بستان العارفين - باب في كرامات الأولياء
ومواهبهم
قال الله تعالى: (ألاَ إنَّ أولياءَ اللّهِ خَوفُ عليهم
وَلا هم يَحزَنونَ. الذينَ آمَنوا وكانُوا يتَّقونَ. لهمُ
البُشَرى في الحَياةِ الدنُّيا وَفي الآخرَةِ لا تَبديل
لِكلماتِ اللّهِ ذلكَ هَو الفَوزُ العظيم).
اعلم أن مذهب أهل الحق إثبات كرامات الأولياء وأنها واقعة
موجودة مستمرة في الأعصار ويدل عليه دلائل العقول وصرائح
النقول. أما دلائل العقل فهي أمر يمكن حدوثه ولا يؤدي
وقوعه إلى رفع أصل من أصول الدين فيجب وصف الله تعالى
بالقدرة عليه وما كان مقدورا كان جائز الوقوع. وأما النقول
فآيات في القرآن العظيم وأحاديث مستفيضة. أما الآيات فقوله
تعالى النقول فآيات في القرآن العظيم وأحاديث مستفيضة. أما
الآيات فقوله تعالى في قصة مريم.
(وهزَّي إليكِ بجذعِ النَّخلةِ تُساقِط عليكِ رُطبَاً
جنيًّا).
قال الإمام أبو المعالي رحمه الله تعالى إمام الحرمين ولم
تكن مريم بنبية باجماع العلماء وكذا قاله غيره بل كانت
ولية صديقة كما أخبر الله تعالى عنها.
وقوله تعالى: (كلَّما دخَلَ علَيها زكريَّا المِِحرابَ،
وَجَدَ عِندها رزقاً، قالَ يا مريمُ أنَّى لكِ هذا قالت
هوَ من عندِ اللّهِ).
ومن ذلك قصة صاحب سليمان عليه السلام حيث قال: (أنَا آتِيك
بهِ قبلَ أن يَرتدَّ إليكَ طرفُك).
قال العلماء ولم يكن نبيا. ومن ذلك ما استدل به إمام
الحرمين وغيره من قصة أم موسى. ومن ذلك ما استدل به أبو
القاسم القشيري من قصة ذي القرنين. واستدل القشيري وغيره
بقصة الخضر مع موسى عليه السلام قالوا ولم يكن نبيا بل
وليا وهذا خلاف المختار والذي عليه الأكثرون أنه كان نبيا.
وقبل كان نبيا رسولا وقيل كان وليا وقيل ملكا. وقد أوضحت
الخلاف فيه وشرحته في تهذيب الأسماء واللغات وفي شرح
المهذب. وفي ذلك قصة أهل الكهف وما اشتملت عليه من خوارق
العادات. قال إمام الحرمين وغيره ولم يكونوا أنبياء
بالإجماع.
وأما الأحاديث فكثيرة منها حديث أنس أن رجلين من أصحاب
النبي صلى الله عليه وسلم خرجا من عند النبي صلى الله عليه
وسلم في ليلة مظلمة ومعهما مثل المصباحين يضيئان بين
أيديهما فلما افترقا صار مع كل واحد منهما واحدا حتى أتى
أهله. أخرجه البخاري في صحيحه في كتاب الصلاة وفي علامات
النبوة هذان الرجلان عباد بن البشر وأسيد بن حضير بضم
أولهما وفتح ثانيهما. وحضير بضم الحاء المهملة وبالضاد
المعجمة. ومنها حديث أصحاب الغار الثلاثة الذين أووا إلى
الغار فأطبقت صخرة عليهم بابه فدعا كل واحد منهم بدعوة
فانفرجت عنهم الصخرة وهو مخرج في صحيحي البخاري ومسلم.
ومنها حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه في قصة جريج أنه
قال للصبي الرضيع من أبوك قال فلان الراعي وهو مخرج في
الصحيح. ومنها حديث أبي هريرة قال: )قال النبي صلى الله
عليه وسلم لقد كان فيما قبلكم من الأمم محدثون فإن يكن في
أمتي أحد فإنه عمر( وفي رواية )قد كان فيمن قبلكم من بني
إسرائيل يكلمون من غير أن يكونوا أنبياء( رواه البخاري في
صحيحه. ومنها الحديث المشهور في صحيح البخاري وغيره في قصة
حبيب الأنصاري بضم الخاء المعجمة رضي الله تعالى عنه صاحب
رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقول ابنة الحارث فيه والله
ما رأيت أسيرا قط خيرا من خبيب والله لقد وجدته يوما يأكل
من قطف عنب في يده وأنه لموثق في الحديد وما بمكة من ثمر
وكانت تقول أنه لرزق الله رزقه خبيبا. والأحاديث والآثار
وأقوال السلف والخلف في هذا الباب أكثر من أن تحصر فيكتفي
بما أشرنا إليه وسترى في هذا الباب جملا من ذلك وباقي
الكتاب إن شاء الله تعالى.
