بستان العارفين - باب في الإخلاص وإحضار النية
في جميع الأعمال الظاهرة والباطنة
قال الله تعالى: (وَما أمِرُوا إلاَّ لِيَعبُدُوا اللّهَ مُخلِصِينَ لهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاَةَ ويُؤتُوا الزَّكاةَ وَذَلِكَ دِينُ القَيِّمَةَ) معناه الملمة المستقيمة وقيل القائمة بالحق والله أعلم.
وقال تعالى: (ومَن يَخرُج من بِيِتِه مُهاجِراً إلى اللّهِ ورَسولِه ثم يُدرِكهُ المَوتُ فَقد وَقَعَ أجرُه عَلى اللّهِ).
وقال تعالى: (ربُّكم أعلمُ بَما في نُفوسِكم).
وقال تعالى: (لَن يَنالَ اللّهَ لحُومُها وَلا دِمَاؤُهَا وَلكِن يَناله التَّقوَى مِنكم).
قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما معناه ولكن يناله النيات منكم، وقال إبراهيم التقوى ما يراد به وجهه، وقال الإمام أبو الحسن الواحدي قال الزجاج المعنى لن يتقبل الله الدماء واللحوم وإذا كانت من غير تقوى الله تعالى وإنما يتقبل منكم ما ستتقونه به وهذا دليل على أن شيئا من العبادات لا يصح إلا بالنية وهو أن ينوي به التقرب إلى الله تعالى وأداء ما أمر به.
أخبرنا شيخنا الإمام الحافظ أبو البقاء خالد بن يوسف بن سعيد بن الحسن بن المفرج بن بكار المقدسي النابلسي الشافعي رضي الله عنه قال أخبرنا أبو اليمن الكندي أخبرنا محمد بن عبد الباقي الأنصاري أخبرنا أبو محمد الحسن بن علي الجوهري أخبرنا أبو الحسين محمد بن المظفر الحافظ أخبرنا أبو بكر محمد بن سليمان الواسطي حدثنا أبو نعيم عبد بن هشام الحلبي عن ابن المبارك عن يحيى بن سعيد عن محمد بن إبراهيم التيمي عن علقمة بن وقاص الليثي عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه قال:


قال رسول الله صلى الله عليه وسلم )إنَّما الأعمالُ بالنِّيَّاتِ وإنَّما لِكلِّ امرِىءٍ ما نَوى، فمَن كانت هِجرتُه إلى اللّهِ ورسولهِ فهِجرَته إلى اللّهِ ورَسولهِ، ومَن كانت هِجرتهُ إلى دنيا يُصيبُها أو امرأةٍ يتزَوَّجها فَهجرَته إلى مَا هاجرَ إليه( هذا حديث متفق على صحته مجمع على عظم موقعه وجلالته وهو أحد قواعد الإيمان وأول دعائمه وأشد الأركان وهو حديث فرد غريب باعتبار مشهور باعتبار آخر ومداره على يحيى بن سعيد الأنصاري: قال الحافظ لا يصح هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا من جهة عمر بن الخطاب رضي الله عنه ولا عن عمر إلا من جهة علقمة ولا عن علقمة إلا من جهة إبراهيم بن محمد التيمي ولا عن محمد إلا من جهة يحيى بن سعيد وعن يحيى انتشرت روايته عن أكثر من مائتي إنسان أكثرهم أئمة ورواه الإمام أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري رحمه الله في صحيحه في سبعة مواضع فرواه في أول كتابه في الإيمان ثم في النكاح ثم في العتق ثم في الهجرة ثم في ترك الحيل ثم في النذر، ثم أن هذا الحديث روي في الصحيح بألفاظ: إنما الأعمال بالنيات، إنما الأعمال بالنية، وأما الذي وقع في أول كتاب الشهاب، الأعمال بالنيات وحذف إنما، فقال الحافظ أبو موسى الأصبهاني لا يصح إسناد هذا، وأما معنى النية فهو القصد وهو عزم القلب، وإنما لفظة موضوعة للحصر تثبت المذكور وتنفي ما عداه، فمعنى الحديث لا تصح الأعمال الشرعية إلا بالنية، ومن قصد بهجرته رضاء الله تعالى، ومن قصد بها الدنيا فهي حظه ليس له غيرها، وفي هذا الحديث اشتراط النية في الوضوء وغيره والغسل والتيمم والصلاة والزكاة والصوم والاعتكاف والحج وغيرها، قال أمامنا أبو عبد الله محمد بن ادريس الشافعي رضي الله تعالى عنه يدخل هذا الحديث في سبعين بابا من الفقه. وقال أيضا يدخل في هذا الحديث ثلثي العلم. وقال أبو عبد الله أحمد بن حنبل رضي الله تعالى عنه يدخل فيه ثلث العلم وكذا ذكره أيضا غيرهما قال الإمام الحافظ أبو بكر البيهقي في أول كتابه مختصر السنن معنى قول الشافعي رضي الله تعالى عنه يدخل فيه ثلث العلم أن كسب العبد إنما يكون بقلبه ولسانه ونياته. والنية أحد أقسام كسبه وهي أرجحها لأنها تكون عبادة بانفرادها بخلاف القسمين الآخرين لأن القول والعمل يدخلهما الفساد بالرياء