يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ
النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ
اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ
شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ (26) وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ
وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا
فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ (27)
أخرج الثعلبي من طريق العوّام بن حوشب قال : حدثني رجل من قومي شهد عمر رضي
الله عنه ، أنه سأل طلحة ، والزبير ، وكعباً ، وسلمان ، ما الخليفة من الملك
قال طلحة والزبير : ما ندري! فقال سلمان رضي الله عنه : الخليفة الذي يعدل في
الرعية ، ويقسم بينهم بالسوية ، ويشفق عليهم شفقة الرجل على أهله ، ويقضي بكتاب
الله تعالى . فقال كعب : ما كنت أحسب أحداً يعرف الخليفة من الملك غيري .
وأخرج ابن سعد من طريق مردان عن سلمان رضي الله عنه؛ أن عمر رضي الله عنه قال
له : أنا ملك أم خليفة؟ فقال له سلمان رضي الله عنه : الخليفة الذي يعدل إن أنت
جَبَيْتَ من أرض المسلمين درهماً ، أو أقل ، أو أكثر ، ثم وضعته في غير حقه
فأنت ملك غير خليفة ، فاستعبر عمر رضي الله عنه .
وأخرج ابن سعد عن ابن أبي العرجاء قال : قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه :
والله ما أدري أخليفة أنا أم ملك؟ قال قائل : يا أمير المؤمنين إن بينهما فرقا
قال : ما هو؟ قال : الخليفة لا يأخذ إلا حقاً ، ولا يضعه إلا في حق ، وأنت
الحمد لله كذلك . والملك يعسف الناس ، فيأخذ من هذا ويعطي هذا .
وأخرج ابن سعد عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال : إن الامارة ما ائتمرتها
، وإن الملك ما غلب عليه بالسيف .
وأخرج الثعلبي عن معاوية رضي الله عنه ، أنه كان يقول إذا جلس على المنبر : يا
أيها الناس إن الخلافة ليست بجمع المال ، ولكن الخلافة العمل بالحق ، والحكم
بالعدل ، وأخذ الناس بأمر الله .
وأخرج الحكيم الترمذي عن سالم مولى أبي جعفر قال : خرجنا مع أبي جعفر أمير
المؤمنين إلى بيت المقدس ، فلما دخل وشق بعث إلى الأوزاعي ، فأتاه فقال : يا
أمير المؤمنين حدثني حسان بن عطية عن جدك ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { يا
داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن
سبيل الله } قال : إذا ارتفع إليك الخصمان ، فكان لك في أحدهما هوى ، فلا تشتهِ
في نفسك الحق له ، فيفلح على صاحبه ، فأمحو اسمك من نبوتي ، ثم لا تكون خليفتي
، ولا كرامة . يا أمير المؤمنين حدثنا حسان بن عطية عن جدك قال : من كره الحق
فقد كره الله ، لأن الحق هو الله . يا أمير المؤمنين حدثني حسان بن عطية عن جدك
في قوله { لا يغادر صغيرة ولا كبيرة } [ الكهف : 49 ] قال : الصغيرة التبسم
والكبيرة الضحك فكيف ما جنته الأيدي؟
وأخرج ابن جرير عن السدي رضي الله عنه في قوله { فاحكم بين الناس بالحق } يعني
بالعدل والانصاف { ولا تتبع الهوى } يقول : ولا تؤثر هواك في قضائك بينهم على
الحق والعدل ، فتزوغ عن الحق ، فيضلك عن سبيل الله .
وأخرج ابن جرير عن عكرمة رضي الله عنه في قوله { لهم عذاب شديد بما نسوا يوم
الحساب } قال : هذا من التقديم والتأخير . يقول : لهم يوم الحساب عذاب شديد بما
نسوا .
وأخرج أحمد في الزهد عن أبي السليل رضي الله عنه قال : كان داود عليه السلام
يدخل المسجد ، فينظر أغمض حلقة من بني إسرائيل ، فيجلس إليهم ثم يقول : مسكيناً
بين ظهراني مساكين .
وأخرج أحمد عن زيد بن أسلم رضي الله عنه ، أن ابنا لداود مات ، فاشتد عليه جزعه
، فقيل ما كان يعدل عندك؟ قال : كان أحب إليَّ من ملء الأرض ذهباً . فقيل له :
إن الأجر على قدر ذلك .
وأخرج عبد الله في زوائده والحكيم الترمذي عن سعيد بن جبير رضي الله عنه قال :
كان من دعاء داود عليه السلام : سبحان مستخرج الشكر بالعطاء ، ومستخرج الدعاء
بالبلاء .
وأخرج عبد الله عن الأوزاعي رضي الله عنه قال : أوحى الله إلى داود عليه السلام
« الا أعلمك علمين إذا عملتهما ألقيت وجوه الناس إليك ، وبلغت بهما رضاي . قال
: بلى يا رب قال احتجز فيما بيني وبينك بالورع ، وخالط الناس باخلاقهم » .
وأخرج أحمد عن يزيد بن منصور رضي الله عنه قال : قال داود عليه السلام إلا ذاكر
لله فاذكر معه ، إلا مذكر فاذكر معه .
وأخرج أحمد عن عروة بن الزبير رضي الله عنه قال : كان داود عليه السلام يصنع
القفة من الخوص ، وهو على المنبر ثم يرسل بها إلى السوق ، فيبيعها فيأكل بثمنها
.
وأخرج أحمد عن سعيد بن أبي هلال رضي الله عنه قال : كان داود عليه السلام إذا
قام من الليل يقول : اللهم نامت العيون ، وغارت النجوم ، وأنت الحي القيوم الذي
لا تأخذك سنة ولا نوم .
وأخرج أحمد عن عثمان الشحام أبي سلمة قال : حدثني شيخ من أهل البصرة كان له فضل
، وكان له سن قال : بلغني أن داود عليه السلام سأل ربه قال : يا رب كيف لي أن
أمشي لك في الأرض بنصح ، واعمل لك فيها بنصح؟ قال « يا داود تحب من يحبني من
أحمر وأبيض ، ولا تزال شفتاك رطبتين من ذكري ، واجتنب فراش الغيبة قال : رب كيف
لي أن تحببني في أهل الدنيا البر والفاجر؟ قال : يا داود تصانع أهل الدنيا
لدنياهم ، وتحب أهل الآخرة لآخرتهم ، وتختار إليك دينك بيني وبينك ، فإنك إذا
فعلت ذلك لا يضرك من ضل إذا اهتديت قال : رب فأرني أضيافك من خلقك من هم؟ قال :
نقي الكفين ، نقي القلب ، يمشي تماماً ، ويقول صواباً » .
وأخرج الخطيب في تاريخه عن يحيى بن أبي كثير رضي الله عنه قال : قال داود عليه
السلام لابنه سليمان عليه السلام : أتدري ما جهد البلاء؟ قال شراء الخبز من
السوق ، والانتقال من منزل إلى منزل .
وأخرج أحمد عن مالك بن دينار رضي الله عنه قال : قال داود عليه السلام : اللهم
اجعل حبك أحب إليَّ من نفسي ، وسمعي ، وبصري ، وأهلي ، ومن الماء البارد .
