سير أعلام النبلاء - الذهبي ج 1
سير أعلام النبلاء
الذهبي ج 1
(1/)
سير اعلام النبلاء
(1/1)
جميع الحقوق المحفوظة لمؤسسة الرسالة ولا يحق لاية جهة ان
تطبع أو تعطي حق الطبع لاحد سواء كان مؤسسة رسمية أو
افرادا الطبعة التاسعة 1413 ه 1993 م مؤسسة الرسالة بيروت
- شارع سوريا - بناية صمدي وصالحة
(1/2)
سير اعلام النبلاء تصنيف الامام شمس الدين محمد بن أحمد بن
عثمان الذهبي المتوفى 748 ه 1374 م الجزء الاول أشرف على
تحقيق الكتاب وخرج أحاديثه * حقق هذا الجزء شعيب الارنؤوط
* حسين الاسد مؤسسة الرسالة
(1/3)
بسم الله الرحمن الرحيم
(1/4)
تقديم الكتاب بقلم الدكتور بشار عواد معروف
أستاذ ورئيس قسم التاريخ بكلية الآداب جامعة بغداد
(1/5)
الذهبي وكتابه سير أعلام النبلاء
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد
النبي العربي الامي، وعلى آله وأصحابه الطيبين نجوم الهدى
في كل حين، وبعد: فهذا مختصر نافع إن شاء الله في سيرة
مؤرخ الاسلام الامام الثقة التقن الناقد البارع شمس الدين
الذهبي، وفي كتابه النفيس " سير أعلام النبلاء " ومنزلته
بين الكتب التي من بابته، جعلته في فصلين: الاول في سيرة
الذهبي والثاني في كتابه " السير ".
تناول الفصل الاول البيئة الدمشقية التي نشأ بها الذهبي
بكل ما كان فيها من نهضة علمية واسعة، وما اعتراها من
صراعات عقائدية، وانتشار الجهل، والاعتقاد بالمغيبات بين
العوام.
وحاولت أن أقدم صورة لبيئته العائلية المتدينة المعنية
بالعلم التي ربته على حب العلم والعلماء منذ نعومة أظفاره
مما هيأه لمستقبل علمي مرسوم، فرأيناه عند اكتمال شخصيته
يعنى بطلب العلم من قراءات وحديث، ثم تتبعت رحلاته في طلب
العلم، واستطعت أن أحددها بالبلاد الشامية والمصرية
والحجازية، وبينت نتيجة تتبعي لنشاطه أن رحلته إلى البلاد
المصرية كانت بين شهر رجب، وذي القعدة من سنة 695 ه،
فصححت بذلك آراء بعض المؤرخين في هذه المسألة.
وأوضحت طبيعة دراساته، وذكرت أنها كانت متنوعة لم تقتصر
على جانب واحد، لكنها في الوقت نفسه لم تخرج عن دائرة
العلوم الدينية عموما والعلوم المساعدة لها من تاريخ ونحو
ولغة وأدب.
(1/7)
وتناول الفصل صلات الذهبي الشخصية بابن تيمية والمزي
والبرزالي وأثرها في تبلور فكره السلفي المتمثل بميله إلى
آراء الحنابلة ودفاعه عن مذهبهم في العقائد، وارتباطه
الشديد بالحديث والمحدثين، ونظرته إلى العلوم والعلماء
وفلسفتهم تجاه العلوم العقلية، مما أثر في منهجه التاريخي
تأثيرا واضحا، فظهر في اهتمامه الكبير بالتراجم التي صارت
تكون أسس كتبه، ومحور تفكيره التاريخي، وفي نظرته إلى
الاحداث التاريخية وأسس انتقائها، ثم فيما وجه إلى كتاباته
من نقد أثار نقاشا بين علماء عصره، وعند العلماء الذين جاؤ
وابعده.
أما نشاطه العلمي، فقد بينت أنه اتخذ وجهتين رئيستين:
أولاهما كتاباته الكثيرة، وثانيتهما تدريسه الحديث في
أمهات دور الحديث بدمشق بحيث استطعنا التعرف على خمس دور
للحديث كان يتولى مشيختها في آن واحد قبيل وفاته.
وأبنت منزلة الذهبي العلمية استنادا إلى دراسة مسهبة
لآثاره الكثيرة التي خلفها.
وقد أظهرت الدارسة أن منزلته العلمية وبراعته ظهرتا في
أحسن الوجوه إشراقا وأكثرها تألقا عند دراستي له محدثا
ومؤرخا وناقدا.
وعلى الرغم من أنه عاش في بيئة غلب عليها الجمود والنقل
والتلخيص، فإنه قد تخلص من كثير من ذلك بفضل سعة دراساته
وفطنته.
وكان مفهوم التاريخ عند الذهبي يتصل اتصالا وثيقا بالحديث
النبوي الشريف وعلومه، وقد ظهر ذلك في عنايته التامة بكتب
التراجم التي قامت عليها شهرته الواسعة باعتباره مؤرخا.
وقد جعلت منه معرفته الرجالية الواسعة ناقدا ماهرا، ظهر
ذلك في مؤلفاته المعنية بالنقد وفي التفاتاته البارعة في
أصول النقد، ورده لكثير من الروايات، وتخطئته لكبار
النقاد، وقدرته الفائقة على البحث والاستدلال.
(1/8)
وختمت الفصل بتذكرة مختصرة في تآليفه واختصاراته وتخريجاته
مرتبة حسب موضوعاتها، وأشرت إلى ما طبع منها وما هو مخطوط
مع بيان مكان النسخة الخطية على سبيل الاختصار.
وقد تمكنت أن أعد له مئتين وخمسة عشر مؤلفا ومختصرا
وتخريجا.
أما الفصل الثاني الذي خصصته لمنهج " السير " وأهميته، فقد
بدأته بالكلام على عنوان الكتاب وتأليفه، وتمكنت فيه أن
أحدد تاريخ تأليف الكتاب بسنة 732 ه خلافا لما هو شائع عند
الناس.
ثم غرجت على نطاق الكتاب وعدد مجلداته وتوصلت إلى أن
الذهبي لم يكتب المجلدين الاول والثاني منه إنما طالب
النساخ باستلالهما من تاريخه الكبير " تاريخ الاسلام "،
وأن المجلدين لم يفقدا كما نصت وقفية الكتاب على المدرسة
المحمودية، ثم أثبت بما لا يقبل الشك أن المجلد الثالث عشر
الذي وصل إلينا ليس هو آخر الكتاب، كما ادعى الدكتور
الفاضل صلاح الدين المنجد، وتابعه الناس عليه، بل إن هناك
مجلدا آخر يتمم الكتاب هو المجلد الرابع عشر ومنه رجحت أن
يكون الذهبي قد رتب كتابه على أربعين طبقة تقريبا وليس على
خمس وثلاثين كما هو شائع.
وتناولت في هذا الفصل أيضا ترتيب الكتاب على الطبقات فرأيت
أن
مستلزمات البحث تقتضي استعراضا لظهور هذا الترتيب في تاريخ
الحركة التأليفية عند المسلمين، ومحاولة لتحديد هذا
المفهوم التنظيمي عند الذهبي عن طريق دراسة مؤلفاته
التراجمية المرتبة على الطبقات، ومنها كتابه " السير ".
وقد تمكنت فيما أعتقد من تفسير التناقض الظاهري الناتج عن
اختلاف عدد الطبقات في مؤلفاته ضمن وحدة زمنية محددة
معلومة، باختلاف نوعية المترجمين بين كتاب وآخر.
وأوضحت بعد ذلك أن فائدة
(1/9)
الترتيب على الطبقات إنما تظهر في العصور الاسلامية
الاولى، لذلك صرنا لا نشعر بوجود " الطبقة " في كتاب "
السير كلما مضى الزمن بالكتاب، وضربت لكل ذلك أمثلة من
الكتاب تعزز هذه الآراء وتقويها.
وكان لا بدلي، وأنا أبحث في منهج الكتاب، أن أتناول طبيعة
التراجم المذكورة فيه، والاسس التي استند عليها الذهبي في
ذكر ترجمة وإسقاط أخرى، فأبنت أنه ذكر " الاعلام " وأسقط
المشهورين والمغمورين، وحاول أن يوجد موازنة بين الاعلام
في النوعية والازمان والامكنة، واجتهد أن يقدم ترجمة
كاملة، ومختصرة في الوقت نفسه لا تؤثر فيها كمية المعلومات
التي تتوافر عنده.
ولما كان الذهبي فنانا تراجميا متميز الاسلوب في صياغة
الترجمة وأساليب عرضها، فقد حاولت استشفاف منهجه الذي
انتهجه في " السير " في هذا المجال.
ثم تناولت بالدراسة منهجه النقدي، فوجدته معنيا بكل
أنواعه، لم يقتصر فيه على مجال واحد من مجالاته، فقد عني
بنقد المترجمين وتبيان أحوالهم، وأصدر أحكاما وتقويمات
تاريخية، وانتقد الموارد التي نقل منها، ونبه إلى
أوهام مؤلفيها، وبرع في إصدار الاحكام على الاحاديث إسنادا
ومتنا، وسحب ذلك على الروايات التاريخية.
وحاولت بعد ذلك أن أستبين مدى تعصبه، أو إنصافه في النقد،
فتبين لي، بعد دراستة لجملة من كتاباته، أن الرجل قد وفق
إلى حد كبير أن يكون منصفا، ونبهت إلى وجوب التفريق بين
التعصب وبين الايمان بالشئ، والدفاع عنه بكل ممكن.
أما أهمية كتاب " السير " فقد اجتهدت أن أستشرفها من دراسة
علاقته بكتاب " تاريخ الاسلام " إذ كان قد شاع بين أوساط
الدارسين أن " السير "
(1/10)
مختصر من " تاريخ الاسلام "، وقد أبانت دراستي للكتابين
بطلان هذه الدعوى، ثم تكلمت على أهمية الكتاب في دراسة
الحركة الفكرية العربية الاسلامية، وأهميته في دراسة
المجتمع الاسلامي.
وحاولت بعد ذلك توضيح العوامل التي يسرت ظهور هذا الكتاب
محققا بهذه الهيئة العلمية الرائعة، والصفة البارعة
النافعة التي تسر كل محب للتراث، حريص عليه.
(1/11)
الفصل الاول
حياة الذهبي ومنزلته العلمية
أولا بيئة الذهبي ونشأته:
قامت دولة المماليك البحرية على أنقاض الدولة الايوبية
بمصر والشام وتمكن المماليك أن يكونوا دولة قوية كان لها
أثر في إيقاف التقدم المغولي، وتصفية الامارات الصليبية في
بلاد الشام (1).
وكانت دمشق في نهاية القرن السابع الهجري ومطلع القرن
الثامن قد
أصبحت مركزا كبيرا من مراكز الحياة الفكرية، فيها من
المدارس العامرة ودور الحديث والقرآن العدد الكثير، عمل
على تعميرها حكامها وبعض المياسير من أهلها لا سيما منذ
عهد نور الدين زنكي (2).
وكانت العناية بالدراسات الدينية، من تفسير وحديث وفقه
وعقائد، هي السمة البارزة لهذا العصر، ولم بعد هناك اهتمام
كثير بدراسة العلوم الصرفة التي كانت قد أصبحت من "
الصنائع المظلمة " (3) و " الهذيان " (4).
__________
(1) راجع عن عصر المماليك: الدكتور علي إبراهيم حسن: "
دراسات في تاريخ المماليك البحرية "، ط 2 (القاهرة 1948)
والدكتور سعيد عاشور: " العصر المماليكي في مصر والشام "،
وغيرهما.
والكتاب الاخير أحسن ما كتب في الموضوع.
(2) يتضح ذلك من العدد الذي ذكره النعيمي في كتابه " تنبيه
الدارس ".
(3) الذهبي: " تاريخ الاسلام "، الورقة 263 (أيا صوفيا
3008).
(4) الذهبي: " معجم الشيوخ "، م 2، الورقة 4.
(1/12)
ثم لا حظنا تباينا شديدا في قيمة الانتاج الفكري لهذه
الفترة وأصالته، فوجدنا الكثير من المؤلفات الهزيلة التي
لم تكن غير تكرار لما هو موجود في بطون الكتب السابقة،
ووجدنا القليل من المؤلفات التي امتازت بالاصالة والابداع
والمناهج العلمية المتميزة.
وقد زاد من صعوبة الابداع أن الواحد من العلماء كان يجد
أمامة تراثا ضخما في الموضوع الذي يروم التأليف فيه، وهو
في وضعه هذا يختلف عن المؤلفين الاولين الذين لم يجابهوا
مثل هذا التراث.
وشهدت دمشق في هذا العصر نزاعا مذهبيا وعقائديا حادا، كان
الحكام المماليك يتدخلون فيه في كثير من الاحيان، فيناصرون
فئة على أخرى (1).
وكان الايوبيون قبل ذلك قد عنوا عناية كبيرة بنشر مذهب
الامام الشافعي، فأسسوا المدارس الخاصة به، وأوقفوا عليها
الوقوف (2).
وعنوا في الوقت نفسه بنشر عقيدة الاشعري، واعتبروها السنة
التي يجب اتباعها (3).
لذلك أصبحت للاشاعرة قوة عظيمة في مصر والشام.
وقد أثر ذلك على المذاهب الاخرى، فأصابها الوهن والضعف عدا
الحنابلة الذين ظلوا على جانب كبير من القوة، وكانت لهم في
دمشق مجموعة من دور الحديث والمدارس (4).
وكان النزاع العقائدي بين الحنابلة والاشاعرة مضطرما، زاده
اعتماد الحنابلة على النصوص في دراسة العقائد، واعتماد
الاشاعرة على الاستدلال
__________
(1) ابن كثير: البداية، 14 / 28، 38، 49، وابن حجر: "
الدرر " 1 / 61 وغيرهما.
(2) انظر التفاصيل في كتابنا: المنذري وكتابه " التكملة "،
ص 38 فما بعد.
(3) وكان صلاح الدين أشعريا متعصبا كما هو معروف من سيرته.
(4) انظر النعيمي:: " تنبيه الدارس " 2 / 126 29.
(1/13)
العقلي والبرهان المنطقي في دراستها (1).
وبقدر ما ولد هذا التعصب من تمزق في المجتمع، فإنه ولد في
الوقت نفسه نشاطا علميا واضحا في هذا المضمار، تمثل في
الكتب الكثيرة التي ألفت فيه.
كما ظهر تحيز واضح في كثير من كتابات العصر.
وكان الجهل والاعتقاد بالخرافات والمغيبات سائدا بين
العوام في المجتمع الدمشقي.
وكان التصوف منتشرا في أرجاء البلاد انتشارا واسعا، وظهر
بينهم كثير من المشعوذين الذين أثروا على العوام أيما
تأثير.
بل عمل الحكام المماليك على الاهتمام بهم، وكان لهم اعتقاد
فيهم، فكان للملك
الظاهر بيبرس البندقداري " ت 676 ه " شيخ اسمه الحخضر بن
أبي بكر بن موسى العدوي، كان " صاحب حال، ونفس مؤثرة، وهمة
إبليسية، وحال كاهني "، وكان الظاهر يعظمه، ويزوره أكثر من
مرة في الاسبوع، ويطلعه على أسراره، ويستصحبه في أسفاره
لاعتقاده التام به (2).
وانتشر تقديس الاشياخ، والاعتقاد فيهم، وطلب النذور عند
قبورهم، بل كانوا يسجدون لبعض تلك القبور، ويطلبون المغفرة
من أصحابها (3).
في هذه البيئة الفكرية والعقائدية المضطربة، ولد مؤرخ
الاسلام شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن
قايماز بن عبد الله الذهبي في شهر ربيع الآخر سنة 673 (4).
وكان من أسرة تركمانية الاصل، تنتهي بالولاء
__________
(1) أبو زهرة: ابن تيمية، ص 25.
(2) الذهبي: " تاريخ الاسلام " الورقة 36 (أيا صوفيا
3014).
(3) المصدر نفسه، الورقة 75 (أيا صوفيا 3007).
(4) انظر مثلا: الذهبي: " طبقات القراء "، ص 549، الصفدي:
" الوافي "، 2 / 164، و " نكت الهميان "، ص 242، وذكر ابن
حجر أن مولده في الثالث من الشهر المذكور (الدرر، 3 /
426).
(1/14)
إلى بني تميم (1)، سكنت مدينة ميافارقين من أشهر مدن ديار
بكر (2).
ويبدو أن جد أبيه قايماز قضى حياته فيها (3)، وتوفي سنة
661 ه وقد جاوز المئة، قال الذهبي: " قايماز ابن الشيخ عبد
الله التركماني الفارقي جد أبي.
قال لي ابن عم والدي علي بن فارس النجار: توفي جدنا عن مئة
وتسع سنين.
قلت عمر، وأضر بأخرة، وتوفي سنة إحدى وستين وست مئة " (4)،
وكان قد حج (5).
وكان جده فخر الدين أبو أحمد عثمان أميا لم يكن له حظ من
علم، قد اتخذ من النجارة صنعة له، لكنه كان " حسن اليقين
بالله " (6).