ولا يدخل النية. واستحب العلماء رضي الله تعالى عنه عنهم أن تستفتح المصنفات بهذا الحديث وممن ابتدأ به في أول كتابه الإمام أبو عبد الله البخاري رحمه الله في أول حديثه في صحيحه الذي هو أصح الكتب بعد كتاب الله تعالى. وروينا عن الإمام أبي سعيد عبد الرحمن بن مهدي رحمه الله قال لو صنفت كتابا بدأت في أول كل باب منه بهذا الحديث. وروينا عنه أيضا قال من أراد أن يصنف كتابا فليبدأ بهذا الحديث. وروينا عن الإمام أبي سليمان أحمد بن محمد بن إبراهيم الخطابي رحمه الله فيما قرأته في أول كتابه الاعلام في شرح صحيح البخاري قال كان المتقدمون من شيوخنا يستحبون تقديم حديث الأعمال بالنية أمام كل شيء ينشأ ويبتدأ من أمور الدين لعموم الحاجة إليه في جميع أنواعها. وبلغنا عن جماعات من السلف رضي الله تعالى عنهم أشياء كثيرة من نحو هذا من الاهتمام بهذا الحديث والله أعلم. وهي أن إسناده شيء يستحسن ويستغرب عند المحدثين وهي أن رواته اجتمع فيهم ثلاثة تابعيون يروي بعضهم عن بعض وهم يحيى بن سعيد الأنصاري ومحمد بن إبراهيم التيمي وعلقمة بن وقاص وهذا وإن كان مستطرفا فهو كثير في الأحاديث المستظرفة الصحيحة يجتمع ثلاثة تابعيون بعضهم عن بعض وأربعة تابعيون بعضهم عن بعض. وقد جمعها الحافظ عبد القادر الرهاوي رحمه الله في جزء صنفه فيها وأنا أرويها وقد اختصرتها في أول شرح صحيح البخاري رحمه الله. وضممت إليها ما وجدته مثلها فبلغ مجموعها زيادة على ثلاثين حديثا والله أعلم. ومما ينبغي الاعتناء به بيان الأحاديث التي قيل إنها أصول الإسلام وأصول الدين أو عليها مدار الإسلام أو مدار الفقه والعلم فنذكرها في هذا الموضع لأن أحدها حديث الأعمال بالنية ولأنها مهمة فينبغي أن تقدم وقد اختلف العلماء في عددها اختلافا كثيرا وقد اجتهد في جمعها وتبيينها الشيخ الإمام الحافظ أبو عمر وعثمان بن عبد الرحمن المعروف بابن الصلاح رحمه الله تعالى ولا مزيد على


تحقيقهقه وإتقانه فأنا أنقل ما ذكره رحمه الله مختصرا. وأضم إليه ما تيسر مما لم يذكره فإن الدين النصيحة: ومن النصيحة أن تضاف الفائدة التي تستغرب إلى قائلها فمن فعل ذلك بورك له في علمه وحاله ومن أوهم ذلك وأوهم فيما يأخذه من كلام غيره أنه له فهو جدير أن لا ينتفع بعلمه ولا يبارك له في حال. ولم يزل أهل العلم والفضل على إضافة الفوائد إلى قائلها نسأل الله تعالى التوفيق لذلك دائما. وإتقانه فأنا أنقل ما ذكره رحمه الله مختصرا. وأضم إليه ما تيسر مما لم يذكره فإن الدين النصيحة: ومن النصيحة أن تضاف الفائدة التي تستغرب إلى قائلها فمن فعل ذلك بورك له في علمه وحاله ومن أوهم ذلك وأوهم فيما يأخذه من كلام غيره أنه له فهو جدير أن لا ينتفع بعلمه ولا يبارك له في حال. ولم يزل أهل العلم والفضل على إضافة الفوائد إلى قائلها نسأل الله تعالى التوفيق لذلك دائما.
قال الشيخ أبو عمرو رحمه الله بعد أن حكم أقوال الأئمة في تعيين الأحاديث التي عليها مدار الإسلام واختلافهم في أعيانهم وعددها فبلغت ستة وعشرين حديثا.
)أحدها( حديث، إنما الأعمال بالنيات.
)الثاني( عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: )مَن أحدَثَ في أمرِنا هذا ما ليسَ منهُ فَهُو ردٌّ(.
هذا حديث متفق على صحته رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما وفي رواية لمسلم: )من عمل عملاً ليس عليه أمرنا( ومعنى رد مردود كالخلق بمعنى المخلوق.
)الثالث( عن النعمان بن بشير رضي الله تعالى عنهما: قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: )إنَّ الحَلالَ بيِّنٌ والحرامَ بيِّنٌ، وبَينَهُما مُشتَبَهاتٌ لا يَعلمهُنَّ كثيرٌ مِنَ النَّاسِ، فمَن اتَّقَى الشُّبُهاتِ استَبرَأ لِدينهِ يوشِكُ أن يَرتعَ فيهِ ألاَ وإنَّ لِكلِّ مَلكٍ حِمًى، ألاَ وإنَّ حِمى اللّهِ محَارمُه، ألاَ وإنَّ في الجسدِ مُضغةً إذَا صلَحت صلَحَ الجسَدُ كلُّه، وإذا فسدَت فسَدَ الجسَدُ كلُّه ألاَ وهيَ القَلبُ(.
هذا حديث متفق على صحته، رويناه في صحيحيهما يوشك بضم الياء وكسر الشين المعجمة أي يسرع.
