الرحمن - تفسير الدرر المنثور

إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ (47) يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ (48) إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ (49) وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ (50) وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا أَشْيَاعَكُمْ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (51) وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ (52) وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ (53)

أخرج أحمد ومسلم وعبد بن حميد والترمذي وابن ماجة وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : جاء مشركو قريش إلى النبي صلى الله عليه وسلم يخاصمونه في القدر فنزلت { يوم يسحبون في النار على وجوههم ذوقوا مسَّ سقر إنا كل شيء خلقناه بقدر } .
وأخرج البزار وابن المنذر بسند جيد من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال : ما أنزلت هذه الآية { إن المجرمين في ضلال وسعر يوم يسحبون في النار على وجوههم ذوقوا مس سقر إنا كل شيء خلقناه بقدر } إلا في أهل القدر .
وأخرج ابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه وابن شاهين وابن منده والباوردي في الصحابة والخطيب في تالي التلخيص وابن عساكر عن زرارة رضي الله عنه « عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه تلا هذه الآية { ذوقوا مس سقر إنا كل شيء خلقناه بقدر } قال : » في أناس من أمتي في آخر الزمان يكذبون بقدر الله « » .
وأخرج ابن عدي وابن مردويه والديلمي وابن عساكر بسند ضعيف عن أبي أمامة رضي الله عنه : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « إن هذه الآية نزلت في القدرية { إن المجرمين في ضلال وسعر } » .
وأخرج سعيد بن منصور وابن سعد وابن المنذر عن إبراهيم بن محمد بن علي بن عبد الله بن جعفر رضي الله عنه ، وكانت أمه لبابة بنت عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قالت : كنت أزور جدي ابن عباس رضي الله عنهما في كل يوم جمعة قبل أن يكف بصره ، فسمعته يقرأ في المصحف فلما أتى على هذه الآية { إن المجرمين في ضلال وسعر يوم يسحبون في النار على وجوههم } قال : يا بنية ما أعرف أصحاب هذه الآية ما كانوا بعد وليكونن .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه من طريق عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قيل له : قد تكلم في القدر ، فقال : أو فعلوها؟ والله ما نزلت هذه الآية إلا فيهم { ذوقوا مسَّ سقر إنا كل شيء خلقناه بقدر } أولئك شرار هذه الأمة ، لا تعودوا مرضاهم ، ولا تصلوا على موتاهم إن أريتني واحداً منهم فقأت عينيه بأصبعي هاتين .
وأخرج الطبراني وابن مردويه من طرق عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : نزلت هذه الآية في القدرية { يوم يسحبون في النار على وجوههم ذوقوا مسَّ سقر إنا كل شيء خلقناه بقدر } .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس رضي الله عنهما { إنا كل شيء خلقناه بقدر } قال : خلق الله الخلق كلهم بقدر ، وخلق لهم الخير والشر بقدر .


وأخرج مسلم عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « كل شيء بقضاء وقدر حتى العجز والكيس » .
وأخرج البخاري في تاريخه عن ابن عباس قال : كل شيء بقضاء وقدر حتى وضعك يدك على خدك .
وأخرج أحمد عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « لكل أمة مجوس ، ومجوس أمتي الذين يقولون لا قدر ، إن مرضوا فلا تعودهم ، وإن ماتوا فلا تشهدوهم » .
وأخرج ابن شاهين في السنة عن محمد بن كعب القرظي قال : طلبت هذا القدر فيما أنزل الله على محمد صلى الله عليه وسلم فوجدته في { اقتربت الساعة } ، { وكل شيء فعلوه في الزبر } ، { وكل صغير وكبير مستطر } .
وأخرج سفيان بن عيينة في جامعه عن محمد بن كعب القرظي قال : إنما نزلت هذه { يوم يسحبون في النار على وجوههم ذوقوا مسَّ سقر إنا كل شيء خلقناه بقدر } تعيير الأهل القدر .
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج { وكل شيء فعلوه في الزبر } قال : في الكتاب .
وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس في قوله تعالى { وكل صغير وكبير مستطر } قال : مسطور في الكتاب .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير عن قتادة { وكل صغير وكبير مستطر } قال : محفوظ مكتوب .
وأخرج ابن جرير عن مجاهد في قوله { وكل صغير وكبير مستطر } قال : مكتوب .
وأخرج ابن جرير عن عكرمة { مستطر } مكتوب في سطر .
وأخرج ابن جرير عن ابن زيد { ولقد أهلكنا أشياعكم } قال : أشياعهم من أهل الكفر من الأمم السالفة { فهل من مدكر } يقول : هل من أحد يتذكر؟ .
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال : ما طنَّ ذباب إلا بقدر ، ثم قرأ { وما أمرنا إلا واحدة كلمح بالبصر } .
وأخرج ابن مردويه عن عبد الله بن عمر قال : المكذبون بالقدر مجرمو هذه الأمة ، وفيهم أنزلت هذه الآية { إن المجرمين في ضلال وسعر } إلى قوله { إنا كل شيء خلقناه بقدر } .
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس في قوله { إنا كل شيء خلقناه بقدر } قال : يقول خلق كل شيء فقدره ، فقدر الدرع للمرأة ، والقميص للرجل ، والقتب للبعير ، والسرج للفرس ، ونحو هذا .
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال : جاء العاقب والسيد وكانا رأسي النصارى بنجران فتكلما بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم بكلام شديد في القدر ، والنبي صلى الله عليه وسلم ساكت ما يجيبهما بشيء حتى انصرفا ، فأنزل الله { أكفاركم خير من أولئكم } الذين كفروا وكذبوا بالله قبلكم { أم لكم براءة في الزبر } في الكتاب الأول إلى قوله { ولقد أهلكنا أشياعكم } الذين كفروا وكذبوا بالقدر قبلكم { وكل شيء فعلوه في الزبر } في أم الكتاب { وكل صغير وكبير مستطر } يعني مكتوب إلى آخر السورة .


وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن محمد بن كعب قال : كنت أقرأ هذه الآية فما أدري من عني بها حتى سقطت عليها { إن المجرمين في ضلال وسعر } إلى قوله { كلمح بالبصر } فإذا هم المكذبون بالقدر .
وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد قال : نزلت هذه الآية في أهل التكذيب إلى آخر الآية ، قال مجاهد : قلت لابن عباس : ما تقول فيمن يكذب بالقدر؟ قال : اجمع بيني وبينه ، قلت : ما تصنع به؟ قال : أخنقه حتى أقتله .
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « صنفان من أمتي ليس لهما في الإِسلام نصيب المرجئة والقدرية ، أنزلت فيهم آية من كتاب الله { إن المجرمين في ضلال وسعر } إلى آخر الآية » .
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال : إني لأجد في كتاب الله قوماً يسحبون في النار على وجوههم يقال لهم { ذوقوا مسَّ سقر } لأنهم كانوا يكذبون بالقدر وإني لا أراهم فلا أدري أشيء كان قبلنا أم شيء فيما بقي .
وأخرج ابن جرير عن محمد بن كعب القرظي قال : ما نزلت هذه الآية إلا تعييراً لأهل القدر { ذوقوا مسَّ سقر إنا كل شيء خلقناه بقدر } .
وأخرج أحمد عن حذيفة بن اليمان قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إن لكل أمة مجوساً وإن مجوس هذه الأمة الذين يقولون لا قدر ، فمن مرض فلا تعودوه وإن مات فلا تشهدوه ، وهم من شيعة الدجال حق على الله أن يلحقهم به » .
وأخرج ابن مردويه عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال : سمعت بأذني هاتين رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « إن أول ما خلق الله القلم قيل : اكتب لا بد قال : وما لا بد قال : القدر ، قال : وما القدر؟ قال : تعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطأك لم يكن ليصيبك إن مت على غير ذلك دخلت النار » .
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « إذا كان يوم القيامة أمر الله منادياً ينادي أين خصماء الله؟ فيقومون مسودة وجوههم مزرقة عيونهم مائلاً شفاههم يسيل لعابهم ، يقذرهم من رآهم ، فيقولون : والله يا ربنا ما عبدنا من دونك شمساً ولا قمراً ولا حجراً ولا وثناً » قال ابن عباس رضي الله عنهما : لقد أتاهم الشرك من حيث لا يعلمون ، ثم تلا ابن عباس { يوم يبعثهم الله جميعاً فيحلفون له كما يحلفون لكم ويحسبون أنهم على شيء ألا إنهم هم الكاذبون } [ المجادلة : 18 ] ، هم والله القدريون ثلاث مرات .
وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد رضي الله عنه قال : ذكر لابن عباس أن قوماً يقولون في القدر فقال ابن عباس رضي الله عنهما : إنهم يكذبون بكتاب الله فلآخذن بشعر أحدهم فَلأَنصينَّهُ ، ان الله كان على عرشه قبل أن يخلق شيئاً ، وأول شيء خلق القلم ، وأمره أن يكتب ما هو كائن ، فإنما يجري الناس على أمر قد فرغ منه .


