الزخرف - تفسير الدرر المنثور

وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ (19) وَقَالُوا لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ مَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ (20) أَمْ آَتَيْنَاهُمْ كِتَابًا مِنْ قَبْلِهِ فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ (21) بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آَبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آَثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ (22) وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آَبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آَثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ (23) قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آَبَاءَكُمْ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ (24) فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (25)

أخرج عبد بن حميد وابن المنذر ، عن قتادة رضي الله عنه { وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثاً } قال : قد قال ذلك أناس من الناس ولا نعلمهم إلا اليهود : أن الله عز وجل صاهر الجن فخرجت من بنيه الملائكة!؟
وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه ، عن سعيد بن جبير رضي الله عنه ، قال : كنت أقرأ هذا الحرف { الذين هم عباد الرحمن إناثاً } فسألت ابن عباس فقال : { عباد الرحمن } قلت : فإنها في مصحفي « عند الرحمن » قال : فامحها واكتبها { عباد الرحمن } بالألف والباء . وقال : أتاني رجل اليوم وددت أنه لم يأتني ، فقال : كيف تقرأ هذا الحرف { وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثاً } قال : إن أناساً يقرأون « الذين هم عند الرحمن » فسكت عنه ، فقلت : اذهب إلى أهلك! .
وأخرج عبد بن حميد ، عن الحسن رضي الله عنه أنه قرأها « الذين هم عند الرحمن » بالنون .
وأخرج أبو عبيد وابن المنذر ، عن مروان « وجعلوا الملائكة عند الرحمن إناثاً » ليس فيه { الذين هم } .
وأخرج عبد بن حميد ، عن عاصم رضي الله عنه أنه قرأ { عباد الرحمن } بالألف والباء { أشهدوا خلقهم } بنصبهم الألف والشين { ستكتب } بالتاء ورفع التاء .
وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الأسماء والصفات ، عن مجاهد في قوله : { وقالوا لو شاء الرحمن ما عبدناهم } قال : يعنون الأوثان لأنهم عبدوا الأوثان يقول الله : { ما لهم بذلك من علم } يعني الأوثان أنهم لا يعلمون { إن هم إلا يخرصون } قال : يعلمون قدرة الله على ذلك .
وأخرج عبد بن حميد ، عن قتادة { وقالوا لو شاء الرحمن ما عبدناهم } قال : عبدوا الملائكة .
وأخرج ابن المنذر ، عن ابن جريج في قوله : { أم آتيناهم كتاباً من قبله } قال : قبل هذا الكتاب .
وأخرج ابن جرير ، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { بل قالوا إنا وجدنا آباءنا على أمة } قال : على دين .
وأخرج الطستي ، عن ابن عباس رضي الله عنهما أن نافع بن الأزرق قال له : أخبرني عن قوله عز وجل : { إنا وجدنا آباءنا على أمة } قال : على ملة غير الملة التي تدعونا إليها . قال : وهل تعرف العرب ذلك؟ قال : نعم أما سمعت نابغة بني ذبيان وهو يعتذر إلى النعمان بن المنذر؟ ويقول :
حلفت فلم أترك لنفسك ريبة ... وهل يأثمن ذو أمة وهو طائع
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير ، عن قتادة { بل قالوا إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون } قال : قد قال ذلك مشركو قريش : انا وجدنا آباءنا على دين وانا متبعوهم على ذلك .


وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر ، عن مجاهد رضي الله عنه { إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون } قال : بفعلهم .
وأخرج عبد بن حميد ، عن عاصم رضي الله عنه قال : الأمة في القرآن على وجوه { وادَّكر بعد أمة } [ يوسف : 45 ] قال : بعد حين . { ووجد عليه أمة من الناس يسقون } [ يوسف : 23 ] قال : جماعة من الناس { وإنا وجدنا آباءنا على أمة } قال : على دين . ورفع الألف في كلها . وقرأ { قل أولو جئتكم } بغير ألف بالتاء .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة رضي الله عنه { فانتقمنا منهم فانظر كيف كان عاقبة المكذبين } قال : شر والله كان عاقبتهم ، أخذهم بخسف وغرق فأهلكهم الله ثم أدخلهم النار .


وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ (26) إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ (27) وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (28)

وأخرج الفضل بن شاذان في كتاب القراءات بسنده ، عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قرأ : « إنني بريء مما تعبدون » بالياء .
وأخرج ابن جرير ، عن قتادة رضي الله عنه : « إنني بريء مما تعبدون إلا الذي فطرني فإنه سيهدين » قال : إنهم يقولون إن الله ربنا { ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله } [ الزخرف : 87 ] فلم يبرأ من ربه .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن عكرمة { وجعلها كلمة باقية في عقبه } قال : في الإِسلام أوصى بها ولده .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر ، عن مجاهد { وجعلها كلمة باقية في عقبه } قال : الإِخلاص والتوحيد لا يزال في ذريته من يقولها من بعده { لعلهم يرجعون } قال : يتوبون ، أو يذكرون .
وأخرج عبد بن حميد ، عن ابن عباس { وجعلها كلمة باقية في عقبه } قال : لا إله إلا الله في عقبه ، قال : عقب إبراهيم ولده .
وأخرج عبد بن حميد ، عن الزهري قال : عقب الرجل ولده الذكور والاناث وأولاد الذكور .
وأخرج عبد بن حميد ، عن عبيدة قال : قلت لإِبراهيم : ما العقب؟ قال : ولده الذكر .
وأخرج عبد بن حميد ، عن عطاء في رجل أسكنه رجل له ولعقبه من بعده أتكون امرأته من عقبه؟ قال : لا ولكن ولده عقبه .


بَلْ مَتَّعْتُ هَؤُلَاءِ وَآَبَاءَهُمْ حَتَّى جَاءَهُمُ الْحَقُّ وَرَسُولٌ مُبِينٌ (29) وَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ وَإِنَّا بِهِ كَافِرُونَ (30)

أخرج عبد بن حميد ، عن عاصم أنه قرأ { بل متعت هؤلاء } برفع التاء .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر ، عن قتادة رضي الله عنه { بل متعت هؤلاء وآباءهم حتى جاءهم الحق ورسول مبين } قال : هذا قول أهل الكتاب لهذه الأمة ، وكان قتادة رضي الله عنه يقرؤها { بل متعت هؤلاء } بنصب التاء .
وأخرج ابن جرير عن السدي : { ولما جاءهم الحق قالوا هذا سحر } قال : هؤلاء قريش قالوا : للقرآن الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم : هذا سحر .


وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآَنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ (31) أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (32)

أخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن مردويه ، عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه سئل عن قول الله : { لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم } ما القريتان؟ قال : الطائف ومكة ، قيل : فمن الرجلان؟ قال : عروة بن مسعود ، وخيار قريش .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه ، عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه سئل عن قول الله { لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم } قال : يعني بالقريتين مكة والطائفة ، والعظيم الوليد بن المغيرة القرشي وحبيب بن عمير الثقفي .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن ابن عباس رضي الله عنهما { وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم } قال : يعني من القريتين مكة والطائف ، والعظيم الوليد بن المغيرة القرشي وحبيب بن عمير الثقفي .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم } قال : يعنون أشرف من محمد ، الوليد بن المغيرة من أهل مكة ، ومسعود بن عمرو الثقفي من أهل الطائف .
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن قتادة قال : قال الوليد بن المغيرة : لو كان ما يقول محمد حقاً ، أنزل علي هذا القرآن ، أو على عروة بن مسعود الثقفي ، فنزلت { وقالوا : لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم } .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة { وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم } قال : القريتان مكة والطائف . قال ذلك مشركو قريش . قال : بلغنا أنه ليس فخذ من قريش إلا قد ادعته ، فقالوا : هو منا وكنا نحدث أنه الوليد بن المغيرة ، وعروة بن مسعود الثقفي . قال : يقولون فهلا كان أنزل على أحد هذين الرجلين ، ليس على محمد صلى الله عليه وسلم .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر ، عن مجاهد رضي الله عنه في قوله : { على رجل من القريتين عظيم } قال : عتبة بن ربيعة من مكة ، وابن عبد ياليل بن كنانة الثقفي من الطائف ، وعمير بن مسعود الثقفي ، وفي لفظ وأبو مسعود الثقفي .
وأخرج ابن عساكر ، عن مجاهد رضي الله عنه في قوله { وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم } قال : هو عتبة بن ربيعة - وكان ريحانة قريش يومئذ .
وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر ، عن الشعبي رضي الله عنه في قوله : { على رجل من القريتين عظيم } قال : هو الوليد بن المغيرة المخزومي ، أو كنانة بن عمر بن عمير ، عظيم أهل الطائف .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر ، عن قتادة رضي الله عنه في قوله : { نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا } قال : قسم بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا كما قسم بينهم صورهم وأخلاقهم ، فتعالى ربنا وتبارك { ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات } قال : فتلقاه ضعيف الحيلة ، عييّ اللسان ، وهو مبسوط له في الرزق ، وتلقاه شديد الحيلة سليط اللسان وهو مقتور عليه { ليتخذ بعضهم بعضاً سخرياً } قال : ملكة يسخر بعضهم بعضاً يبتلي الله به عباده ، فالله الله فيما ملكت يمينك! { ورحمة ربك خير مما يجمعون } قال : الجنة .


( معلومات الكتاب )