مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ
رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ
اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ
ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ
أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآَزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ
الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا
وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا (29)
أخرج الخطيب في رواية مالك بسند ضعيف عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم
قال : { والذين معه - إلى - مثلهم في التوراة } إلى قوله { كزرعٍ أخرج شطأه }
قال مالك : نزل في الإِنجيل نعت النبي وأصحابه .
وأخرج ابن سعد في الطبقات وابن أبي شيبة عن عائشة قالت : لما مات سعد بن معاذ
حضر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر فوالذي نفس محمد بيده إني
لأعرف بكاء أبي بكر من بكاء عمر وأنا في حجرتي ، وكانوا كما قال الله { رحماء
بينهم } قيل فكيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع فقالت : كانت عينه لا
تدمع على أحد ولكنه كان إذا وجد فإنما هو آخذ بلحيته .
وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري ومسلم والترمذي عن جرير قال : قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم : « لا يرحم الله من لا يرحم الناس » .
وأخرج ابن أبي شيبة وأبو داود عن عبدالله بن عمرو يرويه قال : « من لم يرحم
صغيرنا ويعرف حق كبيرنا فليس منا » .
وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي هريرة : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : «
لا تنزع الرحمة إلا من شقي » .
وأخرج ابن أبي شيبة عن أسامة بن زيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
« إنما يرحم الله من عباده الرحماء » .
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله { سيماهم في وجوههم } قال : أما إنه ليس
بالذين ترون ، ولكنه سيما الإِسلام وسحنته وسمته وخشوعه .
وأخرج محمد بن نصر في كتاب الصلاة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم
والبيهقي في سننه عن ابن عباس في قوله : { سيماهم في وجوههم } قال السمت الحسن
.
وأخرج الطبراني في الأوسط والصغير وابن مردويه بسند حسن عن أُبيّ بن كعب رضي
الله عنه قال : « قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله { سيماهم في وجوههم
من أثر السجود } قال : » النور يوم القيامة « » .
وأخرج البخاري في تاريخه وابن نصر عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { سيماهم
في وجوههم من أثر السجود } قال : بياض يغشى وجوههم يوم القيامة .
وأخرج عبد بن حميد وابن نصر وابن جرير عن الحسن رضي الله عنه مثله .
وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن نصر وابن جرير عن عطية العوفي رضي الله
عنه قال : موضع السجود أشد وجوههم بياضاً يوم القيامة .
وأخرج الطبراني عن سمرة بن جندب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال « إن الأنبياء عليهم السلام يتباهون أيهم أكثر أصحاباً من أمته فأرجو أن
أكون يومئذ أكثرهم كلهم واردة ، وإن كل رجل منهم يومئذ قائم على حوض ملآن معه
عصا يدعو من عرف من أمته ولكل أمة سيما يعرفهم بها نبيهم » .
وأخرج الطبراني والبيهقي في سننه عن حميد بن عبد الرحمن قال : كنت عند السائب
بن يزيد إذ جاء رجل في وجهه أثر السجود فقال : لقد أفسد هذا وجهه أما والله ما
هي السيما التي سمّى الله ، ولقد صليت على وجهي منذ ثمانين سنة ما أثّر السجود
بين عينيّ .
وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن نصر وابن جرير عن مجاهد { سيماهم في
وجوههم } قال : ليس الأثر في الوجه ولكن الخشوع .
وأخرج ابن المبارك وعبد بن حميد وابن جرير وابن نصر عن مجاهد { سيماهم في
وجوههم } قال : الخشوع والتواضع .
وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن نصر عن سعيد بن
جبير في الآية ، قال : ندى الطهور وثرى الأرض .
وأخرج ابن نصر وابن المنذر عن الضحاك في الآية ، قال : هو السهر إذا سهر الرجل
من الليل أصبح مصفرّاً .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن نصر عن عكرمة رضي الله عنه { سيماهم في وجوههم } قال :
السهر .
وأخرج ابن مردويه « عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم في
قوله { سيماهم في وجوههم } قال : إن جبريل قال : إذا نظرت إلى الرجل من أمتك
عرفت أنه من أهل الصلاة بأثر الوضوء ، وإذا أصبحت عرفت أنه قد صلى من الليل ،
وهو يا محمد العفاف في الدين والحياء وحسن السمت » .
