المرسلات - تفسير الدرر المنثور

فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آَثِمًا أَوْ كَفُورًا (24) وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (25) وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلًا طَوِيلًا (26) إِنَّ هَؤُلَاءِ يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْمًا ثَقِيلًا (27) نَحْنُ خَلَقْنَاهُمْ وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ وَإِذَا شِئْنَا بَدَّلْنَا أَمْثَالَهُمْ تَبْدِيلًا (28) إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا (29) وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (30) يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (31)

أخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله : { ولا تطع منهم آثماً أو كفوراً } قال : حدثنا أنها نزلت في عدوّ الله أبي جهل .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة رضي الله عنه أنه بلغه أن أبا جهل قال : لما فرضت على النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة وهو يومئذ بمكة : لئن رأيت محمداً يصلي لأطأن على عنقه . فأنزل الله في ذلك { ولا تطع منهم آثماً أو كفوراً } .
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج رضي الله عنه في قوله : { آثماً أو كفوراً } قال : كان أبو جهل يقول : لئن رأيت محمداً يصلي لأطأن على رقبته ، فنهاه أن يطيعه ، وفي قوله : { يوماً ثقيلاً } قال : عسراً شديداً .
وأخرج ابن جرير من طريق العوفي عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : { وشددنا أسرهم } قال : خلقهم .
وأخرج ابن جرير عن أبي هريرة رضي الله عنه { وشددنا أسرهم } قال : هي المفاصل .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن الربيع { وشددنا أسرهم } قال : مفاصلهم .
وأخرج عبد بن حميد عن الحسن مثله .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر عن قتادة في قوله : { وشددنا أسرهم } قال : خلقهم ، وفي قوله : { إن هذه تذكرة } قال : هذه السورة تذكرة والله أعلم .
قوله تعالى : { وما تشاؤون إلا أن يشاء الله } .
أخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « لعن الله القدرية ، وقد فعل لعن الله القدرية ، وقد فعل . لعن الله القدرية ، وقد فعل . ما قالوا كما قال الله؟ ولا قالوا كما قالت الملائكة ، ولا قالوا كما قالت الأنبياء ، ولا قالوا كما قالت أهل الجنة ، ولا قالوا كما قالت أهل النار ، ولا قالوا كما قال الشيطان . قال الله { وما تشاؤون إلا أن يشاء الله } وقالت الملائكة : { لا علم لنا إلا ما علمتنا } [ البقرة : 32 ] وقالت الأنبياء في قصة نوح : { ولا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم إن كان الله يريد أن يغويكم } [ هود : 34 ] وقالت أهل الجنة : { وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله } [ الأعراف : 43 ] وقال أهل النار { ربنا غلبت علينا شقوتنا } [ المؤمنون : 106 ] وقال الشيطان : { رب بما أغويتني } [ الحجر : 39 ] » .
وأخرج ابن مردويه من طريق ابن شهاب عن سالم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول : « إذا خطب كل ما هو آت قريب ، لا بعد لما يأتي ، ولا يعجل الله لعجلة أحد ، ما شاء الله لا ما شاء الناس ، يريد الناس أمراً ويريد الله أمراً ما شاء الله كان ، ولو كره الناس . لا مباعد لما قرب الله ولا مقرب لما باعد الله . لا يكون شيء إلا بإذن الله » .


وَالْمُرْسَلَاتِ عُرْفًا (1) فَالْعَاصِفَاتِ عَصْفًا (2) وَالنَّاشِرَاتِ نَشْرًا (3) فَالْفَارِقَاتِ فَرْقًا (4) فَالْمُلْقِيَاتِ ذِكْرًا (5) عُذْرًا أَوْ نُذْرًا (6) إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَوَاقِعٌ (7) فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ (8) وَإِذَا السَّمَاءُ فُرِجَتْ (9) وَإِذَا الْجِبَالُ نُسِفَتْ (10) وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ (11) لِأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ (12) لِيَوْمِ الْفَصْلِ (13) وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الْفَصْلِ (14) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (15) أَلَمْ نُهْلِكِ الْأَوَّلِينَ (16) ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الْآَخِرِينَ (17) كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ (18) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (19)

