- دون الإحالة على مصدر الكلام.
وذكره العيني في «عقد الجمان» (1/ 175) فيمن مات في كارثة بغداد فقال:
«وقتل شيخ الشيوخ، مؤدّب الخليفة، صدر الدّين علي بن النيّار» ولم يزد
على ذلك.
(7/467)
بخير، فإن الكافر هولاكو [1] أمر به
وبولده، فرفسا حتّى ماتا، وذلك في آخر المحرم. وكان الأمر أشغل من أن
يوجد مؤرّخ لموته أو مواراة جسده، وبقي الوقت بلا خليفة ثلاث سنين.
وكان سبب قتلهما أن المؤيد العلقمي الوزير- قاتله الله- كاتب التتار
وحرّضهم على قصد بغداد لأجل ما جرى على إخوانه الرافضة من النهب
والخزي، فظنّ المخذول أن الأمر يتم له، وأنه يقيم خليفة علويّا، فأرسل
أخاه ومملوكه إلى هولاكو [1] ، وسهّل عليه أخذ بغداد، وطلب أن يكون
نائبا له عليها، فوعدوه بالأماني، وساروا فأخذ لؤلؤ صاحب الموصل يهيئ
للتتار الإقامات، ويكاتب الخليفة سرّا، فكان ابن العلقمي- قبحه الله-
لا يدع تلك المكاتبات تصل إلى الخليفة، مع أنها لو وصلت لما أجدت، لأن
الخليفة كان يردّ الأمر إليه، فلما تحقّق الأمر، بعث ولد محيى الدّين
بن الخوارزمي رسولا إلى هولاكو [1] يعده بالأموال والغنائم، فركب
هولاكو [1] في مائتي ألف من التتار والكرج، ومدد من صاحب الموصل مع
ولده الصالح إسماعيل، فخرج ركن الدّين الدوادار، فالتقى بأخوايين، وكان
على مقدمة هولاكو [1] ، فانكسر المسلمون، ثم سار باجو فنزل من غربي
بغداد، ونزل هولاكو [1] من شرقيها، فأشار ابن العلقمي على المستعصم
بالله أن أخرج إليهم في تقرير الصلح، فخرج الخبيث وتوثق لنفسه، ورجع
فقال:
إن الملك قد رغب أن يزوّج ابنته بابنك الأمير أبي بكر، وأن تكون
الطّاعة له كما كان أجدادك مع الملوك السلجوقية، ثم يترحل، فخرج إليه
المستعصم في أعيان الدولة، ثم استدعى الوزير العلماء والرؤساء ليحضروا
العقد بزعمه، فخرجوا فضربت رقاب الجميع، وصار كذلك يخرج طائفة بعد
طائفة وتضرب أعناقهم، حتّى بقيت الرّعية بلا راع، ثم دخلت حينئذ التتار
بغداد، وبذلوا السيف، واستمر القتل والسّبي نحو أربعين يوما، ولم يسلم
إلّا من
__________
[1] في «آ» و «ط» و «تاريخ الخلفاء» : «هلاكو» .
(7/468)
اختفى في بئر أو قناة، وقتل الخليفة رفسا،
ويقال: إن هولاكو [1] أمر بعدّ القتلى، فبلغوا ألف ألف وثمانمائة ألف
وكسر، فعند ذلك نودي بالأمان. ثم أمر هولاكو [1] بأخوايين فضربت عنقه،
لأنه بلغه أنه كاتب الخليفة، وكانت بلية لم يصب الإسلام بمثلها. وعملت
الشعراء قصائد في مراثي بغداد وأهلها، وتمثّل بقول سبط [ابن]
التّعاويذي:
بادت وأهلوها معا فبيوتهم ... ببقاء مولانا الوزير خراب [2]
وقال بعضهم:
يا عصبة الإسلام نوحي واندبي ... حزنا على ما تمّ للمستعصم
دست الوزارة كان قبل زمانه ... لابن الفرات فصار لابن العلقمي
وكان آخر خطبة خطبت ببغداد، أن قال الخطيب في أولها: الحمد لله الذي
هدم بالموت مشيّد الأعمار، وحكم بالفناء على أهل هذه الدّار.
وقال تقيّ الدّين بن أبي اليسر قصيدته في بغداد وهي:
لسائل الدّمع عن بغداد أخبار ... فما وقوفك والأحباب قد ساروا
يا زائرين إلى الزّوراء لا تفدوا ... فما بذاك الحمى والدّار ديّار
تاج الخلافة والرّبع الذي شرفت ... به المعالم قد عفّاه إقفار
أضحى لعصف [3] البلى في ربعه أثر ... وللدّموع على الآثار آثار
__________
[1] في «آ» و «ط» و «تاريخ الخلفاء» : «هلاكو» .
[2] قال العلّامة الزركلي رحمه الله في تعليقه على ترجمة ابن العلقمي
في «الأعلام» (5/ 321) :
وهذا البيت من قصيدة للسبط في «ديوانه» ص (47) يهجو بها «ابن البلدي»
ولم يدرك أيام ابن العلقمي، فإن وفاته سنة (583) .
قلت: وقد تقدمت ترجمة ابن التعاويذي في حوادث سنة (584) من المجلد
السادس من كتابنا هذا صفحة (461) فراجعها.
[3] في «آ» و «ط» : «لعطف» وأثبت لفظ «تاريخ الخلفاء» .
(7/469)
يا نار قلبي من نار لحرب وغى ... شبّت عليه
ووافى الرّبع إعصار
علا الصّليب على أعلى منابرها ... وقام بالأمر من يحويه زنّار
وكم حريم سبته التّرك غاصبة ... وكان من دون ذاك السّتر أستار
وكم بدور على البدريّة انخسفت؟ ... ولم يعد لبدور منه إبدار
وكم ذخائر أضحت وهي شائعة؟ ... من النّهاب وقد حازته كفّار
وكم حدود أقيمت من سيوفهم ... على الرّقاب وحطّت فيه أوزار
ناديت والسّبي مهتوك تجرّهم [1] ... إلى السّفاح من الأعداء دعّار [2]
ولما فرغ هولاكو [3] من قتل الخليفة وأهل بغداد، أقام على العراق
نوّابه، وكان ابن العلقمي حسّن لهم أن يقيموا خليفة علويا فلم يوافقوه،
واطّرحوه، وصار معهم في صورة بعض الغلمان، ومات كمدا، لا رحمه الله.
وهو مؤيد الدّين محمد بن أحمد [4] ، وزير الإمام المستعصم بالله [5] .
كان فاضلا، متغاليا في التشيع إلى غاية ما يكون عامل التتار ليظفر
ببغيته، لم ينل منهم ذلك. وكان ينشد وهو في حالة الهوان:
وجرى القضاء بعكس ما أمّلته
ثم أرسل هولاكو [6] إلى الناصر صاحب دمشق كتابا صورته: يعلم
__________
[1] في «تاريخ الخلفاء» : «تجرّ بهم» .
[2] في «آ» و «ط» : «دعّاز» وأثبت لفظ «تاريخ الخلفاء» .
[3] في «آ» و «ط» : «هلاكو» .
[4] قال العلّامة الزركلي رحمه الله في تعليقه على ترجمته في «الأعلام»
(8/ 321) : قلت:
والمصادر مختلفة في تسميته «محمد بن أحمد» أو «محمد بن محمد» ولعل
الصواب الأول، ومن سمّاه «محمد بن محمد» قد يلقبه بعز الدّين، وعز
الدّين «محمد» ابنه، ولي الوزارة للتتار بعده.
[5] انظر «فوات الوفيات» (3/ 252- 255) و «الوافي بالوفيات» (1/ 184-
186) .
[6] في «آ» و «ط» : «هلاكو» .
(7/470)
سلطان مصر ناصر- طال بقاؤه- أنا لما توجهنا
إلى العراق وخرج إلينا جنودهم فقتلناهم بسيف الله، ثم خرج إلينا رؤساء
البلد ومقدّموها، فكان قصارى كلامهم سببا لهلاك نفوس تستحق الإهلاك.
وأما ما كان من صاحب البلد [1] فإنه خرج إلى خدمتنا، ودخل تحت عبوديتنا
[2] ، فسألناه عن أشياء كذبنا فيها، فاستحق الإعدام. وكان كذبه ظاهرا،
وَوَجَدُوا ما عَمِلُوا حاضِراً 18: 49 [3] .
أجب ملك البسيطة، ولا تقولنّ: قلاعي المانعات، ورجالي المقاتلات، ولقد
بلغنا أن شذرة من العسكر التجأت إليك هاربة، وإلى جنابك لائذة:
أين المفرّ ولا مفرّ لهارب ... ولنا البسيطان الثرى والماء
فساعة وقوفك على كتابنا، تجعل قلاع الشّام سماءها أرضا وطولها عرضا [4]
، والسلام.
ثم أرسل له كتابا ثانيا يقول فيه: خدمة ملك ناصر- أطال عمره-.
أما بعد: فإنا فتحنا بغداد واستأصلنا ملكها وملكها إلى هنا [5] وكان
ظنّ- وقد ضنّ [6] بالأموال، ولم ينافس الرّجال- أن ملكه يبقى على ذلك
الحال، وقد علا ذكره، ونما قدره، فخسف في الكمال بدره:
إذا تمّ أمر بدا نقصه ... توقّع زوالا إذا قيل تمّ
__________
[1] في «تاريخ الخلفاء» ص (473) : «البلدة» .
[2] في «آ» و «ط» : «عبودتنا» وأثبت لفظ «تاريخ الخلفاء» مصدر المؤلف.
[3] قلت: وذلك اقتباس من قوله تعالى: وَوَجَدُوا ما عَمِلُوا حاضِراً
وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً 18: 49 [الكهف: 49] مع مراعاة أن الله
عزّ وجلّ ذكر هذه الآية في حق أهل النار، بينما استشهد بها هولاكو أو
من كتب له- وهو ابن العلقمي على الأرجح- في الكلام على خليفة المسلمين،
لعن الله هولاكو وكل من رضي بأعماله في حق ديار المسلمين ظاهرا أو
باطنا.
[4] في «آ» و «ط» : «سماءها أرضها، وطولها عرضها» وأثبت لفظ «تاريخ
الخلفاء» مصدر المؤلف.
[5] عبارة «إلى هنا» لم ترد في «تاريخ الخلفاء» الذي بين يدي.
[6] في «تاريخ الخلفاء» : وقد فتن» .
(7/471)
ونحن في طلب الازدياد، على ممر الآباد، فلا
تكن كَالَّذِينَ نَسُوا الله فَأَنْساهُمْ أَنْفُسَهُمْ 59: 19 [1]
وأبد ما في نفسك، إما إمساك بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ 2:
229 [2] أجب دعوة ملك البسيطة تأمن شرّه وتنال [3] برّه، واسع إليه
برجالك وأموالك، ولا تعوق رسولنا [4] ، والسلام.
ثم أرسل كتابا ثالثا يقول فيه: أما بعد: فنحن جنود الله، بنا ينتقم ممن
عتا وتجبّر، وطغى وتكبّر، وبأمر الله ما ائتمر، إن عوتب تنمّر، وإن
روجع استمرّ [5] ، ونحن قد أهلكنا البلاد، وأبدنا العباد، وقتلنا
النسوان والأولاد، فأيّها الباقون، أنتم بمن مضى لاحقون، ويا أيها
الغافلون، أنتم إليهم تساقون، ونحن جيوش الهلكة، لا جيوش المملكة [6] ،
مقصودنا الانتقام، وملكنا لا يرام، ونزيلنا لا يضام، وعدلنا في ملكنا
قد اشتهر، ومن سيوفنا أين المفر:
أين المفرّ ولا مفرّ لهارب ... ولنا البسيطان الثّرى والماء
ذلّت لهيبتنا الأسود فأصبحت ... في قبضتي الأمراء والخلفاء
ونحن إليكم صائرون، ولكم طالبون [7] ، ولكم الهرب، وعلينا الطلب.
ستعلم ليلى أيّ دين تداينت ... وأيّ غريم بالتّقاضي غريمها
دمرنا البلاد، وأيتمنا الأولاد، وأهلكنا العباد، وأذقناهم العذاب،
وجعلنا
__________
[1] اقتباس من قوله تعالى: وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا الله
فَأَنْساهُمْ أَنْفُسَهُمْ 59: 19 [الحشر: 19] .
[2] اقتباس من قوله تعالى: الطَّلاقُ مَرَّتانِ فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ
أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ 2: 229 [البقرة:
229] .
[3] في «تاريخ الخلفاء» : و «تنل» .
[4] في «تاريخ الخلفاء» : «رسلنا» .
[5] في «آ» و «ط» : «روجع واستمرّ وتجبّر» واللفظة الأخيرة وصوابها:
«وتجبّر» انتقلت بطرفة عين من السطر الذي قبله ولا محلّ لها هنا
فحذفتها.
[6] في «تاريخ الخلفاء» : «لا جيوش الملكة» .
[7] عبارة «ولكم طالبون» سقطت من «تاريخ الخلفاء» فتستدرك.
(7/472)
عظيمهم صغيرا، وأميرهم أسيرا، أتحسبون أنكم
منّا ناجون، أو متخلصون، وعن قليل سوف تعلمون، على ما تقدمون، وقد أعذر
من أنذر، والسلام [1] .
وفيها توفي أبو العبّاس القرطبي أحمد بن عمر بن إبراهيم الأنصاري [2]
المالكي المحدّث الشّاهد، نزيل الإسكندرية. كان من كبار الأئمة.
ولد سنة ثمان وسبعين وخمسمائة، وسمع بالمغرب من جماعة، واختصر
«الصحيحين» وصنّف كتاب «المفهم في شرح مختصر مسلم» .
وتوفي في ذي القعدة.
وفيها ابن الحلاوي شرف الدّين أبو الطيب أحمد بن محمد بن أبي الوفاء
الهزبر [3] له فضيلة تامة، وشعره في غاية الجودة والرّقّة.
فمن ذلك قوله:
وافى يطوف بها الغزال الأغيد ... حمراء من وجناته تتوقّد
مالت به وأماله سكر الصّبا ... فنديمها كمديرها يتأوّد
ثقلت مآزره وأرهف لحظه ... فالقائلان [4] مثقّل ومحدّد
فإذا انثنى وإذا رنا فقوامه ... واللّحظ منه مثقّف ومهنّد
__________
[1] قلت: وقد نثر السّبكي قصة سقوط بغداد ومقتل الخليفة المستعصم بالله
عقب ترجمة الحافظ المنذري من كتابه «طبقات الشافعية الكبرى» (8/ 261-
274) فيحسن بالقارئ الرجوع إليه.
[2] انظر «العبر» (5/ 226- 227) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (274) و
«النجوم الزاهرة (7/ 69) و «عقد الجمان» (1/ 190) و «حسن المحاضرة» (1/
457) .
[3] انظر «العبر» (5/ 227) و «عيون التواريخ» (20/ 154- 159) و
«السّلوك لمعرفة دول الملوك» (1/ 2/ 413) و «الوافي بالوفيات» (8/ 102-
108) و «فوات الوفيات» (1/ 143- 148) .
والهزبر: من أسماء الأسد. انظر «لسان العرب» (هزبر) .
[4] في «عيون التواريخ» : «فالقاتلان» .
(7/473)
ومدح الملوك والكبار، وعاش ثلاثا وخمسين
سنة. وكان في خدمة صاحب الموصل.
وفيها الزّعبي- بفتح الزاي، نسبة إلى زعب بطن من سليم- أبو إسحاق
إبراهيم بن أبي بكر بن إسماعيل بن علي الحمّامي [1] . روى «كتاب الشكر»
عن ابن شاتيل، ومات في المحرم ببغداد.
وفيها الصّدر البكري أبو علي الحسن بن محمد بن محمد بن محمد بن عمروك
التيمي النيسابوري ثم الدمشقي [2] الصّوفي الحافظ.
ولد سنة أربع وسبعين وخمسمائة، وسمع بمكّة من عمر الميانشيّ، وبدمشق من
ابن طبرزد [3] ، وبخراسان من أبي روح، وبأصبهان من أبي الفتوح، وابن
الجنيد، وكتب الكثير. وعني بهذا الشأن أتم عناية، وجمع وصنّف، وشرع في
مسودة «ذيل» على تاريخ ابن عساكر، وولى مشيخة الشيوخ وحسبة دمشق، وعظم
في دولة المعظّم، ثم فتر سوقه وابتلي بالفالج قبل موته بأعوام، ثم
تحوّل إلى مصر فمات بها في حادي عشر ذي الحجّة ضعّفه بعضهم، وقال
الزكيّ البرزالي: كان كثير التخليط.