وأخرج عبد بن حميد عن أبي يحيى الأعرج قال : سمعت ابن عباس رضي الله عنهما وذكر القدرية ، فقال : لو أدركت بعضهم لفعلت به كذا وكذا ثم قال : الزنا بقدر ، والسرقة بقدر ، وشرب الخمر بقدر .
وأخرج ابن جرير عن أبي عبد الرحمن السلمي رضي الله عنه قال : لما نزلت هذه الآية { إنا كل شيء خلقناه بقدر } قال رجل : يا رسول الله ففيم العمل؟ أفي شيء نستأنفه أم في شيء قد فرغ منه؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « اعملوا فكل ميسر سنيسره لليسرى وسنيسره للعسرى » .


إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ (54) فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ (55)

أخرج ابن مردويه بسند واه عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « النهر الفضاء والسعة ليس بنهر جار » .
وأخرج الطستي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن نافع بن الأزرق قال له : أخبرني عن قوله { في جنات ونهر } قال : النهر السعة . قال : وهل تعرف العرب ذلك؟ قال : نعم أما سمعت لبيد بن ربيعة وهو يقول :
ملكت بها فأنهرت فتقها ... يرى قائم من دونها ما وراءها
وأخرج عبد بن حميد عن شريك في قوله { في جنات ونهر } قال : جنات وعيون .
وأخرج عبد بن حميد عن أبي بكر بن عياش رضي الله عنه أن عاصماً قرأ { في جنات ونهر } مثلثة منتصبة النون ، قال أبو بكر رضي الله عنه : وكان زهير القرشي يقرأ { ونهر } يريد جماعة النهر .
وأخرج الحكيم الترمذي عن بريدة « عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله { في جنات ونهر في مقعد صدق عند مليك مقتدر } قال : إن أهل الجنة يدخلون على الجبار كل يوم مرتين فيقرأ عليهم القرآن ، وقد جلس كل امرىء منهم مجلس الذي هو مجلسه على منابر الدر والياقوت والزبرجد والذهب والفضة بالأعمال ، فلا تقر أعينهم قط كما تقر بذلك ، ولم يسمعوا شيئاً أعظم منه ولا أحسن منه ، ثم ينصرفون إلى رحالهم قريرة أعينهم ناعمين إلى مثلها من الغد » .
وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول عن محمد بن كعب رضي الله عنه في قوله { إن المتقين في جنات ونهر } قال : في نور وضياء .
وأخرج الحكيم الترمذي عن ثور بن يزيد رضي الله عنه قال : بلغنا أن الملائكة يأتون المؤمنين يوم القيامة فيقولون : يا أولياء الله انطلقوا ، فيقولون : إلى أين؟ فيقولون : إلى الجنة ، فيقولون : إنكم تذهبون بنا إلى غير بغيتنا ، فيقال لهم : وما بغيتكم؟ فيقولون : المقعد مع الحبيب وهو قوله { إن المتقين في جنات ونهر في مقعد صدق عند مليك مقتدر } .
وأخرج ابن أبي شيبة عن سعيد بن المسيب قال : دخلت المسجد وأنا أرى أني قد أصبحت فإذا عليَّ ليل طويل ، وإذا ليس فيه أحد غيري ، فقمت فسمعت حركة خلفي ففزعت فقال : أيها الممتلىء قلبه فرقاً لا تفرق ، أو لا تفزع ، وقل : اللهم إنك مليك مقتدر ما تشاء من أمر يكون ، ثم سل ما بدا لك قال سعيد : فما سألت الله شيئاً إلا استجاب لي .
وأخرج أبو نعيم عن جابر قال : « بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً في مسجد المدينة فذكر بعض أصحابه الجنة ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : » يا أبا دجانة أما علمت أن من أحبنا وابتلي بمحبتنا أسكنه الله تعالى معنا « ثم تلا { في مقعد صدق عند مليك مقتدر } » .


الرَّحْمَنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآَنَ (2) خَلَقَ الْإِنْسَانَ (3) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ (4) الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ (5) وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ (6) وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ (7) أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ (8) وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ (9) وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ (10) فِيهَا فَاكِهَةٌ وَالنَّخْلُ ذَاتُ الْأَكْمَامِ (11) وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحَانُ (12) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (13)

أخرج النحاس عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : نزلت سورة الرحمن بمكة .
وأخرج ابن مردويه عن عبد الله بن الزبير رضي الله عنه قال : أنزل بمكة سورة الرحمن .
وأخرج ابن مردويه عن عائشة رضي الله عنها قالت : نزلت سورة الرحمن بمكة .
وأخرج ابن الضريس وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : نزلت سورة الرحمن بالمدينة .
وأخرج أحمد وابن مردويه بسند حسن عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ وهو يصلي نحو الركن قبل أن يصدع بما يؤمر والمشركون يسمعون { فبأي آلاء ربكما تكذبان } .
وأخرج الترمذي وابن المنذر وأبو الشيخ في العظمة والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال : « خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على أصحابه فقرأ عليهم سورة الرحمن من أولها إلى آخرها ، فسكتوا ، فقال : ما لي أراكم سكوتاً لقد قرأتها على الجن ليلة الجن فكانوا أحسن مردوداً منكم ، كنت كلما أتيت على قوله { فبأيّ آلاء ربكما تكذبان } قالوا : ولا بشيء من نعمك ربنا نكذب فلك الحمد » .
وأخرج البزار وابن جرير وابن المنذر والدارقطني في الأفراد وابن مردويه والخطيب في تاريخه بسند صحيح عن ابن عمر « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ سورة الرحمن على أصحابه ، فسكتوا فقال : ما لي أسمع الجن أحسن جواباً لربها منكم؟ ما أتيت على قول الله { فبأيّ آلاء ربكما تكذبان } الا قالوا : » لا شيء من آلائك ربنا نكذب فلك الحمد « » .
وأخرج البيهقي في شعب الإِيمان عن عليّ : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : « لكل شيء عروس وعروس القرآن الرحمن » .
وأخرج البيهقي عن فاطمة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « قارىء الحديد و { إذا وقعت الواقعة } والرحمن يدعى في ملكوت السموات والأرض ساكن الفردوس » .
وأخرج أحمد عن ابن زيد رضي الله عنه قال : كان أول مفصل ابن مسعود الرحمن .
وأخرج أبو داود والبيهقي في سننه عن ابن مسعود رضي الله عنه أن رجلاً قال له : إني قد قرأت المفصل في ركعة ، فقال : أهذا كهذا الشعر ، لكن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ النظائر سورتين في ركعة ، الرحمن والنجم في ركعة ، واقتربت والحاقة في ركعة ، والطور والذاريات في ركعة ، وإذا وقعت وإن في ركعة ، وعم والمرسلات في ركعة ، والدخان وإذا الشمس كورت في ركعة ، وسأل سائل والنازعات في ركعة ، وويل للمطففين وعبس في ركعة .


وأخرج الحاكم في التاريخ والبيهقي عن أنس رضي الله عنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوتر بتسع ركعات ، فلما أسنّ وثقل أوتر بسبع فصلى ركعتين وهو جالس فقرأ فيهما الرحمن والواقعة .
وأخرج ابن حبان عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : أقرأني رسول الله صلى الله عليه وسلم سورة الرحمن فخرجت إلى المسجد عشية ، فجلس إليّ رهط ، فقلت لرجل : اقرأ عليّ ، فإذا هو يقرأ حروفاً لا أقرؤها ، فقلت : من أقرأك؟ قال : اقرأني رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فانطلقنا حتى وقفنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقلت : اختلفنا في قراءتنا فإذا وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه تغيير ووجد في نفسه حين ذكر الاختلاف ، فقال : إنما هلك من قبلكم بالاختلاف « . فأمر علياً فقال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمركم أن يقرأ كل رجل منكم كما علم ، فإنما هلك من قبلكم بالاختلاف ، قال : فانطلقنا وكل رجل منا يقرأ حرفاً لا يقرؤه صاحبه .
قوله تعالى : { الرحمن علم القرآن } الآيات .
أخرج ابن المنذر عن ابن جريج رضي الله عنه في قوله { خلق الإِنسان علمه البيان } قال : آدم { علمه البيان } قال : بين له سبيل الهدى وسبيل الضلالة .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة رضي الله عنه في قوله { الرحمن علم القرآن } قال : نعمة الله عظيمة { خلق الإِنسان } قال : آدم { علمه البيان } قال : علمه الله بيان الدنيا والآخرة ، بين حلاله وحرامه ليحتج بذلك عليه ، ولله الحجة على عباده وفي قوله { الشمس والقمر بحسبان } إلى أجل بحساب .
وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن ابن عباس في قوله { الشمس والقمر بحسبان } قال : بحساب ومنازل يرسلان .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن أبي مالك رضي الله عنه { الشمس والقمر بحسبان } قال : عليهما حساب وأجل كأجل الناس ، فإذا جاء أجلهما هلكا .
وأخرج عبد بن حميد عن الربيع بن أنس رضي الله عنه { الشمس والقمر بحسبان } قال : يجريان بحساب .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن الضحاك رضي الله عنه { الشمس والقمر بحسبان } قال : بقدر يجريان .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد رضي الله عنه { الشمس والقمر } قال : يدوران في مثل قطب الرحى .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة عن أبي رزين والحاكم وصححه عن ابن عباس في قوله { والنجم والشجر يسجدان } قال : النجم ما انبسط على الأرض والشجر ما كان على ساق .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ عن سعيد بن جبير رضي الله عنه مثله .
وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن أبي رزين في قوله { والنجم والشجر يسجدان } قال : النجم ما ذهب فرشاً على الأرض ليس له ساق ، والشجر ما كان له ساق { يسجدان } قال : ظلهما سجودهما .


