الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ
رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا
وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا
وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (7) رَبَّنَا
وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ
آَبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ
الْحَكِيمُ (8) وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ
فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (9)
أخرج أبو يعلى وابن مردويه بسند صحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم : « أذن لي أن أحدث عن ملك قد مرقت رجلاه الأرض
السابعة ، والعرش على منكبيه وهو يقول : سبحانك أين كنت وأين تكون؟! » .
وأخرج أبو داود وابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة وابن مردويه والبيهقي في
الأسماء والصفات بسند صحيح عن جابر رضي الله عنه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم
قال : « أذن لي أن أحدث عن ملك من ملائكة الله من حملة العرش ، ما بين شحمة
أذنه إلى عاتقه مسيرة سبعمائة سنة » .
وأخرج ابن المنذر وأبو الشيخ عن حبان بن عطية رضي الله عنه قال : حملة العرش
ثمانية . أقدامهم مثقفة في الأرض السابعة ، ورؤوسهم قد جاوزت السماء السابعة ،
وقرونهم مثل طولهم عليها العرش .
وأخرج أبو الشيخ عن ذاذان رضي الله عنه قال : حملة العرش أرجلهم في التخوم لا
يستطيعون أن يرفعوا أبصارهم من شعاع النور .
وأخرج ابن المنذر وأبو الشيخ والبيهقي في شعب الإِيمان عن هرون بن رباب رضي
الله عنه قال : حملة العرش ثمانية يتجاوبون بصوت رخيم . يقول أربعة منهم :
سبحانك وبحمدك على عفوك بعد قدرتك . وأربعة منهم يقولون : سبحانك وبحمدك على
حلمك بعد علمك .
وأخرج أبو الشيخ وابن أبي حاتم من طريق أبي قبيل أنه سمع عبدالله بن عمر رضي
الله عنهما يقول : حملة العرش ثمانية . ما بين موق أحدهم إلى مؤخرة عينيه مسيرة
خمسمائة عام .
وأخرج أبو الشيخ عن وهب رضي الله عنه قال : حملة العرش الذي يحملونه لكل ملك
منهم أربعة وجوه ، وأربعة أجنحة : جناحان على وجهه ينظر إلى العرش فيصعق ،
وجناحان يطير بهما . أقدامهم في الثرى ، والعرش على أكتافهم . لكل واحد منهم
وجه ثور ، ووجه أسد ، ووجه إنسان ، ووجه نسر . ليس لهم كلام إلا أن يقولوا :
قدوس الله القوي ، ملأت عظمته السموات والأرض .
وأخرج أبو الشيخ عن وهب رضي الله عنه قال : حملة العرش أربعة فإذا كان يوم
القيامة أيدوا بأربعة آخرين . ملك منهم في صورة إنسان يشفع لبني آدم في أرزاقهم
، وملك منهم في سورة نسر يشفع للطير في أرزاقهم ، وملك منهم في صورة ثور يشفع
للبهائم في أرزاقهم ، وملك في صورة أسد يشفع للسباع في أرزاقهم . فلما حملوا
العرش وقعوا على ركبهم من عظمة الله ، فلقنوا لا حول ولا قوة إلا بالله ،
فاستووا قياماً على أرجلهم .
وأخرج أبو الشيخ عن مكحول رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
: « إن في حملة العرش أربعة أملاك : ملك على صورة سيد الصور وهو ابن آدم ، وملك
على صورة سيد السباع وهو الأسد ، وملك على صورة سيد الأنعام وهو الثور فما زال
غضبان مذ يوم العجل إلى ساعتي هذه ، وملك على صورة سيد الطير وهو النسر » .
وأخرج ابن مردويه عن أم سعد رضي الله عنها قالت : سمعت النبي صلى الله عليه
وسلم يقول « العرش على ملك من لؤلؤة على صورة ديك رجلاه في تخوم الأرض ،
وجناحاه في الشرق ، وعنقه تحت العرش » .
وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة رضي الله عنه قال : حملة العرش كلهم على صور . قيل
: يا عكرمة وما صور؟ فأمال خده قليلاً .
وأخرج عبد بن حميد عن ميسرة رضي الله عنه قال : لا تستطيع الملائكة الذين
يحملون العرش أن ينظروا إلى ما فوقهم من شعاع النور .
