شذرات الذهب في أخبار من ذهب

سنة ست وثمانين وسبعمائة
فيها توفي إبراهيم بن سرايا الكفرماوي الدمشقي الشافعي المعروف بالحازمي [1] ، عرف بذلك لكونه ولي قضاءها. اشتغل كثيرا، وناب في الحكم عن ابن أبي البقاء.
قال ابن حجي: كانت عنده فضيلة، ويستحضر «الحاوي الصغير» وناب في عدة بلاد.
مات في ذي القعدة.
وفيها إبراهيم بن عيسى الحلبي [2] . أحد فقهاء الشافعية.
كان معيدا بالبادرائية، وبذلك اشتهر.
قال ابن حجي: كان على سمت السّلف، سليم الفطرة، وخطه ضعيف، لكنه ألّف كثيرا، ووقف كتبه، ومات في رمضان بطرابلس.
وفيها علم الدّين أبو الرّبيع سليمان بن خالد بن نعيم بن مقدّم بن محمد بن حسن بن تمّام بن محمد الطّائي البساطي المالكي [3] .
أصله من شبرابسيون [4] من الغربية، فنزل عمه عثمان ببساط [5] ، وأخوه خالد
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (2/ 165) .
[2] انظر «إنباء الغمر» (2/ 166) .
[3] انظر «إنباء الغمر» (2/ 168) و «الدّرر الكامنة» (2/ 148) و «النجوم الزاهرة» (11/ 300) .
[4] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «سيرابسيون» والتصحيح من «إنباء الغمر» و «النجوم الزاهرة» و «التحفة السّنية بأسماء البلاد المصرية» لابن الجيعان ص (82) .
[5] في «آ» : «بساط» .

(8/500)


في كفالته، فولد له سليمان هذا بها، ثم قدم القاهرة فصار عريفا بمكتب للسبيل، ثم ولي نيابة الحكم بجامع الصّالح ثم استقلّ بالقضاء بعد أن اشتغل وتمهّر، وناب عن الأخنائي، ثم سعى على بدر الدّين بجاه قرطاي بعد قتل الأشرف، حتّى استقلّ بالقضاء سنة ثمان وسبعين، وكان متقشفا، مطّرح التكلّف، وكان طعامه مبذولا لكل من دخل عليه.
قال ابن حجر: وكان يدّعي أنه يجتمع مع الخضر، وله في ذلك أخبار كثيرة يستنكر بعضها، وصرف عن القضاء في جمادى الأولى سنة ثلاث وثمانين، فلزم داره إلى أن مات في سادس عشر صفر.
وفيها تقي الدّين عبد الرحمن بن محمد بن يوسف الحلبي الأصل ابن ناظر الجيش [1] .
ولد سنة ست وعشرين وسبعمائة، واشتغل بالعلم، وباشر كتابة الدّست في حياة أبيه، وتقدم في معرفة الفنّ، وصنف فيه تصنيفا لطيفا عليه اعتماد الموقعين إلى هذه الغاية، وكانت له عناية بالعلم، وسمع «الشفا» على الدلاصي وغيره، وولي نظر الجيش استقلالا بعد أبيه، وتوفي في حادي عشر جمادى الأولى.
وفيها عماد الدّين عبد الرحيم بن أحمد بن عبد الرحيم بن التّرجمان الحلبي [2] .
سمع حضورا على العزّ إبراهيم بن صالح، وسمع وهو كبير على غيره، وكان ذا ثروة، وبنى مكتبا للأيتام، ووقف عليه وقفا، وسمع منه برهان الدّين المحدّث، وتوفي يوم عيد الفطر.
وفيها أوحد الدّين عبد الواحد بن إسماعيل بن ياسين بن أبي حسن الإفريقي ثم المصري الحنفي، سبط القاضي كمال الدّين بن التركماني [3] .
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (2/ 171) و «النجوم الزاهرة» (11/ 301) .
[2] انظر «إنباء الغمر» (2/ 171) و «الدّرر الكامنة» (2/ 353) .
[3] انظر «إنباء الغمر» (2/ 172) وفيه: «ابن أبي حفص» و «الدّرر الكامنة» (2/ 421) وفيه:
«ابن أبي فيض» و «النجوم الزاهرة» (11/ 301) .

(8/501)


اشتغل على مذهب الحنفية قليلا، وباشر توقيع الحكم، ثم اتصل ببرقوق أول ما تأمّر، والسبب في معرفته به أن شخصا يقال له يونس كان أميرا بطبلخاناه في حياة الأشرف، وكان أوحد الدّين شاهد ديوانه، فادعى برقوق أنه ابن عمّه عصبته، فساعده أوحد الدّين على ذلك إلى أن ثبت ذلك بالطريق الشرعي، فلما قبض برقوق الميراث ممن وضع يده عليه وهو أحمد بن الملك مولى يونس الميت المذكور، أعطى أوحد الدّين منها ثلاثة آلاف درهم، وهي إذ ذاك تساوي مائة وخمسين مثقالا ذهبا، فامتنع من أخذها واعتذر بأنه ما ساعده إلّا لله تعالى، فحسن اعتقاد برقوق فيه، فلما صار أمير طبلخاناه استخدمه شاهد ديوانه، ثم لما تأمّر جعله موقّعا عنده، فاستمر في خدمته، وبالغ في نصحه، واستقرّ موقع الدّست مع ذلك إلى أن تسلطن، فصيّره كاتب سرّه، وعزل بدر الدّين ابن فضل الله فباشرها أوحد الدّين مباشرة حسنة، مع حسن الخلق، وكثرة السّكون، وجمال الهيئة، وحسن الصّورة، والمعرفة التّامّة بالأمور، وبلغ من الحرمة ونفاذ الكلمة أمرا عجيبا لكن لم تطل مدته وضعف، ثم اشتدّ به الأمر حتّى ذهبت منه شهوة الطّعام، وابتلي بالقيء فصار لا يستقرّ في جوفه شيء إلى أن مات في ذي الحجّة ولم يكمل الأربعين.
وفيها القاضي جمال الدّين أبو الفضل محمد بن أحمد بن عبد العزيز بن القاسم بن عبد الرحمن بن القاسم بن عبد الله النّويري- نسبة إلى النّويرة من عمل القاهرة- الشافعي المكّي [1] . كان ينسب إلى عقيل بن أبي طالب.
ولد في شعبان سنة اثنتين وعشرين وسبعمائة، وسمع بدمشق من المزّي وغيره، وتفقه بدمشق على الشيخ شمس الدّين بن النّقيب، والتّقي السّبكي، والتّاج المراكشي، وغيرهم. وبمكّة من جماعة، وصار قاضي مكّة وخطيبها، وأخذ العربية عن الجمال بن هشام، وشارك في المعارف.
__________
[1] انظر «العقد الثمين» (1/ 300- 307) و «إنباء الغمر» (2/ 174) و «الدّرر الكامنة» (3/ 326) و «النجوم الزاهرة» (11/ 303) .

(8/502)


قال الحافظ ابن حجي: كان رجلا عالما، يستحضر الفقه وغيره، بلغني أنه كان يستحضر «شرح مسلم» للنووي، وكان منسوبا، إلى كرم ونعمة وافرة.
وقال ابن حبيب في «تاريخه» : إنه ولي قضاء مكّة نيفا وعشرين سنة.
وقال ابن حجر: كان فصيح العبارة، لسنا، جيد الخطبة، متواضعا، محبّا للفقراء.
توفي- وهو متوجه إلى الطائف- في ثالث عشر رجب، وحمل إلى مكّة فدفن بها، وخلّف تركة وافرة.
وفيها شمس الدّين محمد بن عبد الله بن أحمد الهكّاري ثم الصّلتي الشافعي [1] .
اشتغل على أبيه بالصّلت، وكان مدرّسا، ثم درّس بعد أبيه، ثم قدم دمشق، فسمع بها، وتنقل في قضاء البرّ، ثم ولي قضاء حمص أخيرا. وكان لا يملّ من الاشتغال بالعلم وتعليق الفوائد، ولخّص «ميدان الفرسان» [2] في قدر نصفه في ثلاث مجلدات، وهو اختصار عجيب.
وتوفي بحمص في رجب ولم يكمل الخمسين سنة.
وفيها أمين الدّين محمد بن علي بن الحسن بن عبد الله الأنفي- بفتحات- المالكي [3] .
ولد سنة ثلاث عشرة وسبعمائة، وعني بالحديث، وظهر له سماع من الحجّار، فحدّث به، وسمع من البندنيجي، وأسماء بنت صصرى، وغيرهما، وكتب الكثير، وسمع العالي والنّازل، وأخذ عن البرزالي والذهبي، ونسخ كثيرا من مصنّفاته وغيرها، وولي قضاء حلب يسيرا، وكان يفتي على مذهب مالك،
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (2/ 176) و «الدّرر الكامنة» (3/ 466) و «الأعلام» (6/ 236) .
[2] قال حاجي خليفة في «كشف الظنون» (2/ 1916) : وهو كتاب نفيس في خمس مجلدات، جمع فيه أبحاث الرافعي، وابن الرّفعة، والسّبكي.
[3] انظر «إنباء الغمر» (2/ 177) و «الدّرر الكامنة» (4/ 62) .

(8/503)


وولي مشيخة الحديث بالنّاصرية، ومشيخة الخانقاه النّجمية، وأقام في قضاء حلب أربع سنين، ثم رجع إلى دمشق، فناب عن الماروني، ثم ترك.
قال ابن حجي: كان حسن العشرة، يقصده الناس لحسن محادثته وتطلبه الرؤساء لذلك، ويحرصون على مجالسته لفكاهة فيه.
وقال الذهبي في «المعجم المختص» [1] : وكان يحفظ كثيرا من الفوائد الحديثية والأدبية. انتهى.
توفي في شوال عن ثمانين سنة تقريبا.
وفيها محمد بن علي بن منصور بن ناصر الدمشقي الحنفي [2] .
ولد سنة وسبعمائة أو قبلها، وأخذ عن أبيه، والبرهان بن عبد الحقّ، والنّجم القحفازي، والعلاء القونوي، وغيرهم. وسمع من الحجّار، والبندنيجي، وغيرهما: وحدّث، ودرّس في أماكن، وولي قضاء مصر في رمضان سنة ثلاث وثمانين وسبعمائة، ودرّس بالصّرغتمشية وغيرها، وكان بارعا في الفقه، صلبا في الحكم، متواضعا، لين الجانب.
توفي بمصر في ربيع الأول.
وفيها أكمل الدّين محمد بن شمس الدّين محمد بن كمال الدّين محمود بن أحمد الرّومي البابرتيّ الحنفي [3] .
ولد سنة بضع عشرة وسبعمائة، واشتغل بالعلم، ورحل إلى حلب، فأنزله القاضي ناصر الدّين بن العديم بالمدرسة السادحية، فأقام بها مدة ثم قدم القاهرة بعد سنة أربعين، فأخذ عن الشيخ شمس الدّين الأصبهاني، وأبي حيّان، وسمع من ابن عبد الهادي، والدلاصي وغيرهما، وصحب شيخون، واختصّ به، وقرّره شيخا بالخانقاه التي أنشأها، وفوّض أمورها إليه فباشرها أحسن مباشرة،
__________
[1] لم أقف على ترجمته في «المعجم المختص» الذي بين يدي.
[2] انظر «إنباء الغمر» (2/ 178) و «النجوم الزاهرة» (11/ 302) .
[3] انظر «إنباء الغمر» (2/ 179) و «الدّرر الكامنة» (4/ 250) و «النجوم الزاهرة» (11/ 302) .