أخرج ابن الضريس والنحاس وابن مردويه والبيهقي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : نزلت سورة المرسلات بمكة .
وأخرج البخاري ومسلم والنسائي وابن مردويه عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : « بينما نحن مع النبي صلى الله عليه وسلم في غار بمنى إذ نزلت عليه سورة والمرسلات عرفاً ، فإنه يتلوها وإني لألقاها من فيه ، وإن فاه لرطب بها إذا وثبت عليه حية ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : اقتلوها فابتدرناها فذهبت . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : وقيت شركم كما وقيتم شرها » .
وأخرج ابن مردويه عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : « نزلت { والمرسلات عرفاً } نحو ليلة الحية . قالوا وما ليلة الحية؟ قال : خرجت حية ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : اقتلوها ، فتغيبت في حجر . فقال : دعوها فإن الله وقاها شركم كما وقاكم شرها » .
وأخرج الحاكم وصححه وابن مردويه عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في غار فنزلت عليه { والمرسلات } فأخذتها من فيه وإن فاه لرطب بها فلا أدري بأيها ختم { فبأي حديث بعده يؤمنون } أو { وإذا قيل لهم اركعوا لا يركعون } .
وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري ومسلم وابن ماجة عن ابن عباس رضي الله عنهما أن أم الفضل سمعته وهو يقرأ { والمرسلات عرفاً } فقالت : يا بني لقد ذكرتني بقراءتك هذه السورة إنها لآخر ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ بها في المغرب .
وأخرج الطبراني في الأوسط عن عبد العزيز أبي سكين قال : أتيت أنس بن مالك فقلت : أخبرني عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى بنا الظهر وقرأ قراءة همساً بالمرسلات والنازعات وعم يتساءلون ونحوها من السور .
أخرج ابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن أبي هريرة رضي الله عنه { والمرسلات عرفاً } قال : هي الملائكة ، أرسلت بالمعروف .
وخرج ابن جرير من طريق مسروق عن ابن مسعود رضي الله عنه { والمرسلات عرفاً } قال : الملائكة .
وأخرج ابن مردويه عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « الرياح ثمان : أربع منها عذاب ، وأربع منها رحمة ، فالعذاب منها العاصف والصرصر والعقيم والقاصف ، والرحمة منها الناشرات والمبشرات والمرسلات والذاريات . فيرسل الله المرسلات فتثير السحاب ، ثم يرسل المبشرات فتلقح السحاب ، ثم يرسل الذاريات فتحمل السحاب ، فتدر كما تدر اللقحة ، ثم تمطر ، وهي اللواقح ، ثم يرسل الناشرات فتنشر ما أراد » .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق أبيّ العبيدين أنه سأل ابن مسعود { والمرسلات عرفاً } قال : الريح { فالعاصفات عصفاً } قال : الريح { والناشرات نشراً } قال : الريح { فالفارقات فرقاً } قال : حسبك .


وأخرج ابن راهويه وابن المنذر وعبد بن حميد والبيهقي في الشعب والحاكم وصححه عن خالد بن عرعرة رضي الله عنه قال : قام رجل إلى عليّ فقال : ما العاصفات عصفاً . قال : الرياح .
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما { والمرسلات عرفاً } قال : الريح { فالعاصفات عصفاً } قال : الريح { فالفارقات فرقاً } قال : الملائكة { فالملقيات ذكراً } قال : الملائكة .
وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس رضي الله عنهما { والمرسلات عرفاً } قال : الملائكة { فالفارقات فرقاً } قال : الملائكة ، فرقت بين الحق والباطل { فالملقيات ذكراً } قال : الملائكة بالتنزيل .
وأخرج ابن جرير عن مجاهد رضي الله عنه { والمرسلات عرفاً } قال : الريح { فالعاصفات عصفاً } قال : الريح { والناشرات نشراً } قال : الريح .
وأخرج عبد الرزاق وعبد حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة { والمرسلات عرفاً } قال : هي الريح { فالعاصفات عصفاً } قال : هي الريح { فالفارقات فرقاً } يعني القرآن ما فرق الله به بين الحق والباطل { فالملقيات ذكراً } هي الملائكة تلقي الذكر على الرسل ، وتلقيه الرسل على بني آدم عذراً أو نذراً . قال : عذراً من الله ونذراً منه إلى خلقه .
وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد { والمرسلات عرفاً فالعاصفات عصفاً والناشرات نشراً فالفارقات فرقاً فالملقيات ذكراً } قال : الملائكة .
وأخرج ابن جرير عن مسروق { والمرسلات عرفاً } قال : الملائكة .
وأخرج عبد بن حميد وابن الشيخ في العظمة وابن المنذر عن أبي صالح رضي الله عنه { والمرسلات عرفاً } قال : هي الرسل ترسل بالمعروف { فالعاصفات عصفاً } قال : الريح { والناشرات نشراً } قال : المطر { فالفارقات فرقاً } قال : الرسل .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر من وجه آخر عن أبي صالح { والمرسلات عرفاً } قال : الملائكة يجيئون بالأعارف { فالعاصفات عصفاً } قال : الريح العواصف { والناشرات نشراً } قال : الملائكة ينشرون الكتب { فالفارقات فرقاً } قال : الملائكة يفرقون بين الحق والباطل { فالملقيات ذكراً } قال : الملائكة يجيئون بالقرآن والكتاب عذراً من الله أو نذراً منه إلى الناس وهم الرسل يعذرون وينذرون .
وأخرج ابن الأنباري في الوقف والابتداء والحاكم وصححه وضعفه الذهبي عن زيد بن ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « أنزل القرآن بالتفخيم . قال عمار بن عبد الملك : كهيئته عذراً ونذراً والصدفين وألا له الخلق والأمر وأشباه هذا في القرآن » .
وأخرج ابن المنذر عن الضحاك { فإذا النجوم طمست } قال : تطمس فيذهب نورها .
وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر عن إبراهيم النخعي في قوله : { وإذا الرسل أقتت } قال : وعدت .
وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد { أقتت } قال : أجلت .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس { أقتت } قال : جمعت .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة { ليوم الفصل } قال : يوم يفصل الله فيه بين الناس بأعمالهم إلى الجنة وإلى النار { وما أدراك ما يوم الفصل } قال : يعظهم بذلك { ويل يومئذ للمكذبين } قال : ويل لهم والله ويلاً طويلاً .
وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر عن ابن مسعود قال : ويل واد في جهنم يسيل فيه صديد أهل النار فجعل للمكذبين والله أعلم .


( معلومات الكتاب )