)الرابع( عن عبدالله بن مسعود رضي الله تعالى عنه: قال حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق الصدوق: ) إنَّ أحَدكم يُجمعُ خَلقِه في بطنِ أمِّه أربعينَ يوماً نُطفةً ثمَّ يكونُ عَلقةً مِثلَ ذلكَ، ثمَّ يكونُ مِن ذاكَ مُضغَةً مثلَ ذلكَ، ثمّ يُرسَلُ المَلَكُ فيَنفُخُ فيهِ الرُّوحَ ويُؤمرُ بأربعِ كلِماتٍ بكَتبِ رزقهِ وأجَلهِ وَعملهِ، وَشقيٌّ أو سعيدٌ، فوالذي لا إلهَ غيرُهُ إنَّ أحَدكم لِيَعملُ بعَملِ أهلِ الجنَّةِ حتَّى ما يكونُ بينَه وبينَها إلاّ ذراعٌ فيَسبقُ علَيهِ الكتابُ فيَعمَلُ بعَمَلِ أهلِ النَّارِ فيَدخلُها وإنَّ أحَدكم ليَعملُ بعَملِ أهلِ النَّارِ حتَّى ما يكونُ بَينَهَ وبينَها إلاَّ ذَراعٌ فيَسبقُ عليهِ الِكتابُ فيَعملُ بعَمَلِ أهلِ الجنَّةِ فيَدخُلها( رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما قوله بكتب بالباء الموحدة الجارة.
)الخامس( عن الحسن بن علي رضي الله تعالى عنهما قال حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم: )دَع ما يَريبُك إلى ما لاَ يريبُك(.
حديث صحيح رواه أبو عيسى الترمذي وأبو عبد الرحمن النسائي، قال أبو عيسى الترمذي حديث صحيح. وقوله: يريبك بفتح أوله وضمه لغتان الفتح أشهر.
)السادس( عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم )ومن حسنِ إسلامِ المرءِ تركهُ ما لا يعنيهِ( حديث حسن رواه الترمذي وابن ماجة.
)السابع( عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم ) لا يؤمنُ أحدكم حتى يحبّ لأخيه ما يحب لنفسه( متفق على صحته.
)الثامن( عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم )أيُّها النَّاسُ إنَّ اللّهَ طيِّبٌ لا يقبَلُ إلا طيِّباً، وإنَّ الله تعالى أمرَ المؤمنينَ بما أمرَ به المرسلين( فقال تعالى: (يا أيُّها الرُّسُلُ كلُوا من الطيِّباتِ) ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يده إلى السماء يا رب يا رب ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام، فأنى يستجاب لذلك رواه مسلم في صحيحه.


)التاسع( حديث لا ضرر ولا ضرار رواه مالك مرسلا ورواه الدارقطني وجماعة من وجوه متصلا وهو حديث حسن ) العاشر( عن تميم الدارمي رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: )الدين النصيحة قلنا لمن قال لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم( رواه مسلم )الحادي عشر( عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: )ما نهيتكم عنه فاجتنبوه وما أمرتكم به فافعلوا منه ما استطعتم فإنما هلك الذين من قبلكم بكثرة مسائلهم واختلافهم على أنبيائهم( متفق على صحته.
)الثاني عشر( عن سهل بن سعد رضي الله تعالى عنه قال جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله )دُلني على عمل إذا عملته أحبني الله وأحبني الناس فقال ازهد في الدنيا يحبك الله وازهد فيما عند الناس يحبك الناس( حديث حسن رواه ابن ماجة )الثالث عشر( عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم )لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأنى رسول الله إلا بإحدى ثلاث الثيب الزاني والنفس بالنفس والتارك لدينه المفارق للجماعة(. متفق على صحته )الرابع عشر( عن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: )أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله تعالى( متفق على صحته )الخامس عشر( عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم )بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة والحج وصوم رمضان( متفق على صحته )السادس عشر( عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما )أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لو يعطي الناس بدعواهم لا ادعى رجال أموال قوم ودماءهم لكن البينة على المدعي واليمين على من أنكر( حديث بهذا اللفظ وبعضه في الصحيحين )السابع عشر( عن وابصة بن معبد رضي الله تعالى عنه أنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له جئت تسأل عن البر والاثم قال قلت نعم قال استفت قلبك البر ما اطمأنت إليه النفس واطمأن إليه القلب والاثم ما حاك في النفس وتردد في النفس وإن أفتاك الناس وأفتوك. وفي رواية )وإن أفتاك المفتون(.
حديث حسن رواه أحمد بن حنبل والدارمي وغيرهما. وفي صحيح مسلم من رواية النواس بن سمعان رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال )البر حسن الخلق والإثم ما حاك في نفسك وكرهت أن يطلع عليه الناس( )الثامن عشر( عن شداد بن أوس رضي الله تعالى عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال )إن الله كتب الاحسان على كل شيء فإذا قتلتم فاحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فاحسنوا الذبحة وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته( رواه مسلم. والقتلة والبحة بكسر أولهما )التاسع عشر( عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال )من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه( متفق على صحته )العشرون( عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه )أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم أوصني قال لا تغضب فردد مرارا قال لا تغضب. رواه البخاري في صحيحه )الحادي والعشرون( عن أبي ثعلبة رضي الله تعالى عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال )إن الله تعالى فرض فرائض فلا تضيعوها وحد حدودا فلا تعتدوها وحرم أشياء فلا تنتهكوها وسكت عن أشياء رحمة لكم فلا تبحثوا عنها( رواه الدارقطني بإسناد حسن.


