وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى (1) وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى (2) وَمَا خَلَقَ
الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (3) إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى (4) فَأَمَّا مَنْ
أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى
(7) وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (8) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (9)
فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى (10) وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى
(11) إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى (12) وَإِنَّ لَنَا لَلْآَخِرَةَ وَالْأُولَى
(13) فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى (14) لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى
(15) الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى (16) وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى (17)
الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى (18) وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ
نِعْمَةٍ تُجْزَى (19) إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى (20)
وَلَسَوْفَ يَرْضَى (21)
أخرج ابن الضريس والنحاس وابن مردويه والبيهقي عن ابن عباس قال : نزلت سورة {
والليل إذا يغشى } بمكة .
وأخرج ابن مردويه عن ابن الزبير مثله .
وأخرج البيهقي في سننه عن جابر بن سمرة قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم
يقرأ في الظهر والعصر ب { والليل إذا يغشى } ونحوها .
وأخرج ابن أبي حاتم بسند ضعيف عن ابن عباس : « أن رجلاً كانت له نخلة فرعها في
دار رجل فقير ذي عيال ، فكان الرجل إذا جاء فدخل الدار فصعد إلى النخلة ليأخذ
منها الثمرة فربما تقع ثمرة فيأخذها صبيان الفقير ، فينزل من نخلته ، فيأخذ
الثمرة من أيديهم ، وإن وجدها في فم أحدهم أدخل أصبعه حتى يخرج الثمرة من فيه ،
فشكا ذلك الرجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : اذهب ولقي النبي صلى
الله عليه وسلم صاحب النخلة . فقال له : أعطني نخلتك المائلة التي فرعها في دار
فلان ، ولك بها نخلة في الجنة . فقال له الرجل : لقد أعطيت وإن لي لنخلاً
كثيراً وما فيه نخل أعجب إلي ثمرة منها . ثم ذهب الرجل ولقي رجلاً كان يسمع
الكلام من رسول الله صلى الله عليه وسلم لصاحب النخلة ، فأتى رسول الله : فقال
أعطني ما أعطيت الرجل إن أنا أخذتها . قال : نعم ، فذهب الرجل فلقي صاحب النخلة
ولكليهما نخل فقال له صاحب النخلة : أشعرت أن محمداً أعطاني بنخلتي المائلة إلى
دار فلان نخلة في الجنة ، فقلت : لقد أعطيت ، ولكن يعجبني ثمرها ، ولي نخل كثير
ما فيه نخلة أعجب إليّ ثمرة منها ، فقال له الآخر : أتريد بيعها؟ فقال : لا إلا
أن أعطي بها ما أريد ، ولا أظن أعطى . قال : فكم تؤمل فيها؟ قال : أربعين نخلة
، فقال له الرجل : لقد جئت بأمر عظيم تطلب بنخلتك المائلة أربعين نخلة . ثم سكت
عنه فقال : أنا أعطيك أربعين نخلة فقال له : أشهد إن كنت صادقاً . فأشهد له
بأربعين نخلة بنخلته المائلة ، فمكث ساعة ثم قال : ليس بيني وبينك بيع لم نفترق
. فقال له الرجل : ولست بأحق حين أعطيتك أربعين نخلة بنخلتك المائلة . فقال له
: أعطيك على أن تعطيني كما أريد تعطينيها على ساق . فسكت عنه ثم قال : هي لك
على ساق . قال : ثم ذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له : يا رسول الله
إن النخلة قد صارت لي فهي لك . فذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى صاحب
الدار فقال : النخلة لك ولعيالك . فأنزل الله { والليل إذا يغشى } » إلى آخر
السورة .
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال : إني لأقول هذه السورة نزلت في السماحة
والبخل { والليل إذا يغشى } .
وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس { والليل إذا يغشى } قال : إذا أظلم .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير { والليل إذا
يغشى } قال : إذا أقبل فغطى كل شيء .
وأخرج سعيد بن منصور وأحمد وعبد بن حميد والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن
جرير وابن المنذر وابن مردويه عن علقمة أنه قدم الشام فجلس إلى أبي الدرداء
فقال له أبو الدرداء ممن أنت؟ قال : من أهل الكوفة . قال : كيف سمعت عبد الله
يقرأ { والليل إذا يغشى } قال : علقمة : « والذكر والأنثى » فقال أبو الدرداء :
أشهد أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ هكذا . وهؤلاء يريدوني على
أني أقرؤها : « خلق الذكر والأنثى » والله لا أتابعهم .
وأخرج البخاري في تاريخ بغداد من طريق الضحاك عن ابن عباس أنه كان يقرأ القرآن
على قراءة زيد بن ثابت إلا ثمانية عشر حرفاً أخذها من قراءة عبد الله بن مسعود
وقال ابن عباس ما يسرني أني تركت هذه الحروف ولو ملئت لي الدنيا ذهبة حمراء
منها حرف في البقرة : « من بقلها وقثائها وثومها » . بالثاء وفي الأعراف : «
فلنسألن الذين أرسل إليهم قبلك من رسلنا ولنسألن المرسلين » وفي براءة « يا
أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين » . وفي إبراهيم : « وإن كان
مكرهم لتزول منه الجبال » وفي الأنبياء : « وكنا لحكمهم شاهدين » ، وفيها : «
وهم من كل جدث ينسلون » وفي الحج « يأتون من كل فج سحيق » وفي الشعراء : «
فعلتها إذاً وأنا من الجاهلين » ، وفي النمل : « اعبد رب هذه البلدة التي حرمها
» وفي الصافات : « فلما سلما وتله للجبين » وفي الفتح : « وتعزروه وتوقروه
وتسبحوه » بالتاء وفي النجم : « ولقد جاء من ربكم الهدى » وفيها : « إن تتبعون
إلا الظن » وفي الحديد : « لكي يعلم أهل الكتاب أن لا يقدرون على شيء » وفي ن :
« لولا أن تداركته نعمة من ربه » على التأنيث وفي إذا الشمس كوّرت : « وإذا
الموءودة سألت بأي ذنب قتلت » وفيها : « وما هو على الغيب بضنين » وفي الليل :
« والذكر والأنثى » قال : هو قسم فلا تقطعوه .