وأخرج عبد بن حميد وابن مردويه والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس رضي
الله عنهما قال : حملة العرش ما بين منكب أحدهم إلى أسفل قدميه مسيرة خمسمائة
عام ، وذكر : إن خطوة تلك الملك ما بين المشرق والمغرب .
وأخرج عبد بن حميد عن ميسرة رضي الله عنه قال : حملة العرش أرجلهم في الأرض
السفلى ، ورؤوسهم قد خرقت العرش ، وهم خشوع لا يرفعون طرفهم ، وهم أشد خوفاً من
أهل السماء السابعة ، وأهل السماء السابعة أشد خوفاً من أهل السماء التي تليها
، وأهل السماء التي تليها أشد خوفاً من التي تليها .
وأخرج البيهقي عن عروة رضي الله عنه قال : حملة العرش منهم من صورته صورة
الإِنسان ، ومنهم من صورته صورة النسر ، ومنهم من صورته صورة الثور ، ومنهم من
صورته صورة الأسد .
وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي أمامة رضي الله عنه قال : إن الملائكة الذين يحملون
العرش يتكلمون بالفارسية .
وأخرج أبو الشيخ في العظمة عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم خرج على أصحابه فقال : « ما جمعكم قالوا : اجتمعنا نذكر ربنا ،
ونتفكر في عظمته فقال : لن تدركوا التفكر في عظمته . ألا أخبركم ببعض عظمة
ربكم؟ قيل : بلى يا رسول الله قال : إن ملكاً من حملة العرش يقال له إسرافيل ،
زاوية من زوايا العرش على كاهله . قد مرقت قدماه في الأرض السابعة السفلى ،
ومرق رأسه من السماء السابعة في مثله من خليقة ربكم تعالى » .
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة رضي الله عنه قال : في بعض القراءة « الذين يحملون
العرش فالذين حوله الملائكة يسبحون بحمد ربهم » .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن قتادة رضي الله عنه { ويستغفرون للذين آمنوا
} قال مطرف بن عبد الله بن الشخير : وجدنا أنصح عباد الله لعباده الملائكة
عليهم السلام ، ووجدنا أغش عباد الله لعباده الشياطين .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن قتادة رضي الله عنه قال : في بعض القراءة {
الذين يحملون العرش } في قوله { فاغفر للذين تابوا - من الشرك - واتبعوا سبيلك
} قال : طاعتك وفي قوله { وأدخلهم جنات عدن } قال : إن عمر بن الخطاب رضي الله
عنه قال : يا كعب ما عدن؟ قال : قصور من ذهب في الجنة يسكنها النبيون ،
والصديقون ، وأئمة العدل وفي قوله { وقهم السيئآت } قال : العذاب .
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ
مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ (10)
أخرج عبد بن حميد عن الحسن رضي الله عنه في قوله { إن الذين كفروا ينادون لمقت
الله أكبر من مقتكم أنفسكم } قال : إذا كان يوم القيامة فرأوا ما صاروا إليه
مقتوا أنفسهم فقيل لهم { لمقت الله } إياكم في الدنيا إذ تدعون إلى الإِيمان
فتكفرون { أكبر من مقتكم أنفسكم } اليوم .
وأخرج عبد بن حميد عن الحسن قال : مقتوا أنفسهم لما دخل المؤمنون الجنة وأدخلوا
النار ، فأكلوا أناملهم من المقت قال : ينادون في النار { لمقت الله } إياكم في
الدنيا إذ تدعون إلى الإِيمان فتكفرون { أكبر من مقتكم أنفسكم } في النار .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن مجاهد في قوله { لمقت الله أكبر من مقتكم
أنفسكم . . . } الآية . يقول : لمقت الله أهل الضلالة حين يعرض عليهم الإِيمان
في الدنيا فتركوه وأبوا أن يقبلوا أكبر مما مقتوا أنفسهم حين عاينوا عذاب الله
يوم القيامة .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن زر الهمداني رضي الله عنه في قوله { إن الذين
كفروا ينادون لمقت الله أكبر من مقتكم أنفسكم } قال : هذا شيء يقال لهم يوم
القيامة حين مقتوا أنفسهم ، فيقال لهم { لمقت الله أكبر من مقتكم أنفسكم } قال
: مقتوا أنفسهم حين عاينوا عذاب الله يوم القيامة حين مقتوا أنفسهم الآن حين
علمتم أنكم من أصحاب النار .
قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ
فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ (11) ذَلِكُمْ
بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ
تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ (12) هُوَ الَّذِي
يُرِيكُمْ آَيَاتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ رِزْقًا وَمَا
يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَنْ يُنِيبُ (13)
أخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني
والحاكم وصححه عن ابن مسعود رضي الله عنه في قوله { أمتنا اثنتين وأحييتنا
اثنتين } قال : هي مثل التي في البقرة { كنتم أمواتاً فأحياكم ثم يميتكم ثم
يحييكم } [ البقرة : 28 ] كانوا أمواتاً في أصلاب آبائهم ثم أخرجهم فأحياهم ثم
يميتهم ثم يحييهم بعد الموت .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله
{ أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين } قال : كنتم أمواتاً قبل أن يخلقكم فهذه ميتة
، ثم أحياكم فهذه حياة ، ثم يميتكم فترجعون إلى القبور فهذه ميتة أخرى ، ثم
يبعثكم يوم القيامة فهذه حياة فهما ميتتان وحياتان . فهو كقوله { كيف تكفرون
بالله وكنتم أمواتاً فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم ثم إليه ترجعون } [ البقرة :
28 ] .
وأخرج عبد بن حميد عن أبي مالك رضي الله عنه قال : كانوا أمواتاً فأحياهم الله
تعالى ، فأماتهم ، ثم يحييهم الله تعالى يوم القيامة .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن قتادة رضي الله عنه في قوله { أمتنا اثنتين
وأحييتنا اثنتين } قال : كانوا أمواتاً في أصلاب آبائهم فأحياهم الله تعالى في
الدنيا ، ثم أماتهم الموتة التي لا بد منها ، ثم أحياهم للبعث يوم القيامة .
فهما حياتان وموتتان { فاعترفنا بذنوبنا فهل إلى خروج من سبيل؟ } فهل إلى كرة
إلى الدنيا من سبيل .
فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (14)
أخرج مسلم وأبو داود والنسائي عن عبدالله بن الزبير رضي الله عنه قال : كان
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول دبر الصلاة : « لا إله إلا الله وحده لا
شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير . ولا إله إلا الله ولا نعبد
إلا إياه مخلصين له الدين ولو كره الكافرون » .
رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ
يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلَاقِ (15) يَوْمَ هُمْ
بَارِزُونَ لَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ
الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ (16)
أخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر عن قتادة رضي الله عنه في قوله {
يلقي الروح من أمره } قال : الوحي والرحمة { لينذر يوم التلاق } قال : يوم
يتلاقى أهل السماء وأهل الأرض ، والخالق وخلقه { يوم هم بارزون } ولا يسترهم
جبل ولا شيء .
وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : يوم التلاق ، ويوم الآزفة
ونحو هذا من أسماء يوم القيامة عظمة الله ، وحذره عباده .
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة رضي الله عنه { يوم هم بارزون لا يخفى على الله
منهم شيء } قال : واليوم لا يخفى على الله منهم شيء ، ولكنهم برزوا لله يوم
القيامة لا يستترون بجبل ولا مدر .
وأخرج عبد بن حميد في زوائد الزهد وابن أبي حاتم والحاكم وصححه وأبو نعيم في
الحلية عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : ينادي مناد بين يدي الساعة : يا أيها
الناس أتتكم الساعة فيسمعها الأحياء والأموات ، وينزل الله إلى السماء الدنيا
فيقول { لمن الملك اليوم لله الواحد القهار } .
وأخرج ابن أبي الدنيا في البعث والديلمي عن أبي سعيد رضي الله عنه عن النبي صلى
الله عليه وسلم قال : « ينادي مناد بين الصيحة : يا أيها الناس أتتكم الساعة -
ومد بها صوته يسمعه الأحياء والأموات - وينزل الله إلى السماء الدنيا ، ثم
ينادي مناد : لمن الملك اليوم لله . . . ؟ الواحد القهار » .
( معلومات الكتاب ) |