)الثاني والعشرون( عن أبي ذر ومعاذ رضي الله تعالى عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال )اتق الله حيثما كنت واتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن( رواه الترمذي وقال حديث حسن وفي بعض نسخه المعتمدة حديث حسن صحيح )الثالث والعشرون( عن معاذ رضي الله تعالى عنه قال )قلت يا رسول الله أخبرني بعمل يدخلني الجنة ويباعدني من النار قال لقد سألت عن عظيم وإنه ليسير على من يسره الله تعالى عليه تعبد الله ولا تشرك به شيئا وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت ثم قال ألا أدلك على أبواب الخير. الصوم جنة والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار وصلاة الرجل في جوف الليل ثم تلا تتجافى جنوبهم عن المضاجع حتى بلغ يعملون ثم قال ألا أخبرك برأس الأمر وعموده وذروة سنامه الجهاد ثم قال ألا أخبرك بملاك ذلك كله قلت بلى يا رسول الله قال فأخذ بلسانه قال كف عليك هذا فقلت يا نبي الله وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به فقال ثكلتك أمك وهل يكب الناس في النار على وجوههم أو على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم( رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح ذروة السنام أعلاه وهي بضم الذال وكسرها )الرابع والعشرون( عن العرباض بن سارية قال )وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة وجلت منها القلوب وذرفت منها العيون فقلنا يا رسول الله كأنها موعظة مودع فأوصنا قال أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن تأمر عليكم عبد وإنه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء من بعدي الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة( رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن صحيح )الخامس والعشرون( عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال كنت خلف النبي صلى الله عليه وسلم يوما فقال )يا غلام إني أعلمك كلمات. احفظ الله يحفظك احفظ الله تجده تجاهك وإذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله واعلم بأن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك رفعت الأقلام وجفت الصحف( رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح وفي رواية غير الترمذي )احفظ الله تجده أمامك تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة واعلم أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك وما أصابك لم يكن ليخطئك( وفي آخره )واعلم أن النصر مع الصبر والفرج مع الكرب وإن مع العسر يسرا( )السادس والعشرون( حديث ابن عمر عن أبيه عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما في الايمان بالقدر وبيان الايمان والاسلام والاحسان وبيان علامات القيامة فهذه الأحاديث التي ذكرها الشيخ أبو عمرو بن الصلاح رحمه الله تعالى ومما في معناها أحدها وهو )السابع والعشرون( عن سفيان بن عبد الله رضي الله تعالى عنه قال قلت يا رسول الله قل لي في الاسلام قولا لا أسأل عنه أحدا غيرك )قال قل آمنت بالله ثم استقم( رواه مسلم )الثامن والعشرون( عن أبي مسعود البدري عقبة بن عمر رضي الله عنه قال قال النبي صلى الله عليه وسلم )إذا لم تستح فاصنع ما شئت( رواه البخاري في صحيحه )التاسع والعشرون( عن جابر رضي الله تعالى عنه أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال )أرأيت إذا صليت الصلوات الخمس المكتوبات وصمت رمضان وحللت الحلال وحرمت الحرام ولم أزد على ذلك شيئا أدخل الجنة قال نعم ( رواه مسلم.
فصل في حقيقة الاخلاص والصدق


أما الاخلاص فقال الله تعالى (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين) الآية وروينا عن حذيفة بن اليمان رضي الله تعالى عنه قال سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الاخلاص ما هو فقال سألت جبريل عن الاخلاص ما هو فقال سألت رب العزة عن الاخلاص ما هو فقال سر من أسراري أودعته قلب من أحب من عبادي( وروينا عن الأستاذ الامام أبي القاسم القشيري رحمه الله تعالى قال الاخلاص افراد الحق في الطاعة بالقصد وهو يريد بطاعته التقرب إلى الله تعالى دون شيء آخر من التصنع لمخلوق واكتساب محمدة عند الناس أو منحة مدح من الخلق أو معنى من المعاني سوى التقرب إلى الله تعالى. قال ويصح أن يقال الاخلاص التوقي عن ملاحظة الأشخاص. وروينا عن الأستاذ أبي علي الدقاق رحمه الله تعالى قال الاخلاص التوقي عن ملاحظة الخلق والصدق والتبقي عن مطالعة النفس فالمخلص لا رياء له والصادق لا إعجاب له. وروينا عن أبي يعقوب السوسي رضي الله تعالى عنه قال متى شهدوا في إخلاصهم الاخلاص احتاج إخلاصهم إلى إخلاص. وروينا عن السيد الجليل ذي النون رضي الله تعالى عنه قال: ثلاث من علامات الاخلاص استواء المدح والذم من العامة ونسيان رؤية الأعمال في الأعمال واقتضاء ثواب العمل في الآخرة. وعن أبي عثمان المغربي رحمه الله تعالى قال الاخلاص نسيان رؤية الخلق بدوام النظر إلى الخالق وعن حذيفة المرعشي رحمه الله تعالى قال الاخلاص أن تستوي أفعال العبد في الظاهر والباطن. وعن السيد الجليل فضيل بن عياض رحمه الله تعالى قال ترك العمل لاجل الناس رياء والعمل لاجل الناس شرك والاخلاص أن يعافيك الله منهما. وعن السيد الجليل أبي محمد سهل بن عبد الله التستري رحمه الله تعالى أنه سئل أي شيء أشد على النفس قال إخلاص لأنه شيء ليس لها فيه نصيب. وعن يوسف بن الحسين رحمه الله تعالى قال أعز شيء في الدنيا الاخلاص. وعن أبي عثمان المغربي رحمه الله تعالى قال اخلاص العوام ما لا يكون للنفس فيه حظ وإخلاص الخواص ما يجري عليهم لا