ويبدو أنه هو الذي قدم إلى دمشق، واتخذها سكنا له، وتوفي
بعد ذلك بها سنة 683 ه وهو في عشر السبعين (7).
أما والده شهاب الدين أحمد، فقد ولد سنة 641 ه تقريبا،
وعدل عن صنعة أبيه إلى صنعة الذهب المدقوق، فبرع بها،
وتميز، وعرف بالذهبي، وطلب العلم، فسمع " صحيح البخاري "
سنة 666 ه، من المقداد القيسي،
__________
(1) كتب الذهبي بخطه على طرة المجلد التاسع عشر من " تاريخ
الاسلام " (نسخة أيا صوفيا 3012) " تأليف محمد بن أحمد بن
عثمان بن قايماز مولى بني تميم ".
(2) ياقوت: معجم البلدان، 4 / 703، فما بعد.
(3) لم يذكر الذهبي في نسبته أنه دمشقي، بل قال: " الفارقي
"، مما يدل على أنه لم ينتقل إلى دمشق.
وذكر الدكتور صلاح الدين المنجد في مقدمة الجزء الذي طبعة
من " سير أعلام النبلاء " أن قايماز هو الذي قدم دمشق،
وأشار إلى معجم الشيوخ، ولم نجد لذلك دليلا في مصدره 1 /
15 وانظر معجم الشيوخ (م 1 الورقة 89).
(4) الذهبي: أهل المئة فصاعدا، ص 137، و " معجم الشيوخ "،
م 1 ورقة 89.
(5) الذهبي: " معجم الشيوخ "، م 1 ورقة 89.
(6) الذهبي: " معجم الشيوخ " م 1 ورقة 89.
(7) المصدر نفسه.
(1/15)
وحج في أواخر عمره، وكان دينا يقوم من الليل (1).
وقد يسرت له صنعته رخاء وغنى، فأعتق من ماله خمس رقاب (2)،
وتزوج من ابنة رجل موصلي الاصل هو علم الدين أبو بكر سنجر
بن عبد الله عرف بغناه، وكان " خيرا عاقلا
مديرا للمناشير بديوان الجيش..وخلف خمسة عشر ألفا " (3) من
الدنانير، وأحله علمه وغناه ومروءته مكانا جعلت خلقا من
أهل دمشق يشيعونه يوم وفاته في آخر جمادى الاولى سنة 697
ه،، يؤمهم قاضي القضاة يومئذ عز الدين ابن جماعة الكناني
(4).
وعرف محمد بابن الذهبي، نسبة إلى صنعة أبيه، وكان هو يقيد
اسمه " ابن الذهبي " (5).
ويبدو أنه اتخذ صنعة أبيه مهنة له في أول أمره، لذلك عرف
عند بعض معاصريه ب " الذهبي " مثل الصلاح الصفدي (6)، وتاج
الدين السبكي (7)، والحسيني (8)، وعماد الدين ابن كثير
(9)، وغيرهم.
__________
(1) الذهبي: " تاريخ الاسلام " (وفيات 697) نسخة أيا صوفيا
3014، و " معجم الشيوخ "، م 1 ورقة 13، والصفدي: " الوافي
"، م 7 ورقة 86.
(2) كان من بينهم فك أسر امرأتين من أسر الفرنجة من عكا
(انظر المصادر في الهامش السابق).
(3) الذهبي: " معجم الشيوخ "، م 1 ورقة 55 وتوفي سنة 686.
(4) الذهبي: " معجم الشيوخ "، م 1 الورقة 13.
(5) ونسبة ب " ابن الذهبي " مقيدة بخطه في معظم الكتب
والطباق التي بخطه مثل طبقة سماع كتاب أهل المئة فصاعدا (ص
111 بتحقيقنا)، وطرر المجلدات التي وصلت بخطه من " تاريخ
الاسلام " (نسخة أيا صوفيا) وطبقة سماع لكتاب " الكاشف "
له (نسخة التيمورية رقم 1936) وجاء في أول " معجم شيوخه ":
" أما بعد، فهذا معجم العبد المسكين محمد بن أحمد..ابن
الذهبي ".
(6) " الوافي "، 2 / 163 و " نكت الهميان "، ص 241.
(7) " طبقات الشافعية الكبرى " 9 / 100.
(8) " ذيل تذكرة الحفاظ "، ص 34.
(9) " البداية والنهاية "، 14 / 225.
(1/16)
وعاش طفولته بين أكناف عائلة علمية متدينة، فكانت مرضعته
وعمته ست الاهل بنت عثمان، الحاجة أم محمد، قد حصلت على
الاجازة من ابن أبي اليسر، وجمال الدين بن مالك، وزهير بن
عمر الزرعي، وجماعة آخرين، وسمعت من عمر بن القواس وغيره،
وروى الذهبي عنها (1).
وكان خاله علي قد طلب العلم، وروى عنه الذهبي في " معجم
شيوخه "، وقال: " علي بن سنجر بن عبد الله الموصلي، ثم
الدمشقي الذهبي الحاج المبارك أبو إسماعيل خالي.
مولده في سنة ثمان وخمسين وست مئة.
وسمع بإفادة مؤدبه ابن الخباز من أبي بكر ابن الانماطي،
وبهاء الدين أيوب الحنفي، وست العرب الكندية.
وسمع معي ببعلبك من التاج عبد الخالق وجماعة.
وكان ذا مروءة وكد على عياله وخوف من الله.
توفي في الثالث والعشرين من رمضان سنة ست وثلاثين وسبع مئة
" (2).
وكان زوج خالته فاطمة، أحمد بن عبد الغني بن عبد الكافي
الانصاري الذهبي، المعرف بابن الحرستاني، قد سمع الحديث،
ورواه، وكان حافظا للقرآن الكريم، كثير التلاوة له، وتوفي
بمصر سنة 700 (3) ه.
وطبيعي أن تعتني مثل هذه العائلة المتدينة التي كان لها حظ
من العلم بأبنائها، لذلك وجدنا أخاه من الرضاعة علاء الدين
أبا الحسن علي بن إبراهيم بن داود بن العطار الشافعي: "
724 654 ه " (4) يسرع، ويستجيز
__________
(1) الذهبي: " معجم الشيوخ "، م 1 ورقة 57، ولدت سنة الاهل
سنة 653 ه وتوفيت سنة 729 ه.
(2) الذهبي: " معجم الشيوخ " م 2 ورقة 6.
(3) المصدر السابق، م 1 ورقة 12.
(4) الذهبي: " ذيل العبر "، ص 136، و " معجم الشيوخ " م 2
ورقة 1، ابن كثير: = سير 1 / 2
(1/17)
للذهبي جملة من مشايخ عصره في سنة مولده (1) منهم من دمشق:
أحمد بن عبد القادر، أبو العباس العامري " 673 609 ه "
(2)، وابن الصابوني " 680 604 ه " (3)، وأمين الدين ابن
عساكر " 686 614 ه " (4)، وجمال الدين ابن الصيرفي " 678
583 ه " (5).
ومن حلب: أحمد بن محمد ابن النصيبي " 692 609 ه " (6)، ومن
مكة: الامام محب الدين الطبري محدث الحرم ومفتيه " 694 615
ه " (7)، وغيره (8).
ومن المدينة: كافور بن عبد الله الطواشي (9).
ويبدو أن علاء الدين ابن العطار قد حج في تلك السنة (10)
فحصل بعض الاجازات من مكة والمدينة.
وذكر ابن حجر أن الذين أجازوه في هذه السنة " جمع جم (11)
" وقال في ترجمة ابن
__________
= " البداية "، 14 / 117، ابن حجر: " الدرر "، 3 / 74 73،
النعيمي: " تنبيه الدارس "، 1 / 70 68، 99، 112.
ورأينا لابي الحسن ابن العطار هذا رسالة في السماع في
خزانة كتب جستربتي بدبلن ضمن مجموع برقم 3296.
(1) ابن حجر: " الدرر "، 3 / 426.
(2) الذهبي: " معجم الشيوخ "، م 1 الورقة 12.
(3) المصدر السابق، م 2 الورقة 55.
(4) المصدر السابق، م 1 الورقة 80.
(5) المصدر السابق، م 2 الورقة 87.
(6) المصدر السابق، م 1 الورقة 18.
(7) الذهبي: " معجم الشيوخ "، م الورقة 8.
(8) انظر مثلا: " معجم الشيوخ "، م 1 الورقة 90، م 2
الورقة 6، 31، 60 59، 88، وابن حجر: " الدرر "، 3 / 436.
(9) الذهبي: " معجم الشيوخ "، م 2 الورقة 26.
(10) المصدر السابق، م 2 الورقة 60 59.
(11) ابن حجر: " الدرر "، 3 / 426.
(1/18)
العطار: " وهو الذي استجاز للذهبي سنة مولده، فانتفع
الذهبي بعد ذلك بهذه الاجازة انتفاعا شديدا " (1).
ويمضي الطفل إلى أحد المؤدبين هو علاء الدين علي بن محمد
الحلبي المعروف بالبصبص، وكان من أحسن الناس خطا، وأخبرهم
بتعليم الصبيان، فيقيم في مكتبه أربعة أعوام (2)، وفي
أثناء ذلك كان جده عثمان يدمنه على النطق بالراء يقوم بذلك
لسانه (3).
ولا نعرف في أية سنة ترك المكتب، ولكنه كان في سنة 682 ه،
لم يزل عنده حيث أنشده في هذه السنة شعرا لابي محمد القاسم
الحريري (4).
وقد اتجه الذهبي بعد ذلك إلى شيخة مسعود بن عبد الله
الصالحي، فلقنه جميع القرآن، ثم قرأ عليه نحوا من أربعين
ختمة، وكان الشيخ مسعود إمام مسجد الشاغور، وكان خيرا
متواضعا برا بصبيانه، لقن خلقا.
وتوفي سنة 720 ه (5).
وبدأ الصبي بالحضور إلى مجالس الشيوخ ليسمع كلام بعضهم
(6).
ولما قدم عز الدين الفاروثي، عالم العراق، إلى دمشق سنة
690 ه، ذهب الفتى وسلم عليه، وحدثه (7)، مما يدلل على حبه
للعلم والعلماء منذ الصغر.
__________
(1) المصدر السابق، 3 / 73.
(2) الذهبي: " معجم الشيوخ "، م 2 الورقة 11.
(3) المصدر السابق، م 1 الورقة 89.
(4) المصدر السابق، م 2 الورقة 11 ومات مؤدبه في حدود سنة
690 ه.
(5) الذهبي: " معجم الشيوخ، م 2 الورقة 78.
(6) المصدر السابق، م 2 الورقة 58.
(7) الذهبي: " معرفة القراء "، ص 544.
وتوفي الفاروثي سنة 694 ه.
(1/19)
ثانيا بدء عنايته بطلب العلم:
بدأ الذهبي يعتني بطلب العلم حينما بلغ الثامنة عشرة من
عمره، وتوجهت عنايته إلى ناحيتين رئيستين هما: القراءات،
والحديث الشريف.
أ القراءات: اهتم الذهبي بقراءة القرآن الكريم، والعناية
بدراسة علم القراءات، فتوجه سنة 691 ه هو ورفقة له، إلى
شيخ القراء جمال الدين أبي إسحاق إبراهيم بن داود
العسقلاني، ثم الدمشقي، المعروف بالفاضلي، فشرع عليه
بالجمع الكبير (1)، وكان الفاضلي قد صحب الشيخ علم الدين
السخاوي المتوفي سنة 643 ه، وهو الذي انتهت إليه رياسة
الاقراء في زمانه (2)، وجمع عليه القراءات السبع، وتصدر
للاقراء بتربة أم الصالح، ولكنه أصيب بطرف من الفالج، فكان
يقرئ في بيته وينتهي الذهبي عليه إلى أواخر سورة القصص،
ويزداد الفالج على الشيخ، فيمنع الطلبة من الدخول عليه، ثم
يموت سنة 692 ه، وتظل قراءة الذهبي على الفاضلي ناقصة (3).
ولكنه كان في أثناء شروعه بالجمع الكبير على الفاضلي، قد
شرع في الوقت نفسه يقرأ بالجمع الكبير على الشيخ جمال
الدين أبي إسحاق إبراهيم بن غالي
المقرئ الدمشقي " ت 708 (4) ه ".
وقرأ ختمة جامعة لمذاهب القراء
__________
(1) الذهبي: " معجم الشيوخ "، م 1 الورقة 27، " ومعرفة
القراء "، ص 563 562 ابن الجزري: " غاية "، 2.
71.
(2) سبط ابن الجوزي: " مرآة "، 8 / 758، القفطي: " إنباه
"، 2 / 311، الحسيني: " صلة التكملة "، (وفيات 643)،
الذهبي: " العبر "، 5 / 178، ابن كثير: " البداية "، 13 /
17، ابن الجزري: " غاية " 1 / 568.
(3) الذهبي: " معجم الشيوخ "، م 1 الورقة 27، و " معرفة
القراء "، ص 563 562، 576، 592.
(4) الذهبي: " معجم الشيوخ "، م 1 الورقة 30، و " معرفة
القراء "، ص 576.
(1/20)
السبعة بما اشتمل عليه كتاب " التيسير " للداني، وكتاب "
حرز الاماني " للشاطبي على ابن جبريل المصري نزيل دمشق
(1).
وما لبث الذهبي أن أصبح على معرفة جيدة بالقراءات، وأصولها
ومسائلها، وهو لما يزل فتى لم يتعد العشرين من عمره، قال
في ترجمة قاضي القضاة شهاب الدين أبي عبد الله محمد بن
أحمد بن خليل الخويي ثم الدمشقي الشافعي المتوفي سنة 693
ه: " جلست بين يديه، وسألني عن غير مسألة من القراءات، فمن
الله وأجبته وشهد في إجازتي من الحاضرين، وأجاز لي مروياته
(2) ".
على أنه استمر في تحصيل هذا الفن، فكتب في سنة 691 ه "
المقدمة في التجويد " عن مؤلفها المقرئ المجود أبي عبد
الله محمد بن جوهر التلعفري المتوفى سنة 696 (3) ه، وتلا
ختمة للسبعة على مجد الدين أبي بكر بن محمد المرسي نزيل
دمشق المتوفى سنة 718 (4) ه وجمع الختمة على شيخ القراء
ببعلبك موفق الدين المتوفى سنة 695 (5) ه، وقرأ
بالسبع أيضا على المقرئ شمس الدين أبي عبد الله محمد بن
منصور الحلبي المتوفى سنة 700 ه، وكان الحلبي هذا من
المتصدرين بالعادلية وبالجامع الاموي (6).
وقرأ كتاب " المبهج في القراءات السبع (7) " لسبط الشيخ
أبي منصور الخياط البغدادي، و " السبعة " لابن مجاهد،
وغيرهما على
__________
(1) (1) الحسيني: " ذيل تذكرة الحفاظ "، ص 36.
(2) الذهبي: " معجم الشيوخ "، م 2 الورقة 31.
(3) المصدر السابق، م 2 الورقة 39.
(4) المصدر السابق، م 2 الورقة 39.
(5) المصدر السابق، م 2 الورقة 74.
(6) المصدر السابق، م 2 الورقة 66 65.
(7) عندي منه نسخة مصورة عن نسخة معهد إحياء المخطوطات
(رقم 75 قراءات وتجويد) وهو كتاب نفيس للغاية.
(1/21)
شيخه أبي حفص عمر ابن القواس المتوفى سنة 698 ه، وسمع "
الشاطبية " من غير واحد من القراء (1).
وتميز الشاب في دراسة القراءات، وبرع فيها براعة جعلت شيخه
شمس الدين أبا عبد الله محمد بن عبد العزيز الدمياطي ثم
الدمشقي الشافعي، وهو من المقرئين المجودين، يتنازل له عن
حلقته بالجامع الاموي في أواخر سنة 692 ه، أو أوائل سنة
693 ه، حينما أصابه المرض الذي توفي فيه، وكان الذهبي قد
أكمل عليه القراءات قبل ذلك (2)، فكان هذا أول منصب علمي
يتولاه الذهبي فيما نعلم، وإن لم يدم فيه أكثر من سنة
واحدة (3).
ب الحديث:
وفي الوقت نفسه كان الذهبي، وهو في الثامنة عشرة من عمره،
قد مال إلى سماع الحديث، واعتنى به عناية فائقة (4).
وانطلق في هذا العلم حتى ؟ طغى على كل تفكيره، واستغرق كل
حياته بعد ذلك، فسمع ما لا يحصى كثرة من الكتب والاجزاء،
ولقي كثيرا من الشيوخ والشيخات، وأصيب بالشره في سماع
الحديث وقراءته، ورافقه ذلك طيلة حياته، حتى كان يسمع من
أناس قد لا يرضى عنهم، قال في ترجمة علاء الدين أبي الحسن
علي بن مظفر
__________
(1) انظر مثلا الذهبي: " معجم الشيوخ "، م 2 الورقة 35،
69.