وأخرج أحمد عن وهب رضي الله عنه قال : قال داود عليه السلام رب أي عبادك أحب
إليك؟ قال : مؤمن حسن الصورة قال : فأي عبادك أبغض إليك؟ قال كافر حسن الصورة ،
شكر هذا وكفر هذا قال : يا رب فأي عبادك أبغض إليك؟ قال عبد استخارني في أمر ،
فَخِرْتُ له ، فلم يرض به .
وأخرج عبد الله في زوائده عن عبد الله بن أبي مليكة رضي الله عنه قال : قال
داود عليه السلام : إلهي لا تجعل لي أهل سوء ، فأكون رجل سوء .
وأخرج أحمد عن عبد الرحمن قال : بلغني أنه كان من دعاء داود عليه السلام :
اللهم لا تفقرني فأنسى ، ولا تغنني فأطغى .
وأخرج أحمد عن الحسن رضي الله عنه قال : قال داود عليه السلام : إلهي أي رزق
أطيب؟ قال : ثمرة يدك يا داود .
وأخرج أحمد عن أبي الجلد رضي الله عنه ، أن الله تعالى أوحى إلى داود عليه
السلام : يا داود انذر عبادي الصديقين لا يعجبن بأنفسهم ، ولا يتكلن على
أعمالهم ، فإنه ليس أحد من عبادي أنصبه للحساب ، وأقيم عليه عدلي إلا عذبته من
غير أن أظلمه ، وبشر الخاطئين أنه لا يتعاظم ذنب أن أغفره ، وأتجاوز عنه .
وأخرج أحمد عن أبي الجلد رضي الله عنه ، أن داود عليه السلام أمر منادياً فنادى
: الصلاة جامعة ، فخرج الناس وهم يرون أنه سيكون منه يومئذ موعظة ، وتأديب ،
ودعاء ، فلما رقي مكانه قال : اللهم اغفر لنا وانصرف ، فاستقبل آخر الناس
أوائلهم قالوا : ما لكم! قالوا : إن النبي إنما دعا بدعوة واحدة ، فاوحى الله
تعالى إليه : أن أبلغ قومك عني ، فإنهم قد استقلوا دعاءك . إني من أغفر له أصلح
له أمر آخرته ودنياه .
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد عن عبد الرحمن بن أبزي رضي الله عنه قال : كان داود
عليه السلام اصبر الناس على البلاء ، وأحلمهم وأكظمهم للغيظ .
وأخرج أحمد عن سعيد بن عبد العزيز رضي الله عنه قال : قال داود عليه السلام يا
رب كيف أسعى لك في الأرض بالنصيحة؟ قال : تكثر ذكري ، وتحب من أحبني من أبيض
وأسود ، وتحكم للناس كما تحكم لنفسك ، وتجتنب فراش الغيبة .
وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي عبد الله الجدلي رضي الله عنه قال : كان داود عليه
السلام يقول : اللهم إني أعوذ بك من جار عينه تراني ، وقلبه يرعاني . إن رأى
خيراً دفنه ، وإن رأى شراً أشاعه .
وأخرج ابن أبي شيبة عن سعيد بن أبي سعيد رضي الله عنه قال : كان من دعاء داود
عليه السلام : اللهم إني أعوذ بك من الجار السوء .
وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن بريدة رضي الله عنه ، أن داود عليه السلام كان يقول
: اللهم إني أعوذ بك من عمل يخزيني ، وهم يرديني ، وفقر ينسيني ، وغنى يطغيني .
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد عن عبد الله بن الحارث رضي الله عنه قال : أوحى الله
إلى داود عليه السلام : أحبب عبادي ، وحببني إلى عبادي قال : يا رب هذا أحبك ،
وأحب عبادك ، فكيف أحببك إلى عبادك؟ قال تذكرني عندهم ، فإنهم لا يذكرون مني
إلا الحسن .
وأخرج أحمد عن أبي الجعد رضي الله عنه قال : بلغنا أن داود عليه السلام قال :
إلهي ما جزاء من عزى حزيناً لا يريد به إلا وجهك؟ قال : جزاؤه إن ألبسه لباس
التقوى قال : إلهي ما جزاء من شيع جنازة لا يريد بها إلا وجهك؟ قال : جزاؤه أن
تشيعه ملائكتي إذا مات ، وإن أصلي على روحه في الأرواح قال : إلهي ما جزاء من
أسند يتيماً أو أرملة لا يريد بها إلا وجهك؟ قال جزاؤه إن أظله تحت ظل عرشي يوم
لا ظل إلا ظلي قال : إلهي ما جزاء من فاضت عيناه من خشيتك؟ قال : جزاؤه أن
أؤمنه يوم الفزع الأكبر ، وأن أقي وجهه فيح جهنم .
وأخرج أحمد عن أبي الجلد رضي الله عنه قال : قرأت في مساءلة داود عليه السلام
أنه قال : إلهي ما جزاء من يعزي الحزين المصاب ابتغاء مرضاتك؟ قال : جزاؤه أن
أكسوه رداء من أردية الإِيمان أستره به من النار ، وأدخله الجنة قال : إلهي فما
جزاء من شيع الجنازة ابتغاء مرضاتك؟ قال : جزاؤه أن تشيعه الملائكة يوم يموت
إلى قبره ، وإن أصلي على روحه في الأرواح قال : إلهي فما جزاء من أسند اليتيم
والأرملة ابتغاء مرضاتك؟ قال : جزاؤه أن أظله في ظل عرشي يوم لا ظل إلا ظلي قال
: إلهي فما جزاء من بكى من خشيتك حتى تسيل دموعه على وجهه؟ قال : جزاؤه إن أحرم
وجهه على النار ، وأن أؤمنه يوم الفزع الأكبر .
وأخرج أحمد عن عبد الرحمن بن أبزى رضي الله عنه قال : قال داود عليه السلام
لسليمان : كن لليتيم كالأب الرحيم ، وأعلم أنك كما تزرع تحصد ، واعلم أن خطيئة
[ أمام ] القوم كالمسيء عند رأس الميت ، واعلم أن المرأة الصالحة لأهلها كالملك
المتوّج المخوّص بالذهب ، واعلم أن المرأة السوء لأهلها كالشيخ الضعيف على ظهره
الحمل الثقيل ، وما أقبح الفقر بعد الغنى ، وأقبح من ذلك الضلالة بعد الهدى ،
وإن وعدت صاحبك فانجز ما وعدته ، فإنك إن لا تفعل تورث بينك وبينه عداوة ،
ونعوذ بالله من صاحب إذا ذكرت لم يعنك ، وإذا نسيت لم يذكرك .
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد عن الحسن رضي الله عنه قال : كان داود عليه السلام
يقول : اللهم لا مرض يفنيني ، ولا صحة تنسيني ، ولكن بين ذلك .
وأخرج عبد الله بن زيد بن رفيع قال : نظر داود عليه السلام مبخلاً يهوي بين
السماء والأرض فقال : يا رب ما هذا؟ قال : هذه لعنتي ، أدخلها بيت كل ظلام .
وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن أبزى رضي الله عنه قال : قال داود عليه السلام : نعم
العون اليسار على الدين .
وأخرج ابن أبي شيبة عن مجاهد رضي الله عنه قال : قال داود عليه السلام : يا رب
طال عمري ، وكبر سني ، وضعف ركني ، فأوحى الله إليه « يا داود طوبى لمن طال
عمره ، وحسن عمله » .
