النساء - تفسير الدرر المنثور

وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا (15)

أخرج الفريابي وابن المنذر وابن أبي حاتم والنحاس في ناسخه والبزار والطبراني من طريق مجاهد عن ابن عباس في قوله { واللاتي يأتين الفاحشة . . . } الآية . قال : كانت المرأة إذا فجرت حبست في البيوت فإن ماتت ماتت ، وإن عاشت عاشت ، حتى نزلت الآية في سورة النور { الزانية والزاني } [ النور : 2 ] فجعل الله لهنَّ سبيلاً ، فمن عمل شيئاً جلد وأرسل .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر والنحاس في ناسخه والبيهقي في سننه من طريق علي عن ابن عباس في الآية قال : كانت المرأة إذا زنت حبست في البيت حتى تموت ، ثم أنزل الله بعد ذلك { الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة } [ النور : 2 ] فإن كانا محصنين رجما . فهذا السبيل الذي جعله الله لهما .
وأخرج أبو داود في ناسخه وابن أبي حاتم من طريق عطاء عن ابن عباس في قوله { واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم } وقوله { لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة } [ الطلاق : 1 ] وقوله { ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة } [ النساء : 19 ] قال : كان ذكر الفاحشة في هؤلاء الآيات قبل أن تنزل سورة النور بالجلد والرجم ، فإن جاءت اليوم بفاحشة مبينة فإنها تخرج فترجم ، فنسختها هذه الآية { الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة } [ النور : 2 ] والسبيل الذي جعل الله لهن الجلد والرجم .
وأخرج أبو داود في سننه والبيهقي من طريق عكرمة عن ابن عباس { واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم } إلى قوله { سبيلاً } وذكر الرجل بعد المرأة ثم جمعهما جميعاً فقال { واللذان يأتيانها منكم فآذوهما . . . } [ النساء : 16 ] الآية . ثم نسخ ذلك بآية الجلد فقال : { الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة } [ النور : 2 ] .
وأخرج آدم والبيهقي في سننه عن مجاهد في قوله { واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم } يعني الزنا كان أمر أن يحبس ، ثم نسختها { الزانية والزاني فاجلدوا } [ النور : 2 ] .
وأخرج آدم وأبو داود في سننه والبيهقي عن مجاهد قال « السبيل » الحد .
وأخرج عبد بن حميد وأبو داود في ناسخه وابن جرير وابن المنذر عن قتادة في قوله { واللاتي يأتين الفاحشة . . . } الآية . قال : كان هذا بدء عقوبة الزنا ، كانت المرأة تحبس ويؤذيان جميعاً ، ويعيران بالقول وبالسب . ثم إن الله أنزل بعد ذلك في سورة النور جعل الله لهن سبيلاً ، فصارت السنة فيمن أحصن الرجم بالحجارة ، وفيمن لم يحصن جلد مائة ونفي سنة .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد والنحاس عن قتادة في الآية قال : نسختها الحدود .
وأخرج البيهقي في سننه عن الحسن في قوله { واللاتي يأتين الفاحشة . . . } الآية . قال : كان أول حدود النساء أن يحبسن في بيوت لهن حتى نزلت الآية التي في النور .
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله { واللاتي يأتين الفاحشة } يعني الزنا { من نسائكم } يعني المرأة الثيب من المسلمين { فاستشهدوا عليهن أربعة منكم } يعني من المسلمين الأحرار { فإن شهدوا } يعني بالزنا { فأمسكوهن } يعني احبسوهن { في البيوت } يعني في السجون .