بهم فتبدو منهم الطاعات وهم عنها بمعزل ولا تقع لهم عليها رؤية ولا لهم عليها اعتداد. وروينا عن السيد الجليل الإمام التابعي مكحول رضي الله تعالى عنه قال ما أخلص عبد قط أربعين يوما إلا ظهرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه. وروينا عن سهل التستري قال من زهد في الدنيا أربعين يوما صادقا من قلبه مخلصا في ذلك ظهرت له الكرامات ومن لم يظهر له فإنه عدم الصدق في زهده فقيل لسهل كيف تظهر له الكرامات قال يأخذ ما يشاء كما يشاء من حيث يشاء. قال سهل التستري رحمه الله نظر الأكياس في تفسير الاخلاص فلم يجدوا غير هذا أن تكون حركته وسكونه في سره وعلانيته لله تعالى وحده لا يمازجه شيء لا نفس ولا هوى ولا دنيا. وقال السري رحمه الله لا تعمل للناس شيئا ولا تترك لهم شيئا ولا تعط لهم شيئا ولا تكشف لهم شيئا. وأما الصدق فقال الله تعالى (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين) وروينا عن الأستاذ القشيري رحمه الله قال الصدق عماد الأمر وبه تمامه وفيه نظامه قال وأقل الصدق استواء السر والعلانية. وروينا عن سهل رحمه الله تعالى قال لا يشم رائحة الصدق عبد داهن نفسه أو غيره. وروينا عن ذي النون قال الصدق سيف الله ما وضع على شيء إلا قطعه. وروينا عن السيد الجليل الإمام العارف الحارث المحاسبي رحمه الله تعالى قال الصادق هو الذي لا يبالي لو خرج كل قدر له في قلوب الخلق من أجل صلاح قلبه ولا يحب إطلاع الناس على مثاقيل من حسن عمله ولا يكره أن يطلع الناس على السيئ من عمله فإن كراهته دليل على أنه يحب الزيادة عندهم وليس هذا من إخلاص الصديقين. وقيل إذا طلبت من الله تعالى الصدق أعطاك مرآة تبصر فيها ك شيء من عجائب الدنيا والآخرة. وروينا عن السيد الجليل أبي القاسم الجنيد رضي الله تعالى عنه قال الصادق يتقلب في اليوم أربعين مرة والمرائي يثبت على حالة واحدة أربعين سنة قلت معناه أن الصادق يدور مع الحق كيف كان فإذا رأى الفضل الشرعي في أمر عمل به وإن خالف ما كان عليه عادته وإذا عرض أهم منه في الشرع ولا يمكن الجمع بينهما انتقل إلى الأفضل ولا يزال هكذا وربما كان في اليوم الواحد على مائة حال أو ألف وأكثر على حسب تمكنه في المعارف وظهور الدقائق له واللطائف وأما المرائي فيلزم حالة


واحدةدة بحيث لو عرض له مهم يرجحه الشرع عليه في بعض الأحوال لم يأت بهذا المهم بل يحافظ على حالته لأنه يرائي بعبادته وحاله المخلوقين فيخاف من التغير ذهاب محبتهم إياه فيحافظ على بقائها والصادق يريد بعبادته وجه الله تعالى فحيث رجح الشرع حالا صار إليه ولا يعرج على المخلوقين. وقد بسطت القول في هذه الحكاية في أول شرح المهذب وذكرت دلائلها وأوضحتها بالأمثلة ومقصودها ما ذكرته هنا فاقتصرت عليه والله أعلم. بحيث لو عرض له مهم يرجحه الشرع عليه في بعض الأحوال لم يأت بهذا المهم بل يحافظ على حالته لأنه يرائي بعبادته وحاله المخلوقين فيخاف من التغير ذهاب محبتهم إياه فيحافظ على بقائها والصادق يريد بعبادته وجه الله تعالى فحيث رجح الشرع حالا صار إليه ولا يعرج على المخلوقين. وقد بسطت القول في هذه الحكاية في أول شرح المهذب وذكرت دلائلها وأوضحتها بالأمثلة ومقصودها ما ذكرته هنا فاقتصرت عليه والله أعلم.
فصل
اعلم أنه ينبغي لمن أراد شيئا من الطاعات وإن قل أن يحضر النية وهو أن يقصد بعمله رضا الله عز وجل وتكون نيته حال العمل ويدخل في هذا جميع العبادات من الصلاة والصوم والوضوء والتيمم والاعتكاف والحج والزكاة والصدقة وقضاء الحوائج وعيادة المريض واتباع الجنائز وابتداء السلام ورده وتشميت العاطس وإنكار المنكر والأمر بالمعروف وإجابة الدعوة وحضور مجالس العلم والأذكار وزيارة الأخيار والنفقة على الأهل والضيف وإكرام أهل الودوذوي الأرحام ومذاكرة العلم والمناظرة فيه وتكراره وتدريسه وتعليمه ومطالعته وكتابته وتصنيفه والفتاوي وكذلك ما أشبه هذه الأعمال حتى لا ينبغي له إذا أكل أو شرب أو نام يقصد بذلك التقوى على طاعة الله أو راحة البدن للتنشيط للطاعة وكذلك إذا أراد جماع زوجته يقصد إيصالها حقها وتحصيل ولد صالح يعبد الله تعالى واعفاف نفسه وصيانتها من التطلع إلى حرام والفكر فيه فمن حرم النية في هذه الأعمال فقد حرم خيرا عظيما كثيرا ومن وفق لها فقد أعطى فضلا جسيما فنسأل الله الكريم التوفيق لذلك وسائر وجوه الخير ودلائل هذه القاعدة ما قدمناه من قوله رسول صلى الله عليه وسلم )إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى( قال العلماء من أهل اللغة والأصول والفقه إنما للحصر تفيد تحصيل المذكور ونفي ما سواه وقد قدمنا هذا في أول الباب وقد قالوا أنه قيل لأبي يحيى حبيب بن أبي ثابت التابعي مفتي أهل الكوفة والمعول عليه عندهم رحمه الله حدثنا عن أشق شيء قال مجيء النية. وعن سفيان الثوري رحمه الله قال ما عالجت أشد علي من نيتي. وعن يزيد بن هارون رحمه الله ما عزت النية في الحديث إلا لشرفها وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال إنما يحفظ الرجل على قدر نيته. وعن غيره إنما يعطي الناس قدر نياتهم. وعن لإمام أبي عبد الله محمد بن إدريس الشافعي بالاسناد الصحيح أنه قال وددت أن الخلق تعلموا هذا على أن لا ينسب إلى حرف منه وقال الشافعي أيضا ما ناظرت أحدا قط على الغلبة ووددت إذا ناظرت أحدا أن يظهر الحق على يديه. وقال أيضا ما كلمت أحدا قط إلا أحببت أن يوفق ويسدد ويعاون ويكون عليه رعاية من الله تعالى وحفظ. وقال الإمام أبو يوسف صاحب أبي حنيفة رحمهما الله تعالى أريدوا بعلمكم الله تعالى فإني لم أجلس في مجلس قط أنوي فيه أن أتواضع إلا لم أقم حتى أعلوهم ولم أجلس مجلسا قط أنوي فيه أن أعلوهم إلا لم أقم حتى أفتضح.
