النور - تفسير الدرر المنثور

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (21)

أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { ما زكا منكم } قال : ما اهتدى أحد من الخلائق لشيء من الخير .


وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (22)

أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { ولا يأتل أولوا الفضل } يقول : لا تقسموا أن لا تنفقوا على أحد .
وأخرج ابن المنذر عن عائشة رضي الله عنها قالت : كان مسطح بن اثاثة ممن تولى كبره من أهل الإِفك ، وكان قريباً لأبي بكر ، وكان في عياله ، فحلف أبو بكر رضي الله عنه أن لا ينيله خيراً أبداً ، فأنزل الله { ولا يأتل أولوا الفضل منكم والسعة } قالت : فأعاده أبو بكر إلى عياله وقال : لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيراً منها إلا تحللتها ، وأتيت الذي هو خير .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن قتادة في قوله { ولا يأتل أولوا الفضل منكم . . . . } قال : « نزلت هذه الآية في رجل من قريش يقال له مسطح ، كان بينه وبين أبي بكر قرابة ، وكان يتيماً في حجره ، وكان ممن أذاع على عائشة ما أذاع ، فلما أنزل الله براءتها وعذرها ، تألى أبو بكر لا يرزؤه خيراً ، فأنزل الله هذه الآية . فذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم دعا أبا بكر ، فتلاها عليه فقال : ألا تحب أن يغفر الله لك؟ قال : بلى قال : فاعف عنه وتجاوز فقال أبو بكر : لا جرم . . . والله لا أمنعه معروفاً كنت أوليه قبل اليوم » .
وأخرج ابن المنذر عن الحسن قال : كان ذو قرابة لأبي بكر ممن كثر على عائشة ، فحلف أبو بكر لا يصله بشيء وقد كان يصله قبل ذلك ، فلما نزلت هذه الآية { ولا يأتل أولوا الفضل منكم والسعة . . . } إلى آخر الآية فصار أبو بكر يضعف له بعد ذلك بعدما نزلت هذه الآية ضعفي ما كان يعطيه .
وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل بن حيان قال : حلف أبو بكر لا ينفع مسطح بن أثاثة ، ولا يصله ، وكان بينه وبين أبي بكر قرابة من قبل النساء ، فأقبل إلى أبي بكر يعتذر فقال مسطح : جعلني الله فداءك والله الذي أنزل على محمد ما قذفتها ، وما تكلمت بشيء مما قيل لها أي خالي - وكان أبو بكر خاله - قال أبو بكر : ولكن قد ضحكت وأعجبك الذي قيل فيها قال : لعله يكون قد كان بعض ذلك ، فأنزل الله في شأنه { ولا يأتل أولوا الفضل . . . } .
وأخرج عبد بن حميد وابن مردويه عن محمد بن سيرين قال : حلف أبو بكر في يتيمين كانا في حجره ، كانا فيمن خاض في أمر عائشة؛ أحدهما مسطح بن اثاثة قد شهد بدراً ، فحلف لا يصلهما ولا يصيبا منه خيراً . فنزلت هذه الآية { ولا يأتل أولوا الفضل منكم والسعة . . . . } .
وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن ابن عباس في قوله { ولا يأتل أولوا الفضل منكم والسعة .


