الرعد - تفسير الدرر المنثور

وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آَيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ (27) الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (28) الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآَبٍ (29)

أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ ، عن قتادة - رضي الله عنه - في قوله { ويهدي إليه من أناب } أي من تاب . وفي قوله { وتطمئن قلوبهم بذكر الله } قال : هشت إليه واستأنست به .
وأخرج أبو الشيخ عن السدي - رضي الله عنه - { الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله } يقول : إذا حلف لهم بالله صدقوا { ألا بذكر الله تطمئن القلوب } قال : تسكن القلوب .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ ، عن مجاهد - رضي الله عنه - في قوله { ألا بذكر الله تطمئن القلوب } قال : محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه .
وأخرج أبو الشيخ عن أنس - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه ، حين نزلت هذه الآية { ألا بذكر الله تطمئن القلوب } : « هل تدرون ما معنى ذلك؟ قالوا : الله ورسوله أعلم . قال : من أحب الله ورسوله ، أحب أصحابي » .
وأخرج ابن مردويه عن علي - رضي الله عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لما نزلت هذه الآية { ألا بذكر الله تطمئن القلوب } قال : « ذاك من أحب الله ورسوله ، وأحب أهل بيتي صادقاً غير كاذب ، وأحب المؤمنين شاهداً وغائباً ، ألا بذكر الله يتحابون » .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ ، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - في قوله { طوبى لهم } قال : فرح وقرة عين .
وأخرج ابن أبي شيبة وهناد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ ، عن عكرمة - رضي الله عنه - في قوله { طوبى لهم } قال : نعم ما لهم .
وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ ، عن الضحاك - رضي الله عنه - في قوله { طوبى لهم } قال : غبطة لهم .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ ، عن قتادة - رضي الله عنه - في قوله { طوبى لهم } قال : حسنى لهم . وهي كلمة من كلام العرب .
وأخرج ابن جرير عن قتادة - رضي الله عنه - في قوله { طوبى لهم } قال : هذه كلمة عربية ، يقول الرجل طوبى لك ، أي أحببت خيراً .
وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ ، عن إبراهيم - رضي الله عنه - في قوله { طوبى لهم } قال : الخير والكرامة الذي أعطاهم الله سبحانه وتعالى .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن مجاهد - رضي الله عنه - في قوله { طوبى لهم } قال : الجنة .
وأخرج ابن جرير عن عكرمة - رضي الله عنه - في قوله { طوبى لهم } قال : الجنة بالحبشية .


وأخرج ابن جرير عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال : لما خلق الله الجنة وفرغ منها قال { الذين آمنوا وعملوا الصالحات طوبى لهم وحسن مآب } وذلك حين أعجبته .
وأخرج جرير وأبو الشيخ ، عن سعيد بن مسجوح - رضي الله عنه - قال { طوبى } اسم الجنة بالهندية .
وأخرج ابن المنذر عن سعيد بن جبير - رضي الله عنه - قال { طوبى } اسم الجنة بالهندية .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ ، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال : { طوبى } اسم شجرة في الجنة .
وأخرج عبد الرزاق وابن أبي الدنيا في صفة الجنة ، وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : { طوبى } شجرة في الجنة ، يقول الله تعالى لها : تفتقي لعبدي عما شاء . فتنفتق له عن الخيل بسروجها ولجمها ، وعن الإِبل برحالها وأزمتها ، وعما شاء من الكسوة .
وأخرج ابن جرير من طريق معاوية بن قرة - رضي الله عنه - عن أبيه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « طوبى ، شجرة غرسها الله تعالى بيده ، ونفخ فيها من روحه ، تنبت بالحلى والحلل ، وإن أغصانها لترى من وراء سور الجنة » .
وأخرج أحمد وابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه والبيهقي في البعث والنشور ، عن عتبة بن عبد - رضي الله عنه - قال : جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : « يا رسول الله ، في الجنة فاكهة؟ قال : نعم ، فيها شجرة تدعى طوبى ، هي نطاق الفردوس . قال : قال أي شجر أرضنا تشبه؟ قال : ليس تشبه شيئاً من شجر أرضك . ولكن ، أتيت الشام؟ قال : لا . قال : فإنها تشبه شجرة بالشام تدعى الجوزة ، تنبت على ساق واحد ثم ينشر أعلاها . قال : ما عظم أصلها؟ قال : لو ارتحلت جذعة من إبل أهلك ما أحطت بأصلها حتى تنكسر ترقوتاها هرماً . قال فهل فيها عنب؟ قال : نعم . قال : ما عظم العنقود منه؟ قال : مسيرة شهر للغراب الأبقع » .
وأخرج أحمد وأبو يعلى وابن جرير وابن أبي حاتم وابن حبان وابن مردويه والخطيب في تاريخه ، عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : أن رجلاً قال : « يا رسول الله ، طوبى لمن رآك وآمن بك؟ قال : { طوبى } لمن رآني وآمن ، وطوبى ثم طوبى لمن آمن بي ولم يرني . قال رجل : وما طوبى؟! . . . قال : شجرة في الجنة مسيرة مائة عام ، تخرج من اكمامها » .
وأخرج ابن أبي شيبة في صفة الجنة ، وابن أبي حاتم عن أبي أمامة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « ما منكم من أحد يدخل الجنة ، إلا انطلق به إلى طوبى ، فتنفتح له أكمامها فيأخذ له من أي ذلك شاء . إن شاء أبيض وإن شاء أحمر وإن شاء أخضر وإن شاء أصفر وإن شاء أسود . مثل شقائق النعمان وأرق وأحسن » .


وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن سيرين - رضي الله عنه - قال : شجرة في الجنة أصلها في حجرة علي ، وليس في الجنة حجرة إلا وفيها غصن من أغصانها .
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن أبي جعفر رجل من أهل الشام قال إن ربك أخذ لؤلؤة فوضعها ثم دملجها ثم فرشها وسط الجنة فقال لها امتدي حتى تبلغي مرضاتي . ففعلت ثم أخذ شجرة فغرسها وسط اللؤلؤة ثم قال لها : امتدي ففعلت فلما استوت تفجرت من أصولها أنهار الجنة وهي طوبى .
وأخرج ابن أبي حاتم عن فرقد السبخي - رضي الله عنه - قال : أوحى الله إلى عيسى ابن مريم عليه السلام في الإِنجيل « يا عيسى ، جد في أمري ولا تهزل ، واسمع قولي وأطع أمري . يا ابن البكر البتول ، إني خلقتك من غير فحل ، وجعلتك وأمك آية للعالمين ، فإياي فاعبدْ وعلي ّفتوكل ، وخذ الكتاب بقوة . قال عيسى عليه السلام : أي رب ، أي كتاب آخذ بقوّة؟ . . . قال : خذ كتاب الإِنجيل بقوّة ، ففسره لأهل السريانية ، وأخبرهم أني أنا الله لا إله إلا أنا الحي القيوم البديع الدائم ، الذي لا زوال له ، فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي الذي يكون في آخر الزمان ، فصدقوه واتبعوه صاحب الجمل والمدرعة والهراوة والتاج ، الانجل العين ، المقرون الحاجبين ، صاحب الكساء الذي إنما نسله من المباركة - يعني خديجة - يا عيسى ، لها بيت من لؤلؤ من قصب موصل بالذهب ، لا يسمع فيه أذى ولا نصب ، لها ابنة - يعني فاطمة ، ولها ابنان فيستشهدان يعني الحسن والحسين - طوبى لمن سمع كلامه وأدرك زمانه وشهد أيامه . قال عيسى عليه السلام : يا رب ، وما طوبى؟ قال : شجرة في الجنة ، أنا غرستها بيدي وأسكنتها ملائكتي ، أصلها من رضوان ، وماؤها من تسنيم » .
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ ، عن مجاهد - رضي الله عنه - قال : { طوبى } في الجنة ، حملها مثال ثدي النساء ، فيه حلل أهل الجنة .
وأخرج ابن أبي الدنيا في العزاء ، وابن أبي حاتم عن خالد بن معدان - رضي الله عنه - قال : إن في الجنة شجرة يقال لها طوبى ، ضروع كلها ، ترضع صبيان أهل الجنة ، فمن مات من الصبيان الذين يرضعون ، رضع من طوبى؛ وأنّ سقط المرأة يكون في نهر من أنهار الجنة يتقلب فيه حتى تقوم القيامة ، فيبعث ابن أربعين سنة .
وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ ، وعن شهر بن حوشب قال : { طوبى } شجرة في الجنة ، كل شجرة في الجنة منها أغصانها من وراء سور الجنة .


وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ ، عن وهب بن منبه - رضي الله عنه - قال : إن في الجنة شجرة يقال لها طوبى ، يسير الراكب في ظلها مائة عام ما يقطعها ، زهرها رياط ، وورقها برود ، وقضبانها عنبر ، وبطحاؤها ياقوت ، وترابها كافور ، ووحلها مسك ، يخرج من أصلها أنهار الخمر واللبن والعسل ، وهي مجلس من مجالس أهل الجنة ، ومتحدث بينهم . فبينما هم في مجلسهم ، إذْ أتتهم ملائكة من ربهم يقودون خيماً مزمومة بسلاسل من ذهب ، وجوهها كالمصابيح من حسنها ووبرها كخد المرعزي من لينه ، عليها رحال ألواحها من ياقوت ، ودفوفها من ذهب ، وثيابها من سندس واستبرق ، فينيخونها ويقولون : ربنا أرسلنا إليكم لتزوروه . فيركبوها ، فهي أسرع من الطائر واوطأ من الفراش ، نجباء من غير مهنة ، يسير الرجل إلى جنب أخيه وهو يكلمه ويناجيه ، لا يصيب إذن راحلة منها إذن صاحبتها ، ولا تزل راحلة بزلل صاحبتها ، حتى أن الشجرة لتنحى عن طرقهم لئلا يفرق بين الرجل وأخيه ، فيأتون إلى الرحمن الرحيم ، فيسفر لهم عن وجهه الكريم حتى ينظروا إليه ، فإذا رأوه قالوا : « اللهم أنت السلام ومنك السلام وحق لك الجلال والإِكرام . ويقول عز وجل ، عند ذلك : أنا السلام ومني السلام وعليكم حققت رحمتي ومحبتي ، مرحباً بعبادي الذين خشوني بالغيب وأطاعوا أمري . فيقولون : ربنا إنا لم نعبدك حق عبادتك ولم نقدرك حق قدرك ، فأذن لنا في السجود قدامك . فيقول الله عز وجل : إنها ليست بدار نصب ولا عبادة ، ولكنها دار ملك ونعيم ، وإني قد رفعت عنكم نصب العبادة فسلوني ما شئتم ، فإن لكل رجل منكم أمنيته . فيسألونه حتى إن أقصرهم أمنية ليقول : ربّ ، تنافس أهل الدنيا في دنياهم فتضايقوا فيها . ربّ ، فائتني كل شيء كانوا فيه من يوم خلقتها إلى أن انتهت الدنيا ، فيقول الله عز وجل : لقد قصرت بك أمنيتك ، ولقد سألت دون منزلتك ، هذا لك مني وسأتحفك بمنزلتي؛ لأنه ليس في عطائي نكد ولا تصريد ، ثم يقول : اعرضوا على عبادي ما لم تبلغ أمانيهم ولم يخطر على بال فيعرضون عليهم حتى تقصر بهم أمانيهم التي في أنفسهم ، فيكون فيما يعرضون عليهم : براذين مقرنة ، على كل أربعة منهم سرير من ياقوتة واحدة ، على كل منها قبة من ذهب مفرغة ، في كل قبة منها فرش من فرش الجنة مظاهرة ، في كل قبة منها جاريتان من الحور العين ، على كل جارية منهن ثوبان من ثياب الجنة ، وليس في الجنة ألوان إلا وهو فيهما ، ولا ريح طيبة إلا وقد عبقتا به ينفذ ضوء وجوهما غلظ القبة ، حتى يظن من يراهما أنهما من دون القبة ، يرى مخهما من فوق أسرتهما كالسلك الأبيض من ياقوتة حمراء ، يريان له من الفضل على صاحبته كفضل الشمس على الحجارة أو أفضل .