(8/504)


وكان قوي النّفس عظيم الهمّة، مهابا، عفيفا في المباشرة، عمر أوقافها، وزاد معاليمها، وعرض عليه القضاء مرارا فامتنع، وكان حسن المعرفة بالفقه والعربية والأصول، وصنّف «شرح مشارق الأنوار» و «شرح البزدوي» و «الهداية» وعمل «تفسيرا» حسنا، وشرح «مختصر ابن الحاجب» وشرح «المنار» و «التلخيص» وغير ذلك.
قال ابن حجر: وما علمته حدّث بشيء من مسموعاته، وكانت رسالته لا تردّ مع حسن البشر والقيام مع من يقصده، والإنصاف، والتواضع، والتلطف في المعاشرة، والتنزّه عن الدخول في المناصب الكبار، وكان أرباب المناصب على بابه قائمين بأوامره، مسرعين إلى قضاء مآربه، وكان الظّاهر يبالغ في تعظيمه، حتّى إنه إذا اجتاز به لا يزال واقفا على باب الخانقاه إلى أن يخرج فيركب معه ويتحدث معه في الطريق، ولم يزل على ذلك إلى أن مات بمصر في ليلة الجمعة تاسع عشر رمضان، وحضر السلطان فمن دونه جنازته، وصلّى عليه عزّ الدّين الرّازي، ودفن بالخانقاه المذكورة.
وفيها محمد بن مكّي العراقي الرّافضي [1] .
كان عارفا بالأصول والعربية، فشهد عليه بدمشق بانحلال العقيدة واعتقاد مذهب النّصيريّة، واستحلال الخمر الصّرف، وغير ذلك من القبائح، فضربت عنقه بدمشق في جمادى الأولى، وضربت عنق رفيقه عرفة بطرابلس، وكان على معتقده.
وفيها الشيخ شمس الدّين محمد بن يوسف بن علي بن عبد الكريم الكرماني الشافعي [2] ، نزيل بغداد.
ولد في سادس عشر جمادى الآخرة سنة سبع عشرة وسبعمائة، واشتغل
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (2/ 181) .
[2] انظر «إنباء الغمر» (2/ 182) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (3/ 245) و «النجوم الزاهرة» (11/ 303) .

(8/505)


بالعلم، فأخذ عن والده، ثم حمل عن القاضي عضد الدّين ولازمه اثنتي عشرة سنة، وأخذ عن غيره، ثم طاف البلاد، ودخل مصر والشام والحجاز والعراق، ثم استوطن بغداد، وتصدى لنشر العلم بها نحو ثلاثين سنة، وكان مقبلا على شأنه، معرضا عن أبناء الدنيا.
قال ولده: كان متواضعا بارّا لأهل العلم، وسقط من علّية فكان لا يمشي إلّا على عصا منذ كان ابن أربع وثلاثين سنة.
وقال ابن حجي: صنّف شرحا حافلا على «المختصر» وشرحا مشهورا على «البخاري» وغير ذلك، وحجّ غير مرّة، وسمع بالحرمين ودمشق والقاهرة، وذكر أنه سمع بجامع الأزهر على ناصر الدّين الفارقي.
وذكر الشيخ ناصر الدّين العراقي أنه اجتمع به في الحجاز، وكان شريف النّفس، مقبلا على شأنه، وشرح «البخاري» بالطائف وهو مجاور بمكة وأكمله ببغداد، وتوفي راجعا من مكة بمنزلة تعرف بروض مهنّا [1] في سادس عشر المحرم، ونقل إلى بغداد فدفن بها، وكان اتخذ لنفسه قبرا بجوار الشيخ أبي إسحاق الشّيرازي، وبنيت عليه قبة، ومات عن تسع وستين سنة.
وفيها شرف الدّين محمود بن عبد الله الأبطالي [2]- باللام- الحنفي [3] .
قدم دمشق، فأقام بها إلى أن ولي مشيخة السميساطية فباشرها مدة، ودرّس بالعزّية وتصدّر بالجامع، وكان من الصّوفية البسطامية.
مات في رمضان وولي بعده المشيخة القاضي برهان الدّين بن جماعة.
__________
[1] لم أقف على ذكر لها فيما بين يدي من كتب البلدان.
[2] في «إنباء الغمر» : «الأنطالي» .
[3] انظر «إنباء الغمر» (2/ 183- 184) .

(8/506)


سنة سبع وثمانين وسبعمائة
فيها كان الطّاعون العظيم بحلب، بلغت عدة الموتى فيه في كل يوم ألف نفس [1] .
وفيها- كما قال ابن حجر- أحضر إلى أحمد بن يلبغا صغيرة ميتة لها رأسان وصدر واحد، ويدان فقط، ومن تحت السرّة صورة شخصين كاملين كل شخص بفرج أثنى ورجلين، فشاهدها الناس وأمر بدفنها [2] .
وفيها توفي جمال الدّين إبراهيم بن ناصر الدّين محمد بن كمال الدّين عبد العزيز بن محمد بن أحمد بن هبة الله بن أبي جرادة العقيلي الحلبي المعروف بابن العديم الحنفي [3] .
سمع من الحجّار، وحدّث عنه، وكان هينا لينا ناظرا إلى مصالح أصحابه، ناب عن والده مدة بحلب، ثم استقلّ بعد وفاته، وكان يحفظ «المختار» ويطالع في شرحه.
قال البرهان المحدّث: ادعى عنده مدع على آخر بمبلغ فأنكر، فأخرج المدّعي وثيقة فيها أقرّ فلان ابن فلان فأنكر المدّعى عليه أن الاسم المذكور في الوثيقة اسم أبيه. قال له: فما اسمك أنت؟ قال: فلان. قال: فما اسم [4] أبيك؟ قال: فلان. فسكت عنه القاضي وتشاغل بالحديث مع من كان عنده حتى
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (2/ 188) .
[2] انظر «إنباء الغمر» (2/ 190) .
[3] انظر «إنباء الغمر» (2/ 192) و «الدّرر الكامنة» (1/ 64) وفيه: «إبراهيم بن محمد بن عمر بن عبد العزيز» و «النجوم الزاهرة» (11/ 305) و «الطبقات السنية» (1/ 234) .
[4] في «آ» : «فاسم» .

(8/507)


طال ذلك، وكان القارئ يقرأ عليه في «صحيح البخاري» فلما فرغ المجلس صاح القاضي: يا ابن فلان فأجابه المدّعى عليه مبادرا. فقال له: ادفع لغريمك حقّه، فاستحسن من حضر هذه الحيلة حيث استغفل المدّعى عليه حتّى التجأ للاعتراف.
وقال البرهان الحلبي أيضا: كان من بقايا السّلف، وفيه مواظبة على الصّلوات في الجامع الكبير، لطيف اللّسان، وافر العقل، طويل الصّمت في غاية العفّة، مع المعرفة بالمكاتيب والشروط، كبير القدر عند الملوك والأمراء، كثير النّظر في مصالح أصحابه.
توفي في سادس عشري المحرّم عن نيف وستين سنة.
وفيها أحمد بن أبي بكر بن عبد الله الحضرمي الزبيدي الشافعي [1] ، مفتي أهل اليمن في زمانه.
انتهت إليه الرئاسة في ذلك.
مات في رجب.
وفيها شهاب الدّين أحمد بن عبد الله بن محمد بن محمود المرداوي [2] ، نزيل حماة.
ولد بمردا، وقدم دمشق للفقه، فبرع في الفنون، وتميّز، ثم ولي قضاء حماة فباشرها مدة، ودرّس، وأفاد، ولازمه علاء الدّين بن مغلي وبه تميّز.
وفيها شهاب الدّين أحمد بن عبد الهادي بن أبي العبّاس الشّاطر الدّمنهوري، المعروف بابن الشيخ [3] .
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (2/ 193) و «الدّرر الكامنة» (1/ 111) .
[2] انظر «إنباء الغمر» (2/ 193) وفيه: «أحمد بن عبد الرحمن بن محمد» و «الدّرر الكامنة» (1/ 168) وفيه: أحمد بن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله» .
[3] انظر «إنباء الغمر» (2/ 193) و «الدّرر الكامنة» (1/ 195) .

(8/508)


ولد سنة ثلاث وثلاثين، وتعاني الآداب، فكان أحد الأذكياء، وكان أديبا، فاضلا، أعجوبة في حلّ المترجم.
وهو القائل:
نادى مناد لقرط ... فطاف سمع البريّه
وشنّف الأذن منه ... قرط أتى للرعيّه
وكان لا يسمع شعرا ولا حكاية إلّا ويخبر بعدد حروفها فلا يخطئ، جرّب ذلك عليه مرارا.
مات في ذي القعدة. قاله ابن حجر.
وفيها نجم الدّين أبو العباس أحمد بن عثمان بن عيسى بن حسن بن حسين بن عبد المحسن الياسوفي الأصل الدمشقي الشافعي، المعروف بابن الجابي [1] .
ولد في آخر سنة ست وثلاثين وسبعمائة، وسمع الحديث، وكتب بخطه طباقا، و «المشتبه» للذهبي، وأخذ الفقه عن المشايخ الثلاثة: الغزّي، والحسباني، وحجي، وغيرهم، وأخذ الأصول عن البهاء الإخميمي، ودرّس، وأفتى، واشتغل، واشتهر اسمه، وشاع ذكره، وكان أولا فقيرا، ثم تموّل، فإنه ورث هو وابنه مالا من جهة زوجته، وكثر ماله ونما، واتسعت عليه الدنيا، وسافر إلى مصر في تجارة، وحصل له وجاهة بالقاهرة، بكاتب السرّ الأوحد، وولي تدريس الظّاهرية، أخذها من ابن الشّهيد، وأعاد بالشّامية الجوّانية.
قال الحافظ ابن حجي: برع في الفقه والأصول، وكان يتوقّد ذكاء، سريع الإدراك، حسن المناظرة، ما كان في أصحابنا مثله، له الإقدام والجرأة في المحافل، مع الكلام المتين، وكان ينسب إلى جدّه في بحثه، وربما خرج على من يباحثه، ومع ذلك ما كنت أحبّ مناظرة أحد سواه، ولا يعجبني مباحث غيره،
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (2/ 194) و «الدّرر الكامنة» (1/ 200) ، و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (3/ 199) و «الدارس في تاريخ المدارس» (1/ 241) .