وأخرج ابن جرير عن أبي إسحاق قال؛ في قراءة عبد الله : « والليل إذا يغشى
والنهار إذا تجلى والذكر والأنثى » .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن الحسن أنه كان يقرؤها { وما خلق الذكر والأنثى
} يقول : والذي خلق الذكر والأنثى .
وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة في قوله : { إن سعيكم } قال : السعي العمل .
وأخرج ابن جرير عن قتادة قال : وقع القسم ههنا { إن سعيكم لشتى } يقول : مختلف
.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن عساكر عن ابن مسعود أن أبا بكر الصديق
اشترى بلالاً من أمية بن خلف وأبي بن خلف ببردة وعشر أواق ، فأعتقه لله ، فأنزل
الله { والليل إذا يغشى إن سعيكم لشتى } سعي أبي بكر وأمية وأبي إلى قوله : {
وكذب بالحسنى } قال : لا إله إلا الله إلى قوله : { فسنيسره للعسرى } قال :
النار .
وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن جرير
والبيهقي في شعب الإِيمان من طريق عكرمة عن ابن عباس في قوله : { فأما من أعطى
} من الفضل { واتقى } قال : اتقى ربه { وصدق بالحسنى } قال : صدق بالخلف من
الله { فسنيسره لليسرى } قال : الخير من الله { وأما من بخل واستغنى } قال :
بخل بماله واستغنى عن ربه { وكذب بالحسنى } قال : بالخلف من الله { فسنيسره
للعسرى } قال : للشر من الله .
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن قتادة { فأما من أعطى } قال : أعطى حق الله
عليه { واتقى } محارم الله { وصدق بالحسنى } قال : بموعود الله على نفسه { وأما
من بخل } قال : بحق الله عليه { واستغنى } في نفسه عن ربه { وكذب بالحسنى } قال
: بموعود الله الذي وعد .
وأخرج ابن جرير من طرق عن ابن عباس { وصدق بالحسنى } قال : أيقن بالخلف .
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس { وصدق بالحسنى } يقول صدق بلا إله ألا الله { وأما
من بخل واستغنى } يقول : من أغناه الله فبخل بالزكاة .
وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي عبد
الرحمن السلمي { وصدق بالحسنى } قال : بلا إله إلا الله .
وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد {
وصدق بالحسنى } قال : بالجنة .
وأخرج ابن أبي حاتم عن زيد بن أسلم { فسنيسره لليسرى } قال : الجنة .
وأخرج ابن جرير وابن عساكر عن عامر بن عبد الله بن الزبير قال : كان أبو بكر
يعتق على الإِسلام بمكة ، فكان يعتق عجائز ونساء إذا أسلمن ، فقال له أبوه أي
بني أراك تعتق أناساً ضعفاء ، فلو أنك تعتق رجالاً جلداً يقومون معك ، ويمنعونك
، ويدفعون عنك . قال : أي أبت إنما أريد ما عند الله . قال : فحدثني بعض أهل
بيتي أن هذه الآية نزلت فيه { فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى
} .
وأخرج عبد بن حميد وابن مردويه وابن عساكر في طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن
عباس في قوله : { فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى } قال : أبو
بكر الصديق { وأما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى } قال : أبو سفيان بن حرب .
وأخرج أحمد وعبد بن حميد والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة
وابن مردويه وابن جرير عن علي بن أبي طالب قال :
«
كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة فقال : ما منكم من أحد إلا وقد
كتب مقعده من الجنة ومقعده من النار ، فقالوا ، يا رسول الله أفلا نتكل؟ قال :
اعملوا فكل ميسر لما خلق له ، أما من كان من أهل السعادة فييسر لعمل أهل
السعادة ، وأما من كان من أهل الشقاء فييسر لعمل أهل الشقاء ، ثم قرأ { فأما من
أعطى واتقى } إلى قوله : { للعسرى } » .
وأخرج ابن جرير عن أبي عبد الرحمن السلمي قال : « لما نزلت هذه الآية { إنا كل
شيء خلقناه بقدر } [ القمر : 49 ] قال رجل : يا رسول الله ففيم العمل أفي شيء
نستأنفه أم في شيء قد فرغ منه؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : » اعملوا
فكل ميسر نيسره لليسرى ونيسره للعسرى « » .
وأخرج الطستي في مسائله عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق سأله عن قوله : { إذا
تردّى } قال : إذا تردى ودخل في النار نزلت في أبي جهل . قال : وهل تعرف العرب
ذلك؟ قال : نعم أما سمعت قول عدي بن زيد :
خطفته منية فتردى ... وهو في الملك يأمل التعميرا
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن قتادة { إذا تردى } قال : في النار .
وأخرج ابن أبي شيبة { وما يغني عنه ماله إذا تردى } قال : في النار .
وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في
قوله : { إذا تردى } قال : إذا مات وفي قوله : { ناراً تلظى } قال : توهج .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن جرير عن قتادة في قوله : {
إن علينا للهدى } يقول : على الله البيان بيان حلاله وحرامه وطاعته ومعصيته .