وأخرج ابن إسحق وأبو نعيم في الدلائل عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : « كتب
رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يهود خيبر » بسم الله الرحمن الرحيم من محمد
رسول الله صاحب موسى وأخيه المصدق لما جاء به موسى ، ألا إن الله قد قال لكم يا
معشر أهل التوراة وإنكم تجدون ذلك في كتابكم { محمد رسول الله والذين معه أشداء
على الكفار رحماء بينهم } إلى آخر السورة « » .
وأخرج ابن جرير وابن مردويه وابن المنذر عن ابن عباس رضي الله عنهما { ذلك
مثلهم في التوراة } يعني مكتوب في التوراة والإِنجيل قبل أن يخلق السموات
والأرض .
وأخرج أبو عبيد وأبو نعيم في الحلية وابن المنذر عن عمار مولى بني هاشم قال :
سألت أبا هريرة رضي الله عنه عن القدر قال : إكتف منه بآخر سورة الفتح { محمد
رسول الله والذين معه } إلى آخر السورة ، يعني أن الله نعتهم قبل أن يخلقهم .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة رضي الله عنه في قوله { رحماء بينهم }
قال : جعل الله في قلوبهم الرحمة بعضهم لبعض { سيماهم في وجوههم من أثر السجود
} قال : علامتهم الصلاة { ذلك مثلهم في التوراة } قال : هذا المثل في التوراة {
ومثلهم في الإِنجيل } قال : هذا مثل آخر { كزرعٍ أخرج شطأه } قال : هذا نعت
أصحاب محمد في الإِنجيل .
قيل له : أنه سيخرج قوم ينبتون نبات الزرع يخرج منهم قوم يأمرون بالمعروف
وينهون عن المنكر .
وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { سيماهم في
وجوههم من أثر السجود } قال : صلاتهم تبدو في وجوههم يوم القيامة { ذلك مثلهم
في التوراة ومثلهم في الإِنجيل كزرع أخرج شطأه } قال : سنبله حين يبلغ نباته عن
حباته { فآزره } يقول : نباته مع التفافه حين يسنبل ، فهذا مثل ضربه الله لأهل
الكتاب إذا خرج قوم ينبتون كما ينبت الزرع فيهم رجال يأمرون بالمعروف وينهون عن
المنكر ثم يغلظ فيهم الذين كانوا معهم ، وهو مثل ضربه لمحمد يقول : يبعث الله
النبي وحده ثم يجتمع إليه ناس قليل يؤمنون به ثم يكون القليل كثيراً وسيغلظون ،
ويغيظ الله بهم الكفار يعجب الزراع من كثرته وحسن نباته .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن الضحاك رضي الله عنه { كزرعٍ أخرج شطأه } قال :
يقول حب بر متفرقاً فأنبتت كل حبة واحدة ثم أنبتت من حولها مثلها حتى استغلظ
واستوى على سوقه يقول : كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم قليلاً ثم كثروا
واستغلظوا .
وأخرج ابن مردويه والخطيب وابن عساكر عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله {
كزرعٍ } قال : أصل الزرع عبد المطلب أخرج شطأه محمداً صلى الله عليه وسلم فآزره
بأبي بكر فاستغلظ بعمر فاستوى بعثمان على سوقه بعلي ليغيظ بهم الكفار .
وأخرج ابن مردويه والقلظي وأحمد بن محمد الزهري في فضائل الخلفاء الأربعة
والشيرازي في الألقاب عن ابن عباس رضي الله عنهما { محمد رسول الله والذين معه
} أبو بكر { أشداء على الكفار } عمر { رحماء بينهم } عثمان { تراهم ركعاً سجداً
} علي { يبتغون فضلاً من الله ورضواناً } طلحة والزبير { سيماهم في وجوههم من
أثر الشجود } عبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وأبو عبيدة بن الجراح {
ومثلهم في الإِنجيل كزرعٍ أخرج شطأه فآزره } بأبي بكر { فاستغلظ } بعمر {
فاستوى على سوقه } بعثمان { يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار } بعلي { وعد الله
الذين آمنوا وعملوا الصالحات } جميع أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم .
وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة رضي الله عنه { كزرعٍ أخرج شطأه } قال : نباته .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أنس رضي الله عنه {
كزرعٍ أخرج شطأه } قال : نباته فروخه .
وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد رضي الله عنه { كزرعٍ أخرج شطأه } قال : حين تخرج
منه الطاقة { فآزره } قواه { فاستغلظ فاستوى على سوقه } قال : على مثل المسلمين
.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد في قوله { كزرعٍ أخرج شطأه }
قال : ما يخرج بجنب كتابه الجعلة فيتم وينمو . { فآزره } قال : فشده وأعانه {
على سوقه } قال : على أصوله .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير والحاكم وصححه والبيهقي في سننه عن خيثمة قال :
قرأ رجل على عبد الله سورة الفتح فلما بلغ { كزرعٍ أخرج شطأه فآزره فاستغلظ
فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار } قال : ليغيظ الله بالنبي صلى
الله عليه وسلم بأصحابه الكفار ، ثم قال : أنتم الزرع وقد دنا حصاده .
وأخرج الحاكم وصححه عن عائشة في قوله { ليغيظ بهم الكفار } قالت : أصحاب رسول
الله صلى الله عليه وسلم أمروا بالإِستغفار لهم فسبوهم .
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ
وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (1)
أخرج البخاري وابن المنذر وابن مردويه عن عبد الله بن الزبير قال : قدم ركب من
بني تميم على النبي صلى الله عليه وسلم فقال أبو بكر : أمر القعقاع بن معبد ،
وقال عمر : بل أمر الأقرع بن حابس ، فقال أبو بكر ما أردت إلا خلافي ، فقال عمر
: ما أردت خلافك ، فتماريا حتى ارتفعت أصواتهما ، فأنزل الله تعالى { يا أيها
الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله } حتى انقضت الآية .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه وأبو نعيم في الحلية عن
ابن عباس في قوله { لا تقدموا بين يدي الله ورسوله } قال : لا تقولوا خلاف
الكتاب والسنة .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة قال : ذكر لنا
أن ناساً كانوا يقولون : لو أنزل في كذا وكذا الوضع كذا وكذا ، فكره الله ذلك
وقدم فيه .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله
{ لا تقدموا بين يدي الله ورسوله } قال : نهوا أن يتكلموا بين يدي كلامه .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن الحسن رضي الله عنه أن ناساً ذبحوا
قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم النحر ، فأمرهم أن يعيدوا ذبحاً فأنزل
الله { يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله } .
وأخرج ابن أبي الدنيا في الأضاحي عن الحسن رضي الله عنه قال : ذبح رجل قبل
الصلاة فنزلت .
وأخرج ابن مردويه عن جابر بن عبد الله في قوله { لا تقدموا بين يدي الله ورسوله
} قال : لا تصوموا قبل أن يصوم نبيكم .
وأخرج ابن النجار في تاريخه عن عائشة رضي الله عنها قالت : كان أناس يتقدمون
بين يدي رمضان بصيام يعني يوماً أو يومين فأنزل الله تعالى { يا أيها الذين
آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله } .
وأخرج الطبراني في الأوسط وابن مردويه عن عائشة رضي الله عنها أن ناساً كانوا
يتقدمون الشهر فيصومون قبل النبي صلى الله عليه وسلم ، فأنزل الله { يا أيها
الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله } .
وأخرج سعيد بن منصور عن الضحاك أنه قرأ { لا تقدموا } .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه والبيهقي في شعب الإِيمان
عن مجاهد في قوله { لا تقدموا بين يدي الله ورسوله } قال : لا تفتاتوا على رسول
الله صلى الله عليه وسلم بشيء حتى يقضي الله على لسانه . قال الحفاظ : هذا
التفسير على قراءة « تقدموا » بفتح التاء والدال .