(8/509)


فإنه كان منصفا، سريع التصور، وإنما كان يحتدّ على من لا يجاريه في مضماره. انتهى.
وقال ابن حجر: يقال: إنه سمّ مع أوحد الدّين بمصر. وتأخر عمل السمّ فيه إلى أن مات بدمشق بعد عوده في جمادى الأولى. وقد جاوز الخمسين، ودفن بمقبرة الصّوفية.
وفيها شاه شجاع بن محمد بن مظفّر اليزديّ [1] .
كان جدّه مظفّر صاحب درك يزد وكرمان في زمن أبي سعيد بن خربندا، ثم كان ابنه محمد، فقام مقامه، وأمنت الطرقات في زمنه، ولم يزل أمره يقوى حتّى ملك كرمان عنوة، انتزعها من شيخ بن محمود شاه، ثم تزوج محمد بن مظفّر امرأة من بنات الأكابر بكرمان، فقاموا بنصره، وفرّ شيخ إلى شيراز فحاصره محمد ابن مظفّر بها إلى أن ظفر به، فقتله واستقلّ بعد موت أبي سعيد بملك العراق كلّه، وأظهر العدل، وكان له من الأولاد خمسة: شاه ولي، وشاه محمود، وشاه شجاع، وأحمد، وأبو يزيد، فاتفقوا على والدهم، فكحلوه وسجنوه في قلعة من عمل شيراز، وذلك سنة ست وسبعمائة، فتولى شاه شجاع صاحب الترجمة شيراز، وكرمان، ويزد، وتولى شاه محمود أصبهان وغيرها، ومات شاه ولي، واستمرّ أحمد وأبو زيد في كنف شاه شجاع، ووقع الخلف بين شاه محمود وشاه شجاع، فآل الأمر إلى انتصار شاه شجاع، ومات شاه محمود، فاستولى شاه شجاع على أذربيجان، انتزعها من أويس، وكان شاه شجاع ملكا عادلا عالما بفنون من العلم، محبّا للعلم والعلماء، وكان يقرئ «الكشاف» والأصول، والعربية، وينظم الشعر بالعربي والفارسي، ويكتب الخطّ الفائق، مع سعة العلم والحلم والكرم، وكان قد ابتلي بترك الشبع، فكان لا يسير إلّا والمأكول على البغال صحبته، فلا يزال يأكل. ولما مات استقرّ ولده زين العابدين بعده إلى أن خرج عليه اللّنك فقتله وقتل أقاربه.
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (2/ 198) و «الدّرر الكامنة» (2/ 187) .

(8/510)


وفيها شرف الدّين حسن بن محمد بن أبي الحسن بن الشيخ الفقيه أبي عبد الله اليونيني البعلي [1] .
ولد سنة ثلاثين وسبعمائة، وقرأ، وسمع الحديث، ورحل فيه، وأفتى، ودرّس، وأفاد، وتوفي في رمضان.
وفيها عفيف الدّين أبو محمد عبد الله بن الزّين أبي الطّاهر محمد بن الجمال محمد بن المحبّ أحمد بن عبد الله بن محمد بن أبي بكر بن محمد بن إبراهيم الطّبري ثم المكي الشافعي [2] .
ولد في محرم سنة ثلاث وعشرين بمكة، وسمع من والده، وعيسى الحجي، والأمين الآق شهري، والوادي آشي، وآخرين. وأجاز له الدّبوسي والحجّار وغيرهما. وقرأ على القطب بن مكرم، وغيرهم، ودخل الهند وحدّث بها، ودرّس في الفقه، وخطب، ثم رجع فولي قضاء بجيلة وما حولها مدة، ومات بالمدينة المنورة.
وفيها عثمان بن فار بن مهنّا بن عيسى أمير آل فضل [3] .
كان شابا، كريما، شجاعا، جميلا، يحب اللهو والخلاعة، ومات شابا. قاله ابن حجر.
وفيها سعد الدّين فضل الله بن إبراهيم بن عبد الله الشّامكاني [4]- نسبة إلى شامكان بالشين قرية بنيسابور- الفقيه الشافعي.
قرأ على القاضي عضد الدّين وغيره، وحدّث عنه ب «شرح مختصر ابن الحاجب» و «المواقف» ، وغير ذلك. وصنّف في الأصول، والعربية، ونظم في العلوم العقلية، وتوفي في جمادى الأولى.
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (2/ 198) .
[2] انظر «إنباء الغمر» (2/ 202) .
[3] انظر «إنباء الغمر» (2/ 204) وفيه «ابن قارا» و «الدّرر الكامنة» (2/ 447) و «النجوم الزاهرة» (11/ 305) .
[4] انظر «إنباء الغمر» (2/ 204) .

(8/511)


وفيها بدر الدّين أبو عبد الله محمد بن أبي بكر بن شجرة بن محمد التّدمري الأصل الدمشقي [1] الفقيه القاضي المفتي.
اشتغل وتقدم واشتهر، وولي القضاء بمعاملة الشام، وآخر ما ولي قضاء القدس في أيام البلقيني، فشكاه أهل القدس، وجاءت كتب أعيانهم مشحونة بثلبه والحطّ عليه، فعزل، فقدم دمشق وأقام بها يدرّس بالمدرسة الموقوفة عليه وعلى أقاربه.
قال الحافظ شهاب الدّين بن حجي: كان يفتي كثيرا، ويكتب على الفتاوى خطّا حسنا بعبارة حسنة إلّا أنه كان سيء [2] السيرة في قضائه وفتواه، مشهورا بذلك. كان يتحمل للمستفتي حتّى يفتيه بما يوافق غرضه ويأخذ منه جعلا [3] على ذلك. حضر عندي مرّة فأعجبني فهمه واستنباطه في الفقه وغوصه على استخراج المسائل الحوادث من أصولها وردّها إلى القواعد. ثم ذكر ابن حجي كلاما لا أحبّ ذكره.
توفي بدمشق في شهر ربيع الأول ودفن بسفح قاسيون.
وفيها زين الدّين أو علم الدّين محمد بن القاضي تقي الدّين عبد الله ابن الإمام العلّامة زين الدّين محمد بن القاضي علم الدّين عبد الله بن عمر بن مكّي ابن عبد الصّمد بن أبي بكر بن [4] عطية الدمياطي الأصل الدمشقي الشافعي، سبط الشيخ تقي الدّين السّبكي [5] .
مولده سبع وأربعين وسبعمائة، وحضر على جماعة.
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (2/ 206) و «الدّرر الكامنة» (3/ 403) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (3/ 220) .
[2] لفظة «سيء» سقطت من «آ» .
[3] أي مكافأة.
[4] لفظة «ابن» سقطت من «ط» .
[5] انظر «إنباء الغمر» (2/ 207) و «الدّرر الكامنة» (3/ 482) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (3/ 226) و «الدارس في تاريخ المدارس» (1/ 378) .

(8/512)


قال ابن حجي: سمع من جدّه عدة من مصنّفاته، وله تحقيق، ودرّس بالعذراوية سنة تسع وستين، انتزعها من يد خاله القاضي تاج الدّين، وكان ينوب عنه، وكان من خيار الناس، وأغزر خلق الله مروءة، ما رأينا أحدا أكثر مروءة وتفضلا على أصحابه ومساعدة لمن يقصده، ولا أشدّ تواضعا وأدبا ورئاسة منه.
توفي في شوال ودفن بتربة خاله بسفح قاسيون.
وفيها أبو الحسن محمد بن محمد بن ميمون البلوي- بفتح الموحدة واللام نسبة إلى بلي بن عمرو بن الحارث بن قضاعة- الأندلسي [1] .
قال ابن حجر: تقدم في الفرائض والعربية، وسمع بنفسه بالقاهرة ومصر من ابن أميلة وغيره، ورافقه الشيخ أبو زرعة بن [2] العراقي في السّماع كثيرا.
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (2/ 209) و «الدّرر الكامنة» (4/ 232) .
[2] لفظة «ابن» سقطت من «ط» .

(8/513)


سنة ثمان وثمانين وسبعمائة
فيها تمّت عمارة المدرسة البرقوقية بمصر بين القصرين، وكان القائم في عمارتها جركس الخليلي، وقال في ذلك ابن العطّار:
قد أنشأ الظّاهر السّلطان مدرسة ... فاقت على إرم مع سرعة العمل
يكفي الخليليّ أن جاءت لخدمته ... شمّ الجبال لها تأتي على عجل
ونزل إليها السلطان برقوق في ثاني عشر شهر رجب وقرّر أمورها ومدّ بها سماطا عظيما، ونقل أولاده ووالده من الأماكن التي دفنوا بها إلى القبة التي أنشأها بها، وقرّر فيها علاء الدّين السّراي مدرس الحنفية بها وشيخ الصّوفية فيها، والشيخ أوحد الدّين الرّومي مدرّس الشافعية، والشيخ شمس الدّين بن مكين مدرّس المالكية، والشيخ صلاح الدّين بن الأعمى مدرّس الحنابلة، والشيخ أحمد زاده العجمي مدرّس الحديث، والشيخ فخر الدّين الضّرير إمام الجامع الأزهر مدرّس القراءات، فلم يكن فيهم من هو فائق في فنّه على غيره من الموجودين غيره. قاله ابن حجر [1] .
وفيها في شعبانها توفي أمير مكّة الشّهاب أحمد بن عجلان بن رميثة بن نمي الحسيني [2] . واستقرّ ولده محمد بن أحمد، فعمد كبيش بن عجلان إلى أقاربه فكحلهم منهم أحمد بن ثقبة وولده، وحسن بن ثقبة، ومحمد بن عجلان، ففرّ
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (2/ 213- 216) .
[2] انظر «العقد الثمين» (3/ 87- 96) و «إنباء الغمر» (2/ 223 و 227) و «الدّرر الكامنة» (1/ 201) و «النجوم الزاهرة» (11/ 308) .