وفيها الشّرف الإربلي، العلّامة أبو عبد الله الحسين بن إبراهيم
الهذباني [4] الشّافعي اللّغوي [5]
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 227) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 318) .
[2] انظر «العبر» (5/ 227- 228) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 326- 328)
و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (274) .
[3] في «سير أعلام النبلاء» : «ابن طبرزذ» بالذال وهو من أخطاء الطبع
فتصحح.
[4] تصحفت في «آ» و «ط» إلى «الهدناني» والتصحيح من مصادر الترجمة.
[5] انظر «العبر» (5/ 228) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 354- 355) و
«الإعلام بوفيات الأعلام» ص (274) .
(7/474)
ولد سنة ثمان وستين وخمسمائة بإربل، وسمع
بدمشق من الخشوعي وطائفة. وحفظ على الكندي خطب ابن نباتة، و «ديوان
المتنبي» و «مقامات الحريري» . وكان يعرف اللّغة ويقرئها.
توفي في ثاني ذي القعدة.
وفيها العماد داود بن عمر بن يوسف أبو المعالي الزّبيديّ المقدسيّ
الشّافعيّ الدّمشقي الآباريّ [1] خطيب بيت الآبار [2] .
ولد سنة ست وثمانين وخمسمائة، وسمع من الخشوعي، والقاسم [بن عساكر] ،
وطائفة. وكان فصيحا، خطيبا، بليغا، لا يكاد يسمع موعظة أحد إلّا يبكى.
ولي خطابة دمشق وتدريس الغزالية بعد ابن عبد السّلام، ثم عزل بعد ست
سنين، وعاد إلى خطابة القرية، وبها توفي في شعبان، ودفن هناك.
وفيها الملك النّاصر داود بن المعظّم بن العادل [3] ، صاحب الكرك، صلاح
الدّين أبو المفاخر.
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 229) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 301- 302) و
«عيون التواريخ» (20/ 168) و «البداية والنهاية» (13/ 213) و «الدارس
في تاريخ المدارس» (1/ 420) .
[2] تنبيه: تحرفت في «سير أعلام النبلاء» إلى «بيت الأبّار» فتصحح.
قال ياقوت في «معجم البلدان» (1/ 519) : بيت الآبار: جمع بئر، قرية
يضاف إليها كورة من غوطة دمشق فيها عدة قرى، خرج منها غير واحد من رواة
العلم.
وقال الأستاذ محمد كرد علي في كتابه النّفيس «غوطة دمشق» ص (164) : بيت
الآبار:
بليدة خربت، وكانت حاضرة الإقليم، وسمي باسمها. ويؤخذ من كلام ابن عبد
الهادي في القرن العاشر أنها كانت موجودة في عصره. ومن عملها المنيحة،
وجرمانا، ودير هند، وبيت سابا أو سابر. والغالب أنها التل الكبير
المائل للعيان شرقي جرمانا، وقد خربت غير مرة، ويقال لخرابها الآن تل
أم الإبر، وانظر تتمة كلامه هناك.
[3] انظر «العبر» (5/ 229- 230) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 376- 381)
و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (274) و «عيون التواريخ» (20/ 168- 177)
.
(7/475)
ولد سنة ثلاث وستمائة، وأجاز له المؤيد
الطّوسي، وسمع ببغداد من القطيعي. وكان حنفيا، فاضلا، مناظرا، ذكيا،
بصيرا بالأدب، بديع النظم، كثير المحاسن، ملك دمشق بعد أبيه، ثم أخذها
منه عمّه الأشرف، فتحول إلى مدينة الكرك فملكها إحدى عشرة سنة، ثم عمل
عليه ابنه، وسلّمها إلى صاحب مصر الصّالح وزالت مملكته. وكان جوادا،
ممدحا.
ومن شعره يفضّل الجارية على الغلام:
أحبّ الغادة الحسناء ترنو ... بمقلة جؤذر فيها فتور
ولا أصبو إلى رشأ غرير ... وإن فتن الورى الرّشأ الغرير
وأنّى يستوي شمس وبدر ... ومنها يستمدّ ويستنير
وهل تبدو الغزالة في سماء ... فيظهر عندها للبدر نور
وله:
قلبي وطرفك قاتل وشهيد ... ودمي على خدّيك منه شهود
يا أيّها الرّشأ الذي لحظاته ... كم دونهنّ صوارم وأسود
ومن العجائب أنّ قلبك لم يلن ... لي والحديد ألانه داود
توفي- رحمه الله- بظاهر دمشق، بقرية البويضاء [1] ، ودفن عند والده
الملك المعظم في جمادى الأولى، وكانت أمّه خوارزمية، عاشت بعده مدة.
وفيها بهاء الدّين زهير بن محمد بن علي بن يحيى الصّاحب المنشئ أبو
الفضل وأبو العلاء الأزديّ المهلّبيّ المكّيّ ثم القوصيّ [2] الكاتب،
له «ديوان» مشهور.
__________
[1] قرية بالقرب من دمشق إلى الشرق منها. انظر «غوطة دمشق» للعلّامة
كرد علي ص (21) .
[2] انظر «وفيات الأعيان» (2/ 332- 338) و «العبر» (5/ 230) و «سير
أعلام النبلاء» (23/ 355- 356) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (274) و
«عيون التواريخ» (20/ 181-
(7/476)
ولد سنة إحدى وثمانين وخمسمائة، وكتب
الإنشاء للملك الصّالح نجم الدّين ببلاد المشرق، فلما تسلطن بلّغه أعلى
المراتب ونفّذه رسولا.
ولما مرض بالمنصورة تغيّر عليه وأبعده، لأنه كان سريع [1] التخيل
والغضب والمعاقبة على الوهم، ثم اتصل البهاء زهير بالنّاصر صاحب الشام،
وله فيه مدائح. وكان ذا مروءة ومكارم.
ومن شعره [2] :
يطيب لقلبي أن يطول [3] غرامه ... وأيسر ما يلقاه منه حمامه
وأعجب منه كيف يقنع بالمنى ... ويرضيه من طيف الخيال [4] لمامه
ومنها [5] :
وما الغصن إلّا ما حوته بروده ... وما البدر إلّا ما حواه لثامه
خذوا لي من البدر الذّمام فإنّه ... أخوه لعلّي نافع لي ذمامه
ومن شعره أيضا [6] :
أنا ذا زهيرك ليس إ ... لّا جود كفّك لي مزينه
أهوى جميل الذّكر عن ... ك كأنّما هو لي بثينه
__________
188) و «عقد الجمان» (1/ 186- 188) و «حسن المحاضرة» (1/ 567) و
«الأعلام» (3/ 52) الطبعة الرابعة.
[1] في «العبر» بطبعتيه: « ... وأبعده. وكان سريع التخيل والغضب ... »
ولا يستقيم النص بذلك لأن الضمير في الكلام يعود على الملك الصالح نجم
الدّين» والصواب ما جاء في كتابنا، فليحرر.
[2] البيتان في «ديوانه» ص (301) طبعة دار صادر ببيروت.
[3] في «آ» و «ط» : «أن يطيب» وأثبت لفظ «الديوان» و «عيون التواريخ» .
[4] كذا في «آ» و «ط» و «عيون التواريخ» : «من طيف الخيال» وفي
«ديوانه» : «من طيف الحبيب» .
[5] البيتان في «ديوانه» ص (301- 302) .
[6] الأبيات في «ديوانه» ص (369) و «وفيات الأعيان» (2/ 336) .
(7/477)
فاسأل ضميرك عن ودا ... دي [1] إنّه فيه
جهينة
ومنه أيضا [2] :
بروحي من أسميّها بستّي ... فترمقني [3] النّحاة بعين مقت
يظنّوا أنّني [4] قد قلت لحنا ... وكيف وإنّني لزهير وقتي
وقد ملكت جهاتي الستّ طرّا ... فلا عجب إذا ما قلت ستّي [5]
قال ابن خلّكان: وشعره كلّه لطيف، وهو كما يقال: السهل الممتنع،
وأجازني رواية «ديوانه» وهو كثير الوجود بأيدي النّاس.
قال: وكان مسّه ألم فأقام به أيّاما، ثم توفي قبل المغرب يوم الأحد
رابع ذي القعدة، ودفن من الغد بعد صلاة الظهر بتربة بالقرافة الصّغرى،
بالقرب من قبة الإمام الشافعي، رضي الله عنه، في جهتها القبلية، ولم
يتفق لي الصّلاة عليه لاشتغالي بالمرض.
وفيها الكفرطابي أبو الفضل عبد العزيز بن عبد الوهّاب بن بيان القوّاس
الرّامي الأستاذ [6] .
ولد سنة سبع وسبعين وخمسمائة، وسمع الكثير من يحيى الثّقفي، وعمّر
دهرا، وتوفي في الحادي والعشرين من شوال بدمشق.
__________
[1] في «آ» و «ط» : «عن وداد» وأثبت لفظ «الديوان» .
[2] الأبيات في «ديوانه» ص (56) .
[3] لفظ «ديوانه» : «فتنظرني» .
[4] لفظ «ديوانه» : «يرون بأنّني» .
[5] رواية البيت في «ديوانه» :
ولكن غادة ملكت جهاتي ... فلا لحن إذا ما قلت ستّي
[6] انظر «العبر» (5/ 231) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 324) و «الإعلام
بوفيات الأعلام» ص (274) و «النجوم الزاهرة» (7/ 68) .
(7/478)
وفيها أبو العزّ بن صديق عبد العزيز بن
محمد بن أحمد الحرّاني [1] وهو بكنيته أشهر، ولهذا أسماه بعضهم ثابتا.
سمع من عبد الوهّاب بن أبي حبّة، وحدّث بدمشق وبها توفي في جمادى
الأولى.
وفيها الحافظ الكبير زكي الدّين أبو محمد عبد العظيم بن عبد القوي ابن
عبد الله بن سلامة المنذري الشّامي ثم المصري الشّافعي [2] ، صاحب
التصانيف.
ولد سنة إحدى وثمانين خمسمائة، وسمع من الأرتاحي، وأبي الجود، وابن
طبرزد، وخلق. وتخرّج بأبي الحسن علي بن المفضّل، ولزمه مدة. وله «معجم»
كبير مرويّ، ولي مشيخة الكاملية مدة، وانقطع بها نحوا من عشرين سنة،
مكبّا على العلم والإفادة.
قال ابن ناصر الدّين [3] : كان حافظا، كبيرا، حجّة، ثقة، عمدة. له كتاب
«الترغيب والترهيب» [4] ...
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 231) و «النجوم الزاهرة» (7/ 68) .
[2] انظر «العبر» (5/ 232) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 319- 324) و
«الإعلام بوفيات الأعلام» ص (274) و «طبقات الشافعية الكبرى» (8/ 259-
261) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 223- 224) و «السلوك لمعرفة دول
الملوك» (1/ 2/ 412) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 140- 142)
و «النجوم الزاهرة» (7/ 68) و «عقد الجمان» (1/ 188- 189) و «غربال
الزمان» ص (534) وقد أورد في آخر ترجمته بيتين من الشعر له يحسن
ذكرهما، وهما:
اعمل لنفسك صالحا لا تلتفت ... لظهور قيل في الأنام وقال
فالناس لا يرجى اجتماع جميعهم ... لا بدّ من مثن عليك وقال
[3] في «التبيان شرح بديعة البيان» (179/ ب) .
[4] طبع في مصر ثلاث مرّات:
الأولى في إدارة الطباعة المنيرية بعناية الشيخ محمد منير الدمشقيّ،
رحمه الله، وعلى هذه الطبعة اعتمد الأستاذ المحدّث الشيخ محمد ناصر
الدّين الألباني في إعداد «صحيح الترغيب والترهيب» و «ضعيف الترغيب
والترهيب» وقد صدر الأول من «الصحيح» عن المكتب الإسلامي ببيروت.
(7/479)
و «التكملة لوفيات النّقلة» [1] . انتهى.
وقال ابن شهبة: برع في العربية والفقه، وسمع الحديث بمكّة، ودمشق،
وحرّان، والرّها، والإسكندرية. وروى عنه الدمياطي، وابن دقيق العيد،
والشّريف عز الدّين، وأبو الحسين اليونيني، وخلق. وتخرّج به العلماء في
فنون من العلم. وبه تخرّج الدّمياطي، وابن دقيق العيد، والشريف عزّ
الدّين، وطائفة في علوم الحديث.
قال الشريف عز الدّين: كان عديم النّظير في معرفة علم الحديث على
اختلاف فنونه، عالما بصحيحه وسقيمه ومعلوله وطرقه، متبحرا في معرفة
أحكامه ومعانيه ومشكله، قيّما بمعرفة غريبه وإعرابه واختلاف ألفاظه،
ماهرا في معرفة رواته وجرحهم وتعديلهم ووفياتهم ومواليدهم وأخبارهم.
إماما، حجّة، ثبتا، ورعا، متحريا فيما يقوله، متثبتا فيما يرويه.
وقال الذهبيّ: لم يكن في زمانه أحفظ منه.
ومن تصانيفه «مختصر مسلم» [2] و «مختصر سنن أبي داود» وله عليه حواش
مفيدة. وكتاب «الترغيب والترهيب» في مجلدين، وهو كتاب نفيس.
توفي- رحمه الله تعالى- في رابع ذي القعدة، ودفن بسفح المقطّم.
وفيها جمال الدّين أبو الفرج عبد الرحمن بن عبد المنعم بن نعمة
والثانية بعناية الشيخ محمد محيي الدّين عبد الحميد، رحمه الله.
والثالثة بعناية وتعليق الشيخ مصطفى محمد عمارة، وهي أشهر الطبعات
الثلاث وقد صورت مرارا.
ويقوم الأساتذة محيي الدّين مستو، وسمير العطّار، ويوسف بديوي بتحقيق
الكتاب من جديد، وستصدر هذه الطبعة عن دار ابن كثير، وقد شرعت بطبع
الجزء الأول وهو قيد التصحيح الآن.
__________
[1] طبع أول مرة ببغداد طبعة متقنة مفهرسة بتحقيق الأستاذ الدكتور بشار
عوّاد معروف عام (1387 هـ) ثم أعادت طبعه مصورا عن طبعته الأولى مؤسسة
الرسالة ببيروت عام (1401 هـ) .
[2] طبع أول مرة في الكويت بوزارة الأوقاف طبعة متقنة بتحقيق الأستاذ
المحدّث الشيخ محمد ناصر الدّين الألباني، ثم أعاد المكتب الإسلامي طبع
هذه الطبعة عدة مرات في بيروت.
(7/480)
ابن سلطان بن سرور بن رافع بن حسن بن جعفر
المقدسي النّابلسي [1] الفقيه الحنبلي المحدّث.
ولد يوم عاشوراء سنة أربع وتسعين وخمسمائة، وسمع بالقدس من أبي عبد
الله بن البنّا، وحدّث بنابلس.
قال الشريف عزّ الدّين: كان له سعة وفيه فضل. توفي في ذي القعدة
بنابلس.
وفيها موفق الدّين أبو محمد عبد القاهر بن محمد بن علي بن عبد الله بن
عبد العزيز بن الفوطي البغدادي الحنبلي الأديب [2] .
قال ابن السّاعي: كان إماما، ثقة، أديبا، فاضلا، حافظا للقرآن، عالما
بالعربية واللغة والنجوم، كاتبا شاعرا، صاحب أمثال. وكان فقيرا ذا
عيال، ولم يوافق نفسه على خيانة. ولي كتابة ديوان العرض، وقتل صبرا في
الواقعة ببغداد.
وفيها ابن خطيب القرافة أبو عمرو عثمان بن علي بن عبد الواحد القرشي
الأسدي الدمشقي الناسخ [3] . كان له إجازة من السّلفي، فروى بها
الكثير، وتوفي في ثالث ربيع الآخر عن أربع وثمانين سنة.
