وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ
يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ
شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا
كَانُوا يَفْسُقُونَ (163) وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ
قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا
مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (164) فَلَمَّا نَسُوا
مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ
وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ
(165) فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا
قِرَدَةً خَاسِئِينَ (166)
أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن عكرمة قال : دخلت على ابن عباس
وهو يقرأ هذه الآية { واسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر } قال : يا
عكرمة ، هل تدري أي قرية هذه؟ قلت : لا . قال : هي أيلة .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن شهاب { واسألهم عن القرية } قال : هي طبرية .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد واسألهم عن القرية قال : هي قرية يقال لها مقنا
بين مدين وعينونا .
وأخرج عبد بن حميد عن سعيد بن جبير { واسألهم عن القرية } قال : هي مدين .
وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس في قوله { إذ يعدون في السبت } قال : يظلمون .
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله { شرعاً } يقول : من كل مكان .
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله { شرعاً } قال : ظاهرة على الماء .
وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس في قوله { شرعاً } قال : واردة .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { واسألهم عن
القرية التي كانت حاضرة البحر } قال : هي قرية على شاطىء البحر بين مصر
والمدينة يقال لها أيلة ، فحرَّم الله عليهم الحيتان يوم سبتهم ، فكانت تأتيهم
يوم سبتهم شرعاً في ساحل البحر ، فإذا مضى يوم السبت لم يقدروا عليها ، فمكثوا
كذلك ما شاء الله ، ثم إن طائفة منهم أخذوا الحيتان يوم سبتهم ، فنهتهم طائفة
فلم يزدادوا إلا غيّاً . فقالت طائفة من النهاة : تعلمون أن هؤلاء قوم قد حق
عليهم العذاب { لم تعظون قوماً الله مهلكهم } وكانوا أشد عضباً من الطائفة
الأخرى ، وكل قد كانوا ينهون ، فما وقع عليهم غضب الله نجت الطائفتان اللتان
قالتا : لم تعظون؟ والذين { قالوا : معذرة إلى ربكم } وأهلك الله أهل معصيته
الذين أخذوا الحيتان فجعلهم قردة .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله { واسألهم عن
القرية . . . } الآية . قال : إن الله إنما افترض على بني إسرائيل اليوم الذي
افترض عليكم يوم الجمعة ، فخالفوا إلى السبت فعظَّموه وتركوا ما أمروا به ،
فلما ابتدعوا السبت ابتلوا فيه ، فحرمت عليهم الحيتان ، وهي قرية يقال لها مدين
بين أيلة والطور ، فكانوا إذا كان يوم السبت شرعت لهم الحيتان ينظرون إليها في
البحر ، فإذا انقضى السبت ذهبت فلم تر حتى مثله من السبت المقبل ، فإذا جاء
السبت عادت شرعاً ، ثم إن رجلاً منهم أخذ حوتاً فحزمه بخيط ثم ضرب له وتداً في
الساحل وربطه وتركه في الماء ، فلما كان الغد جاء فأخذه فأكله سراً ، ففعلوا
ذلك وهم ينظرون لا يتناهون إلا بقية منهم ، فنهوهم حتى إذا ظهر ذلك في الأسواق
علانية قالت طائفة للذين ينهونهم { لم تعظون قوماً الله مهلكهم أو معذبهم
عذاباً شديداً } قالوا { معذرة إلى ربكم } في سخطنا أعمالهم { ولعلهم يتقون }
فكانوا أثلاثاً .
ثلثاً نهى ، وثلثاً قالوا { لم تعظون } وثلثاً أصحاب الخطيئة ، فما نجا إلا
الذين نهوا وهلك سائرهم ، فأصبح الذين نهوا ذات غداة في مجالسهم يتفقدون الناس
لا يرونهم ، وقد باتوا من ليلتهم وغلقوا عليهم دورهم ، فجعلوا يقولون : إن
للناس شأناً فانظروا ما شأنهم ، فاطلعوا في دورهم فإذا القوم قد مسخوا يعرفون
الرجل بعينه وأنه لقرد ، والمرأة بعينها وانها لقردة .