(8/514)


منه غيّان بن مغامس [1] إلى القاهرة، فشكا إلى السلطان من صنيعه، والتزم بتعمير مكّة، وسعى في إمرتها فأجيب إلى ذلك.
قال ابن حجر: كان أحمد بن عجلان عظيم الرئاسة والحشمة، اقتنى من العقار والعبيد شيئا كثيرا إلى غير ذلك.
وفيها أحمد بن النّاصر حسن بن النّاصر محمد بن قلاوون الصّالحي [2] .
كان أكبر إخوته وقد عيّن للسلطنة مرارا فلم يتفق له ذلك.
ومات في رابع عشر جمادى الآخرة.
وفيها شهاب الدّين أحمد بن عبد العزيز بن يوسف بن المرحل المصري [3] ، نزيل حلب الشافعي سمع من حسن سبط زيادة وتفرّد به، وسمع منه شهاب الدين الذاربيبي المقرئ وغيره من الرحالة، وأخذ عنه ابن عشائر والحلبيون، وأكثر عنه المحدّث برهان الدّين.
وفيها تاج الدّين أحمد بن محمد بن عبد الله بن الحسين بن إسماعيل بن وهب بن محبوب المعرّي [4] ثم البعلي ثم الدمشقي [5] .
أحضر على ابن الموازيني، وست الأهل، وسمع من ابن مشرف، وابن النّور [6] ، والمطعم، والرّضي الطّبري، وغيرهم. وله إجازة من سنقر الزّيني، وبيبرس العديمي، والشرف الفزاري، وإسحاق النحّاس، والعماد النّابلسي، وغيرهم. وكان يذاكر بفوائد، وأصيب بأخرة فاستولت عليه الغفلة، ورأيت بخطّه «تذكرة» في نحو الستين مجلدة، وعبارته عاميّة، وخطّه رديء جدا.
مات في المحرم. قاله ابن حجر.
__________
[1] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «عفّان بن معاقس» والتصحيح من «إنباء الغمر» (2/ 223) و «العقد الثمين» (3/ 92) .
[2] نظر «إنباء الغمر» (2/ 226) و «النجوم الزاهرة» (11/ 310) .
[3] انظر «إنباء الغمر» (2/ 226) و «الدّرر الكامنة» (1/ 174) .
[4] تحرفت في «ط» إلى «المصري» .
[5] انظر «إنباء الغمر» (2/ 228) .
[6] في «آ» : «ابن النثور» بالثاء، وفي «إنباء الغمر» : «ابن النشو» .

(8/515)


وفيها شهاب الدّين أبو العبّاس أحمد بن محمد بن عبد المعطي ابن مكّي بن طراد بن حسين بن مخلوف بن أبي الفوارس بن سيف الإسلام بن قيس بن سعد بن عبادة الأنصاري المكّي [1] المالكي [2] النّحوي.
اشتغل كثيرا، ومهر في العربية، وشارك في الفقه، وأخذ عن أبي حيّان وغيره، وانتفع به أهل مكّة في العربية، وكان بارعا، ثقة، ثبتا، وله تأليف ونظم كثير.
سمع من عثمان بن الصّفي وغيره، وكان حسن الأخلاق، مواظبا على العبادة، وأخذ عنه بمكّة المرجاني، وابن ظهيرة، وغيرهما.
وحدّثتنا عنه بالسّماع شيختنا أم هانئ بنت الهوريني، وهو جدّ شيخنا نحوي مكّة قاضي القضاة محيي الدّين عبد القادر بن أبي القاسم.
مولده سنة تسع وسبعمائة، وتوفي في المحرم. قاله السيوطي في «طبقات النّحاة» .
وفيها بدر الدّين أحمد بن شرف الدّين محمد بن فخر الدّين محمد بن الصّاحب بهاء الدّين علي بن محمد بن حنّاء المصري، المعروف بابن الصّاحب [3] .
قال ابن حجر: تفقّه، ومهر في العلم، ونظم ونثر، وفاق أهل عصره في ذلك، وفاق أيضا في معرفة لعب الشطرنج، وكان جمّاعا للمال، لطيف الذات، كثير النّوادر، ألّف تآليفا في الأدب وغيره، وكتب الخطّ، وكان يحسن الظّنّ بتصانيف ابن العربي ويتعصب له، ووقعت له محنة مع الشيخ سراج الدّين البلقيني، وكان يكثر الشطح، ويتكلم بما لا يليق بأهل العلم من الفحش، ويصرّح بالاتحاد.
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (2/ 229) و «الدّرر الكامنة» (1/ 277) و «بغية الوعاة» (1/ 372) و «العقد الثمين» (3/ 149) .
[2] لفظة «المالكي» سقطت من «آ» .
[3] انظر «إنباء الغمر» (2/ 229) و «الدّرر الكامنة» (1/ 283) و «النجوم الزاهرة» (11/ 307) .

(8/516)


وهو القائل:
أميل لشطرنج أهل النّهى ... وأشكوه من ناقل الباطل
وكم رمت تهذيب لعابها ... وتأبى الطّباع على النّاقل
مات في تاسع عشري جمادى الآخرة، وله إحدى وسبعون سنة.
رأيته واجتمعت به وسمعت من تآليفه ونوادره. انتهى كلام ابن حجر.
وفيها إسماعيل بن عبد الله النّاسخ المعروف بابن الزّمكحل [1] .
قال في «إنباء الغمر» : كان أعجوبة دهره في كتابة قلم الغبار، مع أنه لا يطمس واوا ولا ميما، ويكتب آية الكرسي على أرزة، وكذلك [2] سورة الإخلاص، وكتب من المصاحف الحمائلية ما لا يحصى. انتهى.
وفيها داود بن محمد بن داود بن عبد الله الحسني الحميري [3] ، صاحب صنعاء [من جبال اليمن، حاربه الإمام صاحب صعدة فغلب على صنعاء] [4] وانتزعها منه، ففرّ داود منه إلى الأشرف صاحب زبيد فأكرمه إلى أن مات في ذي القعدة، وهو آخر من وليها من أهل بيته، ودامت مملكتهم قريبا من خمسمائة سنة.
وفيها زين الدّين سريجا- بفتح المهملة، وكسر الراء، بعدها تحتانية ساكنة، ثم جيم مفتوحة بغير مد- ابن بدر الدّين محمد بن سريجا الملطي ثم البارودي [5] .
كان من أعيان تلك البلاد في زمانه في الفقه، والقراءات، والأدب، وغير ذلك، وله تصانيف، منها «شرح الأربعين النووية» سمّاه «نثر فوائد المربعين
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (2/ 231) و «النجوم الزاهرة» (11/ 308) .
[2] في «ط» : «وكذا» .
[3] انظر «إنباء الغمر» (2/ 233) و «الأعلام» (2/ 334) .
[4] ما بين القوسين سقط من «آ» .
[5] انظر «إنباء الغمر» (2/ 233) و «الدّرر الكامنة» (2/ 130) .

(8/517)


النّبوية في نشر فوائد الأربعين النّووية» [1] ، و «جنّة الجازع وحبّة الجارع» صنّفه [2] عند موت ولد [3] له سنة إحدى وثمانين [4] ، وسدّ باب الضّلال، وصدّ ناب الضّلّال [5] في ترجمة الغزّالي. ونظم قصيدة في القراءات السبع بوزن «الشاطبية» أولها:
يقول سريجا قانتا مبتهلا [6] ... بدأت بنظمي حامدا [7] ومبسملا
ومن نظمه وأجاد:
خذ بالحديث وكن به متمسّكا ... فلطالما ظمئت به الأكباد
شدّ الرّحال له الرّجال إذا سعوا ... لأخطار ما صرّت له الآساد
مات بماردين في المحرم وله ثمان وستون سنة.
وأخذ عنه ولده عقيل [8] الذي مات سنة أربع عشرة وثمانمائة [وبدر الدّين بن سلامة [9] الذي مات سنة سبع وثلاثين وثمانمائة] [10] .
وفيها زين الدّين عبد الرحمن بن محمد بن مفلح بن محمد بن مفرج [11] الإمام الحنبلي، ابن صاحب «الفروع» .
__________
[1] في «آ» و «ط» : «نشر فوائد المربعين النبوية في نثر فوائد الأربعين النووية» وما أثبته من «إنباء الغمر» مصدر المؤلّف.
[2] في «ط» و «إنباء الغمر» : «صنعه» .
[3] تحرفت في «ط» إلى «والد» .
[4] لفظة «وثمانين» سقطت من «ط» .
[5] في «ط» : «وصد باب الغلال» .
[6] كذا في «آ» : «مبتهلا» وفي «ط» : «متبهلا» وفي «إنباء الغمر» : «متبتلا» .
[7] في «ط» : «بحمدي ناظما» .
[8] مترجم في «إنباء الغمر» (7/ 37- 38) و «الضوء اللامع» (5/ 149) .
[9] هو محمد بن أبي بكر بن محمد سلامة المارديني الحلبي الحنفي بدر الدّين. انظر ترجمته في «إنباء الغمر» (8/ 320- 321) و «الضوء اللامع» (7/ 195- 196) .
[10] ما بين القوسين سقط من «ط» .
[11] انظر «المقصد الأرشد» (2/ 110- 111) و «الجوهر المنضد» ص (54) و «السّحب الوابلة» ص (215) .

(8/518)


كان أصغر أولاده، دأب واشتغل، وحفظ «المقنع» في الفقه، وكان شكلا حسنا، بارعا مترفها.
توفي يوم الاثنين خامس جمادى الأولى ودفن بالرّوضة قريبا من والده وجدّه.
وفيها قطب الدّين عبد اللّطيف بن عبد المحسن بن عبد الحميد بن يوسف السّبكي [1] ، نزيل دمشق، ابن أخت التّقي السّبكي الشافعي.
حضر على ابن الصوّاف مسموعه من النسائي، وتفرّد به، ومن أبي الحسن بن هارون من «مشيخة» جعفر الهمداني تخريج الزكي البرزالي، وحدّث. وكان كثير التّسري، يقال: إنه وطئ أزيد من ألف جارية. وروى عنه العراقي، وابن سند، وابن حجي، وغيرهم.
وفيها محيي الدّين عبد الوهاب بن محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن يحيى بن أسد الإسكندراني القروي [2] .
سمع من عبد الرحمن بن مخلوف عدة كتب، منها «الدعاء» للمحاملي، ومن محمد بن عبد المجيد الصوّاف «التوكل» وسمع بمكة من الرّضي الطّبري «مسلسلات ابن شاذان» وسمع من غيرهم. وحدّث، وقد خرّج له الذهبي جزءا من حديثه.
وتوفي في ذي القعدة وله ست وثمانون سنة.
وفيها شرف الدّين علي بن عبد القادر المراغي الصّوفي [3] .
اشتغل في بلاده ومهر في الفقه والأصول والطب والنجوم وفاق في العلوم العقلية.
قال السيوطي: كان فاضلا في العلوم العقلية والعربية، ويقرئ
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (2/ 237) و «الدّرر الكامنة» (2/ 408) .
[2] انظر «إنباء الغمر» (2/ 238- 239) .
[3] انظر «إنباء الغمر» (2/ 239) و «بغية الوعاة» (2/ 176) .

