يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ
الصَّادِقِينَ (119)
أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن نافع في قوله { يا أيها الذين
آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين } قال : نزلت في الثلاثة الذين خلفوا :
قيل لهم : كونوا مع محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه .
وأخرج ابن المنذر عن كعب بن مالك قال : فينا نزلت أيضاً { اتقوا الله وكونوا مع
الصادقين } .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عمر في قوله { يا أيها
الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين } قال : مع محمد صلى الله عليه وسلم
وأصحابه .
وأخرج ابن جرير عن سعيد بن جبير في قوله { وكونوا مع الصادقين } قال : مع أبي
بكر وعمر رضي الله عنهما .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن عساكر عن الضحاك في قوله { يا
أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين } قال : امروا أن يكونوا مع
أبي بكر وعمر وأصحابهما .
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس في قوله { اتقوا الله وكونوا مع الصادقين } قال :
مع علي بن أبي طالب .
وأخرج ابن عساكر عن أبي جعفر في قوله { وكونوا مع الصادقين } قال : مع علي بن
أبي طالب .
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي في قوله { اتقوا الله وكونوا مع
الصادقين } قال : كونوا مع كعب بن مالك ، ومرارة بن ربيعة ، وهلال بن أمية .
وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن
عدي وأبو الشيخ وابن مردويه والبيهقي في شعب الإِيمان عن عبد الله بن مسعود قال
: لا يصلح الكذب في جد ولا هزل ولا أن يعد أحدكم صبيه شيئاً ثم لا ينجزه ،
اقرأوا إن شئتم { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين } قال :
وهي في قراءة عبد الله هكذا ، قال : فهل تجدون لأحد رخصة في الكذب .
وأخرج ابن الأنباري في المصاحف عن ابن عباس أنه كان يقرأ { وكونوا مع الصادقين
} .
وأخرج أبو داود الطيالسي والبخاري في الأدب وابن عدي والبيهقي في الشعب « عن
أبي بكر الصديق رضي الله عنه » سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : عليكم
بالصدق فإنه يهدي إلى البر وهما في الجنة ، وإياكم والكذب فإنه يهدي إلى الفجور
وهما في النار ، ولا يزال الرجل يصدق حتى يكتب عند الله صديقاً ، ولا يزال يكذب
حتى يكتب عند الله كذاباً « » .
وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري ومسلم وابن عدي والبيهقي وابن أبي حاتم عن ابن
مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « عليكم بالصدق فأن الصدق يهدي
إلى البر ، وأن البر يهدي إلى الجنة ، وأن الرجل ليصدق حتى يكتب عند الله
صديقاً ، وإياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور ، وإن الفجور يهدي إلى النار
، وإن الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذاباً » .
وأخرج ابن عدي عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «
يا أيها الناس اجتنبوا الكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور ، وإن الفجور يهدي إلى
النار ، وإنه يقال : صدق وبر وكذب وفجر » .
وأخرج أحمد والبيهقي في الشعب « عن أبي مالك الجشمي ، أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم قال له : أرأيت لو كان لك عبدان أحدهما يخونك ويكذبك حديثاً ، والآخر
لا يخونك ويصدقك حديثاً أيهما أحب إليك؟ قال : قلت : الذي لا يخونني ويصدقني
حديثاً ، قال : كذلك أنتم عند ربكم عز وجل » .
وأخرج الحاكم وصححه والبيهقي عن ابن مسعود رضي الله عنه رفع الحديث إلى النبي
صلى الله عليه وسلم قال : « إن الكذب لا يصلح منه جد ولا هزل ، ولا يعد الرجل
ابنه ثم لا ينجز له ، إن الصدق يهدي إلى البر ، وإن البر يهدي إلى الجنة ، وإن
الكذب يهدي إلى الفجور ، وإن الفجور يهدي إلى النار ، إنه يقال للصادق صدق وبر
، ويقال للكاذب كذب وفجر ، وإن الرجل ليصدق حتى يكتب عند الله صديقاً ، ويكذب
حتى يكتب عند الله كذاباً » .
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد والبيهقي عن أسماء بنت يزيد « أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم خطب فقال : ما يحملكم على أن تتابعوا على الكذب كما يتتابع الفراش في
النار ، كل الكذب يكتب على ابن آدم إلا رجل كذب في خديعة حرب ، أو إصلاح بين
إثنين ، أو رجل يحدث امرأته ليرضيها » .
وأخرج البيهقي عن النوّاس بن سمعان الكلابي قال : قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم « ما لي أراكم تتهافتون في الكذب تهافت الفراش في النار ، كل الكذب يكتب
على ابن آدم إلا رجل كذب في خديعة حرب ، أو إصلاح بين إثنين ، أو رجل يحدث
امرأته ليرضيها » .
وأخرج البيهقي عن ابن شهاب قال : ليس بكذاب من درأ عن نفسه .
وأخرج ابن عدي والبيهقي وضعفه عن أبي بكر رضي الله عنه « أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم قال : الكذب مجانب للإِيمان » .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن عدي عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال : إياكم
والكذب فإن الكذب مجانب للإِيمان . قال البيهقي : هذا هو الصحيح موقوف .
وأخرج ابن عدي والبيهقي عن سعد بن أبي وقاص عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
« يطبع المؤمن على كل شيء إلا الخيانة والكذب » .
وأخرج ابن عدي عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال
«
يطبع المؤمن على كل خلق ليس الخيانة والكذب » .
وأخرج ابن عدي عن أبي أمامة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إن
المؤمن ليطبع على خلال شتى من الجود والبخل وحسن الخلق ، ولا يطبع المؤمن على
الكذب ، ولا يكون كذاباً » .
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد عن أبي أمامة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
« يطبع المؤمن على الخلال كلها إلا الخيانة والكذب » .
وأخرج البيهقي عن عبد الله بن أبي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «
المؤمن يطبع على كل خلق إلا الكذب والخيانة » .
وأخرج أبو نعيم في الحلية عن جعفر بن محمد قال : يبنى الإِنسان على خصال ،
فمهما بني عليه فإنه لا يبنى على الخيانة والكذب .
وأخرج مالك والبيهقي عن صفوان بن سليم « أنه قيل يا رسول الله أيكون المؤمن
جباناً؟ قال » نعم . قيل : أيكون المؤمن بخيلاً؟ قال : نعم . قيل : أيكون
المؤمن كذاباً؟ قال : لا « » .
وأخرج البيهقي وأبو يعلى وضعفه عن أبي برزة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال «
الكذب يسوّد الوجه ، والنميمة عذاب القبر » .
وأخرج الحاكم وصححه والبيهقي عن عائشة رضي الله عنها قالت « ما كان خلق أبغض
إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من الكذب ، ولقد كان الرجل يكذب عنده الكذبة
فما يزال في نفسه حتى يعلم أنه قد أحدث منها توبة » .