قال الإمام أبو المعالي إمام الحرمين الذي
صار إليه أهل الحق جوار انخراق العادة في حق الأولياء
وأطبقت المعتزلة على إنكار ذلك ثم من أهل الحق من صار إلى
أن الكرامة الخارقة للعادة شرطها أن تجري من غير إيثار
واختيار من الولي وصار هؤلاء إلى أن الكرامة تفارق المعجزة
من هذا الوجه. قال الإمام وهذا القول غير صحيح. وصار آخرون
منهم إلى تجويز وقوع الكرامة على حكم الاختيار ولكنهم
منعوا وقوعها على مقتضى الدعوى فقالوا إذا ادعى الولي
الولاية واعتضد في إثبات دعواه بما يخرق العادة فكان ذلك
ممتنعا. وهؤلاء فرقوا بين الكرامة المعجزة بهذا قال وهذه
الطريقة غير مرضية أيضا قال ولا يمتنع عندنا ظهور خوارق
العوائد مع الدعوى المفروضة. قال وصار بعض أصحابنا إلى أن
ما وقع معجزة النبي لا يجوز تقدير وقوعه كرامة لولي فيمتنع
عند هؤلاء أن ينفلق البحر وينقلب العصا ثعبانا ويحيى
الموتى إلى غير ذلك من آيات الأنبياء كرامة لولي. قال
الإمام وهذه الطريقة غير سديدة أيضا قال والمرضى عندنا
جواز خوارق العادات في معارض الكرامات الفرق بين المعجزة
والكرامة فلا يفترقان في جواز العقل إلا بوقوع المعجزة على
حسب دعوى النبوة ووقع دون ادعاء النبوة. قال الإمام وقد
جرى من الآيات في مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لا
ينكره منتم إلى الإسلام وذلك قبل النبوة والانبعاث.
والمعجزة لا تسبق دعوى النبوة فكان كرامة قال فإن زعم
متعسف أن الآيات التي استدللنا بها كانت معجزات لنبي كل
عصر فذلك اقتحام منه للجهالات فإنا إذا بحثنا عن الأعصار
الخالية لم نجد الآيات التي تمسكنا بها مقترنة بدعوى نبوة
ولا وقعت عن تحدي متحد فإن قالوا وقعت للأنبياء دون عوامهم
قلنا شرط المعجزة الدعوى فإذا فقدت كانت خارقة للعادة
كرامة للأنبياء ونجعل ذلك غرضنا إلى إثبات الكرامات. ولم
يكن وقت مولد نبينا محمد صلى الله وسلم نبي تستند آياته.
قال الإمام فقد وضحت الكرامات جوازا ووقوعا سمعا وعقلا.
قال الامام وغيره في الفرق بين السحر والكرامة أن السحر لا
يظهر إلا على فاسق قال وليس ذلك من مقتضيات العقل ولكنه
ملقى من إجماع الأمة. قال الامام ثم الكرامة وإن كانت لا
تظهر على فاسق معلن بفسقه فلا تشهد بالولاية على القطع إذ
لو شهدت بها لأمن صواحبها العواقب وذلك لم يجز لولي في
كرامة باتفاق. هذا آخر كلام إمام الحرمين.