وفيها الشّاذلي أبو الحسن علي بن عبد الله بن عبد الحميد المغربي [4]
الزاهد، شيخ الطائفة الشاذلية. سكن الإسكندرية، وصحبه بها
__________
وقام بنشره منذ فترة قريبة بدمشق الأستاذ الدكتور مصطفى البغا.
[1] انظر «الوافي بالوفيات» (18/ 178) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 266-
267) .
[2] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 264- 265) .
[3] انظر «العبر» (5/ 232) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 347) و «الإعلام
بوفيات الأعلام» ص (274) و «النجوم الزاهرة» (7/ 68) .
[4] انظر «العبر» (5/ 232) و «طبقات الأولياء» ص (458- 459) و «غربال
الزّمان» ص (534- 535) و «حسن المحاضرة» (1/ 520) .
(7/481)
جماعة. وله في التصوف مشكلة توهم، ويتكلّف
له في الاعتذار عنها، وعنه أخذ الشيخ أبو العبّاس المرسي. قاله في
«العبر» .
وقال الشيخ عبد الرؤوف المناوي في «طبقات الأولياء» : علي أبو الحسن
الشاذلي السيد الشريف، من ذرية محمد بن الحسن، زعيم الطائفة الشاذلية،
نسبة إلى شاذلة قرية بإفريقية.
نشأ ببلده، فاشتغل بالعلوم الشرعية، حتّى أتقنها، وصار يناظر عليها، مع
كونه ضريرا، ثم سلك منهاج التصوف، وجدّ واجتهد، حتّى ظهر صلاحه وخيره،
وطار في فضاء الفضائل طيره، وحمد في طريق القوم سراه وسيره.
نظم فرقّق ولطّف، وتكلّم على الناس فقرّط الأسماع وشنّف، وطاف وجال،
ولقي الرّجال، وقدم إلى إسكندرية من المغرب، وصار يلازم ثغرها من الفجر
إلى المغرب، وينتفع الناس بحديثه الحسن وكلامه المطرب، وتحوّل إلى
الدّيار المصرية، وأظهر فيها طريقته المرضية، ونشر سيرته السرية، وله
أحزاب محفوظة وأحوال بعين العناية ملحوظة. قيل له من شيخك؟ فقال: أما
فيما مضى فعبد السّلام بن بشيش [1] . وأما الآن فإني أسقى من عشرة
أبحر، خمسة سماوية وخمسة أرضية.
ولما قدم إسكندرية كان بها أبو الفتح الواسطي، فوقف بظاهرها واستأذنه،
فقال: طاقية لا تسع رأسين، فمات أبو الفتح في تلك الليلة، وذلك لأن من
دخل بلدا على فقير بغير إذنه فمهما كان أحدهما أعلى سلبه أو قتله،
ولذلك ندبوا الاستئذان. وحجّ مرارا، ومات قاصدا الحجّ في طريقه.
قال ابن دقيق العيد: ما رأيت أعرف بالله منه، ومع ذلك آذوه وأخرجوه
بجماعته من المغرب، وكتبوا إلى نائب إسكندرية أنه يقدم عليكم مغربي
__________
[1] لم أقف على ترجمة له فيما بين يدي من المصادر والمراجع.
(7/482)
زنديق، وقد أخرجناه من بلدنا فاحذروه. فدخل
إسكندرية فآذوه، فظهرت له كرامات أوجبت اعتقاده.
ومن كلامه: كل علم تسبق إليك فيه الخواطر، وتميل النّفس، وتلتذ به فارم
به وخذ بالكتاب والسّنّة.
وكان إذا ركب تمشي أكابر الفقراء وأهل الدّنيا حوله، وتنشر الأعلام على
رأسه، وتضرب الكوسات [1] بين يديه، وينادي النّقيب أمامه بأمره له: من
أراد القطب الغوث فعليه بالشاذلي.
قال الحنفي: اطلعت على مقام الجيلاني والشّاذلي، فإذا مقام الشاذلي
أرفع.
ومن كلام الشاذلي: لولا لجام الشريعة على لساني لأخبرتكم بما يحدث في
غد وما بعده إلى يوم القيامة [2] .
وقد أفرد التّاج بن عطاء الله [3] مؤلفا حافلا لترجمته وكلامه.
مات- رحمه الله تعالى- بصحراء عيذاب [4] قاصدا للحجّ في أواخر ذي
القعدة، ودفن هناك. انتهى ملخصا.
وفيها سيف الدّين بن المشدّ، سلطان الشعراء، صاحب «الديوان» المشهور.
الأمير أبو الحسن علي بن عمر بن قزل التّركماني [5] .
__________
[1] قال الشيخ محمد أحمد دهمان رحمه الله في كتابه «معجم الألفاظ
التاريخية» ص (132) :
الكوسات: الطبول، وفسّرها بعضهم بأنها صنوج من نحاس شبه الترس الصغير.
[2] قلت: هذا الكلام وأمثاله من مبالغات الصّوفية وما أكثرها! ولا يعلم
الغيب إلّا الله وحده جلّ جلاله.
[3] هو أحمد بن محمد بن عطاء الله الإسكندري، سترد ترجمته في وفيات سنة
(709) من المجلد الثامن إن شاء الله تعالى.
[4] قال الزّبيدي في «تاج العروس» (عذب) : عيذاب، بالفتح بالصعيد،
ونسبت إليها الصحراء.
وانظر «الروض المعطار» للحميري ص (423- 424) .
[5] انظر «العبر» (5/ 233) و «عيون التواريخ» (20/ 120- 127) و «فوات
الوفيات» (3/ 51-
(7/483)
ولد سنة اثنتين وستمائة بمصر، وكان فاضلا،
كثير الخير والصدقات، ذا مروءة.
ومن شعره:
بشرى لأهل الهوى عاشوا به سعدا ... وإن يموتوا فهم من جملة الشّهدا
شعارهم رقّة الشّكوى ومذهبهم ... أن الضّلالة تيه [1] في الغرام هدى
عيونهم في ظلام اللّيل ساهرة ... عبرى وأنفاسهم تحت الدّجى صعدا
تجرّعوا كأس خمر الحبّ مترعة ... ظلّوا سكارى فظنّوا غيّهم رشدا
وعاسل القدّ معسول مقبّله ... كالغصن لما انثنى والبدر حين بدا
نادمته وثغور البرق باسمة ... والغيث ينزل منحلّا ومنعقدا
كأنّ جلّق حيّا الله ساكنها ... أهدت إلى الغور [2] من أزهارها مددا
فاسترسل الجوّ منهلّا يزيد على ... ثوري [3] ويعقد محلول النّدى بردى
ومن شعره أيضا:
بين الجفون مصارع العشّاق ... فخذوا حذاركم من الأحداق
فهي السّهام بل السّيوف وإنّها ... أمضى وأنكى في حشا المشتاق
توفي- رحمه الله- في تاسع المحرم بدمشق، ودفن بقاسيون.
وفيها النّشبيّ المحدّث شمس الدّين أبو الحسن علي بن المظفّر بن
__________
56) و «البداية والنهاية» (13/ 197- 198) و «النجوم الزاهرة» (7/ 64-
65) و «الأعلام» (4/ 315) .
قلت: وسمي بالمشدّ لأنه تولى شدّ الدواوين بمصر والشام كما في «فوات
الوفيات» و «النجوم الزاهرة» . ومعنى شدّ الدواوين: أن يكون صاحبها
رفيقا للوزير، متحدثا في استخلاص الأموال، وما في معنى ذلك. انظر «صبح
الأعشى» (4/ 22) .
[1] في «عيون التواريخ» : «فيه» .
[2] كذا في «آ» و «عيون التواريخ» : «إلى الغور» وفي «ط» : «إلى النور»
وهو خطأ.
[3] تحرفت في «عيون التواريخ» إلى «نور» فتصحح و «ثوري» أحد فروع نهر
بردى بدمشق.
(7/484)
القاسم الرّبعي النّشبيّ الدمشقي [1] ،
نائب الحسبة. سمع الكثير من الخشوعي، والقاسم بن عساكر، وخلق. وكان
فصيحا، طيّب الصوت بالقراءة، كتب الكثير، وكان يؤدّب ثم صار شاهدا.
توفي في ربيع الأول وقد جاوز التسعين.
وفيها الشيخ علي الخبّاز [2] الزاهد، أحد مشايخ العراق. له زاوية
وأتباع، وأحوال وكرامات.
وفيها ابن عوّه أبو حفص عمر بن أبي نصر بن أبي الفتح الجزري [3] ،
التّاجر السفّار العدل. حدّث بدمشق عن البوصيري، وتوفي في ذي الحجّة،
وكان صالحا.
وفيها الموفق بن أبي الحديد أبو المعالي، القاسم بن هبة الله بن محمد
بن محمد المدائني [4] المتكلم الأشعري، الكاتب المنشئ البليغ.
كان فقيها، أديبا، شاعرا، محسنا، مشاركا في أكثر العلوم. فمن شعره:
استر لثامك حتّى يستر اللّعس ... وقف ليبعد عن أعطافك الميس
إني أخاف على حسن حبيت به ... إصابة العين إنّ العين تختلس
يا غاصب الخشف أوصافا مكمّلة ... لم يبق للخشف إلّا السّوق والخنس
وفاضح البدر إنّ البدر مقتبس ... من التي هي من خدّيك تقتبس
معدّل الخلق لا طول ولا قصر ... مكمّل الخلق لا هين ولا شرس
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 233) ، و «سير أعلام النبلاء» (23/ 326) و «توضيح
المشتبه» (1/ 500) .
[2] انظر «العبر» (5/ 233) و «البداية والنهاية» (13/ 213) و «غربال
الزمان» ص (535) .
[3] انظر «العبر» (5/ 234) .
[4] انظر «وفيات الأعيان» (5/ 392) و «العبر» (5/ 234) و «سير أعلام
النبلاء» (23/ 274- 275 و 372) و «الوافي بالوفيات» (8/ 225- 226) و
«فوات الوفيات» (1/ 154- 155) .
(7/485)
حموه عن كلّ ما يشفى العليل به ... حتّى
على طيفه من شكله حرس
قد كنت أبصر صبحا في محبته ... فعاد وهو بعيني كلّه غلس
توفي ببغداد في رجب.
وفيها الإمام شعلة أبو عبد الله محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد ابن
الحسين الموصلي [1] الحنبلي المقرئ العلّامة، شارح «الشاطبية» . قرأ
القرآن على أبي الحسن علي بن عبد العزيز الإربلي وغيره، وتفقه، وقرأ
العربية، وبرع في الأدب والقراءات، وصنّف تصانيف كثيرة، ونظم الشعر
الحسن.
قال الذهبي: كان شابا، فاضلا، ومقرئا محقّقا، ذا ذكاء مفرط، وفهم ثاقب،
ومعرفة تامّة بالعربية واللغة، وشعره في غاية الجودة. نظم في الفقه،
وفي التاريخ، وغيره. ونظم كتاب «الشّمعة في القراءات السّبعة» وكان- مع
فرط ذكائه- صالحا، زاهدا، متواضعا. كان شيخنا التّقيّ المقصّاتي [2]
يصف شمائله وفضائله، ويثني عليه. وكان قد حضر بحوثه.
وقال ابن رجب: له تصانيف كثيرة، أكثرها في القراءات، منها «شرح
الشاطبية» وكتاب «الناسخ والمنسوخ» وكلامه فيه يدل على تحقيقه وعلمه،
وله كتاب «فضائل الأئمة الأربعة» .
ومن نظمه قوله:
دع عنك ذكر فلانة وفلان ... واجنب لما يلهي عن الرّحمن
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 234) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 360) و «الإعلام
بوفيات الأعلام» ص (274) و «معرفة القراء الكبار» (2/ 671- 672) و «ذيل
طبقات الحنابلة» (2/ 256- 258) و «غاية النهاية في طبقات القراء» (2/
80- 81) .
[2] هو شيخ القراء تقيّ الدّين أبو بكر ثابت بن محمد بن المشيّع
الجزريّ المقصّاتيّ، سترد ترجمته في وفيات سنة (713) من المجلد الثامن
إن شاء الله تعالى.
(7/486)
واعلم بأنّ الموت يأتي بغتة ... وجميع ما
فوق البسيطة فان
فإلى متى تلهو وقلبك غافل ... عن ذكر يوم الحشر والميزان؟
أتراك لم تك سامعا ما قد أتى ... في النّصّ بالآيات والقرآن؟
فانظر بعين الإعتبار ولا تكن ... ذا غفلة عن طاعة الدّيّان
واقصد لمذهب أحمد بن محمد ... أعني ابن حنبل الفتى الشّيباني
فهو الإمام مقيم دين المصطفى ... من بعد درس معالم الإيمان
أحيا الهدى وأقام في إحيائه ... متجرّدا للضرب غير جبان
تعلوه أسياط الأعادي وهو لا ... ينفكّ عن حقّ إلى بهتان
[ويقول عند الضّرب: لست بتابع ... يا ويحكم، لكم بلا برهان
ماذا أقول غدا لربّي إن أنا ... وافقتكم في الزّور والبهتان] [1]
وعدلت [2] عن قول النّبيّ وصحبه ... وجميع من تبعوه بالإحسان
أترون أني خائف من ضربكم ... لا والإله الواحد المنّان
كن حنبليّا ما حييت فإنّني ... أوصيك خير وصية الإخوان
ولقد نصحتك إن قبلت فأحمد ... زين الثّقات [3] وسيّد الفتيان
من ذا أقام كما [4] أقام إمامنا ... متجرّدا من غير ما أعوان
مستعذبا للمرّ في نصر الهدى ... متجرّعا لمضاضة السّلطان
وسلا بمهجته وبايع ربّه ... أن لا يطيع أئمة العدوان
وأقام تحت الضّرب حتّى إنه ... دحض الضّلال وفتنة الفتّان
وأتى برمح الحقّ يطعن في العدا ... أهل الضّلال وشرعة الشّيطان
__________
[1] ما بين الحاصرتين سقط من «آ» و «ط» و «المنتخب» لابن شقدة (176/ ب)
واستدركته من «ذيل طبقات الحنابلة» مصدر المؤلف.
[2] في «آ» و «ط» و «المنتخب» : «وعزلت» والتصحيح من «ذيل طبقات
الحنابلة» .
[3] في «آ» و «ط» : «زين التقاة» وما أثبته من «المنتخب» و «ذيل طبقات
الحنابلة» .
[4] في «آ» و «ط» : «ماذا أقام وقد ... » وفي «المنتخب» : «ماذا أقول
وقد ... » وما أثبته من «ذيل طبقات الحنابلة» مصدر المؤلف.
(7/487)
من ذا لقي [1] ما قد لقيه من الأذى ... في
ربّه من ساكني البلدان
فعلى ابن حنبل السّلام وصحبه ... ما ناحت الورقاء في الأغصان
إني لأرجو أن أفوز بحبّه ... وأنال في بعثي رضا الرّحمن
حمدا لربّي إذ هداني دينه ... وعلى شريعة أحمد أنشاني
واختار مذهب أحمد لي مذهبا ... ومن الهوى والغيّ قد أنجاني
من ذا يقوم من العباد بشكر ما ... أولاه سيّده من الإحسان
قال الذهبي: توفي في صفر بالموصل، وله ثلاث وثلاثون سنة، رحمه الله
تعالى.
وفيها الأديب الفاضل سعد الدّين محمد بن الشيخ محيي الدّين محمد بن
العربي الحاتمي الطّائي [2] .
ولد بملطية، وسمع الحديث، ودرّس. وله «ديوان» مشهور، وناب بدمشق.
ومن شعره في مليح رآه في الزيادة:
يا خليليّ في الزّيادة ظبي ... سلبت مقلتاه جفني رقاده
كيف أرجو السّلوّ عنه وطرفي ... ناظر حسن وجهه في الزّيادة
وله:
سهري من المحبوب أصبح مرسلا ... وأراه متّصلا بفيض مدامعي
قال الحبيب بأنّ ريقي [3] نافع ... فاسمع رواية مالك عن نافع
__________
[1] تحرفت في «ذيل طبقات الحنابلة» إلى «ماذا لقي» فتصحح.
[2] انظر «الوافي بالوفيات» (1/ 186- 188) و «فوات الوفيات» (3/ 267-
271) - وقد ذكر بأن وفاته كانت سنة (686) - و «نفح الطيب» (2/ 170) و
«الأعلام» (7/ 29) .