ويرى هو لهما مثل ذلك ، ثم يدخل إليهما فيجيئآنه ويقبلانه ويعانقانه ، ويقولان له : والله ما ظننا أن الله يخلق مثل ذلك . ثم يأمر الله تعالى الملائكة فيسيرون بهم صفاً في الجنة ، حتى ينتهي كل رجل منهم إلى منزله الذي أعد له « .
وأخرج ابن أبي حاتم من وجه آخر ، عن وهب بن منبه - رضي الله عنه - عن محمد بن علي بن الحسين بن فاطمة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : » إن في الجنة شجرة يقال لها طوبى ، لو يسير الراكب الجواب في ظلها ، لسار فيه مائة عام قبل أن يقطعه ، وورقها برود خضر ، وزهرها رياط صفر ، وأقتادها سندس واستبرق ، وثمرها حلل خضر ، وصمغها زنجبيل وعسل ، وبطحاؤها ياقوت أحمر وزمرد أخضر ، وترابها مسك وعنبر ، وكافور أصفر ، وحشيشها زعفران منبع ، والأجوج ناجحان في غير وقود ، ينفجر من أصلها . أنهارها السلسبيل والمعين في الرحيق ، وظلها مجلس من مجالس أهل الجنة يألفونه ، ومتحدث يجمعهم . فبينما هم يوماً في ظلها يتحدثون ، إذ جاءتهم ملائكة يقودون نجباً جبلت من الياقوت ثم نفخ فيها الروح ، مزمومة بسلاسل من ذهب كأن وجوهها المصابيح نضارة ، وبرها خز أحمر ومرعز أحمر يخترطان . لم ينظر الناظرون إلى مثله حسناً وبهاء ، ولا من غير مهانة ، عليها رحال ألواحها من الدر والياقوت ، مفضضة باللؤلؤ والمرجان فأناخوا إليهم تلك النجائب ، ثم قالوا لهم : ربكم يقرئكم السلام ويستزيركم لتنظروا إليه وينظر إليكم ، وتحيونه ويحييكم ، وتكلمونه ويكلمكم ويزيدكم من فضله وسعته إنه ذو رحمة واسعة وفضل عظيم ، فتحوّل كل رجل منهم على راحلته حتى انطلقوا صفاً واحداً معتدلاً ، لا يفوت منه شيء ولا يفوت اذن ناقة إذن صاحبتها ، ولا بركة ناقة بركة صاحبها ، ولا يمرون بشجرة من أشجار الجنة إلا أتحفتهم بثمرها ورجلت لهم عن طريقها كراهية أن تثلم صفهم ، أو تفرق بين رجل ورفيقه ، فلما دفعوا إلى الجبار تعالى ، سفر لهم عن وجهه الكريم وتجلى لهم في عظمته العظيم يحييهم بالسلام . فقالوا : « ربنا أنت السلام ، ومنك السلام ، لك حق الجلال والإِكرام . قال لهم ربهم : أنا السلام ومني السلام ولي حق الجلال والاكرام ، فمرحباً بعبادي الذي حفظوا وصيتي ورعوا عهدي وخافوني بالغيب ، وكانوا مني على كل حال مشفقين . قالوا : أما وعزتك وعظمتك وجلالك وعلو مكانك ، ما قدرناك حق قدرك ، ولا أدينا إليك كل حقك ، فأذن لها بالسجود لك . قال لهم ربهم : إني قد وضعت عنكم مؤنة العبادة وأرحت لكم أبدانكم طالما نصبتم لي الأبدان وأعنتم لي الوجوه ، فالآن أفضتم إلى روحي ورحمتي وكرامتي وطولي وجلالي وعلو مكاني وعظمة شأني . فما يزالون في الأماني والعطايا والمواهب حتى أن المقصر منهم في أمنيته ليتمنى مثل جميع الدنيا منذ يوم خلقها الله تعالى إلى يوم يفنيها . قال لهم ربهم : لقد قصرتم في أمانيكم ورضيتم بدون ما يحق لكم ، فقد أوجبت لكم ما سألتم وتمنيتم ، وألحقت بكم وزدتكم ما قصرت عنه أمانيكم . . . فانظروا إلى مواهب ربكم التي وهبكم . . . . فإذا بقباب في الرفيق الأعلى وغرف مبنية من الدر والمرجان ، أبوابها من ذهب وسررها من ياقوت وفرشها من سندس واستبرق ، ومنابرها من نور يفور من أبوابها ، وأعراصها نور مثل شعاع الشمس عنده مثل الكوكب الدري في النهار المضيء ، وإذا بقصور شامخة في أعلى عليين من الياقوت يزهر نورها . فلولا أنه مسخر إذن لالتمع الأبصار ، فما كان من تلك القصور من الياقوت الأبيض ، فهو مفروش بالحرير الأبيض . وما كان منها من الياقوت الأحمر ، فهو مفروش بالعبقري . وما كان منها من الياقوت الأخضر ، فهو مفروش بالسندس الأخضر . وما كان منها من الياقوت الأصفر ، فهو مفروش بالأرجوان الأصفر مبوبة بالزمرد الأخضر والذهب الأحمر والفضة البيضاء . قواعدها وأركانها من الجوهر ، وشرفها قباب من لؤلؤ ، وبروجها غرف من المرجان . فلما انصرفوا إلى ما أعطاهم ربهم ، قربت لهم براذين من ياقوت أبيض منفوخ فيها الروح ، بجنبها الولدان المخلدون ، بيد كل وليد منهم حكمة برذون من تلك البراذين ، ولجمها وأعنتها من فضة بيضاء منظومة بالدر والياقوت ، سروجها سرر موضونة مفروشة بالسندس والاستبرق ، فانطلقت بهم تلك البراذين تزف بهم وتطأ رياض الجنة ، فلما انتهوا إلى منازلهم وجدوا الملائكة قعوداً على منابر من نور ينتظرونهم ليزوروهم ويصافحوهم ويهنوهم كرامة ربهم . فلما دخلوا قصورهم وجدوا فيها جميع ما تطاول به عليهم ربهم مما سألوا وتمنوا ، وإذا على باب كل قصر من تلك القصور أربعة جنان { جنتان } { ذواتا أفنان } وجنتان { مدهامتان } و { فيهما عينان نضاختان } [ الرحمن : 66 ] وفيهما من كل فاكهة زوجان و { حور مقصورات في الخيام } [ الرحمن : 72 ] فلما تبوأوا منازلهم واستقروا قرارهم ، قال لهم ربهم : هل وجدتم ما وعد ربكم حقاً؟ قالوا : نعم وربنا . قال : هل رضيتم بثواب ربكم؟ قالوا : ربنا رضينا فارض عنا . قال برضاي عنكم حللتم داري ونظرتم إلى وجهي وصافحتم ملائكتي ، فهنيئاً لكم عطاء غير مجذوذ ليس فيه تنغيص ولا تصريد ، فعند ذلك قالوا : الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن وأحلنا دار المقامة من فضله ، لا يمسنا فيها نصب ولا يمسنا فيها لغوب ، إن ربنا لغفور شكور » .