. . } قال : كان ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قد رموا عائشة بالقبيح ، وأفشوا ذلك ، وتكلموا فيها ، فأقسم ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم أبو بكر ، أن لا يتصدقوا على رجل تكلم بشيء من هذا ولا يصلوه قال : لا يقسم أولوا الفضل منكم والسعة أن يصلوا أرحامهم ، وأن يعطوهم من أموالهم كالذي كانوا يفعلون قبل ذلك ، فأمر الله أن يغفر لهم وأن يعفو عنهم .
وأخرج ابن المنذر عن أبي سلمة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « ما نقص مال من صدقة قط . تصدقوا ، ولا عفا رجل عن مظلمة إلا زاده الله عزا . فاعفوا يعزكم الله ، ولا فتح رجل على نفسه باب مسألة يسأل الناس إلا فتح الله له باب فقر . إلا أن العفة خير » .
وأخرج عبد الرزاق وابن أبي حاتم وابن أبي الدنيا في ذم الغضب ، والخرائطي في مكارم الأخلاق ، والحاكم والطبراني وابن مردويه والبيهقي في سننه ، عن أبي وائل قال : رأيت عبد الله أتاه رجل برجل نشوان فأقام عليه الحد ثم قال للرجل الذي جاء به : ما أنت منه؟ قال : عمه . قال : ما أحسنت الأدب ولا سترته { وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم . . . . } ثم قال عبد الله : إني لأذكر أول رجل قطعه النبي صلى الله عليه وسلم أتى رجل فلما أمر به لتقطع يده كأنما سف وجهه رماداً فقيل : يا رسول الله كان هذا شق عليك قال : « لا ينبغي أن تكونوا للشيطان عوناً على أخيكم ، فإنه لا ينبغي للحاكم إذا انتهى إليه حد إلا أن يقيمه ، وإن الله عفو يحب العفو ، ثم قرأ { وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم } » .


إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (23)

أخرج ابن أبي حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه عن ابن عباس في قوله { إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات } قال : نزلت في عائشة خاصة .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والطبراني عن خصيف قال : قلت لسعيد بن جبير أيما أشد : الزنا أم القذف؟ قال : الزنا . قلت : إن الله يقول { إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات } قال : إنما أنزل هذا في شأن عائشة خاصة .
وأخرج الطبراني عن الضحاك قال : نزلت هذه الآية في عائشة خاصة { إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات } .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن الضحاك { إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات } قال : إنما عني بهذا نساء النبي صلى الله عليه وسلم خاصة .
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن أبي الجوزاء { إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات } قال : هذه لأمهات المؤمنين خاصة .
وأخرج ابن أبي حاتم عن سلمة بن نبيط { إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات } قال : هن نساء النبي صلى الله عليه وسلم .
وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير والطبراني وابن مردويه عن ابن عباس . أنه قرأ سورة النور ففسرها ، فلما أتى على هذه الآية { إن الذين يرمون المحصنات الغافلات } قال : هذه في عائشة وأزواج النبي صلى الله عليه وسلم ، ولم يجعل لمن فعل ذلك توبة ، وجعل لمن رمى امرأة من المؤمنات من غير أزواج النبي صلى الله عليه وسلم التوبة ، ثم قرأ { والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء } إلى قوله { إلا الذين تابوا } ولم يجعل لمن قذف امرأة من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم توبة ، ثم تلا هذه الآية { لعنوا في الدنيا والآخرة ولهم عذاب عظيم } فهم بعض القوم أن يقوم إلى ابن عباس ، فيقبل رأسه لحسن ما فسر .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن مردويه عن عائشة قالت : رميت بما رميت به وأنا غافلة ، فبلغني بعد ذلك : فبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم عندي جالس ، إذ أوحي إليه وهو جالس ، ثم استوى ، فمسح على وجهه وقال : يا عائشة ابشري فقلت : بحمد الله لا بحمدك فقرأ { إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات } حتى بلغ { أولئك مبرؤون مما يقولون } .


يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (24)