(2) الذهبي: " معجم الشيوخ "، م 2 الورقة 48، توفي شيخه
بعد ذلك في صفر من سنة 693 (3) قال الذهبي في ترجمة محمد
بن أحمد بن علي شمس الدين أبي عبد الله الرضي الحنفي من
معرفة القراء: " ولما سافرت إلى بعلبك، سنة ثلاث وتسعين،
وتعوقت بالقراءة على الموفق، وثب على حلقتي، فأخذها لكوني
لم أستأذن الحاكم في الغيبة، وهو الآن يقرئ بالجامع " ص
600.
(4) السبكي: " طبقات الشافعية الكبرى "، 9 / 102،
والسيوطي: " طبقات الحفاظ "، الورقة 84.
(1/22)
الاسكندراني، ثم الدمشقي، شيخ دار الحديث النفيسية،
المتوفى سنة 716 ه: " ولم يكن عليه ضوء في دينه، حملني
الشره على السماع من مثله، والله يسامحه كان يخل بالصلوات،
ويرمى بعظائم الامور (1) "، وقال في ترجمة شيخه شهاب الدين
غازي بن عبد الرحمن الدمشقي المتوفى سنة 709 ه: " وكان ذا
سيرة غير محمودة، فالله يعفو عنه، كتب عنه خلق من أبناء
البلد " (2)، وقال في ترجمة شيخه أبي عبد الله محمد بن
أحمد المقدسي المتوفي سنة 706 ه: " فقير مسكين..ورأيتهم
يذمونه..روى لنا عن
خطيب مردا جزء البطاقة (3) "، وذكر عن شيخه محمود بن يحيى
التميمي الدمشقي المتوفي سنة 733 ه أنه كان " سئ الحال،
سفيها (4) "، وقال عن أحد شيوخه: " لا ينبغي الرواية عنه،
حكوا لي عنه مصائب (5) "، وقال عن آخر: إنه كان " من عوام
الطلبة " (6)، وقال في ترجمة شيخه محمد بن النصير المؤذن
المتوفي سنة 715 ه: " شويخ عامي سمعنا منه، ولم يكن بذاك
(7) "، بل إنه ليذهب به حبه للحديث إلى القراءة على الصم،
فقد ذكر في ترجمة شيخه محمود بن محمد الخرائطي الصالحي
الاصم المتوفي سنة 716 ه: " قرأت عليه بأقوى صوتي في أذنه
(8) ".
__________
(1) الذهبي: " معجم الشيوخ "، م 2 الورقة 12.
(3) المصدر نفسه، م 2 الورقة 21.
(3) المصدر نفسه، م 2 الورقة 30.
(4) المصدر نفسه، م 2 الورقة 77.
(5) المصدر نفسه، م 1 الورقة 72.
(6) المصدر نفسه، م 2 الورقة 55.
(7) المصدر نفسه، م 2 الورقة 67.
(8) المصدر نفسه، م 2 الورقة 76.
(1/23)
ثالثا رحلاته في طلب العلم:
كان الذهبي يتحسر على الرحلة إلى البلدان الاخرى، لما لذلك
من أهمية بالغة في تحصيل علو الاسناد، وقدم السماع، ولقاء
الحفاظ، والمذاكرة لهم، والاستفادة عنهم (1).
إلا أن والده لم يشجعه على الرحلة، بل منعه في بعض
الاحيان، قال في ترجمة أبي الفرج عبد الرحمن بن عبد
اللطيف بن محمد بن وريدة البغدادي الحنبلي شيخ المستنصرية
" 599 697 (2) ه ": " وقد هممت بالرحلة إليه، ثم تركته
لمكان الوالد (3) "، وقال في ترجمته من " معرفة القراء
الكبار ": " وانفرد عن أقرانه، وكنت أتحسر على الرحلة
إليه، وما أتجسر خوفا من الوالد، فإنه كان يمنعني (4) "،
وقال في ترجمة المكين الاسمر المقرئ الاسكندراني المتوفى
سنة 692 ه: " ولما مات شيخنا الفاضلي، فازددت تلهفا وتحسرا
على لقيه، ولم يكن الوالد يمكنني من السفر (5) ".
ولم يكن الذهبي ابنا عاقا يخالف إرادة والده، لا سيما أن
آداب طلب العلم تقتضي استئذان الابوين في الرحلة (6)،
ووجوب طاعتهما وبرهما، وترك الرحلة مع كراهتهما ذلك
وسخطهما (7).
ويبدو لنا أن الذهبي
__________
(1) راجع عن أهمية الرحلة: الخطيب البغدادي: " الجامع
لاخلاق الراوي وآداب السامع "، " باب الرحلة في الحديث إلى
البلاد النائية للقاء الحفاظ وتحصيل الاسانيد العالية "
الورقة 168 169 (نسخة مكتبة البلدية بالاسكندرية 3711 ج
1).
(2) الدكتور ناجي معروف: " تاريخ علماء المستنصرية "، 1 /
345 342.
(3) الذهبي: " معجم الشيوخ "، م 1 الورقة 74.
(4) الذهبي: " معرفة القراء "، ص 556 وقال في " تاريخ
الاسلام ": " وكنت في سنة أربع وتسعين وسنة خمس أتلهف على
لقيه، وأتحسر، وما يمكنني الرحلة إليه لمكان الوالد ثم
الوالدة " الورقة 268 (أيا صوفيا 3014).
(5) المصدر نفسه، ص 551 وانظر أمثلة أخرى في " معجم الشيوخ
"، م 1 الورقة 5.
(6) الخطيب البغدادي.
" الجامع لاخلاق الراوي "، الورقة 170.
(7) الخطيب البغدادي: " الجامع "، الورقة 175 171.
(1/24)
كان وحيد أبيه، أو كان هو البارز بين أبنائه في الاقل (1)،
بحيث كان يخاف
عليه هذا الخوف كله.
ويظهر أن والده قد سمع له بالرحلة حينما بلغ العشرين من
عمره، وذلك سنة 693 ه (2).
على أنه سمح له برحلات قصيرة لا يقيم في كل منها أكثر من
أربعة أشهر (3) في الاغلب، ويرافقه فيها بعض من يعتمد
عليهم (4).
أ رحلاته داخل البلاد الشامية: تشير المصادر إلى رحلات
الذهبي عرضا، ولكنها لا تقدم لنا عنها الكثير.
على أننا استطعنا أن نتبين أن أول رحلة له ربما كانت إلى
بعلبك سنة 693 ه (5) حيث قرأ فيها القرآن جمعا على الموفق
النصيبي المتوفي سنة 695 ه (6)، وأكثر عن المحدث الاديب
الامام تاج الدين أبي محمد المغربي، ثم البعلبكي، المتوفى
سنة 696 (7).
وسوف نجده مرة أخرى في بعلبك سنة 707 (8) ه، وقد سمع في
هاتين الرحلتين على كثير من شيوخ
__________
(1) لم نقف على أخ لمحمد بن أحمد الذهبي في جميع الكتب
المطبوعة والمخطوطة التي اطلعنا عليها، مع أن الذهبي كثير
العناية بذكر أقربائه.
(2) الذهبي: " معجم الشيوخ "، م 1 الورقة 65.
(3) قال الذهبي في ترجمة شرف الدين أبي الحسين يحيى بن
أحمد الجذامي الاسكندراني وكان قد بلغ السابعة والثمانين
من عمره، ووجد الذهبي بعض صعوبات وتأخير في قراءة القراءات
عليه، فخاف أن يذهب وقته سدى: " وكنت قد وعدت أبي، وحلفت
له أني لا أقيم في الرحلة أكثر من أربعة أشهر، فخفت أعقه "
" معرفة القراء "، ص 558.
(4) كان والده يرافقع في رحلته إلى حلب سنة 693 ه وقد سمع
معه فيها، وكان رفيقه في رحلته إلى البلاد المصرية سنة 695
ابن أمه في الرضاع داود بن إبراهيم بن داود ابن العطار
الفقيه الشافعي، وهو أكبر من الذهبي بثمانية أعوام " معجم
الشيوخ "، م 1 الورقة 47).
(5) الذهبي: " معجم الشيوخ "، 1 / الورقة 65
(6) ابن الجزري: " غاية "، 2 / 71، الذهبي: " معجم الشيوخ
"، م 2 الورقة 74.
(7) الذهبي: " معجم الشيوخ "، م 1 الورقة 71، السبكي: "
طبقات "، 9 / 102.
(8) الذهبي: " معجم الشيوخ "، م 1 الورقة 52.
(1/25)
البلد (1).
ورحل بعد ذلك إلى حلب، وأكثر فيها عن علاء الدين أبي سعيد
سنقر بن عبد الله الارمني، ثم الحلبي، قال: " رحلت إليه،
وأكثرت عنه، ونعم الشيخ كان دينا ومروءة وعقلا وتعففا (2)
"، وسمع من جملة من شيوخها (3).
وتشير المصادر إلى أنه قد سمع ببلدان عديدة منها: حمص (4)،
وحماة (5)، وطرابلس (6)، والكرك (7)، والمعرة (8)، وبصرى
(9)، ونابلس (10)، والرملة (11)، والقدس (12)، وتبوك (13).
ب رحلته إلى البلاد المصرية: على أن رحلة الذهبي إلى
البلاد المصرية كانت من أبرز رحلاته
__________
(1) انظر مثلا الذهبي: " معجم الشيوخ "، م 1 الورقة 24،
83، 88، م 2 الورقة 9، 72، 74، 81.
(2) الذهبي: " معجم الشيوخ "، م 1 الورقة 55، و " ذيل
العبر "، ص 36، السبكي: " طبقات " 9 / 102، الطباخ: "
أعلام النبلاء "، 4 / 540.
(3) انظر مثلا: الذهبي: " معجم الشيوخ "، م 1 الورقة 27،
34، 39، السبكي: " طبقات "، 9 / 102.
(4) الذهبي: " معجم الشيوخ "، م 2 الورقة 63، والصفدي: "
الوافي "، 2 / 165.
(5) الذهبي: " معجم الشيوخ "، م 1 الورقة 82، م 2 الورقة
68، 82.
(6) الذهبي: " معجم الشيوخ "، م 1 الورقة 7، 22: 29، م 2
الورقة 6، 9 وذكر أنه نزل في مدرسة القاضي شمس الدين أحمد
بن أبي بكر بن منصور الاسكنداراني الفقيه قاضي طرابلس
" معجم الشيوخ "، م 1 الورقة 22.
(7) الذهبي: " معجم الشيوخ "، م 1 الورقة 61، م 2 الورقة
16، 43 42 وقد سمع بها سنة 698 من قاضي القضاة عز الدين
محمد بن سلمان الحلبي.
(8) الذهبي: " معجم الشيوخ "، م 1 الورقة 89.
(9) الذهبي: " معجم الشيوخ "، م 1 الورقة 83.
(10) الذهبي: " معجم الشيوخ، م 1 الورقة 76، م 2 الورقة 7.
(11) الذهبي: " معجم الشيوخ "، م 1 الورقة 47، والصفدي: "
الوافي "، 2 / 165.
(12) الصفدي: " الوافي " 2 / 165.
(13) الذهبي: " معجم الشيوخ "، م 2 الورقة 65.
(1/26)
المبكرة، ويقول الدكتور صلاح الدين المنجد: إنه لا يعرف
متى سافر الذهبي إلى مصر، ثم يقول: " ولعل سفره إلى مصر
كان بعيد وفاة أبيه سنة 697 ه، وقد عاد سنة 699 ه (1) ".
واستند في ذلك على ما نقله ابن حجر عن مشيخة بدر الدين
النابلسي الذي قال: " وأول ما ولي تصدير حلقة إقراء بجامع
دمشق في أول رواق زكريا عوضا عن شمس الدين العراقي الضرير
المقرئ في المحرم سنة 699 ه بعد رجوعه من رحلته من مصر
بقليل (2) ".
وقد استطعنا، نتيجة تتبعنا لنشاط الذهبي أن نحدد رحلته إلى
البلاد المصرية، وأنها كانت بين رجب وذي العقدة من سنة 695
ه، فقد تبين أنه ابتدأ سفرته في رجب سنة 695 ه متوجها إلى
فلسطين، قال في ترجمة شيخته أم محمد سيدة بنت موسى بن
عثمان المارانية المصرية المتوفاة سنة 695 ه: " وقد رحلت
إلى لقيها، فماتت وأنا بفلسطين، في رجب سنة خمس وتسعين وست
مئة (3) " وقال في ترجمتها من " تاريخ الاسلام ": " كنت
أتلهف على لقيها، ورحلت إلى مصر، وعلمي أنها باقية، فدخلت
فوجدتها قد ماتت من عشرة أيام..توفيت يوم الجمعة سادس رجب
وأنا بوادي فحمة (4) "، وبذلك نستنتج أنه وصل إلى البلاد
المصرية في السادس عشر من رجب سنة 695 ه.
وأول ما افتتح سماعه بمصر على شيخه جمال الدين أبي العباس
أحمد ابن محمد بن عبد الله الحلبي المعروف بابن الظاهري
(5) " 696 626 ه "،
__________
(1) انظر مقدمته للجزء الذي طبعه من سير أعلام النبلاء، 1
/ 18.
(2) ابن حجر: " الدرر "، 3 / 427.
(3) الذهبي: " معجم الشيوخ "، م 1 الورقة 59.
(4) الورقة 246 (أيا صوفيا 3014) ولم يذكر ياقوت وادي فحمة
هذا.
(5) كان والده محمد مولى الملك الظاهر صاحب حلب، فنسب
إليه.
(1/27)
قال في " تاريخ الاسلام ": " وبه افتتحت السماع في الديار
المصرية، وبه اختتمت، وعنده نزلت، وعلى أجزائه اتكلت.
وقد سمع منه علم الدين (يعني البرزالي) أكثر من مئتي جزء
(1) "، وقال في ترجمته من " معجم شيوخه ": " ودعته في ذي
القعدة سنة خمس وتسعين، فقال لي: قل للجماعة يجعلوني في
حل..(2) ".
وطبيعي أن يرجع الامام الذهبي في ذي القعدة من السنة لانه
كان قد وعد أباه، وحلف له أنه لا يقيم في الرحلة أكثر من
أربعة أشهر، فخاف أن يعقه إذا تأخر (3).
وقد توفي ابن الظاهري بعد ذلك في ربيع سنة 696 (4) ه.
وقد ذكر مترجمو الذهبي أنه سمع من الحافظ ابن الظاهري (5)
فكيف يصح القول عندئذ أنه سافر بعيد 697 ه ! ؟ وسمع بمصر
بعد ذلك من جماعة كبيرة، من أشهر هم: مسند الوقت أبو
المعالي أحمد بن
إسحاق بن محمد الابرقوهي (6) المتوفي سنة 701 ه (7)، وشيخ
الاسلام المجتهد قاضي القضاة تقي الدين أبو الفتح محمد بن
علي المعروف بابن
__________
(1) الورقة 257 (أيا صوفيا 3014).
(2) م 1 الورقة 18.
(3) الذهبي: " معرفة القراء "، ص 558.
(4) الذهبي: " تاريخ الاسلام " الورقة 257 (أيا صوفيا
3014)، و " معجم الشيوخ " م 1 الورقة 18، ابن الجزرى: "
تاريخ " م 2 الورقة 60 (باريس 6739).
(5) أنظر مثلا: السبكي: " طبقات "، 9 / 102، وسبط ابن حجر:
" رونق الالفاظ "، الورقة 180.
(6) نسبة إلى (أبرقوه) بلد قرب يزد، ياقوت: " معجم البلدان
"، 1 / 85 وقد ولد بها حينما كان أبو قاضيا عليها، الذهبي:
" معجم الشيوخ "، م 1 الورقة 5.
(7) الذهبي: " معجم الشيوخ، م 1 الورقة 5 و " ذيل العبر "،
ص 18، السبكي: " طبقات "، 9 / 102، ابن حجر: " الدرر " 1 /
110، 3 / 426، سبط ابن حجر: " رونق الالفاظ " (نسخة
الخالدية)، الفاسي: " العقد الثمين "، 3 / 15، ابن تغري
بردي: " النجوم "، 8 / 198 و " المنهل الصافي "، 1 / 218
وغيرها.
(1/28)
دقيق العيد القشيري المتوفى سنة 702 ه (1) والعلامة شرف
الدين عبد المؤمن بن خلف الدمياطي المتوفي سنة 705 ه (2)،
وغيرهم (3).
وفي أثناء وجوده بالبلاد المصرية رحل إلى الاسكندرية، وكان
بها في شوال من السنة، قال في ترجمة شيخه أبي الحجاج يوسف
بن الحسن التميمي القابسي ثم الاسكندراني: " وكنت في شوال
هذه السنة في الاسكندرية وهو حي، وسمعت منه التجريد (4) ".
ويظهر أنه سافر إليها في
رمضان لانه قرأ على صدر الدين سحنون ختمة لورش وحفص، وتوفي
شيخه في الرابع من شوال سنة 695 ه (5).