وأخرج سعيد بن منصور والفراء والبيهقي في سننه بسند صحيح عن عبيد بن عمير أنه
قرأ : « فأنذرتكم ناراً تتلظى » بالتاءين .
وأخرج ابن جرير عن أبي هريرة قال : لتدخلن الجنة إلا من يأبى . قالوا ومن يأبى
أن يدخل الجنة؟ فقرأ { الذي كذب وتولى } .
وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي حاتم وابن المنذر والطبراني وابن مردويه عن أبي
أمامة قال : لا يبقى أحد من هذه الأمة إلا أدخله الله الجنة إلا من شرد على
الله كما يشرد البعير السوء على أهله ، فمن لم يصدقني فإن الله تعالى يقول : {
لا يصلاها إلا الأشقى الذي كذب وتولى } يقول : لا يصلاها إلا الأشقى الذي كذب
بما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم وتولى عنه .
وأخرج أحمد والحاكم عن أبي أمامة الباهلي أنه سئل عن ألين كلمة سمعها من رسول
الله صلى الله عليه وسلم فقال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :
«
كلكم يدخل الجنة إلا من شرد على الله شرد البعير على أهله » .
وأخرج أحمد والبخاري عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «
كل أمتي تدخل الجنة يوم القيامة إلا من أبى . قالوا : ومن يأبى يا رسول الله؟
قال : من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى » .
وأخرج أحمد وابن مردويه عن أبي أمامة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
« لا يدخل النار إلا شقيّ . قيل : ومن الشقي؟ قال : الذي لا يعمل لله بطاعة ولا
يترك لله معصية » .
وأخرج ابن أبي حاتم عن عروة أن أبا بكر الصديق أعتق سبعة كلهم يعذب في الله
بلال وعامر بن فهيرة والنهدية وابنتها وزنيرة وأم عيسى وأمة بني المؤمل ، وفيه
نزلت { وسيجنبها الأتقى } إلى آخر السورة .
وأخرج أحمد ومسلم وابن حبان والطبراني وابن مردويه عن جابر بن عبد الله : « أن
سراقة بن مالك قال : يا رسول الله أفي أي شيء نعمل؟ أفي شيء ثبتت فيه المقادير
، وجرت فيه الأقلام أم في شيء نستقبل فيه العمل؟ قال : بل في شيء ثبتت فيه
المقادير وجرت فيه الأقلام . قال سراقة : ففيم العمل إذن يا رسول الله؟ قال :
اعملوا فكل ميسر لما خلق له ، وقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية {
فأما من أعطى واتقى } إلى قوله : { فسنيسره للعسرى } » .
وأخرج ابن قانع وابن شاهين وعبدان كلهم في الصحابة عن بشير بن كعب الأسلمي « أن
سائلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فيم العمل قال : » فيما جفت به
الأقلام وجرت به المقادير ، فاعملوا ، فكل ميسر لما خلق له ، ثم قرأ { فأما من
أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى } « » .
وأخرج الحاكم وصححه عن عامر بن عبد الله بن الزبير عن أبيه قال : قال أبو قحافة
لأبي بكر : أراك تعتق رقاباً ضعافاً فلو أنك إذ فعلت ما فعلت أعتقت رجالاً
جلداً يمنعونك ويقومون دونك ، فقال : يا أبت إنما أريد وجه الله ، فنزلت هذه
الآية فيه : { فأما من أعطى واتقى } إلى قوله : { وما لأحد عنده من نعمة تجزى
إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى ولسوف يرضى } .
وأخرج البزار وابن جرير وابن المنذر والطبراني وابن عديّ وابن مردويه وابن
عساكر من وجه آخر عن عامر بن الزبير عن أبيه قال : نزلت هذه الآية { وما لأحد
عنده من نعمة تجزى إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى ولسوف يرضى } في أبي بكر الصديق .
وأخرج ابن جرير عن سعيد قال : نزلت { وما لأحد عنده من نعمة تجزى } في أبي بكر
أعتق ناساً لم يلتمس منهم جزاء ولا شكوراً ستة أو سبعة منهم بلال وعامر بن
فهيرة .
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس في قوله : { وسيجنبها الأتقى } قال : هو أبو بكر
الصديق .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة في قوله : { وما لأحد عنده
من نعمة تجزى } يقول : ليس به مثابة الناس ولا مجازاتهم إنما عطيته لله .
وَالضُّحَى (1) وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى (2) مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى
(3) وَلَلْآَخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى (4) وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ
رَبُّكَ فَتَرْضَى (5) أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآَوَى (6) وَوَجَدَكَ
ضَالًّا فَهَدَى (7) وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى (8) فَأَمَّا الْيَتِيمَ
فَلَا تَقْهَرْ (9) وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ (10) وَأَمَّا
بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ (11)
أخرج ابن الضريس والنحاس وابن مردويه والبيهقي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال
: نزلت سورة { الضحى } بمكة .
وأخرج الحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في شعب الإِيمان من طريق أبي الحسن
البزي المقري قال : سمعت عكرمة بن سليمان يقول : قرأت على اسماعيل بن قسطنطين ،
فلما بلغت { والضحى } قال : كبر عند خاتمة كل سورة حتى تختم فإني قرأت على عبد
الله بن كثير ، فلما بلغت { والضحى } قال : كبر حتى تختم وأخبره عبد الله بن
كثير أنه قرأ على مجاهد فأمره بذلك ، وأخبره مجاهد أن ابن عباس رضي الله عنهما
أمره بذلك ، وأخبره ابن عباس أن أبيّ بن كعب أمره بذلك ، وأخبره أن النبي صلى
الله عليه وسلم أخبره بذلك .