[3] في «آ» و «ط» : «ربعي» والتصحيح من «المنتخب» لابن شقدة (176/ ب) و
«الوافي بالوفيات» .
(7/488)
وله:
أشكو إلى الله علّام الخفيّات ... من جور ألحاظك المرضى الصحيحات
إن أنكرت هذه الأجفان ما صنعت ... سل عن دمي الوجنات العندميّات
روت لواحظها عن بابل خبرا ... ويلاه من سقم هاتيك الرّوايات
فيا جليسي بدا ما كنت أكتمه ... إنّ المجالس فاعلم بالأمانات
لله سرب ظباء من بني أسد ... حرّرت معهنّ أرباب المسرّات
حلّقت أحداقها بعدي وأوجهها ... كم من عيون تركناها وجنّات
توفي- رحمه الله تعالى- بدمشق، ودفن عند قبر أبيه بتربة بني الزّكي
بقاسيون.
وفيها ابن الجرح أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن عبد الرحمن الأنصاري
التّلمساني المالكيّ [1] نزيل الثّغر. كان من صلحاء العلماء، سمع بسبتة
«الموطأ» من أبي محمد بن عبيد الله الحجري [2] ، وتوفي في ذي القعدة،
عن ثنتين وتسعين سنة.
وفيها خطيب مردا الفقيه أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن أحمد بن أبي
الفتح المقدسي النّابلسي [الحنبلي [3] .
ولد بمردا سنة ست وستين وخمسمائة ظنّا، وتفقه بدمشق، وسمع من
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 234) و «حسن المحاضرة» (1/ 457) .
[2] تقدمت ترجمته في المجلد السادس صفحة (500) فراجعها.
[3] انظر «العبر» (5/ 235) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 325- 326) و
«الإعلام بوفيات الأعلام» ص (274) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 267) .
(7/489)
يحيى الثقفي] [1] وأحمد [بن] الموازييني،
وبمصر من البوصيري وغير واحد، وتوفي بمردا في أوائل ذي الحجّة.
وفيها الفاسيّ الإمام أبو عبد الله محمد بن حسن بن محمد بن يوسف
المغربي المقرئ [2] ، مصنف «شرح الشّاطبية» . قرأ على رجلين قرءا على
الشّاطبي، وكان فقيها، بارعا، متفنّنا، متين الدّيانة، جليل القدر،
تصدّر للإقراء بحلب مدة، وتوفي في ربيع الآخر.
وفيها الفقيه الزّاهد محيي الدّين أبو نصر محمد بن نصر بن عبد الرزاق
بن عبد القادر بن أبي صالح الحنبلي البغدادي [3] ، قاضي القضاة، عماد
الدّين. سمع من والده، ومن الحسن بن علي بن المرتضى العلوي، وغيرهما.
وطلب بنفسه، وقرأ وتفقّه. وكان عالما، ورعا، زاهدا، يدرّس بمدرسة جدّه
ويلازم الاشتغال بالعلم إلى أن توفي.
ولما ولي أبوه قضاء القضاة، ولّاه القضاء والحكم بدار الخلافة، فجلس في
مجلس الحكم مجلسا واحدا وحكم، ثم عزل نفسه ونهض إلى مدرستهم بباب
الأزج، ولم يعد إلى ذلك تنزّها عن القضاء وتورعا.
وسمع منه الدّمياطي الحافظ، وحدّث عنه، وذكره في «معجمه» وتوفي ليلة
الاثنين ثاني عشر شوال ببغداد، ودفن إلى جنب جدّه الشيخ عبد القادر
بمدرسته، وكانت وفاته بعد انقضاء الواقعة.
وفيها ابن صلايا، الصّاحب تاج الدّين، أبو المكارم، محمد بن نصر ابن
يحيى الهاشمي العلوي [4] ، نائب الخليفة بإربل. كان من رجال الدّهر
__________
[1] ما بين الحاصرتين سقط من «آ» وأثبته من «ط» .
[2] انظر «العبر» (5/ 235) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 361) و «معرفة
القراء الكبار» (2/ 668- 669) و «غاية النهاية» (2/ 122- 123) و «غربال
الزمان» ص (535) .
[3] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 265- 266) .
[4] انظر «العبر» (5/ 236) و «الوافي بالوفيات» (5/ 128- 129) .
(7/490)
عقلا، ورأيا، وهيبة، وعزما، وجودا، وسؤددا.
قتله هولاكو [1] في ربيع الآخر بقرب تبريز [2] .
وفيها الفاضل الأديب نور الدّين محمد بن محمد بن رستم الإسعردي [3]
الشاعر المشهور. كان قاضي القضاة ابن سني الدولة أجلسه تحت السّاعات
شاهدا، فحضر يوما عند السلطان صلاح الدّين يوسف فأعجبته عبارته، فجعله
نديما، وخلع عليه القباء والعمامة المذهبة، فأتى ثاني يوم بالعمامة
المذهبة والقباء وجلس تحت السّاعات بين الشهود، وكان الغالب عليه
المجون. وأفرد هزلياته في كتاب سماه «سلافة الزّرجون في الخلاعة
والمجون» [4] .
وفيها فتح الدّين محمد بن عبد الصّمد بن عبد الله بن حيدرة السّلمي [5]
. عرف بابن العدل، أحد الصّدور الأماثل. ولي حسبة دمشق إلى حين وفاته،
وكان موصوفا بالعفاف، وجدّه محيي الدّين هو باني المدرسة بالزّبداني،
وكان كثير البرّ والصدقة، له الأملاك الكثيرة، ودفن بسفح قاسيون.
وفيها ابن شقير [6] ، الشيخ عفيف الدّين أبو الفضل المرجّى بن
__________
[1] في «آ» و «ط» : «هلاكو» وفي «العبر» بطبعتيه: «هولاوو» .
[2] كذا في «ط» و «العبر» : «بقرب تبريز» وفي «آ» : «بتبريز» .
[3] انظر «الوافي بالوفيات» (1/ 188- 192) و «نكت الهميان» ص (255) و
«فوات الوفيات» (3/ 271- 276) و «البداية والنهاية» (13/ 212) وقد
تحرفت «الإسعردي» فيه إلى «الأشعري» فتصحح، و «عقد الجمان» (1/ 189) .
[4] قلت: ضمّنه هزليات من شعره، وضم إليها أشياء من نظم غيره. قال
الصّفدي.
[5] انظر «الوافي بالوفيات» (1/ 257- 258) و «عيون التواريخ» (20/ 202-
203) و «البداية والنهاية» (13/ 213) .
[6] كذا في «آ» و «ط» و «العبر» : «ابن شقير» وفي «سير أعلام النبلاء»
و «معرفة القراء الكبار» :
«ابن شقيرا» وفي «غاية النهاية» : «ابن شقيرة» .
(7/491)
الحسن بن هبة الله بن غزال الواسطي [1]
المقرئ التّاجر السفّار.
ولد سنة إحدى وستين وخمسمائة بواسط، وقرأ القراءات على أبي بكر ابن
الباقلّاني وأتقنها، وتفقه. وكان آخر من روى وحدّث عن أبي طالب
الكتّاني.
وذكر الفاروثي [2] أنّه عاش إلى حدود هذه السنة.
وفيها ابن الشّقيشقة المحدّث، نجيب الدّين أبو الفتح نصر الله بن أبي
العزّ مظفّر بن عقيل الشّيباني الدمشقي الصفّار [3] .
ولد بعد الثمانين وخمسمائة، وسمع من حنبل [4] ، وابن طبرزد، وخلق كثير.
وروى «مسند أحمد» . وكان أديبا، ظريفا، عارفا بشيوخ دمشق ومروياتهم،
لكن رماه أبو شامة بالكذب ورقة الدّين [5] . وكان جعله قاضي القضاة ابن
سني الدولة عاقدا تحت السّاعات، فقال فيه البهاء بن الدجّاجية:
جلس الشّقيشقة الشّقيّ ليشهدا ... بأبيكما ماذا عدا فيما بدا
هل زلزل الزّلزال أم قد أخرج الدّ ... جال أم عدموا الرّجال أولي الهدى
[6]
عجبا لمحلول العقيدة جاهل ... بالشّرع قد أذنوا له أن يعقدا
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 236) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 329- 330) و
«معرفة القراء الكبار» (2/ 656- 657) و «غاية النهاية» : (2/ 293) .
[2] تحرف في «آ» و «ط» إلى «الفاروي» والصواب ما أثبته، وهو أحمد بن
إبراهيم بن عمر الواسطي الشافعي الفاروثي، سترد ترجمته في وفيات سنة
(694) من هذا المجلد.
[3] انظر «ذيل الروضتين» ص (201) و «العبر» (5/ 236- 237) و «ميزان
الاعتدال» (4/ 254) و «عيون التواريخ» (20/ 205- 206) و «النجوم
الزاهرة» (7/ 68) .
[4] في «آ» : «سمع ابن حنبل» وهو خطأ وما أثبته من «ط» و «العبر» و
«ميزان الاعتدال» .
[5] انظر «ذيل الروضتين» ص (201) .
[6] رواية الشطرة الثانية من البيت في «ذيل الروضتين» :
أم عدم الرجال ذوو الهدى.
(7/492)
ولابن الشّقيشقة لغز في الواو والميم
والنّون، وهو:
أوّله آخره ... وبعضه جميعه
ثلاثة حروفه ... وواحد مجموعه
إن شئت أن تعكسه ... فلست [1] تستطيعه
توفي في جمادى الآخرة ووقف داره بدمشق دار حديث.
وفيها الصّرصري الشيخ العلّامة القدوة أبو زكريا يحيى بن يوسف ابن يحيى
الصّرصري [2] الأصل- نسبة إلى صرصر بفتح الصادين المهملتين، قرية على
فرسخين من بغداد- كان إليه المنتهى في معرفة اللّغة وحسن الشعر،
«وديوانه» ومدائحه سائرة [3] ، وكان حسّان وقته.
ولد سنة ثمان وثمانين وخمسمائة، وقرأ القرآن بالرّوايات على أصحاب ابن
عساكر البطائحي [4] . وسمع الحديث من الشيخ علي بن إدريس اليعقوبي
الزاهد، صاحبه الشيخ عبد القادر، وصحبه، وتسلّك به، ولبس منه الخرقة
وأجاز له الشيخ عبد المغيث الحربي وغيره، وحفظ الفقه واللغة، ويقال:
إنه كان يحفظ «صحاح» الجوهري بكمالها. وكان يتوقّد ذكاء،
__________
[1] علق الأستاذ حسام الدّين القدسي، رحمه الله تعالى،- ناشر الطبعة
السابقة من الكتاب- بقوله: لعل الصواب «فأنت» لأن هذه الحروف لا تتغير
إذا قرئت طردا وعكسا.
[2] انظر «العبر» (5/ 237) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (274) و «نكت
الهميان» ص (308) و «فوات الوفيات» (4/ 298- 319) و «ذيل طبقات
الحنابلة» (2/ 262- 263) .
[3] قال العلّامة الزركلي في «الأعلام» (8/ 177) : له ديوان صغير،
ومنظومات في الفقه وغيره، منها: قصيدة دالية في الفقه الحنبلي (2774)
بيتا، شرحها محمد بن أيوب التّاذفي في مجلدين، و «المنتقى من مدائح
الرسول صلى الله عليه وسلم» لعله المسمى «المختار من مدائح المختار» .
[4] هو علي بن عساكر بن المرحّب البطائحي، تقدمت ترجمته في المجلد
السادس صفحة (400) .
(7/493)
ويقال: إن مدائحه في النّبيّ- صلى الله
عليه وسلم- تبلغ عشرين مجلدا، وقد نظم في الفقه «مختصر الخرقي» و
«زوائد الكافي» ونظم في العربية، وفي فنون شتى وكان صالحا، قدوة، كثير
التّلاوة، عظيم الاجتهاد، صبورا، قنوعا، محبّا لطريقة الفقراء
ومخالطتهم. وكان يحضر معهم السماع ويرخص في ذلك، وكان شديدا في
السّنّة، منحرفا على المخالفين لها. وشعره مملوء بذكر أصول السّنّة
ومدح أهلها وذمّ مخالفيها.
قال ابن رجب: وكان قد رأى النّبيّ- صلى الله عليه وسلم- في منامه،
وبشّره بالموت على السّنّة. ونظم في ذلك قصيدة طويلة معروفة.
وسمع منه الحافظ الدّمياطي، وحدّث عنه، وذكره في «معجمه» .
ولما دخل التتار بغداد، كان الشيخ بها فلما دخلوا عليه قاتلهم وقتل
منهم بعكّازه نحو اثني عشر نفسا، ثم قتلوه شهيدا برباط الشيخ علي
الخبّاز، وحمل إلى صرصر فدفن بها.
وفيها محيى الدّين بن الجوزي، الصّاحب العلّامة سفير الخلافة أبو
المحاسن يوسف بن الشيخ أبي الفرج عبد الرّحمن بن علي بن محمد التيمي
الكبري البغدادي الحنبلي [1] ، أستاذ دار المستعصم بالله.
ولد سنة ثمانين وخمسمائة، وسمع من أبيه وذاكر بن كامل، وابن بوش،
وطائفة. وقرأ القرآن بواسط على ابن الباقلاني، وكان كثير المحفوظ، قويّ
المشاركة في العلوم، وافر الحشمة.
قال ابن رجب: قرأ القرآن بالروايات العشر على ابن الباقلّاني، وقد جاوز
العشر سنين من عمره، ولبس الخرقة من الشيخ ضياء الدّين بن سكينة.
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 237) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 372- 374) و
«الإعلام بوفيات الأعلام» ص (274) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 258-
261) و «عقد الجمان» (1/ 175) .
(7/494)
واشتغل بالفقه، والخلاف، والأصول. وبرع في
ذلك. وكان أشهر فيه من أبيه، ووعظ من صغره على قاعدة أبيه، وعلا أمره،
وعظم شأنه، وولي الولايات الجليلة ثم عزل عن جميع ذلك. وانقطع في داره
يعظ، ويفتي، ويدرّس. ثم أعيد إلى الحبسة.
وقال ابن السّاعي: ظهرت عليه آثار العناية الإلهية مذ كان طفلا، فعني
به والده، فأسمعه الحديث، ودرّبه في الوعظ، وبورك له في ذلك، وبانت
عليه آثار السعادة.
وتوفي والده وعمره سبع عشرة سنة، فكفلته والدة الإمام النّاصر، وتقدمت
له بالجلوس للوعظ على عادة والده عند تربتها، بعد أن خلعت عليه. فتكلم
بما بهر به الحاضرين، ولم يزل في ترقّ وعلوّ، كامل الفضائل، معدوم
الرّذائل، أرسله الخليفة إلى ملوك الأطراف فاكتسب مالا كثيرا، وأنشأ
مدرسة بدمشق، وهي المعروفة بالجوزية، ووقف عليها أوقافا كثيرة، ولم يزل
في ترقّ إلى أن قتل صبرا بسيف الكفّار شهيدا عند دخول هولاكو [1] إلى
بغداد بظاهر سور كلواذى، وقتل معه أولاده الثلاثة:
الشيخ جمال الدّين أبو الفرج عبد الرّحمن [2] ، وكان فاضلا، بارعا،
واعظا، له تصانيف. قتل وقد جاوز الخمسين.
وشرف الدّين عبد الله [3] ، ولي الحسبة أيضا، ثم تزهّد عنها ودرّس وتاج
الدّين عبد الكريم [4] . ولي الحسبة أيضا لما تركها أخوه ودرّس، وقتل
ولم يبلغ عشرين سنة.
__________
[1] في «آ» و «ط» : «هلاكو» .
[2] انظر «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (274) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/
261- 262) .
[3] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 262) .
[4] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 262) .
(7/495)
ومن مصنفات يوسف المذكور [1] «معادن
الإبريز في تفسير الكتاب العزيز» ، و «المذهب الأحمد في مذهب أحمد» ، و
«الإيضاح في الجدل» .
وسمع منه [2] خلق، منهم الحافظ الدّمياطي.
__________
[1] رجع المؤلف إلى الكلام على «يوسف بن عبد الرحمن بن الجوزي» .
[2] في «آ» و «ط» : «منهم» والتصحيح من «ذيل طبقات الحنابلة» .