قال الامام الاستاذ أبو القاسم القشيري رحمه الله فيما
رويناه في رسالته ظهور الكرامات علامة صدق من ظهرت عليه في
أحواله فمن لم يكن صادقا فظهور مثله عليه لا يجوز قال ولا
بد من أن تكون الكرامة فعلا ناقضا للعادة في أيام التكليف
ظاهرا على موصوف بالولاية في معنى تصديقه في حاله قال
وتكلم أهل الحق في الفرق بين الكرامة والمعجزة فكان الإمام
أبو إسحاق الاسفرايني رحمه الله يقول المعجزات دلالات صدق
الأنبياء ودليل النبوة لا يوجد مع غير النبي. وكان يقول
الأولياء لهم كرامات منها إجابة سنة الدعاء فأما جنس ما هو
معجزة للأنبياء فلا. وقال الإمام أبو بكر بن فورك رحمه
الله تعالى المعجزات دلالات الصدق فإن ادعى صاحبها النبوة
دلت على صدقه وإن أشار صاحبها إلى الولاية دلت على صدقه في
حالته فتسمى كرامة ولا تسمى معجزة وإن كانت من جنس
المعجزات للفرق وكان رحمه الله يقول من الفرق بين المعجزات
والكرامات أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام مأمورن
بإظهارها والولي يجب عليه سترها وإخفاؤها والنبي يدعي
ويقطع القول به والولي لا يدعيها ولا يقطع بكرامته لجواز
أن يكون ذلك فكرا وقال أوحد وقته في فنه القاضي أبو بكر
الباقلاني رضي الله تعالى عنه المعجزات تختص بالأنبياء
والكرامات تظهر للأولياء ولا يكون للأولياء معجزة لأن من
شرط المعجزة إقتران دعوى النبوة بها والمعجزة لم تكن معجزة
لعينها وإنما كانت. معجزة لحصولها على أوصاف كثيرة فمتى
اختل شرط من تلك الشرائط لا تكون معجزة واحد تلك الشرائط
دعوى النبوة والولي لا يدعي النبوة فالذي يظهر لا يكون
معجزة واحد تلك الشرائط دعوى النبوة والولي لا يدعي النبوة
فالذي يظهر لا يكون معجزة.
قال القشيري وهذا الذي قاله هو الذي نعتمده
وندين به فشرائط المعجزة كلها أو أكثرها توجد في الكرامة
إلا هذا الشرط الواحد فالكرامة فعل لا محالة وهو ناقض
للعادة وتحصل في زمن التكليف على عبد تخصيصا له وتفضيلا،
وقد يحصل اختيارية ودعائية وقد لا تحصل وقد تكون بغير
اختياره في غالب الأوقات ولم يؤمر الولي بدعاء الخلق إلى
نفسه ولو أظهر شيئا من ذلك عمن يكون اهلا له لجاز.
واختلف أهل الحق في الولي هل يجوز أن يعلم أنه ولي أم لا؟
فكان الإمام أبو بكر بن فورك رحمه الله يقول لا يجوز لأنه
يسلبه الخوف ويوجب له الأمن وكان الأستاذ أبو علي الدقاق
رحمه الله يقول بجوازه وهو الذي نؤثره ونقول به وليس ذلك
بواجب في جميع الأولياء حتى يكون لكل ولي يعلم أنه ولي
واجبا ولكن يجوز أن يعلم بعضهم ذلك كما لا يجوز أن يعلم
بعضهم فإذا علم بعضهم أنه ولي كانت معرفته تلك كرامة له
وانفرد بها وليس كل كرامة لولي يجب أن تكون تلك بعينها
لجميع الأولياء بل إذا لم يكن لولي كرامة ظاهرة في الدنيا
لم يقدح عدمها في كونه وليا بخلاف الأنبياء فإنه يجب أن
تكون لهم معجزات لأن النبي مبعوث إلى الخلق فبالناس حاجة
إلى معرفة صدقه ولا يعلم إلا بالمعجزة، وحال الولي بعكس
ذلك لأنه ليس بواجب على الخلق ولا على الولي العلم بأنه
ولي والعشرة من الصحابة رضى الله عنهم صدقوا رسول الله صلى
الله عليه في أنهم من أهل الجنة. وأما قول من قال لا يجوز
ذلك لأنهم تخرجهم من الخوف فلا بأس أن لا يخافوا تغيير
العاقبة والذي يجدونه في قلوبهم من الهيبة والتعظيم
والاجلال للحق سبحانه وتعالى يزيد على كثير من الخوف.
قال الاستاذ القشيري واعلم انه ليس للولي مساكنة إلى
الكرامة التي تظهر عيه ولا ملاحظكة وربما يكون لهم في ظهور
جنسها قوة يقين وزيادة بصيرة لتحققهم أن ذلك فعل الله
تعالى فيستدلون بها على صحة ما هم عليه من العقائد والله
أعلم.
فصل
قال القشيري رحمه الله إن قيل كيف يجوز إظهار الكرامات
الزائدة في المعاني على معجزات الرسل؟ قلنا هذه الكرامة
لاحقة بمعجزات نبينا محمد صلى الله عليه وسلم لأن كل من
ليس بصادق في الإسلام تمتنع عليه الكرامات فكل نبي ظهرت له
كرامة على واحد من أمته فهي معدودة من جملة معجزاته إذ لو
لم يكن ذلك الرسول صادقا لم تظهر على من تابعه المعجزة
يعني التي هي الكرامة لهذا الواحد.
فصل
قال القشيري هل يجوز تفضيل الولي على النبي قلنا رتبة
الأولياء لا تبلغ رتبة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام
للاجماع المنعقد على ذلك.