وأخرج الخطيب من طريق الأوزاعي عن عبد الله بن عامر رضي الله عنه قال : أُعطي
داود عليه السلام من حسن الصوت ما لم يُعْطَ أحد قط ، حتى إن كان الطير والوحش
حوله حتى تموت عطشاً وجوعاً ، وإن الأنهار لتقف . والله أعلم .
أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ
فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ (28)
أخرج ابن عساكر عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { أم نجعل الذين آمنوا
وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض } قال { الذين آمنوا } علي ، وحمزة ،
وعبيدة بن الحارث { والمفسدين في الأرض } عتبة ، وشيبة ، والوليد ، وهم تبارزوا
يوم بدر .
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة رضي الله عنه { أم نجعل الذين آمنوا وعملوا
الصالحات } إلى قوله { كالفجار } قال : لعمري ما استووا ، لقد تفرق القوم في
الدنيا عند الموت .
أما قوله تعالى : { أم نجعل المتقين كالفجار } .
أخرج أبو يعلى عن أبي ذر رضي الله عنه قال : قال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم
: « كما أنه لا يجتنى من الشوك العنب كذلك لا تنال الفجار منازل الأبرار » .
كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آَيَاتِهِ
وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ (29)
أخرج سعيد بن منصور عن الحسين رضي الله عنه في قوله { ليدبروا آياته } اتباعه
بعمله .
وأخرج ابن جرير عن السدي رضي الله عنه { أولوا الألباب } قال : أولوا العقول من
الناس .
وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (30)
إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ (31) فَقَالَ
إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ
بِالْحِجَابِ (32) رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ
وَالْأَعْنَاقِ (33)
أخرج ابن أبي حاتم عن مكحول قال : لما وهب الله لداود سليمان قال له : يا بني
ما أحسن؟ قال : سكينة الله والإِيمان قال : فما أقبح؟ قال : كفر بعد إيمان قال
: فما أحلى؟ قال : روح الله بين عباده قال : فما أبرد؟ قال : عفو الله عن الناس
، وعفو الناس بعضهم عن بعض قال داود عليه السلام : فأنت نبي .
وأخرج الحكيم الترمذي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : أوحى الله تبارك وتعالى
إلى داود عليه السلام . إني سائل ابنك عن سبع كلمات . فإن أخبرك فورِّثه العلمَ
والنبوَّة فقال له داود عليه السلام : إن الله أوحى إليَّ أن أسألك عن سبع
كلمات ، فإن أخبرتني وَرَّثْتُكَ العلمَ والنبوَّة قال : سلني عما شئت قال :
أخبرني ما أحلى من العسل ، وما أبرد من الثلج ، وما الين شيئاً من الخز ، وما
لا يرى أثره في الماء ، وما لا يرى أثره في الصفاء ، وما لا يرى أثره في السماء
، ومن يسمن في الخصب والجدب . قال : أما ما أحلى من العسل فروح الله للمتحابين
في الله . واما ما أبرد من الثلج فكلام الله إذا قرع أفئدة أولياء الله . وأما
ما الين شيئاً من الخز فحكمة الله تعالى إذا أنشدها أولياء الله بينهم . وأما
ما لا يرى أثره في الماء فالفلك تمر فلا يرى أثرها . وأما ما لا يرى أثره في
الصفاء فالنملة تمر على الحجر فلا يرى أثرها . وأما ما لا يرى أثره في السماء
فالطير يطير ولا يرى أثره في السماء وأما من يسمن في الجدب والخصب فهو المؤمن
إذا أعطاه الله شكر ، وإذا ابتلاه صبر ، فقلبه أجرد أزهر .
قال : انظر إلى ابنك فاسأله عن أربع عشرة كلمة ، فإن أخبرك فورثه العلم
والنبوّة ، فسأله فقال : ما لي من ذي علم فقال داود لسليمان عليه السلام :
أخبرني يا بني أين موضع العقل منك؟ قال : الدماغ قال : أين موضع الحياء منك؟
قال : العينان قال : أين موضع الباطل منك؟ قال : الأذنان قال : أين باب الخطايا
منك؟ قال : اللسان قال : أين الطريق منك؟ قال : المنخران قال : أين موضع الأدب
والبيان منك؟ قال : الكلوتان قال : أين باب الفظاظة والغلظة منك؟ قال : الكبد
قال : أين بيت الريح منك؟ قال : الرئة قال : أين باب الفرح منك؟ قال : الطحال
قال : أين باب الكسب منك؟ قال : اليدان قال : أين باب النصب منك؟ قال : الرجلان
قال : أين باب الشهوة منك؟ قال : الفرج قال : أين باب الذرية منك؟ قال : الصلب
قال : أين باب العلم والفهم والحكمة منك؟ قال : القلب . إذا صلح القلب صلح ذلك
كله ، وإذا فسد القلب فسد ذلك كله .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة رضي الله عنه { ووهبنا لداود سليمان نعم
العبد إنه أواب } قال : كان مطيعاً لله ، كثير الصلاة { إذ عرض عليه بالعشي
الصافنات الجياد } قال : يعني الخيل وصفونها قيامها وبسطها قوائمها { قال إني
أحببت حب الخير } أي المال { عن ذكر ربي } عن صلاة العصر { حتى توارت بالحجاب }
.
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي هريرة رضي الله عنه { الصافنات الجياد } قال : الخيل
خيل خلقت على ما شاء .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد رضي الله عنه في قوله {
الصافنات } قال : صفون الفرس : رفع إحدى يديه حتى يكون على أطراف الحافر . وفي
قوله الجياد قال : السراع .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن الحسن وقتادة رضي الله
عنهما في قوله { الصافنات الجياد } قال : الخيل إذا صفن قيامها عقرها تطلع
أعناقها وسوقها . وفي قوله { أحببت حب الخير عن ذكر ربي } قال : الخير المال
والخيل من ذلك ، فقوله شغلته عن الصلاة قال : لا والله لا تشغلني عن عبادة الله
تعالى جرها عليك ، فكشف عراقيبها ، وضرب أعناقها
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن عوف رضي الله عنه قال : بلغني أن الخيل التي
عقر سليمان عليه السلام كانت خيلاً ذات أجنحة ، أخرجت له من البحر ، لم تكن
لأحد قبله ولا بعده .
وأخرج ابن المنذر من طريق ابن جريج رضي الله عنه عن ابن عباس رضي الله عنهما في
قوله { حب الخير } قال : المال وفي قوله { ردوها عليّ } قال : الخيل { فطفق
مسحاً } قال : عقراً بالسيف .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن علي رضي الله عنه قال : الصلاة التي فرط فيها
سليمان عليه السلام صلاة العصر .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن كعب رضي الله عنه في قوله { حتى
توارت بالحجاب } قال : حجاب من ياقوت أخضر محيط بالخلائق ، فمنه اخضرت السماء
التي يقال لها السماء الخضراء ، واخضر البحر من السماء ، فمن ثم يقال : البحر
الأخضر .