وأخرج عبد بن حميد ، عن زيد مولى بني مخزوم قال : سمعت أبا هريرة - رضي الله عنه - يقول : إن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها ، واقرؤوا إن شئتم { وظل ممدود } فبلغ ذلك كعباً - رضي الله عنه - فقال : صدق والذي أنزل التوراة على موسى ، والفرقان على محمد صلى الله عليه وسلم .


لو أن رجلاً ركب حقة أو جذعة ثم دار بأصل تلك الشجرة ما بلغها حتى يسقط هرماً . إن الله عز وجل غرسها بيده ونفخ فيها من روحه ، وإن أفنانها من وراء سور الجنة ، وما في الجنة نهر إلا يخرج من أصل تلك الشجرة .
وأخرج ابن جرير عن مغيث بن سميّ - رضي الله عنه - قال : { طوبى } شجرة في الجنة ، لو أن رجلاً ركب قلوصاً جذعاً أو جذعة ، ثم دار بها ، لم يبلغ المكان الذي ارتحل منه حتى يموت هرماً . وما من أهل الجنة منزل إلا غصن من تلك الشجرة متدل عليهم ، فإذا أرادوا أن يأكلوا من الثمرة تدلى إليهم فيأكلون ما شاؤوا . ويجيء الطير فيأكلون منه قديداً وشوياً ما شاؤوا ثم يطير .
وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي صالح - رضي الله عنه - قال : { طوبى } شجرة في الجنة ، لو أن راكباً ركب حقة أو جذعة فأطاف بها ، ما بلغ ذلك الموضع الذي ركب فيه حتى يقتله الهرم .
وأخرج ابن مردويه عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال : ذكر عند النبي صلى الله عليه وسلم { طوبى } فقال النبي صلى الله عليه وسلم : « يا أبا بكر ، هل بلغك طوبى؟ قال : الله تعالى ورسوله أعلم . قال : { طوبى } شجرة في الجنة لا يعلم طولها إلا الله تعالى ، يسير الراكب تحت غصن من أغصانها سبعين خريفاً . ورقها الحلل ، يقع عليها الطير كأمثال البخت . قال أبو بكر - رضي الله عنه - : إن ذلك الطير ناعم ، قال : أنعم منه من يأكله ، وأنت منهم يا أبا بكر إن شاء الله » .
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « طوبى ، شجرة في الجنة غرسها الله بيده ونفخ فيها من روحه ، وإن أغصانها لترى من وراء سور الجنة ، تنبت الحلى ، والثمار منهدلة على أفواهها » .
وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وهناد بن السري في الزهد ، وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ ، عن مغيث بن سمي - رضي الله عنه - قال : { طوبى } شجرة في الجنة ليس في الجنة دار إلا يظلها غصن من أغصانها ، فيه من ألوان الثمر . ويقع عليها طير أمثال البخت ، فإذا اشتهى الرجل طيراً دعاه فيقع على خوانه ، فيأكل من إحدى جانبيه شواء ، والآخر قديداً ، ثم يصير طائراً فيطير فيذهب .
وأخرج ابن أبي الدنيا في العزاء ، وابن أبي حاتم عن خالد بن معدان - رضي الله عنه - قال : إن في الجنة شجرة يقال لها طوبى ، كلها ضروع ، فمن مات من الصبيان الذين يرضعون رضع من طوبى .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن سعيد بن جبير - رضي الله عنه - في قوله { طوبى لهم } قال : غبطة { وحسن مآب } قال : حسن مرجع .
وأخرج أبو الشيخ عن السدي - رضي الله عنه - { وحسن مآب } قال : حسن منقلب .
وأخرج ابن جرير عن الضحاك - رضي الله عنه - مثله .


كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهَا أُمَمٌ لِتَتْلُوَ عَلَيْهِمُ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ قُلْ هُوَ رَبِّي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ (30)

أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ ، عن قتادة - رضي الله عنه - في قوله { وهم يكفرون بالرحمن } قال : ذكر لنا « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم زمن الحديبية - حين صالح قريشاً ، كتب في الكتاب : » بسم الله الرحمن الرحيم . فقالت قريش : أما الرحمن فلا نعرفه ، وكان أهل الجاهلية يكتبون : باسمك اللهم . فقال أصحابه : دعنا نقاتلهم . قال : لا ، ولكن اكتبوا كما يريدون «
وأخرج ابن جرير وابن المنذر ، عن ابن جريج في الآية قال : هذا لما كاتب رسول الله صلى الله عليه وسلم قريشاً في الحديبية ، كتب » بسم الله الرحمن الرحيم . فقالوا : لا نكتب الرحمن وما ندري ما الرحمن! . . . . وما نكتب إلا باسمك اللهم « فأنزل الله تعالى { وهم يكفرون بالرحمن } الآية .
وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد - رضي الله عنه - { وإليه متاب } قال : توبتي .


وَلَوْ أَنَّ قُرْآَنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعًا أَفَلَمْ يَيْئَسِ الَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِنْ دَارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ (31) وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ (32) أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ قُلْ سَمُّوهُمْ أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي الْأَرْضِ أَمْ بِظَاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مَكْرُهُمْ وَصُدُّوا عَنِ السَّبِيلِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (33) لَهُمْ عَذَابٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآَخِرَةِ أَشَقُّ وَمَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَاقٍ (34)

أخرج الطبراني وأبو الشيخ وابن مردويه ، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال : قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم إن كان كما تقول ، فأرِنا أشياخنا الذين من الموتى نكلمهم ، وافسح لنا هذه الجبال - جبال مكة - التي قد ضمتنا . فنزلت { ولو أن قرآناً سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى } .
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه ، عن عطية العوفي - رضي الله عنه - قال : قالوا لمحمد صلى الله عليه وسلم « لو سيرت لنا جبال مكة حتى تتسع فنحرث فيها ، أو قطعتْ لنا الأرض كما كان سليمان عليه السلام يقطع لقومه بالريح ، أو أحييت لنا الموتى كما كان عيسى عليه السلام يحيي الموتى لقومه . فأنزل الله تعالى { ولو أن قرآناً سيرت به الجبال . . . } الآية ، إلى قوله { أفلم ييأس الذين آمنوا } قال : أفلم يتبين الذين آمنوا؟ » قالوا : هل تروي هذا الحديث عن أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ؟ قال : عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - عن النبي صلى الله عليه وسلم .
وأخرج ابن جرير وابن مردويه من طريق العوفي ، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال : قال المشركون من قريش لرسول الله صلى الله عليه وسلم : لو وسعت لنا أودية مكة وسيرت جبالها فاحترثناها ، وأحييت من مات منا واقطع به الأرض ، أو كلم به الموتى . . . فأنزل الله تعالى { ولو أن قرآناً } .
وأخرج أبو يعلى وأبو نعيم في الدلائل ، وابن مردويه عن الزبير بن العوّام - رضي الله عنه - قال : لما نزلت { وأنذر عشيرتك الأقربين } [ الشعراء : 214 ] صاح رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي قبيس : « يا آل عبد مناف ، إني نذير فجاءته قريش ، فحذرهم وأنذرهم . فقالوا : تزعم أنك نبي يوحى إليك ، وأن سليمان عليه السلام سخرت له الريح والجبال ، وإن موسى عليه السلام سخر له البحر ، وإن عيسى عليه السلام كان يحيي الموتى ، فادع الله أن يسير عنا هذه الجبال ، ويفجر لنا الأرض أنهاراً فنتخذها محارث ، فنزرع ونأكل وإلا ، فادع الله أن يحيي لنا الموتى فنكلمهم ويكلمونا وإلا ، فادع الله أن يجعل هذه الصخرة التي تحتك ذهباً فننحت منها وتغنينا عن رحلة الشتاء والصيف ، فإنك تزعم أنك كهيئتهم . فبينا نحن حوله ، إذ نزل عليه الوحي ، فلما سرى عنه الوحي قال : والذي نفسي بيده لقد أعطاني الله ما سألتم ، ولو شئت لكان ، ولكنه خيرني بين أن تدخلوا باب الرحمة فيؤمن مؤمنكم ، وبين أن يكلكم إلى ما اخترتم لأنفسكم فتضلوا عن باب الرحمة ولا يؤمن مؤمنكم ، فاخترت باب الرحمة ويؤمن مؤمنكم ، وأخبرني إن أعطاكم ذلك ثم كفرتم يعذبكم عذاباً لا يعذبه أحداً من العالمين »