فصل
وقد ثبت في الأحاديث الصحيحة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: )إن اللّهَ تعالى كتَبَ الحَسَناتِ والسَّيِّئات، فمَن همَّ بِحَسنةٍ فلم يعمَلها كتَبها اللّهُ عندَه حسَنةً وإن همَّ بها فعَملَها كتَبها اللّهُ عشرَ حسَناتٍ إلى سَبعِمائةٍ ضعفٍ إلى أضعافٍ كثيرةٍ(.
وثبت في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في الجيش الذين يقصدون الكعبة: )يُخسَفُ بأوَّلهم وآخرِهم، فقالت عائشة رضي الله تعالى عنها يا رسولَ اللّهِ كيفَ يخسفُ بأوَّلهم وآخرِهم وفيهم أشرافٌ، ومَن ليسَ منهم فقال يُخسفُ بأوَّلهم وآخرِهم ثم يُبعثُونَ على نيَّاتهم(.
وثبت في الصحيحين عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: )لا هِجرة بعدَ الفَتح ولكن جِهادٌ ونيَّةٌ(.


قلت اختلف أصحابنا وغيرهم من العلماء في معنى لا هجرة بعد الفتح فقيل معناه لا هجرة من مكة إذ صارت دار إسلام. وقيل لا هجرة بعد الفتح كاملة الفضل. وأما الهجرة من دار الكفار اليوم فواجبة وجوبا متأكدا على من قدر عليها إذا لم يقدر على إظهار دين الاسلام هناك فإن قدر استحب ولا يجب والله تعالى اعلم وروينا عن السيد الجليل أبي ميسرة عمر بن شرحبيل التابعي الكوفي الهمذاني باسكان الميم وبالدال المهملة رضي الله تعالى عنه أنه كان إذا أخذ عطاءه تصدق منه فإذا جاء إلى أهله فعده وجدوه سواء فقال لابن أخيه ألا تفعلون مثل هذا فقالوا لو علمنا أنه لا ينقص لفعلنا قال أبو ميسرة إني لست أشرط هذا على ربي عز وجل . وقال أمامنا أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي رحمه الله خير الدنيا والآخرة في خمس خصال غنى النفس وكف الأذى وكسب الحلال ولباس التقوى والثقة بالله عز وجل على كل حال وروينا عن السيد الجليل حماد بن سلمة رحمه الله وكان يعد من الابدال قال من طلب الحديث لغير الله تعالى مكر به وقال أحمد بن أبي الحواري السيد الجليل في كتاب الزهد الذي صنفه وسترى ما أنقل من النفائس إن شاء الله تعالى ولم يحصل إلى الآن إسناده ولكن عندي منه نسخة جيدة محققة متقنة ذكر لي بعض أهل العلم والخبرة أنها بخط الدارقطني رحمه الله. قال أحمد حدثنا إسحاق بن خلف قال حدثنا حفص بن غياث قال كان عبد الرحمن بن الأسود رضي الله تعالى عنه لا يأكل الخبز إلا بنية قلت لاسحاق وأي شيء النية في أكل الخبز قال كان يأكل فإذا ثقل عن الصلاة خفف ليخف بها فإذا خفف ضعف فأكل ليقوى فكان أكله لها وتركه لها قلت معنى يخف أي ينشط وتسهل عليه ويلتذ بها. وأحمد بن الحواري يقال بفتح الراء وبكسرها والكسر أشهر والفتح سمعته مرات من شيخنا الحافظ أبي البقاء يحكيه عن أهل الإتقان وعن بعضهم والله تعالى أعلم.