وأخرج أبو داود عن عائشة رضي الله عنها قالت : قدم رسول الله صلى الله عليه
وسلم من غزوة تبوك أو خيبر ، فجئت فكشفت ناحية الستر عن بنات لعب لعائشة فقال :
« ما هذا يا عائشة؟ قالت : بناتي . ورأى بينهن فرساً لها جناحان من رقاع فقال :
ما هذا الذي أرى وسطهن؟ قالت : فرس له جناحان قال : وما هذا الذي عليه؟ فقلت :
جناحان قال : فرس له جناحان! قالت : أما سمعت أن لسليمان عليه السلام خيلاً لها
أجنحة ، فضحك حتى رؤيت نواجذه » .
وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن إبراهيم التيمي رضي
الله عنه في قوله { إذ عرض عليه بالعشي الصافنات الجياد } قال : عشرين ألف فرس
ذات أجنحة ، فعقرها .
وأخرج ابن إسحاق وابن جرير عن ابن مسعود رضي الله عنه في قوله { حتى توارت
بالحجاب } قال { توارت } من وراء قرية خضرة السماء منها .
وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : كان سليمان
عليه السلام لا يكلم اعظاماً له ، فلقد فاتته صلاة العصر ، وما استطاع أحد أن
يكلمه .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { عن ذكر ربي
} يقول : من ذكر ربي { فطفق مسحاً } يقول : يمسح اعراف الخبل وعراقيبها .
وأخرج الطبراني في الأوسط والاسماعيلي في معجمه وابن مردويه بسند حسن عن أُبيّ
بن كعب رضي الله عنه « عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله { فطفق مسحاً
بالسوق والأعناق } قال : قطع سوقها وأعناقها بالسيف » .
وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ
أَنَابَ (34)
أخرج الفريابي والحكيم الترمذي والحاكم وصححه عن ابن عباس رضي الله عنهما في
قوله { ولقد فتنا سليمان وألقينا على كرسيه جسداً } قال : هو الشيطان الذي كان
على كرسيه يقضي بين الناس أربعين يوماً ، وكان لسليمان عليه السلام امرأة يقال
لها جرادة ، وكان بين بعض أهلها وبين قوم خصومة ، فقضى بينهم بالحق إلا أنه
ودَّ أن الحق كان لأهلها؛ فأوحى الله تعالى إليه : أنه سيصيبك بلاء ، فكان لا
يدري يأتيه من السماء أم من الأرض .
وأخرج النسائي وابن جرير وابن أبي حاتم بسند قوي عن ابن عباس رضي الله عنهما
قال : أراد سليمان عليه السلام أن يدخل الخلاء ، فأعطى الجرادة خاتمه ، وكانت
جرادة امرأته ، وكانت أحب نسائه إليه ، فجاء الشيطان في صورة سليمان ، فقال لها
: هاتي خاتمي ، فأعطته ، فلما لبسه دانت له الجن والإِنس والشياطين ، فلما خرج
سليمان عليه السلام من الخلاء قال لها : هاتي خاتمي . فقالت : قد أعطيته سليمان
قال : أنا سليمان قالت : كذبت لست سليمان . فجعل لا يأتي أحداً يقول أنا سليمان
إلا كذبه حتى جعل الصبيان يرمونه بالحجارة ، فلما رأى ذلك عرف أنه من أمر الله
عز وجل ، وقام الشيطان يحكم بين الناس .
فلما أراد الله تعالى أن يرد على سليمان عليه السلام سلطانه ، ألقى في قلوب
الناس انكار ذلك الشيطان ، فارسلوا إلى نساء سليمان عليه السلام فقالوا لهن :
أيكون من سليمان شيء؟ قلن : نعم . إنه يأتينا ونحن حيض ، وما كان يأتينا قبل
ذلك .
فلما رأى الشيطان أنه قد فطن له ، ظن أن أمره قد انقطع ، فكتبوا كتباً فيها سحر
ومكر ، فدفنوها تحت كرسي سليمان ، ثم أثاروها وقرأوها على الناس قالوا : بهذا
كان يظهر سليمان على الناس ويغلبهم ، فأكفر الناس سليمان ، فلم يزالوا يكفرونه
، وبعث ذلك الشيطان بالخاتم ، فطرحه في البحر ، فتلقته سمكة فأخذته ، وكان
سليمان عليه السلام يعمل على شط البحر بالأجر ، فجاء رجل فاشترى سمكاً فيه تلك
السمكة التي في بطنها الخاتم ، فدعا سليمان عليه السلام فقال : تحمل لي هذه
السمك؟ ثم انطلق إلى منزله ، فلما انتهى الرجل إلى باب داره ، أعطاه تلك السمكة
التي في بطنها الخاتم ، فأخذها سليمان عليه السلام ، فشق بطنها فإذا الخاتم في
جوفها ، فأخذه فلبسه ، فلما لبسه دانت له الانس والجن والشياطين ، وعاد إلى
حاله ، وهرب الشيطان حتى لحق بجزيرة من جزائر البحر ، فأرسل سليمان عليه السلام
في طلبه ، وكان شيطاناً مريداً يطلبونه ولا يقدرون عليه ، حتى وجدوه يوماً
نائماً ، فجاؤوا فنقبوا عليه بنياناً من رصاص ، فاستيقظ ، فوثب ، فجعل لا يثبت
في مكان من البيت إلا أن دار معه الرصاص ، فأخذوه وأوثقوه وجاؤوا به إلى سليمان
عليه السلام ، فأمر به فنقر له في رخام ، ثم أدخل في جوفه ، ثم سد بالنحاس ، ثم
أمر به فطرح في البحر .
فذلك قوله { ولقد فتنا سليمان وألقينا على كرسيه جسداً } يعني الشيطان كان تسلط
عليه .
وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : أربع آيات من
كتاب الله لم أدر ما هي حتى سألت عنهن كعب الأحبار رضي الله عنه في قوله { قوم
تبع } [ الدخان : 73 ] في القرآن ، ولم يذكر تبع فقال : إن تبعاً كان ملكاً ،
وكان قومه كهاناً ، وكان في قومه قوم من أهل الكتاب ، وكان الكهان يبغون على
أهل الكتاب ويقتلون تابعهم فقال أهل الكتاب لتبع : أنهم يكذبون علينا فقال تبع
: إن كنتم صادقين فقربوا قرباناً فأيكم كان أفضل أكلت النار قربانه . فقرب أهل
الكتاب والكهان ، فنزلت نار من السماء ، فأكلت قربان أهل الكتاب ، فأتبعهم تبع
فأسلم . فلهذا ذكر الله قومه في القرآن ولم يذكره قال ابن عباس رضي الله عنه
وسألته عن قوله { وألقينا على كرسيه جسداً ثم أناب } قال : الشيطان أخذ خاتم
سليمان عليه السلام الذي فيه ملكه ، فقذف به في البحر ، فوقع في بطن سمكة ،
فانطلق سليمان يطوف إذ تصدق عليه بتلك السمكة ، فاشتواها فأكلها ، فإذا فيها
خاتمه ، فرجع إليه ملكه .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله
{ وألقينا على كرسيه جسداً ثم أناب } قال : صخر الجني . مثل على كرسيه على
صورته .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر عن قتادة رضي الله عنه قال : أمر
سليمان عليه السلام ببناء بيت المقدس فقيل له : ابنه ولا يسمع فيه صوت حديد ،
فطلب ذلك ، فلم يقدر عليه ، فقيل له إن شيطاناً يقال له صخر شبه المارد ، فطلبه
وكانت عين في البحر يردها في كل سبعة أيام مرة ، فنزح ماءها وجعل فيها خمراً ،
فجاء يوم وروده فإذا هو بالخمر فقال : إنك لشراب طيب ، تصيب من الحليم ، وتزيد
من الجاهل جهلاً ثم جفل حتى عطش عطشاً شديداً ، ثم أتاها ، فشربها حتى غلب على
عقله ، فأوتي بالخاتم ، فختم بين كتفيه ، فذل وكان ملكه في خاتمه ، فأتي به
سليمان فقال : أنا قد أمرنا ببناء هذا البيت فقيل لنا : لا تسمعن فيه صوت حديد
، فأتى ببيض الهدهد ، فجعل عليه زجاجة ، فجاء الهدهد فدار حولها ، فجعل يرى
بيضه ولا يقدر عليه ، فذهب فجاء بألماس ، فوضعها عليه ، فقطعها حتى أفضى إلى
بيضه ، فأخذوا الماس ، فجعلوا يقطعون به الحجارة .