فصل
قال الأستاذ القشيري رحمه الله هذه الكرامات قد تكون إجابة
دعوة وقد تكون إظهار طعام في أوان فاقه من غير سبب ظاهر أو
حصول ماء في وقت عطش أو تسهيل قطع مسافة في مدة قرية أو
تخليص من عدو أو سماع خطاب من هاتف وغير ذلك من فنون
الأفعال المناقضة للعادة.
قال واعلم أن كثيرا من المقدورات يعلم اليوم قطعا أنه لا
تجوز أن تقطع كرامة للأولياء وبالضرورة أو شبه الضرورة
يعلم ذلك فمنها حصول إنسان من غير أبوين. وقلب جماد بهيمة
وأمثال هذا كثيرة.
فصل
قال القشيري يحتمل الولي أمرين أحدهما أن يكون فعيلا
مبالغة في الفاعل كالعليم بمعنى العالم والقدير بمعنى
القادر فيكون معناه توالت طاعته من غير تخلل معصية.
والثاني أن يكون فعيلا بمعنى مفعول كقتيل بمعنى مقتول
وجريح بمعنى مجروح وهو الذي يتولى الله سبحانه وتعالى حفظه
وحراسته على الادامة والتولي فلا يخلق له الخذلان الذي هو
قدرة المعصية ويدوم توفيقه الذي هو قدرة الطاعة قال الله
تعالى وهو يتولى الصالحين.
فصل
أما العبد الصالح فينطلق على النبي والولي قال الله تعالى:
(واسماعيل وإدريس وذا الكفل كل من الصابرين وأدخلناهم في
رحمتنا إنهم من الصالحين) وقال تعالى: (أولئك الذين أنعم
الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين) وفي
الحديث الصحيح )أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في
عبدالله بن عمر أنه رجل صالح( والآيات والأحاديث بمعنى ما
ذكرته كثيرة.
وأما حد الصالح فقال الإمام أبو إسحاق الزجاج في كتابه
معاني القرآن وأبو إسحاق بن قرقول صاحب مطالع الأنوار هو
المقيم بما يلزمه من حقوق الله تعالى وحقوق العباد.
فصل
قال الإمام القشيري فإن قيل هل يكون الولي
معصوما أم لا قلنا اما وجوبا كما يقال في حق الأنبياء وإما
يكون محفوظا فلا يصر على الذنوب وإن حصلت هفوات في أوقات
أو زلات فلا يمتنع ذلك في وصفهم. وقد قيل للجنيد العارف
يزني فأطرق مليا ثم رفع رأسه وقال وكان أمر الله قدرا
مقدورا.
فصل
قال القشيري رحمه الله فإن قيل هل يسقط الخوف عن الأولياء
قلنا الغالب على الأكابر كان الخوف وذلك فيما تقدم على جهة
الندرة يعني القلة غير ممتنع وهذا السري السقطي رضي الله
تعالى عنه يقول لو أن واحدا دخل بستانا فيه أشجار كثيرة
وعلى كل شجرة طير يقول له بلسان فصيح السلام عليك يا ولي
الله ولم يخف أنه مكر لكان ممكورا به وأمثال هذا من
حكاياتهم كثيرة. قال فإن قيل هل يجوز أن يزايل الولي خوف
المرك قلنا إن كان مصطلما عن شاهده مختطفا عن إحساسة بحاله
فهو مستهلك عن فيما استوليى عليه والخوف من صفة الحاضرين
بهم.
فصل
قال الشيري فإن قيل ما الغالب على الولي في حال صحوه قلنا
صده في أداء حقوق الله تعالى ثم رأفته وشفقته على المق في
جميع أحواله ثم انبساط رحمته للخلق كافة ثم داوم تحمله
عنهم بجميل الخلق وابتداؤه بطلب الإحسان من الله تعالى
إليهم من غير التماس منهم وتعلق الهمة بنجاة الخلق وأمنهم
والتوقي عن استشعار حقهم عليهم مع قصر اليد عن أموالهم
وترك الطمع بكل وجه فيهم وقبض اللسان عن بسطه بالسوء فيهم
والتصاون عن شهود مساويهم ولا يكون خصما في الدنيا والآخرة
قلت معناه أنه يعفو عن حقوقه في الدنيا فلا يطالبهم بها في
الدنيا فلا يبقى له عندهم شيء يطالب به في الآخرة. قال
الله تعالى (ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور) وقال
تعالى (والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب
المحسنين) وروينا في كتاب عمل اليوم والليلة لابن السني
بإسناده عن أنس رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم قال )أيعجز أحدكم أن يكون كأبي ضمضم قالوا ومن
أبو ضمضم يا رسول الله قال كان إذا أصبح قال اللهم إني
وهبت نفسي وعرضي لك فلا يشتم من شتمه ولا يظلم من ظلمه ولا
يضرب من ضربه(.