(8/519)


«الكشّاف» و «المنهاج» في الأصول، بارعا في الطّب والنّجوم، معتزليا، ونسب إلى رفض، فرفع إلى حاكم وعزّر واستتيب.
وكان صوفيا بخانقاه السّميساطية، فأخرج منها وأنزل بخانقاه خاتون، فاستمرّ إلى أن مات بها. انتهى.
وقرأ عليه تقي الدّين بن مفلح، ونجم الدّين بن حجي، وغيرهما.
وتوفي في ربيع الآخر وقد جاوز الستين.
وفيها الواثق بالله عمر بن إبراهيم بن محمد بن أحمد بن المعتصم بن الواثق بن المستمسك بن الحاكم العباسي [1] الخليفة [2] .
ولي الخلافة بعد خلع المتوكل في رجب سنة خمس وثمانين، وتوفي يوم الأربعاء تاسع عشري [3] شوال واستقرّ بعده أخوه زكريا.
وفيها شمس الدّين محمد بن أحمد بن عثمان بن عمر التّركستاني الأصل القرميّ [4] ، نزيل بيت المقدس.
ولد بدمشق سنة عشرين وسبعمائة، ثم تجرّد، وخرج منها سنة إحدى وأربعين، فطاف البلاد، ودخل الحجاز واليمن، ثم أقام بالقدس، وبنيت له زاوية، وكان يقيم في الخلوة أربعين يوما لا يخرج إلّا للجمعة، وصار أحد أفراد الزمان عبادة وزهدا وورعا، وقصد بالزيارة من الملوك بسرور منهم، وله خلوات ومجاهدات، وسمع بدمشق من الحجّار وغيره، وكان يتورّع عن التحديث، ثم انبسط وحدّث. وكان عجبا في كثرة العبادة وملازمة التّلاوة، حتّى بلغ في اليوم ست ختمات، وقيل: بلغ ثمانية. وسأله الشيخ عبد الله البسطامي فقال له: إن
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (2/ 239) و «تاريخ الخلفاء» ص (505) .
[2] لفظة «الخليفة» سقطت من «ط» .
[3] في «تاريخ الخلفاء» : «تاسع عشر» .
[4] انظر «إنباء الغمر» (2/ 240) و «الدّرر الكامنة» (3/ 335) و «النجوم الزاهرة» (11/ 309) .

(8/520)


الناس يذكرون عنك القول في سرعة التّلاوة فما القدر [1] الذي نذكر عنك أنك قرأته في اليوم الواحد؟ فقال: اضبط أني قرأت من الصبح إلى العصر خمس ختمات.
ويذكر عنه كرامات كثيرة وخوارق، مع سعة العلم، ومحبة الانفراد، وقهر النّفس، وانتفع به جماعة.
ومات في تاسع [2] شهر رمضان. قاله جميعه ابن حجر.
وكانت وفاته بالقدس الشريف بخلوته، وصلّي عليه بالمسجد الأقصى، ثم ردّ إلى خلوته فدفن بها.
ومن شعره:
أسير وحدي بلا ماء ولا زاد ... إلى الحمى مستهاما ظامئا صادي
ولا رفيق ولا خلّ يؤانسني ... خلعت نعلي مني شاطئ الوادي
أدناني الحبّ منه ثم قرّبني ... كقاب قوسين أو أدنى وذا الهادي
وله أيضا:
ما زلت أقيم مذهب العشق زمان ... حتّى ظهرت أدلة الحقّ وبان
ما زلت أوحّد الذي أعبده ... حتّى ارتحل الشّرك عن الحقّ وبان
وفيها شمس الدّين محمد بن عبد الله بن أحمد بن إبراهيم بن أحمد الشافعي الآصجي [3]- بمد وفتح المهملة بعدها جيم- الشّاعر الأديب.
نزل مكّة، وجاور بها عدة سنين، وكان مكثرا. أكثر عنه نجم الدّين الجرجاني. قاله ابن حجر.
__________
[1] تحرفت في «ط» إلى «القول» .
[2] كذا في «آ» و «إنباء الغمر» : «في تاسع» وفي «ط» : «في تاسع عشري» .
[3] انظر «إنباء الغمر» (2/ 242) وفيه: «الآسجي» و «الدّرر الكامنة» (3/ 466) وفيه:
«الآيجي» .

(8/521)


وفيها القاضي شمس الدّين محمد بن تقي الدّين عبد الله بن محمد بن محمود بن أحمد بن عزاز [1] المرداوي الحنبلي أبو عبد الله [2] .
ولد سنة أربع عشرة، وسمع الكثير من جماعات كثيرة، منهم: الشّهاب الصّرخدي، وتفقه، وناب في القضاء، ثم استقلّ به إلى أن مات. وكان محمودا في ولايته إلّا أنه في حال نيابته عن عمّه كان كثير التصميم [3] بخلافه لما استقلّ.
وكان يكتب على الفتاوى كتابة جيدة، وكان كيسا، متواضعا، قاضيا لحوائج من يقصده، خبيرا بالأحكام، ذاكرا للوقائع، صبورا على الخصوم، عارفا بالإثباتات وغيرها، ولا يلحق في ذلك، وكان يركب الحمارة على طريقة عمّه، وقد خرّج له ابن المحبّ الصّامت أحاديث متباينة، وحدّث بمشيخة ابن عبد الدائم، عن حفيده محمد بن أبي بكر، عن جدّه سماعا.
وتوفي في رمضان عن أربع وأربعين سنة.
وفيها شمس الدّين محمد بن شمس الدّين محمد بن شهاب الدّين أحمد بن الشيخ المحدّث محبّ الدّين السّعدي المقدسي، المعروف بابن المحبّ [4] الحافظ الحنبلي.
ولد سنة إحدى وثلاثين، وسمع من ابن الرّضي، والجزري، وبنت الكمال، وغيرهم. وأحضر على أسماء بنت صصرى، وعائشة بنت مسلم، وغيرهما. وعني بالحديث، وكتب الأجزاء والطّباق، وعمل المواعيد، وأخذ عن إبراهيم بن قيّم الجوزية، وكتب بخطّه الحسن شيئا كثيرا. وكان شديد التعصب لابن تيميّة.
وتوفي يوم الأربعاء سابع جمادى الأولى بالصّالحية ودفن بالرّوضة.
__________
[1] في «آ» و «ط» : «ابن عفّان» والتصحيح من مصادر الترجمة.
[2] انظر «إنباء الغمر» (2/ 242- 243) و «المقصد الأرشد « (2/ 427- 428) وهو مترجم في «المنهج الأحمد» الورقة (469) من القسم غير المطبوع.
[3] تحرفت في «ط» إلى «التصمم» .
[4] انظر «إنباء الغمر» (2/ 244) و «المقصد الأرشد» (2/ 511) .

(8/522)


وفيها محمد بن محمد بن علي بن حزب الله المغربي [1] .
قال ابن حجر: قرأت بخطّ القاضي برهان الدّين بن جماعة: مات الإمام العالم الكاتب البليغ أبو عبد الله بن حزب الله بدمشق في خامس عشري شعبان سنة ثمان وثمانين، وله تآليف وفضائل.
قلت: منها كتاب سمّاه «عرف الطّيب في وصف الخطيب» صنّفه للبرهان المذكور.
ومن نظمه قصيدة أولها:
لبريق أرض الأبرّقين والنّقا ... قد طار منّي القلب إذ تألّقا
انتهى.
وفيها شمس الدّين محمد بن يوسف [بن إلياس] [2] القونوي الحنفي [3] ، نزيل المزّة.
ولد سنة خمس عشرة أو في التي بعدها، وقدم دمشق شابا، وأخذ عن التّبريزي وغيره، وتنزّه عن مباشرة الوظائف حتّى المدارس، وكان الشيخ تقي الدّين السّبكي يبالغ في تعظيمه، وكان له حظ من عبادة وعلم وزهد وورع [4] .
وكان شديد البأس على الحكام، شديد الإنكار للمنكر، أمّارا بالمعروف، يحب الانفراد والانجماع، قليل المهابة للأمراء والسلاطين، يغلظ لهم كثيرا. وكان قد أقبل على اشتغال بالحديث بأخرّة، والتزم أن لا ينظر في غيره، وصارت له اختيارات يخالف فيها المذاهب الأربعة لما يظهر له من دليل الحديث.
قال ابن حجي: كانت له وجاهة عظيمة، وكان ينهى أولاده وأتباعه عن
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (2/ 244) .
[2] ما بين القوسين سقط من «آ» .
[3] انظر «إنباء الغمر» (2/ 244) و «الدّرر الكامنة» (4/ 292) و «النجوم الزاهرة» (11/ 309) و «الفوائد البهية» ص (203- 204) .
[4] لفظة «وورع» لم ترد في «آ» و «إنباء الغمر» مصدر المؤلف وانفردت بها «ط» .

(8/523)


الدخول في الوظائف، وكان ربما كتب شفاعة إلى النائب نصها إلى فلان المكاس، أو الظّالم، أو نحو ذلك، وهم لا يخالفون له أمرا ولا يردّون له شفاعة. وكان الكثير من الناس يتوقّون الاجتماع به لغلظه في خطابه، وكان مع ذلك يبالغ في تعظيم نفسه في العلم حتّى قال مرّة: أنا أعلم من النّووي وهو أزهد مني، وكان يتعانى الفروسية وآلات الحرب، ويحب من يتعانى ذلك، ويتردد إلى صيدا وبيروت على نيّة الرّباط، وقد باشر القتال في نوبة بيروت، وبنى برجا على الساحل.
وقد صنّف كتابا في فقه الأئمة الأربعة سمّاه «الدّرر» وهو كتاب كبير على أسلوب غريب، واختصر «شرح مسلم» للنووي، وتعقب عليه مواضع. وشرح «مجمع البحرين» [1] في عشر مجلدات [2] .
وقد قدم القاهرة وأقام بها مدة، وأقام بالقدس مدة، ثم رجع إلى دمشق، وانقطع بزاويته بالرّبوة، ثم انقطع بزاويته بالمزّة، إلى أن توفي بالطّاعون في جمادى الآخرة.
وفيها شرف الدّين محمد بن كمال الدّين يوسف بن شمس الدّين محمد بن عمر بن قاضي شبهة الشافعي [3] .
اشتغل على جدّه ثم على أبيه، وتعانى الأدبيات، وقال الشعر، وكتب الخطّ الحسن.
قال ابن حجي: كان جميل الشّكل، حسن الخلق، وافر العقل، كثير التودد، ولي قضاء الزّبداني مدة، ثم تركه، وتوفي عشر الأربعين في ربيع الآخر، ووجد عليه أبوه وجدا كثيرا، حتّى مات بعده عن قرب.
__________
[1] هو «مجمع البحرين وملتقى النهرين» في فروع الحنفية، للإمام مظفّر الدّين أحمد بن علي بن تغلب، المعروف بابن السّاعاتي المتوفى سنة (694) هـ. جمع فيه بين «مختصر القدوريّ» و «المنظومة» مع زوائد، ورتّبه فأحسن وأبدع في اختصاره. انظر «الجواهر المضية» (1/ 208- 212) و «كشف الظنون» (2/ 1599- 1600) و «الأعلام» (1/ 175) .
[2] وقال صاحب «الجواهر المضية» : «وشرحه في مجلدين» .
[3] انظر «إنباء الغمر» (2/ 246) .