أخرج أبو يعلى وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه عن أبي سعيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « إذا كان يوم القيامة عرف الكافر بعمله فجحد وخاصم فيقال : هؤلاء جيرانك يشهدون عليك فيقول : كذبوا فيقال : أهلك وعشيرتك فيقول : كذبوا فيقال : احلفوا فيحلفون ، ثم يصمتهم الله وتشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم ، ثم يدخلهم النار » .
وأخرج ابن مردويه عن أبي أيوب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إن أول من يختصم يوم القيامة الرجل وامرأته ، فما ينطق لسانها ولسانه ولكن يداها ورجلاها ، يشهدان عليها بما كانت تغتاله ، أو توليه أو كلمة نحوها ، ويداه ورجلاه يشهدون عليه بما كان يوليها ، ثم يدعى الرجل وخوله فمثل ذلك » .
وأخرج أحمد وابن مردويه عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « أنكم تدعون مقدمة أفواهكم بالفدام ، وإن أول ما يبين عن أحدكم فرجه وكفه » .
وأخرج ابن مردويه عن أبي امامة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « أول ما ينطق من ابن آدم يوم القيامة فخذه » .
وأخرج ابن مردويه عن أبي أمامة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « أول ما يستنطق من ابن آدم جوارحه في محاقير عمله . فيقول وعزتك يا رب إن عندي المضرات العظام » .
وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول وابن مردويه عن أبي أمامة سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « إني لأعلم آخر رجل من أمتي يجوز الصراط ، رجل يتلوى على الصراط كالغلام حين يضربه أبوه تزلّ يده مرة فتصيبها النار ، وتزل رجله مرة فتصيبها النار ، فتقول له الملائكة : أرأيت إن بعثك الله من مقامك هذا فمشيت سوياً أتخبرنا بكل عمل عملته؟ فيقول : أي وعزته لا أكتمكم من عملي شيئاً فيقولون له : قم فامش سوياً . فيقوم فيمشي حتى يجاوز الصراط فيقولون له : اخبرنا باعمالك التي عملت فيقول في نفسه : إن أخبرتهم بما عملت ردوني إلى مكاني فيقول : لا وعزته ما عملت ذنباً قط فيقولون : إن لنا عليك بينة ، فيلتفت يميناً وشمالاً هل يرى من الآدميين ممن كان يشهد في الدنيا أحد . فلا يراه فيقول : هاتوا بينتكم فيختم الله على فيه ، فتنطق يداه ورجلاه وجلده بعمله فيقول : أي وعزتك لقد عملتها وان عندي العظام العظائم المضرات فيقول : اذهب فقد غفرتها لك » .
وأخرج ابن مردويه وابن جرير عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « أول عظم يتكلم من الإِنسان بعد أن يختم على فيه فخذه من جانبه الأيسر » .


يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ (25)

أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق } قال : حسابهم ، وكل شيء في القرآن الدين فهو الحساب .
وأخرج عبد بن حميد والطبراني عن قتادة ، { يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق } أي أعمالهم الحق لحقهم ، وأهل الباطل لباطلهم { ويعلمون أن الله هو الحق المبين } .
وأخرج ابن جرير عن مجاهد أنه قرأها « الحق » بالرفع .
وأخرج الطبراني وابن مردويه عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ : ( يومئذ يوفيهم الله الحق دينهم ) .


الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (26)

أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه عن ابن عباس في قوله { الخبيثات } قال من الكلام { للخبيثين } قال : من الرجال { والخبيثون } من الرجال { للخبيثات } من الكلام { والطيبات } من الكلام { للطيبين } من الناس { والطيبون } من الناس { للطيبات } من الكلام . نزلت في الذين قالوا في زوجة النبي صلى الله عليه وسلم ما قالوا من البهتان .
وأخرج عبد الرزاق والفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني عن مجاهد في قوله { الخبيثات } قال من الكلام { للخبيثين } من الناس { والخبيثون } من الناس { للخبيثات } من الكلام { والطيبات } من الكلام { للطيبين } من الناس { والطيبون } من الناس { للطيبات } من الكلام { أولئك مبرأون مما يقولون } قال : من كان طيباً فهو مبرأ من كل قول خبيث لقوله يغفر الله له . ومن كان خبيثاً فهو مبرأ من كل قول صالح يقوله يرده الله عليه لا يقبله منه .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير والطبراني عن قتادة في قوله { الخبيثات } قال : من القول والعمل { للخبيثين } من الناس { والخبيثون } من الناس { للخبيثات } من القول والعمل { والطيبات } من القول والعمل { للطيبين } من الناس { والطيبون } من الناس { للطيبات } من القول والعمل { لهم مغفرة } لذنوبهم { ورزق كريم } هو الجنة .
وأخرج عبد بن حميد عن الحسن { للخبيثات } قال : من الكلام { والطيبات } من الكلام { للطيبين } من الناس { والطيبون } من الناس { للطيبات } من الكلام وهؤلاء { مبرأون مما } يقال لهم من السوء يعني عائشة .
وأخرج عبد بن حميد عن سعيد بن جبير عن الضحاك وإبراهيم . مثله .
وأخرج عبد بن حميد عن عطاء { الخبيثات } قال : من القول { للخبيثين } من الناس { والخبيثون } من الناس { للخبيثات } من القول { والطيبات } من القول { للطيبين } من الناس { والطيبون } من الناس { للطيبات } من القول . ألا ترى أنك تسمع بالكلمة الخبيثة من الرجل الصالح فتقول غفر الله لفلان ما هذا من خلقه ، ولا من شيمه ، ولا مما يقول . قال الله { أولئك مبرأون مما يقولون } أن يكون ذلك من شيمهم ، ولا من أخلاقهم ، ولكن الزلل قد يكون .
وأخرج ابن أبي حاتم عن يحيى الجزار قال : جاء أسير بن جابر إلى عبد الله فقال : قد سمعت الوليد بن عقبة اليوم تكلم بكلام اعجبني فقال عبد الله : إن الرجل المؤمن يكون في فيه الكلمة غير طيبة تتجلجل في صدره ما تستقر حتى يلفظها ، فيسمعها رجل عنده مثلها ، فيضمها إليها . وان الرجل الفاجر تكون في قلبه الكلمة الطيبة تتجلجل في صدره ما تستقر حتى يلفظها ، فيسمعها الرجل الذي عنده مثلها ، فيضمها إليها . ثم قرأ عبد الله { الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات والطيبات للطيبين والطيبون للطيبات } .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني عن ابن زيد في قوله { الخبيثات للخبيثين } قال : نزلت عائشة حين رماها المنافق بالبهتان والفرية فبرأها الله من ذلك ، وكان عبد الله بن أبي هو الخبيث ، فكان هو أولى بأن تكون له الخبيثة ويكون لها ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم طيباً ، وكان أولى أن تكون له الطيبة ، وكانت عائشة الطيبة ، فكانت أولى أن يكون لها الطيب ، وفي قوله { أولئك مبرأون مما يقولون } قال : ههنا برئت عائشة .


وأخرج ابن مردويه عن عائشة قالت : لقد نزل عذري من السماء ، ولقد خلقت طيبة وعند طيب ، ولقد وعدت مغفرة وأجراً عظيماً .
وأخرج الطبراني عن ذكوان حاجب عائشة قال : دخل ابن عباس على عائشة فقال : ابشري ما بينك وبين أن تلقي محمداً والأحبة إلا أن تخرج الروح من الجسد ، كنت أحب نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رسول الله ، ولم يكن يحب رسول الله إلا طيباً ، وسقطت قلادتك ليلة الأبواء ، فأنزل الله أن { تيمموا صعيداً طيباً } [ النساء : 43 ] وكان ذلك بسببك ، وما أنزل الله لهذه الأمة من الرخصة ، وأنزل الله براءتك من فوق سبع سموات جاء بها الروح الأمين فأصبح وليس مسجد من مساجد الله يذكر الله فيه إلا هي تتلى فيه آناء الليل وآناء النهار قالت : دعني منك يا ابن عباس ، فوالذي نفسي بيده لوددت أني كنت نسياً منسياً .
وأخرج الطبراني عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : « إذا كان يوم القيامة حد الله الذين قذفوا عائشة ثمانين ثمانين على رؤوس الخلائق ، فيستوهب ربي المهاجرين منهم ، فاستأمرك يا عائشة ، فسمعت عائشة الكلام وهي في البيت فبكت ثم قالت : والذي بعثك بالحق نبياً ، لَسُرُورُكَ أحب إليّ من سروري ، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ضاحكاً وقال : إنها ابنة أبيها » .
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجة عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إن فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على الطعام » .
وأخرج الحاكم عن الزهري قال : « إن فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على الطعام » .
وأخرج الحاكم عن الزهري قال : لو جمع علم الناس كلهم ، ثم علم أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ، لكانت عائشة أوسعهم علماً .
وأخرج الحاكم عن عروة قال ما رأيت أحداً أعلم بالحلال والحرام والعلم والشعر والطب من عائشة رضي الله عنها .
وأخرج الحاكم عن موسى بن طلحة قال : ما رأيت أحداً أفصح من عائشة رضي الله عنها .
وأخرج أحمد في الزهد والحاكم عن الأحنف قال : سمعت خطبة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي والخطباء هلم جرا ، فما سمعت الكلام من فم مخلوق أفخم ولا أحسن منه من عائشة رضي الله عنها .