وأخرج أحمد وهناد بن السري رضي الله عنه في الزهد وابن عدي والبيهقي عن النوّاس
بن سمعان قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « كبرت خيانة أن تحدث أخاك
حديثاً هو لك مصدق وأنت به كاذب » .
وأخرج أحمد والبيهقي عن أسماء بنت عميس قالت « كنت صاحبة عائشة التي هيأتها ،
فأدخلتها على النبي صلى الله عليه وسلم في نسوة ، فما وُجدنا عنده قرى إلا قدح
من لبن ، فتناوله فشرب منه ثم ناوله عائشة ، فاستحيت منه فقلت : لا تردي يد
رسول الله صلى الله عليه وسلم . فأخذته فشربته ، ثم قال : ناولي صواحبك . فقلت
: لا نشتهيه . فقال : لا تجمعن كذباً وجوعاً . فقلت : إن قالت إحدانا لشيء
تشتهيه لا أشتهي أيعدُّ ذلك كذباً . فقال : إن الكذب يكتب كذباً ، حتى الكذيبة
تكتب كذيبة » .
وأخرج ابن سعد وابن أبي شيبة وأحمد والبيهقي عن عبد الله بن عامر بن ربيعة قال
: « جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بيتنا وأنا صبي صغير ، فذهبت ألعب فقالت
أمي لي : يا عبد الله تعال أعطيك . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم » ما
أردت أن تعطيه؟ قالت : أردت أن أعطيه تمراً قال : إما أنك لو لم تفعلي لكتبت
عليك كذبة « » .
وأخرج الطيالسي وأحمد والترمذي وصححه والدارمي وأبو يعلى وابن حبان والطبراني
والبيهقي والضياء « عن الحسن بن علي » سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول
: دع ما يريبك إلى ما لا يريبك ، فإن الصدق طمأنينة وإن الكذب ريبة « » .
وأخرج ابن عدي عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في خطبته «
إن أعظم الخطيئة عند الله اللسان الكاذب » .
وأخرج ابن عدي عن أبي بكر الصديق قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول
« الصدق أمانة والكذب خيانة » .
وأخرج ابن ماجة والحكيم والترمذي في نوادر الأصول والخرائطي في مكارم الأخلاق
والبيهقي « عن عبد الله بن عمرو بن العاصي قال : قلنا يا رسول الله من خير
الناس؟ قال » ذو القلب المحموم واللسان الصادق ، قلنا : قد عرفنا اللسان الصادق
فما القلب المحموم؟ قال : التقي النقي الذي لا إثم فيه ولا بغي ولا غل ولا حسد
. قلنا يا رسول الله : فمن على أثره؟ قال : الذي يشنأ الدنيا ويحب الآخرة ،
قلنا ما نعرف هذا فينا إلا رافعاً مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم فمن على
أثره؟ قال : مؤمن في حسن خلق . قلنا : أما هذا ففينا « » .
وأخرج البيهقي في الشعب عن عمر بن الخطاب قال : لا تجد المؤمن كذاباً .
وأخرج البيهقي عن عمر بن الخطاب قال « لا تنظروا إلى صلاة أحد ولا إلى صيامه ،
ولكن انظروا إلى من إذا حدث صدق ، وإذا ائتمن أدى ، وإذا أشفى ورع » .
وأخرج البيهقي عن أنس قال : إن الرجل ليحرم قيام الليل وصيام النهار بالكذبة
يكذبها .
وأخرج ابن عدي والبيهقي عن محمد بن سيرين قال : الكلام أوسع من أن يكذب ظريف .
وأخرج البيهقي عن مطر الوراق قال : خصلتان إذا كانتا في عبد كان سائر عمله
تبعاً لهما ، حسن الصلاة وصدق الحديث .
وأخرج البيهقي عن الفضيل قال : لم يتزين الناس بشيء أفضل من الصدق ، وطلب
الحلال .
وأخرج البيهقي عن عبد العزيز بن أبي رواد قال : أبرار الدنيا الكذب وقلة الحياء
، من طلب الدنيا بغيرهما فقد أخطأ الطريق والمطلب ، وأبرار الآخرة ، الحياء
والصدق ، فمن طلب الآخرة بغيرهما فقد أخطأ الطريق والمطلب .
وأخرج البيهقي عن يوسف بن أسباط قال : يرزق العبد بالصدق ثلاث خصال ، الحلاوة
والملاحة والمهابة .
وأخرج البيهقي عن أبي روح حاتم بن يوسف قال : أتيت باب الفضيل بن عياض فسلمت
عليه فقلت : يا أبا علي معي خمسة أحاديث إن رأيت أن تأذن لي فأقرأ . فقال لي :
اقرأ . فقرأت فإذا هي ستة فقال لي : أن قم يا بني تعلم الصدق ثم اكتب الحديث .
وأخرج ابن عدي عن عمران بن الحصين رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم « إن في المعاريض لمندوحة عن الكذب » .
وأخرج ابن عدي عن علي بن أبي طالب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إن
في المعاريض ما يغني الرجل العاقل عن الكذب » .
مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ أَنْ
يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَلَا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ
نَفْسِهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا
مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ
وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ
صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (120) وَلَا
يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً وَلَا يَقْطَعُونَ وَادِيًا
إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ
(121)
أخرج ابن أبي حاتم من طريق عمرو بن مالك عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال « لما نزلت هذه الآية { ما كان لأهل المدينة ومن حولهم من الأعراب أن
يتخلفوا عن رسول الله } قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : والذي بعثني بالحق
لولا ضعفاء الناس ما كانت سرية إلا كنت فيها » .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن زيد في قوله { ما كان لأهل المدينة ومن
حولهم من الأعراب أن يتخلفوا عن رسول الله } قال : هذا حين كان الإِسلام قليلاً
، فلما كثر الإِسلام وفشا قال الله تعالى { وما كان المؤمنون لينفروا كافة } [
التوبة : 122 ] . وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله { لا يصيبهم ظمأ } قال :
العطش { ولا نصب } قال : العناء .
وأخرج ابن أبي حاتم عن رجاء بن حيوة ومكحول : أنهما كانا يكرهان التلثم من
الغبار في سبيل الله .
وأخرج ابن أبي حاتم عن الأوزاعي وعبد الله بن المبارك وإبراهيم بن محمد الغزاري
وعيسى بن يونس السبيعي أنهم قالوا في قوله تعالى { ولا ينالون من عدوّ نيلاً
إلا كتب لهم به عمل صالح } قالوا : هذه الآية للمسلمين إلى أن تقوم الساعة .
وأخرج أبو الشيخ عن السدي في قوله { ما كان لأهل المدينة } الآية قال : نسختها
الآية التي تليها { وما كان المؤمنون لينفروا كافة } الآية .