وكان هذا في أول الإسلام كانت المرأة إذا شهد عليها أربعة من المسلمين عدول بالزنا حبست في السجن ، فإن كان لها زوج أخذ المهر منها ولكنه ينفق عليها من غير طلاق ، وليس عليها حد ولا يجامعها ، ولكن يحبسها في السجن { حتى يتوفاهن الموت } يعني حتى تموت المرأة وهي على تلك الحال { أو يجعل الله لهن سبيلاً } يعني مخرجاً من الحبس ، والمخرج الحد .
وأخرج ابن جرير عن السدي في الآية قال : هؤلاء اللاتي قد أنكحن وأحصن إذا زنت المرأة كانت تحبس في البيوت ، ويأخذ زوجها مهرها فهو له . وذلك قوله { ولا يحل لكم أن تأخذوا مما أتيتموهن شيئاً } [ البقرة : 229 ] { إلا أن يأتين بفاحشة مبينة } الزنا حتى جاءت الحدود فنسختها ، فجلدت ورجمت ، وكان مهرها ميراثاً ، فكان السبيل هو الحد .
وأخرج عبد الرزاق والشافعي والطيالسي وابن أبي شيبة وأحمد وعبد بن حميد والدرامي ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وابن الجارود والطحاوي وابن المنذر وابن أبي حاتم والنحاس وابن حبان عن عبادة بن الصامت قال : « كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نزل عليه الوحي كرب لذلك وترمَّد وجهه . وفي لفظ لابن جرير : يأخذه كهيئة الغشي لما يجد من ثقل ذلك . فأنزل الله عليه ذات يوم ، فلما سري عنه قال : خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلاً ، الثيب جلد مائة ورجم بالحجارة ، والبكر جلد مائة ثم نفي سنة » .
وأخرج أحمد عن سلمة بن المحبق قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « خذوا عني خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلاً ، البكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة ، والثيب بالثيب جلد مائة والرجم » .
وأخرج الطبراني والبيهقي في سننه عن ابن عباس قال « لما نزلت الفرائض في سورة النساء قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : » لا حبس بعد سورة النساء « .


وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآَذُوهُمَا فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ تَوَّابًا رَحِيمًا (16)

أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق علي عن ابن عباس في قوله { واللذان يأتيانها منكم . . . } الآية . قال : كان الرجل إذا زنى أوذي بالتعيير وضرب بالنعال . فأنزل الله بعد هذه الآية { الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة } [ النور : 2 ] وإن كانا غير محصنين رجما في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد { واللذان يأتيانها منكم } قال : الرجلان الفاعلان .
وأخرج آدم والبيهقي في سننه عن مجاهد في قوله { فآذوهما } يعني سبا . وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير { واللذان } يعني البكرين اللذين لم يحصنا { يأتيانها } يعني الفاحشة وهي الزنا { منكم } يعني من المسلمين { فآذوهما } يعني باللسان ، بالتعيير والكلام القبيح لهما بما عملا ، وليس عليهما حبس لأنهما بكران ولكن يعيران ليتوبا ويندما { فإن تابا } يعني من الفاحشة { وأصلحا } يعني العمل { فأعرضوا عنهما } يعني لا تسمعوهما الأذى بعد التوبة { إن الله كان توابا رحيما } فكان هذا يفعل بالبكر والثيب في أول الإسلام ، ثم نزل حد الزاني فصار الحبس والأذى منسوخا ، نسخته الآية التي في السورة التي يذكر فيها النور { الزانية والزاني . . . } [ النور : 2 ] .
وأخرج ابن جرير عن عطاء { واللذان يأتيانها منكم } قال : الرجل والمرأة .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي قال : ثم ذكر الجواري والفتيان الذين لم ينكحوا فقال { واللذان يأتيانها منكم . . . } الآية . فكانت الجارية والفتى إذا زنيا يعنفان ويعيران حتى يتركا ذلك .
وأخرج ابن المنذر عن الضحاك { فإن تابا وأصلحا فأعرضوا عنهما } قال : عن تعييرهما .


إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (17) وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآَنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (18)

أخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي العالية في قوله { إنما التوبة على الله . . . } الآية . قال : هذه للمؤمنين . وفي قوله { وليست التوبة للذين يعملون السيئات . . . } قال : هذه لأهل النفاق { ولا الذين يموتون وهم كفار . . . } قال : هذه لأهل الشرك .
وأخرج ابن جرير عن الربيع قال : نزلت الأولى في المؤمنين ، ونزلت الوسطى في المنافقين ، والأخرى في الكفار .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر من وجه آخر عن أبي العالية « أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يقولون : كل ذنب أصابه عبد فهو جهالة » .
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير عن قتادة قال : اجتمع أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فرأوا أن كل شيء عصي به فهو جهالة ، عمداً كان أو غيره .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الشعب عن مجاهد في قوله { جهالة } قال : كل من عصى ربه فهو جاهل حتى ينزع عن معصيته .
وأخرج ابن جرير من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس في قوله { إنما التوبة على الله . . . } الآية . قال : من عمل السوء فهو جاهل من جهالته عمل السوء { ثم يتوبون من قريب } قال : في الحياة والصحة .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق علي عن ابن عباس في قوله { ثم يتوبون من قريب } قال { القريب } ما بينه وبين أن ينظر إلى ملك الموت .
وأخرج ابن جرير عن أبي مجلز قال : لا يزال الرجل في توبة حتى يعاين الملائكة .
وأخرج ابن جرير عن محمد بن قيس قال { القريب } ما لم تنزل به آية من آيات الله أو ينزل به الموت .
وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير والبيهقي في الشعب عن الضحاك في الآية قال : كل شيء قبل الموت فهو قريب له التوبة ، ما بينه وبين أن يعاين ملك الموت ، فإذا تاب حين ينظر إلى ملك الموت فليس له ذاك .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن عكرمة في الآية قال : الدنيا كلها قريب ، والمعاصي كلها جهالة .
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن { ثم يتوبون من قريب } قال : ما لم يغرغر .
وأخرج عبد بن حميد عن ابن عمر في الآية قال : لو غرغر بها - يعني المشرك بالإسلام - لرجوت له خيراً كثيراً .
وأخرج ابن جرير عن الحسن قال : بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « إن إبليس لما رأى آدم أجوف قال : وعزتك لا أخرج من جوفه ما دام فيه الروح . فقال الله تبارك وتعالى : وعزتي لا أحول بينه وبين التوبة ما دام الروح فيه » .


وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير والبيهقي في البعث عن قتادة قال : كنا عند أنس بن مالك وثم أبو قلابة فحدث أبو قلابة قال : إن الله تعالى لما لعن إبليس سأله النظرة . فأنظره إلى يوم الدين فقال : وعزتك لا أخرج من قلب ابن آدم ما دام فيه الروح . قال : وعزتي لا أحجب عنه التوبة ما دام فيه الروح .
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد ومسلم وأبو يعلى وابن حبان عن أبي سعيد الخدري قال : لا أخبركم إلا ما سمعت من في رسول الله صلى الله عليه وسلم سمعته أذناي ووعاه قلبي « أن عبداً قتل تسعة وتسعين نفساً ثم عرضت له التوبة ، فسأل عن أعلم أهل الأرض ، فدل على رجل فأتاه فقال : إني قتلت تسعة وتسعين نفساً فهل لي من توبة؟ قال بعد قتل تسعة وتسعين نفساً . . . ؟ قال : فانتضى سيفه فقتله فأكمل به مائة . ثم عرضت له التوبة فسأل عن أعلم أهل الأرض ، فدل على رجل فأتاه فقال : إني قتلت مائة نفس فهل لي من توبة؟ فقال : ومن يحول بينك وبين التوبة؟! أخرج من القرية الخبيثة التي أنت فيها إلى القرية الصالحة ، قرية كذا وكذا . . . فاعبد ربك فيها .
فخرج يريد القرية الصالحة فعرض له أجله في الطريق ، فاختصم فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب ، فقال إبليس أنا أولى به ، إنه لم يعصني ساعة قط . فقالت الملائكة : إنه خرج تائباً .
فبعث الله ملكاً فاختصموا إليه فقال : انظروا أي القريتين كانت أقرب إليه فألحقوه بها . فقرب الله منه القرية الصالحة وباعد منه القرية الخبيثة ، فألحقه بأهل القرية الصالحة » .
وأخرج أحمد والترمذي وحسنه ابن ماجه والحاكم وصححه والبيهقي في الشعب عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر » .
وأخرج البيهقي في الشعب عن رجل من الصحابة : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « ما من إنسان يتوب إلى الله عز وجل قبل أن تغرغر نفسه في شدقه إلا قبل الله توبته » .
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي عن ابن عمر قال : التوبة مبسوطة للعبد ما لم يسق . ثم قرأ { وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن } ثم قال : وهل الحضور إلا السوق .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن مسعود في قوله { حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن } قال : لا يقبل ذلك منه .
وأخرج ابن المنذر من طريق عكرمة عن ابن عباس في قوله { وليست التوبة للذين يعملون السيئات . . . } الآية .


قال هم أهل الشرك .
وأخرج ابن جرير من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس في قوله { وليست التوبة للذين يعملون السيئات . . . } الآية . قال هم أهل الشرك .
وأخرج ابن جرير من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس { وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن } فليس لهذا عند الله توبة { ولا الذين يموتون وهم كفار } أولئك أبعد من التوبة .
وأخرج أبو داود في ناسخه وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق علي عن ابن عباس في قوله { وليست التوبة } الآية . قال : فأنزل الله بعد ذلك { إن الله لا يغفر أن يُشرَك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء } [ النساء : 48 ] فحرم الله المغفرة على من مات وهو كافر ، وأرجأ أهل التوحيد إلى مشيئته فلم يؤيسهم من المغفرة .
وأخرج ابن المنذر عن ابن عمرو قال : ما من ذنب مما يعمل بين السماء والأرض يتوب منه العبد قبل أن يموت إلا تاب الله عليه .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن إبراهيم النخعي قال : كان يقال : التوبة مبسوطة ما لم يؤخذ بكظمه .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي في الشعب عن ابن عمرو قال : من تاب قبل موته بفواق تيب عليه . قيل : ألم يقل الله { وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن . . . } فقال : إنما أحدثك ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وأخرج أحمد والبخاري في التاريخ والحاكم وابن مردويه عن أبي ذرّ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « إن الله يقبل توبة عبده . أو يغفر لعبده ما لم يقع الحجاب . قيل : وما وقوع الحجاب؟ قال : تخرج النفس وهي مشركة » .


يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آَتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا (19)

أخرج البخاري وأبو داود والنسائي والبيهقي في سننه وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق عكرمة عن ابن عباس في قوله { يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرهاً } قال : كانوا إذا مات الرجل كان أولياؤه أحق بامرأته ، إن شاء بعضهم تزوّجها ، وإن شاؤوا زوجوها ، وإن شاؤوا لم يزوّجوها فهم أحق بها من أهلها . فنزلت هذه الآية في ذلك .
وأخرج أبو داود من وجه آخر عن عكرمة عن ابن عباس في هذه الآية قال : كان الرجل يرث امرأة ذي قرابته فيعضلها حتى تموت أو ترد إليه صداقها ، فاحكم الله عن ذلك . أي نهى عن ذلك .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق علي عن ابن عباس في هذه الآية قال : كان الرجل إذا مات وترك جارية ألقى عليها حميمه ثوبه فمنعها من الناس ، فإن كانت جميلة تزوجها ، وإن كانت دميمة حبسها حتى تموت فيرثها . وهي قوله { ولا تعضلوهن } يعني لا تقهروهن { لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن } يعني الرجل تكون له المرأة وهو كاره لصحبتها ولها عليه مهر فيضر بها لتفتدي .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر من طريق عطاء عن ابن عباس قال : كان الرجل إذا مات أبوه أو حميمه كان أحق بامرأة الميت ، إن شاء أمسكها أو يحبسها حتى تفتدي منه بصداقها ، أو تموت فيذهب بمالها . قال عطاء بن أبي رباح : وكان أهل الجاهلية إذا هلك الرجل فترك امرأة ، يحبسها أهله على الصبي تكون فيهم ، فنزلت { لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرهاً } .
وأخرج النسائي وابن جرير وابن أبي حاتم عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف قال : لما توفي أبو قيس بن الأسلت أراد ابنه أن يتزوّج امرأته - وكان لهم ذلك في الجاهلية - فأنزل الله { لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرهاً } .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن عكرمة قال : نزلت هذه الآية في كبشة ابنة معن بن عاصم أبي الأوس ، كانت عند أبي قيس بن الأسلت فتوفي عنها فجنح عليها ابنه ، فجاءت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : لا أنا ورثت زوجي ولا أنا تُرِكْتُ فَأُنْكَحَ . فنزلت هذه الآية .
وأخرج ابن جرير من طريق العوفي عن ابن عباس أن رجالاً من أهل المدينة كان إذا مات حميم أحدهم ألقى ثوبه على امرأته فورث نكاحها فلم ينكحها أحد غيره ، وحبسها عنده لتفتدي منه بفدية . فأنزل الله { يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرهاً } .
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن أبي مالك قال : كانت المرأة في الجاهلية إذا مات زوجها جاء وليُّه فألقى عليها ثوباً ، فإن كان له ابن صغير أو أخ حبسها عليه حتى يشب أو تموت فيرثها ، فإن هي انفلتت فأتت أهلها ولم يلق عليها ثوباً نجت .