قلت معناه لا يقتص ممن ظلمه كما قال الله تعالى (فمن اعتدى
عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم).
فصل
قال القشيري واعلم أن من أجل الكرامات التي تكون للأولياء
دوام التوفيق للطاعة والعصمة من المعاصي والمخالفات قد
يدخل في المخالفات ما ليس معصية كالمكروه كراهة التنزيه
وكترك الشهوات التي يستحب تركها.
فصل
قال القشيري فإن قيل فهل تجوز رؤية البارىء تبارك وتعالى
بالأبصار اليوم في الدنيا من جهة الكرامة؟ قلنا الأقوى أنه
لا يجوز لحصول الاجماع عليه قال ولقد سمعت الامام أبا بكر
بن فورك يحكي عن أبي الحسن الأشعري رحمه الله أنه قال في
ذلك قولين في كتاب الرؤية الكبير قلنا قد نقل جماعة
الإجماع على أن رؤية الله تعالى لا تحصل للأولياء في
الدنيا لا لامتناعها وإلا فهي ممكنة بالعقل عند أهل الحق.
وقد اختلف الصحابة ومن بعدهم في رؤية النبي صلى الله عليه
وسلم ربه سبحانه وتعالى الإسراء والمختار عند الأكثرين أو
الكثيرين أنه رأى وهو قول عباس وقد بسطت مقاصد ذلك في
أوائل شرح صحيح مسلم رحمه الله.
فصل
قال القشيري فإن قيل هل يجوز أن يكون وليا في الحال ثم
تتغير عاقبته؟ قلنا من شرط الولاية حسن الموافاة لا يجوز
ذلك ومن قال إنه في الحال مؤمن على الحقيقة وان جاز أن
يتغير حاله لا يبعد أن يكون وليا في الحال صديقا ثم يتغير
قال وهذا الذي نختاره ويجوز أن يكون من جملة كرامات الولي
أن يعلم أنه مأمون العاقبة وأنه لا يتغير عاقبته فتلحق هذه
المسألة بما ذكرناه من أن الولي يجوز أن يعلم أنه ولي.
فصل
في منثور حكايات في المواهب
والكرامات
أما الكرامات فتقدم بيان حدها وأما المواهب فجمع موهبة وهي
أمر ليس بخارق للعادة ولكنه قليل مستبعد في العادة يتميز
به بعض الناس ولا يختص ذلك بالأولياء بل يكون لهم ولغيرهم
وأنا أذكر في هذا الباب جملا من الكرامات والمواهب
المستحسنة إن شاء الله تعالى قال الله تعالى (وكلا نقص
عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك) وقال تعالى (أولئك
الذين هدى الله فبهداهم اقتده).
أخبرنا شيخنا الإمام الصالح القاضي أبو
محمد عبد الرحمن بن الشيخ الإمام الصالح أبي عمر محمد بن
أحمد بن محمد بن قدامة قال حدثنا ابو جعفر عمر بن محمد بن
معمر بن طبرزد قال حدثنا أبو الفتح عبد الملك بن أبي
القاسم الكروخي قال حدثنا أبو عامر محمود بن القاسم بن
محمد الأزدي وأبو بكر أحمد بن عبد الصمد الخزرجي وأبو نصر
عبد العزيز بن عمر الرفاني قال حدثنا أبو محمد عبد الجبار
بن محمد بن عبد الله بن الجراح الجراحي قال حدثنا أبو
العباس محمد بن أحمد بن محبوب المحبوبي قال حدثنا الإمام
أبو عيسى الترمذي قال حدثنا عمران بن حفص حدثنا عبد الله
بن وهب عن عمر بن الحارث عن دراج عن أبي القاسم عن أبي
سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لن يسبع
المؤمن من خير يسمعه حتى يكون منتهاه الجنة قال الترمذي
حديث حسن.
وبهذا الاسناد إلى الترمذي قال حدثنا علي
بن حجر قال حدثنا مسلمة بن عمرو قال كان عمر بن هانىء يصلي
كل يوم ألف سجدة يعني ألف ركعة ويسبح مائة ألف تسبيحة.