وأخرج أحمد وعبد بن حميد والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن جرير والطبراني
والبيهقي وأبو نعيم معاً في الدلائل عن جندب البجلي قال : اشتكى النبي صلى الله
عليه وسلم فلم يقم ليلتين أو ثلاثاً فأتته امرأة فقالت : يا محمد ما أرى شيطانك
إلا قد تركك لم تره قربك ليلتين أو ثلاثاً ، فأنزل الله { والضحى والليل إذا
سجى ما ودعك ربك وما قلى } .
وأخرج الفريابي وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والطبراني
وابن مردويه عن جندب رضي الله عنه قال : أبطأ جبريل على النبي صلى الله عليه
وسلم فقال المشركون : قد ودع محمد فأنزل الله { ما ودعك ربك وما قلى } .
وأخرج الطبراني عن جندب رضي الله عنه قال : احتبس جبريل عن النبي صلى الله عليه
وسلم فقالت بعض بنات عمه : ما أرى صاحبك إلا قد قلاك . فنزلت : { والضحى } إلى
{ وما قلى } .
وأخرج الترمذي وصححه وابن أبي حاتم واللفظ له عن جندب قال : رمي رسول الله صلى
الله عليه وسلم بحجر في أصبعه فقال : هل أنت إلا أصبع دميت ، وفي سبيل الله ما
لقيت ، فمكث ليلتين أو ثلاثاً لا يقوم فقالت له امرأة : ما أرى شيطانك إلا قد
تركك ، فنزلت { والضحى والليل إذا سجى ما ودعك ربك وما قلى } .
وأخرج الحاكم عن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال : « لما نزلت { تبت يدا أبي لهب
وتب ما أغنى } [ المسد : 1 ] إلى { وامرأته حمالة الحطب } [ المسد : 4 ] فقيل
لامرأة أبي لهب : إن محمداً قد هجاك . فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو
جالس في الملأ ، فقالت : يا محمد علام تهوجوني؟ قال : إني والله ما هجوتك ، ما
هجاك إلا الله . فقالت : هل رأيتني أحمل حطباً أو رأيت في جيدي حبلاً من مسد؟
ثم انطلقت . فمكثت رسول الله صلى الله عليه وسلم أياماً لا ينزل عليه ، فأتته
فقالت : ما أرى صاحبك إلا قد ودعك وقلاك ، فأنزل الله { والضحى والليل إذا سجى
ما ودعك ربك وما قلى } » .
وأخرج ابن جرير عن عبد الله بن شداد رضي الله عنه أن خديجة قالت للنبي صلى الله
عليه وسلم : ما أرى ربك إلا قد قلاك ، فأنزل الله { والضحى والليل إذا سجى ما
ودعك ربك وما قلى } .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن عروة رضي الله عنه قال : أبطأ جبريل عن النبي
صلى الله عليه وسلم فجزع جزعاً شديداً فقالت خديجة : أرى ربك قد قلاك مما يرى
من جزعك ، فنزلت { والضحى } إلى آخرها .
وأخرج الحاكم وابن مردويه والبيهقي في الدلائل من طريق عروة عن خديجة قالت :
لما أبطأ على رسول الله صلى الله عليه وسلم الوحي جزع من ذلك فقلت له مما رأيت
من جزعه : لقد قلاك ربك مما يرى من جزعك ، فأنزل الله { ما ودعك ربك وما قلى }
.
وأخرج ابن جرير وابن مردويه من طريق العوفي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال :
لما نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن أبطأ عنه جبريل أياماً ، فعير
بذلك ، فقال المشركون : ودعه ربه وقلاه ، فأنزل الله { والضحى والليل إذا سجى }
يعني أقبل { ما ودعك ربك وما قلى } .
وأخرج ابن جرير نحوه من مرسل قتادة والضحاك .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة رضي الله عنه في
قوله : { والضحى } قال : ساعة من ساعات النهار { والليل إذا سجى } قال : سكن
بالناس .
وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي
الله عنه { والليل إذا سجى } قال : إذا استوى .
وأخرج عبد الرزاق عن الحسن رضي الله عنه { إذا سجى } قال : إذا لبس الناس .
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما { إذا سجى } قال : إذا أقبل .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير رضي الله عنه {
والليل إذا سجى } قال : إذا أقبل فغطى كل شيء .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن المنذر وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله
عنهما { إذا سجى } قال : إذا ذهب { ما ودعك ربك } قال : ما تركك { وما قلى }
قال : ما أبغضك .
وأخرج ابن أبي شيبة في مسنده والطبراني وابن مردويه عن أم حفص عن أمها وكانت
خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم « إن جرواً دخل بيت النبي صلى الله عليه
وسلم ، فدخل تحت السرير ، فمات ، فمكث النبي صلى الله عليه وسلم أربعة أيام لا
ينزل عليه الوحي ، فقال : يا خولة ما حدث في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم
؟ جبريل لا يأتيني . فقلت يا نبي الله ما أتى علينا يوم خير منا اليوم ، فأخذ
برده فلبسه وخرج ، فقلت في نفسي : لو هيأت البيت وكنسته فأهويت بالمكنسة تحت
السرير فإذا بشيء ثقيل ، فلم أزل حتى بدا لي الجرو ميتاً فأخذته بيدي فألقيته
خلف الدار فجاء النبي صلى الله عليه وسلم ترعد لحيته ، وكان إذا نزل عليه أخذته
الرعدة فقال : يا خولة دثريني فأنزل الله عليه { والضحى والليل إذا سجى } إلى
قوله : { فترضى } » .