وفي ثغر الاسكندرية مضى الذهبي إلى أسند أهلها في
القراءات، الامام شرف الدين أبي الحسين يحيى بن أحمد بن
عبد العزيز ابن الصواف الجذامي الاسكندراني المقرئ المشهور
" 609 705 (6) ه " فأدخل عليه، فوجده قد أضر وأصم، وهو في
سبع وثمانين سنة، فقرأ عليه جزءا، ورفع صوته، فسمع، ثم
كلمه في أن يجمع عليه القراءات
__________
(1) الذهبي: " معجم الشيوخ "، م 2 ورقة 55، و " ذيل العبر
"، ص 21، و " تذكرة الحفاظ " 4 / 1484 1481، ابن سيد
الناس: " أجوبة "، الورقة 65 (الاسكوريال 1160)، الادفوي:
" الطالع السعيد "، ص 338 317، الصفدي: " الوافي "، 4 / ص
193، ابن حجر: " رفع الاصر "، الورقة 112 وغيرها.
(2) الذهبي: " معجم الشيوخ "، م 1 الورقة 87، و " تذكرة
الحفاظ "، 4 / 1479 1477، ابن شاكر: " فوات "، 2 / 17، ابن
كثير: " البداية "، 14 / 40، ابن قاضي شهبة: " منتقى
المعجم المختص "، الورقة 162 " (أوقاف)، الصفدي: " الوافي
"، م 17 ورقة 236، و " معجم شيوخه " لخصه وترجمه إلى
الفرنسية الاستاذ جورج فايدا وطبع بباريس سنة 1926 م.
وفي خزانة كتبي الجزء الثالث من إحدى نسخه الخطية.
(3) انظر مثلا: الذهبي: " معجم الشيوخ "، م 2 الورقة 21،
42، 64، 96.
(4) الذهبي: " معجم الشيوخ "، م 2 الورقة 25.
(5) الذهبي: " تاريخ الاسلام "، الورقة 247 (أيا صوفيا
3014).
(6) الذهبي: " ذيل العبر "، ص 32، ابن حجر: " الدرر "، 5 /
186 185، الجزري: " غاية "، 2 / 366، المقريزي: " السلوك
"، 2 / قسم 1 ص 21.
(1/29)
السبع، فوافق، وبدأ الذهبي بالقراءة، فقرأ عليه الفاتحة
وآيات من البقرة
والشيخ يرد الخلاف، ويرد رواية يعقوب وغيره، ولما ذكر له
الذهبي أن قصده القراءة بالسبع حسب، تخيل الشيخ منه نقص
المعرفة، وطلب منه أن يذهب إلى أحد تلامذته، قال الذهبي: "
وزهدني فيه أني كنت لا أدخل عليه إلا بمشقة وأمنع، ويؤذن
لي مرة، وأيضا فكنت لا أقرأ ربع حزب جمعا، حتى ينقطع صوتي
لمكان صممه " فخاف الذهبي ضياع الوقت القصير، فتركه (1)،
وذهب إلى الامام المقرئ صدر الدين أبي القاسم عبد الرحمن
بن عبد الحليم بن عمران الدكالي المعروف بسحنون " 695 610
ه (2) " وكان قد ضعف وأضر، فختم عليه بقراءتي ورش وحفص، في
مدة أحد عشر يوما مع جماعة من رفاقه (3).
وسمع بالاسكندرية من جملة من علمائها المتميزين (4) من
أبرزهم: تاج الدين أبو الحسن علي بن أحمد بن عبد المحسن
الهاشمي الحسيني الواسطي الغرافي ثم الاسكندراني " 704 628
ه " شيخ دار الحديث النبيهية بالاسكندرية (5) كما رحل إلى
بلبيس، وسمع بها (6).
لقد كانت هذه الرحلة قصيرة، وكان الذهبي يجهد نفسه في
قراءة أكبر كمية ممكنة على شيوخ تلك البلاد، فقد ذكر مثلا
أنه قرأ جميع سيرة ابن هشام على شيخه أبي المعالي
الابرقوهي في سنة أيام فقط (7).
__________
(1) الذهبي: " طبقات القراء "، ص 558، و " معجم الشيوخ "،
م 2 الورقة 84.
(2) الذهبي، " معجم الشيوخ "، م 1 الورقة 73.
(3) الذهبي: " تاريخ الاسلام "، الورقة 247 (أيا صوفيا
3014) و " معرفة القراء " ص 555.
(4) انظر مثلا " معجم الشيوخ "، م 1 الورقة 21، 22، 75،
86، م 2 الورقة 17، 60، 74، 83، 85.
(5) الذهبي: " معجم الشيوخ "، م 2 الورقة 3 2، و " ذيل
العبر "، ص 3 28 "، الحسيني: " ذيل تذكرة الحفاظ "، ص 94،
ابن حجر: " الدرر "، ج 3 ص 86 85، المقريزي: " السلوك "،
2 / ص 13.
وانظر أيضا: السبكي: " طبقات "، 9 / 102.
(6) الصفدي: " الوافي "، 2 / 164.
(7) الذهبي: " تاريخ الاسلام "، الورقة 135 (أيا صوفيا
3007).
(1/30)
ج رحلته للحج وسماعه هناك: وفي سنة 698 ه، أي بعيد وفاة
والده رحل الذهبي للحج، قال في حوادث السنة من " تاريخ
الاسلام ": وحج بنا الامير شمس الدين العينتابي (1) "،
وكان يرافقه في حجه جماعة من أصحابه وشيوخه (2)، منهم شيخ
دار الحديث بالمدرسة المستنصرية (3) العالم المسند أبو عبد
الله محمد ابن عبد المحسن المعروف بابن الخراط الحنبلي "
728 638 ه "، وكان ابن الخراط قد قدم دمشق في تلك السنة،
وجلس للوعظ بدمشق في شهر رمضان (4)، قال الذهبي: " ورافقنا
في الحج، فسمعت منه بالعلى ومعان كتاب " الفرج بعد الشدة "
(5).
وقد سمع بمكة (6)، وعرفة (7)، ومنى (8)، والمدينة (9) من
مجموعة من الشيوخ.
__________
(1) الذهبي: " تاريخ الاسلام "، الورقة 333 (أيا صوفيا
3014).
(2) انظر مثلا: " معجم الشيوخ "، م 1 الورقة 72، م 2
الورقة 16.
(3) الدكتور ناجي معروف: " تاريخ علماء المستنصرية "، 1 /
360 354.
(4) ذكر ذلك علم الدين البرزالي المتوفي سنة 639 ه ابن
رجب: " الذيل "، 2 / 385 والذهبي في " معجم شيوخه "، م 2
الورقة 50.
(5) الذهبي: " معجم الشيوخ "، م 2 الورقة 50 والكتاب
المذكور للتنوخي كما هو معروف.
(6) السبكي: " طبقات "، 9 / 102.
(7) الذهبي: " معجم الشيوخ " م 1 الورقة 80.
(8) الذهبي: " معجم الشيوخ " م 1 الورقة 83، 84.
(9) الذهبي: " معجم الشيوخ "، م 2 الورقة 50.
(1/31)
رابعا طبيعة دراساته:
لم ينقطع الذهبي طيلة حياته عن الدراسة والسماع لا يشغله
عنهما شاغل، تدل على ذلك معجمات شيوخه لا سيما " المعجم
الكبير ".
وكانت دراسته وسماعاته متنوعة لم تقتصر على القراءات
والحديث.
وقد عني بدراسة النحو، فسمع " الحاجبية " في النحو على
شيخه موفق الدين أبي عبد الله محمد بن أبي العلاء النصيبي
البعلبكي المتوفى سنة 695 ه (1).
ودرس على شيخ العربية، وإمام أهل الادب في مصر آنذاك الشيخ
بهاء الدين محمد بن إبراهيم المعروف بابن النحاس المتوفى
سنة 698 ه (2).
إضافة إلى سماعه لعدد كبير من مجاميع الشعر واللغة والآداب
(3).
واهتم بالكتب التاريخية، فسمع عددا كبيرا منها على شيوخه،
في المغازي (4)، والسيرة (5)، والتاريخ العام (6)، ومعجمات
الشيوخ والمشيخاتن (7)، وكتب التراجم الاخرى (8).
__________
(1) الذهبي: " معجم الشيوخ "، م 2 الورقة 74.
(2) المصدر نفسه، م 2 الورقة 30، " وتاريخ الاسلام "،
الورقة 287 (أياصوفيا 3014).
(3) انظر مثلا " تاريخ الاسلام "، 3 / 65 (مطبوعة) والورقة
117 (أحمد الثالث 2917 / 9) والورقة 157 (أيا صوفيا 3008)
والورقة 49 (أحمد الثالث 2917 / 10) " ومعجم الشيوخ " م 2
الورقة 50.
(4) انظر مثلا " تاريخ الاسلام "، 6 / 133 (مطبوعة).
(5) انظر مثلا " تاريخ الاسلام "، الورقة 135 (أيا صوفيا
3007).
(6) المصدر نفسه، مثلا الورقة 198 (حلب).
(7) انظر مثلا " معجم الشيوخ " م 1، الورقة 15، 22، 26،
28، 33، 42، 46، 55، 80 م 2 الورقة 9، 10، 50، 71، 100، "
وتاريخ الاسلام "، الورقة 96 (أيا صوفيا 3008) والورقة 22
(أيا صوفيا 3009) والورقة 4 (أحمد الثالث 2917 / 10)
والورقة 185 (أحمد الثالث 2917 / 11).
(8) مثلا " تاريخ الاسلام " الورقة 68، 79 (أيا صوفيا
3002) وغيرها.
(1/32)
إلا أن عنايته الرئيسة في السماع كانت منصبة على الحديث،
فقد سمع الذهبي مئات الكتب والاجزاء الحديثية طيلة حياته
في طلب العلم، يعرف ذلك من يقرأ معجمات شيوخه وكتبه بروية
وإمعان، فضلا عن أن هذه الكتب والاجزاء هي ليست كل ما قرأ
الذهبي علي شيوخه، فهناك العدد الهائل من الاحاديث النبوية
الشريفة لم يورد في معجمات شيوخه منها إلا أمثلة حسب.
يضاف إلى ذلك أنه كان ربما سمع الكتاب أو الجزء على أكثر
من شيخ حتى يبلغ في بعضها عشرات المرات أو عددا كبيرا
منها، ولنضرب لذلك بعض الامثلة، فقد سمع " جزء الحسن بن
عرفة " وهو من الاجزاء الحديثية المشهورة أكثر من أربعين
مرة على أكثر من أربعين شيخا (1)، وسمع " نسخة أبي مسهر "
عبد الاعلى بن مسهر المتوفى سنة 218 (2) أكثر من اثنتي
عشرة مرة (3)، وسمع " جزء ابن فيل (4) " لابي طاهر الحسن
بن أحمد بن فيل البالسي على أكثر من عشرة من الشيوخ (5).
وأرى من الواجب أن أشير إلى أن الذهبي لم يعن بذكر
مسموعاته بصورة مفصلة في معجم شيوخه كما فعل ابن حجر مثلا
في " المعجم المفهرس " الذي رتبه
__________
(1) انظر الذهبي: " معجم الشيوخ "، م 1 الورقة 9، 16، 17،
33، 36، 38، 49، 53، 64، 72، 79، 80، 81، 86، م 2 ورقة 8،
11، 13، 24، 31، 32، 37، 39، 44، 45،
46، 59، 77، 79، 82، 85، 86، 88، 98، 100.
(2) منه نسخة بدار الكتب المصرية، رقم 25551 ب.
(3) انظر الذهبي: " معجم الشيوخ " م 1 الورقة 38، 50، 66،
72، 75، م 2 ورقة 20، 32، 35، 37، 51، 65.
(4) منه نسخة بدار الكتاب المصرية برقم 25568 ب.
(5) انظر الذهبي: " معجم الشيوخ "، م 1 الورقة 6، 20، 72،
74، م 2 الورقة 31، 37، 53، 77، 88.
سير 1 / 3
(1/33)
أساسا على الكتب (1)، وفي " المجمع المؤسس " الذي رتبه على
الشيوخ ولكن ذكر فيه المرويات أيضا (2).
ومع ذلك فإن المرويات لا تمثل أصلا دراسات الطالب أو
العالم، لان الكتب المروية محدودة عموما، بينما يستطيع
الطالب أن يقرأ ما يشاء من الكتب الفقهية والتاريخية
والادبية ودواوين الشعراء ونحوها وطائفة كبيرة منها لا
تروى.
على أننا نستطيع القول من دراستنا لكتب الذهبي واهتماماته،
أنه عني بالعلوم الدينية عموما، والعلوم المساعدة لها
كالنحو واللغة والادب والشعر.
كما أنه اطلع على بعض الكتب الفلسفية.
ونشك أنه درس كتبا في العلوم الصرفة لعدم اعتقاده بجدواها.
__________
(1) ابن حجر: " المعجم المفهرس " (دار الكتب 82 مصطلح
الحديث).
(2) نسختي المصورة (عن دار الكتب 75 مصطلح الحديث).
(1/34)
خامسا صلاته الشخصية وأثرها في تكوينه الفكري
اتصل الذهبي اتصالا وثيقا بثلاثة من شيوخ ذلك العصر وهم
جمال الدين أبو الحجاج يوسف (1) بن عبد الرحمن المزي
الشافعي " 742 654 ه " 0 وتقي الدين أبو العباس أحمد (2)
بن عبد الحليم المعروف بابن تيمية الحراني، " 661 728 ه "
وعلم الدين أبو محمد القاسم (3) بن محمد البرزالي " 739
665 ه "، وترافق معهم طيلة حياتهم.
وكان الذهبي أصغر رفاقه سنا، وكان أبو الحجاج المزي
أكبرهم.
وكان بعضهم يقرأ على بعض، فهم شيوخ وأقران في الوقت نفسه.
وقد ساعد من شد أواصر هذه الرفقة اتجاههم نحو طلب الحديث
منذ فترة مبكرة، وميلهم إلى آراء الحنابلة ودفاعهم عن
مذهبهم، مع أن المزي والبرزالي
__________
(1) راجع الذهبي: " معجم الشيوخ "، م 2 الورقة 90، و "
تذكرة الحفاظ "، 2 / 1498، الحسيني: " الذيل على ذيل العبر
"، ص 229، السبكي: " طبقات "، 6 / 251 (القاهرة 1324)، ابن
كثير: " البداية " 14 / 192 191، ابن ناصر الدين: " الرد
الوافر "، ص 128، و " التبيان " الورقة 166، ابن حجر: "
الدرر "، 5 / 237 233، ابن تغري بردي: " النجوم " 10 / 76،
ابن طولون: " المعزة "، ص 10، ابن العماد: " شذرات "، 6 /
136، الكتاني: " فهرس " 1 / 107.
وراجع ما كتبناه في سيرته في مقدمة المجلد الاول من تهذيب
الكمال.
(2) ترجمة شيخ الاسلام ابن تيمية معروفة تناولها معظم
المؤرخين الذين تناولوا عصره ومنهم الذهبي.
ومن الذين كتبوا عنه مفردا ابن ناصر الدين في " الرد
الوافر " (بيروت 1393 ه) وابن قدامة: " العقود الدرية في
مناقب شيخ الاسلام ابن تيمية ".
ومن المحدثين: محمد كرد علي في " ترجمة شيخ الاسلام ابن
تيمية " (لم يذكر مكان الطبع ولا تاريخه) ومحمد بن بهجة
البيطار في " حياة شيخ الاسلام ابن تيمية " (دمشق 1961)
ومحمد أبو زهرة: " ابن تيمية، حياته وعصره، آراؤه وفقهه "
(القاهرة 1952).
(3) انظر الذهبي: " معجم الشيوخ "، م 2 الورقة 25، " ذيل
العبر " ص 209، الحسيني: " ذيل
تذكرة الحفاظ "، ص 2 18 !، السبكي: " طبقات " 6 / 246
(القاهرة 1324)، ابن كثير: " البداية "، 14 / 185، ابن
شاكر: " فوات "، ص 119، ابن حجر: " الدرر " 3 / 323 321،
ابن تغري بردي: " النجوم " 9 / 319، ابن العماد: " شذرات
"، 6 / 124.
(1/35)
والذهبي كانوا من الشافعية.
وكان كل واحد منهم محبا للآخر ذاكرا فضله.
ويذكر الذهبي جيدا أن علم الدين البرزالي هو الذي حبب إليه
العناية بالحديث النبوي الشريف، فقال في " معجم شيوخه
الكبير ": " الامام الحافظ المتقن الصادق الحجة مفيدنا
ومعلمنا ورفيقنا محدث الشام مؤرخ العصر (1) "، وقال في
موضع آخر: " وهو الذي حبب إلي طلب الحديث، فإنه رأى خطي،
فقال: خطك يشبه خط المحدثين ! فأثر قوله في، وسمعت منه،
وتخرجت به في أشياء (2) "، وكان على غاية من الاعجاب
بعلمه، ولا سيما " معجم شيوخه " (3) الذي خرجه لنفسه، وفيه
ثلاثة آلاف شيخ، منهم ألفان بالسماع وألف بالاجازة (4).
