الحديد - تفسير الدرر المنثور

وَالَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (19) اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ (20) سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (21)

أخرج ابن مردويه عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « من فرّ بدينه من أرض إلى أرض مخافة الفتنة على نفسه ودينه كتب عند الله صديقاً ، فإذا مات قبضه الله شهيداً ، وتلا هذه الآية { والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون والشهداء عند ربهم } ثم قال : والفارون بدينهم من أرض إلى أرض يوم القيامة مع عيسى ابن مريم في درجته في الجنة » .
وأخرج ابن جرير عن البراء بن عازب رضي الله عنه : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « مؤمنو أمتي شهداء ، ثم تلا النبي صلى الله عليه وسلم { والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون والشهداء عند ربهم } » .
وأخرج ابن المنذر عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : إن الرجل ليموت على فراشه وهو شهيد ثم تلا { والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون والشهداء عند ربهم } .
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال يوماً وهم عنده : كلكم صديق وشهيد ، قيل له : ما تقول يا أبا هريرة؟ قال : أقرأوا { والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون والشهداء عند ربهم } .
وأخرج عبد الرزاق عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : إنما الشهيد الذي لو مات على فراشه دخل الجنة يعني الذي يموت على فراشه ولا ذنب له .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن مجاهد رضي الله عنه قال : كل مؤمن صديق وشهيد ثم تلا { والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون والشهداء عند ربهم } .
وأخرج عبد بن حميد عن عمرو بن ميمون قال : كل مؤمن صديق ثم قرأ { والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون } قال : هذه مفصولة { والشهداء عند ربهم لهم أجرهم ونورهم } .
وأخرج ابن جرير عن الضحاك في قوله : { والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون } قال : هذه مفصولة سماهم صديقين ثم قال : { والشهداء عند ربهم لهم أجرهم ونورهم } .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر عن مسروق قال : هي للشهداء خاصة .
وأخرج ابن حبان عن عمرو بن ميمون الجهني قال : « جاء رجل للنبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله أرأيت إن شهدت أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله وصليت الصلوات الخمس وأديت الزكاة وصمت رمضان وقمته فممن أنا؟ قال : من الصديقين والشهداء » .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن قتادة في قوله : { وفي الآخرة عذاب شديد ومغفرة من الله ورضوان } قال : صار الناس إلى هذين الحرفين في الآخرة .


مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (22) لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آَتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (23) الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (24)

أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : { ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم } يقول : في الدنيا ولا في الدين { إلا في كتاب من قبل أن نبرأها } قال : نخلقها { لكي لا تأسوا على ما فاتكم } من الدنيا { ولا تفرحوا بما آتاكم منها } .
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله : { ما أصاب من مصيبة } الآية قال : هو شيء قد فرغ منه من قبل أن تبرأ الأنفس .
وأخرج أحمد والحاكم وصححه عن أبي حسان أن رجلين دخلا على عائشة فقالا : إن أبا هريرة يحدث أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقول : إنما الطيرة في الدابة والمرأة والدار ، فقالت : والذي أنزل القرآن على أبي القاسم ما هكذا كان يقول : ولكن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « كان أهل الجاهلية يقولون : إنما الطيرة في المرأة والدابة والدار ، ثم قرأت { ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير } » .
وأخرج البيهقي في شعب الإِيمان عن الحسن أنه سئل عنه هذه الآية فقال : سبحان الله من يشك في هذا كل مصيبة في السماء والأرض ففي كتاب من قبل أن تبرأ النسمة .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه والبيهقي في شعب الإِيمان عن ابن عباس في قوله : { لكي لا تأسوا على ما فاتكم } الآية قال : ليس أحد إلا وهو يحزن ويفرح ، ولكن إن أصابته مصيبة جعلها صبراً وإن أصابه خير جعله شكراً .
وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس في قوله : { ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها } يريد مصائب المعاش ولا يريد مصائب الدين أنه قال : { لكي لا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحو بما آتاكم } وليس عن مصائب الدين أمرهم أن يأسوا على السيئة ويفرحوا بالحسنة .
وأخرج ابن المنذر عن الحسن في الآية قال : إنه ليقضي بالسيئة في السماء وهو كل يوم في شأن ، ثم يضرب لها أجل فيحسبها إلى أجلها فإذا جاء أجلها أرسلها فليس لها مردود أنه كائن في يوم كذا من شهر كذا من سنة كذا في بلد كذا من المصيبة من القحط والرزق والمصيبة في الخاصة والعامة حتى إن الرجل يأخذ العصا يتوكأ بها ، وقد كان لها كارهاً ، ثم يعتادها حتى ما يستطيع تركها .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر عن الربيع بن أبي صالح قال : دخلت على سعيد بن جبير في نفر ، فبكى رجل من القوم ، فقال : ما يبكيك؟ فقال : أبكي لما أرى بك ولما يذهب بك إليه ، قال : فلا تبك فإنه كان في علم الله أن يكون ألا تسمع إلى قوله : { ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها } .


وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر عن قتادة في قوله : { ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب } قال : الأوجاع والأمراض { من قبل أن نبرأها } قال : من قبل أن نخلقها .
وأخرج ابن المنذر عن الحسن رضي الله عنه في الآية قال : أنزل الله المصيبة ثم حبسها عنده ثم يخلق صاحبها فإذا عمل خطيئتها أرسلها عليه .
وأخرج الديلمي عن سليم بن جابر النجيمي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « سيفتح على أمتي باب من القدر في آخر الزمان لا يسده شيء يكفيكم منه أن تقوهم بهذه الآية { ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب } الآية » .
وأخرج عبد بن حميد وعبد بن أحمد في زوائد الزهد عن قزعة قال : رأيت على ابن عمر ثياباً خشنة ، فقلت : يا أبا عبد الرحمن إني قد أتيتك بثوب لين مما يصنع بخراسان وتقر عيني أن أراه عليك ، فإن عليك ثياباً خشنة ، قال : إني أخاف أن ألبسه فأكون مختالاً فخوراً { والله لا يحب كل مختال فخور } .


( معلومات الكتاب )