وأخرج الطبراني في الأوسط والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس رضي الله عنهما قال
: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « عرض علي ما هو مفتوح لأمتي بعدي فسرني
، فأنزل الله { وللآخرة خير لك من الأولى } » .
وأخرج ابن أبي حاتم وعبد بن حميد وابن جرير والطبراني والحاكم وصححه والبيهقي
وابن مردويه وأبو نعيم كلاهما في الدلائل عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : عرض
على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما هو مفتوح على أمته من بعده كفراً كفراً ،
فسر بذلك ، فأنزل الله { ولسوف يعطيك ربك فترضى } فأعطاه في الجنة ألف قصر من
لؤلؤ ترابه المسك ، في كل قصر ما ينبغي له من الأزواج والخدم .
وأخرج ابن جرير من طريق السدي عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : { ولسوف
يعطيك ربك فترضى } قال : من رضا محمد أن لا يدخل أحد من أهل بيته النار .
وأخرج البيهقي في شعب الإِيمان من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله
عنهما في قوله : { ولسوف يعطيك ربك فترضى } قال : رضاه أن تدخل أمته الجنة كلهم
.
وأخرج الخطيب في تلخيص المتشابه من وجه آخر عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله
: { ولسوف يعطيك ربك فترضى } قال : لا يرضى محمد ، واحد من أمته في النار .
وأخرج مسلم عن ابن عمرو رضي الله عنه « أن النبي صلى الله عليه وسلم تلا قول
الله في إبراهيم { فمن تبعني فإنه مني } [ إبراهيم : 36 ] وقول عيسى { إن
تعذبهم فإنهم عبادك } [ النساء : 118 ] الآية . فرفع يديه وقال : اللهم أمتي
أمتي وبكى ، فقال الله : يا جبريل اذهب إلى محمد فقل له : إنا سنرضيك في أمتك
ولا نسوءك » .
وأخرج ابن المنذر وابن مردويه وأبو نعيم في الحلية من طريق حرب بن شريح رضي
الله عنه قال : قلت لأبي جعفر محمد بن علي بن الحسين : أرأيت هذه الشفاعة التي
يتحدث بها أهل العراق ، أحق هي؟ قال : إي والله ، حدثني عمي محمد بن الحنفيه عن
علي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « أشفع لأمتي حتى يناديني ربي أرضيت
يا محمد؟ فأقول : نعم يا رب رضيت » ثم أقبل علي فقال : إنكم تقولون يا معشر أهل
العراق إن أرجى آية في كتاب الله
{
يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب
جميعاً } [ الزمر : 53 ] قلت : إنا لنقول ذلك . قال فكلنا أهل البيت نقول : إن
أرجى آية في كتاب الله { ولسوف يعطيك ربك فترضى } وهي الشفاعة .
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن رضي الله عنه أنه سئل عن قوله : { ولسوف يعطيك ربك
فترضى } قال : هي الشفاعة .
وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن مسعود رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم : « إنا أهل بيت اختار الله لنا الآخرة على الدنيا { ولسوف يعطيك ربك
فترضى } » .
وأخرج العسكري في المواعظ وابن مردويه وابن لال وابن النجار عن جابر بن عبد
الله قال : « دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على فاطمة وهي تطحن بالرحى
وعليها كساء من حملة الإِبل ، فلما نظر إليها قال : يا فاطمة تعجلي فتجرعي
مرارة الدنيا لنعيم الآخرة غداً فأنزل الله { ولسوف يعطيك ربك فترضى } » .
وأخرج ابن مردويه عن عكرمة رضي الله عنه قال : لما نزلت { وللآخرة خير لك من
الأولى } قال العباس بن عبد المطلب : لا يدع الله نبيه فيكم إلا قليلاً لما هو
خير له .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله : {
ولسوف يعطيك ربك فترضى } قال : ذلك يوم القيامة هي الجنة .
وأخرج ابن أبي حاتم والبيهقي في الدلائل وابن عساكر من طريق موسى بن علي بن
رباح عن أبيه رضي الله عنه قال : كنت عند مسلمة بن مخلد وعنده عبد الله بن عمرو
بن العاص ، فتمثل مسلمة ببيت من شعر أبي طالب ، فقال : لو أن أبا طالب رأى ما
نحن فيه اليوم من نعمة الله وكرامته لعلم أن ابن أخيه سيد قد جاء بخير كثير ،
فقال عبد الله : ويومئذ قد كان سيداً كريماً قد جاء بخير كثير ، فقال مسلمة :
ألم يقل الله { ألم يجدك يتيماً فآوى ووجدك ضالاً فهدى ، ووجدك عائلاً فأغنى }
فقال عبد الله : أما اليتيم فقد كان يتيماً من أبويه ، وأما العيلة فكل ما كان
بأيدي العرب إلى القلة .
وأخرج البيهقي في الدلائل عن ابن شهاب رضي الله عنه قال : بعث عبد المطلب ابنه
عبد الله يمتار له تمراً من يثرب فتوفي عبد الله وولدت آمنة رسول الله صلى الله
عليه وسلم ، فكان في حجر جده عبد المطلب .
وأخرج ابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه وأبو نعيم والبيهقي كلاهما في
الدلائل وابن مردويه وابن عساكر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال
: « سألت ربي مسألة ووددت أني لم أكن سألته ، فقلت : قد كانت قبلي الأنبياء
منهم من سخرت له الريح ، ومنهم من كان يحيي الموتى ، فقال تعالى : يا محمد ألم
أجدك يتيماً فآويتك؟ ألم أجدك ضالاً فهديتك؟ ألم أجدك عائلاً فأغنيتك؟ ألم أشرح
لك صدرك؟ ألم أضع عنك وزرك؟ ألم أرفع لك ذكرك؟ قلت : بلى يا رب » .