فنزلت { وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا ان كذب بها الأولون } [ الإِسراء : 59 ] حتى قرأ ثلاث آيات . ونزلت { ولو أن قرآناً سيرت به الجبال . . . } الآية .
وأخرج أبو الشيخ عن قتادة أن هذه الآية { ولو أن قرآناً سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى } مكية .
وأخرج ابن جرير عن مجاهد - رضي الله عنه - في قوله { ولو أن قرآناً سيرت به الجبال } الآية . قال : قول كفار قريش لمحمد صلى الله عليه وسلم : سيّر جبالنا تتسع لنا أرضنا فإنها ضيقة ، أو قرب لنا الشام فإنا نتجر إليها ، أو أخرج لنا آباءنا من القبور نكلمهم .
وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ ، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال : قالوا سير بالقرآن الجبال ، قطع بالقرآن الأرض ، أخرج به موتانا .
وأخرج ابن جرير عن الضحاك - رضي الله عنه - قال : قال كفار مكة لمحمد صلى الله عليه وسلم : « سيّر لنا الجبال كما سخرت لداود ، وقطع لنا الأرض كما قطعت لسليمان عليه السلام فاغدُ بها شهراً ، ورح بها شهراً ، أو كلم لنا الموتى كما كان عيسى عليه السلام يكلمهم . يقول : لم أنزل بهذا كتاباً ، ولكن كان شيئاً أُعطيته أنبيائي ورسلي » .
وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن الشعبي - رضي الله عنه - قال : قالت قريش لرسول الله صلى الله عليه وسلم : إن كنت نبياً كما تزعم ، فباعد عن مكة اخشبيها هذين مسيرة أربعة أيام ، أو خمسة أيام ، فإنها ضيقة حتى نزرع فيها أو نزعى ، وابعث لنا آباءنا من الموتى حتى يكلمونا ويخبرونا إنك نبي ، أو احملنا إلى الشام أو إلى اليمن أو إلى الحيرة ، حتى نذهب ونجيء في ليلة كما زعمت إنك فعلته . فأنزل الله تعالى { ولو أن قرآناً سيرت به الجبال } الآية .
وأخرج إسحق وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - في قوله { بل لله الأمر جميعاً } لا يصنع من ذلك إلا ما يشاء ، ولم يكن ليفعل .
وأخرج أبو عبيد وسعيد بن منصور وابن المنذر ، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أنه كان يقرأ { أفلم ييأس الذين آمنوا } .
وأخرج ابن جرير وابن الأنباري في المصاحف ، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أنه قرأ [ أفلم يتبين الذين آمنوا ] فقيل له : إنها في المصحف { أفلم ييأس } فقال : أظن الكاتب كتبها وهو ناعس .
وأخرج ابن جرير عن علي - رضي الله عنه - أنه كان يقرأ [ أفلم يتبين الذين آمنوا ] .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - { أفلم ييأس } يقول : يعلم .


وأخرج الطستي عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أن نافع بن الأزرق سأله عن قوله { أفلم ييأس الذين آمنوا } قال : أفلم يعلم ، بلغة بني مالك . قال : وهل تعرف العرب ذلك؟ قال : نعم . أما سمعت مالك بن عوف يقول :
لقد يئس الأقوام أني أنا ابنه ... وإن كنت عن أرض العشيرة نائيا
وأخرج ابن الأنباري ، عن أبي صالح - رضي الله عنه - قال : في قوله { أفلم ييأس الذين آمنوا } قال : أفلم يعلم ، بلغة هوازن ، وأنشد قول مالك بن عوف النضري :
أقول لهم بالشعب إذ ييئسونني ... ألم تعلموا أني ابن فارس زهدم؟! . . .
وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ ، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - { أفلم ييأس الذين آمنوا } قال : أفلم يعلم الذين آمنوا؟ .
وأخرج أبو الشيخ عن قتادة - رضي الله عنه - { أفلم ييأس الذين آمنوا } قال : أفلم يعرف الذين آمنوا .
وأخرج أبو الشيخ عن ابن زيد - رضي الله عنه - { أفلم ييأس } أفلم يعلم . ومن الناس من يقرؤها « أفلم يتبين » وإنما هو كالاستنقاء ، أفلم يعقلوا ليعلموا أن الله يفعل ذلك؟ لم ييأسوا من ذلك وهم يعلمون أن الله تعالى لو شاء فعل ذلك .
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ ، عن أبي العالية - رضي الله عنه - { أفلم ييأس الذين آمنوا } قال : يئس الذين آمنوا أن يهدوا ، ولو شاء الله { لهدى الناس جميعاً } .
وأخرج الفريابي وابن جرير وابن مردويه من طريق عكرمة - رضي الله عنه - عن ابن عباس - رضي الله عنهما - في قوله { تصيبهم بما صنعوا قارعة } قال : السرايا .
وأخرج الطيالسي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه والبيهقي في الدلائل من طريق سعيد بن جبير رضي الله عنه - عن ابن عباس - رضي الله عنهما - في قوله { ولا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعة } قال : سرية { أو تحل قريباً من دارهم } قال : أنت يا محمد { حتى يأتي وعد الله } قال فتح مكة .
وأخرج ابن مردويه عن أبي سعيد - رضي الله عنه - في قوله { تصيبهم بما صنعوا قارعة } قال : سرية من سرايا رسول الله صلى الله عليه وسلم { أو تحل } يا محمد { قريباً من دارهم } .
وأخرج ابن شيبة وابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ والبيهقي في الدلائل ، عن مجاهد - رضي الله عنه - قال : { القارعة } السرايا { أو تحل قريباً من دارهم } قال : الحديبية { حتى يأتي وعد الله } قال : فتح مكة .
وأخرج ابن جرير عن عكرمة - رضي الله عنه - في قوله { ولا يزال الذين كفروا . . . } الآية .