وكتب الذهبي عن شيخه ورفيقه المزي بأنه: " العلامة الحافظ
البارع أستاذ الجماعة..محدث الاسلام (5) وأنه كان " خاتمة
الحفاظ وناقد الاسانيد والالفاظ وهو صاحب معضلاتنا وموضح
مشكلاتنا (6) ".
أما ابن تيمية، فكانت شخصيته قد اكتملت منذ أن كان الذهبي
شابا في أول طلبه العلم، وكان قد أصبح مجتهدا، له ؟ ؟
الخاصة التي تقوم في أصلها
__________
(1) الذهبي: " معجم الشيوخ " م 2 الورقة 25.
(2) ابن حجر: " الدرر " 3 / 323.
(3) نظم الذهبي في هذا المعجم بيتين من الشعر، قال: إن رمث
تفتيش الخزائن كلها * وظهور أجزاء حوت وعوالي ونعوت أشياخ
الوجود وما رووا * طالع أو اسمع معجم البرزالي
ابن حجر: " الدرر "، 3 / 322، ابن ناصر الدين: " الرد
الوافر "، ص 120.
(4) الذهبي: " معجم الشيوخ "، م 2 الورقة 25، و " ذيل
العبر "، ص 208، ابن حجر: " الدرر "، 3 / 322، ابن ناصر
الدين: " الرد الوافر "، ص 120.
(5) " معجم الشيوخ " م 2 الورقة 70، وانظر " تذكرة الحفاظ
" 4 / 1499 1498.
(6) ابن حجر: " الدرر " 5 / 236 235.
(1/36)
على اتباع آثار السلف، وابتدأ منذ سنة 698 ه يدخل في
خصومات عقائدية حادة مع علماء عصره من المخالفين له (1)،
ويقيم الحدود بنفسه، ويحلق رؤوس الصبيان (2)، ويحارب
المشعوذين من أدعياء التصوف (3)، ويمنع من تقديم النذور
(4)، ويدور هو وأصحابه على الخمارات والحانات، ويريق
الخمور (5)، ويقاتل بعض من يعتقد فساد عقيدته (6)، ويشتط
على القضاة (7)، بل بلغ الامر به في إحدى المرات أن دخل
السجن، وأخرج رفيقه المزي منه بنفسه (8).
وظهرت شخصيته السياسية في الحرب الغازانية سنة 699 ه وما
بعدها، لا سيما سنة 702 ه فقد كان له الدور البارز في
انتصار المماليك على المغول في وقعة شقحب (9).
وقد أحب الذهبي شيخه ورفيقه، وأعجب به، فقال بعد أن مدحه
مدحا عظيما: " وهو أكبر من أن ينبه مثلي على نعوته، فلو
حلفت بين الركن والمقام لحلفت، أني ما رأيت بعيني مثله،
ولا والله ما رأى هو مثل نفسه في العلم (10) ".
ولما مات،
__________
(1) الذهبي: " تاريخ الاسلام "، الورقة 332 (أيا صوفيا
3014)، الصفدي: " الوافي " 5 / 22، ابن كثير " البداية 14
/ 4، ابن حجر: " الدرر " 1 / 155.
(2) ابن كثير: " البداية "، 14 / 19.
(3) الصفدي: " الوافي " 5 / 18، ابن كثير: " البداية " 14
/ 33، وانظر فتواه في " الصوفية
والفقراء " (نشرها رشيد رضا بالقاهرة 1348 ط 2).
(4) ابن كثير: " البداية " 14 / 34.
(5) المصدر نفسه، 14 / 11.
(6) المصدر نفسه، 14 / 12.
(7) ابن حجر: " الدرر " 1 / 156.
(8) السبكي: " طبقات " 6 / 254 (القاهرة 1324)، ابن كثير:
" البداية " 14 / 37، ابن حجر: " الدرر " 5 / 234.
(9) الذهبي: " تاريخ الاسلام "، الورقة 334 فما بعد (أيا
صوفيا 3014)، الصفدي: " أعيان العصر " 8 / الورقة 7 1 (أيا
صوفيا 2968)، ابن كثير: " البداية " 14 / 9 فما بعد.
(10) ابن ناصر الدين: " الرد الوافر "، ص 35، وقارن ابن
حجر: " الدرر " 1 / 169 168.
(1/37)
رثاه بقصيدة (1)، وذكر أن مصنفاته قد جاوزت الالف (2)،
وبالغ في ذكر مساوئ من حط عليه مثل الامير سيف الدين تنكز
(3) نائب الشام.
ولم تكن محبة رفيقيه وإعجابهما بابن تيمية بأقل من محبة
الذهبي له، بل ربما كان المزي أكثرهم إعجابا ومحبة له مع
أنه أكبر منه سنا (4).
ومع أن الذهبي قد خالف رفيقه وشيخه " في مسائل أصلية
وفرعية (5) " وأرسل إليه نصيحته الذهبية (6) التي يلومه،
وينتقد بعض آرائه وآراء أصحابه بها، إلا أنه بلا ريب قد
تأثر به تأثرا عظيما، بحيث قال تاج الدين السبكي المتوفى
سنة 771 ه: " إن هذه الرفقة المزي والذهبي والبرزالي أضر
بها أبو العباس ابن تيمية إضرارا بينا وحملها من عظائم
الامو أمرا ليس هينا، وجرهم إلى ما كان التباعد عنه أولى
بهم (7) ".
إن هذه الصلة بين الرفقة، وما اختطوه لانفسهم فيما ارتضوه،
ومالوا إليه
من آراء الحنابلة، قد أدت في كثير من الاحيان إلى إيذائهم
والتحامل عليهم بما
__________
(1) ابن ناصر الدين: " بديعة الزمان "، الورقة 165، و "
الرد الوافر " ص 36 35.
(2) ابن ناصر الدين: " الرد الوافر "، ص 35، وقارن ابن
حجر: " الدرر " 1 / ص 160.
وقال الصفدي: " ومن الذي يأتي على مجموعها ! " وذكر منها
جملة كبيرة " الوافي " 5 / 30 23.
(3) ابن حجر: " الدرر "، 1 / 61.
وعاتب الذهبي تلميذه تاج الدين السبكي بسبب كلام وقع منه
في ابن تيمية، فاعتذر منه السبكي برسالة أرسلها إليه.
ابن حجر: " لدرر "، 1.
169.
(4) انظر أقوال المزي في ابن تيمية في كتاب " الرد الوافر
" ص 130 128 وأقوال البرزالي في الكتاب نفسه ص 123 119.
وكان ابن تيمية شديد الاعجاب بالمزي، فلما باشر دار الحديث
الاشرفية بعد الشريشي، قال ابن تيمية: " لم يلها من حين
بنيت إلى الآن أحق بشرط الواقف منه " انظر: ابن كثير: "
البداية "، 14 / 89، ابن حجر: " الدرر " 5 / 234، النعيمي:
" تنبيه "، 1 / 35.
(5) ابن حجر: " الدرر " 1 / 166.
(6) الذهبي: " النصيحة الذهبية لابن تيمية " (دمشق 1347
ه).
(7) السبكي: " طبقات " 6 / 254 (القاهرة 1324 ه).
(1/38)
ليس فيهم.
وقد أوذي المزي بسبب ذلك (1)، وحرم الذهبي بسبب آرائه من
تولي أكبر دار للحديث بدمشق، هي دار الحديث الاشرفية (2)
التي شغرت مشيختها بعد وفاة رفيقه المزي سنة 742 ه، فأشار
قاضي القضاة علي بن عبد الكافي السبكي أن يعين الذهبي لها،
فتكلم الشافعية بأن الذهبي ليس بأشعري، وأن المزي ما وليها
إلا بعد أن كتب بخطه، وأشهد على نفسه بأنه أشعري، واتسع
النقاش بينهم، ورفض الشافعية أن يتولاها الذهبي بعد أن
جمعهم نائب الشام ألطنبغا بالرغم من إلحاح السبكي، ولم
يحسم الامر إلا بتولية السبكي نفسه (3).
ثم أثرت صلة الذهبي بابن تيمية فيما اختصر (4) أو ألف (5)
من كتب، وفي بلورة بعض آرائه، وحبه للحنابلة (6)، وموقفه
من بعض المتصوفة (7) ولا سيما طائفة الاحمدية، أتباع الشيخ
أحمد الرفاعي (8).
وهو يذكر
__________
(1) من ذلك ما حدث سنة 705 ه حينما وقعت المناظرة بين ابن
تيمية والشافعية فقرأ الشيخ جمال الدين المزي فصلا بالرد
على الجهمية من كتاب خلق أفعال العباد للبخاري تحت قبة
النسر بعد قراءة ميعاد البخاري، فغضب بعض الفقهاء
الحاضرين، وشكاة إلى القاضي الشافعي ابن صصرى، وكان من
أعداء ابن تيمية، فأمر بسجن المزي، ولما بلغ ابن تيمية
ذلك، تألم كثيرا، وذهب إلى السجن، فأخرجه منه بنفسه، فغضب
نائب دمشق فأعيد المزي، ثم أفرج عنه.
ابن كثير: " البداية " 14 / 37، ابن حجر: " الدرر " 5 /
234).
(2) منسوبة إلى الملك الاشرف ومظفر الدين موسى ابن العادل
الايوبي، ابتدأ عمارتها سنة 628 ه، وافتتحت سنة 630 ه،
وأول من وليها محدث عصره الشيخ تقي الدين ابن الصلاح
المتوفى سنة 643 ه انظر الذهبي: " تاريخ الاسلام "، الورقة
243 (أيا صوفيا 3012)، والنعيمي: " تنبيه الدارس " 1 / 19
فما بعد.
(3) السبكي: " طبقات الشافعية "، 6 / 171 170 (القاهرة
1324)، ابن قاضي شهبة: " طبقات الشافعية "، الورقة 105
(أحمد الثالث 2836).
(4) من ذلك مثلا " المنتقى من منهاج الاعتدال لشيخه ابن
تيمية (وانظر القسم الخاص بكتبه).
(5) من ذلك مثلا كتاب " العلو " (وانظر القسم الخاص
بكتبه).
(6) الذهبي: " معجم الشيوخ " م 1 ورقة 4.
(7) قال في ترجمة شيخه بهاء الدين أبي المحاسن عبد المحسن
بن محمد المعروف بابن العديم المتوفى سنة 704 ه: " وكان
يدخل في ترهات الصوفية " " معجم الشيوخ "، م 1 الورقة 85.
(8) قال في ترجمة ثعلب بن جامع الصعيدي الاحمدي الباز دار
المتوفى سنة 725 ه: " كان من كبار الاحمدية، وله أتباع، ثم
أنه تاب وترك تلك الرعونات " " معجم الشيوخ " م 1 الورقة
40.
(1/39)
أن علم المنطق " نفعه قليل وضرره وبيل وما هو من علوم
الاسلام (1) " ويقول عن الفلسفة: " الفلسفة الالهية ما
ينظر فيها من يرجى فلاحه، ولا يركن إلى اعتقادها من يلوخ
نجاحه، فإن هذا العلم في شق، وما جاءت به الرسل في شق،
ولكن ضلال من لم يدر ما جاءت به الرسل كما ينبغي بالحكمة
أشر ممن يدري، واغوثاه بالله إذا كان الذين قد انتدبو
اللرد على الفلاسفة قد حاروا، ولحقتهم كسفة، فما الظن
بالمردود عليهم (2) ؟ ! ".
ثم كان لهذه الرفقة، أعني رفقة ابن تيمية، أن جعلت بعض
الناس يجدون فيها سببا لطعنهم في كتاباته بسبب اعتقادهم
بتحيزها (3).
وقد أثارت هذه المطاعن نقاشا بين علماء عصره، وعند العلماء
الذين جاؤوا بعده (4) وهو ما سوف نبحثه عند كلامنا على
منهجه في " سير أعلام النبلاء " (5).
ومع أن كثيرا من الانتقادات التي وجهت إلى الذهبي بسبب
العقائد كان يغلب عليها طابع التحامل والتعصب، إلا أننا في
الوقت نفسه يجب أن نعترف بأن تكوينه الفكري العام قد ارتبط
ارتباطا شديدا بالحديث والمحدثين ونظرتهم إلى العلوم
والعلماء وفسلفتهم تجاه العلوم العقلية، وقد أثر ذلك، كما
سنرى، في منهجه التاريخي تأثيرا واضحا حينما ربطه بالحديث
النبوي الشريف وعلومه، فاهتم اهتماما كبيرا بالتراجم حتى
صارت أساس كثير من كتبه، ومحور تفكيره.
__________
(1) الذهبي: " بيان زغل العلم "، ص 24 وقال في ترجمة أحد
شيوخه: " ثم دخل في ؟ ؟، فالله يسلم، ثم أقبل على شأنه " "
معجم الشيوخ " م 1 ورقة 67 66.
(2) الذهبي: " بيان زغل العلم " ص 26 25 وانظر " معجم
الشيوخ " م 2 الورقة 49.
(3) السبكي: " معيد النعم "، ص 74، و " الطبقات "، 2 / 15
13، 25 22، 9 / 103.
(4) السخاوي: " الاعلان "، ص 499 فما بعد، وابن عبد
الهادي: " معجم الشافعية " الورقة 47 48.
(5) انظر الفصل الثاني.
(1/40)
سادسا نشاطه العلمي ومناصبه التدريسية:
بدأت حياة الذهبي العلمية في الانتاج في مطلع القرن الثامن
الهجري كما يبدو، فبدأ باختصار عدد كبير من أمهات الكتب في
شتى العلوم التي مارسها، ومن أهمها التاريخ والحديث.
ثم توجه بعد ذلك إلى تأليف كتابه العظيم " تاريخ الاسلام "
الذي انتهى من إخراجه لاول مرة سنة 714 (1) ه.
وقد تولى الذهبي في سنة 703 ه الخطابة بمسجد كفر بطنا (2)،
وهي قرية بغوطة دمشق (3)، وظل مقيما بها إلى سنة 718 ه.
وفي هذه القرية الهادئة ألف الذهبي خيرة كتبه، وقد ساعده
على ذلك كما يبدو تفرغه التام للتأليف.
وفي شوال سنة 718 ه توفي الشيخ كمال الدين أحمد بن محمد بن
أحمد ابن الشريشي الوائلي، وكيل بيت المال، وشيخ دار
الحديث بتربة أم الصالح وغيرها (4)، وكانت هذه الدار من
كبريات دور الحديث بدمشق آنذاك (5)، تولاها كمال الدين ابن
الشريشي مدة ثلاث وثلاثين سنة ابتداءا من سنة 685 ه وإلى
حين وفاته وكان والده قد تولاها قبله (6).
قال ابن كثير في حوادث سنة 718 ه: " وفي يوم الاثنين
العشرين من
__________
(1) انظر الورقة الاخيرة من نسخة أيا صوفيا 3014.
(2) الحسيني: " ذيل العبر " ص 269، ابن كثير: " البداية "
14 / 28.
(3) محمد كرد علي: " غوطة دمشق " ص 24.
(4) الذهبي: " ذيل العبر " ص 99، ابن كثير: " البداية "،
14 / 91، النعيمي: " تنبيه الدارس " 1 / 34 33.
(5) النعيمي: " تنبيه " 1 / 316، وواقفها هو الصالح
إسماعيل ابن الملك العادل سيف الدين أبي بكر.
(6) ابن كثير: " البداية " 14 / 88، 91، النعيمي: " تنبيه
" 1 / 34.
(1/41)
ذي الحجة باشر الشيخ شمس الدين محمد بن عثمان الذهبي
المحدث الحافظ بتربة أم الصالح عوضا عن كمال الدين ابن
الشريشي..وحضر عند الذهبي جماعة من القضاة (1) ".
وقد اتخذها الذهبي سكنا له وبقي فيها إلى حين وفاته.
وفي يوم الاربعاء السابع عشر من جمادى الآخرة سنة 729 ه
ولي شمس الدين الذهبي دار الحديث الظاهرية (2) بعد الشيخ
شهاب الدين أحمد بن جهيل ونزل عن خطابة كفر بطنا (3).
ولما توفي الشيخ علم الدين البرزالي، شيخ الذهبي ورفيقه،
سنة 739 ه، تولى الذهبي تدريس الحديث بالمدرسة النفيسية
وإمامتها عوضا عنه، وكتب له تلميذه صلاح الدين الصفدي
توقيعا بذلك (4).
وفي هذه السنة أيضا، أعني سنة 739 ه، كمل تعمير دار الحديث
والقرآن التنكزية (5)، وباشر الذهبي مشيخة الحديث بها (6).
وقد أخطأ محيي
__________
(1) ابن كثير: " البداية " 14 / 88.
(2) أسسها الملك الظاهر بيبرس البندقداري سنة 676 ه، هي
والمدرسة الظاهرية وهي اليوم مقر دار الكتب الظاهرية
الواقعة قبالة المجمع العلمي العربي بدمشق، انظر عنها:
النعيمي: " الدارس " 1 / 348.
(3) ابن كثير: " البداية " 14 / 143.
(4) الصفدي: " الوافي " 2 / 166 وتجد نص التوقيع في كتابه.