أخبرنا شيخنا أبو البقاء الحافظ قال حدثنا أبو محمد حدثنا
أبو بكر حدثنا الخطيب حدثنا الحسن بن محمد البزار حدثنا
محمد بن جعفر الآدمي حدثنا محمد بن موسى الشطوبي حدثنا
هارون بن معروف حدثنا ضمرة عن عثمان عن عطاء عن أبيه قال
قالت أمراة أبي مسلم يعني الخولاني يا أبا مسلم ليس لنا
دقيق قال عندك شيء قالت درهم بعنابه غزلا قال أبعينيه أي
أعطينيه وهاتي الجراب فدخل السوق فوقف على رجل يبيع الطعام
فوقف عليه سائل وقال يا أبا مسلم تصدق علي فهرب منه وأتى
حانوتا آخر فتعه السائل فقال تصدق علنيا فلما أضجره أعطاه
الدرهم ثم عمد إلى الجراب فملأه من نحاتة النجارين مع
التراب ثم أقبل إلى باب منزله فنقر الباب وقلبه مرعوب من
أهله فلما فتحت الباب رمى بالجراب وذهب فلما فتحته إذا هي
بدقيق حواري فعجنت وخبزت فلما ذهب من الليل الهوى جاء أبو
مسلم فنقر الباب فلما دخل وضعت بين يديه خوانا وأرغفة
حواري فقال من أين لكم هذا فقالت يا أبا مسلم من الدقيق
الذي جئت به فجعل يأكل ويبكي قلت ما أنفس هذه الحكاية
وأكثر فوائدها. قوله الجراب بفتح الجيم وكسرها لغتان الكسر
أفصح قوله الحواري هو بضم الحاء المهملة وتشديد الواو وفتح
الراء وتخفيف الياء وهو الأشهر وقوله الهوى هو بكسر الواو
وتشديد الياء وأما الهاء فتفتح وتضم لغتان الفتح أفصح
وأشهر هو قطعة في الليل قبل نحو ربعه أو ثلثه. وقوله خوانا
هو بضم الخاء وكسرها لغتان الكسر أفصح وأشهر وهو عجمي معرب
وجمعه اخونة وخون. وأما أبو مسلم صاحب هذه الكرامة فاسمه
عبد الله بن ثوب بثاء مثلثة مضمومة ثم واو مفتوحة مخففة ثم
باء موحدة ويقال ابن ثواب ويقال ابن أثوب ويقال ابن عبد
الله ويقال ابن عوف ويقال ابن يسلم ويقال اسمه يعقوب بن
عوف والصحيح المشهور ما قدمناه وهو من أهل اليمن سكن الشام
بداريا بالقرية المعروفة بجانب دمشق وكان من كبار التابعين
وعبادهم وصالحهم وأهل الكرامات الظاهرات والأحوال السنية
المتظاهرات وكان قد رحل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
ليصحبه فتوفي النبي صلى الله عليه وسلم وهو في الطريق فجاء
ولقي أبا بكر الصديق وعمر وغيرهما من الصحابة. ومن نفائس
كراماته ما رواه الامام أحمد بن حنبل في كتاب الزهد له أن
أبا مسلم الخولاني مر بدجلة وهي ترمي الخشب من برها فمشي
على الماء ثم التفت إلى الصحابة فقال هل تفقدون من متاعكم
شيئا فتدعوا الله عز وجل. ورواه من طريق آخر وفيه أنه وقف
على دجلة ثم حمد الله تعالى وأثنى عله ثم ذكر آلاءه وذكر
سير بني اسرائيل في البحر ثم نهر دابته فانطلقت تخوض في
دجلة واتبعها الناس حتى قطعها الناس. وبإسناد الامام أحمد
أيضا أن أبا مسلم كان بأرض الروم فبعث الوالي سرية ووقت
لهم وقتا فأبطأوا عن الوقت فاهتم أبو مسلم بإبطائهم فبينما
هو يتوضأ على شط نهر وهو يحدث نفسه في أمرهم إذ وقع غراب
على فأرة مقابلة فقال يا أبا مسلم اهتممت بأمر السرية فقال
أجل فقال لا تهتم فإنهم قد غنموا وسيردون عليكم يوم كذا في
وقت كذا فقال به أبو مسلم من أنت يرحمك الله فقال أنا مفرح
قلوب المؤمنين فجاء القوم في الوقت ذكر على ما ذكر.
وبإسناد أحمد أن أبا مسلم كان جالسا مع اصحابه في أرض
الروم يحدثهم فقالوا يا أبا مسلم قد اشتهينا اللحم فلو
دعوت الله تعالى فرزقنا فقال اللهم قد سمعت قولهم وأنت على
ما سألوا قادر فما كان إلا أن سمعوا صياح العسكر فإذا بظبي
قد أقبل حتى مر بأصحاب أبي مسلم فوثبوا إليه فأخذوه.