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم : « سألت ربي شيئاً وددت أني لم أكن سألته ، قلت؛ يا رب كل الأنبياء
فذكر سليمان بالريح وذكر موسى فأنزل الله { ألم يجدك يتيماً فآوى } » .
وأخرج ابن مردويه والديلمي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : لما نزلت { والضحى
} على رسو ل الله صلى الله عليه وسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « يمن
عليّ ربي وأهل أن يمن ربي » والله أعلم .
أخرج ابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : { ووجدك ضالاً فهدى }
قال : وجدك بين ضالين فاستنقذك من ضلالتهم .
أخرج ابن جرير عن سفيان { ووجدك عائلاً } قال : فقير وذكر أنها في مصحف ابن
مسعود « ووجدك عديماً فآوى » .
وأخرج ابن الأنباري في المصاحب عن الأعمش قال : قراءة ابن مسعود « ووجدك عديماً
فأغنى » .
أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد { فأما اليتيم فلا تقهر }
قال : لا تحقره ، وذكر أن في مصحف عبد الله « فلا تكهر »
وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد { فلا تقهر } قال : فلا تظلم .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة { فأما اليتيم
فلا تقهر } يقول : لا تظلمه .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة { فأما اليتيم فلا تقهر } قال : كن
لليتيم كأب رحيم { وأما السائل فلا تنهر } قال : رد السائل برحمة ولين .
وأخرج ابن أبي حاتم عن سفيان { وأما السائل فلا تنهر } قال : من جاء يسألك عن
أمر دينه فلا تنهره والله أعلم .
أخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد { وأما بنعمة ربك فحدث }
قال : بالنبوّة التي أعطاك ربك .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد { وأما بنعمة ربك فحدث }
قال : بالقرآن .
وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن مقسم قال : لقيت الحسن بن علي بن أبي طالب ،
فصافحته ، فقال : التقابل مصافحة المؤمن . قلت أخبرني عن قوله : { وأما بنعمة
ربك فحدث } قال : الرجل المؤمن يعمل عملاً صالحاً فيخبر به أهل بيته . قلت أي
الأجلين قضى موسى الأول أو الآخر؟ قال : الآخر .
وأخرج ابن أبي حاتم من وجه آخر عن الحسن بن علي في قوله : { وأما بنعمة ربك
فحدث } قال : إذا أصبت خيراً فحدث إخوانك .
وأخرج ابن جرير عن أبي نضرة قال : كان المسلمون يرون أن من شكر النعمة أن يحدث
بها .
وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد المسند والبيهقي في شعب الإِيمان بسند ضعيف عن
أنس بن بشير قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر : « من لم يشكر
القليل لم يشكر الكثير ، ومن لم يشكر الناس لم يشكر الله ، والتحدث بنعمة الله
شكر ، وتركها كفر ، والجماعة رحمة » .
وأخرج ابن داود عن جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « من
أبلى بلاء فذكره فقد شكره ، وإن كتمه فقد كفره ، ومن تحلى بما لم يعط فإنه
كلابس ثوب زور » .
وأخرج أحمد وأبو داود عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم : « من أعطى عطاء فوجده فليخبر به ، فإن لم يجد فليثن به ، فمن أثنى به
فقد شكره ، ومن كتمه فقد كفره » .
وأخرج أحمد والطبراني في الأوسط والبيهقي عن عائشة قالت : قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم : « من أولى معروفاً فليكافىء به فإن لم يستطع فليذكره ، فإن من
ذكره فقد شكره » .
وأخرج البيهقي عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « من
أولى معروفاً فليكافىء به فإن لم يستطع فليذكره ، فإن من ذكره فقد شكره » .
وأخرج سعيد بن منصور عن عمر بن عبد العزيز قال : إن ذكر النعمة شكر .
وأخرج البيهقي عن الحسن قال : أكثر واذكر هذه النعمة فإن ذكرها شكر .
وأخرج البيهقي عن الجريري قال : كان يقال : إن تعداد النعم من الشكر .
وأخرج البيهقي عن يحيى بن سعيد قال : كان يقال : تعداد النعم من الشكر .
وأخرج عبد الرزاق والبيهقي عن قتادة قال : من شكر النعمة إفشاؤها .
وأخرج البيهقي عن فضيل بن عياض قال : كان يقال : من شكر النعمة أن يحدث بها .
وأخرج البيهقي عن ابن أبي الحواري قال : جلس فضيل بن عياض وسفيان بن عيينة ليلة
إلي الصباح يتذاكران النعم ، أنعم الله علينا في كذا ، أنعم الله علينا في كذا
.
وأخرج الطبراني عن أبي الأسود الدؤلي وزاذان الكندي قالا : قلنا لعلي : حدثنا
عن أصحابك . فذكر مناقبهم . قلنا : فحدثنا عن نفسك . قال : مهلاً نهى الله عن
التزكية . فقال له رجل : فإن الله يقول { وأما بنعمة ربك فحدث } قال : فإني
أحدث بنعمة ربي ، كنت والله إذا سألت أعطيت ، وإذا سكت ابتدئت .
أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (1) وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ (2) الَّذِي
أَنْقَضَ ظَهْرَكَ (3) وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ (4) فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ
يُسْرًا (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (6) فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ (7)
وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ (8)
أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس في قوله : { ألم نشرح
لك صدرك } قال : شرح الله صدره للإِسلام .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن الحسن { ألم نشرح لك صدرك } قال : مليء حلماً
وعلماً { ووضعنا عنك وزرك الذي أنقض ظهرك } قال : الذي أثقل الحمل { ورفعنا لك
ذكرك } قال : إذا ذكرتُ ذكرت معي .