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ
النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ
أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (2) إِنَّ الَّذِينَ
يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ
امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ
(3)
أخرج البخاري وابن المنذر والطبراني عن ابن أبي مليكة قال : كاد الخيران أن
يهلكا أبو بكر وعمر رفعا أصواتهما عند النبي صلى الله عليه وسلم حين قدم عليه
ركب بني تميم فأشار أحدهما بالأقرع بن حابس وأشار الآخر برجل آخر ، فقال أبو
بكر لعمر : ما أردت إلا خلافي ، قال : ما أردت خلافك ، فارتفعت أصواتهما في ذلك
فأنزل الله تعالى { يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي }
الآية . قال ابن الزبير : فما كان عمر يسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد
هذه الآية حتى يستفهمه .
وأخرجه الترمذي من طريق ابن أبي مليكة قال : حدثني عبد الله بن الزبير به .
وأخرج ابن جرير والطبراني من طريق ابن أبي مليكة عن عبد الله بن الزبير أن
الأقرع بن حابس قدم على النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال أبو بكر : يا رسول
الله استعمله على قومه ، فقال عمر : لا تستعمله يا رسول الله . فتكلما عند
النبي صلى الله عليه وسلم حتى ارتفعت أصواتهما ، فقال أبو بكر لعمر : ما أردت
الا خلافي ، قال : ما أردت خلافك ، فنزلت هذه الآية { يا أيها الذين آمنوا لا
ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي } فكان عمر بعد ذلك إذا تكلم عند النبي صلى الله
عليه وسلم لم يسمع كلامه حتى يستفهمه .
وأخرج البزار وابن عدي والحاكم وابن مردويه عن أبي بكر الصديق قال : لما نزلت
هذه الآية { يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي } قلت يا
رسول الله : والله لا أكلمك إلا كأخي السرار .
وأخرج عبد بن حميد والحاكم وصححه والبيهقي في شعب الإِيمان من طريق أبي سلمة عن
أبي هريرة قال : لما نزلت { إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله } قال أبو
بكر : والذي أنزل عليك الكتاب يا رسول الله لا أكلمك إلا كأخي السرار حتى ألقى
الله .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة قال : كانوا يجهرون له بالكلام ويرفعون
أصواتهم ، فأنزل الله { لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي } .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والبيهقي في شعب الإِيمان عن مجاهد في
قوله { ولا تجهروا له بالقول } الآية قال : لا تنادوه نداء ولكن قولوا قولاً
ليناً يا رسول الله .
وأخرج أحمد والبخاري ومسلم وأبو يعلى والبغوي في معجم الصحابة وابن المنذر
والطبراني وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن أنس قال : « لما نزلت { يا أيها
الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي } إلى قوله { وأنتم لا تشعرون }
وكان ثابت بن قيس بن شماس رفيع الصوت فقال : أنا الذي كنت أرفع صوتي على رسول
الله صلى الله عليه وسلم حبط عملي أنا من أهل النار ، وجلس في بيته حزيناً
ففقده رسول الله صلى الله عليه وسلم فانطلق بعض القوم إليه فقالوا له : فقدك
رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لك؟ قال : أنا الذي أرفع صوتي فوق صوت النبي
صلى الله عليه وسلم وأجهر له بالقول ، حبط عملي ، أنا من أهل النار ، فأتوا
النبي صلى الله عليه وسلم فأخبروه بذلك فقال : لا بل هو من أهل الجنة ، فلما
كان يوم اليمامة قتل » .
وأخرج ابن جرير والطبراني والحاكم وصححه وابن مردويه عن محمد بن ثابت بن قيس بن
شماس قال : « لما نزلت هذه الآية { لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا
له بالقول } قعد ثابت رضي الله عنه في الطريق يبكي فمرّ به عاصم بن عدي بن
العجلان فقال : ما يبكيك يا ثابت؟ قال : هذه الآية أتخوف أن تكون نزلت فيَّ
وأنا صيّت رفيع الصوت ، فمضى عاصم بن عدي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
فأخبره خبره فقال : اذهب فأدعه لي فجاء فقال : ما يبكيك يا ثابت؟ فقال : أنا
صيّت وأتخوّف أن تكون هذه الآية نزلت فيّ ، فقال له رسول الله صلى الله عليه
وسلم : أما ترضى أن تعيش حميداً وتقتل شهيداً وتدخل الجنة؟ قال : رضيت ولا أرفع
صوتي أبداً على صوت رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال : وأنزل الله تعالى {
إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله } » الآية .