وكان سليمان عليه السلام إذا أراد أن يدخل الخلاء أو الحمام لم يدخل بخاتمه .
فانطلق يوماً إلى الحمام ، وذلك الشيطان صخر معه ، فدخل الحمام ، وأعطى الشيطان
خاتمه ، فألقاه في البحر ، فالتقمته سمكة ، ونزع ملك سليمان عليه السلام منه ،
وألقى على الشيطان شبه سليمان ، فجاء فقعد على كرسيه ، وسلط على ملك سليمان كله
غير نسائه ، فجعل يقضي بينهم أربعين يوماً حتى وجد سليمان عليه السلام خاتمه في
بطن السمكة فأقبل ، فجعل لا يستقبله جني ولا طير إلا سجد له حتى انتهى إليهم {
وألقينا على كرسيه جسداً } قال : هو الشيطان صخر { ثم أناب } قال : تاب ثم أقبل
يعني سليمان .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد رضي الله عنه { وألقينا على
كرسيه جسداً } قال : شيطاناً يقال له آصف . فقال له سليمان : كيف تفتنون الناس؟
قال أرني خاتمك أخبرك . فلما أعطاه إياه نبذه آصف في البحر ، فساح سليمان عليه
السلام ، وذهب ملكه ، وقعد آصف على كرسيه ، ومنعه الله تعالى نساء سليمان عليه
السلام فلم يقربهن ولا يقربنه وأنكرنه ، وأنكر الناس أمر سليمان عليه السلام .
وكان سليمان عليه السلام يستطعم فيقول : أتعرفوني أنا سليمان؟ فيكذبوه حتى
أعطته امرأة يوماً حوتاً ، وطيب بطنه ، فوجد خاتمه في بطنه ، فرجع إليه ملكه ،
وفر الشيطان فدخل البحر فاراً .
وأخرج الطبراني في الأوسط وابن مردويه بسند ضعيف عن أبي هريرة رضي الله عنه قال
: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « ولد لسليمان ولد فقال للشيطان : تواريه
من الموت؟ قالوا نذهب به إلى المشرق . فقال يصل إليه الموت . قالوا فإلى المغرب
. قال يصل إليه . قالوا إلى البحار . قال يصل إليه الموت . قال نضعه بين السماء
والأرض ، ونزل عليه ملك الموت فقال : إني أمرت بقبض نسمة طلبتها في البحار ،
وطلبتها في تخوم الأرض؛ فلم أصبها ، فبينا أنا صاعد أصبتها ، فقبضتها وجاء جسده
حتى وقع على كرسي سليمان ، فهو قول الله { ولقد فتنا سليمان وألقينا على كرسيه
جسداً ثم أناب } » .
وقال ابن سعد رضي الله عنه ، أخبرنا الواقدي ، حدثنا معشر عن المقبري : أن
سليمان بن داود عليه السلام قال : لأطوفن الليلة بمائة امرأة من نسائي ، فتأتي
كل امرأة منهن بفارس يجاهد في سبيل الله . ولم يستثنِ ولو استثنى لكان ، فطاف
على مائة امرأة ، فلم تحمل امرأة إلا امرأة واحدة ، حملت بشق إنسان ولم يكن شيء
أحب إلى سليمان من تلك الشقة .
قال وكان أولاده يموتون ، فجاء ملك الموت في صورة رجل ، فقال له سليمان عليه
السلام : إن استطعت أن تؤخر إبني هذا ثمانية أيام إذا جاءه أجله فقال : لا .
ولكن أخبرك قبل موته بثلاثة أيام . قال لمن عنده من الجن : أيكم يُخَبِّىء لي
إبني هذا؟ قال أحدهم؟ أنا أخبؤه لك في المشرق قال : ممن تخبئوه؟ قال : من ملك
الموت . قال يبصره . قال آخر : أنا أخبؤه لك بين قرينين لا يريان . قال سليمان
عليه السلام إن كان شيء فهذا .
فلما جاء أجله ، نظر ملك الموت في الأرض ، فلم يره في مشرقها ، ولا في مغربها ،
ولا شيء من البحار ، ورآه بين قرينين ، فجاءه ، فأخذه ، فقبض روحه على كرسي
سليمان . فذلك قوله { ولقد فتنا سليمان } وهو قول الله { وألقينا على كرسيه
جسداً } « .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه
قال : بينما سليمان بن داود جالساً على شاطىء البحر ، وهو يعبث بخاتمه إذ سقط
منه في البحر ، وكان ملكه في خاتمه ، فانطلق وخلف شيطاناً في أهله ، فأتى
عجوزاً ، فأوى إليها ، فقالت له العجوز : إن شئت أن تنطلق فتطلب وأكفيك عمل
البيت ، وإن شئت أن تكفيني عمل البيت وانطلق فالتمس . قال : فانطلق يلتمس ،
فأتى قوماً يصيدون السمك ، فجلس إليهم ، فنبذوا سمكات ، فانطلق بهن حتى أتى
العجوز ، فأخذت تصلحه ، فشقت بطن سمكة ، فإذا فيها الخاتم ، فأخذته وقالت
لسليمان عليه السلام : ما هذا؟ فأخذه سليمان عليه السلام ، فلبسه ، فأقبلت إليه
الشياطين ، والانس ، والجن ، والطير ، والوحش ، وهرب الشيطان الذي خلف في أهله
، فأتى جزيرة في البحر ، فبعث إليه الشياطين فقالوا : لا نقدر عليه أنه يرد
عيناً في جزيرة في البحر في سبعة أيام ، ولا نقدر عليه حتى يسكر .
قال فصب له في تلك العين خمراً ، فأقبل فشرب فسكر ، فأروه الخاتم فقال : سمعاً
وطاعة ، فأوثقه سليمان عليه السلام ، ثم بعث به إلى جبل ، فذكروا أنه جبل
الدخان ، فالدخان الذي يرون من نفسه ، والماء الذي يخرج من الجبل بوله .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن الحسن { وألقينا على كرسيه جسداً } قال : هو
الشيطان . دخل سليمان عليه السلام الحمام ، فوضع خاتمه عند امرأة من أوثق نسائه
في نفسه ، فأتاها الشيطان ، فتمثل لها على صورة سليمان عليه السلام ، فأخذ
الخاتم منها ، فلما خرج سليمان عليه السلام أتاها فقال لها : هاتي الخاتم فقالت
: قد دفعته إليك . قال ما فعلت . . ! فهرب سليمان عليه السلام وجلس الشيطان على
ملكه ، وانطلق سليمان عليه السلام هارباً في الأرض يتتبع ورق الشجر خمسين ليلة
، فأنكر بنو إسرائيل أمر الشيطان ، فقال بعضهم لبعض : هل تنكرون من أمر ملككم
ما ننكر عليه؟ قالوا : نعم . قال أما لقد هلكتم أنتم العامة ، وأما قد هلك
ملككم ، فقالوا : والله ان عندكم من هذا الخبر ، نساؤه معكم ، فاسألوهن ، فإن
كن أنكرن ما أنكرنا فقد ابتلينا . فسألوهن ، فقلن : أي والله لقد أنكرنا .