وأخرج الحاكم وابن مردويه عن علي رضي الله عنه قال « خرج رسول الله صلى الله
عليه وسلم في غزاة وخلف جعفراً في أهله فقال جعفر : والله ما أتخلف عنك فخلفني
. فقلت : يا رسول الله أتخلفني أي شيء تقول قريش؟ أليس يقولون : ما أسرع ما خذل
ابن عمه وجلس عنه ، وأخرى ابتغى الفضل من الله لأني سمعت الله تعالى يقول { ولا
يطأون موطئاً يغيظ الكفار . . . } الآية . قال : أما قولك أن تقول قريش : ما
أسرع ما خذل ابن عمه وجلس عنه ، فقد قالوا : إني ساحر وكاهن وإني كذاب فلك بي
أسوة ، أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هرون من موسى غير أنه لا نبي بعدي ، وأما
قولك تبتغي الفضل من الله ، فقد جاءنا فلفل من اليمن فبعه وأنفق عليك وعلى
فاطمة حتى يأتيكما الله منه برزق » .
وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ
فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا
قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ (122)
أخرج أبو داود في ناسخه وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس قال : نسخ هؤلاء
الآيات { انفروا خفافاً وثقالاً } [ التوبة : 41 ] و { إلا تنفروا يعذبكم
عذاباً أليماً } [ التوبة : 39 ] قوله { وما كان المؤمنون لينفروا كافة } يقول
: لتنفر طائفة ولتمكث طائفة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فالماكثون مع
رسول الله صلى الله عليه وسلم هم الذين يتفقهون في الدين وينذرون اخوانهم إذا
رجعوا إليهم من الغزو ، لعلهم يحذرون ما نزل من بعدهم من قضاء الله في كتابه
وحدوده .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في المدخل عن
ابن عباس في قوله { وما كان المؤمنون لينفروا كافة } يعني ما كان المؤمنون
لينفروا جميعاً ويتركوا النبي صلى الله عليه وسلم وحده { فلولا نفر من كل فرقة
منهم طائفة } يعني عصبة يعني السرايا فلا يسيرون إلا باذنه ، فإذا رجعت السرايا
وقد نزل قرآن تعلمه القاعدون من النبي صلى الله عليه وسلم ، قالوا : إن الله قد
أنزل على نبيكم بعدنا قرآناً وقد تعلمناه ، فتمكث السرايا يتعلمون ما أنزل الله
على نبيهم صلى الله عليه وسلم بعدهم ، ويبعث سرايا أخر ، فذلك قوله { ليتفقهوا
في الدين } يقول يتعلمون ما أنزل الله على نبيه ويعلمونه السرايا إذا رجعت
إليهم { لعلهم يحذرون } .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { وما كان المؤمنون لينفروا
كافة } قال : ليست هذه الآية في الجهاد ، ولكن لما دعا رسول الله صلى الله عليه
وسلم على مضر بالسنين أجدبت بلادهم ، فكانت القبيلة منهم تقبل بأسرها حتى يحلوا
بالمدينة من الجهد ويعتلوا بالإِسلام وهم كاذبون ، فضيقوا على أصحاب رسول الله
صلى الله عليه وسلم وأجهدوهم ، فأنزل الله تعالى يخبر رسوله صلى الله عليه وسلم
أنهم ليسوا بمؤمنين ، فردهم إلى عشائرهم وحذر قومهم أن يفعلوا فعلهم ، فذلك
قوله { ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون } .
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن عبد الله بن عبيد بن عمير قال : كان المؤمنون
يحرضهم على الجهاد إذا بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية خرجوا فيها
وتركوا النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة في رقة من الناس ، فأنزل الله تعالى
{ وما كان المؤمنون لينفروا كافة } أمروا إذ بعث النبي صلى الله عليه وسلم سرية
أن تخرج طائفة وتقيم طائفة ، فيحفظ المقيمون على الذين خرجوا ما أنزل الله من
القرآن وما يسن من السنن ، فإذا رجع اخوانهم أخبروهم بذلك وعلموهم ، وإذا خرج
رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يتخلف عنه أحد إلا باذن أو عذر .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ عن عكرمة قال : لما نزلت
{
إلا تنفروا يعذبكم عذاباً أليماً } [ التوبة : 39 ] { ما كان لأهل المدينة } [
التوبة : 120 ] الآية . قال المنافقون : هلك أهل البدو الذين تخلفوا عن محمد
صلى الله عليه وسلم ولم يغزوا معه ، وقد كان ناس خرجوا إلى البدو وإلى قومهم
يفقهونهم ، فأنزل الله تعالى { وما كان المؤمنون لينفروا كافة } الآية . ونزلت
{ والذين يحاجون في الله من بعد ما استجيب له حجتهم داحضة } [ الشورى : 16 ]
الآية .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد
في قوله { وما كان المؤمنون لينفروا كافة } الآية . قال : ناس من أصحاب النبي
صلى الله عليه وسلم خرجوا في البوادي ، فاصابوا من الناس معروفاً ومن الخصب ما
ينتفعون به ، ودعوا من وجدوا من الناس إلى الهدى فقال لهم الناس : ما نراكم إلا
قد تركتم أصحابكم وجئتونا . فوجدوا في أنفسهم من ذلك تحرجاً واقبلوا من البادية
كلهم حتى دخلوا على النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال الله تعالى { فلولا نفر من
كل فرقة منهم طائفة } خرج بعض وقعد بعض يبتغون الخير { ليتفقهوا في الدين }
وليسمعوا ما في الناس وما أنزل بعدهم { ولينذروا قومهم } قال : الناس كلهم إذا
رجعوا إليهم { لعلهم يحذرون } .
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ
الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ
الْمُتَّقِينَ (123)
أخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله { قاتلوا الذين يلونكم من الكفار } قال :
الأدنى فالأدنى .
وأخرج أبو الشيخ عن الضحاك . مثله .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد في الآية قال : كان الذين يلونه من الكفار العرب
، فقاتلهم حتى فرغ منهم .
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن جعفر بن محمد . أنه سئل عن قتال الديلم فقال
: قاتلوهم فإنهم من الذين قال الله تعالى { قاتلوا الذين يلونكم من الكفار } .
وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن الحسن . أنه كان إذا سئل عن قتال الروم والديلم ،
تلا هذه الآية { قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة } قال : شدة
.
وأخرج ابن مردويه عن ابن عمر أنه سئل عن غزو الديلم فقال : سمعت رسول الله صلى
الله عليه وسلم يقول { قاتلوا الذين يلونكم من الكفار } قال : الروم .
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله { وليجدوا فيكم غلظة } قال
: شدة .
وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ
هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ
يَسْتَبْشِرُونَ (124) وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ
فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ (125)
أَوَلَا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ
مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لَا يَتُوبُونَ وَلَا هُمْ يَذَّكَّرُونَ (126)
أخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن قتادة في قوله { فمنهم من يقول أيكم زادته }
قال : من المنافقين من يقول .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس في قوله { فأما الذين
آمنوا فزادتهم إيماناً } قال : كانت إذا أنزلت سورة آمنوا بها فزادهم الله
إيماناً وتصديقاً وكانوا بها يستبشرون .
