يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ
لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ
يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا
الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ
كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (135)
أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن ابن عباس في قوله
{ يا أيها الذين آمنوا كونوا قوّامين . . . } الآية . قال : أمر الله المؤمنين
أن يقولوا بالحق ولو على أنفسهم ، أو آبائهم ، أو أبنائهم ، لا يحابوا غنياً
لغناه ، ولا يرحموا مسكيناً لمسكنته ، وفي قوله { فلا تتبعوا الهوى } فتذروا
الحق ، فتجوروا { وإن تلووا } يعني ألسنتكم بالشهادة أو تعرضوا عنها .
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد في الزهد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو
نعيم في الحلية عن ابن عباس في قوله { يا أيها الذين آمنوا كونوا قوّامين
بالقسط شهداء لله . . . } الآية . قال : الرجلان يقعدان عند القاضي فيكون ليّ
القاضي وإعراضه لأحد الرجلين على الآخر .
وأخرج ابن المنذر من طريق ابن جريج عن مولى لابن عباس قال : لما قدم النبي صلى
الله عليه وسلم المدينة ، كانت البقرة أول سورة نزلت ، ثم أردفها سورة النساء
قال : فكان الرجل يكون عنده الشهادة قبل ابنه أو عمه أو ذوي رحمه ، فيلوي بها
لسانه أو يكتمها ، مما يرى من عسرته حتى يوسر فيقضي ، فنزلت { كونوا قوّامين
بالقسط شهداء لله } يعني إن يكن غنياً أو فقيراً .
وأخرج ابن جرير عن السدي في الآية قال : نزلت في النبي صلى الله عليه وسلم ،
اختصم إليه رجلان غني وفقير ، فكان حلفه مع الفقير يرى أن الفقير لا يظلم الغني
، فأبى الله إلا أن يقوم بالقسط في الغني والفقير .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة في الآية قال : هذا في
الشهادة ، فأقم الشهادة يا ابن آدم ولو على نفسك ، أو الوالدين والأقربين ، أو
على ذي قرابتك وأشراف قومك ، فإنما الشهادة لله وليست للناس ، وإن الله تعالى
رضي بالعدل لنفسه ، والإقساط والعدل ميزان الله في الأرض ، به يرد الله من
الشديد على الضعيف ، ومن الصادق على الكاذب ، ومن المبطل على المحق ، وبالعدل
يصدق الصادق ويكذب الكاذب ، ويرد المعتدي ويوبخه تعالى ربنا وتبارك ، وبالعدل
يصلح الناس ، يا ابن آدم إن يكن غنياً أو فقيراً فالله أولى بهما ، يقول : الله
أولى بغنيكم وفقيركم ، ولا يمنعك عنى غني ولا فَقْرُ فقير أن تشهد عليه بما
تعلم فإن ذلك من الحق ، قال : وذكر لنا أن نبي الله موسى عليه السلام قال : يا
رب أي شيء وضعت في الأرض أقل؟ قال : العدل أقل ما وضعت « .
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله { وإن تلووا أو تعرضوا } يقول : تلوي لسانك
بغير الحق وهي اللجلجة ، فلا يقيم الشهادة على وجهها . والإعراض الترك .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد قال { تلووا } تحرفوا و {
تعرضوا } تتركوا .
أخرج آدم والبيهقي في سننه عن مجاهد في قوله { وإن تلووا } يقول : تبدلوا
الشهادة { أو تعرضوا } يقول : تكتموها .
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا آَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ
الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ
وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ
الْآَخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا (136)
أخرج الثعلبي عن ابن عباس ، أن عبد الله بن سلام ، وأسداً وأسيدا ابنَيْ كعب ،
وثعلبة بن قيس ، وسلاماً ابن أخت عبد الله بن سلام ، وسلمة ابن أخيه ، ويامين
بن يامين ، أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالوا : « يا رسول الله إنا
نؤمن بكتابك وموسى والتوراة وعزير ، ونكفر بما سواه من الكتب والرسل . فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم : بل آمنوا بالله ورسوله محمد ، وكتابه القرآن ،
وبكل كتاب كان قبله ، فقالوا : لا نفعل . فنزلت { يا أيها الذين آمنوا آمِنوا
بالله ورسوله والكتاب الذي نزل على رسوله والكتاب الذي أنزل من قبل } قال :
فآمنوا كلهم » .
وأخرج ابن المنذر عن الضحاك في قوله { يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله
. . . } الآية . قال : يعني بذلك أهل الكتاب ، كان الله قد أخذ ميثاقهم في
التوراة والإنجيل ، وأقروا على أنفسهم بأن يؤمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم ،
فلما بعث الله رسوله ، دعاهم إلى أن يؤمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم والقرآن ،
وذكرهم الذي أخذ عليهم من الميثاق ، فمنهم من صدق النبي واتبعه ، ومنهم من كفر
.
إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آَمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ
ازْدَادُوا كُفْرًا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا
لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا (137) بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ
عَذَابًا أَلِيمًا (138) الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ
مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ
الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا (139)
أخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في الآية قال : هم اليهود والنصارى ، آمنت
اليهود بالتوراة ثم كفرت ، وآمنت النصارى بالإنجيل ثم كفرت .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله { إن الذين آمنوا ثم
كفروا } قال : هؤلاء اليهود ، آمنوا بالتوراة ثم كفروا ، ثم ذكر النصارى فقال {
ثم آمنوا ثم كفروا } يقول : آمنوا بالإنجيل ثم كفروا به { ثم ازدادوا كفراً }
بمحمد صلى الله عليه وسلم { ولا ليهديهم سبيلاً } قال : طريق هدى وقد كفروا
بآيات الله .
وأخرج ابن جرير عن ابن زيد في الآية قال : هؤلاء المنافقون آمنوا مرتين وكفروا
مرتين { ثم ازدادوا كفراً } .
وأخرج ابن المنذر عن مجاهد في الآية قال : هم المنافقون .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن علي أنه قال في المرتد : إن كنت لمستتيبه
ثلاثاً ، ثم قرأ هذه الآية { إن الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا ثم
ازداودا كفراً } .
وأخرج ابن المنذر والبيهقي في سننه عن فضالة بن عبيد . أنه أتي برجل من
المسلمين قد فر إلى العدوّ فأقاله الإسلام ، فأسلم ثم فر الثانية ، فأتي به
فأقاله الإسلام ، ثم فر الثالثة ، فأتي به فنزع بهذه الآية { إن الذين آمنوا ثم
كفروا } إلى { سبيلاً } ثم ضرب عنقه .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { ازدادوا كفراً } قال : تموا على
كفرهم حتى ماتوا .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن مجاهد . مثله .
وأخرج الحاكم في التاريخ والديلمي وابن عساكر عن أنس قال : قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم : « إن الله يقول كل يوم : أنا ربكم العزيز ، فمن أراد عز
الدارين فليطع العزيز » .
( معلومات الكتاب ) |