الحادية عشرة: شهد السيد بشراء شقص فيه شفعة لمكاتبه،
قال الشيخ أبو محمد: تقبل شهادته. قال الامام: كأنه
أراد أن يشهد للمشتري إذا ادعى الشراء، ثم ثبتت الشفعة
تبعا. فأما شهادته للمكاتب، فلا تقبل بحال. الثا نية
عشرة: الشفيع صبي، فعلى وليه الاخذ إن كان فيه مصلحة،
وإلا، فيحرم الاخذ. وإذا ترك بالمصلحة، ثم بلغ، فهل له
الاخذ ؟ فيه خلاف سبق في الحجر. الثالثة عشرة: بينهما
دار، فمات أحدهما عن حمل، فباع الآخر نصبيه، فلا شفعة
للحمل، لانه لا يتيقن وجوده. فإن كان له وارث غير
الحمل، فله الشفعة. وإذا انفصل حيا، فليس لوليه أن
يأخذ شيئا من الوارث. ولو ورث الحمل شفعة عن مورثه،
فهل لابيه أو لجده الاخذ قبل انفصاله ؟ وجهان، وبالمنع
قال ابن سريج، لانه لا يتيقن. الرابعة عشرة: إذا أخذ
الشفيع الشقص، وبنى فيه، أو غرس، فخرج مستحقا، وقلع
المستحق بناءه وغراسه، فالقول فيما يرجع به الشفيع على
المشتري من الثمن وما نقص من قيمة البناء والغراس وغير
ذلك، كالقول في رجوع المشتري من الغاصب عليه. الخامسة
عشرة: مات وله شقص من دار، وعليه دين مستغرق، فباع
الشريك حصته قبل بيع الشقص في الدين، قا ابن الحداد:
للورثة أخذه بالشفعة، وهذا تفريع على الصحيح: أن الدين
لا يمنع انتقال الملك في التركة إلى الورثة. وإن قلنا:
يمنع، فلا شفعة لهم. ولو خلف دارا كاملة وعليه دين لا
يستغرقها، فبيع بعضها في الدين، قال ابن الحداد: لا
شفعة للورثة فيما بيع بما بقي لهم من
(4/194)
الملك، وهذا مستمر على الصحيح، فإنهم إذا ملكوا الدار،
كان المبيع جزءا من ملكهم. ومن يبع من ملكه جزءا بحق،
ليكن له استرجاعه بالباقي. وإن قلنا: يمنع، فهل يمنع
في قدر الدين، أم في الجميع ؟ فيه خلاف مذكور في
موضعه. وإن قلنا بالثاني، فلا شفعة لهم أيضا، وإلا،
فلهم. ولو كانت الدار مشتركة بين الميت وورثته، فبيع
نصيبه أو بعضه في دينه ووصيته، فقال الجمهور: لا شفعة.
وقال ابن الحداد: لهم الشفعة، لان ما بيع في دينه كما
لو باعه في حياته، وهو خلاف مقتضى الاصل المذكور،
فإنهم إذا ملكوا التركة صار جميع الدار لهم، فيكون
المبيع جزءا من ملكهم.
فصل في الحيل الدافعة
للشفعة منها : أن يبيع الشقص بأضعاف ثمنه
دراهم، ويأخذ عرضا قيمتمثل الثمن الذي تراضيا عليه
عوضا عن الدراهم، أو يحط عن المشتري ما يزيد عليبعد
انقضاء الخيار. ومنها: ما قاله ابن سريج: يشتري أولا
بائع الشقص عرضا يساوي ثمن الشقص بأضعاف ذلك الثمن، ثم
يجعل الشقص عوضا عما لزمه. ومنها أن يبيع جزءا من
الشقص بثمن كله، ويهب له الباقي، وهذه الطرق فيها غرر،
فقد لا يفي صاحبه. ومنها: أن يجعل الثمن حاضرا مجهول
القدر، ويقبضه البائع ولا يزنه، بل ينفقه أو يخلطه
فتندفع الشفعة على الصحيح. وفيها خلاف ابن سريج
السابق. ومنها: إذا وقف الشقص، أو وهبه، بطلت الشفعة
على رأي أبي إسحاق. ومنها: لو باع بعض الشقص، ثم باع
الباقي، لم يكن للشفيع أن يأخذ جميع المبيع ثانيا على
أحد الوجهين، فيندفع أخذ جميع المبيع. ومنها: لو وكل
البائع شريكه بالبيع، فباع، لم تكن له الشفعة على أحد
الوجهين. وقد سبق ذكر هذه المسائل. قلت: ومنها: أن يهب
له الشقص بلا ثواب، ثم يهب له صاحبة قدر قيمته، قال
الشيخ أبو حامد: هذا لا غرر فيه، لانه يمكنه أن يحترز
من أن لا يفي صاحبه، بأن يهبه ويجعله في يد أمين
ليقبضه إياه، ويهبه صاحبه قدر قيمته، ويجعله في يد
(4/195)
أمين ليقبضه إياه، ثم يتقابضا في حالة واحدة. والله
أعلم فرع عند أبي يوسف: لا يكره دفع الشفعة بالحيلة،
إذ ليس فيها دفع حق على الغير، فإنه إنما يثبت بعد
البيع. وعند محمد بن الحسن: يكره دفع الشفعة بالحيلة،
لما فيها من إبقاء الضرر، وهذا أشبه بمذهبنا في الحيلة
في منع وجوب الزكاة. قلت: عجب من الامام الرافعي رحمه
الله كيف قال ما قال، مع أن المسألة مسطورة، وفيها
وجهان. أصحهما، وبه قال ابن سريج، والشيخ أبو حامد:
تكره هذه الحيلة. والثاني: لا، قاله أبو حاتم القزويني
في كتاب الحيل. أما الحيل في دفع شفعة الجار، فلا
كراهة فيها قطعا، وفيها من الحيل غير ما سبق (ما) ذكره
المتولي أنه يشتري عشر الدار مثلا بتسعة أعشار الثمن،
فلا يرغب الشفيع لكثرة الثمن، ثم يشتري تسعة أعشاره
بعشر الثمن، فلا يتمكن الجار من الشفعة، لان المشتري
حالة الشراء شريك في الدار، والشريك مقدم على الجار،
أو يخط البائع على طرف ملكه خطا مما يلي دار جاره،
ويبيع ما وراء الخط فتمتنع شفعة الجار، لان بين ملكه
وبين المبيع فاصلا، ثم يهبه الفاصل. والله أعلم
(4/196)