وأخرج ابن حبان والطبراني وأبو نعيم في المعرفة عن إسمعيل بن محمد بن ثابت بن
قيس بن شماس الأنصاري « أن ثابت بن قيس قال : يا رسول الله : لقد خشيت أن أكون
قد هلكت . قال : لمَ؟ قال : يمنع الله المرء أن يحمد بما لم يفعل وأجدني أحب
الحمد ، وينهى عن الخيلاء وأجدني أحب الجمال ، وينهى أن نرفع أصواتنا فوق صوتك
وأنا جهير الصوت ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا ثابت أما ترضى أن
تعيش حميداً وتقتل شهيداً وتدخل الجنة؟ » قال الحافظ ابن حجر في الأطراف : هكذا
أخرجه ابن حبان بهذا السياق وليس فيه ما يدل على أن إسمعيل سمعه من ثابت ، فهو
منقطع ، ورواه مالك رضي الله عنه في الموطأ عن ابن شهاب عن إسمعيل عن ثابت أنه
قال فذكره ولم يذكره من رواة الموطأ أحد إلا سعيد بن عفير وحده وقال : قال مالك
: قتل ثابت بن قيس يوم اليمامة . قال ابن حجر رضي الله عنه : فلم يدركه إسمعيل
، فهو منقطع قطعاً ، إنتهى .
وأخرج ابن جرير عن شمر بن عطية رضي الله عنه قال : « جاء ثابت بن قيس بن شماس
إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو محزون ، فقال : يا ثابت ما الذي أرى بك؟ قال
: آية قرأتها الليلة فأخشى أن يكون قد حبط عملي { يا أيها الذين آمنوا لا
ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي } وكان في أذنه صمم ، فقال : أخشى أن أكون قد
رفعت صوتي وجهرت لك بالقول ، وأن أكون قد حبط عملي وأنا لا أشعر . فقال رسول
الله صلى الله عليه وسلم : إمشِ على الأرض نشيطاً فإنك من أهل الجنة » .
وأخرج البغوي وابن قانع في معجم الصحابة عن محمد بن ثابت بن قيس بن شماس عن
ثابت بن قيس بن شماس قال : « لما نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم { يا أيها
الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي } قعدت في بيتي ، فبلغ ذلك النبي
صلى الله عليه وسلم ، فقال : تعيش حميداً وتقتل شهيداً ، فقتل يوم اليمامة » .
وأخرج البغوي وابن المنذر والطبراني والحاكم وابن مردويه والخطيب في المتفق
والمفترق عن عطاء الخراساني قال : قدمت المدينة فلقيت رجلاً من الأنصار . قلت :
حدثني حديث ثابت بن قيس بن شماس . قال : قم معي فانطلقت معه حتى دخلت على امرأة
، فقال الرجل : هذه ابنة ثابت بن قيس بن شماس فاسألها عما بدا لك . فقلت :
حدثيني . قالت : سمعت أبي يقول : لما أنزل الله على رسول الله صلى الله عليه
وسلم { يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي } الآية دخل بيته
وأغلق عليه بابه وطفق يبكي ، ففقده رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : ما
شأن ثابت؟ فقالوا : يا رسول الله ما ندري ما شأنه غير أنه قد أغلق عليه باب
بيته فهو يبكي فيه . فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله : ما شأنك؟ قال
: يا رسول الله : أنزل الله عليك هذه الآية ، وأنا شديد الصوت فأخاف أن أكون قد
حبط عملي . فقال : لست منهم ، بل تعيش بخير وتموت بخير . قالت : ثم أنزل الله
على نبيه { إن الله لا يحب كل مختالٍ فخور } ، فأغلق عليه بابه وطفق يبكي فيه
فافتقده رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : ثابت ما شأنه؟ قالوا : يا رسول
الله ، والله ما ندري ما شأنه غير أنه قد أغلق عليه بابه وطفق يبكي فأرسل إليه
رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ما شأنك؟ قال : يا رسول الله : أنزل الله
عليك { إن الله لا يحب كل مختالٍ فخورٍ } والله إني لأحب الجمال وأحب أن أسود
قومي ، قال : لست منهم بل تعيش حميداً وتقتل شهيداً ويدخلك الله الجنة بسلام .