وأخرج سعيد بن منصور والحاكم عن مسروق أنه سئل أكانت عائشة تحسن الفرائض؟ فقال : لقد رأيت الأكابر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألونها عن الفرائض .
وأخرج الحاكم عن عطاء قال : كانت عائشة أفقه الناس ، وأعلم الناس ، وأحسن الناس رأياً في العامة .
وأخرج ابن أبي شيبة عن مسلم البطين قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « عائشة زوجتي في الجنة » .
وأخرج ابن أبي شيبة عن عائشة قالت : خلال فيَّ سبع لم تكن في أحد من الناس إلا ما آتى الله مريم بنت عمران . والله ما أقول هذا لكي أفتخر على صواحبي قيل : وما هن؟ قالت : نزل الملك بصورتي ، وتزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم لسبع سنين ، وأهديت إليه وأنا بنت تسع سنين ، وتزوجني بكراً لم يشركه فيَّ أحدٌ من الناس ، وأتاه الوحي وأنا وإياه في لحاف واحد ، وكنت من أحب الناس إليه ، ونزل فيَّ آيات من القرآن كادت الأمة تهلك فيهن ، ورأيت جبريل لم يره أحد من نسائه غيري ، وقبض لم يله أحد غير الملك وأنا .
وأخرج ابن أبي شيبة عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها : « إن جبريل يقرأ عليك السلام قالت عائشة : وعليه السلام ورحمة الله وبركاته » .
وأخرج ابن النجار في تاريخ بغداد من طريق أبي بكر محمد بن عمر البغدادي الحنبلي عن أبيه ، ثنا محمد بن الحسن الكاراني ، حدثني إبراهيم الخرجي قال : ضاق بي شيء من أمور الدنيا ، فدعوت بدعوات يقال لها دعاء الفرج فقلت : وما هي؟ فقال : حدثني أبو عبد الله أحمد ابن محمد بن حنبل ، حدثني سفيان بن عيينة ، ثنا محمد بن واصل الأنصاري ، عن أبيه عن جده عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : كنت جالساً عند أم المؤمنين عائشة لأقر عينيها بالبراءة وهي تبكي فقالت : والله قد هجرني القريب والبعيد حتى هجرتني الهرة ، وما عرض عليَّ طعام ولا شراب ، فكنت أرقد وأنا جائعة ظامئة ، فرأيت في منامي فتى فقال لي : ما لك فقلت : حزينة مما ذكر الناس فقال : ادعي بهذه يفرج عنك فقلت : وما هي؟ فقال : قولي يا سابغ النعم ، ودافع النقم ، ويا فارج الغمم ، ويا كاشف الظلم ، يا أعدل من حكم ، يا حسيب من ظلم . يا ولي من ظلم ، يا أول بلا بداية ، ويا آخر بلا نهاية ، يا من له اسم بلا كنية ، اللهم اجعل لي من أمري فرجاً ، ومخرجاً ، قالت : فانتبهت وأنا ريانة شبعانة ، وقد أنزل الله منه فرجي قال ابن النجار : خبر غريب .


( معلومات الكتاب )