وقال أحمد بن أبي الحواري سمعت أبا سليمان يعني الداراني رحمه الله يقول عاملوا الله بقلوبكم معناه طهروا قلوبكم وصفوها وهذبوها ولا تخلوا شيئا من الأعمال الظاهرة. والداراني يقال بالقنون بعد الألف الثانية ويقال بهمزة بدل النون وهو ابلنون أشهر وأكثر استعمالا والهمز أقرب إلى الأصل وهو منسوب إلى دارنا القرية الكبيرة النفيسة بجانب دمشق وكان أبو سليمان من كبار العارفين وأصحاب الكرامات الظاهرة والأحوال الباهرة والحكم المتظاهرة واسمه عبد الرحمن بن أحمد بن عطية وسيمر بك إن شاء الله تعالى جمل ما أنقله عنه من النفائس وهو أحد متأخري بلادنا دمشق وما حولها رضي الله تعالى عنه قال ما أدرك ما عندك من أدرك بكثرة صلاة ولا صوم ولكن بسخاء النفس وسلامة الصدر والنصح للأمة وقال أمامنا الشافعي رضي الله تعالى عنه من أراد أن يقضي الله تعالى له بالخير فليحسن الظن بالناس. أخبرنا شيخنا الإمام الحافظ أبو البقاء بقراءتي عليه قال أخبرنا الحافظ عبد الغني إجازة أخبرنا أبو طاهر السلفي أخبرنا أبو محمد عبد الرحمن بن أحمد الدوني قال سمعت أبا الحسن علي بن محمد الأسد أبادي أخبرنا علي بن الحسين بن علي أخبرنا أبو منصور يحيى بن أحمد المروزي قال سمعت أبا العباس أحمد بن منصور قال سمعت أبا طاهر محمد بن الحسين بن ميمون يقول سمعت أبا موسى هارون بن موسى يقول قال أبو حاتم محمد بن إدريس سمعت أبا قبيصة يقول رأيت سفيان الثوري في المنام فقال ما فعل الله تعالى بك فقال:
نظرت إلى ربي كفاحا فقال لي ... هنيئا رضائي عنك يا ابن سعيد
لقد كنت قواما إذا أظلم الدجا ... بعبرة مشتاق وقلب عميد
فدونك فاختر أي قصر أردته ... وزرني فإني منك غير بعيد


قلت السلفي بكسر السين المهملة وفتح اللام منسوب إلى جده يقال له سلفة كان هذا الجد مشقوق الشفة فقلب بالفارسية سيه لفة بكسر السين وفتح اللام أي ذو ثلاث شفاه ثم عربت فقيل سلفة وكان أبو طاهر السلفي أحد حفاظ عصره. وأما الدوني بضم الدال وإسكان الواو فمنسوب إلى الدون قرية بخراسان من أعمال الدينورو اما الأسدابادي فمنسوب إلى بني ثور بن عبد مناف بن أد بن طابخة بن الياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان. وأما قوله نظرت إلى ربي كفاحا فهو بكسر الكاف ومعناه معاينة من غير حجاب ولا رسول وقوله إذا أظلم الدجا هو الظلام وقوله عميد أي محب صادف الحب لله. قال أهل اللغة العميد القلب الذي هزه العشق.
أخبرنا شيخنا الإمام الحافظ أبو البقاء رحمه الله أخبرنا أبو محمد عبد العزيز بن معالي أخبرنا القاضي أبو بكر الخطيب أخبرنا أبو الفتح محمد بن أحمد بن أبي الفوارس أخبرنا محمد بن أحمد الوراق قال سمعت عبد الله بن سهل الرازي يقول سمعت يحيى بن معاذ الرازي رضي الله تعالى عنه يقول كم من مستغفر ممقوت وساكت مرحوم هذا استغفر الله وقلبه فاجر وهذا ساكت وقلبه ذاكر. وبالاسناد إلى الخطيب قال حدثنا أبو الحسن الواعظ قال سمعت أبا عبد الله أحمد بن عطاء الروزبادي رحمه الله يقول من خرج إلى العلم يريد العلم به نفعه قليل العلم. وبهذا الاسناد قال أبو عبد الله بن عطاء العلم موقوف على العمل به قلت يعني العلم النافع المطلوب كما قال أمامنا الشافعي رضي الله تعالى عنه ليس العلم ما حفظ. العلم ما نفع. وأخبرنا شيخنا أبو البقاء أخبرنا أبو محمد أخبرنا أبو بكر أخبرنا الخطيب أخبرنا علي بن محمود الصوفي أخبرنا عبد الوهاب بن الحسن الكلابي حدثنا سعيد بن عبد العزيز الحلبي قال سمعت قاسما الجوعي رضي الله تعالى عنه يقول الدين الورع فأفضل العبادة مكابدة الليل وأفضل طريق الجنة سلامة الصدر قلت الجوعي بضم الجيم وإسكان الواو. وقال الإمام الحافظ أبو سعيد السمعاني في كتاب الانساب قاسم الجوعي هذا له كرامات منسوب إلى الجوع. قال ولعله كان يبقى جائعا كثيرا وأخبرنا شيخنا أبو البقاء أخبرنا أبو محمد أخبرنا أبو بكر أخبرنا الخطيب أخبرنا أحمد بن الحسن بن السماك قال سمعت أبا بكر الدقي قال سمعت أبا بكر الزقاق رضي الله تعالى عنه يقول بني أمرنا هذا على أربع لا نأكل إلا على فاقة ولا ننام إلا عن غلبة ولا نسكت إلا عن خيفة ولا نتكلم إلا عن وجد قلت الدقي بضم الدال وإسكان القاف المشددة وهو من كبار الصوفية وأهل المعارف والكرامات توفي سنة ستين وثلاثمائة وأما الزقاق فبفتح الزاي وتشديد القاف قال السمعاني هو نسبة إلى الزق وعمله وبيعه كان أبو بكر الزقاق هذا من كبار الصوفية أصحاب الكرامات الظاهرات والمعارف والمتظاهرات وبهذا الاسناد إلى الزقاق قال كل أحد ينسب إلى نسب إلا الفقراء فإنهم ينسبون إلى الله عز وجل وكل حسب ونسب ينقطع إلا حسبهم فإن نسبهم الصدق وحسبهم الفقر. وبلغنا عن الإمام الشافعي رضي الله تعالى عنه فيما رواه البيهقي رحمه الله بإسناده عن يونس بن عبد الله وقيل بن عبد الأعلى قال قال الشافعي رضي الله تعالى عنه يا أبا موسى لو اجتهدت كل الجهد على أن ترضى الناس كلهم فلا سبيل إليه فإن كان كذلك فأخلص عملك ونيتك لله عز وجل.