(7/496)
سنة سبع وخمسين
وستمائة
فيها دخل هولاكو [1] ديار بكر قاصدا حلب، ونزل على آمد، وأرسل يطلب
الملك السعيد صاحب ماردين، فسيّر إليه ولده، وقاضي البلد مهذّب الدّين
محمد بن مجلّي بهدية واعتذر أنه ضعيف، فلم يقبل منه، وقبض على ولده.
وسيّر إلى الملك يستحثه، فعظمت الأراجيف [2] وعدوا الفرات، وخرج أهل
الشّام جافلين منهم، وخرج الملك النّاصر بعساكره لملتقى التتار، فنزل
على برزة [3] ، واجتمع إليه أمم عظيمة، من عرب، وعجم، وأكراد مطوّعة.
وكان هولاكو [4] قد قدم في خلق لا يعلمهم إلا الله تعالى، فنزل على
حرّان، وسيّر ولده أشموط إلى الشام، فوصل إلى حلب وبها بوران شاه بن
السلطان صلاح الدّين، وكانت في غاية التحصين، فنزل التتار على السليمة.
[5] وامتدوا إلى حيلان [6] ، فخرج عسكر حلب ومعهم خلق، فولّت التتار
منهم مكرا
__________
[1] في «آ» و «ط» : «هلاكو» وفي «العبر» : «هولاوو» .
[2] الأراجيف: جمع إرجاف، وهي الأخبار. انظر «مختار الصحاح» (رجف) .
[3] برزة: قرية صغيرة إلى الشمال الشرقي من دمشق، تحولت في أيامنا إلى
بلدة صغيرة. انظر «معجم البلدان» (1/ 382- 383) .
[4] في «آ» و «ط» : «هلاكو» .
[5] في «آ» : «إلى المسلمية» وهو خطأ.
[6] تصحفت في «آ» و «ط» إلى «جيلان» والتصحيح من «النجوم الزاهرة» (7/
75) . قال ياقوت في «معجم البلدان» (2/ 332) : حيلان: من قرى حلب،
تخرّج منها عين فوّارة كثيرة الماء تسيح إلى حلب وتدخل إليها في قناة
وتتفرق إلى الجامع وإلى جميع مدينة حلب.
(7/497)
وخديعة، فتبعهم العسكر والعوام، فرجعوا
عليهم فانكسر المسلمون، وتبعوهم إلى أبواب حلب يقتلون ويأسرون، ونزل
التتار بظاهر حلب وهي مغلّقة الأبواب.
وفيها توفي نجم الدّين أبو إسحاق وأبو طاهر إبراهيم بن محاسن بن عبد
الملك بن علي بن منجّا التّنوخي الحموي ثم الدمشقي [1] الفقيه الحنبلي
الأديب الكاتب. سمع من ابن طبرزد، والكندي، وغيرهما.
توفي في العشر الأواخر من المحرم بتل ناشّر من أعمال حلب، ودفن به،
رحمه الله.
وفيها الشيخ مجد الدّين أبو العباس أحمد بن علي بن أبي غالب الإربلي
النّحوي الحنبلي [2] المعدّل. سمع بإربل من محمد بن هبة الله [بن الكرم
الصّوفي] ، وسكن دمشق، وحدّث بها، واشتغل مدة في العربية بالجامع. وقرأ
عليه جماعة من الأصحاب وغيرهم، منهم: الفخر البعلبكي، وابن الفركاح،
وتوفي في نصف صفر بدمشق.
وفيها الرئيس صدر الدّين أبو الفتح أسعد بن عثمان بن المنجّا التّنوخي
الدمشقي الحنبلي [3] واقف المدرسة الصّدرية بدمشق، ودفن بها.
ولد سنة ثمان وتسعين وخمسمائة بدمشق، وسمع بها من حنبل، وابن طبرزد.
وحدّث. وكان أحد المعدّلين ذوي الأموال والثروة والصدقات، وولي نظر
الجامع مدة، وثمّر له أموالا كثيرة، واستجدّ في ولايته أمورا.
توفي في تاسع عشر شهر رمضان.
__________
[1] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 267- 268) .
[2] انظر «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 268) وما بين الحاصرتين مستدرك منه.
[3] انظر «العبر» (5/ 239) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 375) و «الإعلام
بوفيات الأعلام» ص (274) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 268) و «النجوم
الزاهرة» (7/ 71) .
(7/498)
وفيها ابن تامتّيت [1] أبو العبّاس أحمد بن
محمد بن الحسن اللّواتي الفاسي [2] المحدّث المعمّر، نزيل القاهرة. كان
صالحا، عالما، خيرا. روى بالإجازة العامّة عن أبي الوقت [السّجزي] .
قال الشريف عز الدّين: مولده فيما بلغنا في المحرّم سنة ثمان وأربعين
وخمسمائة، وتوفي في رابع المحرّم، رحمه الله.
وفيها أبو الحسين بن السرّاج، المحدّث الكبير، مسند المغرب، أحمد بن
محمد بن أحمد بن عبد الله الأنصاري الإشبيلي [3] .
ولد سنة ستين وخمسمائة، وسمع من ابن بشكوال، وعبد الله بن زرقون،
وطائفة. وتفرّد في زمانه. وكانت الرحلة إليه بالمغرب، وتوفي في سابع
صفر.
وفيها ابن اللّمط شمس الدّين أبو محمد عبد الله بن يوسف الجذامي المصري
[4] .
رحل مع ابن دحية، وسمع من أبي جعفر الصيدلاني، وعبد الوهاب بن سكينة،
وتوفي في ربيع الآخر، وله خمس وثمانون سنة.
وفيها صاحب الموصل الملك الرّحيم بدر الدّين لؤلؤ الأرمني
__________
[1] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «تاميت» وتحرفت في «العبر» بطبعتيه إلى «ما
متّيت» فتصحح. قال الصفدي في «الوافي بالوفيات» : تامتّيت: بتاء ثالثة
الحروف ومثلها بعد الميم مشدّدة ومثلها بعد الياء آخر الحروف.
[2] انظر «العبر» (5/ 238) و «الوافي بالوفيات» (7/ 384) و «مرآة
الجنان» (4/ 148) .
[3] انظر «العبر» (5/ 239) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (275) و «سير
أعلام النبلاء» (23/ 331- 332) و «النجوم الزاهرة» (7/ 71) .
[4] انظر «العبر» (5/ 239) .
(7/499)
الأتابكي [1] مملوك نور الدّين أرسلان شاه
بن عز الدّين مسعود، صاحب الموصل. كان مدبّر دولة أستاذه ودولة ولده
القاهر مسعود، فلما مات القاهر سنة خمس عشرة وستمائة، أقام بدر الدّين
ولد القاهر صورة، وبقي أتابكه مدة، ثم استقلّ بالسلطنة، وكان صارما،
شجاعا، مدبّرا، خبيرا. توفي في شعبان، وقد نيّف على الثمانين، وانخزم
[2] نظام بلده من بعده.
ومنها ابن الشّيرجي الصّدر نجم الدّين مظفّر بن محمد بن إلياس الأنصاري
الدمشقي [3] . ولي تدريس العصرونية والوكالة، وحدّث عن الخشوعي وجماعة،
وولي أيضا الحسبة ونظر الجامع، وتوفي في آخر السنة.
وفيها العدل بهاء الدّين محمد بن مكّي القرشي الصّالحي، عرف بابن
الدّجاجيّة [4] . كان فاضلا، وله نظم جيد [5] .
وفيها الشيخ يوسف القمّيني المولّه [6] .
قال الذهبي في «العبر» الذي تعتقده العامة أنه وليّ الله [7] ، وحجّتهم
الكشف والكلام على الخواطر. وهذا شيء يقع من الكاهن والرّاهب والمجنون
الذي له قرين من الجنّ، وقد كثر هذا في عصرنا، والله المستعان.
وكان يوسف يتنجّس ببوله ويمشي حافيا ويأوي أقميم [8] حمّام نور الدّين
ولا يصلي. انتهى.
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 240) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 356- 358) .
[2] تحرفت في «ط» إلى «وانخرط» .
[3] انظر «العبر» (5/ 240) و «الدارس في تاريخ المدارس» (1/ 403) .
[4] انظر «الوافي بالوفيات» (5/ 58- 59) و «النجوم الزاهرة» (7/ 71) .
[5] انظر نموذجا من شعره في ص (492) من هذا المجلد.
[6] انظر «ذيل الروضتين» ص (202) و «العبر» (5/ 240) و «سير أعلام
النبلاء» (23/ 302- 303) و «البداية والنهاية» (13/ 216) وعنده «كان
يعرف بالأقميني» .
[7] في «العبر» بطبعتيه: «أنه وليّ» .
[8] في «العبر» بطبعتيه: «قمين» .
(7/500)
وقال ابن شهبة في «تاريخ الإسلام» : كان
يأوي القمامين والمزابل، وغالب إقامته بإقميم حمّام نور الدّين بسوق
القمح [1] ، وكان يلبس ثيابا طوالا تكنس الأرض، ولا يلتفت إلى أحد
والناس يعتقدون فيه الصلاح، ويحكون عنه عجائب وغرائب، ودفن بتربة
المولّهين بسفح قاسيون، ولم يتخلف عن جنازته إلّا القليل. انتهى.
__________
[1] قلت: المعروف أن حمّام نور الدّين يقع في سوق البزوريين أو ما يعرف
في أيامنا بسوق البزورية وقد رقّم حديثا. انظر «عدة الملمات في تعداد
الحمّامات» ضمن كتاب «رسائل دمشقية» لابن المبرد ص (38) بتحقيق الأستاذ
صلاح محمد الخيمي، طبع دار ابن كثير.
(7/501)
سنة ثمان وخمسين
وستمائة
في المحرّم قطع هولاكو [1] الفرات، ونهب نواحي حلب، وأرسل متوليها
توران شاه [2] ابن السلطان صلاح الدّين بأنكم تضعفون عنّا ونحن نقصد
سلطانكم النّاصر. فاجعلوا لنا عندكم شحنة بالقلعة وشحنة بالبلد، فإن
انتصر علينا النّاصر فاقتلوا الشحنتين أو أبقوهما، وإن انتصرنا فحلب
والبلاد لنا، وتكونون آمنين. فأبى عليه توران شاه [2] ، فنزل على حلب
في ثاني صفر فلم يصبح عليهم الصباح إلّا وقد حفروا عليهم خندقا عمق
قامة، وعرض أربعة أذرع، وبنوا حائطا ارتفاع خمسة أذرع، ونصبوا عشرين
منجنيقا، وألحوا بالرّمي، وشرعوا في نقب السّور.
وفي تاسع صفر ركبوا الأسوار [3] ووضعوا السيف يومهم ومن الغد واحتمى
[4] في حلب أماكن [سلم] فيها نحو خمسين ألفا، واستتر خلق. وقتل أمم لا
يحصون، وبقي القتل والسبيّ خمسة أيام. ثم نودي برفع السيف، وأذّن
المؤذّن يومئذ يوم الجمعة بالجامع، وأقيمت الجمعة بأناس، ثم أحاطوا
بالقلعة وحاصروها.
__________
[1] في «آ» و «ط» : «هلاكو» .
[2] في «آ» و «ط» : «بوران شاه» والتصحيح من «العبر» وانظر «وفيات
الأعيان» (1/ 306) .
[3] في «ط» : «ركبوا للأسوار» وهو خطأ.
[4] في «العبر» : «وأحمى» .
(7/502)
ووصل الخبر يوم السبت إلى دمشق، فهرب
النّاصر، ودخلت يومئذ رسل هولاكو [1] ، وقرئ الفرمان بأمان دمشق.
ثم وصل نائب هولاكو، فتلقاه الكبراء، وحملت أيضا مفاتيح حماة إلى
هولاكو، وسار صاحبها والنّاصر إلى نحو غزّة، وعصت قلعة دمشق، فحاصرتها
التتار وألحّوا بعشرين منجنيقا على برج الطارمة فتشقق، وطلب أهلها
الأمان، فأمّنهم [2] وسكنها النائب كتبغا، وتسلّموا بعلبك وقلعتها،
وأخذوا نابلس ونواحيها بالسيف، ثم ظفروا بالملك، وأخذوه بالأمان وساروا
به إلى هولاكو [3] ، فرعى له مجيئه، وبقي في خدمته أشهرا، ثم قطع
الفرات راجعا، وترك بالشام فرقة من التتار.
وأما المصريّون فتأهبوا وشرعوا في المسير من نصف شعبان، وثارت النصارى
بدمشق، ورفعت رؤوسها، ورفعوا الصليب، ومرّوا به، وألزموا النّاس
بالقيام له من حوانيتهم في الثاني والعشرين من رمضان، ووصل جيش الإسلام
وعليهم الملك المظفّر، وعلى مقدمته [4] ركن الدّين البندقداري، فالتقى
الجمعان على عين جالوت غربي بيسان، ونصر الله دينه، وقتل في المصافّ
مقدّم التتار كتبغا وطائفة من أمراء المغول، ووقع بدمشق النّهب والقتل
في النصارى، وأحرقت كنيسة مريم، وعيّد المسلمون على خير عظيم، وساق
البندقداري وراء التتار إلى حلب، وخلت من القوم الشام، وطمع البندقداري
في أخذ حلب، وكان وعده بها المظفّر، ثم رجع، فتأثّر وأضمر [5] الشرّ،
فلما رجع المظفّر بعد شهر إلى مصر مضمرا للبندقداريّ
__________
[1] في «آ» و «ط» : «هلاكو» .
[2] في «العبر» : «فأمنوهم» .
[3] في «آ» و «ط» : «هلاكو» .
[4] في «العبر» : «وعلى مقدمتهم» .
[5] في «آ» و «ط» : «وأضمن» وما أثبته من «العبر» .
(7/503)
الشّرّ، فوافق ركن الدّين على مراده عدّة
أمراء. وكان الذي ضربه بالسيف فحلّ كتفه بكتوت الجوكندار المعزّي [1]
ثم رماه بهادر المعزّيّ [1] بسهم قضى عليه، وذلك يوم سادس عشر ذي
القعدة بقرب قطية [2] وتسلطن ركن الدّين البندقداري الملك الظّاهر
بيبرس.
وفي آخر السنة كرّت التتار على حلب، واندفع عسكرها بين أيديهم، فدخلوا
إليها وأخرجوا من بها ووضعوا فيهم السّيف.
وفيها توفي ابن سني الدولة قاضي القضاة صدر الدّين أبو العبّاس أحمد بن
يحيى بن هبة الله بن الحسن الدمشقي الشافعي [3] .
ولد سنة تسعين وخمسمائة، وسمع من الخشوعي وجماعة، وتفقّه على أبيه قاضي
القضاة شمس الدّين، وعلى فخر الدّين بن عساكر، وقلّ من نشأ مثله في
صيانته وديانته واشتغاله، ناب عن أبيه، وولي وكالة بيت المال، ودرّس
بالإقبالية وغيرها، ثم استقلّ بمنصب القضاء مدة، ثم عزل واستمر على
تدريس الإقبالية والجاروخية، وقد درّس بالعادلية الكبيرة والناصرية،
وهو أول من درّس بها، وخرّج له الحافظ الدّمياطي «معجما» .
قال الذهبي: وكان مشكور السيرة في القضاء، لين الجانب، حسن المداراة
والاحتمال، رجع من عند هولاكو [4] متمرضا فأدركه الموت ببعلبك في جمادى
الآخرة، وله ثمان وستون سنة.
__________
[1] في «آ» و «ط» : «المغربي» والتصحيح من «العبر» .
[2] انظر «معجم البلدان» (4/ 378) .
[3] انظر «العبر» (5/ 244) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (275) و
«طبقات الشافعية الكبرى» (8/ 41) و «البداية والنهاية» (13/ 224) و
«طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (2/ 126) .
[4] في «آ» و «ط» : «هلاكو» .
(7/504)
وفيها نجيب الدّين أبو إسحاق إبراهيم بن
خليل الدّمشقي الأدمي [1] .
ولد سنة خمس وسبعين وخمسمائة، وسمّعه أخوه من عبد الرحمن [بن علي]
الخرقي، ويحيى الثّقفي، وجماعة. وحدّث بدمشق وحلب، وعدم بها في صفر.
وفيها أبو طالب تمّام السّروري بن أبي بكر بن أبي طالب الدمشقي الجندي
[2] .