فلما انقضت مدته انطلق سليمان عليه السلام حتى أتى ساحل البحر ، فوجد صيادين
يصيدون السمك ، فصادوا سمكاً كثيراً غلبهم بعضه ، فألقوه فأتاهم سليمان عليه
السلام ، فاستطعمهم ، فأعطوه تلك الحيتان قال : لا بل أطعموني من هذا ، فأبوا
فقال : أطعموني فإني سليمان ، فوثب إليه بعضهم بالعصا فضربه غضباً لسليمان ،
فأتى إلى تلك الحيتان التي ألقوا ، فأخذ منها حوتين ، فانطلق بهما إلى البحر ،
فغسلهما فشق بطن أحدهما ، فإذا فيه الخاتم ، فأخذه فجعله في يده ، فعاد في ملكه
، فجاءه الصيادون يبيعون إليه فقال لهم : لقد كنت استطعمتكم فلم تطعموني ، فلم
أظلمكم إذا هنتموني ، ولم أحمدكم إذا أكرمتموني .
وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : كان سليمان عليه السلام
إذا دخل الخلاء أعطى خاتمه أحب نسائه إليه ، فإذا هو قد خرج وقد وضع له وضوءه
فدفع خاتمه إلى امرأته ، فلبث ما شاء الله .
وخرج عليها شيطان في صورة سليمان ، فدفعت الخاتم إليه ، فضاق ذرعاً به ، فألقاه
في البحر ، فالتقمته سمكة ، فخرج سليمان عليه السلام على امرأته ، فسألها
الخاتم فقالت : قد دفعته إليك . فعلم سليمان عليه السلام أنه قد ابتلى ، فخرج
وترك ملكه ، ولزم البحر ، فجعل يجوع ، فأتى يوماً على صيادين قد صادوا سمكاً
بالأمس فنبذوه ، وصادوا يومهم سمكاً فهو بين أيديهم ، فقام عليهم سليمان عليه
السلام فقال : أطعموني بارك الله فيكم ، فإني ابن سبيل ، فلم يلتفتوا إليه ، ثم
عاد فقال لهم : مثل ذلك ، فرفع رجل منهم رأسه إليه فقال : ائت ذلك السمك فخذ
منه سمكة ، فأتاه سليمان عليه السلام فأخذ منه أدنى سمكة ، فلما أخذها إذا فيها
ريح ، فأتى بها البحر ، فغسلها وشق بطنها فإذا هو بخاتمه ، فحمد الله وأخذه
فتختم به ، ونطق كل شيء كان حوله من جنوده ، وفزع الصيادون لذلك ، فقاموا إليه
، وحيل بينهم ولم يصلوا إليه ، ورد الله إليه ملكه .
وأخرج عبد بن حميد والحكيم الترمذي من طريق علي بن زيد عن سعيد بن المسيب رضي
الله عنه أن سليمان بن داود عليه السلام احتجب عن الناس ثلاثة أيام ، فأوحى
الله إليه أن يا سليمان احتجبت عن الناس ثلاثة أيام ، فلم تنظر في أمور العباد
، ولم تنصف مظلوماً من ظالم .
وكان ملكه في خاتمه ، وكان إذا دخل الحمام وضع خاتمه تحت فراشه . فجاء الشيطان
فأخذه ، فأقبل الناس على الشيطان فقال سليمان : يا أيها الناس أنا سليمان نبي
الله ، فدفعوه ، فساح أربعين يوماً ، فأتى أهل سفينة ، فأعطوه حوتاً فشقها ،
فإذا هو بالخاتم فيها ، فتختم به ، ثم جاء فأخذ بناصيته فقال عند ذلك { رب هب
لي ملكاً لا ينبغي لأحد من بعدي } .
قال وكان أول من أنكره نساؤه . فقال بعضهم لبعض : أتنكرون منه شيئاً؟ قلن : نعم
. وكان يأتيهن وهن حيض فقال علي : فذكرت ذلك للحسن فقال : ما كان الله يسلطه
على نسائه .
وأخرج عبد بن حميد عن عبد الرحمن بن رافع رضي الله عنه قال : بلغني أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم : « حدث عن فتنة سليمان عليه السلام قال : إنه كان في
قومه رجل كعمر بن الخطاب في أمتي ، فلما أنكر حال الجان الذي كان مكانه أرسل
إلى أفاضل نسائه ، فقال : هل تنكرن من صاحبكن شيئاً؟ قلن : نعم . كان لا يأتينا
حيضاً ، وهذا يأتينا حيضاً ، فاشتمل على سيفه ليقتله ، فرد الله على سليمان
ملكه ، فأقبل فوجده في مكانه ، فأخبره بما يريد » .
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما { ولقد فتنا سليمان وألقينا على
كرسيه جسداً } قال : الجسد الشيطان الذي كان دفع سليمان عليه السلام إليه خاتمه
، فقذفه في البحر ، وكان ملك سليمان عليه السلام في خاتمه ، وكان اسم الجني
صخراً .
وأخرج ابن جرير عن مجاهد رضي الله عنه { وألقينا على كرسيه جسداً } قال : الجسد
الشيطان الذي كان دفع إليه سليمان خاتمه شيطاناً يقال له آصف .
وأخرج ابن جرير عن السدي رضي الله عنه في قوله { وألقينا على كرسيه جسداً } قال
: الشيطان حين جلس على كرسيه أربعين يوماً . كان لسليمان عليه السلام مائة
امرأة ، وكانت امرأة منهن يقال لها جرادة ، وهي آثر نسائه عنده وآمنهن ، وكان
إذا أجنب أو أتى حاجة نزع خاتمه ، ولم يأتمن عليه أحداً من الناس غيرها ،
فجاءته يوماً من الأيام فقالت : إن أخي بينه وبين فلان خصومة ، وأنا أحب أن
تقضي له إذا جاءك فقال : نعم . ولم يفعل ، وابتلى فأعطاها خاتمه ، ودخل المخرج
، فخرج الشيطان في صورته فقال : هات الخاتم . فأعطته فجاء حتى جلس على مجلس
سليمان ، وخرج سليمان عليه السلام بعد ، فسألها أن تعطيه خاتمه ، فقالت : ألم
تأخذه قبل؟ قال : لا .