وأخبرنا شيخنا أبو البقاء أخبرنا أبو محمد أخبرنا أبو بكر أخبرنا الخطيب أخبرنا أحمد بن الحسين الواعظ قال سمعت أبا بكر الطرسوسي يقول سمعت أبا بكر بن شيبان يقول سمعت أبا عبد الله المغربي يقول صوفي بلا صدق الروزجار أحسن منه قلت هو براء مضمومة ثم واو ساكنة ثم زاي ثم جيم ثم ألف ثم راء وهو الذي يعمل في الطين بالمجرفة ونحوها.


وروينا بأسانيد متعددة عن مقاتل بن صالح الخراساني قال دخلت على حماد بن سلمة رضي الله تعالى عنه فإذا ليس في البيت بيته إلا حصير وهو جالس عليه ومصحف يقرأ فيه وجراب فيه علمه ومطهرة يتوضأ فيها فبينا أنا عنده إذ دق داق الباب فقال يا صبية أخرجي أنظري من هذا قالت هذا رسول محمد بن سليمان قال قولي له يدخل وحده فدخل وسلم وناوله كتابا فقال اقرأه فإذا فيه بسم الله الرحمن الرحيم من محمد بن سليمان إلى حماد بن سلمة أما بعد فصبحك الله بما صبح به أولياءه وأهل طاعته وقعت مسألة فانا نسألك فيها فقال يا صبية هلمي بالدواة ثم قال اكتب في ظهر الكتاب.
اما بعد: فأنت صبحك بما صبح به أولياءه وأهل طاعته أدركنا العلماء وهم لا يأتون أحدا فإن وقعت مسألة فائتنا فتسألنا عما بدا لك وأن أتيتني فلا تأتني إلا وحدك ولا تأتني بخيلك ورجلك فلا أنصحك ولا أنصح نفسي والسلام. فبينا أنا عنده جالس إذ دق داق الباب فقال يا صبية أخرجي انظري من هذا فقال محمد بن سليمان قال قولي له يدخل وحده فسلم ثم جلس بين يديه فقال مالي إذا نظرت إليك امتلأت رعبا فقال حماد سمعت ثابتا يعني البناني يقول سمعت أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول العالم إذا أراد بعلمه وجه الله تعالى هابه كل شيء وإذا أراد يكثر به الكنوز هاب من كل شيء فقال ما تقول يرحمك الله في رجل له ابنان وهو عن أحدهما أرضى فأراد أن يجعل له في حياته ثلثي ماله فقال لا ويرحمك الله فإني سمعت ثابتا البناني يقول أنس بن مالك يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن الله عز وجل إذا أراد أن يعذب عبدا بماله وفقه عند موته لوصية جائرة. قال فحاجة قال هات ما لم تكن رزية في دين الله قال أربعين ألف درهم تستعين بها على ما أنت عليه قال أرددها على من ظلمته بها قال والله ما أعطيتك إلا ما ورثته قال لا حاجة لي فيها قال اروها عني روى الله عنك أوزارك قال فغير هذا قال هات ما لم يكن رزية في دين الله قال تأخذها فتقسمها قال فلعلي إن عدلت في قسمتها أن يقول بعض من لم يرزق منها أنه لم يعدل في قسمتها فيأثم اروها عني روى الله عنك أوزارك قلت ما أحسن هذه الحكاية وما أحسن فوائدها وما جمعت من النفائس والتنبيه على قواعد مهمة وهي بارزة لا تحتاج إلى التنصيص عليها ولكن فيها أحرف من اللغة نضبطها وإن كانت معروفة صيانة لها. فقوله ومصحف يقرأ فيه يقال مصحف بضم الميم وكسرها وفتحها ثلاث لغات الضم أفصح وقد أوضحتها وبينت أصولها واشتقاقها في كتاب تهذيب الأسماء واللغات. وقوله جراب هو بكسر الجيم وفتحها لغتان والكسر أجود. وقوله مطهرة هي بكسر الميم وفتحها لغتان وهي كالإبريق والركوة وغيرهما مما يتطهر به. وقوله هلمي بمعنى اعطيني وهذه إحدى اللغتين والأخرى هلم للرجل والمرأة والمثنى والمجموع وهي أفصح وبها جاء القرآن قال الله عز وجل (هلم شهداءكم) و (هلم الينا) وقوله هات هو بكسر التاء بلا خلاف. أخبرنا شيخنا الحافظ أبو البقاء بقراءتي عليه أخبرنا الحافظ عبد الغني اجازة أخبرنا محمد بن عبد الباقي أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد الخطيب أخبرنا أبو الحسين علي بن محمد بن بشران أخبرنا الحسين بن صفوان حدثنا عبد الله بن محمد حدثني أبو عبد الله التميمي عن أبيه قال رأيت حماد بن سلمة في النوم فقلت ما فعل بك ربك قال خيرا قلت ماذا قال قال لي طالما كدت نفسك فاليوم أطيل راحتك وراحة المتعوبين من أجلي بخ بخ ماذا أعددت لهم.