ولد سنة سبع وسبعين وخمسمائة، وسمع من يحيى الثّقفي، وتوفي في رجب.
وفيها الملك المعظّم أبو المفاخر [ابن السلطان الكبير] صلاح الدّين
توران شاه [3] .
ولد سنة سبع وسبعين وخمسمائة، وسمع من يحيى الثّقفي، وابن صدقة
الحرّاني، وأجاز له عبد الله بن برّي، وكان كبير البيت الأيوبي. وكان
السلطان يجلّه ويتأدّب معه. سلّم قلعة حلب لمّا عجز بالأمان، وأدركه
الموت إثر ذلك، فتوفي في ربيع الأول، وله ثمانون سنة.
وفيها الملك السعيد حسن بن العزيز عثمان بن العادل [4] صاحب الصّبيبة
وبانياس. تملّك سنة إحدى وثلاثين بعد أخيه الملك الظّاهر إلى سنة
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 244) - وما بين الحاصرتين زيادة منه- و «الإعلام
بوفيات الأعلام» ص (275) .
[2] انظر «سير أعلام النبلاء» (23/ 340) و «العبر» (5/ 244) وقد تحرفت
«السّروري» فيه وفي طبعة بيروت منه إلى «المسروي» فتصحح.
[3] انظر «العبر» (5/ 245) - وما بين الحاصرتين مستدرك منه- و «سير
أعلام النبلاء» (23/ 340) و «عقد الجمان» (1/ 277) .
[4] انظر «العبر» (5/ 245- 246) و «عقد الجمان» (1/ 277) .
(7/505)
بضع وأربعين، فأخذ الصّبيبة منه الملك
الصّالح وأعطاه إمرة مصر، فلما قتل المعظّم بن الصّالح، ساق إلى غزّة
وأخذ ما فيها، وأتى [1] الصّبيبة، فتسلّمها، فلما تملّك الملك النّاصر
دمشق، قبض عليه وسجنه بإلبيرة [2] ، فلما أخذ هولاكو [3] البيرة أحضر
إليه بقيوده، فأطلقه وخلع عليه، وسلّم إليه الصّبيبة، وبقي في خدمة
كتبغا بدمشق، وكان بطلا شجاعا، قاتل يوم عين جالوت، فلما انهزمت التتار
جيء به إلى الملك المظفّر فضرب عنقه [4] .
وفيها المحبّ عبد الله بن أحمد بن أبي بكر محمد بن إبراهيم السّعدي
المقدسي الصّالحي [5] الحنبلي المحدّث. مفيد الجبل. روى عن الشيخ
الموفق، وابن البنّ، وابن الزّبيدي، ورحل إلى بغداد، فسمع من القبيطي،
وابن الفخّار، وطبقتهما. وكتب الكثير، وعني بالحديث أتمّ عناية.
وأكثر السّماع والكتابة. وتوفي في ثاني عشري جمادى الآخرة، وله أربعون
سنة.
وفيها ابن الخشوعي أبو محمد عبد الله بن بركات بن إبراهيم الدمشقي [6]
. سمع من يحيى الثّقفي وأبيه، وعبد الرزاق النّجار. وأجاز له السّلفي
وطائفة، وتوفي في أواخر صفر.
وفيها العماد عبد الحميد بن عبد الهادي بن يوسف المقدسي
__________
[1] في «ط» : «وأخذ» وما جاء في «آ» موافق لما في «العبر» مصدر المؤلف.
[2] البيرة: بلد على شاطئ الفرات من أرض الجزيرة فوق جسر منبج. انظر
«مراصد الاطلاع» .
[3] في «آ» و «ط» : «هلاكو» .
[4] زاد العيني في «عقد الجمان» : لأنه كان قد لبس سراقوج- لباس الرأس
عند التتار- فناصحهم.
[5] انظر «العبر» (5/ 246) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 375- 376) و
«الإعلام بوفيات الأعلام» ص (275) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 268-
269) .
[6] انظر «العبر» (5/ 246) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 343) و «عيون
التواريخ» (20/ 237) وقد تحرفت «عبد الله» فيه إلى «عبد الرحمن» ، و
«النجوم الزاهرة» (7/ 91) .
(7/506)
الجمّاعيلي الحنبلي الصّالحي [1] المؤدّب.
سمع من يحيى الثّقفي، وأحمد ابن الموازيني، وجماعة. وتوفي في ربيع
الأول.
وفيها ابن العجمي أبو طالب عبد الرحمن بن عبد الرحيم بن عبد الرحمن بن
الحسن الحلبي الشّافعي [2] .
روى عن يحيى الثّقفي، وابن طبرزد. ودرّس وأفتى. عذّبه التتار على المال
حتّى هلك في الرابع والعشرين من صفر.
وفيها الملك المظفّر سيف الدّين قطز [3] ، أحد مماليك المعزّ أيبك
التّركماني، صاحب مصر. كان بطلا، شجاعا، حازما. كسر التتار كسرة جبر
بها الإسلام، فجزاه الله عن الإسلام خيرا، ولم يخلّف ولدا ذكرا.
حكى الأمير البركة خاني [4] قال: كان المظفّر خشداشي [5] عند الهيجاوي،
وكان عليه قمل كثير، فكنت أسرّحه، وكلما قتلت قملة آخذ منه فلسا أو
أصفعه، فبينا أنا أسرّحه ذات يوم، قلت: والله أشتهي إمرة خمسين.
فقال لي: طيّب قلبك، أنا أعطيك إمرة خمسين، فصفعته وقلت: ويلك، أنت
تعطيني إمرة خمسين! قال: نعم، فصفعته. فقال لي: أيش يلزم لك [6] إلّا
إمرة خمسين، وأنا والله أعطيك ذلك. فقلت له: وكيف ذلك؟ قال: أنا
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 246- 247) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 339- 341)
و «الوافي بالوفيات» (18/ 83) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (275) .
[2] انظر «العبر» (5/ 247) و «سير أعلام النبلاء» (13/ 348- 349) و
«البداية والنهاية» (13/ 225) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (1/ 440) .
[3] انظر «ذيل الروضتين» ص (210) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 200- 201)
و «العبر» (5/ 247) و «البداية والنهاية» (13/ 225- 226) .
[4] في «آ» و «ط» و «المنتخب» : «البردجاني» ، والتصحيح من «عيون
التواريخ» (20/ 241) و «النجوم الزاهرة» (7/ 88) .
[5] قال الشيخ محمد أحمد دهمان رحمه الله في كتابه «معجم الألفاظ
التاريخية» ص (68- 69) : الخشداش: لفظ فارسيّ معناه الزميل في الخدمة،
والخشداشية: هم الأمراء الذين نشؤوا مماليك عند سيد واحد.
[6] في «آ» و «ط» : «أيش عليك لك» وما أثبته من «النجوم الزاهرة» .
(7/507)
أملك الدّيار المصرية وأكسر التتار وأعطيك
الذي طلبت، فقلت له: أنت مجنون بقملك تملك الدّيار المصرية؟ قال: نعم.
رأيت النّبيّ- صلى الله عليه وسلم- في النّوم، فقال لي: «أنت تملك مصر
وتكسر التتار» وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم حقّ لا شكّ فيه، وجرى
ذلك.
وقال له منجم بمصر، وللملك الظّاهر بيبرس بعد أن اختبر نجم كل واحد
منهما، فقال للملك المظفّر: أنت تملك مصر وتكسر التتار، فاستهزؤوا به.
وقال للملك الظاهر: وأنت أيضا تملك الدّيار المصرية وغيرها، فاستهزؤوا
به. فكان كما قال. وهذا من عجيب الاتفاق.
وكان المظفّر بطلا، شجاعا ديّنا، مجاهدا، انكسرت التتار على يديه
واستعاد منهم الشام. وكان أتابك الملك المنصور علي ولد أستاذه، فلما
رآه لا يغني شيئا عزله، وقام في السلطنة. وكان شابّا، أشقر، وافر
اللّحية.
ذكر أنه قال أنا محمود بن ممدود ابن أخت السلطان خوارزم شاه، وأنه كان
مملوكا لتاجر في القصاعين بمصر.
وفيها شيخ الإسلام أبو عبد الله محمد بن أبي الحسين أحمد بن عبد الله
بن عيسى اليونيني الحنبلي الحافظ [1] .
ولد سنة اثنتين وسبعين وخمسمائة بيونين، ولبس الخرقة من الشيخ عبد الله
البطائحي عن الشيخ عبد القادر، وربّاه الشيخ عبد الله اليونيني، وتفقه
على الشيخ الموفق. وسمع من الخشوعي، وحنبل. وكان يكرر على الجمع بين
«الصحيحين» وعلى أكثر «مسند أحمد» ونال من الحرمة والتقدم ما لم ينله
أحد. وكانت الملوك تقبّل يده وتقدم مداسه. وكان إماما، علّامة، زاهدا،
خاشعا لله، قانتا له، عظيم الهيبة، منوّر الشّيبة، مليح الصّورة، حسن
السّمت والوقار، صاحب كرامات وأحوال.
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 248) و «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 269- 273) .
(7/508)
قال ولده موسى قطب الدّين، صاحب «التاريخ»
المشهور [1] : حفظ والدي «الجمع بين الصحيحين» وأكثر «مسند الإمام
أحمد» وحفظ «صحيح مسلم» في أربعة أشهر، وحفظ سورة الأنعام في يوم واحد،
وحفظ ثلث «مقامات الحريري» في بعض يوم.
وقال عمر بن الحاجب الحافظ: لم ير في زمانه مثل نفسه في كماله وبراعته،
جمع بين الشريعة والحقيقة، وكان حسن الخلق والخلق، نفّاعا [للخلق] [2]
، مطرحا للتكلف. وكان يحفظ في الجلسة الواحدة ما يزيد على سبعين حديثا.
وكان لا يرى إظهار الكرامات ويقول: كما أوجب الله تعالى على الأنبياء
إظهار المعجزات أوجب على الأولياء إخفاء الكرامات.
ويروى عن الشيخ عثمان [3] ، شيخ دير ناعس- وكان من أهل الأحوال- قال:
قطب الشيخ الفقيه ثمان عشرة سنة. وتزوّج ابنة الشيخ عبد الله اليونيني،
وهي أول زوجاته. وروى عنه ابناه أبو الحسين الحافظ، والقطب المؤرّخ،
وغيرهما.
وتوفي ليلة تاسع عشر رمضان ببعلبك، ودفن عند شيخه عبد الله اليونيني،
رحمة الله عليهما.
وفيها الأكّال الشيخ محمد بن خليل الحوراني ثم الدّمشقي [4] .
عاش ثمانيا وخمسين سنة، وكان صالحا، خيّرا، مؤثرا، لا يأكل لأحد شيئا
إلّا بأجرة، وله في ذلك حكايات.
__________
[1] انظر «ذيل مرآة الزمان» (1/ 38- 71) طبع حيدرآباد.
[2] مستدركة من «ذيل طبقات الحنابلة» .
[3] تقدمت ترجمته في وفيات سنة (650) ص (436) من هذا المجلد فراجعها.
[4] انظر «العبر» (5/ 248) «الوافي بالوفيات» (3/ 49- 50) و «فوات
الوفيات» (3/ 351- 352) و «عيون التواريخ» (20/ 245) .
(7/509)
وفيها ابن الأبّار الحافظ العلّامة أبو عبد
الله محمد بن عبد الله القضاعي الأندلسي البلنسي [1] ، الكاتب الأديب،
أحد أئمة الحديث. قرأ القراءات، وعني بالأثر، وبرع في البلاغة والنظم
والنثر. وكان ذا جلالة ورئاسة. قتله صاحب تونس ظلما في العشرين من
المحرّم، وله ثلاث وستون سنة.
وفيها أبو عبد الله محمد بن عبد الهادي بن يوسف بن محمد بن قدامة
المقدسي الجمّاعيلي الحنبلي [2] . سمع من محمد بن حمزة بن أبي الصقر،
وعبد الرزاق النجّار، ويحيى الثّقفي، وغيرهم. وكان آخر من روى بالإجازة
عن شهدة، وهو شيخ صالح متعفف، تال لكتاب الله تعالى، يؤمّ بمسجد ساوية
[3] من عمل نابلس، فاستشهد على يد التتار في جمادى الأولى، وقد نيّف
على التسعين. قاله الذهبي.
وفيها الملك الكامل ناصر الدّين محمد بن الملك المظفّر شهاب الدّين
غازي بن العادل [4] ، صاحب ميّافارقين. ملك سنة خمس وأربعين وستمائة،
وكان عالما، فاضلا، شجاعا، عادلا، محسنا إلى الرعية. ذا عبادة وورع،
ولم يكن في بيته من يضاهيه، حاصرته التتار عشرين شهرا حتى فني أهل
البلد بالوباء والقحط، ثم دخلوا وأسروه، فضرب هولاكو [5] عنقه بعد
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 248) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 336- 339) و
«الإعلام بوفيات الأعلام» ص (275) .
[2] انظر «العبر» (5/ 249) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 342- 343) و
«الوافي بالوفيات» (4/ 61) .
[3] قال الأستاذ الفاضل محمد محمد شرّاب في كتابه القيم «معجم بلدان
فلسطين» ص (442) :
السّاوية: قرية تقع جنوب شرقي نابلس على بعد ثمانية عشر كيلو مترا
منها.
[4] انظر «العبر» (5/ 249- 250) و «الوافي بالوفيات» (4/ 306- 307) .
[5] في «آ» و «ط» : «هلاكو» .
(7/510)
أخذ حلب، وطيف برأسه، ثم علّق رأسه [1] على
باب الفراديس، ثم دفنه المسلمون بمسجد الرأس داخل الباب.
قال الذّهبيّ: بلغني أنّ التتار دخلوا البلد- أي ميّافارقين- فوجدوا به
سبعين نفسا بعد ألوف كثيرة.
وفيها الضّياء القزويني الصّوفي، أبو عبد الله محمد بن أبي القاسم بن
محمد [2] .
ولد سنة اثنتين وسبعين وخمسمائة بحلب، وروى عن يحيى الثّقفي.
وفيها الشيخ الزّاهد الكبير أبو بكر [3] بن قوام بن علي بن قوام
البالسي.
كان زاهدا، عابدا، قدوة، صاحب حال وكشف وكرامات. وله زاوية وأتباع.
ولد سنة أربع وثمانين وخمسمائة، وتوفي في سلخ رجب من هذه السنة ببلاد
حلب، ثم نقل تابوته ودفن بجبل قاسيون في أول سنة سبعين وستمائة، وقبره
ظاهر يزار. قاله الذهبي.
وقال غيره [4] : كان شافعيّ المذهب، أشعريّ العقيدة.
ولد بمشهد صفّين، ثم انتقل إلى مدينة بالس، وصفين وبالس غربي الفرات،
وببالس نشأ. وقد ألّف حفيده الشيخ محمد بن عمر بن الشيخ أبي
__________
[1] لفظة «رأسه» لم ترد في «ط» .
[2] انظر «العبر» (5/ 250) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 349- 350) .
[3] كذا ذكره بكنية الذهبي في «العبر» (5/ 250) والسّبكي في «طبقات
الشافعية الكبرى» (8/ 401- 418) واليونيني في «ذيل مرآة الزمان» (1/
392- 411) وابن طولون في «القلائد الجوهرية» (1/ 292) .
[4] يريد الحافظ السّبكي لأنه ترجم له في كتابه «طبقات الشافعية
الكبرى» والكلام منقول عنه.
(7/511)
بكر المذكور في مناقبه مؤلّفا حسنا، فمن
أراد استقصاء محاسنه وكراماته فليراجعه.
وفيها حسام الدّين الهذبانيّ [1] أبو علي محمد بن علي الكردي، من كبار
الدولة وأجلائها. كان له اختصاص زائد بالملك الصّالح نجم الدّين، وناب
في سلطنة دمشق له، ثم في سلطنة مصر. وحجّ سنة تسع وأربعين، ثم أصابه في
آخر عمره صرع وتزايد به حتّى مات.
ولد بحلب سنة اثنتين وتسعين وخمسمائة، وله شعر جيّد.