قال وخرج مكانه تائهاً ، ومكث الشيطان يحكم بين الناس أربعين يوماً ، فأنكر
الناس أحكامه ، فاجتمع قراء بني إسرائيل وعلماؤهم ، فجاؤوا حتى دخلوا على نسائه
فقالوا : إنا قد أنكرنا هذا ، وأقبلوا يمشون حتى أتوه ، فأحدقوا به ، ثم نشروا
فقرأوا التوراة ، فطار من بين أيديهم حتى وقع على شرفة والخاتم معه ، ثم طار
حتى ذهب إلى البحر ، فوقع الخاتم منه في البحر ، فابتلعه حوت من حيتان البحر .
وأقبل سليمان في حالته التي كان فيها حتى انتهى إلى صياد من صيادي البحر وهو
جائع ، فاستطعمه من صيدهم ، فأعطاه سمكتين ، فقام إلى شط البحر ، فشق بطونهما ،
فوجد خاتمه في بطن إحداهما ، فأخذه فلبسه ، فرد الله عليه بهاءه وملكه . فأرسل
إلى الشيطان ، فجيء به فأمر به ، فجعل في صندوق من حديد ، ثم أطبق عليه ، وأقفل
عليه بقفل ، وختم عليه بخاتمه ، ثم أمر به فألقي في البحر . فهو فيه حتى تقوم
الساعة ، وكان اسمه حبقيق .
وأخرج ابن جرير عن الضحاك رضي الله عنه في قوله { ثم أناب } قال : دخل سليمان
على امرأة تبيع السمك ، فاشترى منها سمكة ، فشق بطنها ، فوجد خاتمه ، فجعل لا
يمر على شجرة ، ولا على شيء إلا سجد له ، حتى أتى ملكه وأهله . فذلك قوله { ثم
أناب } يقول : ثم رجع .
قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ
بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (35) فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي
بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ (36) وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ
وَغَوَّاصٍ (37) وَآَخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ (38) هَذَا
عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ (39) وَإِنَّ لَهُ
عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآَبٍ (40)
أخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد في مسنده والطبراني والحاكم وصححه والبيهقي في
الأسماء والصفات عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال : « ما سمعت رسول الله صلى
الله عليه وسلم دعا إلا استفتحه بسبحان ربي الأعلى الوهاب » .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة رضي الله عنه في قوله { رب اغفر لي وهب
لي ملكاً لا ينبغي لأحد من بعدي } يقول : لا أسلبه كما سلبته .
وأخرج عبد بن حميد عن الحسن رضي الله عنه { رب اغفر لي وهب لي ملكاً لا ينبغي
لأحد من بعدي } قال : لا تسلبنيه كما سلبتنيه .
وأخرج عبد بن حميد عن الحسن رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «
عرض لي الشيطان في مصلاي الليلة كأنه هرُّكم هذا ، فأردت أن أحبسه حتى أصبح ،
فذكرت دعوة أخي سليمان { رب اغفر لي وهب لي ملكاً لا ينبغي لأحد من بعدي }
فتركته » .
وأخرج عبد بن حميد والبخاري ومسلم والنسائي والحكيم الترمذي في نوادر الأصول
وابن مردويه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
: « إن عفريتاً جعل يتلفت علي البارحة ليقطع عليَّ صلاتي ، وإن الله تعالى
أمكنني منه ، فلقد هممت أن أربطه إلى سارية من سواري المسجد حتى تصبحوا ،
فتنظروا إليه كلكم ، فذكرت قول أخي سليمان { رب اغفر لي وهب لي ملكاً لا ينبغي
لأحد من بعدي } فرده الله خاسئاً » .
وأخرج عبد بن حميد عن سعيد بن المسيب رضي الله عنه ، أن النبي صلى الله عليه
وسلم قال : « بينا أنا قائم أصلي اعترض الشيطان ، فأخذت حلقه ، فخنقته حتى أني
لأجد برد لسانه على ابهامي ، فيرحم الله سليمان لولا دعوته لأصبح مربوطاً
تنظرون إليه » .
وأخرج عبد بن حميد وابن مردويه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم : « خرجت لصلاة الصبح ، فلقيني شيطان في السدة . سدة
المسجد ، فزحمني حتى أني لأجد مس شعره ، فاستمكنت منه ، فخنقته حتى أني لأجد
برد لسانه على يدي ، فلولا دعوة أخي سليمان عليه السلام لأصبح مقتولاً تنظرون
إليه » .
وأخرج أحمد عن أبي سعيد رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم : «
قام يصلي صلاة الصبح فقرأ ، فألبست عليه القراءة ، فلما فرغ من صلاته قال : لو
رأيتموني وإبليس . فأهويت بيدي ، فما زلت أخنقه حتى وجدت برد لعابه بين أصبعي
هاتين ، الإِبهام والتي تليها ، ولولا دعوة أخي سليمان لأصبح مربوطاً بسارية من
سواري المسجد ، فتلاعب به صبيان المدينة » .
وأخرج أحمد وعبد بن حميد وابن مردويه والبيهقي عن عبدالله بن مسعود رضي الله
عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « مر عليَّ الشيطان ، فتناولته ،
فخنقته حتى وجدت برد لسانه على يدي فقال : أوجعتني أوجعتني . . ولولا ما دعا به
سليمان لأصبح مناطا إلى اسطوانة من أساطين المسجد ينظر إليه ، وِلْدَانُ أهل
المدينة » .
وأخرج الطبراني عن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم : « إن الشيطان أراد أن يمر بين يدي ، فخنقته حتى وجدت برد لسانه على
يدي . وأيم الله لولا ما سبق إليه أخي سليمان لربطته إلى سارية من سواري المسجد
حتى يطيف به ولدان أهل المدينة » .
وأخرج الحاكم في المستدرك عن عمر بن علي بن حسين قال : مشيت مع عمي وأخي جعفر
فقلت : زعموا أن سليمان عليه السلام سأل ربه أن يهبه ملكاً قال : حدثني أبي ،
عن أبيه ، عن علي ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « لن يعمر ملك في أمة
نبي مضى قبله ما بلغ بذلك النبي صلى الله عليه وسلم من العمر في أمته » .
وأخرج عبد بن حميد عن وهب بن منبه رضي الله عنه ، أنه ذكر من ملك سليمان ،
وتعظيم ملكه ، أنه كان في رباطه اثنا عشر ألف حصان ، وكان يذبح على غدائه كل
يوم سبعين ثوراً ، سوى الكباش ، والطير ، والصيد . فقيل لوهب : أكان يسع هذا
ماله؟! قال : كان إذا ملك الملك على بني إسرائيل اشترط عليهم أنهم رقيقه ، وإن
أموالهم له؛ ما شاء أخذ منها ، وما شاء ترك .
وأخرج عبد بن حميد عن أبي خالد البجلي رضي الله عنه قال : بلغني أن سليمان عليه
السلام ركب يوماً في موكبه ، فوضع سريره فقعد عليه ، وألقيت كراسي يميناً
وشمالاً ، فقعد الناس عليها يلونه ، والجن وراءهم ، ومردة الجن والشياطين وراء
الجن . فأرسل إلى الطير ، فأظلته بأجنحتها ، وقال للريح : احملينا يريد بعض
مسيره ، فاحتملته الريح وهو على سريره ، والناس على كراسيهم يحدثهم ويحدثونه ،
لا يرتفع كرسي ولا يتضع ، والطير تظلهم .