قالت : فلما كان يوم اليمامة خرج مع خالد بن الوليد إلى مسيلمة الكذاب فلما لقي
أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قد انكشفوا فقال ثابت لسالم مولى أبي حذيفة
ما هكذا كنا نقاتل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم حفر كل منهما لنفسه
حفرة ، وحمل عليهم القوم ، فثبتا حتى قتلا وكانت على ثابت يومئذ درع له نفيسة
فمر به رجل من المسلمين فأخذها فبينا رجل من المسلمين نائم إذ أتاه ثابت بن قيس
في منامه فقال له : إني أوصيك بوصية إياك أن تقول هذا حلم فتضيعه إني لما قتلت
أمس مر بي رجل من المسلمين فأخذ درعي ومنزله في أقصى العسكر وعند خبائه فرس
يستن في طوله وقد كفا على الدرع برمة وجعل فوق البرمة رحلاً فائتِ خالد بن
الوليد فمره أن يبعث إلى درعي فيأخذها ، وإذا قدمت على خليفة رسول الله فأخبره
أن عليَّ من الدين كذا وكذا ولي من الدين كذا وكذا ، وفلان من رقيقي عتيق ،
وفلان فإياك أن تقول هذا حلم فتضيعه .
فأتى الرجل خالد بن الوليد فأخبره ، فبعث إلى الدرع فنظر إلى خباء في أقصى
العسكر فإذا عنده فرس يستن في طوله فنظر في الخباء فإذا ليس فيه أحد فدخلوا
فدفعوا الرجل فإذا تحته برمة ثم رفعوا البرمة فإذا الدرع تحتها ، فأتوا به خالد
بن الوليد . فلما قدموا المدينة حدّث الرجل أبا بكر برؤياه فأجاز وصيته بعد
موته ، ولا يعلم أحد من المسلمين جوّزت وصيته بعد موته غير ثابت بن قيس بن شماس
.
وأخرج ابن مردويه عن ابن مسعود رضي الله عنه في قوله { لا ترفعوا أصواتكم فوق
صوت النبي } الآية ، قال : نزلت في قيس بن شماس .
وأخرج الترمذي وابن حبان وابن مردويه « عن صفوان بن عسال رضي الله عنه أن رجلاً
من أهل البادية أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل يناديه بصوت له جهوري :
يا محمد يا محمد ، فقلنا : ويحك أخفض من صوتك فإنك قد نهيت عن هذا ، قال : لا
والله حتى أسمعه ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : هاؤم ، قال : أرأيت رجلاً
يحب قوماً ولم يلحق بهم ، قال : المرء مع من أحب » .
وأخرج ابن مردويه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : لما أنزل الله { أولئك الذين
امتحن الله قلوبهم للتقوى } قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : منهم ثابت بن
قيس بن شماس « .
وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير والبيهقي في شعب الإِيمان عن مجاهد رضي
الله عنه في قوله { امتحن } قال : أخلص .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير عن قتادة رضي الله عنه في الآية قال :
أخلص الله قلوبهم فيما أحب .
وأخرج أحمد في الزهد عن مجاهد قال : كتب إلى عمر رضي الله عنه : يا أمير
المؤمنين رجل لا يشتهي المعصية ولا يعمل بها أفضل أم رجل يشتهي المعصية ولا
يعمل بها؟ فكتب عمر رضي الله عنه : إن الذين يشتهون المعصية ولا يعملون بها {
أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى لهم مغفرة وأجر عظيم } .
وأخرج الحكيم الترمذي عن مكحول قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : » نفس
ابن آدم شابة ولو التقت ترقوتاه من الكبر إلا من امتحن الله قلبه للتقوى وقليل
ما هم « .
وأخرج ابن المبارك في الزهد عن أبي الدرداء قال : لا تزال نفس أحدكم شابة من حب
الشيء ولو التقت ترقوتاه من الكبر إلا الذين امتحن الله قلوبهم وقليل ما هم .
( معلومات الكتاب ) |