وفيها أبو الكرم لاحق بن عبد المنعم بن قاسم الأنصاري الأرتاحي [ثم
المصري الحنبلي اللبّان [2] . سمع من عمّ جدّه عبد الله الأرتاحي] [3]
، وتفرّد بالإجازة من المبارك، وكان صالحا، متعففا. روى عنه الزّكي عبد
العظيم [4] مع تقدّمه. توفي بمصر في جمادى الآخرة.
__________
[1] تصحفت نسبته في «آ» و «ط» إلى «الهدناني» والتصحيح من «العبر» (5/
251) مصدر ترجمته، و «النجوم الزاهرة» (7/ 93) .
[2] انظر «العبر» (5/ 251) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 350) و «الإعلام
بوفيات الأعلام» ص (275) .
[3] ما بين الحاصرتين سقط من «آ» وأثبته من «ط» و «العبر» .
[4] يعني بذلك الحافظ المنذري.
(7/512)
سنة تسع وخمسين
وستمائة
في محرّمها اجتمع خلق من التتار الذين نجوا من يوم عين جالوت، والذين
كانوا بالجزيرة، فأغاروا على حلب، ثم ساقوا إلى حمص، لما بلغهم مصرع
الملك المظفّر، فصادفوا على حمص حسام الدّين الجو كندار، والمنصور صاحب
حماة، والأشرف صاحب حمص في ألف وأربعمائة، والتتار في ستة آلاف،
فالتقوهم، وحمل المسلمون حملة صادقة، فكان النّصر، ووضعوا السيف في
الكفّار قتلا، حتّى أبادوا أكثرهم، وهرب مقدّمهم بيدرا [1] بأسوإ حال،
ولم يقتل من المسلمين سوى رجل واحد.
وأما دمشق فإنّ الحلبيّ دخل القلعة، فنازله عسكر مصر، وبرز إليهم
وقاتلهم، ثم ردّ، فلما كان في اللّيل هرب وقصد قلعة بعلبك فعصى بها،
فقدم علاء الدّين طيبرس [2] الوزيري، وقبض على الحلبيّ من بعلبك
وقيّده، فحبسه الملك الظّاهر بيبرس مدة طويلة.
وفي رجب بويع بمصر المستنصر بالله أحمد بن الظّاهر محمد بن النّاصر
لدين الله العبّاسي الأسود، وفوّض الأمور إلى الملك الظّاهر بيبرس، ثم
قدما دمشق، فعزل عن القضاء نجم الدّين بن سني [الدولة، با] بن خلّكان
[3] . ثم سار المستنصر ليأخذ بغداد ويقيم بها.
__________
[1] في «آ» و «ط» : «بندرا» وما أثبته من «العبر» (5/ 252) و «دول
الإسلام» (2/ 165) .
[2] في «آ» و «ط» : «طبرس» وفي «العبر» طبع بيروت: «قيبرس» والتصحيح من
«العبر» و «عقد الجمان» (1/ 291) .
[3] ما بين الحاصرتين استدركته من «العبر» مصدر المؤلف.
(7/513)
وكان في آخر العام مصاف بينه وبين التتار
الذين بالعراق فعدم المستنصر في الوقعة وانهزم الحاكم قبجا [1] .
والمستنصر هو أمير المؤمنين أبو القاسم أحمد بن الظّاهر بأمر الله بن
النّاصر لدين الله [2] . كان محبوسا ببغداد، حبسه التتار، فلما أطلقوه
التجأ لعرب العراق، فأحضروه إلى مصر، فتلقاه السلطان بيبرس، والمسلمون،
واليهود، والنصارى، ودخل من باب النّصر. وكان يوما مشهودا. وقرئ نسبه
بحضرة القضاة، وشهد بصبحته، وحكم به، وبويع. بايعه القاضي تاج الدّين
ابن بنت الأعز، ثم بايعه الملك الظّاهر بيبرس، والشيخ عز الدّين بن عبد
السلام، ثم الكبار على مراتبهم، وذلك في ثالث عشر رجب. ونقش اسمه على
السّكة، وخطب له. ولقّب بلقب أخيه. وكان شديد القوى، عنده شجاعة
وإقدام، وهو الثامن والثلاثون من خلفاء بني العبّاس، رحمه الله تعالى.
وفيها توفي الأرتاحي أبو العبّاس أحمد بن حاتم بن أحمد بن أحمد
الأنصاري المقرئ الحنبلي [3] . قرأ القراءات على والده، وسمع من جدّه
لأمّه أبي عبد الله الأرتاحي، وابن ياسين، والبوصيري. ولازم الحافظ عبد
الغني [4] فأكثر عنه، وتوفي في رجب.
__________
[1] كذا في «آ» و «ط» و «المنتخب» (179/ ب) : «قبجا» وفي «العبر» :
«فنجا» وفي النصّ اضطراب عندهما والله أعلم. قارن بما عند الذهبي في
«سير أعلام النبلاء» (23/ 171) و «المختار من تاريخ ابن الجزري» ص
(261) .
[2] انظر «سير أعلام النبلاء» (23/ 168- 171) و «تاريخ الخلفاء» ص
(476- 477) .
[3] انظر «العبر» (5/ 253) و «الوافي بالوفيات» (6/ 300) و «ذيل طبقات
الحنابلة» (2/ 273- 274) .
[4] يعني المقدسي. انظر «سير أعلام النبلاء» (21/ 444) .
(7/514)
وفيها إبراهيم بن سهل الإشبيلي [1] . شاعر
زمانه بالأندلس. غرق في البحر.
وفيها الصّفيّ بن مرزوق إبراهيم بن عبد الله بن هبة الله العسقلاني
الكاتب [2] .
ولد سنة سبع وسبعين وخمسمائة، وكان متمولا، وافر الحرمة. وزر مرّة،
وتوفي بمصر في ذي القعدة.
وفيها مخلص الدّين إسماعيل بن قرناص الحموي [3] . كان فقيها، عالما،
فاضلا، شاعرا.
من شعره:
أما والله لو شقّت قلوب ... ليعلم ما بها من فرط حبّي
لأرضاك الذي لك في فؤادي ... وأرضاني رضاك بشقّ قلبي
وفيها شرف الدّين أبو محمد حسن بن عبد الله بن عبد الغني بن عبد الواحد
بن علي بن سرور المقدسي ثم الصّالحي الفقيه الحنبلي [4] .
ولد سنة خمس وستمائة، وسمع الكثير من أبي اليمن الكندي وجماعة بعده،
وتفقه على الشيخ الموفق، وبرع وأفتى، ودرّس بالجوزية مدة.
قال أبو شامة: كان رجلا خيّرا.
توفي ليلة ثامن المحرّم [5] بدمشق ودفن بالجبل.
__________
[1] في «ط» : «الإشبيلي اليهودي» وانظر ترجمته ومصادرها في «الوافي
بالوفيات» (6/ 5- 11) .
[2] انظر «العبر» (5/ 253) و «ذيل مرآة الزّمان» (1/ 472- 473) .
[3] انظر «ذيل مرآة الزمان» (1/ 473) .
[4] انظر «ذيل الروضتين» ص (211) و «العبر» (5/ 253- 254) و «ذيل طبقات
الحنابلة» (2/ 273) .
[5] عند أبي شامة: «يوم تاسوعاء» .
(7/515)
وفيها الباخرزي- بالموحدة، وفتح الخاء
المعجمة، وسكون الراء، ثم زاي، نسبة إلى باخرز من نواحي نيسابور-
الإمام القدوة، الحافظ العارف، سيف الدّين أبو المعالي، سعيد بن
المطهّر [1] ، صاحب الشيخ نجم الدّين الكبرى.
كان إماما في السّنّة، رأسا في التصوف. روى عن نجم الدّين بن الجناب
[2] ، وعلي بن محمد الموصلي، و [أبي] رشيد الغزّال [3] ، وخرّج أربعين
حديثا.
وفيها الشّارعي العالم الواعظ جمال الدّين عثمان بن مكّي بن عثمان ابن
إسماعيل السّعدي الشّافعي [4] . سمع الكثير من قاسم بن إبراهيم
المقدسي، والبوصيري، وطبقتهما. وكان صالحا، متفننا، جليلا، مشهورا.
توفي في ربيع الآخر.
وفيها صاحب صهيون مظفّر الدّين عثمان بن منكورس [5] . تملّك صهيون بعد
والده ثلاثا وثلاثين سنة، وكان حازما، سايسا، ومهيبا. عمّر تسعين سنة،
ودفن بقلعة صهيون، وتملّك بعده ابنه سيف الدّين محمد.
وفيها الملك الظّاهر غازي [6] شقيق السلطان الملك النّاصر يوسف،
__________
[1] انظر «سير أعلام النبلاء» (23/ 363- 370) و «العبر» (5/ 254) و
«الوافي بالوفيات» (15/ 262) و «مرآة الجنان» (4/ 151) .
[2] تصحفت في «آ» و «ط» إلى «ابن الحباب» والتصحيح من «السير» و
«العبر» .
[3] في «آ» و «ط» : و «رشيد الغزالي» والتصحيح من «العبر» و «التبيان
شرح بديعة البيان» لابن ناصر الدّين الدمشقي (180/ آ) .
[4] انظر «العبر» (5/ 351) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 351- 352) و
«النجوم الزاهرة» (7/ 205) .
[5] في «آ» : «مبكروس» وفي «ط» : «منكروس» وكلاهما خطأ، والتصحيح من
«العبر» (5/ 254) و «النجوم الزاهرة» (7/ 206) .
[6] انظر «العبر» (5/ 255) و «دول الإسلام» (2/ 166) و «النجوم
الزاهرة» (7/ 206) .
(7/516)
وأمّهما تركية. كان مليح الصّورة، شجاعا،
جوادا. قتل مع أخيه بين يدي هولاكو [1] .
وفيها ابن سيّد النّاس الخطيب الحافظ أبو بكر محمد بن أحمد بن عبد الله
بن محمد اليعمري الإشبيلي [2] .
ولد سنة سبع وتسعين وخمسمائة، وعني بالحديث فأكثر، وحصّل الأصول لنفسه،
وختم به معرفة الحديث بالمغرب. توفي بتونس في رجب.
وفيها الصائن النّعال أبو الحسن محمد بن الأنجب بن أبي عبد الله
البغدادي الصّوفي [3] .
ولد سنة خمس وسبعين وخمسمائة، وسمع من جدّه لأمّه هبة الله بن رمضان،
وظاعن الزّبيري. وأجاز له وفاء بن اليمني [4] ، وابن شاتيل، وطائفة.
وله «مشيخة» . توفي في رجب.
وفيها المتّيجي- بفتح الميم، وكسر التاء المثناة فوق المشددة، وتحتية،
وجيم، نسبة إلى متيجة من ناحية بجاية- محمد بن عبد الله بن إبراهيم بن
عيسى ضياء الدّين الإسكندراني [5] ، الفقيه المالكي المحدّث، الرجل
الصّالح. أحد من عني بالحديث، وروى عن عبد الرحمن بن موقّى [6]
__________
[1] في «آ» و «ط» : «هلاكو» .
[2] انظر «العبر» (5/ 255) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (276) و
«الوافي بالوفيات» (2/ 121- 122) .
[3] انظر «ذيل مرآة الزمان» (1/ 471) و «العبر» (5/ 255) و «سير أعلام
النبلاء» (23/ 343- 344) .
[4] كذا في «ط» و «العبر» : طبع بيروت: «ابن اليمني» وفي «آ» : «ابن
اليمن» ولم يرد اسمه في «العبر» طبع الكويت، وفي «سير أعلام النبلاء»
«وفاء بن البهي» .
[5] انظر «العبر» (5/ 255- 256) و «الوافي بالوفيات» (3/ 358) و «حسن
المحاضرة» (1/ 379- 380) .
[6] انظر «سير أعلام النبلاء» (21/ 392- 393) .
(7/517)
فمن بعده، وكتب الكثير، وتوفي في جمادى
الآخرة.
وفيها ابن درباس، القاضي كمال الدّين أبو حامد محمد بن قاضي القضاة صدر
الدّين عبد الملك المارانيّ المصريّ الشّافعي [1] الضّرير.
ولد سنة ست وسبعين وخمسمائة، فأجاز له السّلفي، وسمع من البوصيري،
والقاسم بن عساكر، ودرّس وأفتى واشتغل، وجالس الملوك، وتوفي في شوال.
وفيها مكّي بن عبد الرزاق بن يحيى بن عمر بن كامل أبو الحرم الزّبيدي
المقدسي ثم العقرباني [2] . أجاز له عبد الرزاق النّجار، وسمع من
الخشوعي وغيره، ومات في شوال.
وفيها الملك النّاصر صلاح الدّين يوسف بن العزيز محمد بن الظّاهر غازي
بن السّلطان صلاح الدّين [3] ، صاحب الشام.
ولد سنة سبع وعشرين وستمائة، وسلطنوه بعد أبيه سنة أربع وثلاثين، ودبّر
المملكة شمس الدّين لؤلؤ، والأمر كلّه راجع إلى جدّته الصّاحبة صفية
ابنة العادل، ولهذا سكت الملك الكامل لأنها أخته، فلما ماتت سنة أربعين
اشتد النّاصر واشتغل عنه الكامل بعمّه [4] الصّالح، ثم فتح عسكره له
حمص سنة ست وأربعين، ثم سار هو وتملّك دمشق بلا قتال سنة ثمان وأربعين،
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 256) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 352- 353) و
«الوافي بالوفيات» (4/ 43) و «النجوم الزاهرة» (7/ 205) .
[2] انظر «العبر» (5/ 256) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 344) .
[3] انظر «العبر» (5/ 256- 257) و «سير أعلام النبلاء» (23/ 204- 206)
و «دول الإسلام» (2/ 166) و «النجوم الزاهرة» (7/ 205- 206) و
«الأعلام» (8/ 249- 250) .
[4] في «آ» و «ط» : «لعمّه» وما أثبته من «العبر» .
(7/518)
فوليها عشر سنين، وفي سنة اثنتين وخمسين
[1] دخل بابنة السّلطان علاء الدّين صاحب الرّوم، وهي بنت خالة أبيه
العزيز.
وكان حليما، جوادا، موطّأ الأكناف، حسن الأخلاق، محببا إلى الرّعية،
فيه عدل في الجملة، وقلة جور وصفح. وكان الناس معه في بلهنية من العيش،
لكن مع إدارة الخمر والفواحش. وكان للشعراء دولة بأيّامه، لأنه كان
يقول بالشعر ويجيز عليه. ومجلسه مجلس ندماء وأدباء. خدع وعمل عليه حتّى
وقع في قبضة التتار، فذهبوا به إلى هولاكو [2] فأكرمه، فلما بلغه كسرة
جيشه على عين جالوت غضب وتنمّر وأمر بقتله، فتذلّل له، وقال:
ما ذنبي؟ فأمسك عن قتله، فلما بلغه كسرة بيدرا [3] على حمص استشاط غضبا
وأمر بقتله وقتل أخيه الظّاهر، وقيل: بل قتله في الخامس والعشرين من
شوال سنة ثمانية، وكان أبيض، حسن الشّكل. قاله الذهبي.
وقال ابن شهبة في «تاريخ الإسلام» : قتل معه جميع أتباعه وأقاربه، ومن
جملتهم أخوه الملك الظّاهر غازي وولده العزيز، وهو- أي النّاصر- آخر
ملوك بني أيوب [4] . وبني بدمشق داخل باب الفراديس مدرسة في غاية
الحسن، ووقف عليها أوقافا جليلة، وبنى بجبل الصّالحية رباطا وتربة، وهي
عمارة عظيمة، ما عمر مثلها. أحضر لها من حلب من الرّخام والأحجار شيئا
كثيرا، وغرم عليها أموالا عظيمة، ونهر يزيد جار فيها.
__________
[1] لفظة «وخمسين» سقطت من «ط» .
[2] في «آ» و «ط» : «هلاكو» .
[3] في «آ» و «ط» : «بندرا» والتصحيح من هامش «آ» و «العبر» وأثبت في
هامش «آ» أيضا بخط مغاير: «وهو ملك التتار» .
[4] جاء في هامش «آ» بخط مغاير ما نصه: قوله: «وهو آخر ملوك بني أيوب»
هذا غلط وذهول، فإنه سيأتي في هذا الكتاب ترجمة جماعة من ملوك بني
أيوب، كالمغيث، والأمجد، والمنصور، فكيف يكون آخرهم؟.