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله { فزادتهم رجساً إلى رجسهم } قال : شكاً
إلى شكهم .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { أو لا يرون أنهم يفتنون } قال :
يبتلون .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد
في قوله { يفتنون } قال : يبتلون { في كل عام مرة أو مرتين } قال : بالسنة
والجوع .
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن في قوله { يفتنون في كل عام مرة أو مرتين } قال :
يبتلون بالعدوّ في كل عام مرة أو مرتين .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله {
يفتنون في كل عام } قال : يبتلون بالغزو في سبيل الله .
وأخرج أبو الشيخ عن بكار بن مالك { أولا يرون أنهم يفتنون في كل عام مرة أو
مرتين } قال : يمرضون في كل عام مرة أو مرتين .
وأخرج أبو الشيخ عن العتبي قال : إذا مرض العبد ثم عوفي فلم يزدد خيراً قالت
الملائكة عليهم السلام هذا الذي داويناه فلم ينفعه الدواء .
وأخرج ابن مردويه عن أبي سعيد { أولا يرون أنهم يفتنون في كل عام مرة أو مرتين
} قال : كانت لهم في كل عام كذبة أو كذبتان .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عن حذيفة في
قوله { أولا يرون أنهم يفتنون في كل عام مرة أو مرتين } قال : كنا نسمع في كل
عام كذبة أو كذبتين ، فيضل بها فئام من الناس كثير .
وأخرج أبو الشيخ عن الضحاك قال : في قراءة عبد الله « أولا يرون أنهم يفتنون في
كل عام مرة أو مرتين وما يتذكرون » .
وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ نَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ هَلْ يَرَاكُمْ
مِنْ أَحَدٍ ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ
لَا يَفْقَهُونَ (127)
أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { وإذا ما أنزلت سورة نظر
بعضهم إلى بعض } قال : هم المنافقون .
وأخرج أبو الشيخ عن الضحاك { وإذا ما أنزلت سورة نظر بعضهم إلى بعض هل يراكم من
أحد } كراهية أن يغصنا بها .
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن زيد في قوله { وإذا ما أنزلت سورة نظر
بعضهم إلى بعض هل يراكم من أحد } ممن سمع خيركم رآكم أحد أخبره إذا نزل شيء
يخبر عن كلامهم وهم المنافقون .
وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو
الشيخ عن ابن عباس قال : لا تقولوا انصرفنا من الصلاة ، فإن قوماً انصرفوا صرف
الله قلوبهم ، ولكن قولوا : قضينا الصلاة .
وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن عمر قال : لا يقال انصرفنا من الصلاة ، ولكن قد قضيت
الصلاة .
لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ
حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (128)
أخرج عبد بن حميد والحارث بن أبي أسامة في مسنده وابن المنذر وابن مردويه وأبو
نعيم في دلائل النبوّة وابن عساكر عن ابن عباس في قوله { لقد جاءكم رسول من
أنفسكم } قال : ليس من العرب قبيلة إلا وقد ولدت النبي صلى الله عليه وسلم ،
مضريها وربيعيها ويمانيها .
وأخرج عبد الرزاق في المصنف وابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه وأبو
الشيخ عن جعفر بن محمد عن أبيه في قوله { لقد جاءكم رسول من أنفسكم } قال : لم
يصبه شيء من ولادة الجاهلية ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم « خرجت من
نكاح ولم أخرج من سفاح » .
وأخرج ابن سعد عن ابن عباس في قوله { لقد جاءكم رسول من أنفسكم } قال : قد
ولدتموه يا معشر العرب .
وأخرج ابن مردويه عن أنس قال : « قرأ رسول الله { لقد جاءكم رسول من أنفسكم }
فقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : يا رسول الله ما معنى { أنفسكم } ؟ فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم » أنا أنفسكم نسباً وصهراً وحسباً ، ليس فيَّ ولا
في آبائي من لدن آدم سفاح كلها نكاح « » .
وأخرج الحاكم عن ابن عباس « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ { لقد جاءكم
رسول من أنفسكم } يعني من أعظمكم قدراً » .
وأخرج ابن سعد وابن عساكر عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
« خرجت من لدن آدم من نكاح غير سفاح » .
وأخرج الطبراني عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « ما ولدني
من سفاح الجاهلية شيء ، وما ولدني إلا نكاح كنكاح الإِسلام » .
وأخرج ابن سعد وابن عساكر عن عائشة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «
خرجت من نكاح غير سفاح » .
وأخرج ابن سعد وابن أبي شيبة في المصنف عن محمد بن علي بن حسين أن النبي صلى
الله عليه وسلم قال « إنما خرجت من نكاح ولم أخرج من سفاح ، من لدن آدم لم
يصبني من سفاح أهل الجاهلية شيء ، لم أخرج إلا من طهرة » .
وأخرج ابن أبي عمر العدني في مسنده والطبراني في الأوسط وأبو نعيم في الدلائل
وابن عساكر عن علي بن أبي طالب « أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : خرجت من
نكاح ولم أخرج من سفاح من لدن آدم إلى أن ولدني أبي ، وأمي لم يصبني من سفاح
الجاهلية شيء » .
وأخرج أبو نعيم في الدلائل عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
«
لم يلتق أبواي قط على سفاح ، لم يزل الله ينقلني من الأصلاب الطيبة إلى الأرحام
الطاهرة مصفى مهذباً ، لا تتشعب شعبتان إلا كنت في خيرهما » .
وأخرج ابن سعد عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « خير العرب
مضر ، وخير مضر بنو عبد مناف ، وخير بني عبد مناف بنو هاشم ، وخير بنو هاشم بنو
عبد المطلب ، والله ما افترق شعبتان منذ خلق الله آدم إلا كنت في خيرهما » .
وأخرج البيهقي في الدلائل وابن عساكر عن أنس قال : « خطب النبي صلى الله عليه
وسلم فقال : أنا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن
كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة
بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار ، وما افترق الناس فرقتين إلا جعلني الله في
خيرهما ، فأخرجت من بين أبوي فلم يصبني شيء من عهد الجاهلية ، وخرجت من نكاح
ولم أخرج من سفاح من لدن آدم ، حتى انتهيت إلى أبي وأمي ، فأنا خيركم نفساً
وخيركم أباً » .
وأخرج ابن سعد والبخاري والبيهقي في الدلائل عن أبي هريرة « أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم قال : بعثت من خير قرون بني آدم قرناً فقرنا ، حتى كنت من القرن
الذي كنت فيه » .
وأخرج ابن سعد ومسلم والترمذي والبيهقي في الدلائل عن واثلة بن الأسقع قال :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إن الله اصطفى من ولد إبراهيم إسمعيل ،
واصطفى من ولد إسمعيل بني كنانة ، واصطفى من بني كنانة قريشاً ، واصطفى من قريش
بني هاشم ، واصطفاني من بني هاشم » .