(8/524)


وفيها إمام الدّين محمد الأصبهاني [1] .
قال ابن حجر: كان عالما، عابدا، مشهورا بالفضل والكرامات، وكان ينذر بوقوع البلاء على يد اللّنك ويخبر أنه ما دام حيّا لا يصيب أهل أصبهان أذى، فاتفقت وفاته في طروق اللّنك لهم في هذه السنة. انتهى.
وفيا جمال الدّين أبو المحاسن يوسف بن المجد أبي المعالي محمد بن علي بن إبراهيم بن أبي القاسم بن جعفر الأنصاري، المعروف بابن الصّيرفي [2] .
ولد في رمضان سنة عشر وسبعمائة، وأسمعه أبوه الكثير من أبي بكر الدّشتي، والقاضي سليمان، وعيسى المطعم، وغيرهم. وحدّث بالكثير، وكان يزين في القبان، ثم كبر وعجز، وكان بأخرة يأخذ الأجرة ويماكس في ذلك، وآخر من حدّث عنه الحافظ برهان الدّين [3] ، محدّث حلب، وكان له «ثبت» يشتمل على شيء كثير من الكتب والأجزاء.
توفي في ذي الحجّة.
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (2/ 247) .
[2] انظر «إنباء الغمر» (2/ 248) و «الدّرر الكامنة» (4/ 473) .
[3] تحرفت في «ط» إلى «بركات الدّين» .

(8/525)


سنة تسع وثمانين وسبعمائة
فيها كانت وفاة [1] ميخائيل الأسلمي [2] .
كان نصرانيا، وأسلم في شعبان السنة التي قبلها بحضرة السّلطان، فأركب بغلة، وعمل تاجر الخاص، ثم قرّر في نظر إسكندرية في محرم هذه السنة، فلما كان ثالث عشر ربيع الآخر ضربت عنقه بالإسكندرية بعد أن ثبت عليه أنه زنديق، وشهد عليه بذلك خمسون إلّا واحدا.
وفيها ضربت الدّراهم الظّاهرية وجعل اسم السّلطان في دائرة فتفاءلوا له من ذلك بالحبس، فوقع عن قريب، ووقع نظيره لولده الناصر فرج في الدّنانير النّاصرية.
وفيها توفي خليل بن فرح بن سعيد الإسرائيلي القدسي ثم الدمشقي القلعي الشّافعي [3] .
أسلم ببيت المقدس، وله تسع عشرة سنة، وعني بالعلم، ولازم الشيخ ولي الدّين المنفلوطي، وانتفع به، وقرأ القرآن، ولقّب فخر الدّين ومحبّ الدّين، وكان مولده في آخر سنة اثنتي عشرة وسبعمائة، وتفقه على مذهب الشافعي، فمهر وصار من أكثر الناس مواظبة على الطّاعة من قيام الليل وإدامة التّلاوة والمطالعة، وولي مشيخة القصّاعين ثم تركها لولده، وجاور في آخر عمره بمكّة، وقدم دمشق ممرضا فمات في حادي عشر صفر.
__________
[1] لفظة «وفاة» سقطت من «آ» .
[2] انظر «إنباء الغمر» (2/ 256) .
[3] انظر «إنباء الغمر» (2/ 264) و «الدّرر الكامنة» (2/ 90) .

(8/526)


وفيها الحافظ صدر الدّين سليمان بن يوسف بن مفلح بن أبي الوفاء الياسوفيّ الدمشقي الشافعي [1] .
ولد سنة تسع وثلاثين تقريبا، وسمع الكثير، وعني بالحديث، واشتغل بالفنون، وحدّث، وأفاد، وخرّج، مع الخط الحسن، والدّين المتين، والفهم القوي، والمشاركة الكثيرة. أوذي في فتنة الفقهاء القائمين على الملك الظّاهر، فسجن حتّى مات في السّجن، مع أنّه صنّف في منع الخروج على الأمراء تصنيفا حسنا، وكان مشهورا بالذكاء، سريع الحفظ، دأب في الاشتغال، ولازم العماد الحسباني وغيره، وفضل في مدة يسيرة، وتنزل في المدارس، ثم تركها، وقرأ في الأصول على الإخميمي، وترافق هو وبدر الدّين بن خطيب الحديثة، فتركا الوظائف، وتزهدا، وصارا يأمران بالمعروف وينهيان عن المنكر، أوذيا بسبب ذلك مرارا، ثم حبّب إلى الصّدر الحديث، فصحب ابن رافع، وجدّ في الطلب، وأخذ عن ابن البخاري كثيرا، ورحل إلى مصر، وسمع بها من جماعة، ودرّس، وأفتى، واستمرّ على الاشتغال بالحديث يسمع ويفيد الطلبة القادمين، وينوّه بهم، مع صحّة الفهم وجودة الذّهن.
قال ابن حجي: وفي آخر أمره صار يسلك مسلك الاجتهاد، ويصرّح بتخطئة الكبار، واتفق وصول أحمد الظّاهري من بلاد الشرق، فلازمه، فمال إليه، فلما كانت كائنة تدمر مع ابن الحمصي أمر بالقبض على أحمد الظّاهري ومن ينسب إليه، فاتفق أنه وجد مع اثنين من طلبة الياسوفي فذكرا أنهما من طلبة الياسوفي، فقبض على الياسوفي، وسجن بالقلعة أحد عشر شهرا، إلى أن مات في ثالث عشر شوال.
ومن شعر الياسوفي:
ليس الطّريق سوى طريق محمّد ... فهي الصّراط المستقيم لمن سلك
من يمش في طرقاته فقد اهتدى ... سبل الرّشاد ومن يزغ عنها هلك
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (2/ 265) و «الدّرر الكامنة» (2/ 166) و «النجوم الزاهرة» (11/ 312) .

(8/527)


وفيها أبو زيد عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن السّجلماسي [1] ، المعروف بالحفيد، ابن رشد المالكي [2] .
كان بارعا في مذهبه، وروى عن أبي البركات البلقيني، والعفيف المطري، والشيخ خليل، وولي قضاء حلب، ثم غزّة، ثم سكن بيت المقدس.
قال القاضي علاء الدّين في «تاريخ حلب» : كان فاضلا، يستحضر، لكن كلامه أكثر من علمه، حتّى كان يزعم أن ابن الحاجب لا يعرف مذهب مالك، وأما من تأخر من أهل العلم فإنه كان لا يرفع بهم رأسا إلّا ابن عبد السّلام، وابن دقيق العيد، ووقع بينه وبين شهاب الدّين بن أبي الرّضا قاضي حلب الشافعي منافرة، فكان كل منهما يقع في حقّ الآخر، وأكثر الحلبيين مع ابن أبي الرّضا لكثرة وقوع الحفيد في الأعراض، وسافر في تجارة من حلب إلى بغداد، ثم حجّ، وعاد إلى القاهرة، ومات عن ثلاث وسبعين سنة، وهو [3] معزول عن القضاء، ولم يكن محمودا. قاله ابن حجر.
وفيها تاج الدّين عبد الواحد بن عمر بن عبّاد المالكي بن الحكّار [4] .
برع في الفقه، وشارك في غيره.
وفيها أبو الحسن علي بن عمر بن عبد الرحيم بن بدر الجزري الأصل الصّالحي النسّاج، المعروف بأبي الهول [5] .
ولد سنة بضع وسبعمائة، وسمع الكثير من التقي سليمان وغيره، وحدّث، وكان سمحا بالتحديث، ثم لحقه في أواخر عمره طرف صمم، فكان لا يسمع
__________
[1] تحرفت في «آ» إلى «السّلجماسي» .
[2] انظر «إنباء الغمر» (2/ 267) و «الدّرر الكامنة» (2/ 343) و «النجوم الزاهرة» (11/ 313) .
[3] لفظة «وهو» سقطت من «آ» .
[4] انظر «إنباء الغمر» (2/ 267) .
[5] انظر «إنباء الغمر» (2/ 268) و «الدّرر الكامنة» (3/ 88) .

(8/528)


إلّا بمشقة، وقد حدّث بالكثير، وسمع منه السّكّري، وابن العجمي، وابن حجي، وآخرون، وتوفي في ربيع الأول عن نحو تسعين سنة.
وفيها شمس الدّين أبو المجد محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن علي الحسني [1] ، نقيب الأشراف بحلب.
ذكره طاهر بن حبيب في «ذيل تاريخ أبيه» ، وأثنى عليه بالفضل الوافر، وحسن المجالسة، وطيب المحاضرة، ومات في الطّاعون الكائن بحلب، واتفق أنه قبضت روحه وهو يقرأ سورة يس.
وفيها الحافظ شمس الدّين، أبو بكر محمد بن المحبّ عبد الله بن أحمد ابن المحبّ عبد الله الصّالحي المقدسي الحنبلي المعروف بالصّامت [2] الشيخ الإمام الحافظ الأصيل، بقية المحدّثين. سمّي بالصّامت لكثرة سكوته ووقاره.
سمع من عيسى المطعم، والقاضي تقي الدّين، وابن عبد الدائم، والقاسم بن عساكر. وقرأ على خالته زينب بنت الكمال كثيرا، وعلى أبيه، والمزّي، والبرزالي، والذهبي.
وذكره في «معجمه المختص» وقال: فيه عقل وسكون، وذهنه جيّد، وهمّته عالية في التحصيل.
وأثنى عليه الأئمة، وكان آخر من بقي من أئمة هذا الفنّ. وحدّث فسمع منه [3] خلق كثير، منهم: الشيخ شمس الدّين بن عبد الهادي، سمع منه في سنة ثلاثين.
قال ابن حجر: كان كثير التقشف جدا، بحيث يلبس الثوب أو العمامة فيتقطع قبل أن يبدلها أو يغسلها، وربما مشى إلى البيت بقبقاب عتيق، وإذا بعد
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (2/ 270) .
[2] انظر «المعجم المختص» ص (235- 236) و «إنباء الغمر» (2/ 270) و «الدّرر الكامنة» (3/ 465) و «السحب الوابلة» ص (393) .
[3] تحرفت في «ط» إلى «من» .