فأنزل الله { لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرهاً } .
وأخرج عبد الرزاق وابن سعد وابن جرير عن الزهري في الآية قال : نزلت في ناس من الأنصار كانوا إذا مات الرجل منهم فأملك الناس بامرأته وليه ، فيمسكها حتى تموت فيرثها . فنزلت فيهم .
وأخرج ابن أبي حاتم عن زيد بن أسلم في الآية قال : كان أهل يثرب إذا مات الرجل منهم في الجاهلية ورث امرأته من يرث ماله ، فكان يعضلها حتى يتزوّجها أو يزوجها من أراد ، وكان أهل تهامة يسيء الرجل صحبة المرأة حتى يطلقها ، ويشترط عليها أن لا تنكح إلا من أراد حتى تفتدي منه ببعض ما أعطاها . فنهى الله المؤمنين عن ذلك .
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر عن عبد الرحمن بن السلماني في قوله { لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرهاً ولا تعضلوهن } قال : نزلت هاتان الآيتان إحداهما في أمر الجاهلية ، والأخرى في أمر الإسلام قال ابن المبارك { أن ترثوا النساء كرهاً } في الجاهلية { ولا تعضلوهن } في الإسلام .
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن أبي مالك في قوله { ولا تعضلوهن } قال : لا تضر بامرأتك لتفتدي منك .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد { ولا تعضلوهن } يعني أن ينكحن أزواجهن ، كالعضل في سورة البقرة .
وأخرج ابن جرير عن ابن زيد قال : كان العضل في قريش بمكة ، ينكح الرجل المرأة الشريفة فلعلها لا توافقه فيفارقها على أن لا تتزوج إلا بإذنه ، فيأتي بالشهود فيكتب ذلك عليها ويشهد ، فإذا خطبها خاطب فإن أعطته وأرضته أذن لها وإلا عضلها .
وأخرج ابن جرير من طريق علي عن ابن عباس في قوله { إلا أن يأتين بفاحشة مبيِّنة } قال : البغض والنشوز . فإذا فعلت ذلك فقد حلَّ له منها الفدية .
وأخرج ابن جرير عن مقسم « ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن إلا أن يفحشن » في قراءة ابن مسعود وقال : إذا آذتك فقد حل لك أخذ ما أخذت منك .
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة { إلا أن يأتين بفاحشة مبيِّنة } يقول : إلا أن ينشزن . وفي قراءة ابن مسعود وأبي بن كعب « إلا أن يفحشن » .
وأخرج ابن جرير عن الضحاك قال : الفاحشة هنا النشوز .
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر عن عطاء الخراساني في الرجل ، إذا أصابت امرأته فاحشة أخذ ما ساق إليها وأخرجها ، فنسخ ذلك الحدود .
وأخرج ابن جرير عن الحسن { إلا أن يأتين بفاحشة } قال : الزنا . فإذا فعلت حلَّ لزوجها أن يكون هو يسألها الخلع .


وأخرج ابن المنذر عن أبي قلابة وابن سيرين قالا : لا يحل الخلع حتى يوجد رجل على بطنها لأن الله يقول { إلا أن يأتين بفاحشة مبينة } .
وأخرج ابن جرير عن جابر . أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « اتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمانة الله ، واستحللتم فروجهن بكلمة الله ، وإن لكم عليهن أن لا يُوطِئْنَ فَرْشَكُم أحداً تكرهونه ، فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضرباً غير مبرح ، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف » .
وأخرج ابن جرير عن ابن عمر . أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « يا أيها الناس إن النساء عندكم عوان ، أخذتموهن بأمانة الله ، واستحللتم فروجهن بكلمة الله ، ولكم عليهن حق ، ومن حقكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحداً ، ولا يعصينكم في معروف ، وإذا فعلن ذلك فلهن رزقهن وكسوتهن بالمعروف » .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي في قوله { وعاشروهن } قال : خالطوهن . قال ابن جرير : صفحه بعض الرواة . وإنما هو خالقوهن .
وأخرج ابن المنذر عن عكرمة قال : حقها عليك الصحبة الحسنة والكسوة والرزق المعروف .
وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل { وعاشروهن بالمعروف } يعني صحبتهن بالمعروف { فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئاً } فيطلقها فتتزوج من بعده رجلاً ، فيجعل الله له منها ولداً ، ويجعل الله في تزويجها خيراً كثيراً .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس { ويجعل الله فيه خيراً كثيراً } قال : الخير الكثير . أن يعطف عليها فيرزق الرجل ولدها ويجعل الله في ولدها خيراً كثيراً .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في الآية قال : فعسى الله أن يجعل في الكراهية خيراً كثيراً .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي { ويجعل الله فيه خيراً كثيراً } قال : الولد .
وأخرج ابن المنذر عن الضحاك قال : إذا وقع بين الرجل وبين امرأته كلام فلا يعجل بطلاقها وليتأن بها وليصبر ، فلعل الله سيريه منها ما يحب .
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في الآية قال : عسى أن يمسكها وهو لها كاره فيجعل الله فيها خيراً كثيراً ، قال : وكان الحسن يقول : عسى أن يطلقها فتتزوج غيره فيجعل الله له فيها خيراً كثيراً .


( معلومات الكتاب )