قال : نزلت بالمدينة في سرايا النبي صلى الله عليه وسلم . { أو تحل } أنت يا محمد { قريباً من دارهم } .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق عكرمة ، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - في قوله { تصيبهم بما صنعوا قارعة } قال : نكبة .
وأخرج ابن جرير وابن مردويه من طريق العوفي ، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - في قوله { تصيبهم بما صنعوا قارعة } قال : عذاب من السماء { أو تحل قريباً من دارهم } يعني ، نزول رسول الله صلى الله عليه وسلم بهم وقتاله إياهم .
وأخرج ابن جرير عن الحسن - رضي الله عنه - في قوله { أو تحل قريباً من دارهم } قال : أو تحل القارعة قريباً من دارهم { حتى يأتي وعد الله } قال : يوم القيامة .
أما قوله تعالى : { ولقد استهزئ برسل من قبلك } .
وأخرج أبو الشيخ وابن مردويه ، عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال : « كان رجل خلف النبي صلى الله عليه وسلم يحاكيه ويلمطه ، فرآه النبي صلى الله عليه وسلم فقال : » كذلك فكن « . فرجع إلى أهله فلبث به مغشياً شهراً ، ثم أفاق حين أفاق وهو كما حاكى رسول الله صلى الله عليه وسلم » .
وأخرج ابن جرير وابن مردويه ، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - في قوله { أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت } قال : يعني بذلك نفسه .
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ ، عن عطاء - رضي الله عنه - في قوله { أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت } قال : الله تعالى ، قائم بالقسط والعدل .
وأخرج ابن جرير عن قتادة - رضي الله عنه - { أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت } قال : ذلكم ربكم تبارك وتعالى قائم على بني آدم بأرزاقهم وآجالهم .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ ، عن الضحاك - رضي الله عنه - في قوله { أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت } قال : الله عز وجل ، القائم على كل نفس { بما كسبت } على رزقها وعلى علمها . وفي لفظ : قائم على كل بر وفاجر ، يرزقهم ويكلؤهم ثم يشرك به منهم من أشرك { وجعلوا لله شركاء } يقول : آلهة معه { قل سموهم } ولو سموا آلهة لكذبوا وقالوا في ذلك غير الحق؛ لأن الله تعالى واحد لا شريك له { أم تنبئونه بما لا يعلم في الأرض } يقول : لا يعلم الله تعالى في الأرض إلهاً غيره { أم بظاهر من القول } يقول : أم بباطل من القول وكذب .
وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ ، عن ابن جريج - رضي الله عنه - { أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت } يعني بذلك نفسه ، يقول { قائم على كل نفس } على كل بر وفاجر { بما كسبت } وعلى رزقهم ، وعلى طعامهم ، فأنا على ذلك وهم عبيدي ، ثم جعلوا لي شركاء { قل سموهم } ولو سموهم كذبوا في ذلك لا يعلم الله تعالى من إله غير الله ، فذلك قوله { أم تنبئونه بما لا يعلم في الأرض } .


وأخرج أبو الشيخ عن ربيعة الجرشي - رضي الله عنه - أنه قام في الناس يوماً ، فقال : اتقوا الله في السرائر وما ترخى عليه الستور . . . ما بال أحدكم ينزع عن الخطيئة للنبطي يمر به ، والأمة من إمائه ، والله تعالى يقول { أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت } ويحكم فأجلوا مقام الله سبحانه وتعالى : ما يؤمن أحدكم أن يمسخه قرداً أو خنزيراً بمعصيته إياه ، فإذا هو خزي في الدنيا وعقوبة في الآخرة . فقال رجل من القوم : والله الذي لا إله إلا هو ، ليكونن ذاك يا ربيعة ، فنظر القوم من الحالف فإذا هو عبد الرحمن بن غنم .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ ، عن مجاهد - رضي الله عنه - في قوله { أم بظاهر من القول } قال : بظن { بل زين للذين كفروا مكرهم } قال : قولهم .
وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ ، عن قتادة - رضي الله عنه - في قوله { أم بظاهر من القول } قال : الظاهر من القول ، هو الباطل .


( معلومات الكتاب )