سبأ - تفسير الدرر المنثور

وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ نُؤْمِنَ بِهَذَا الْقُرْآَنِ وَلَا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلَا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ (31) قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنِ الْهُدَى بَعْدَ إِذْ جَاءَكُمْ بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ (32) وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْدَادًا وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَجَعَلْنَا الْأَغْلَالَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (33)

أخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة في قوله { وقال الذين كفروا لن نؤمن بهذا القرآن } قال : هذا قول مشركي العرب كفروا بالقرآن { ولا بالذي بين يديه } من الكتب والأنبياء .
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله { ولا بالذي بين يديه } قال : التوراة والإِنجيل وفي قوله { يقول الذين استضعفوا } قال : هم الاتباع { للذين استكبروا } قال : هم القادة وفي قوله { بل مكر الليل والنهار } يقول : غركم اختلاف الليل والنهار .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير رضي الله عنه في قوله { بل مكر الليل والنهار } قال : بل مكركم بما في الليل والنهار .
وأخرج عبد الرزاق وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله { بل مكر الليل والنهار } قال : بل مكركم بالليل والنهار .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن زيد رضي الله عنه في قوله { بل مكر الليل والنهار } قال : بل مكركم بما في الليل والنهار يا أيها العظماء ، والرؤساء ، حتى أزلتمونا عن عبادة الله تعالى .
أما قوله تعالى : { وجعلنا الأغلال في أعناق الذين كفروا } .
أخرج ابن أبي حاتم عن الحسن رضي الله عنه قال : ما في جهنم دار ، ولا مغار ، ولا غل ، ولا قيد ، ولا سلسلة إلا اسم صاحبها عليها مكتوب . فحدث به أبو سليمان الداراني رضي الله عنه ، فبكى ثم قال : فكيف به لو جمع هذا كله عليه ، فجعل القيد في رجليه ، والغل في يديه ، والسلسلة في عنقه ، ثم أدخل الدار ، وأدخل المغار .


وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ (34) وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (35) قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (36)

أخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن زيد قال : « كان رجلان شريكان خرج أحدهما إلى الساحل وبقي الآخر ، فلما بعث النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى صاحبه يسأله . ما فعل؟ فكتب إليه أنه لم يتبعه أحد من قريش إلا رذالة الناس ومساكينهم ، فترك تجارته وأتى صاحبه فقال له : دلني عليه وكان يقرأ الكتب ، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : إلاَمَ تدعو؟ قال » إلى كذا وكذا . . قال : أشهد أنك رسول الله قال : ما علمك بذلك؟ قال : إنه لم يبعث نبي إلا اتبعه رذالة الناس ومساكينهم . فنزلت هذه الآيات { وما أرسلنا في قرية من نذير إلا قال مترفوها . . } الآيات . فأرسل إليه النبي صلى الله عليه وسلم أن الله قد أنزل تصديق ما قلت « » .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله { إلا قال مترفوها } قال : هم جبابرتهم ، ورؤوسهم ، وأشرافهم ، وقادتهم في الشر .
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج في قوله { إلا قال مترفوها } قال : جبابرتها .


وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آَمِنُونَ (37) وَالَّذِينَ يَسْعَوْنَ فِي آَيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُولَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ (38)

أخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله { عندنا زلفى } قال : قربى .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة في الآية قال : لا تعتبروا الناس بكثرة المال ، والولد ، وإن الكافر يعطى المال ، وربما حبسه عن المؤمن .
وأخرج ابن أبي حاتم عن طاوس أنه كان يقول : اللهم ارزقني الإِيمان والعمل ، وجنبني المال والولد ، فإني سمعت فيما أوحيت { وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى } .
وأخرج أحمد ومسلم وابن ماجة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم ، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم » .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن مجاهد رضي الله عنه في قوله { فأولئك لهم جزاء الضعف بما عملوا } قال : بالواحد عشراً ، وفي سبيل الله بالواحد سبعمائة .
وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول وابن المنذر وابن أبي حاتم عن محمد بن كعب رضي الله عنه قال : إذا كان المؤمن غنياً تقياً آتاه الله أجره مرتين . وتلا هذه الآية { وما أموالكم } إلى قوله { فأولئك لهم جزاء الضعف } قال : تضعيف الحسنة .
أما قوله تعالى : { وهم في الغرفات آمنون } .
أخرج ابن أبي شيبة والترمذي وابن أبي حاتم وابن مردويه عن علي رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إن في الجنة لغرفاً يرى ظهورها من بطونها ، وبطونها من ظهورها . قالوا : لمن هي؟ قال : لمن أطاب الكلام ، وأطعم الطعام ، وأدام الصيام ، وصلى بالليل ، والناس نيام » .


قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (39)

أخرج ابن المنذر عن الضحاك رضي الله عنه أنه سأل عن قوله { وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه } النفقة في سبيل الله قال : لا . ولكن نفقة الرجل على نفسه ، وأهله فالله يخلفه .
وأخرج سعيد بن منصور والبخاري في الأدب المفرد وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في شعب الإِيمان عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه } قال : في غير إسراف ولا تقتير .
وأخرج البيهقي في شعب الإِيمان عن الحسن رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « ما أنفقتم على اهليكم في غير إسراف ولا تقتير ، فهو في سبيل الله » .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير عن سعيد بن جبير رضي الله عنه في قوله { وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه } قال : من غير إسراف ولا تقتير .
وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه قال : إذا كان لأحدكم شيء فليقتصد ، ولا يتأوّل هذه الآية { وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه } فإن الرزق مقسوم يقول : لعل رزقه قليل وهو ينفق نفقة الموسع عليه .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه { وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه } قال : ما كان من خلف فهو منه ، وربما أنفق الإِنسان ماله كله في الخير ، ولم يخلف حتى يموت . ومثلها { وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها } [ هود : 6 ] يقول : ما آتاها من رزق فمنه ، وربما لم يرزقها حتى تموت .
وأخرج البيهقي في شعب الإِيمان عن جابر بن عبدالله رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « كل ما أنفق العبد نفقة فعلى الله خلفها ضامناً ، إلا نفقة في بنيان ، أو معصية » .
وأخرج ابن عدي في الكامل والبيهقي من وجه آخر عن محمد بن المنكدر عن جابر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « كل معروف صدقة ، وما أنفق المرء على نفسه وأهله كتب له به صدقة ، وما وقي به عرضه كتب له به صدقة ، وكل نفقة أنفقها مؤمن فعلى الله خلفها ضامن ، إلا نفقة في معصية ، أو بنيان . قيل لابن المنكدر : وما أراد بما وقي به المرء عرضه كتب له به صدقة؟ قال : ما أعطى الشاعر ، وذا اللسان المتقي » .
وأخرج أبو يعلى وابن أبي حاتم وابن مردويه بسند ضعيف عن حذيفة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « ألا إن بعد زمانكم هذا زماناً عضوضاً ، يعض الموسر على ما في يده حذر الانفاق ، قال الله { وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه } » .


وأخرج البخاري وابن مردويه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال « قال الله عز وجل : أنفق يا ابن آدم ، أنفق عليك » .
وأخرج ابن مردويه عن علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « إن لكل يوم نحساً ، فادفعوا نحس ذلك اليوم بالصدقة ، ثم قال : اقرأوا مواضع الخلف ، فإني سمعت الله يقول { وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه } إذا لم تنفقوا كيف يخلف » .
وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « إن المعونة تنزل من السماء على قدر المؤونة » .
وأخرج الحكيم الترمذي عن الزبير بن العوّام رضي الله عنه قال : جئت حتى جلست بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأخذ بطرف عمامتي من ورائي . ثم قال : « يا زبير إني رسول الله إليك خاصة ، وإلى الناس عامة ، أتدرون ماذا قال ربكم؟ قلت : الله ورسوله أعلم قال : ربكم حين استوى عل عرشه ، فنظر خلقه : عبادي أنتم خلقي وأنا ربكم أرزاقكم بيدي ، فلا تتعبوا فيما تكفلت لكم ، فاطلبوا مني أرزاقكم أتدرون ماذا قال ربكم؟ قال الله تبارك وتعالى : أنفق أنفق عليك ، وأوسع أوسع عليك ، ولا تُضَيِّقَ أُضَيِّقُ عليك ، ولا تُصِرُّ فأصِرُّ عليك ، ولا تخزن فأخزن عليك ، إن باب الرزق مفتوح من فوق سبع سموات ، متواصل إلى العرش ، لا يغلق ليلاً ولا نهاراً ، ينزل الله منه الرزق على كل امرىء بقدر نيته ، وعطيته ، وصدقته ، ونفقته ، فمن أكثر أكثر له ، ومن أقل أقل له ، ومن أمسك أمسك عليه ، يا زبير فكل ، واطعم ، ولا توك فيوكي عليك ، ولا تحص فيحصى عليك ، ولا تقتر فيقتر عليك ، ولا تعسر فيعسر عليك ، يا زبير إن الله يحب الانفاق ، ويبغض الاقتار ، وإن السخاء من اليقين ، والبخل من الشك ، فلا يدخل النار من أيقن ، ولا يدخل الجنة من شك . يا زبير إن الله يحب السخاوة ولو بفلق تمرة ، والشجاعة ولو بقتل عقرب أو حيه . يا زبير إن الله يحب الصبر عند زلزلة الزلازل ، واليقين النافذ عند مجيء الشهوات ، والعقل الكامل عند نزول الشبهات ، والورع الصادق عند الحرام والخبيثات . يا زبير عظم الإِخوان ، وجلل الأبرار ، ووقر الأخيار ، وصل الجار ، ولا تماش الفجار . من فعل ذلك دخل الجنة بلا حساب ولا عذاب هذه وصية الله إليّ ووصيتي إليك » .


( معلومات الكتاب )