(7/519)
وفيها توفي نور الدولة علي [بن يوسف] بن
أبي المكارم المصري العطّار [1] الأديب الفاضل الشّاعر المجيد.
من نظمه لغزّ في كوز الزّير [2] :
وذي أذن بلا سمع ... له جسم [3] بلا قلب
إذا استولى على صبّ [4] ... فقل ما شئت في الصّبّ
__________
[1] انظر «ذيل مرآة الزّمان» (2/ 131) و «عيون التواريخ» (20/ 263-
264) و «النجوم الزاهرة» (7/ 202- 203) وما بين الحاصرتين مستدرك منها.
[2] وجاء بين البيتين بيت ثالث في «النجوم الزاهرة» هو:
مدى الأيّام في خفض ... وفي رفع وفي نصب
[3] في «ذيل مرآة الزّمان» و «النجوم الزاهرة» : «له قلب» .
[4] في «النجوم الزاهرة» : «إذا استولى على الحبّ» .
(7/520)
سنة ستين وستمائة
في أوائل رمضان أخذت التتار الموصل بخديعة بعد حصار أشهر، وطمّنوا
النّاس، وخرّبوا السّور، ثم بذلوا السيف تسعة أيام، وأبقوا [على]
صاحبها الملك الصّالح إسماعيل أيّاما ثم قتلوه، وقتلوا ولده علاء
الدّين الملك [1] .
وفيها وقع الخلف بين بركة صاحب دست القفجاق، وابن عمّه هولاكو [2] .
وفيها توفي أحمد بن عبد المحسن بن محمد الأنصاري [3] ، أخو شيخ الشيوخ،
صاحب حماة. روى عن عبد الله بن أبي المجد وغيره.
وفيها العزّ الضّرير الفيلسوف الرّافضيّ، حسن بن محمد [4] بن أحمد ابن
نجا الإربلي [5] . كان بصيرا بالعربية، رأسا في العقليات. كان يقرئ
المسلمين والذّمّة بمنزله، وله حرمة وهيبة، مع فساد عقيدته، وتركه
الصّلوات، ووساخة هيئته. قاله الذهبي.
__________
[1] لفظة «الملك» لم ترد في «العبر» مصدر المؤلّف ولفظة «على» مستدركة
منه.
[2] في «آ» و «ط» : «هلاكو» وفي «العبر» : «هلاوو» والذي أثبته هو
المتعارف عليه، وانظر التعليق على «سير أعلام النبلاء» (23/ 206) .
[3] انظر «العبر» (5/ 258) .
[4] في «آ» و «ط» : «حسين بن محمد» وهو خطأ والتصحيح من مصادر الترجمة.
[5] انظر «العبر» (5/ 259- 260) و «نكت الهميان» ص (142- 144) و
«البداية والنهاية» (13/ 235) .
(7/521)
وقال غيره: كان الناس يقرؤون عليه علم
الأوائل، وتتردد إليه أهل الملل [1] جميعها، مسلمها ومبتدعها، والشيعة،
واليهود، والنصارى، والسّامرة. وكان ذكيا، فصيحا، أديبا، فاضلا في سائر
العلوم. وكان الملك النّاصر يكرمه ولا يردّ شفاعته.
ومن نظمه في السّلوان:
ذهبت بشاشة ما عهدت من الجوى ... وتغيّرت أحواله وتنكّرا
وسلوت حتّى لو سرى من نحوكم ... طيف لما حيّاه طيفي في الكرى
وله:
توهّم [2] واشينا بليل [3] مزاره ... فهمّ ليسعى بيننا بالتباعد
فعانقته حتّى اتّحدنا تعانقا ... فلما أتانا ما رأى غير واحد
قال ابن العديم [4] : لما سمع هذين البيتين: مسكه مسكة أعمى.
توفي في ربيع الآخر عن أربع وسبعين سنة.
وفيها عزّ الدّين شيخ الإسلام أبو محمد عبد العزيز بن عبد السّلام ابن
أبي القاسم بن الحسن، الإمام العلّامة، وحيد عصره، سلطان العلماء،
السّلميّ الدمشقيّ ثم المصريّ الشّافعي [5] .
ولد سنة سبع أو ثمان وسبعين وخمسمائة، وحضر [أحمد بن] حمزة بن
__________
[1] لفظة «أهل» سقطت من «آ» ولفظة «الملل» تحرفت في «ط» إلى «الملك» .
[2] جاء في «مختار الصحاح» (وهم) : توهّم: أي ظنّ.
[3] في «آ» و «ط» : «قليل» والتصحيح من «نكت الهميان» .
[4] في «آ» : «ابن العميد» .
[5] انظر «العبر» (5/ 260) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (276) و
«الوافي بالوفيات» (18/ 520- 522) و «طبقات الشافعية الكبرى» (8/ 209-
255) و «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 197- 199) و «طبقات الشافعية»
لابن قاضي شهبة (2/ 137- 140) .
(7/522)
الموازييني. وسمع من عبد اللطيف بن أبي
سعد، والقاسم بن عساكر، وجماعة. وتفقه على فخر الدّين بن عساكر،
والقاضي جمال الدّين بن الحرستاني. وقرأ الأصول على الآمدي، وبرع في
الفقه، والأصول، والعربية، وفاق الأقران والأضراب، وجمع بين فنون
العلم، من التفسير، والحديث، والفقه، واختلاف أقوال الناس، ومآخذهم.
وبلغ رتبة الاجتهاد، ورحل إليه الطلبة من سائر البلاد، وصنّف التصانيف
المفيدة، وروى عنه الدّمياطي وخرّج له أربعين حديثا، وابن دقيق العيد،
وهو الذي لقّبه بسلطان [1] العلماء، وخلق غيرهما.
ورحل إلى بغداد فأقام بها أشهرا. هذا مع الزّهد، والورع، والأمر
بالمعروف، والنّهي عن المنكر، والصّلابة في الدّين. وقد ولي الخطابة
بدمشق، فأزال كثيرا من بدع الخطباء ولم يلبس سوادا، ولا سجع خطبته،
[بل] كان يقولها مترسلا، واجتنب الثناء على الملوك، بل كان يدعو لهم،
وأبطل صلاة الرغائب والنّصف [2] فوقع بينه وبين ابن الصّلاح بسبب ذلك.
[ولم يكن يؤذن بين يديه يوم الجمعة إلّا مؤذن واحد] [3] .
ولما سلّم الصالح إسماعيل قلعة الشّقيف وصفد للفرنج، نال منه الشيخ على
المنبر، ولم يدع له. فغضب الملك من ذلك وعزله وسجنه، ثم أطلقه. فتوجه
إلى مصر، فتلقاه صاحب مصر الصّالح أيوب وأكرمه، وفوّض إليه قضاء مصر
دون القاهرة والوجه القبلي، مع خطابة جامع مصر، فأقام
__________
[1] في «آ» و «ط» : «سلطان» وأثبت لفظ «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة
مصدر المؤلف.
[2] جاء في حاشية «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة ما نصه: «قال
الذهبيّ: كانوا دبر الصلاة يقولون: إِنَّ الله وَمَلائِكَتَهُ
يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ. 33: 56 فأمرهم أن يقولوا: لا إله إلا
الله وحده لا شريك له ... الحديث» .
[3] ما بين الحاصرتين زيادة من «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة مصدر
المؤلف.
(7/523)
بالمنصب أتمّ قيام، وتمكن من الأمر
بالمعروف والنّهي عن المنكر، ثم عزل نفسه من القضاء، وعزله السّلطان من
الخطابة، فلزم بيته يشغل النّاس ويدرّس. وأخذ في التفسير في دروسه [1]
، وهو أول من أخذه في الدروس.
وقال الشيخ قطب الدّين اليونيني: كان مع شدته، فيه حسن محاضرة
بالنّوادر والأشعار.
وقال الشريف عز الدّين: كان علم عصره في العلم، جامعا لفنون متعددة،
مضافا إلى ما جبل عليه من ترك التكلف، مع الصّلابة في الدّين، وشهرته
تغني عن الإطناب في وصفه.
وقال ابن شهبة: ترجمة الشيخ طويلة، وحكاياته في قيامه على الظّلمة
وردعهم كثيرة مشهورة، وله مكاشفات.
وقال الذهبي: كان يحضر السماع ويرقص.
توفي بمصر في جمادى الأولى من السنة، وحضر جنازته الخاصّ والعام،
السلطان فمن دونه، ودفن بالقرافة في آخرها.
ولما بلغ السلطان خبر موته قال: لم يستقر ملكي إلّا السّاعة، لأنه لو
أمر الناس في بما أراد لبادروا إلى امتثال أمره.
وفيها التّاج [2] عبد الوهاب بن زين الأمناء أبي البركات الحسن بن محمد
بن الدمشقي بن عساكر [3] . سمع الكثير من الخشوعي وطبقته، وولي مشيخة
النّورية بعد والده، وحجّ. فزار ولده أمين الدّين عبد الصمد، وجاور
قليلا، ثم توفي في جمادى الأولى بمكّة.
__________
[1] كذا في «ط» و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة: «دروسه» وفي «آ» :
«درسه» .
[2] لفظة «التاج» سقطت من «آ» .
[3] انظر «ذيل مرآة الزمان» (2/ 176) و «العبر» (5/ 260- 261) و «عيون
التواريخ» (20/ 274) .
(7/524)
وفيها نقيب الأشراف بهاء الدّين أبو الحسن
علي بن محمد بن إبراهيم بن محمد الحسيني بن أبي الجنّ [1] . سمع حضورا،
وله أربع سنين من يحيى الثّقفي، وابن صدقة، وتوفي في رجب.
وفيها ابن العديم الصّاحب العلّامة كمال الدّين أبو القاسم عمر بن أحمد
بن هبة الله بن أبي جرادة العقيلي الحلبي [2] . من بيت القضاء والحشمة.
ولد سنة بضع وثمانين وخمسمائة، وسمع من ابن طبرزد، وبدمشق من الكندي،
وببغداد، والقدس، والنّواحي. وأجاز له المؤيد وخلق. وكان قليل المثل،
عديم النّظير فضلا ونبلا، ورأيا وحزما، وذكاء وبهاء، وكتابة وبلاغة.
درّس وأفتى وصنّف، وجمع «تاريخا» لحلب في نحو ثلاثين مجلدا [3] . وولي
خمسة من أيّامه على نسق القضاء، وقد ناب في سلطنة دمشق، وعلّم عن الملك
النّاصر. وكان خطّه في غاية الحسن. باع النّاس منه شيئا كثيرا على أنه
خطّ ابن البواب. وكانت له معرفة تامة بالحديث، والتاريخ، وأيّام الناس.
وكان حسن الظنّ بالفقراء والصالحين.
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 261) و «الإعلام بوفيات الأعلام» ص (276) .
[2] انظر «معجم الأدباء» (16/ 5- 57) و «العبر» (5/ 261) و «الإعلام
بوفيات الأعلام» ، ص (276) و «فوات الوفيات» (3/ 126- 129) و «البداية
والنهاية» (13/ 236) و «النجوم.
الزّاهرة» (7/ 208- 210) ، و «حسن المحاضرة» (1/ 466) و «درّ الحبب»
(1/ 10) .
[3] قلت: وسمّاه «بغية الطلب في تاريخ حلب» قال ابن شاكر الكتبي:
أدركته المنية قبل إكمال تبييضه واختصره في كتاب آخر سمّاه: «زبدة
الحلب في تاريخ حلب» وقد طبع المجلد الأول من «المختصر» ذكر ذلك
العلّامة الزركلي في «الأعلام» (5/ 40) .
وقال ابن تغري بردي في «النجوم الزاهرة» : وذيّل عليه- يعني على «بغية
الطلب» - القاضي علاء الدّين ابن خطيب النّاصرية، قاضي القضاة الشافعية
بحلب ذيلا إلا أنه قصير إلى الرّكبة، وقفت عليه فلم أجده جال حول
الحمى، ولا سلك فيه مسلك المذيّل عليه من الشروط، إلّا أنّه أخذ علم
التاريخ بقوة الفقه، على أنه كان من الفضلاء العلماء، ولكنه ليس من خيل
هذا الميدان، وكان يقال في الأمثال: من مدح بما ليس فيه، فقد تعرّض
للضّحكة.
(7/525)
ومن شعره من أبيات:
فيا عجبا [1] من ريقه وهو طاهر ... حلال وقد أضحى عليّ محرّما
هو الخمر لكن أين للخمر طعمه ... ولذّته مع أنّني لم أذقهما
سألزم نفسي الصّفح عن كلّ من جنى ... عليّ وأعفو عفّة وتكرّما
وأجعل مالي دون عرضي وقاية ... ولو لم يغادر ذاك عندي درهما
وقائلة يا ابن العديم إلى متى ... تجود بما تحوي ستصبح معدما
فقلت لها عنّي إليك فإنّني ... رأيت خيار النّاس من كان منعما
أبي اللؤم، لي أصل كريم وأسرة ... عقيلته سنو النّدى والتّكرّما
توفي- رحمه الله تعالى- بمصر في العشرين من جمادى الأولى، ودفن بسفح
المقطّم.
وفيها الضّياء عيسى بن سليمان بن رمضان أبو الرّوح التّغلبي المصري
القرافي الشّافعي [2] . آخر من روى «صحيح البخاري» عن منجب المرشدي
مولى مرشد الدّين [3] . توفي في رمضان عن تسعين سنة.
وفيها الشّمس الصّقليّ أبو عبد الله محمد بن سليمان بن أبي الفضل
الدّمشقي [4] الدّلال في الأملاك. سمع من ابن صدقة الحرّاني، وأبي
الفتح المندائي [5] ، وقرأ الختمة على أبي الجود.
ولد سنة ثلاث وسبعين وخمسمائة، وتوفي في أواخر صفر.
__________
[1] كذا في «آ» و «ط» و «المنتخب» لابن شقدة (181/ آ) : «فيا عجبا» وفي
«فوات الوفيات:
فوا عجبا» .
[2] انظر «العبر» (5/ 261- 262) و «النجوم الزاهرة» (7/ 210) و «حسن
المحاضرة» (1/ 380) وقد تصحفت «التغلبي» فيه إلى «الثعلبي» فتصحح.
[3] ذكره الذهبي في «سير أعلام النبلاء» (21/ 125) فليراجع.
[4] انظر «العبر» (5/ 262) و «الوافي بالوفيات» (3/ 127) .
[5] تحرفت نسبته في «آ» و «ط» إلى «المندلي» والتصحيح من «العبر» ومن
ترجمته في ص (33) من هذا المجلد.
(7/526)
وفيها ابن عرق الموت، أبو بكر محمد بن
فتّوح بن خلّوف بن يخلف بن مصال الهمداني الإسكندراني [1] . سمع من
التّاج المسعودي، وابن موقا، وأجازه أبو سعد بن أبي عصرون والكبار،
وتفرّد عن جماعة. توفي في جمادى الأولى.
وفيها ابن زيلاق [2] ، الشّاعر المشهور الأجلّ محيى الدّين محمد بن
يوسف بن يوسف بن يوسف بن سلامة الموصلي العبّاسي [3] الكاتب. كان
شاعرا، مجيدا، حسن المعاني.
من شعره:
بعثت لنا من سحر مقلتك الوسنا ... سهادا يذود الجفن أن يألف الجفنا
وأبرزت وجها أخجل [4] البدر طالعا ... ومست بقدّ علّم الهيف الغصنا
وأبصر جسمي حسن خصرك ناحلا ... فحاكاه لكن زاد في دقّة المعنى
قتلته التتار بالموصل حين تملّكوها.
وفيها أبو بكر بن علي بن مكارم بن فتيان الأنصاري المصري [5] .
روى عن البوصيري وجماعة، وتوفي في المحرّم.
__________
[1] انظر «العبر» (5/ 262) و «الوافي بالوفيات» (4/ 314- 315) و «حسن
المحاضرة» (1/ 380) .
[2] تصحفت في «العبر» بطبعتيه إلى «ابن زبلاق» فتصحح.
[3] انظر «العبر» (5/ 262) و «فوات الوفيات» (4/ 384- 395) و «البداية
والنهاية» (13/ 236) و «الأعلام» (4/ 259) .
[4] في «فوات الوفيات» : «يخجل» .
[5] انظر «العبر» (5/ 262) و «حسن المحاضرة» (1/ 380) .
(7/527)
|