(5) منسوبة إلى الامير تنكز نائب الشام، وليها سنة 712 ه
ومات معتقلا بالاسكندرية في أوائل سنة 741 ه (الحسيني: "
ذيل العبر " ص 220 219، ابن حجر: " الدرر " 2 / 55 / 62)
قال ابن كثير في حوادث سنة 739 ه: " ومما حدث في هذه السنة
إكمال دار الحديث السكرية (كذا والصحيح: التنكزية) وباشر
مشيخة الحديث بها الشيخ الامام الحافظ مؤرخ الاسلام شمس
الدين محمد بن أحمد الذهبي، وقرر فيها ثلاثون محدثا لكل
منهم جراية وجامكية كل شهر سبعة دراهم ونصف رطل خبز، وقرر
للشيخ ثلاثون رطل خبز، وقرر فيها ثلاثون نفرا يقرؤون
القرآن لكل عشرة شيخ، ولكل واحد من القراء نظير ما
للمحدثين، ورتب لها إمام، وقارئ حديث، ونواب، ولقارئ
الحديث عشرون درهما وثماني أواق خبز وجاءت في غاية
الحسن..الخ، 14 / 184.
(6) ابن كثير: " البداية " 14 / 184، النعيمي: " تنبيه " 1
/ 123.
(1/42)
الدين عبد القادر النعيمي المتوفي سنة 927 ه حينما جعل
الذهبي يخلف تقي الدين ابن تيمية في دار الحديث السكرية
(1)، فترجمه فيها (2) وكرر ذلك، مع أن الذهبي لم يتول هذه
الدار كما يبدو.
ويظهر أن " التنكزية " تحرفت إلى " السكرية (3) فظن الرجل
أنه تولاها، مع أنه ذكر أن الذهبي تولى دار الحديث
التنكزية ونقل النصوص الدالة نفسها، قال في دار الحديث
السكرية بعد أن ترجم لشيخها تقي الدين ابن تيمية المتوفي
سنة 728 ه: " ثم وليها بعده الحافظ الذهبي وهو محمد..ثم
ولي مشيخة السكرية هذه بعده الصدر المالكي ".
قال الشيخ شمس الدين السيد في " ذيل العبر " (في) (4) سنة
تسع وأربعين وسبع مئة: " والامام صدر الدين سليمان بن عبد
الحكم (5) المالكي مدرس الشرابيشية وشيخ السكرية بعد
الذهبي ".
انتهى.
وقال الصلاح الصفدي في " تاريخه " في حرف السين: " سليمان
بن عبد الحكم..إلخ (6) " ثم قال في " دار القرآن والحديث
التنكزية " من كتابه بعد ذكر عمارتها ووقوفها: " قال السيد
الحسيني في " ذيل العبر " في سنة تسع وأربعين (وسبع مئة)
(7): والامام صدر الدين سليمان بن عبد الحكم المالكي
__________
(1) " تنبيه الدارس " 1 / 78 77.
(2) المصدر نفسه 1 / 79 78.
(3) علما بأنها محرفة في النسخة المطبوعة من " البداية
والنهاية " (14 / 184) وهذه النسخة كثيرة الاغلاط كما هو
معروف.
(4) زيادة مني يقتضيها السياق.
(5) هكذا في الاصل.
وفي " ذيل العبر " (ص 276) و " ذيل تذكرة الحفاظ " (ص
119): عبد الحكيم.
وهو الصحيح.
(6) النعيمي: " تنبيه " 1 / 80 77.
(7) زيادة من عندي يقتضيها السياق.
(1/43)
شيخهم ومدرس الشرابيشية وشيخ التنكزية بعد الذهبي.
انتهى.
وقد تقدمت ترجمة الذهبي في دار الحديث السكرية.
وقال الصلاح الصفدي في " تاريخه " في حرف السين: " سليمان
ابن عبد الحكم..إلخ (1) ".
وهذا النص الاخير هو الصحيح وهو الذي أورده الحسيني في "
ذيل العبر " (2).
إن هذا الاختلاط والتحريف بالنصوص جعل الدكتور صلاح الدين
المنجد يذهب إلى القول بأن الذهبي خلف ابن تيمية سنة 728 ه
في دار الحديث السكرية وهو وهم لا أساس له (3).
ومن دور الحديث التي تولاها الذهبي دار الحديث الفاضلية
(4)، التي أسسها القاضي الفاضل وزير صلاح الدين المتوفى
سنة 596 ه.
وهكذا تولى الذهبي كبريات دور الحديث بدمشق في أيامه، لما
وصل إليه من المعرفة الواسعة في هذا الفن.
وحينما توفي سنة 748 ه كان يتولى مشيخة الحديث في خمسة
أماكن هي: 1 مشهد عروة، أو دار الحديث العروية، ودرس فيها
بعده شرف الدين ابن الواني الحنفي، نزل الذهبي له عنها في
مرض موته (5).
__________
(1) النعيمي: " تنبيه الدارس " 1 / 127.
(2) الحسيني: " ذيل ذيل العبر " ص 276.
(3) مقدمة الجزء الذي طبعه من " سير أعلام النبلاء " 1 /
22 والطريف أن ابن تيمية لم يكن متوليا لهذه المدرسة سنة
728 فقد اعتقل في 16 شعبان سنة 726 وظل معتقلا بالقلعة إلى
حين وفاته في ليلة العشرين من ذي القعدة سنة 728 (ابن
كثير: " البداية " 14 / 123، 135).
(4) النعيمي: " تنبيه الدارس " 1 / 94.
(5) ابن قاضي شهبة: " الاعلام " الورقة 86 وهي منسوبة إلى
شرف الدين محمد بن عروة الموصلي المتوفى سنة 620 ه
(النعيمي: " تنبيه الدارس " 1 / 82).
(1/44)
2 دار الحديث النفيسية، وقد نزل الذهبي عنها إلى الشيخ شرف
الدين ابن الواني الحنفي في مرض موته أيضا فدرس فيها في ذي
القعدة (1).
3 دار الحديث التنكرية، ودرس فيها بعده الامام صدر الدين
سليمان ابن عبد الحكيم المالكي كما مر بنا قبل قليل (2).
4 دار الحديث الفاضلية بالكلاسة، ودرس فيها بعده تلميذه
تقي الدين أبو المعالي محمد بن رافع بن هجرس السلامي
المتوفى سنة 774 ه (3).
5 تربة أم الصالح، درس فيها بعده تلميذه الحافظ أبو الفداء
عماد الدين ابن كثير الدمشقي المتوفى سنة 774 ه (4).
__________
(1) ابن قاضي شهبة: " الاعلام " الورقة 86.
(2) وانظر أيضا ابن قاضي شهبة: " الاعلام " الورقة 86.
(3) ابن قاضي شهبة: " الاعلام " الورقة 86، والنعيمي: "
تنبيه " 1 / 94.
(4) قال في كتابه " البداية والنهاية " في حوادث سنة 748
ه: " وفي يوم الاحد سادس عشر ذي القعدة حضرت تربة أم
الصالح رحم الله واقفها عوضا عن الشيخ شمس الدين الذهبي،
وحضر جماعة من أعيان الفقهاء وبعض القضاة، وكان درسا
مشهودا ولله الحمد والمنة..إلخ " 14 / 225.
(1/45)
سابعا منزلة الذهبي العلمية:
لعل خير ما يصور منزلة الذهبي العلمية واتجاهاته الفكرية
هو دراسة آثاره الكثيرة التي خلفها، وتبيان قيمتها مقارنة
بمثيلاتها، ومدى اهتمام العلماء والدارسين بها في العصور
التالية، والمساهمة الفعلية التي قدمتها للحضارة
الاسلامية.
وسيرة الذهبي العلمية، استنادا إلى آثاره، ذات وجوه متعددة
يستبينها الباحث الفاحص من نوعية تلك الآثار.
وأول ما يلاحظ الدارس هذا العدد الضخم من الكتب التي
اختصرها والتي تربي على خمسين كتابا، معظمها من الكتب
الكبيرة التي اكتسبت أهمية عظيمة عند الدارسين، والتي تعد
من بين أحسن الكتب التي وضعت في عصرها وأكثرها أصالة، مما
يدل على استيعاب الذهبي لمؤلفات السابقين، ومعرفته بالجيد
الاصيل منها، وتمتعه بقدرة ممتازة على الانتفاء.
ومما يثير الانتباه أن مختصرات الذهبي لم تكن اختصارات
عادية يغلب عليها الجمود والنقل، بل إن المطلع عليها
الدارس لها بروية وإمعان يجد فيها إضافات كثيرة، وتعليقات
نفيسة، واستدراكات بارعة، وتصحيحات وتصويبات لمؤلف الاصل
إذا شعر بوهمه أو غلطه، ومقارنات تدل على معرفته وتبحره في
فن الكتاب المختصر، فهو اختصار مع سد نقص وتحقيق ونقد
وتعليق وتدقيق، وهو أمر لا يتأتى إلا للباحثين البارعين
الذين أوتوا بسطة في العلم ومعرفة بفنونه.
والذهبي حين يضيف إلى الكتاب المختصر يشعر بضرورة ذلك لسد
نقص يعتري ذلك الكتاب.
فحينما اختصر مثلا كتاب " أسد الغابة في
(1/46)
معرفة الصحابة " لعز الدين ابن الاثير المتوفى سنة 630 ه
زاده من عدة تواريخ منها: " تاريخ الصحابة الذين نزلوا حمص
" لابي القاسم عبد الصمد ابن سعيد الحمصي المتوفى سنة 324
ه، و " مسند " الامام أحمد بن حنبل المتوفى سنة 241 ه، و "
مسند " بقي بن مخلد المتوفى سنة 276 ه، و " طبقات " ابن
سعد المتوفى سنة 230 ه، و " تاريخ دمشق " لابن عساكر
المتوفى سنة 571 ه، ومن كتابات ابن سيد الناس المتوفى سنة
734 (1) ه.
وقال سبط ابن حجر عند كلامه على اختصار الذهبي " للمعجم
المشتمل على ذكر شيوخ الائمة النبل " لابن عساكر المتوفى
سنة 571 ه: " زاده فوائد ومحاسن " (2).
ويجد الباحث في مختصرات الذهبي تعليقات نفيسه، ومن ذلك
مثلا ما عمله في كتاب " الكاشف " الذي اختصره من " تهذيب
الكمال " لابي الحجاج المزي المتوفى سنة 742 ه، فعلى الرغم
من محافظة الذهبي على
روح النص الاصلي، فقد بث فيه من روحه ونشر فيه من علمه ما
جعله يكاد يكون مؤلفا من تآليفه مخالفا للاصل المختصر منه
في كثير من الامور.
وآية ذلك أنه علق على آراء بعض أئمة الجرح والتعديل فيه
تعديلا أو إبطالا، كما حقق كثيرا من التراجم وزاد تدقيقا
لا نجده في الاصل.
فضلا عن بيان رأيه في كثير من الرواة على أسس من دراساته
الواسعة، وخبرته العميقة بعلم الحديث النبوي الشريف مما
حدا بتاج الدين السبكي أن يصف هذا المختصر بأنه " كتاب
نفيس " (3).
__________
(1) أنظر أدناه قائمة المختصرات في مؤلفات الذهبي وما
كتبناه عنه في كتابنا: " الذهبي ومنهجه ": 218 217.
(2) " رونق الالفاظ " الورقة 180.
(3) " طبقات الشافعية " 9 / 104.
(1/47)
وتظهر براعة الذهبي في النقد والتحقيق في كثير من هذه
المختصرات، فمن ذلك مثلا ما ظهر في مختصره لكتاب "
المستدرك على الصحيحين " لابي عبد الله الحاكم النيسابوري
المتوفى سنة 405 ه الذي قصد فيه مؤلفه أن يورد أحاديث على
شرط البخاري ومسلم مما لم يذكراه في صحيحيهما، حيث يتبين
لنا من مطالعة المختصر وتعليقات الذهبي عليه وتخريجاته
ونقده أنه لم يصحح من أحاديث الكتاب سوى النصف، وبين أن
نصف النصف الآخر يصح سنده وإن كان فيه علة، أما الربع
الاخير فهو أحاديث مناكير وواهيات لا تصح، بل إن في بعضها
أحاديث موضوعة (1).
وهذا يعني أن الذهبي قد أعاد دراسة جميع أحاديث المستدرك
مجددا ونقدها، فخرج بهذه النتيجة.
وغالبا ما يقوم الذهبي بتخريج الاحاديث الواردة في الكتب
التي يقوم باختصارها، فغالب التخريج في كتاب " تلخيص العلل
المتناهية في الاحاديث الواهية " الذي لخصه من كتاب "
العلل " لابن الجوزي المتوفى سنة 597 ه هو من كلام الذهبي
(2).
ولما اختصر الذهبي كتاب " السنن الكبرى " للبيهقي المتوفى
سنة 458 ه.
تكلم على أسانيد الكتاب بنفائس تدل على تبحره بهذا الفن،
ووضع رموزا على الحديث لمن خرجه من أصحاب الصحيحين والسنن
الاربع، وخرج الاحاديث التي لم ترد في هذه الكتب الستة.
وكثيرا ما كان الذهبي يخرج تراجم الكتب التي يختصرها في
علم الرجال.
__________
(1) انظر ما كتبناه عن " مختصر المستدرك " في كلامنا على
مؤلفات الذهبي من كتابنا: 248 249.
(2) الذهبي: " تلخيص العلل " ورقة 85 (نسخة الازهر رقم 290
حديث).
(1/48)
من ذلك مثلا ما عمله في اختصاره لتاريخ ابن الدبيثي
المتوفى سنة 637 ه حيث زاد في كثير من تراجمه ولا سيما
الرجال الذين أخذوا عن صاحب الترجمة، وهو ما أغفله ابن
الدبيثي في " تاريخه " (1).
كما تظهر مقارنات دقيقة بالكتب والتواريخ التي من بابته "
كتاريخ محب الدين ابن النجار " المتوفى سنة 643 ه الذي ذيل
به على تاريخ الخطيب المتوفى سنة 463 ه (2)، و " وفيات
الاعيان "، لابن خلكان المتوفى سنة 681 (3) ه، و " التكملة
لوفيات النقلة " لزكي الدين المنذري المتوفى سنة 656 (4)
وغيرها.
أو من كتب الشعر ككتاب " الخريدة " للعماد الاصبهاني
القرشي المتوفى سنة 596 (5) ه.
أو من كتابات كبار العلماء الذين أخذوا عن المترجم له، مثل
زكي الدين البرزالي المتوفى سنة 636 (6) ه، وفخر الدين ابن
البخاري المتوفى سنة 690 ه صاحب " المشيخة " المشهورة (7)،
وشهاب الدين أحمد بن إسحاق الابرقوهي المتوفى سنة 701 ه
(8)، وضياء الدين المقدسي المتوفى سنة
__________
(1) انظر " المختصر المحتاج " مثلا 1 / 18، 20، 21، 25،
26، 27، 28، 35، 40، 42، 44، 47، 101، 116، 117، 119، 148،
179، 199.
إلخ.
(2) انظر " المختصر المحتاج " مثلا 1 / 21، 49، 51، 69،
72، 77، 80، 101، 136، 149، 150، 158، 169، 170، 172، 175،
178، 181، 183، 184، 188، 200، 201، 211، 212، 215، 216،
220، 223، 227، 228..الخ.
(3) المصدر السابق، مثلا 1 / 175.
(4) المصدر نفسه 1 / 158.
(5) " المختصر " 1 / 225.
(6) " المختصر " مثلا 2 / 62.
(7) المصدر نفسه، مثلا 2 / 63.
(8) " المختصر " مثلا 2 / 36.
سير 1 / 4
(1/49)
643 ه (1) وغيرهم كثير.
أو من خطوط العلماء نحو قوله: " قرأت بخط ابن قدامة " (2).
فضلا عما أضاف هو من الاسانيد قرأها على شيوخه مما يتصل
بتلك التراجم، وهي
إضافة أصيلة للترجمة، فهو حينما يقول مثلا: " وروى لنا عنه
بمصر أبو المعالي الابرقوهي (3) " أو " روى لنا عنه أبو
العباس ابن الظاهري وأبو الحسين اليونيني وعلي بن عبد
الدائم ومحمد بن يوسف الاربلي..إلخ (4) " فمعنى ذلك أن
هؤلاء الشيوخ قد أخذوا عن صاحب الترجمة (5).
ومن إضافاته إلى تلك المختصرات أيضا تواريخ وفيات
المترجمين الذين لم يذكر صاحب الكتاب الاصلي وفياتهم.
فنحن نعلم مثلا أن ابن الدبيثي لم يذكر وفاة أحد ممن ذكر
هم في تاريخه ممن تأخرت وفاته عن سنة 621 ه وهي السنة التي
حدث ابن الدبيثي فيها بتاريخه والتي تمثل آخر إخراج له
(6)، في حين أن وفيات بعضهم قد تأخرت إلى النصف الثاني من
القرن السابع الهجري، فاستخرج الذهبي وفياتهم وذكرها ليكون
اختصاره أكمل ولتكون معلومات الكتاب أتم (7).