وأخرج أحمد والترمذي وحسنه وابن مردويه وأبو نعيم والبيهقي معاً في الدلائل عن
العباس بن عبد المطلب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إن الله حين
خلق الخلق جعلني من خير خلقه ، ثم حين فرقهم جعلني في خير الفريقين ، ثم حين
خلق القبائل جعلني من خيرهم قبيلة ، وحين خلق الأنفس جعلني من خير أنفسهم ، ثم
حين خلق البيوت جعلني من خير بيوتهم ، فأنا خيرهم بيتاً وخيرهم نفساً » .
وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول والطبراني وابن مردويه وأبو نعيم
والبيهقي عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إن الله خلق
الخلق فاختار من الخلق بني آدم ، واختار من بني آدم العرب ، واختار من العرب
مضر ، واختار من مضر قريشاً ، واختار من قريش بني هاشم ، واختارني من بني هاشم
، فانا من خيار إلى خيار » .
وأخرج ابن سعد عن محمد بن علي بن حسين بن علي بن أبي طالب
«
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : قسم الله الأرض نصفين فجعلني في خيرهما
، ثم قسم النصف على ثلاثة فكنت في خير ثلث منها ، ثم اختار العرب من الناس ، ثم
اختار قريشاً من العرب ، ثم اختار بني هاشم من قريش ، ثم اختار بني عبد المطلب
من بني هاشم ، ثم اختارني من بني عبد المطلب » .
وأخرج ابن سعد والبيهقي عن محمد بن علي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
« إن الله اختار العرب فاختار منهم كنانة ، ثم اختار منهم قريشاً ، ثم اختار
منهم بني هاشم ، ثم اختارني من بني هاشم » .
وأخرج ابن سعد عن عبد الله بن عبيد بن عمير قال : قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم « إن الله اختار العرب فاختار كنانة من العرب ، واختار قريشاً من كنانة ،
واختار بني هاشم من قريش ، واختارني من بني هاشم » .
وأخرج ابن عساكر عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « ما
ولدتني بغي قط مذ خرجت من صلب آدم ، ولم تزل تتنازعني الأمم كابراً عن كابر حتى
خرجت من أفضل حيين من العرب هاشم وزهرة » .
وأخرج ابن أبي عمر العدني عن ابن عباس « أن قريشاً كانت نوراً بين يدي الله
تعالى قبل أن يخلق الخلق بألفي عام ، يسبح ذلك النور وتسبح الملائكة بتسبيحه ،
فلما خلق الله آدم عليه السلام ألقى ذلك النور في صلبه . قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم : فاهبطني الله إلى الأرض في صلب آدم عليه السلام ، وجعلني في
صلب نوح ، وقذف بي في صلب إبراهيم ، ثم لم يزل الله ينقلني من الأصلاب الكريمة
إلى الأرحام الطاهرة حتى أخرجني من بين أبوي لم يلتقيا على سفاح قط » .
وأخرج البيهقي عن ربيعة بن الحرث بن عبد المطلب قال « بلغ النبي صلى الله عليه
وسلم أن قوماً نالوا منه ، فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال : أيها
الناس إن الله خلق خلقه فجعلهم فرقتين ، فجعلني في خير الفرقتين ، ثم جعلهم
قبائل فجعلني في خيرهم قبيلاً ، ثم جعلهم بيوتاً فجعلني في خيرهم بيتاً ، ثم
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنا خيركم قبيلاً وخيركم بيتاً » .
وأخرج الترمذي وحسنه وابن مردويه والبيهقي عن المطلب بن أبي وداعة قال : « قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم وبلغه بعض ما يقول الناس » فصعد المنبر فحمد الله
وأثنى عليه وقال : من أنا؟ قالوا : أنت رسول الله . قال : أنا محمد بن عبد الله
بن عبد المطلب ، إن الله خلق الخلق فجعلني في خير خلقه ، وجعلهم فرقتين فجعلني
في خير فرقة ، وجعلهم قبائل فجعلني في خيرهم قبيلة ، وجعلهم بيوتاً فجعلني في
خيرهم بيتاً ، فانا خيركم بيتاً ، وخيركم نفساً « » .
وأخرجه الترمذي وصححه والنسائي عن عبد المطلب بن ربيعة بن الحرث بن عبد المطلب
.
وأخرج ابن سعد عن قتادة قال : ذكر لنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «
إذا أراد الله أن يبعث نبياً نظر إلى خير أهل الأرض قبيلة فيبعث خيرها رجلاً »
.
وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول عن جعفر بن محمد عن أبيه قال : قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم « أتاني جبريل عليه السلام فقال : يا محمد إن الله عز
وجل بعثني فطفت شرق الأرض وغربها وسهلها وجبلها فلم أجد حياً خيراً من العرب ،
ثم أمرني فطفت في العرب فلم أجد حياً خيراً من مضر ، ثم أمرني فطفت في مضر فلم
أجد حياً خيراً من كنانة ، ثم أمرني فطفت في كنانة فلم أجد حياً خيراً من قريش
، ثم أمرني فطفت في قريش فلم أجد حياً خيراً من بني هاشم ، ثم أمرني أن أختار
من أنفسهم فلم أجد فيهم نفساً خيراً من نفسك » .
وأخرج ابن أبي شيبة وإسحق بن راهويه وابن منيع في مسنده وابن جرير وابن المنذر
وأبو الشيخ وابن مردويه والبيهقي في الدلائل من طريق يوسف بن مهران عن ابن عباس
عن أبي بن كعب قال : آخر آية أنزلت على النبي صلى الله عليه وسلم ، وفي لفظ :
إن آخر ما نزل من القرآن { لقد جاءكم رسول من أنفسكم } إلى آخر الآية .
وأخرج ابن الضريس في فضائل القرآن وابن الأنباري في المصاحف وابن مردويه عن
الحسن أن أبي بن كعب كان يقول : إن أحدث القرآن عهداً بالله ، وفي لفظ :
بالسماء هاتان الآيتان { لقد جاءكم رسول من أنفسكم } إلى آخر السورة .
وأخرج عبد الله بن أحمد بن حنبل في زوائد المسند وابن الضريس في فضائله وابن
أبي داود في المصاحف وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه والبيهقي في الدلائل
والخطيب في تلخيص المتشابه والضياء في المختارة من طريق أبي العالية عن أبي بن
كعب . أنهم جمعوا القرآن في مصحف في خلافة أبي بكر ، فكان رجال يكتبون ويملي
عليهم أبي بن كعب ، حتى انتهوا إلى هذه الآية من سورة براءة { ثم انصرفوا صرف
الله قلوبهم بأنهم قوم لا يفقهون } فظنوا أن هذا آخر ما نزل من القرآن فقال أبي
بن كعب : إن النبي صلى الله عليه وسلم قد أقرأني بعد هذا آيتين { لقد جاءكم
رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم ، فإن تولوا
فقل حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم } فهذا آخر ما نزل
من القرآن .