وأخرج البيهقي في الدلائل عن إبراهيم بن طهمان قال : سألت سعداً عن قوله : {
ألم نشرح لك صدرك } فحدثني به عن قتادة عن أنس قال : شق بطنه من عند صدره إلى
أسفل بطنه فاستخرج من قلبه ، فغسل في طست من ذهب ، ثم ملىء إيماناً وحكمة ، ثم
أعيد مكانه .
وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد عن أبيّ بن كعب أن أبا هريرة قال : يا
رسول الله ما أول ما رأيت من أمر النبوّة؟ فاستوى رسول الله صلى الله عليه وسلم
جالساً وقال : « لقد سألت أبا هريرة إني لفي صحراء ابن عشرين سنة وأشهراً إذا
بكلام فوق رأسي وإذا رجل يقول لرجل : أهو هو؟ فاستقبلاني بوجوه لم أرها لخلق قط
وأرواح لم أجدها في خلق قط وثياب لم أجدها على أحد قط ، فأقبلا إليّ يمشيان حتى
أخذ كل واحد منهما بعضدي لا أجد لأخذهما مسّاً فقال أحدهما لصاحبه : أضجعه .
فأضجعني بلا قصر ولا هصر ، فقال أحدهما : افلق صدره فخوّى أحدهما إلى صدري
ففلقه فيما أرى بلا دم ولا وجع ، فقال له : أخرج الغل والحسد . فأخرج شيئاً
كهيئة العلقة ، ثم نبذها ، فطرحها ، فقال له : أدخل الرأفة والرحمة فإذا مثل
الذي أخرج شبه الفضة ، ثم هز ابهام رجلي اليمنى . وقال : اغدوا سلم ، فرجعت بها
أغدو بها رقة على الصغير ورحمة للكبير » .
وأخرج أحمد عن عتبة بن عبد السلمي « أن رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقال : كيف كان أول شأنك يا رسول الله؟ قال : » كانت حاضنتي بنت سعد بن بكر « »
.
أخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد {
ووضعنا عنك وزرك } قال : ذنبك { الذي أنقض ظهرك } قال : أثقل .
وأخرج ابن أبي حاتم عن شريح بن عبيد الحضرمي { ووضعنا عنك وزرك } قال : وغفرنا
لك ذنبك .
وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد قال : في قراءة عبد الله « وحللنا عنك وقرك » .
أخرج الشافعي في الرسالة وعبد الرزاق والفريابي وسعيد بن منصور وعبد بن حميد
وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الدلائل عن مجاهد في قوله : {
ورفعنا لك ذكرك } قال : لا أذكر إلا ذكرت معي أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن
محمداً رسول الله .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي في الدلائل عن قتادة {
ورفعنا لك ذكرك } قال : رفع الله ذكره في الدنيا والأخرة ، فليس خطيب ولا متشهد
ولا صاحب صلاة إلا ينادي أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله .
وأخرج سعيد بن منصور وابن عساكر وابن المنذر عن محمد بن كعب في الآية قال : إذا
ذكر الله ذكر معه أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله .
وأخرج عبد بن حميد عن الضحاك { ورفعنا لك ذكرك } قال : إذا ذكرت ذكرت معي ولا
تجوز خطبة ولا نكاح إلا بذكرك معي .
وأخرج ابن عساكر عن الحسن في قوله : { ورفعنا لك ذكرك } قال : ألا ترى أن الله
لا يذكر في موضع إلا ذكر معه نبيه .
وأخرج البيهقي في سننه عن الحسن { ورفعنا لك ذكرك } قال : إذا ذكر الله ذكر
رسوله .
وأخرج أبو يعلى وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن حبان وابن مردويه
وأبو نعيم في الدلائل عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
: « أتاني جبريل فقال : إن ربك يقول : تدري كيف رفعت ذكرك؟ قلت : الله أعلم .
قال : إذا ذكرت ذكرت معي » .
وأخرج ابن أبي حاتم عن عدي بن ثابت قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «
سألت ربي مسألة وددت أني لم أكن سألته . قلت : أي رب اتخذت إبراهيم خليلاً ،
وكلمت موسى تكليماً . قال : يا محمد ألم أجدك يتيماً فآويت ، وضالاً فهديت ،
وعائلاً فأغنيت ، وشرحت لك صدرك ، وحططت عنك وزرك ، ورفعت لك ذكرك فلا أذكر إلا
ذكرت معي واتخذتك خليلاً؟ » .
وأخرج أبو نعيم في الدلائل عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «
لما فرغت من أمر السموات والأرض قلت يا رب : إنه لم يكن نبي قبلي إلا وقد
كرّمته ، اتخذت إبراهيم خليلاً ، وموسى كليماً ، وسخرت لداود الجبال ولسليمان
الريح والشياطين ، وأحييت لعيسى الموتى ، فما جعلت لي؟ قال : أو ليس قد أعطيتك
أفضل من ذلك كله؟ أن لا أذكر إلا ذكرت معي ، وجعلت صدور أمتك أناجيل يقرؤون
القرآن ظاهراً ، ولم أعطها أمة ، وأعطيتك كنزاً من كنوز عرشي : لا حول ولا قوّة
إلا بالله » .
وأخرج ابن عساكر من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس { ورفعنا لك ذكرك }
قال : لا يذكر الله إلا ذكرت معه .
أخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد في قوله : { فإن مع العسر
يسراً } قال : اتبع العسر يسراً .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله : { فإن مع العسر يسراً إن مع
العسر يسراً } قال : ذكر لنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بشر بهذه الآية
أصحابه فقال :
«
لن يغلب عسر يسرين » .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن مردويه عن الحسن قال : لما نزلت هذه الآية {
إن مع العسر يسراً } قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « ابشروا أتاكم اليسر
، لن يغلب عسر يسرين » .
وأخرج ابن مردويه عن جابر بن عبد الله قال : « بعثنا رسول الله صلى الله عليه
وسلم ونحن ثلثمائة أو يزيدون ، علينا أبو عبيدة بن الجراح ، ليس معنا من
الحمولة إلا ما نركب فزوّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم جرابين من تمر ،
فقال بعضنا لبعض : قد علم رسول الله صلى الله عليه وسلم أين تريدون وقد علمتم
ما معكم من الزاد ، فلو رجعتم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فسألتموه أن
يزوّدكم ، فرجعنا إليه ، فقال : إني قد عرفت الذي جئتم له ، ولو كان عندي غير
الذي زوّدتكم لزوّدتكموه . فانصرفنا ، ونزلت { فإن مع العسر يسراً إن مع العسر
يسراً } فأرسل نبي الله إلى بعضنا ، فدعاه ، فقال : أبشروا فإن الله قد أوحى
إليّ { فإن مع العسر يسراً إن مع العسر يسراً } وإن يغلب عسر يسرين » .
وأخرج البزار وابن أبي حاتم والطبراني في الأوسط والحاكم وابن مردويه والبيهقي
في الشعب عن أنس بن مالك قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم جالساً وحياله
حجر ، فقال : « لو جاء العسر فدخل هذا الحجر لجاء اليسر حتى يدخل عليه فيخرجه ،
فأنزل الله { فإن مع العسر يسراً إن مع العسر يسراً } ولفظ الطبراني : وتلا
رسول الله صلى الله عليه وسلم { فإن مع العسر يسراً إن مع العسر يسراً } » .
وأخرج ابن النجار من طريق حميد بن حماد عن عائذ عن أنس أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم كان قاعداً ببقيع الفرقد ، فنزل إلى حائط فقال : « يا معشر من حضر
والله لو كانت العسر جاءت تدخل الحجر لجاءت اليسر حتى تخرجها ، فأنزل الله {
فإن مع العسر يسراً إن مع العسر يسراً } » .
وأخرج الطبراني وابن مردويه بسند ضعيف عن ابن مسعود قال : قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم : « لوكان العسر في حجر لدخل عليه اليسر حتى يخرجه ، ثم قرأ
رسول الله صلى الله عليه وسلم { إن مع العسر يسراً } » .
وأخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن أبي الدنيا في الصبر وابن
المنذر والبيهقي في شعب الإِيمان عن ابن مسعود قال : لو كان العسر في حجر لتبعه
اليسر حتى يدخل عليه ليخرجه ، ولن يغلب عسر يسرين ، إن الله يقول : { فإن مع
العسر يسراً إن مع العسر يسراً } .
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير والحاكم والبيهقي عن الحسن قال : خرج النبي صلى
الله عليه وسلم يوماً فرحاً مسروراً ، وهو يضحك ويقول : « لن يغلب عسر يسرين {
فإن مع العسر يسراً إن مع العسر يسراً } » .
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن قال : كانوا يقولون لا يغلب عسر واحد يسرين اثنين
.
أخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه من طرق عن
ابن عباس في قوله : { فإذا فرغت فانصب } الآية قال : إذا فرغت من الصلاة فانصب
في الدعاء ، واسأل الله وارغب إليه .
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس في قوله : { فإذا فرغت فانصب } الآية ، قال : قال
الله لرسوله : إذا فرغت من صلاتك وتشهدت فانصب إلى ربك واسأله حاجتك .
وأخرج ابن أبي الدنيا في الذكر عن ابن مسعود { فإذا فرغت فانصب } إلى الدعاء {
وإلى ربك فارغب } في المسألة .
وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك قال : كان ابن مسعود يقول : أيما رجل أحدث في آخر
صلاته ، فقد تمت صلاته ، وذلك قوله : { فإذا فرغت فانصب } قال : فراغك من
الركوع والسجود { وإلى ربك فارغب } قال : في المسألة وأنت جالس .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن مسعود { فإذا فرغت فانصب } قال : إذا
فرغت من الفرائض فانصب في قيام الليل .
وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد { فإذا فرغت
فانصب } قال : إذا جلست فاجتهد في الدعاء والمسألة .
وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن نصر وابن أبي حاتم عن مجاهد في
قوله : { فإذا فرغت فانصب } قال : إذا فرغت من أسباب نفسك فصل { وإلى ربك فارغب
} قال : اجعل رغبتك إلى ربك .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة { فإذا فرغت
فانصب } قال : إذا فرغت من صلاتك فانصب في الدعاء .
وأخرج عبد بن حميد وابن نصر عن الضحاك { فإذا فرغت } قال : من الصلاة المكتوبة
{ وإلى ربك فارغب } قال : في المسألة والدعاء .
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة { فإذا فرغت فانصب وإلى ربك فارغب } قال : أمره إذا
فرغ من الصلاة أن يرغب في الدعاء إلى ربه ، وقال الحسن : أمره إذا فرغ من غزوه
أن يجتهد في العبادة .
وأخرج ابن أبي حاتم عن زيد بن أسلم { فإذا فرغت فانصب } قال : إذا فرغت من
الجهاد فتعبد .
( معلومات الكتاب ) |