وكان موكب سليمان يسمع من مكان بعيد ، ورجل من بني إسرائيل آخذ مسحاته في زرع
له ، قائماً يهيئه إذ سمع الصوت فقال : إن هذا الصوت ما هو إلا لموكب سليمان
وجنوده ، فحان من سليمان التفاتة وهو على سريره ، فإذا هو برجل يشتد يبادر
الطريق فقال عليه السلام في نفسه : إن هذا الرجل ملهوف ، أو طالب حاجة ، فقال
للريح حين وقفت به : قفي . . فوقفت به وبجنود حتى انتهى إليه الرجل وهو منبهر ،
فتركه سليمان حتى ذهب بهره ، ثم أقبل عليه فقال ألك حاجة؟ وقد وقف عليه الخلق
فقال : الحاجة جاءت بي إلى هذا المكان يا رسول الله .
إني رأيت الله أعطاك ملكاً لم يعطه أحداً قبلك ولا أراه يعطيه أحداً بعدك ،
فكيف تجد ما مضى من ملكك هذه الساعة؟ قال : أخبرك عن ذاك إني كنت نائماً فرأيت
رؤيا ، ثم تنبهت فعبرتها قال : ليس إلا ذاك قال : فأخبرني كيف تجد ما بقي من
ملكك الساعة؟ قال : تسألني عن شيء لم أره قال : فإنما هي هذه الساعة ، ثم انصرف
عنه مولياً .
فجلس سليمان عليه السلام ينظر في قفاه ، ويتفكر فيما قاله ، ثم قال للريح إمضي
بنا ، فمضت به قال الله { رخاء حيث أصاب } قال : الرخاء التي ليست بالعاصف ،
ولا باللينة وسطاً ، قال الله تعالى { غدوها شهر ورواحها شهر } [ سبأ : 12 ]
ليست بالعاصف التي تؤذيه ، ولا باللينة التي تشق عليه .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد عن سلمان بن عامر الشيباني رضي الله عنه قال :
بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « أرأيتم سليمان ، وما أعطاه الله
تعالى من ملكه ، فلم يكن يرفع طرفه إلى السماء تخشعاً حتى قبضه الله تعالى » .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عمر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم : « ما رفع سليمان عليه السلام طرفه إلى السماء تخشعاً حيث أعطاه الله
تعالى ما أعطاه » .
وأخرج أحمد في الزهد عن عطاء رضي الله عنه قال : كان سليمان عليه السلام يعمل
الخوص بيده ، ويأكل خبز الشعير ، ويطعم بني إسرائيل الحواري .
وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول وابن المنذر وابن عساكر عن صالح بن سمار
رضي الله عنه قال : بلغني أنه لما مات داود عليه السلام ، أوحى الله تعالى إلى
سليمان عليه الصلاة والسلام « سلني حاجتك قال : أسألك أن تجعل قلبي يخشاك كما
كان قلب أمي ، وأن تجعل قلبي يحبك كما كان قلب أبي . فقال : أرسلت إلى عبدي
أسأله حاجته ، فكانت حاجته أن أجعل قلبه يخشاني ، وأن أجعل قلبه يحبني ، لأهبن
له ملكاً لا ينبغي لأحد من بعده قال الله تعالى { فسخرنا له الريح تجري بأمره
رخاء حيث أصاب } والتي بعدها مما أعطاه ، وفي الآخرة لا حساب عليه » .
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج رضي الله عنه في قوله { فسخرنا له الريح . . }
قال : لم يكن في ملكه يوم دعا الريح والشياطين .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن الحسن رضي الله عنه قال : لما عقر سليمان
عليه السلام الخيل أبدله الله خيراً منها ، وأمر الريح تجري بأمره كيف يشاء {
رخاء } قال : ليست بالعاصف ، ولا باللينة بين ذلك . وأخرج ابن المنذر عن الحسن
وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { تجري بأمره رخاء
} قال : مطيعة له حيث أراد .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن الضحاك رضي الله عنه في قوله { رخاء حيث أصاب }
قال : حيث شاء .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر عن قتادة رضي الله عنه في قوله {
رخاء } قال : لينة { حيث أصاب } قال : حيث أراد { والشياطين كل بناء } قال :
يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل { وغواص } قال : يستخرجون له الحلى من
البحر { وآخرين مقرنين في الأصفاد } قال : مردة الشياطين في الأغلال .
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج في قوله { رخاء } قال : الطيبة { والشياطين كل
بناء وغواص } قال : يغوص للحلية { وبناء } بنوا لسليمان قصراً على الماء فقال :
اهدموه من غير أن تمسه الأيدي . فرموه بالفادقات حتى وضعوه ، فبقيت لنا منفعته
بعدهم ، فكان من عمل الجن ، وبقيت لنا منفعة السياط ، كان يضرب الجن بالخشب ،
فيكسر أيديها وأرجلها ، فقالوا هل توجعنا فلا تكسرنا؟ قال : نعم . فدلوه على
السياط ، والتمويه أمر الجن فموهت على ثم أمر به ، فألقى على الأساطين تحت
قوائم خيل بلقيس ، والقارورة لما أخرج الأعور شيطان البحر حيث أراد بناء بيت
المقدس قال الأعور : ابتغوا لي بيضة هدهد ، ثم قال اجعلوا عليها قارورة ، فجاء
الهدهد ، فجعل يرى بيضته وهو لا يقدر عليها ، ويطيف بها فانطلق فجاء بماسة مثل
هذه ، فوضعها على القارورة ، فانشقت فانشق بيت المقدس بتلك الماسة والقذافة .
وكان في البحر كنز ، فدلوا عليه سليمان عليه السلام ، وزعموا أن سليمان عليه
السلام يدخل الجنة بعد الأنبياء بأربعين سنة لما أعطيَ من الملك في الدنيا .
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج رضي الله عنه في قوله { هذا عطاؤنا } قال : كل
هذا أعطاه إياه بعد رد الخاتم .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { فامنن }
يقول : اعتق من الجن من شئت { أو أمسك } منهم من شئت .
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة رضي الله عنه في قوله { هذا عطاؤنا . . . } قال
الحسن : الملك الذي أعطيناك ، فأعط ما شئت ، وامنع ما شئت ، فليس لك تبعة ، ولا
حساب عليك في ذلك .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن مجاهد رضي الله عنه في قوله { هذا عطاؤنا
فامنن أو أمسك بغير حساب } قال : بغير حرج ، إن شئت أمسكت ، وإن شئت أعطيت .
وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة رضي الله عنه في الآية قال : ما أعطيت ، أو أمسكت ،
فليس عليك فيه حساب .
وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة رضي الله عنه قال : ما من نعمة أنعم الله على عبد
إلا وقد سأله فيها الشكر إلا سليمان بن داود عليه السلام . قال الله لسليمان
عليه السلام { فامنن أو أمسك } بغير حساب .
وأخرج عبد بن حميد عن الحسن رضي الله عنه قال : إن الله أعطى سليمان عليه
السلام ملكاً هنيئاً فقال الله { هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك بغير حساب } قال :
إن أعطيَ أجر ، وإن لم يعط لم يكن عليه تبعة .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة رضي الله عنه في قوله { وإن له عندنا
لزلفى وحسن مآب } أي حسن مصير .
وأخرج ابن المنذر عن أبي صالح رضي الله عنه { وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب }
قال : الزلفى القرب { وحسن مآب } قال : المرجع .
( معلومات الكتاب ) |