يضاف إلى ذلك أنه يروي بعض الاحاديث الواردة في هذه
المختصرات
__________
(1) المصدر نفسه، مثلا 2 / 36، 62.
(2) المصدر نفسه، مثلا 1 / 65.
(3) المصدر نفسه، 1 / 21.
(4) المصدر نفسه 1 / 23.
(5) انظر مزيدا من الامثله، " المختصر " مثلا 1 / 76، 130،
136، 140، 152، 226، 231.
(6) انطر كتابنا: " تاريخ بغداد لا بن الدبيثي، منهجه،
موارده، أهميته " ص 4 (بغداد 1974).
(7) انظر " المختصر المحتاج إليه " مثلا 1 / 76، 86، 106،
133، 151، 152..إلخ.
ونجدا أيضا ذكرا لوفيات من يرد اسمه عرضا في بعض الاحيان 1
/ 103.
(1/50)
بسنده إذا وجد مجالا لذلك (1).
وأعاد الذهبي تنظيم بعض الكتب التي اختصرها، فحينما اختصر
كتاب " الكنى " لابي أحمد الحاكم المتوفى سنة 378 ه أعاد
ترتيبه على حروف المعجم بعد أن أضاف إليه أشياء أخرى مما
ليس فيه (2).
كما رتب " المجرد من تهذيب الكمال " على عشر طبقات ورتب كل
طبقة على حروف المعجم، في حين كان كتاب " تهذيب الكمال "
للمزي مرتبا على حروف المعجم (3).
وقد حفظنا من سيرة الذهبي أنه عني بالقراءات ودرسها على
كبار شيوخ عصره من المقرئين المشهورين حتى أصبح " الاستاذ
الثقة الكبير (4) " فيها.
وذكر ابن ناصر الدين المتوفى سنة 842 ه أنه كان " إماما في
القراءات (5) ".
لكننا نلاحظ في الوقت نفسه أنه لم يتخرج عليه في القراءات
سوى عدد قليل جدا (6) ولعل السبب في ذلك يعود إلى أنه عني
بهذه الناحية في مطلع حياته العلمية، ثم اتجه بعد ذلك إلى
الحديث والتاريخ وغيرهما.
ولم نعرف من آثاره في هذا الفن غير كتاب " التلويحات في
علم القراءات (7) " وكتاب " معرفة
__________
(1) " المختصر المحتاج إليه " 1 / 49، 65.
(2) انظر مقدمة نسخة فيض الله رقم 1531 من الكتاب.
(3) انظر كلامنا على كتاب " المجرد من تهذيب الكمال " في
كتابنا: " الذهبي ومنهجه ": 230.
(4) ابن الجزري: " غاية " 2 / 71.
(5) " الرد الوافر " ص 31.
(6) ابن الجزري: " غاية " 2 / 71، قال: " ولم أعلم أحدا
قرأ عليه القراءات كاملا، بل شيخنا الشهاب أحمد بن إبراهيم
المنبجي الطحان قرأ عليه القرآن جميعه بقراءة أبي عمرو
والبقرة
جمعا.
وروى عنه الحروف إبراهيم بن أحمد الشامي ومحمد بن أحمد ابن
اللبان وجماعة.
وسمع منه الشاطبية يحيى بن أبي بكر البوني وحدث بها عنه في
اليمن ".
(7) انظر أدناه كلامنا على آثار الذهبي (القراءات).
(1/51)
القراء الكبار على الطبقات والاعصار " الذي هو إلى كتاب
التراجم أقرب منه إلى القراءات وإن كانت محتوياته غالبا ما
تتعلق بموضوع القراءات.
وقد شهد له ابن الجزري بالاحسان فيه (1)، لذلك سلخه بأجمعه
في كتابه " غاية النهاية " كما نص على ذلك في المقدمة (2)،
ووصفه شمس الدين السخاوي بأنه " كتاب حافل " (3).
ومع كل ذلك فإن هذا الوجه من حياة الذهبي العلمية هو أضعف
الوجوه وأقلها آثارا.
على أن مكانة الذهبي العلمية وبراعته تظهر ان في أحسن
الوجوه إشراقا وأكثرها تألقا عند دراستنا له محدثا يعنى
بهذا الفن، فقد مهر الذهبي في علم الحديث وجمع فيه الكتب
الكثيرة " حتى كان أكثر أهل عصره تصنيفا (4) ".
وقد رأينا إقباله العظيم عليه وشرهه لسماعه، وذلك العدد
الضخم من الشيوخ الذين حوتهم معجمات شيوخه الثلاثة،
والكتب، والاجزاء، والمجاميع الكثيرة التي قرأها على
الشيوخ أكثر من مرة.
وقد فتحت له هذه المعرفة الواسعة آفاقا عظيمة في هذا الفن
فاختصر عددا كبيرا من الكتب، وألف عددا أكبر يستبينه
الباحث عند إلقائه نظرة على قائمة مؤلفاته في هذا المجال.
كما ألف في مصطلح الحديث كتبا، وخرج التخاريج الكثيرة من
الاربعينات، والثلاثينات، والعوالي، والاجزاء، ومعجمات
الشيوخ، والمشيخات، وغيرها مما فصلنا القول فيه عند كلامنا
على آثاره (5).
ومع أن الذهبي قد عاش في عصر غلب عليه الجمود والنقل
والتخليص،
__________
(1) " غاية " 2 / 71.
(2) المصدر نفسه 1 / 3.
(3) " الاعلان " ص 564.
(4) ابن حجر: الدرر 3 / 426.
(5) كتابنا: " الذهبي ومنهجه ": 139 فما بعد.
(1/52)
فإنه قد تخلص من كثير من ذلك بفضل سعة دراساته وفطنته.
قال تلميذه صلاح الدين الصفدي المتوفى سنة 764 ه: " لم أجد
عنده جمود المحدثين ولا كودنة (1) النقلة بل هو فقيه
النظر، له دربة بأقوال الناس ومذاهب الائمة من السلف
وأرباب المقالات.
وأعجبني منه ما يعانيه في تصانيفه من أنه لا يتعدى حديثا
يورده حتى يبين ما فيه من ضعف متن، أو ظلام إسناد، أو طعن
في رواته، وهذا لم أر غيره يراعي هذه الفائدة فيما يورده
(2).
إن هذه البراعة في علم الحديث، والتمكن منه ذاك التمكن،
جعلت الذهبي ينطلق بعد ذلك يجرح، ويعدل، ويفرع، ويصحح،
ويعلل، ويستدرك على كبار العلماء (3)، " فدخل في كل باب من
أبوابه " على حد تعبير تلميذه تاج الدين السبكي (4)، حتى
أطلق عليه معاصروه " محدث العصر (5) ".
وبلغ اعتراف حافظ عصره الامام ابن حجر العسقلاني المتوفى
سنة 852 ه بفضل الذهبي وبراعته إلى درجة أنه شرب ماء زمزم
سائلا الله أن يصل إلى مرتبة الذهبي في الحفظ وفطنته (6).
__________
(1) الكودنة: البلادة.
(2) " الوافي " 2 / 163.
(3) الحسيني: " ذيل تذكرة الحفاظ " ص 35.
(4) " الطبقات الوسطى " (ترجمة الذهبي من نسخة دار الكتب
المصرية رقم 554).
(5) السبكي: " الطبقات " 9 / 100، العيني: " عقد الجمان "
ورقة 37 (أحمد الثالث رقم 2911).
(6) استنادا إلى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم " ماء
زمزم لما شرب له " وقد ذكر ذلك تلميذه السخاوي في "
الاعلان " (ص 472).
وقديما شرب ابن خزيمة المتوفى سنة 311 ه ماء زمزم وطلب
علما نافعا (الذهبي: تذكرة، 2 / 721).
وقال الحاكم النيسابوري المتوفى سنة 405: " شربت ماء زمزم
وسألت الله أن يرزقني حسن التصنيف " (الذهبي: تذكرة، / 3 /
1044).
وألف شمس الدين محمد بن طولون الدمشقي المتوفى سنة 953 ه
رسالة في " التزام ما لا يلزم فيما ورد في ماء زمزم " منها
نسخة في خزانة كتب جستربتي في دبلن ضمن مجموع برقم 3317.
(1/53)
ومفهوم التاريخ عند الذهبي يتصل اتصالا وثيقا بالحديث
النبوي وعلومه، ويظهر ذلك من كتب الرجال التي يطلق الذهبي
عليها اسم التاريخ ".
وقد أصبح واضحا أن الغاية الرئيسة من العناية بالرجال اتي
لضبط الرواة أولا (1)، وهو ما يظهر في معظم مقدمات كتبه في
هذا الفن، وهو مفهوم ساد عند المحدثين المؤرخين لا سيما في
ذلك العصر (2).
وعلى علم الرجال، وعلى آثار الذهبي فيه، قامت شهرته
الواسعة باعتباره مؤرخا، كما نرى.
وقد خلف الذهبي في هذا الفن عددا ضخما من الآثار ابتدأها
باختصار أمهات الكتب المؤلفة فيه، كالتواريخ المحلية مثل "
تاريخ بغداد " للخطيب البغدادي المتوفى سنة 463 ه، والذيول
عليه: لابن السمعاني المتوفى سنة
562 ه، وابن الدبيثي المتوفى سنة 637 ه وابن النجار
المتوفى سنة 643 ه.
ومنها أيضا " تاريخ دمشق " لابن عساكر المتوفى سنة 571 ه،
و " تاريخ مصر " لابن يونس المتوفى سنة 347 ه، و " تاريخ
نيسابور " لابي عبد الله الحاكم النيسابوري المتوفى سنة
405 ه، و " تاريخ خوارزم " لابن أرسلان الخوارزمي المتوفى
سنة 568 ه.
ومن كتب الوفيات: " التكملة لوفيات
__________
(1) انظر كتابنا: " أثر الحديث في نشأة التاريخ عند
المسلمين ".
بغداد، مطبعة الحكومة 1966 م، وبحثنا: " مظاهر تأثير علم
الحديث في علم التاريخ عند المسلمين " المنشور في مجلة
الاقلام البغدادية، السنة الاولى، العدد الثالث 1965 م.
(2) حينما شعر الحافظ ابن حجر العسقلاني المتوفى سنة 852 ه
أن من بين مستدركاته على الذهبي في كتابه " المشتبه "
أسماء لشعراء وفرسان في الجاهلية وما أشبه ممن ليست لهم
رواية حديثية، اعتذر عن ذلك بقوله: " إن غالب من ذكرت يأتي
ذكره في كتب المغازي والسير والمبتدأ والانساب والتواريخ
والاخبار ولا يستغني طالب الحديث عن ضبط ما يرد في ذلك من
الاسماء ولو لم يكن لهم رواية " " تبصير المنتبه " 4 /
1513.
(1/54)
النقلة " لزكي الدين المنذري المتوفى سنة 656 ه وصلته
للحسيني المتوفى سنة 695 ه.
ومن كتب الانساب: كتاب " الانساب " لابي سعد السمعاني
المتوفى سنة 562 ه.
ومن كتب الصحابة كتاب " أسد الغابة " لابن الاثير المتوفى
سنة 630 ه.
ومن كتب رجال الصحاح والسنن مثل كتاب " تهذيب الكمال في
معرفة الرجال " لابي الحجاج المزي المتوفى سنة 742 ه، و "
المعجم المشتمل على أسماء شيوخ الائمة النبل " لابن عساكر
المتوفى سنة 571 ه وغيرها (1).
فكانت هذه المختصرات المادة الرئيسة التي كونت شخصيته
العلمية ومعرفته بالعصور السابقة.
أما تراجم المعاصرين فيعد الذهبي من بين أحسن الذين كتبوا
فيهم، وقد أدرك أهمية هذا الامر فكان كتابه " المعجم
المختص بمحدثي العصر " خير دليل على ذلك.
ولا عبرة بعد ذلك بمن انتقده لتناوله التاريخ المعاصر كابن
الوردي (2)، لان هذا هو التاريخ الاكثر أهمية وخطرا، وهو
الذي يعطي المؤرخ أهميته البالغة بين المؤرخين ويميزه عن
غيره، وهو مما لم يدركه كثير من المعنيين بالتاريخ ومنهم
ابن الوردي.
لقد أنتجت هذه المعرفة الرجالية الواسعة مؤلفات كثيرة لعل
من أهمها كتابه العظيم " تاريخ الاسلام ووفيات المشاهير
والاعلام " الذي هو إلى كتب التراجم أقرب منه إلى التاريخ
بمفهومه الحديث، وكتابه النفيس " سير أعلام النبلاء " الذي
لم يتضمن غير التراجم، ثم ذلك العدد الضخم من المؤلفات
التي عرفناها له.
__________
(1) انظر كلامنا على " المختصرات " من كتابنا: الذهبي
ومنهجه: 264 215.
(2) ابن الوردي: تتمة المختصر، 2 / 349.
(1/55)
ولعل مما يميز الذهبي عن غيره من بعض مؤلفي كتب الرجال
والتراجم أنه لم يقتصر في تأليفه على عصر معين، أو فئة
معينة، أو تنظيم معين، بل تناولت مؤلفاته رجال الاسلام من
أول ظهوره حتى عصره، بله المعاصرين له.
وهو في كتابته للترجمة فنان تراجمي ملئ بفن التراجم يجد
الباحث فيها دقة متناهية في التعبير، وحبكا للترجمة تشد
القارئ إليها مع تعدد الموارد وانتقاء لافضلها وإبداء
لآرائه الشخصية فيها (1).
وقد عانى الذهبي كتابة " السيرة " وهو فن خاص له مميزاته
التي تجعله يختلف عن كتابة " الترجمة " المجردة، فكتب في
سير الخلفاء الراشدين، وأئمة الفقه، والحديث، وغيرهم (2).
ومعرفة الذهبي الواسعة في الرجال دفعت تاج الدين السبكي
الذي انتقده في بعض المواضع إلى القول: " إنه كان شيخ
الجرح والتعديل ورجل الرجال، وكأنما جمعت الامة في صعيد
واحد فنظرها ثم أخذ يعبر عنها إخباز من حضرها (3) ".
وقد ازداد شأنه بعد عصره بحيث اعتبر هو والمزي مؤرخي القرن
الثامن اللذين لا ينافسهما أحد (4)، وعده الامام السيوطي
المتوفى سنة 911 ه رأس طبقة ذكر فيها القطب الحلبي المتوفى
سنة 735 ه وابن سيد الناس المتوفى سنة 734 ه وشمس الدين
المقدسي المتوفى سنة 744 ه
__________
(1) انظر الفصل الثاني من هذا البحث عند كلامنا على منهج
الذهبي في " السير " وما كتبناه عن منهجه في كتابه " تاريخ
الاسلام " في كتابنا المذكور عنه.
(2) انظر أدناه " السير " من آثار الذهبي.
(3) السبكي: " طبقات " 9 / 101.
(4) السخاوي: " الاعلان " ص 604.
(1/56)
وتقي الدين السبكي المتوفى سنة 756 ه وعلم الدين البرزالي
المتوفى سنة 739 ه وشهاب الدين النابلسي المتوفى سنة 758
(1) ه وهم من أعلام الحفاظ المحدثين المؤرخين، وذكر أن
المحدثين في عصره عيال في الرجال وغيرها من فنون الحديث
على أربعة أحدهم الذهبي (2).
ومع أن براعة الذهبي التاريخية أكثر ما ظهرت في الرجال
فإنه قد درس التاريخ السياسي، واختصر عددا من المؤلفات
الرئيسية فيه مثل تاريخ أبي شامة
المتوفى سنة 665 ه وتاريخ أبي الفداء المتوفى سنة 732 ه
وغيرهما، وأفاد من معظم التواريخ المعروفة في عصره ودرسها
كسيرة ابن إسحاق المتوفى سنة 151 ه وتواريخ: الطبري
المتوفى سنة 310 ه وابن الاثير المتوفى سنة 630 ه وابن
الجوزي المتوفى سنة 597 ه وغيرهما مما يطول تعداده (3).
وقد ظهرت هذه الكتابات في تواريخه المرتبة على الحوادث
والوفيات مثل " تاريخ الاسلام " و " العبر " و " دول
الاسلام " وغيرها.
ونستبين من نطاق كتاباته هذه أنه كان مؤرخا جوال الذهنية
استطاع استيعاب عصور التاريخ الاسلامي من أول ظهوره حتى
زمانه الذي كتب فيه مؤلفاته، وهي فترة تزيد على السبعة
قرون، فألف في كل هذه العصور بعد أن درسها دراسة عميقة
قامت على دعامتين رئيستين هما: الرواية الشفوية والكتب
وهذا أمر لم يتأت لكثير من العلماء الذين سبقوه أو عاصروه.
وحينما كتب الذهبي كتابه " تذكرة الحفاظ " ورتبه على
الطبقات تكلم في
__________
(1) السبوطي:: " طبقات الحفاظ " ورقة 85 فما بعد (نسخة
الاسكندرية).
(2) المصدر نفسه، ورقة 86.
(3) انظر كلامنا على نهج الذهبي في الموارد من كتابنا: "
الذهبي ومنهجه ": 284 فما بعد.