قال : فختم الأمر بما فتح به بلا إله إلا الله ، يقول الله { وما أرسلنا من
قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون } [ الأنبياء : 25 ] .
وأخرج ابن سعد وأحمد والبخاري والترمذي والنسائي وابن جرير وابن أبي داود في
المصاحف وابن حبان وابن المنذر والطبراني والبيهقي في سننه عن زيد بن ثابت قال
: أرسل إليَّ أبو بكر مقتل أهل اليمامة وعنده عمر فقال أبو بكر : إن عمر أتاني
فقال : إن القتل قد استحر يوم اليمامة بالناس ، واني أخشى أن يستحر القتل
بالقراء في المواطن فيذهب كثير من القرآن الا أن تجمعوه ، وإني أرى أن تجمع
القرآن . قال أبو بكر : فقلت لعمر : كيف أفعل شيئاً لم يفعله رسول الله صلى
الله عليه وسلم ؟ فقال عمر : هو - والله - خير . فلم يزل عمر يراجعني فيه حتى
شرح الله لذلك صدري ورأيت الذي رأى عمر . قال زيد بن ثابت : وعمر جالس عنده لا
يتكلم ، فقال أبو بكر : إنك رجل شاب عاقل ولا نتهمك ، كنت تكتب الوحي لرسول
الله صلى الله عليه وسلم فتتبع القرآن فاجمعه ، فوالله لو كلفوني نقل جبل من
الجبال ما كان أثقل عليَّ مما أمراني به من جمع القرآن . قلت : كيف تفعلان
شيئاً لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال أبو بكر : هو - والله -
خير . فلم أزل أراجعه حتى شرح الله صدري للذي شرح له صدر أبي بكر وعمر . فقمت
فتتبعت القرآن اجمعه من الرقاع والإِكاف والعسب وصدور الرجال ، حتى وجدت من
سورة التوبة آيتين مع خزيمة بن ثابت الأنصاري لم أجدهما مع أحد غيره { لقد
جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم } إلى آخرهما ، وكانت الصحف التي جمع
فيها القرآن عند أبي بكر حتى توفاه الله ، ثم عند عمر حتى توفاه الله ، ثم عند
حفصة بنت عمر .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ عن عبيد بن عمير قال : كان عمر لا يثبت
آية في المصحف حتى يشهد رجلان ، فجاء رجل من الأنصار بهاتين الآيتين { لقد
جاءكم رسول من أنفسكم } إلى آخرها . فقال عمر : لا أسألك عليها بينة أبداً ،
كذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وأخرج ابن أبي داود في المصاحف عن عروة قال : لما استحر القتل بالقراء يومئذ
فرقَّ أبو بكر على القرآن أن يضيع فقال لعمر بن الخطاب ، ولزيد بن ثابت : أقعدا
على باب المسجد فمن جاءكما بشاهدين على شيء من كتاب الله فاكتباه .
وأخرج ابن إسحق وأحمد بن حنبل وابن أبي داود عن عباد بن عبد الله بن الزبير قال
: أتى الحرث بن خزيمة بهاتين الآيتين من آخر براءة { لقد جاءكم رسول من أنفسكم
} إلى قوله { وهو رب العرش العظيم } إلى عمر فقال : من معك على هذا؟ فقال : لا
أدري والله إلا أني أشهد لسمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم ووعيتها
وحفظتها .
فقال عمر : وأنا أشهد لسمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لو كانت ثلاث
آيات لجعلتها سورة على حدة ، فانظروا من القرآن فالحقوها . فألحقت في آخر براءة
.
وأخرج ابن أبي داود في المصاحف عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب قال : أراد عمر
بن الخطاب أن يجمع القرآن ، فقام في الناس فقال : من كان تلقى من رسول الله صلى
الله عليه وسلم شيئاً من القرآن فليأتنا به ، وكانوا كتبوا ذلك في الصحف
والألواح والعسب ، وكان لا يقبل من أحد شيئاً حتى يشهد شهيدان ، فقتل وهو يجمع
ذلك إليه ، فقام عثمان بن عفان فقال : من كان عنده شيء من كتاب الله فليأتنا به
، وكان لا يقبل من أحد شيئاً حتى يشهد به شاهدان ، فجاء خزيمة بن ثابت فقال :
إني رأيتكم تركتم آيتين لم تكتبوهما . فقالوا : ما هما؟ قال : تلقيت من رسول
الله صلى الله عليه وسلم { لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم } إلى
آخر السورة فقال عثمان : وأنا أشهد أنهما من عند الله ، فأين ترى أن نجعلهما؟
قال : اختم بهما آخر ما نزلت من القرآن ، فختمت بهما براءة .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله { لقد
جاءكم رسول من أنفسكم } الآية . قال : جعله الله من أنفسهم فلا يحسدونه على ما
أعطاه الله من النبوة والكرامة ، عزيز عليه عنت مؤمنهم ، حريص على ضالهم أن
يهديه الله { بالمؤمنين رؤوف رحيم } .
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله { عزيز عليه ما عنتم } قال
: شديد عليه ما شق عليكم { حريص عليكم } أن يؤمن كفاركم .
وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « جاء
جبريل فقال لي : يا محمد إن ربك يقرئك السلام ، وهذا ملك الجبال قد أرسله الله
إليك وأمره أن لا يفعل شيئاً إلا بأمرك . فقال له ملك الجبال : إن الله أمرني
أن لا أفعل شيئاً إلا بأمرك ، إن شئت دمدمت عليهم الجبال ، وإن شئت رميتهم
بالحصباء ، وإن شئت خسفت بهم الأرض . قال : يا ملك الجبال فإني آتي بهم لعله أن
يخرج منهم ذرية يقولون : لا إله إلا الله . فقال ملك الجبال عليه السلام : أنت
كما سمَّاك ربك رؤوف رحيم » .
وأخرج ابن مردويه عن أبي صالح الحنفي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «
إن الله رحيم ولا يضع رحمته إلا على رحيم . قلنا : يا رسول الله كلنا نرحم
أموالنا وأولادنا . قال : ليس بذلك ولكن كما قال الله { لقد جاءكم رسول من
أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم } » .
وأخرج ابن مردويه عن سعد بن أبي وقاص قال « لما قدم رسول الله صلى الله عليه
وسلم المدينة جاءته جهينة فقالوا له : إنك قد نزلت بين أظهرنا فأوثق لنا نأمنك
وتأمنا . قال : ولم سألتم هذا؟ قالوا : نطلب الأمن ، فأنزل الله تعالى هذه
الآية { لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم } الآية » .
وأخرج ابن سعد عن أبي صالح الحنفي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إن
الله رحيم يحب الرحيم ، يضع رحمته على كل رحيم . قالوا : يا رسول الله إنا
لنرحم أنفسنا وأموالنا وأزواجنا . قال : ليس كذلك ولكن كونوا كما قال الله {
لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم }
» .
فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ
تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (129)
أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله { فإن
تولوا فقل حسبي الله } يعني الكفار ، تولوا عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وهذه
في المؤمنين .
وأخرج أبو الشيخ عن محمد بن كعب قال : خرجت سرية إلى أرض الروم ، فسقط رجل منهم
فانكسرت فخذه ، فلم يستطيعوا أن يحملوه فربطوا فرسه عنده ووضعوا عنده شيئاً من
ماء وزاد ، فلما ولوا أتاه آت فقال له : ما لك ههنا؟ قال : انكسرت فخذي فتركني
أصحابي . فقال : ضع يدك حيث تجد الألم . فقل { فإن تولوا فقل حسبي الله لا إله
إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم } قال : فوضع يده فقرأ هذه الآية ، فصح
مكانه وركب فرسه وأدرك أصحابه .
وأخرج أبو داود عن أبي الدرداء موقوفاً وابن السني عن أبي الدرداء قال : قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم « من قال حين يصبح وحين يمسي { حسبي الله لا إله
إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم } سبع مرات كفاه الله ما أهمه من أمر
الدنيا والآخرة » .
وأخرج ابن النجار في تاريخه عن الحسن قال : من قال حين يصبح سبع مرات { حسبي
الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم } لم يصبه ذلك اليوم ولا
تلك الليلة كرب ولا سلب ولا غرق .
أما قوله تعالى : { وهو رب العرش العظيم } .
أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : إنما سمي العرش عرشاً لارتفاعه .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة عن سعد الطائي قال :
العرش ياقوتة حمراء .
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة عن وهب بن منبه قال : إن الله تعالى
خلق العرش والكرسي من نوره ، فالعرش ملتصق بالكرسي ، والملائكة في جوف الكرسي
وحول العرش أربعة أنهار ، نهر من نور يتلألأ ، ونهر من نار تتلظى ، ونهر من ثلج
أبيض تلتمع منه الأبصار ، ونهر من ماء ، والملائكة قيام في تلك الأنهار يسبحون
الله تعالى ، وللعرش ألسنة بعدد ألسنة الخلق كلهم ، فهو يسبح الله تعالى ويذكره
بتلك الألسنة .
وأخرج أبو الشيخ عن الشعبي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « العرش
ياقوتة حمراء ، وإن ملكاً من الملائكة نظر إليه وإلى عظمه فأوحى الله إليه :
إني قد جعلت فيك قوّة سبعين ألف ملك لكل ملك سبعون ألف جناح فطر . فطار الملك
بما فيه من القوّة والأجنحة ما شاء الله أن يطير ، فوقف فنظر فكأنه لم يرم » .
وأخرج أبو الشيخ عن حماد قال : خلق الله العرش من زمردة خضراء ، وخلق له أربع
قوائم من ياقوتة حمراء ، وخلق له ألف لسان ، وخلق في الأرض ألف أمة كل أمة تسبح
الله بلسان من ألسن العرش .
وأخرج الطبراني وأبو الشيخ عن عبد الله بن عمرو بن العاصي قال : إن العرش مطوّق
بحية ، والوحي ينزل في السلاسل .
وأخرج ابن المنذر عن عطاء قال : كانوا يرون أن العرش على الحرم .
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس قال : ما يقدر قدر العرش إلا الذي
خلقه ، وإن السموات في خلق العرش مثل قبة في صحراء .
وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد قال : ما أخذت السموات
والأرض من العرش إلا كما تأخذ الحلقة من أرض الفلاة .
وأخرج ابن أبي حاتم عن كعب قال : إن السموات في العرش كالقنديل معلقاً بين
السماء والأرض .
وأخرج ابن أبي حاتم عن عمر بن يزيد البصري قال : في كتاب ما تنبأ عليه هرون
النبي عليه الصلاة والسلام : إن بحرنا هذا خليج من نبطس ، ونبطس وراءه وهو محيط
بالأرض ، فالأرض وما فوقها من البحار عند نبطس كعين على سيف البحر ، وخلف نبطس
قينس محيط بالأرض ، فنبطس وما دونه عنده كعين على سيف البحر ، وخلف قينس الأصم
محيط بالأرض ، فقينس وما دونه عنده كعين على سيف البحر ، وخلف الأصم المظلم
محيط بالأرض ، فالأصم وما دونه عنده كعين على سيف البحر : وخلف المظلم جبل من
الماس محيط بالأرض ، فالمظلم وما دونه عنده كعين على سيف البحر ، وخلف الماس
الباكي وهو ماء عذب محيط بالأرض أمر الله نصفه أن يكون تحت العرش ، فأراد أن
يستجمع فزجره فهو باك يستغفر الله ، فالماس وما دونه عنده كعين على سيف البحر ،
والعرش خلف ذلك محيط بالأرض ، فالباكي وما دونه عنده كعين على سيف البحر .
وأخرج أبو الشيخ عن عبد الرحمن بن زيد أسلم عن أبيه « أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم قال : ما السموات السبع في الكرسي إلا كدراهم سبعة القيت في ترس »
قال ابن زيد : قال أبو ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم « ما الكرسي في العرش
إلا كحلقة من حديد القيت بين ظهري فلاة من الأرض ، والكرسي موضع القدمين » .
وأخرج أبو الشيخ عن وهب رضي الله عنه قال : خلق الله العرش ، وللعرش سبعون ألف
ساق كل ساق كاستدارة السماء والأرض .
وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ والبيهقي في الأسماء والصفات عن مجاهد رضي الله
عنه قال : بين الملائكة وبين العرش سبعون حجاباً ، حجاب من نور وحجاب من ظلمة ،
وحجاب من نور وحجاب من ظلمة . . .
وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجة والبيهقي في
الأسماء والصفات عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : كان النبي صلى الله عليه
وسلم يقول عند الكرب
«
لا إله إلا الله العظيم الحليم ، لا إله إلا الله رب العرش العظيم ، لا إله إلا
الله رب السموات ورب الأرضين ورب العرش الكريم » .
وأخرج النسائي والحاكم والبيهقي عن عبد الله بن جعفر رضي الله عنه قال : علمني
علي رضي الله عنه كلمات علمهن رسول الله صلى الله عليه وسلم إياه يقولهن عند
الكرب والشيء يصيبه « لا إله إلا الله الحليم الكريم ، سبحان الله وتبارك الله
رب العرش العظيم ، والحمد لله رب العالمين » .
وأخرج الحكيم الترمذي من طريق إسحق بن عبد الله بن جعفر عن أبيه قال : كان رسول
الله صلى الله عليه وسلم يقول « لقنوا موتاكم لا إله إلا الله الحليم الكريم ،
سبحان الله رب السموات السبع ورب العرش العظيم ، الحمد لله رب العالمين . قالوا
: يا رسول الله فكيف هي للحي؟ قال : أجود وأجود » .