وبإسناد احمد أن الناس قحطوا على عهد معاوية فخرج يستسقي
بهم فلما وصلوا إلى المصلى قال معاوية لأبي مسلم قد ترى ما
حل بالناس فأدع الله تعالى قال افعل على بعض شرط فقام
وعليه برنس فكشف البرنس عن رأسه ثم رفع يديه ثم قال اللهم
إنا منك نستمطر وقد جئت إليك بذنوبي فلا تخيبني عندك لي
خير فاقبضني إليك وكان ذلك يوم الخيمس فما أبو مسلم يوم
الخميس المقبل رضي الله تعالى عنه. وبإسناد الحافظ إلى
طاهر السلفي عن شرحبيل بن مسلم أن الأسود بن قيس العنسي
الكذاب لما ادعى النبوة باليمن بعث إلى أبي مسلم الخولاني
فلما جاءه قال أتشهد أني رسول الله قال ما أسمع
قال أتشهد أن محمدا رسول الله قال نعم فردد
ذلك عليه فأمر بنار عظيم فأججت فألقى فيها أبا مسلم فلم
تضره فقيل انفه عنك وإلا أفسد عليك من تبعك فأمره بالرحيل
فأتي أبو مسلم المدينة وقد توفي رسول الله صلى الله عليه
وسلم واستخلف أبو بكر رضي الله تعالى عنه فأناخ أبو مسلم
راحلته بباب المسجد فقام يصلي إلى سارية فبصر به عمر فقام
إليه فقال ممن الرجل فقال من أهل اليمن قال فلعلك الذي
حرقه الكذاب بالنار قال ذلك عبد الله بن ثوب قال نشدتك
الله أنت هو؟ قال اللهم نعم فاعتنقه ثم بكى ثم ذهب به حتى
أجلسه فيما بينه وبين أبي بكر فقال الحمد لله الذي لم
يمتني حتى أراني في أمة محمد صلى الله عليه من فعل به كما
فعل بإبراهيم صلى الله عليه وسلم خليل الرحمن قلت هذا من
أجل الكرامات وأنفس الأحوال الباهرات وقوله لا أسمع يحتمل
وجهين أحدهما معناه لا أقبل الثاني أنه على ظاهره وأن الله
تعالى سد مسامعه عن هذا الباطل الشديد الفحش. وقد اقتصر
بعض الأئمة على الاحتمال الأول والاحتمال الثاني عند أظهر.
وقال أحمد بن أبي الحواري في كتاب الزهد له حدثني سليمان
كان عبد الواحد بن زياد رضي الله تعالى عنه أصابه الفالج
فسأل الله عز وجل أن يطلقه في أوقات الوضوء فكان إذا كان
وقت الوضوء قام من سريره حتى يذهب فيتوضأ فإذا عاد إلى
سريره عاد إليه الفالج والله اعلم. وروينا بإسنادها السابق
للقشيري رحمه الله قال سمعت أبا حاتم السجستاني يقول سمعت
أبا نصر السراج يقول دخلنا تستر فرأينا في قصر سهل بن عبد
الله رحمه الله بيتا كان الناس يسمونه بيت السباع فسالنا
الناس عن ذلك فقالوا كانت السباع تجيء إلى سهل فكان يدخلها
هذا البيت ويضيفها ويطعمها اللحم ثم يخليها. قال أبو نصر
ورأيت أهل تستر كلهم متفقين على هذا وهم الجمع الكثير. وبه
إلى القشيري قال سمعت أحمد بن محمد اليمني يقول سمعت
عبدالله بن على الصوفي يقول سمعت حمزة بن عبد الله العلوي
يقول دخلت على أبي الخير التيناتي رحمه الله وكنت اعتقدت
في نفسي أن أسلم عليه وأخرج ولا آكل عنده طعاما فلما خرجت
من عنده ومشيت قدرا وإذا به أتى خلفي وقد حمل طبقا عليه
طعام وقال يا فتى كل هذا فقد خرجت الساعة من اعتقادك قال
وابو الخير هذا مشهور بالكرامات. أتشهد أن محمدا رسول الله
قال نعم فردد ذلك عليه فأمر بنار عظيم فأججت فألقى فيها
أبا مسلم فلم تضره فقيل انفه عنك وإلا أفسد عليك من تبعك
فأمره بالرحيل فأتي أبو مسلم المدينة وقد توفي رسول الله
صلى الله عليه وسلم واستخلف أبو بكر رضي الله تعالى عنه
فأناخ أبو مسلم راحلته بباب المسجد فقام يصلي إلى سارية
فبصر به عمر فقام إليه فقال ممن الرجل فقال من أهل اليمن
قال فلعلك الذي حرقه الكذاب بالنار قال ذلك عبد الله بن
ثوب قال نشدتك الله أنت هو؟ قال اللهم نعم فاعتنقه ثم بكى
ثم ذهب به حتى أجلسه فيما بينه وبين أبي بكر فقال الحمد
لله الذي لم يمتني حتى أراني في أمة محمد صلى الله عليه من
فعل به كما فعل بإبراهيم صلى الله عليه وسلم خليل الرحمن
قلت هذا من أجل الكرامات وأنفس الأحوال الباهرات وقوله لا
أسمع يحتمل وجهين أحدهما معناه لا أقبل الثاني أنه على
ظاهره وأن الله تعالى سد مسامعه عن هذا الباطل الشديد
الفحش. وقد اقتصر بعض الأئمة على الاحتمال الأول والاحتمال
الثاني عند أظهر. وقال أحمد بن أبي الحواري في كتاب الزهد
له حدثني سليمان كان عبد الواحد بن زياد رضي الله تعالى
عنه أصابه الفالج فسأل الله عز وجل أن يطلقه في أوقات
الوضوء فكان إذا كان وقت الوضوء قام من سريره حتى يذهب
فيتوضأ فإذا عاد إلى سريره عاد إليه الفالج والله اعلم.