(8/529)


عليه المكان أمسكه بيده ومشى حافيا، وكان يمشي إلى الحلق التي تحت القلعة فيتفرج على أصحابها مع العامّة، ولم يتزوج قطّ، وكانت إقامته بالضّيائية، وتوفي في خامس ذي القعدة، وباع ابن أخيه كتبه بأبخس ثمن وبذّر ثمنها بسرعة لأنه كان كثير الإسراف على نفسه.
وفيها محمد بن علي بن عمر بن خالد بن الخشّاب المصري [1] .
سمع «الصحيح» من وزيرة، والحجّار، وحدّث به، وولي نيابة الحسبة، وأضرّ قبل موته.
توفي في شعبان.
وفيها الحافظ ناصر الدّين محمد بن علي بن محمد بن محمد بن هاشم بن عبد الواحد بن أبي المكارم بن حامد بن عشائر الشافعي الحلبي [2] .
ولد سنة اثنتين وأربعين، وسمع الكثير ببلده ودمشق والقاهرة، وأخذ بدمشق عن ابن رافع، وكان بارعا في الفقه والحديث والأدب، حسن الخطّ جدا، ذا ثروة وملك كثير. جمع مجاميع جيدة، وحدّث وناظر، وألّف، وأسمع ولده ولي الدّين الكثير، وشرع في «تاريخ» لحلب يذيّل به على «تاريخ ابن العديم» ، رتّبه على حروف المعجم، وتمّمه في أربعة أسفار يذكر فيه من مات من أهل حلب أو دخلها أو دخل شيئا من معاملتها، وكان رأسا ببلده، ذكر لقضائها، وكان خطيبا بها، ثم لما قدم القاهرة فاجأته الوفاة في ربيع الآخر فمات غريبا، ويقال: إنه مات مسموما.
وفيها محبّ الدّين محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن أبي بكر الدّمراقي [3] الهندي الحنفي [4] .
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (2/ 273) و «الدّرر الكامنة» (4/ 78) .
[2] انظر «إنباء الغمر» (2/ 273) و «الدّرر الكامنة» (4/ 85) .
[3] في «إنباء الغمر» : «الدمراني» .
[4] انظر «إنباء الغمر» (2/ 275) و «نزهة الخواطر» (2/ 148) .

(8/530)


قدم مكة قديما، وسمع من العزّ بن جماعة، وهو عالم بارع، وكان يعتمر في كل يوم، ويقرأ كل يوم ختمة، ويكتب العلم.
قال ابن حجر: ولكنه كان شديد العصبية، يقع في الشافعي، ويرى ذلك عبادة. نقلت ذلك من خطّ الشيخ تقي الدّين المقريزي، ومات وقد قارب المائة. انتهى.
وفيها صلاح الدّين محمد بن الملك الكامل محمد بن الملك السعيد عبد الملك بن صالح إسماعيل بن العادل بن أيوب الدمشقي [1] .
كان أحد الأمراء بدمشق، ومولده سنة عشر تقريبا، وأجاز له الدّشتي، والقاضي، وغيرهما، وحدّث، وتوفي في رمضان.
وفيها محمود بن موسى بن أحمد الأذرعي [2] التاجر.
أجاز له التّقي سليمان وغيره، وحدّث.
وفيها منشا موسى بن ماري حاطه بن منشا مغابن منشا موسى ملك التّكرور [3] .
وليها بعد أبيه سنة خمس وسبعين، وكان عادلا عاقلا. قاله ابن حجر.
وفيها جمال الدّين أبو المحاسن يوسف بن الشيخ العلّامة شمس الدّين محمد بن القاضي نجم الدّين عمر بن محمد بن عبد الوهاب بن محمد بن ذؤيب بن مشرف بن قاضي شبهة الأسدي الشافعي [4] ، عمّ صاحب «الطبقات» .
ولد سنة عشرين وسبعمائة، وسمع الحديث من جماعة، وتفقه على
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (2/ 276) .
[2] انظر «إنباء الغمر» (2/ 276) .
[3] انظر «إنباء الغمر» (2/ 276) و «الدّرر الكامنة» (3/ 275) ضمن ترجمة أبيه.
[4] انظر «إنباء الغمر» (2/ 277) و «الدّرر الكامنة» (4/ 272) و «الدارس في تاريخ المدارس» (1/ 404) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (3/ 250) .

(8/531)


والده، وعلى أهل عصره، وأذن له والده في الإفتاء، وكان يثني على فهمه، وتنقّل في قضاء البرّ، ثم ترك ذلك، وأقام بدمشق على وظائف والده، نزل له عنها في حياته، وكان فاضلا في الفقه، غير أنه حصل له ثقل في لسانه في مرضة مرضها، فكان يعسر عليه الكلام، وكان خيّرا، ديّنا، منجمعا [1] ، ساكنا، حسن الشكل.
قال الحافظ برهان الدّين الحلبي: قال لي: ما أعلم منذ وعيت إلى الآن أني خلوت ساعة من وجع.
توفي في شوال ودفن عند والده، رحمهما الله تعالى.
__________
[1] تحرفت في «ط» إلى «منجما» .

(8/532)


سنة تسعين وسبعمائة
فيها أصاب الحاجّ [1] في رجوعهم في [2] ليلة تاسع المحرم عند ثغرة [3] حامد سيل عظيم، مات منه عدد كثير، عرف [4] منهم مائة وسبعة وثلاثين نفسا، وأما من لم يعرف فكثير جدا [5] .
وفيها- كما قال ابن حجر-: هبّت ريح عظيمة بمصر وتراب شديد إلى أن كاد يعمي المارة في الطرقات، وكان ذلك صبيحة المولد الذي يعمله الشيخ إسماعيل بن يوسف الأنبابي فيجتمع فيه من الخلق من لا يحصى عددهم، بحيث إنه وجد في صبيحته مائة وخمسين جرّة من جرار الخمر فارغات، إلى ما كان في تلك الليلة من الفساد، من الزنا، واللواط، والتجاهر بذلك، فأمر الشيخ إسماعيل بإبطال المولد بعد ذلك فيما يقال، ومات في سلخ شعبان. وكان نشأ على طريقة حسنة، واشتغل بالعلم، وانقطع بزاويته، وصار يعمل عنده المولد كما يعمل بطنتدا، ويحصل فيه من المفاسد والقبائح ما لا يعبّر عنه. انتهى.
وفيها توفي برهان الدّين أبو إسحاق إبراهيم بن الخطيب زين الدّين أبي محمد عبد الرحيم بن قاضي مصر والشام بدر الدّين محمد بن جماعة الكناني الحموي الأصل المقدسي الشافعي [6] ، قاضي مصر والشام، وخطيب الخطباء، وشيخ الشيوخ، وكبير طائفة الفقهاء، وبقية رؤساء الزّمان.
__________
[1] في «ط» : «الحجّاج» .
[2] سقطت لفظة «في» من «ط» .
[3] تحرفت في «ط» إلى «ثغر» .
[4] في «آ» : «غرق» وفي «ط» : «أغرق» والتصحيح من «إنباء الغمر» مصدر المؤلّف.
[5] انظر «إنباء الغمر» (2/ 278) .
[6] انظر «إنباء الغمر» (2/ 292) و «الدّرر الكامنة» (1/ 38) و «النجوم الزاهرة» (11/ 314) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (3/ 188) .

(8/533)


ولد بمصر في ربيع الآخر سنة خمس وعشرين، وقدم دمشق صغيرا، فنشأ عند أقاربه بالمزّة، وأحضر على جدّه، وسمع من أبيه وعمّه، وطلب الحديث بنفسه وهو صغير في حدود الأربعين، وسمع من شيوخ مصر والشام، ولازم المزّي، والذهبي، وأثني على فضائله، وحصّل الأجزاء، وتخرّج على الشيوخ، واشتغل في فنون العلم، وتوفي والده سنة تسع وثلاثين وهو صغير، فكتبت خطابة القدس باسمه، واستنيب له، ثم باشر بنفسه وهو صغير، وانقطع ببيت المقدس، ثم أضيف إليه تدريس الصّلاحية [1] بعد وفاة العلائي، ثم خطب إلى قضاء الدّيار المصرية بعد عزل أبي البقاء في جمادى الآخرة سنة ثلاث وسبعين، وباشره بنزاهة وعفّة ومهابة وحرمة، وعزل نفسه، فسأله السلطان وترضّاه حتّى عاد، واستمرّ إلى أن عزل نفسه ثانيا في شعبان سنة سبع وسبعين، وعاد إلى القدس على وظائفه، ثم سئل في العود إلى القضاء [2] فأعيد في صفر سنة إحدى وثمانين، فباشرها ثلاث سنين إلى أن عزل نفسه في صفر سنة أربع وثمانين، وعاد إلى القدس، ثم خطب إلى قضاء دمشق والخطابة بعد موت القاضي ولي الدّين في ذي القعدة سنة خمس وثمانين، ثم أضيف إلى مشيخة الشيوخ بعد سنة من ولايته، وقام في أمور كبار تمّت له.
قال الحافظ ابن حجر: عزل نفسه في أثناء ولايته غير مرّة ثم يسأل ويعاد، وكان محببا إلى الناس [3] ، وإليه انتهت رئاسة العلماء في زمانه، فم يكن أحد يدانيه في سعة الصّدر، وكثرة البذل، وقيامة الحرمة، والصّدع بالحقّ، وقمع أهل الفساد، مع المشاركة الجيدة في العلوم، واقتنى من الكتب النّفيسة بخطوط مصنّفيها وغيرهم ما لم يتهيأ لغيره. انتهى.
وجمع «تفسيرا» في عشر مجلدات، وفيه غرائب وفوائد، وتوفي شبه الفجأة في شعبان ودفن بتربة أقاربه بني الرّحبي بالمزّة.
__________
[1] تحرفت في «ط» إلى «الصالحية» .
[2] كذا في «ط» و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة مصدر المؤلف: «فأعيد» وفي «آ» :
«فعاد» .
[3] تحرفت في «ط» إلى «أناس» .