وأخرج ابن أبي شيبة عن عبد الله بن جعفر ، أنه زوّج ابنته فخلا بها فقال : إذا
نزل بك الموت أو أمر من أمور الدنيا فظيع فاستقبليه بأن تقولي « لا إله إلا
الله الحليم الكريم ، سبحان الله رب العرش العظيم ، الحمد لله رب العالمين .
وأخرج أحمد في الزهد وأبو الشيخ في العظمة عن وهب بن منبه رضي الله عنه . أن
حزقيل كان في سبا بختنصر مع دانيال من بيت المقدس ، فزعم حزقيل أنه كان نائماً
على شاطىء الفرات ، فأتاه ملك وهو نائم فأخذ برأسه فاحتمله حتى وضعه في خزانة
بيت المقدس قال : فرفعت رأسي إلى السماء فإذا السموات منفرجات دون العرش قال :
فبدا لي العرش ومن حوله ، فنظرت إليهم من تلك الفرجة فإذا العرش - إذا نظرت
إليه - مظل على السموات والأرض ، وإذا نظرت إلى السموات والأرض رأيتهن متعلقات
ببطن العرش ، وإذا الحملة أربعة من الملائكة لكل ملك منهم أربعة وجوه ، وجه
إنسان ، ووجه نسر ، ووجه أسد ، ووجه ثور ، فلما أعجبني ذلك منهم نظرت إلى
أقدامهم فإذا هي في الأرض على عجل تدور بها ، وإذا ملك قائم بين يدي العرش له
ستة أجنحة لها لون كلون فرع ، لم يزل ذلك مقامه منذ خلق الله الخلق إلى أن تقوم
الساعة ، فإذا هو جبريل عليه السلام ، وإذا ملك أسفل من ذلك أعظم شيء رأيته من
الخلق ، فإذا هو ميكائيل وهو خليفة على ملائكة السماء ، وإذا ملائكة يطوفون
بالعرش منذ خلق الله الخلق إلى أن تقوم الساعة يقولون : قدوس قدوس ربنا الله
القوي ملأت عظمته السموات والأرض ، وإذا ملائكة أسفل من ذلك ، لكل ملك منهم ستة
أجنحة ، جناحان يستر بهما وجهه من النور ، وجناحان يغطي بهما جسده ، وجناحان
يطير بهما .
وإذا هم الملائكة المقربون ، وإذا ملائكة أسفل من ذلك سجود مذ خلق الله الخلق
إلى أن ينفخ في الصور ، فإذا نفخ في الصور رفعوا رؤوسهم ، فإذا نظروا إلى العرش
قالوا : سبحانك ما كنا نقدرك حق قدرتك! ثم رأيت العرش تدلى من تلك الفرجة فكان
قدرها ، ثم أفضى إلى ما بين السماء والأرض فكان يلي ما بينهما ، ثم دخل من باب
الرحمة فكان قدره ، ثم أفضى إلى المسجد فكان قدره ، ثم وقع على الصخرة فكان
قدرها ، ثم قال : يا ابن آدم .
فصعقت وسمعت صوتاً لم أسمع مثله قط ، فذهبت أقدر ذلك الصوت فإذا قدره كعسكر
اجتمعوا فاجلبوا بصوت واحد أو كفئة اجتمعت فتدافعت وأتى بعضها بعضاً ، أو أعظم
من ذلك .
قال حزقيل : فلما صعقت قال : أنعشوه فإنه ضعيف خلق من طين ، ثم قال : اذهب إلى
قومك فأنت طليعتي عليهم كطليعة الجيش من دعوته منهم ، فأجابك واهتدى بهداك فلك
مثل أجره ، ومن غفلت عنه حتى يموت ضالاً فعليك مثل وزره لا يخفف ذلك من أوزارهم
شيئاً ، ثم عرج بالعرش واحتملت حتى رددت إلى شاطىء الفرات ، فبينما أنا نائم
على شاطىء الفرات إذ أتاني ملك فأخذ برأسي فاحتملني حتى ادخلني جنب بيت المقدس
، فإذا أنا بحوض ماء لا يجوز قدمي ، ثم افضيت منه إلى الجنة فإذا شجرها على
شطوط أنهارها ، وإذا هو شجر لا يتناثر ورقه ولا يفنى عمره ، فإذا فيه الطلع
والقضيب والبيع والقطيف قلت : فما لباسها؟ قال : هو ثياب كثياب الحور يتفلق على
أي لون شاء صاحبه . قلت : فما ازواجها؟ فعرضن عليَّ فذهبت لأقيس حسن وجوههن ،
فإذا هن لو جمع الشمس والقمر كان وجه احداهن اضوأ منهما ، وإذا لحم إحداهن لا
يواري عظمها ، وإذا عظمها لا يواري مخها ، وإذا هي إذا نام عنها صاحبها استيقظ
وهي بكر فعجبت من ذلك . . . ! فقيل لي : لم تعجب من هذا؟ فقلت : وما لي لا
أعجب؟! قال : فإنه من أكل من هذه الثمار التي رأيت خلد ، ومن تزوج من هذه
الأزواج انقطع عنه الهم والحزن قال : ثم أخذ برأسي فردني حيث كنت .
قال حزقيل : فبينا أنا نائم على شاطىء الفرات إذ أتاني ملك فأخذ برأسي فاحتملني
حتى وضعني بقاع من الأرض قد كانت معركة ، وإذا فيه عشرة آلاف قتيل قد بددت
الطيور والسباع لحومهم وفرقت بين اوصالهم ، ثم قال لي : إن قوماً يزعمون أنه من
مات منهم أو قتل فقد انفلت مني وذهبت عنه قدرتي فادعهم . قال حزقيل : فدعوتهم
فإذا كل عظم قد أقبل إلى مفصله الذي منه انقطع ، ما رجل بصاحبه باعرف من العظم
بمفصله الذي فارق حتى أمَّ بعضها بعضاً ، ثم نبت عليها اللحم ، ثم نبتت العروق
، ثم انبسطت الجلود وأنا أنظر إلى ذلك ، ثم قال : ادع لي أرواحهم . قال حزقيل :
فدعوتها وإذا كل روح قد أقبل إلى جسده الذي فارق ، فلما جلسوا سألتهم فيم
كنتم؟! قالوا : انَّا لما متنا وفارقنا الحياة لقينا ملك يقال له ميكائيل ، قال
: هلموا أعمالكم وخذوا أجوركم ، كذلك سُنَّتنا فيكم وفيمن كان قبلكم وفيمن هو
كائن بعدكم . فنظر في أعمالنا فوجدنا نعبد الأوثان ، فسلط الدود على أجسادنا
وجعلت الأرواح تألمه ، وسلط الغم على أرواحنا وجعلت أجسادنا تألمه ، فلم نزل
كذلك نعذب حتى دعوتنا . قال : احتملني فردني حيث كنت .
( معلومات الكتاب ) |