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن عكرمة قال : جئت
ابن عباس يوماً وهو يبكي ، وإذا المصحف في حجره فقلت : ما يبكيك يا ابن عباس؟
فقال : هؤلاء الورقات . وإذا في سورة الأعراف قال : تعرف أيلة؟ قلت : نعم . قال
: فإنه كان بها حي من يهود سيقت الحيتان إليهم يوم السبت ، ثم غاصت لا يقدرون
عليها حتى يغوصوا عليها بعد كد ومؤنة شديدة ، وكانت تأتيهم يوم السبت شرعاً
بيضاً سمانا كأنها الماخض ، فكانوا كذلك برهة من الدهر ثم إن الشيطان أوحى
إليهم فقال : إنما نهيتم عن أكلها يوم السبت فخذوها فيه وكلوها في غيره من
الأيام . فقالت : ذلك طائفة منهم ، وقالت طائفة : بل نهيتم عن أكلها وأخذها
وصيدها في يوم السبت ، فعدت طائفة بأنفسها وأبنائها ونسائها ، واعتزلت طائفة
ذات اليمين ، وتنحَّت واعتزلت طائفة ذات اليسار ، وسكتت وقال الأيمنون : ويلكم
. . . ؟ لا تتعرضوا لعقوبة الله ، وقال الأيسرون { لم تعظون قوماً الله مهلكهم
أو معذبهم عذاباً شديداً } قال الأيمنون : { معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون } ان
ينتهوا فهو أحب إلينا أن لا يصابوا ولا يهلكوا ، وأن لم ينتهوا فمعذرة إلى ربكم
. فمضوا على الخطيئة وقال الأيمنون : قد فعلتم يا أعداء الله ، والله
لنبايننَّكم الليلة في مدينتكم . والله ما أراكم تصبحون حتى يصبحكم الله بخسف
أو قذف أو بعض ما عنده من العذاب ، فلما أصبحوا ضربوا عليهم الباب ونادوا فلم
يجابوا ، فوضعوا سلما وعلوا سور المدينة رجلاً ، فالتفت إليهم فقال : أي عباد
الله قردة والله تعاوى لها أذناب . . . ! ففتحوا فدخلوا عليهم فعرفت القردة
أنسابها من الانس ولا تعرف الانس أنسابها من القردة ، فجعلت القرود تأتي نسيبها
من الانس فتشم ثيابه وتبكي ، فيقول ألم ننهكم فتقول برأسها : أي نعم . ثم قرأ
ابن عباس { فلما نسوا ما ذكروا به أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين
ظلموا بعذاب بئيس } قال : أليم وجيع . قال : فارى الذين نهوا قد نجوا ولا أرى
الآخرين ذكروا ، ونحن نرى أشياء ننكرها ولا نقول فيها . قلت : أي جعلني الله
فداك ، ألا ترى أنهم كرهوا ما هم عليه وخالفوهم ، وقالوا { لم تعظون قوماً الله
مهلكهم } قال : فأمر بي فكسيت ثوبين غليظين .
وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة قال : كانت قرية على ساحل البحر يقال لها ايلة ،
وكان على ساحل البحر صنمان من حجارة مستقبلان الماء ، يقال لأحدهما لقيم والآخر
لقمانة ، فأوحى الله إلى السمك ، أن حج يوم السبت إلى الصنمين ، وأوحى إلى أهل
القرية : أني قد أمرت السمك أن يحجوا إلى الصنمين يوم السبت فلا تعرضوا للسمك
يوم لا يمتنع منكم ، فإذا ذهب السبت فشأنكم به فصيدوه ، فكان إذا طلع الفجر يوم
السبت أقبل السمك شرعاً إلى الصنمين لا يمتنع من آخذ يأخذه ، فظهر يوم السبت
شيء من السمك في القرية فقالوا : نأخذه يوم السبت فنأكله يوم الأحد ، فلما كان
يوم السبت الآخر ظهر أكثر من ذلك ، فلما كان السبت الآخر ظهر السمك في القرية ،
فقام إليهم قوم منهم فوعظوهم فقالوا : اتقوا الله . فقام آخرون فقالوا { لم
تعظون قوماً الله مهلكهم أو معذبهم عذاباً شديداً قالوا معذرة إلى ربكم ولعلهم
يتقون } فلما كان سبت من تلك الأسبات فشى السمك في القرية ، فقال الذين نهوا عن
السوء فقالوا : لا نبيت معكم الليلة في هذه القرية . فقيل لهم : لو أصبحتم
فانقلبتم بذراريكم ونسائكم . قالوا : لا نبيت معكم الليلة في هذه القرية ، فإن
أصبحنا غدونا فاخرجنا ذرارينا وأمتعتنا من بين ظهرانيكم وكان القوم شاتين ،
فلما أمسوا أغلقوا أبوابهم فلما أصبحوا لم يسمع القوم لهم صوتاً ولم يروا سرجاً
خرج من القرية . . . ! قالوا : قد أصاب أهل القرية شر . . . ! فبعثوا رجلاً
منهم ينظر إليهم ، فلما أتى القرية إذا الأبواب مغلقة عليهم ، فاطلع في دار
فإذا هم قرود كلهم ، المرأة أنثى والرجل ذكر ، ثم اطلع في دار أخرى فإذا هم
كذلك الصغير صغير والكبير كبير ، ورجع إلى القوم فقال : يا قوم نزل بأهل القرية
ما كنتم تحذرون ، أصبحوا قردة كلهم لا يستطيعون أن يفتحوا الأبواب ، فدخلوا
عليه فإذا هم قردة كلهم ، فجعل الرجل يومىء إلى القرد منهم أنت فلان ، فيومىء
برأسه : نعم . وهم يبكون فقالوا : أبعدكم الله قد حذرناكم هذا ، ففتحوا لهم
الأبواب فخرجوا فلحقوا بالبرية .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس
قال : نجا الناهون وهلك الفاعلون ، ولا أدري ما صنع بالساكتين .
وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ عن ابن عباس قال : والله لئن أكون علمت أن القوم
الذين قالوا { لم تعظون قوماً } نجوا مع الذين نهوا عن السوء أحب إلى ما عدل به
. وفي لفظ : من حمر النعم . ولكني أخاف أن تكون العقوبة نزلت بهم جميعاً .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن عكرمة قال : قال ابن عباس : ما
أدري انجا الذين قالوا لم تعظون قوماً أم لا؟ قال : فما زلت أبصره حتى عرف أنهم
قد نجوا فكساني حلة .
وأخرج عبد بن حميد عن ليث بن أبي سليم قال : مسخوا حجارة الذين قالوا { لم
تعظون قوماً الله مهلكهم } .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو
الشيخ عن الحسن في قوله { واسألهم عن القرية . . . } الآية . قال : كان حوتاً
حرمه الله عليهم في يوم وأحله لهم فيما سوى ذلك ، فكان يأتيهم في اليوم الذي
حرَّمه الله عليهم كأنه المخاض ما يمتنع من أحد ، فجعلوا يهمون ويمسكون وقلما
رأيت أحداً أكثر الأهتمام بالذنب إلا واقعه ، فجعلوا يهمون ويمسكون حتى أخذوه
فأكلوا بها والله أوخم أكلة أكلها قوم قط أبقاه خزياً في الدنيا وأشده عقوبة في
الآخرة ، وأيم الله للمؤمن من أعظم حرمة عند الله من حوت ، ولكن الله عز وجل
جعل موعد قوم الساعة والساعة أدهى وأمر .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر عن ابن عباس قال : أخذ موسى عليه السلام رجلاً
يحمل حطباً يوم السبت ، وكان موسى يسبت فصلبه .
وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس قال : احتطب رجل في السبت ، وكان داود عليه السلام
يسبت فصلبه .
وأخرج عبد بن حميد عن أبي بكر بن عياش قال : كان حفظي عن عاصم « بعذاب بئيس »
على معنى فعيل ، ثم دخلني منها شك فتركت روايتها عن عاصم وأخذتها عن الأعمش «
بعذاب بئيس » على معنى فعيل .
وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس في قوله { بعذاب بئيس } قال : لا رحمة فيه .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير عن قتادة { بعذاب بئيس } قال : وجيع .
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله { بعذاب بئيس } قال : أليم
بشدة .
وأخرج ابن أبي حاتم عن عطاء قال : نودي الذي اعتدوا في السبت ثلاثة أصوات ،
نودوا يا أهل القرية فانتبهت طائفة ، ثم نودوا يا أهل القرية فانتبهت طائفة
أكثر من الأولى ، ثم نودوا يا أهل القرية فانتبه الرجال والنساء والصبيان ،
فقال الله لهم { كونوا قردة خاسئين } [ البقرة : 65 ] فجعل الذين نهوهم يدخلون
عليهم فيقولون : يا فلان ألم ننهكم؟ فيقولون برؤوسهم : أي بلى .
وأخرج عبد بن حميد عن سعيد بن جبير وماهان الحنفي قال : لما مسخوا جعل الرجل
يشبه الرجل وهو قرد ، فيقال : أنت فلان . . . ؟! فيومىء إلى يديه بما كسبت يداي
.
وأخرج ابن بطة عن أبي هريرة رضي الله عنه « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال : لا ترتكبوا ما ارتكبت اليهود فتستحلوا محارم الله بأدنى الحيل » .
وأخرج أبو الشيخ عن سفيان قال : قالوا لعبد الله بن عبد العزيز العمري في الأمر
بالمعروف والنهي عن المنكر : تأمر من لا يقبل منك؟ قال : يكون معذرة ، وقرأ {
قالوا معذرة إلى ربكم } .
وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ
مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ
وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (167) وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الْأَرْضِ أُمَمًا
مِنْهُمُ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذَلِكَ وَبَلَوْنَاهُمْ
بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (168)
أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس في قوله {
وإذ تأذن ربك . . . } الآية . قال : الذين يسومونهم سوء العذاب محمد وأمته إلى
يوم القيامة ، وسوء العذاب الجزية .
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله { وإذ تأذن ربك } الآية .
قال : هم اليهود ، بعث عليهم العرب يجبونهم الخراج فهو سوء العذاب ، ولم يكن من
نبي جبا الخراج إلا موسى ، جباه ثلاث عشرة سنة ثم كفَّ عنه ولا النبي صلى الله
عليه وسلم . وفي قوله { وقطعناهم . . . } الآية . قال : هم اليهود بسطهم الله
في الأرض ، فليس في الأرض بقعة إلا وفيها عصابة منهم وطائفة .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم وابن المنذر وأبو الشيخ عن مجاهد في
قوله { وإذ تأذن ربك } يقول : قال ربك : ليبعثن عليهم قال : على اليهود
والنصارى إلى يوم القيامة { من يسومهم سوء العذاب } فبعث الله عليهم أمة محمد
صلى الله عليه وسلم يأخذون منهم الجزية وهم صاغرون { وقطعناهم في الأرض أمماً }
قال : يهود { منهم الصالحون } وهم مسلمة أهل الكتاب { ومنهم دون ذلك } قال :
اليهود { وبلوناهم بالحسنات } قال : الرخاء والعافية { والسيئات } قال : البلاء
والعقوبة .
وأخرج ابن الأنباري في الوقف والابتداء عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق قال له :
أخبرني عن قول الله { وقطعناهم في الأرض أمماً } ما الأمم؟ قال : الفرق ، وقال
فيه بشر بن أبي حازم :
من قيس غيلان في ذوائبها ... منهم وهم بعد قادة الأمم
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس { وبلوناهم بالحسنات والسيئات } قال
: بالخصب والجدب .
فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا
الْأَدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ
يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثَاقُ الْكِتَابِ أَنْ لَا
يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ وَدَرَسُوا مَا فِيهِ وَالدَّارُ
الْآَخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (169)
وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ إِنَّا لَا
نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ (170)
أخرج أبو الشيخ عن ابن عباس أنه سئل عن هذه الآية { فخلف من بعدهم خلف ورثوا
الكتاب يأخذون عرض هذا الأدنى } قال : أقوام يقبلون على الدنيا فيأكلونها
ويتبعون رخص القرآن ويقولون : سيغفر لنا ، ولا يعرض لهم شيء من الدنيا إلا
أخذوه ، ويقولون : سيغفر لنا .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله {
فخلف من بعدهم خلف } قال : النصارى { يأخذون عرض هذا الأدنى } قال : ما أشرف
لهم شيء من الدنيا حلالاً أو حراماً يشتهونه أخذوه ويتمنون المغفرة ، وإن يجدوا
آخر مثله يأخذونه .
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس { فخلف من بعدهم خلف . . . } الآية . يقول : يأخذون
ما أصابوا ويتركون ما شاؤوا من حلال أو حرام ، ويقولون سيغفر لنا .
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله { فخلف من بعدهم
خلف } قال : خلف سوء { ورثوا الكتاب } بعد أنبيائهم ورسلهم أورثهم الله الكتاب
وعهد إليهم { يأخذون عرض هذا الأدنى ويقولون سيغفر لنا } قال : آمانيٌّ تمنوها
على الله وغرة يغترون بها { وإن يأتهم عرض مثله يأخذوه } ولا يشغلهم شيء عن شيء
ولا ينهاهم شيء عن ذلك ، كلما أشرف لهم شيء من الدنيا أخذوه ولا يبالون حلالاً
كان أو حراماً .
وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والبيهقي في الشعب ،
عن سعيد بن جبير في قوله { يأخذون عرض هذا الأدنى ويقولون سيغفر لنا } قال :
كانوا يعملون بالذنوب ، ويقولون : سيغفر لنا .
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن عطاء في قوله { يأخذون عرض هذا الأدنى
ويقولون سيغفر لنا } قال : يأخذون ما عرض لهم من الدنيا ، ويقولون : نستغفر
الله ونتوب إليه .
وأخرج أبو الشيخ عن السدي قال : كانت بنو إسرائيل لا يستقضون قاضياً إلا ارتشى
في الحكم ، فإذا قيل له يقول : سيغفر لي .
وأخرج أبو الشيخ عن أبي الجلد قال : يأتي على الناس زمان تخرب صدورهم من القرآن
، وتتهافت وتبلى كما تبلى ثيابهم ، لا يجدون لهم حلاوة ولا لذاذة ، إن قصروا
عما أُمروا به قالوا : إن الله غفور رحيم ، وإن عملوا بما نهوا عنه قالوا :
سيغفر لنا إنا لا نشرك بالله شيئاً أمرهم كله طمع ليس فيه خوف ، لبسوا جلود
الضان على قلوب الذئاب أفضلهم في نفسه المدهن .
وأخرج أبو الشيخ عن الحسن قال : المؤمن يعلم أن ما قال الله كما قال الله ،
والمؤمن أحسن عملاً وأشدَّ الناس خوفاً لو أنفق جبلاً من مال ما أمن دون أن
يعاين ، لا يزداد صلاحاً وبرّاً وعبادة إلا ازداد فرقاً يقول : ألا أنجو . . .
؟ والمنافق يقول : سواد الناس كثير وسيغفر لي ولا بأس عليَّ ، فيسيء العمل
ويتمنى على الله .
وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس { ألم يؤخذ عليهم ميثاق الكتاب أن لا يقولوا على
الله إلا الحق } فيما يوجهون على الله من غفران ذنوبهم التي لا يزالون يعودون
إليها ولا يتوبون منها .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد في قوله { ودرسوا ما فيه } قال : علموا ما في
الكتاب لم يأتوه بجهالة .
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الحسن في قوله { والذين يمسكون بالكتاب } قال
: هي لأهل الأيمان منهم .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو
الشيخ عن مجاهد في قوله { والذين يمسكون بالكتاب } قال : من اليهود والنصارى .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد في قوله { والذين يمسكون بالكتاب } قال : الذي
جاء به موسى عليه السلام .
( معلومات الكتاب ) |