وأخرج ابن الأنباري في الوقف والابتداء عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق قال له : أخبرني عن قوله { والنجم والشجر يسجدان } ما النجم؟ قال : ما أنجمت الأرض مما لا يقوم على ساق فإذا قام على ساق ، فهي شجرة . قال صفوان بن أسد التميمي :
لقد أنجم القاع الكبير عضاته ... وتم به حيّا تميم ووائل
وقال زهير بن أبي سلمى :
مكلل بأصول النجم تنسجه ... ريح الجنوب كضاحي ما به حبك
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن مجاهد رضي الله عنه في قوله { والنجم والشجر يسجدان } قال : النجم نجم السماء ، والشجر الشجرة يسجد بكرة وعشية .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن مجاهد رضي الله عنه في قوله { ووضع الميزان } قال : العدل .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن قتادة رضي الله عنه في قوله { ألا تطغوا في الميزان } قال : اعدل يا ابن آدم كما تحب أن يعدل عليك وَأَوْفِ كما تحب أن يُوفَى لك ، فإن العدل يصلح الناس .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه رأى رجلاً يزن قد أرجح ، فقال : أقم اللسان كما قال الله { وأقيموا الوزن بالقسط } .
وأخرج ابن المنذر عن مجاهد رضي الله عنه { وأقيموا الوزن بالقسط } قال : اللسان .
وأخرج الفريابي وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { والأرض وضعها للأنام } قال : للناس .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما { والأرض وضعها للأنام } قال : للخلق .
وأخرج الطستي والطبراني عن ابن عباس رضي الله عنهما أن نافع بن الأزرق قال له : أخبرني عن قوله { وضعها للأنام } قال : الأنام الخلق ، وهم ألف أمة ستمائة في البحر وأربعمائة في البر . قال : وهل تعرف العرب ذلك؟ قال : نعم أما سمعت لبيداً وهو يقول :
فإن تسألينا ممن نحن فإننا ... عصافير من هذا الأنام المسخر
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { وضعها للأنام } قال : كل شيء فيه روح .
وأخرج ابن المنذر عن الضحاك رضي الله عنه { والأرض وضعها للأنام } قال : كل شيء يدب على الأرض .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن الحسن رضي الله عنه في قوله { والأرض وضعها للأنام } قال : للخلق الجن والإِنس .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { والنخل ذات الأكمام } قال : أوعية الطلع .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن مجاهد في قوله { والحب ذو العصف } قال : ورق الحنطة .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن الضحاك في الآية قال : الحب الحنطة والشعير ، والعصف القشر الذي يكون على الحب .


وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { والحب ذو العصف } قال : التبن { والريحان } قال : خضرة الزرع .
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في الآية قال : العصف ورق الزرع إذا يبس ، والريحان ما أنبتت الأرض من الريحان الذي يشم .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في الآية قال : العصف الزرع أول ما يخرج بقلاً ، والريحان حين يستوي على سوقه ولم يسنبل .
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال : كل ريحان في القرآن فهو الرزق .
وأخرج أبو الشيخ في العظمة عن أبي صالح في قوله { والحب ذو العصف } قال : العصف أول ما ينبت .
وأخرج ابن جرير عن مجاهد { والريحان } قال : الرزق .
وأخرج ابن جرير عن الضحاك في قوله { والريحان } قال : الرزق والطعام .
وأخرج ابن جرير عن ابن زيد في قوله { والريحان } قال : الرياحين التي يوجد ريحها .
وأخرج ابن جرير عن الحسن { والريحان } قال : ريحانكم هذا .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { فبأيّ آلاء ربكما تكذبان } قال : بأيّ نعمة الله .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله { فبأيّ آلاء ربكما تكذبان } يعني الجن والإِنس ، والله أعلم .


( معلومات الكتاب )