وروينا بإسنادها السابق للقشيري رحمه الله قال سمعت أبا
حاتم السجستاني يقول سمعت أبا نصر السراج يقول دخلنا تستر
فرأينا في قصر سهل بن عبد الله رحمه الله بيتا كان الناس
يسمونه بيت السباع فسالنا الناس عن ذلك فقالوا كانت السباع
تجيء إلى سهل فكان يدخلها هذا البيت ويضيفها ويطعمها اللحم
ثم يخليها. قال أبو نصر ورأيت أهل تستر كلهم متفقين على
هذا وهم الجمع الكثير. وبه إلى القشيري قال سمعت أحمد بن
محمد اليمني يقول سمعت عبدالله بن على الصوفي يقول سمعت
حمزة بن عبد الله العلوي يقول دخلت على أبي الخير التيناتي
رحمه الله وكنت اعتقدت في نفسي أن أسلم عليه
وأخرج ولا آكل عنده طعاما فلما خرجت من
عنده ومشيت قدرا وإذا به أتى خلفي وقد حمل طبقا عليه طعام
وقال يا فتى كل هذا فقد خرجت الساعة من اعتقادك قال وابو
الخير هذا مشهور بالكرامات.رج ولا آكل عنده طعاما فلما
خرجت من عنده ومشيت قدرا وإذا به أتى خلفي وقد حمل طبقا
عليه طعام وقال يا فتى كل هذا فقد خرجت الساعة من اعتقادك
قال وابو الخير هذا مشهور بالكرامات.
حكي عن إبراهيم الرقي قال قصدته مسلما عليه فصلى المغرب
فلم يقرأ الفاتحة مستويا فقلت في نفسي ضاعت سفرتي فلما
سلمت خرجت للطهارة فقصدني السبع فعدت إليه وقلت أن الأسد
قصدني فخرج وصاح على الأسد وقال الم أقل لك لا تتعرض
لضيفاني فتنحى وتطهرت فلما رجعت قال اشتغلتم بتقويم
الظواهر فخفتم الأسد واشتغلنا بتقويم القلب فخافنا الأسد.
قلت قد يتوهم من يتشبه بالفقهاء ولا فقه عنده ان صلاة أبي
الخير هذا كانت فاسدة لقوله لم يقرأ الفاتحة مستويا وهذه
جهالة وغباوة ممن يتوهم ذلك وجسارة منه على إرسال الظنون
في أولياء الرحمن فليحذر العاقل من التعرض لشيء من ذلك بل
حقه إذا لم يفهم حكمهم المستفادة ولطائفهم المستجادة أن
يتفهمها ممن يعرفها وكل شيء رأيته من هذا النوع مما يتوهم
من لا تحقيق عند أنه مخالف ليس بمخالف مخالفا بل يجب تأويل
أفعال أولياء الله تعالى وجواب هذا من ثلاثة أوجه أحدها
أنه جرى منه لحن لا يخل بالمعنى ومثل هذا لا يفسد الصلاة
بالاتفاق الثاني أنه مغلوب على ذلك بخلل في لسانه فتصح
صلاته بالاتفاق الثالث أنه لو لم يكن له عذر فقراءة
الفاتحة ليست بمتعينة عند أبي حنيفة وطائفة من العلماء ولا
يلزم هذا الولي أن يتقيد بمذهب من أوجبها ورأيته بخط الشيخ
رضي الله تعالى عنه. |