(8/534)


وفيها جمال الدّين أحمد بن محمد [1] بن عبد الرحيم بن إبراهيم بن يحيى بن أبي المجد اللّخمي الأسيوطي [2] ثم المكّي [3] .
ولد سنة خمس عشرة وسبعمائة، وتفقه للشافعي بالزّملكوني، والتاج التّبريزي، والكمال النّسائي، ولازم الشيخ جمال الدّين الإسنوي، وصحب شهاب الدّين بن الميلق، وأخذ عنه في الأصول والتصوف، وسمع «صحيح البخاري» من الحجّار، وسمع «مسلم» من الواني، وحدّث عنهما وعن الدّبوسي ونحوه بالكثير، وسمع بدمشق من الرّضي، والمزّي، وجماعة، ومهر في الفنون، وناب في الحكم، ثم جاور بمكّة مدة طويلة من سنة سبعين وتصدى [4] للتدريس والتحديث، وجمع بين «الشرح الكبير» و «الروضة» و «التهذيب» بيّض نصف الكتاب في سبع مجلدات، وله «شرح بانت سعاد» .
وتوفي بمكة في ثالث رجب.
وفيها شهاب الدّين أبو العبّاس أحمد بن شمس الدّين أبي عبد الله محمد بن القاضي نجم الدّين أبي حفص عمر بن محمد بن عبد الوهاب بن محمد بن ذؤيب بن مشرف الأسدي الشافعي، المعروف بابن قاضي شهبة [5] ، وهو والد صاحب «طبقات الشافعية» .
قال ولده: مولده في رجب سنة سبع وثلاثين وسبعمائة، وحفظ «التنبيه» وغيره، واشتغل على والده وأهل طبقته، وأذن له والده بالإفتاء، واشتغل في الفرائض، ومهر فيها، وصنّف فيها مصنّفا، ودرّس وأعار [6] ، وجلس للاشتغال
__________
[1] تنبيه: كذا في «آ» و «ط» : «أحمد بن محمد ... » والذي في مصادر الترجمة: «إبراهيم بن محمد ... » .
[2] انظر «إنباء الغمر» (2/ 294) و «الدّرر الكامنة» (1/ 60) و «النجوم الزاهرة» (11/ 315) .
[3] في مصادر الترجمة: «الأميوطي» .
[4] كذا في «آ» و «إنباء الغمر» مصدر المؤلّف: «وتصدى» وفي «ط» : «وتصدر» .
[5] انظر «إنباء الغمر» (2/ 296) و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (3/ 200) و «معجم المؤلفين» (2/ 140) .
[6] في «ط» : «وأعار» وهو خطأ.

(8/535)


بالجامع الأموي مدة، وكان كريم النّفس جدا، كثير الإحسان إلى الطلبة والفقهاء والغرباء، وإلى أقاربه وذوي رحمه، ولم يكن ببلده في طائفته أكرم منه ومن الشيخ نجم الدّين بن الجابي.
توفي في ذي القعدة ودفن بالباب الصغير بمقبرة والده، رحمهما الله تعالى. انتهى.
وفيها شهاب الدّين أحمد بن محمد بن غازي بن حاتم [1] التركماني المعروف بابن الحجازي [2] .
ولد سنة ثلاث عشرة وسبعمائة، وحضر على أبي بكر بن أحمد بن عبد الدائم وغيره، وأجاز له ابن المهتار، وست الوزراء، وغيرهما، وهو جدّ أبيه لأمّه، وطلب بنفسه بعد الثلاثين، وسمع من جماعة، وأجاز له جماعة، وكان فاضلا مشاركا. أقرأ الناس القراءات، ومات في رجب.
وفيها شجاع الدّين أبو بكر بن محمد بن قاسم السّنجاري الحنبلي [3] ، نزيل بغداد، الشيخ الإمام المحدّث.
كان فاضلا، مسندا، حدّث بالكثير، فمن ذلك «جامع المسانيد» و «مسند الشافعي» و «رموز الكنوز» في التفسير للرّسعني، و «كتاب التّوابين» لشيخ الإسلام موفق الدّين بن قدامة [4] ، وحدّث عنه الشيخ نصر الله البغدادي، وولده قاضي القضاة محبّ الدّين، وتوفي عن ثمانين سنة.
__________
[1] تصحفت في «آ» إلى «جانم» وفي «ط» إلى «جاثم» والتصحيح من «إنباء الغمر» مصدر المؤلف.
[2] انظر «إنباء الغمر» (1/ 127) و «غاية النهاية» (1/ 127) وقال في آخر ترجمته فيه: «ومات سنة إحدى وثمانين وسبعمائة فيما أحسب، ودفن في السفح» .
[3] انظر «إنباء الغمر» (2/ 298) و «الدّرر الكامنة» (1/ 460) و «المقصد الأرشد» (3/ 153- 154) و «السحب الوابلة» ص (134) .
[4] المطبوع بتحقيق والدي الأستاذ المحدّث الشيخ عبد القادر الأرناؤوط حفظه الله.

(8/536)


وفيها عبد الله بن محمد بن محمد بن سليمان النيسابوري الأصل ثم المكّي، المعروف بالنّشاوري [1] [2] .
ولد سنة خمس وسبعمائة، وقيل قبل ذلك، وسمع من الرّضي الطّبري، وأجاز له أخوه الصّفي، وحدّث بالكثير.
قال ابن حجر العسقلاني: سمعت عليه «صحيح البخاري» بمكة، وتفرّد عن الرّضي بسماع «الثقفيات» وقد حضر إلى القاهرة في أواخر عمره، وحدّث، ثم رجع إلى مكّة، وتغيّر قليلا، ومات بها في ذي الحجّة.
وفيها عبد الواحد بن عبد الله المغربي، المعروف بابن اللّوز [3] .
كان فاضلا، ماهرا في الطب والهيئة وغير ذلك، مات في شوال. قاله ابن حجر.
وفيها العلاء علاء الدّين بن أحمد بن محمد بن أحمد السّيرامي- بمهملة مكسورة بعدها تحتانية ساكنة [4]-.
قال في «إنباء الغمر» : كان من كبار العلماء في المعقولات، قدم من البلاد الشرقية بعد أن درّس في تلك البلاد، فأقام في ماردين مدة، ثم فارقها لزيارة القدس، فلزمه أهل حلب للإفادة، وبلغ خبره الملك الظّاهر، فاستدعى به فقرّره شيخا ومدرّسا بمدرسته التي أنشأها بين القصرين، وأفاد النّاس في علوم عديدة، وكان إليه المنتهى في فعل المعاني والبيان، وكان متودّدا إلى الناس، محسنا إلى الطّلبة، قائما في مصالحهم، لا يلوي بشره عن أحد، مع الدّين المتين والعبادة الدائمة.
مات في ثالث جمادى الأولى، وكانت جنازته حافلة، وقد جاوز السبعين.
انتهى.
__________
[1] في «آ» و «ط» : «المعروف بالشاوري» والتصحيح من «إنباء الغمر» و «الدّرر» .
[2] انظر «إنباء الغمر» (2/ 300) و «الدّرر الكامنة» (2/ 300- 301) .
[3] انظر «إنباء الغمر» (2/ 302) .
[4] انظر «إنباء الغمر» (2/ 302) و «الدّرر الكامنة» (1/ 307) و «النجوم الزاهرة» (1/ 316) .

(8/537)


وفيها شمس الدّين محمد بن إبراهيم بن يعقوب، شيخ الوضوء، الشافعي [1] .
كان يقرئ بالسبع، ويشارك في الفضائل، وقيل له: شيخ الوضوء لأنه كان يطوف على المطاهر فيعلّم العامة الوضوء [2] .
قال ابن حجي: قدم من صفد، وسمع على السّادجي أحد أصحاب الفخر، وتفقه بوالدي وغيره، وأذن له ابن الخطيب يبرود في الإفتاء، وكان التّاج السّبكي يثني عليه ويسلك مع ذلك طريق التصوف، ودخل القاهرة واجتمع بالسلطان، ورتّب له راتبا على المارستان المنصوري، وكان حسن الفهم، جيد المناظرة، يعتقد ابن عربي، وأقام بالقاهرة تسع سنين، وتوفي في جمادى الآخرة وقد جاوز السبعين. انتهى.
وفيها شمس الدّين محمد بن أحمد بن عبد الرحمن المنبجي الأسمري [3] ، خطيب المزّة. سمع الكثير من التّقي سليمان، ووزيره، وابن مكتوم، وغيرهم، وتفرّد بأشياء، وأكثروا عنه، وهو آخر من حدّث عن ابن مكتوم ب «الموطأ» ، وعن وزيره ب «مسند الشافعي» وولي بأخرة قضاء الزّبداني، وتوفي في ذي القعدة عن ست وثمانين سنة.
وفيها بدر الدّين محمد بن إسماعيل الإربلي بن الكحّال [4] .
__________
[1] انظر «إنباء الغمر» (2/ 305) .
[2] قلت: وكم تمنيت أن يفعل ذلك الخطباء وأئمة المساجد في أيامنا، فترى الكلام في الدّروس والخطب يدور حول كل شيء فيما عدا الطهارة. ولقد اطلعت على الكثير الكثير من جهل العامة بأمور الطهارة. فمن ذلك أروي هذه القصة: سألني أحد العامة وهو في حدود الخمسين عن غسل الجنابة وهو لا يدري إلى الآن كيف يغتسل من الجنابة وهل يغني غسل الجنابة عن الوضوء. ولما قلت له: إن الوضوء هو مفتاح غسل الجنابة بعد غسل العورة وإزالة أثر الجنابة، وأن غسل القدمين هو ختام غسل الجنابة. قال لي: هذه أول مرة أسمع فيها كيفية غسل الجنابة، وأنا من حوالي ثلاثين عاما أغتسل غسلا عاديا، ثم أتوضأ وبعدها أصلّي، فليت الخطباء بشكل خاص يعيرون أمور الطهارة اهتمامهم فينتج عن ذلك فوائد عظيمة للمجتمع والأمة بشكل عام، والله الموفق لكل خير.
[3] انظر «إنباء الغمر» (2/ 306) و «الدّرر الكامنة» (3/ 323) .
[4] انظر «إنباء الغمر» (2/ 306) .

(8/538)


قال ابن حجر: عني بالفقه والأصول، وكان جيد الفهم، فقيرا، ذا عيال، وهو مع ذلك راض قانع، جاوز الأربعين [1] . انتهى.
وفيها عزّ الدّين أبو اليمن محمد بن عبد اللطيف بن محمود بن أحمد الرّبعي بن الكويك [2] .
أصله من تكريت، ثم سكن سلفه الإسكندرية، وكانوا تجارا بها [3] .
وسمع بالإسكندرية من العتبي، ووجيهة بنت الصّعيدي، وبدر الدّين بن جماعة، وعلي بن قريش، وأبي حيّان، وغيرهم. وكان رئيسا، مسموع الكلمة عند القضاة.
توفي في جمادى الأولى عن خمس وسبعين سنة.
__________
[1] كذا في «آ» و «إنباء الغمر» : «جاوز الأربعين» وفي «ط» : «جاوز السبعين» .
[2] انظر «إنباء الغمر» (2/ 307) و «النجوم الزاهرة» (11/ 318) .
[3] لفظة «بها» سقطت من «آ» .

(8/539)