(1/57)
نهاية أكثرها على الاوضاع السياسية والثقافية والاجتماعية
والاقتصادية في الوقت الذي تناولته فأجمل الاوضاع العامة
بفقرات قليلة دللت على سعة أفقه التاريخي وقدرته الفائقة
على تصوير حقبة كاملة من الزمن وعلى امتداد العالم
الاسلامي المترامي الاطراف بعبارة وجيزة.
وهذا أمر لا يتأتى إلا لمن استوعب العصر ودرسه دراسة عميقة
بحيث حصل له مثل هذا التصور والفهم
العام (1).
ثم إن هذه المعرفة الرجالية الواسعة مع ما أوتي من ذكاء
وإدراك واسعين جعلت منه ناقدا رجاليا ماهرا، تدل على ذلك
مؤلفاته في النقد وأصوله والتي من أبرزها كتابه العظيم "
ميزان الاعتدال في نقد الرجال " الذي اعتبره معاصروه (2)
ومن جاء بعدهم (3) من أحسن كتبه وأجلها.
وقد تناوله عدد كبير من الحفاظ والعلماء والمعنيين بالنقد
استدراكا وتعقيبا وتلخيصا بحيث قال شمس الدين السخاوي: "
وعول عليه من جاء بعده (4) ".
وللذهبي التفاتات بارعة في أصول النقد، فقد ألف رسالة في "
ذكر من يؤتمن قوله في الجرح والتعديل " تكلم فيها على أصول
النقد وطبقات النقاد وكيفية أخذ أقوالهم (5).
وأورد في مقدمة " الميزان " عبارات الجرح والتعديل من أعلى
مراتبها إلى أدناها وبين مدلولاتها في النقد (6).
وهو في كتبه يشرح بعض هذه الاصول،
__________
(1) انظر مثلا الذهبي: " تذكرة الحفاظ " 1 / 70، 160 158،
244، 328، 2 / 530، 627 - 628، 4 / 1266، 1485 (2) السبكي:
" طبقات " 9 / 104، الحسيني: " ذيل تذكرة الحفاظ " ص 35
(3) ابن حجر: " لسان الميزان " 1 / 4 (4) " الاعلان " ص
587 وانظر كلامنا على الميزان في كتابنا: " الذهبي ومنهجه
": 201 193 (5) نسخة أيا صوفيا رقم 2953 (6) " ميزان
الاعتدال " 1 / 4 3
(1/58)
من ذلك مثلا ما ذكره في ترجمة أبان بن تغلب الكوفي، قال: "
شيعي جلد، ولكنه صدوق فلنا صدقه، وعليه بدعته.
وقد وثقة أحمد بن حنبل، وابن معين
، وأبو حاتم، وأورده ابن عدي، وقال: كان غاليا في التشيع.
وقال السعدي: زائغ مجاهر.
فلقائل أن يقول: كيف ساغ توثيق مبتدع، وحد الثقة العدالة
والاتقان ؟ فكيف يكون عدلا من هو صاحب بدعة ؟ وجوابه أن
البدعة على ضربين: فبدعة صغرى كغلو التشيع، أو كالتشيع بلا
غلو ولا تحرف، فهذا كثير في التابعين وتابعيهم مع الدين
والورع والصدق، فلو رد حديث هؤلاء لذهب جملة من الآثار
النبوية، وهذه مفسدة بينة.
ثم يدعة كبرى كالرفض الكامل والغلو فيه، والحط على أبي بكر
وعمر رضي الله عنهما، والدعاء إلى ذلك، فهذا النوع لا يحتج
بهم ولا كرامة..ولم يكن أبان بن تغلب يعرض للشيخين أصلا،
بل قد يعتقد عليا أفضل منهما (1) ".
وقال في ترجمة أبي نعيم أحمد بن عبد الله الاصبهاني: " أحد
الاعلام صدوق، تكلم فيه بلا حجة، ولكن هذه عقوبة من الله
لكلامه في ابن منده بهوى، قال الخطيب: " رأيت لابي نعيم
أشياء يتساهل فيها، منها أنه يطلق في الاجازة أخبرنا ولا
يبين.
وقلت (يعني الذهبي): هذا مذهب رآه أبو نعيم وغيره، وهو ضرب
من التدليس.
وكلام ابن منده في أبي نعيم فظيع، لا أحب حكايته، ولا أقبل
قول كل منهما في الآخر، لا أعلم لهما ذنبا أكثر من
روايتهما الموضوعات ساكتين عنها..قلت: كلام الاقران بعضهم
في بعض لا يعبأ به، لا سيما إذا لاح لك أنه لعداوة أو
لمذهب أو لحسد، ما ينجو منه إلا من عصم الله، وما علمت أن
عصرا من الاعصار سلم أهله من ذلك، سوى الانبياء
__________
(1) " ميزان الاعتدال " 1 / 6 5 وانظر أمثلة أخرى في "
معجم الشيوخ " م 1 الورقة 256، م 2 الورقة 72، " وتاريخ
الاسلام " الورقة 93 (أحمد الثالث 2917 / 9).
(1/59)
والصديقين، ولو شئت لسردت من ذلك كراريس، اللهم فلا تجعل
في قلوبنا
غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم (1) ".
ولم يكن الذهبي ليصدر اتباعا لآراء الآخرين في النقد فهو
يخالفهم في بعض الاحيان حين لا يجد لآرائهم من سند قوي
يؤيدها، فمن ذلك - مثلا ما جاء في ترجمة زيد بن وهب
الجهني، أحد التابعين، وهو الذي تكلم فيه أبو يعقوب الفسوي
في " تاريخه " وذكر أن في حديثه خللا كبيرا، فقال: " ولا
عبرة بكلام الفسوي (2) " وأورد في " ميزان الاعتدال " مآخذ
الفسوي عليه ورد عليها ثم قال: " فهذا الذي استنكره الفسوي
من حديثه ما سبق إليه، ولو فتحنا هذه الوساوس علينا لرددنا
كثيرا من السنن الثابتة بالوهم الفاسد (3) " والميزان ملئ
بمثل هذه النقدات لا مجال لتكثير الامثلة منها.
بل وجدناه يؤلف كتابين، يرد فيهما على جملة من علماء الجرح
والتعديل هما: " رسالة في الرواة الثقات المتكلم فيهم بما
لا يوجب ردهم "، وكتاب " من تكلم فيه وهو موثق ".
ولم يقتصر نقد الذهبي على الرجال حسب، بل تعدى ذلك إلى نقد
الموارد التي يطالعها أو يختصرها أو يأخذ منها، وهو ما
يعرف اليوم بنقد المصادر، من ذكل مثلا نقده لكتاب "
الضعفاء " لابن الجوزي المتوفى سنة 597 ه الذي اختصره وذيل
عليه، فقال في ترجمة أبان بن يزيد العطار: قد أورده أيضا
العلامة ابن الجوزي في " الضعفاء " ولم يذكر فيه أقوال من
وثقه.
وهذا من عيوب كتابه يسرد الجرح ويسكت عن التوثيق " (4).
وقال في ترجمة حفص
__________
(1) نفسه، ج 1 ص 111 وانظر " تاريخ الاسلام " الورقة 334
(أيا صوفيا 3008).
(2) الذهبي: " تذكرة " 1 / 67 (3) الذهبي: " ميزان
الاعتدال " 2 / 107 وانظر: " تاريخ الاسلام " الورقة 485
(أيا صوفيا 3009).
(4) المصدر نفسه، 1 / 16.
وقد تكلم في هذه المسألة ابن حجر في " اللسان " فراجعه
هناك
تجد فائدة.
(1/60)
ابن ؟ ؟ من الميزان: " قال ابن القطان: لا يعرف له حال ولا
يعرف قلت: لم أذكر هذا النوع في كتابي هذا، فإن ابن القطان
يتكلم في كل من لم يقل فيه إمام عاصر ذاك الرجل أو أخذ عمن
عاصره مما يدل على عدالته.
وهذا شئ كثير، ففي الصحيحين من هذا النمط خلق كثير
مستورون، ما ضعفهم أحد ولا هم بمجاهيل (1) ".
وانتقد الذهبي كتاب " الضعفاء " لابي جعفر محمد بن عمرو
العقيلي المتوفى سنة 322 ه لايراده بعض الثقات ومنهم حافظ
عصره علي بن المديني المتوفى سنة 234 فقال في ترجمة ابن
المديني من الميزان: " ذكره العقيلي في كتاب الضعفا، فبئس
ما صنع " ورد عليه حينما نقل قول عبد الله بن أحمد بن
حنبل: " كان أبي حدثنا عنه، ثم أمسك عن اسمه..ثم ترك حديثه
"، بقوله: " بل حديثه عنه في مسنده " وهذا رد مفحم من
الذهبي بل قال بعد ذلك: " وهذا أبو عبد الله البخاري
وناهيك به قد شحن صحيحه بحديث ابن المديني (2) ".
ولا يقتصر الذهبي عند نقد الكتب على إيراد مساوئها، بل
كثيرا ما يذكر محاسنها ومميزاتها، فقد سبق أن قال إن كتاب
العقيلي مفيد (3)، وقال عن كتاب " الكامل " لابن عدي
المتوفى سنة 365 ه إنه " أكمل الكتب وأجلها في ذلك (4) "،
وقال في ترجمة الدار قطني المتوفى سنة 385 ه: " وإذا شئت
أن تتبين براعة هذا الامام الفرد فطالع العلل له فإنك
تندهش ويطول تعجبك (5) ".
__________
(1) " ميزان الاعتدال " 1 / 556 (2) " ميزان الاعتدال " 3
/ 140 138.
(3) المصدر نفسه 1 / 2.
(4) المصدر نفسه، 1 / 2.
(5) " تذكرة الحفاظ " 3 / 994 993.
(1/61)
ونحن نعلم أيضا أن الذهبي قد عانى النقد في تآليف خاصة رد
بها على كتب معينة، فقد ألف كتابا في الرد على ابن القطان
المتوفى سنة 628 ه (1) كما ألف كتاب " من تكلم فيه وهو
موثق " رد به على جملة من كتب الضعفاء كما ببنا.
وبسبب هذا الذي قدمنا ذكره من براعة الذهبي في النقد
والتمكن منه، فقد أصبح " شيخ الجرح والتعديل " كما ذكر تاج
الدين السبكي (2).
وقال ابن ناصر الدين المتوفى سنة 842 ه: " ناقد المحدثين
وإمام المعدلين والمجرحين..وكان آية في نقد الرجال، عمدة
في الجرح والتعديل (3) "، وقال شمس الدين السخاوي المتوفى
سنة 902: " وهو من أهل الاستقراء التام في نقد الرجال (4)
"، فأصبحت أقوال الذهبي فيمن يترجم لهم تعتبر عند النقاد
والمؤرخين الذين جاءوا بعده أقصى حدود الاعتبار، وظهرت
بصورة جلية في المؤلفات التي كتبت بعد عصره، ولا سيما في
مؤلفات مؤرخ القرن التاسع وحافظه ابن حجر العسقلاني
المتوفى سنة 852 ه (5).
وتطالعنا عند قراءة كتب الذهبي العديد من الامثلة التي تدل
على قوته في البحث والاستدلال، ومناقشة آراء الغير بروح
علمي يعتمد الدليل والاقناع، من ذلك مثلا مناقشة لمن اتهم
الحافظ أبا حاتم محمد بن حيان البستي التميمي المتوفى سنة
354 ه بالزندقة لقوله: " إن النبوة هي العلم والعمل " وما
تبع ذلك من كتابة الخليفة أمرا بقتله لهذا السبب، قال
الذهبي: " وهذا
__________
(1) الذهبي: " الرد على ابن القطان " (نسخة الظاهرية،
مجموع رقم 70).
(2) ؟ ؟ " 9 / 101.
(3) " الرد الوافر " ص 31.
(4) " الاعلان " ص 722.
(5) انظر مثلا كتابه: " لسان الميزان ".
(1/62)
أيضا له محمل حسن ولم يرد حصر المبتدأ بالخبر، ومثله: الحج
عرفة.
فمعلوم أن الرجل لا يصير حاجا بمجرد الوقوف بعرفة، وإنما
ذكر مهم الحج، ومهم النبوة، إذ أكمل صفات النبي العلم
والعمل، ولا يكون أحد نبيا إلا أن يكون عالما عاملا.
نعم، النبوة موهبة من الله تعالى لمن اصطفاه من أولي العلم
والعمل لا حيلة للبشر في اكتسابها أبدا، وبها يتولد العلم
النافع الصالح، ولا ريب أن إطلاق ما نقل عن أبي حاتم لا
يسوغ، وذلك نفس فلسفي (1) ".
ومن الامثلة الطريفة أيضا مناقشة لمسألة معرفة النبي صلى
الله عليه وسلم - الكتابة، فقال في ترجمخة الحافظ العلامة
أبي الوليد سليمان بن خلف الباجي المتوفى سنة 474 ه: "
ولما تكلم أبو الوليد في حديث الكتابة يوم الحديبية الذي
في البخاري قال بظاهر لفظه، فأنكر عليه الفقيه أبو بكر ابن
الصائغ وكفره بإجازة الكتب على رسول الله صلى الله عليه
وسلم النبي الامي وأنه تكذيب بالقرآن، فتكلم في ذلك من لم
يفهم الكلام حتى أطلقوا عليه الفتنة وقبحوا عند العامة ما
أتى به خطباؤهم في الجمع وقال شاعرهم: برئت ممن شرى دنيا
بآخرة * وقال: إن رسول الله قد كتبا وصنف أبو الوليد رسالة
بين فيها أن ذلك غير قادح في المعجزة فرجع بها جماعة.
قلت: ما كل من عرف أن يكتب اسمه فقط بخارج عن كونه أميا
لانه لا يسمى كاتبا.
وجماعة من الملوك قد أدمنوا في كتابة العلامة وهم أميون،
والحكم للغلبة لا للصورة النادرة، فقد قال عليه السلام: "
إنا أمة أمية " أي أكثر هم كذلك لندور الكتابة في الصحابة،
وقال تعالى: [ هو الذي بعث في
__________
(1) الذهبي: " تذكرة " 3 / 922 921 وراجع " تاريخ الاسلام
" ورقة 17 16 (أحمد الثالث 2917 / 10) وانظر أيضا " ميزان
الاعتدال " ج 3 / 508 507 ففيه تفصيل أكثر في هذه المسألة.
(1/63)
الاميين رسولا منهم ] (1).
وقال في موضع آخر معقبا على هذه المسألة أيضا: " قلت: وما
المانع من جواز تعلم النبي صلى الله عليه وسلم - يسير
الكتابة بعد أن كان أميا لا يدري ما الكتابة، فلعله لكثرة
ما أملى على كتاب الوحي وكتاب السنن والكتب إلى الملوك عرف
من الخط وفهمه وكتب الكلمة والكلمتين كما كتب اسمه الشريف
يوم الحديبية محمد بن عبد الله، وليست كتابته لهذا القدر
اليسير ما يخرجه من كونه أميا ككثير من الملوك أميين
ويكتبون العلامة " (2).
ومثل هذا كثير في كتب الذهبي.
وقد حفظنا من سيرة الذهبي أنه كان سلفي العقيدة قد أثرت
فيه البيئة الدمشقية وصحبته لشيخ الاسلام ابن تيمية.
ومع أن الذهبي لم يكن متحمسا للخوض في مضايق العقائد ويعتر
السكوت فيها أولى وأسلم (3)، لكنه في الوقت نفسه أبدى
آراءه في كثير من المواضع، وألف فيها.
وقد اعتبر " الاعتزال بدعة " (4) وهاجم الفلاسفة
اليونانيين هجوما عنيفيا (5).
وكان على غاية من الاعجاب بأعمال السلف وإنجازاتهم (6)،
واهتم اهتماما كبيرا بذكر أخبار العلماء في المحنة التي
أصيبوا بها حينما أعلن المأمون رأيه والزم
الناس القول بخلق القرآن، وبين موافقهم الجريئة من هذا
الامر (7).
__________
(1) الذهبي: " تذكرة " 3 / 1182 1181.
والآية الكريمة من سورة الجمعة (2) (2) المصدر نفسه، 2.
742 (3) " تذكرة " 2 / 600، 4 / 1499 (4) انظر مثلا "
تذكرة الحفاظ " 3 / 1122 (5) " أهل المئة فصاعدا " ص 115
(6) " تذكرة الحفاظ " ج 2 / 628 627 (7) انظر مثلا " تذكرة
" 1 / 476، 477، 561، 589، 2 / 730، 733، 747..
(1/64)
لقد اختصر الذهبي عددا من الكتب المهمة في العقائد منها
مثلا كتاب " البعث والنشور " وكتاب " القدر " اللذان
للبيهقي المتوفى سنة 458 ه، وكتاب " الفاروق في الصفات "
لشيخ الاسلام الانصاري المتوفى سنة 481 ه وكتاب " منهاج
الاعتدال في نقض كلام أهل الرفض والاعتزال " لرفيقه وشيخه
تقي الدين ابن تيمية المتوفى سنة 728 ه.
وخلف الذهبي عددا من الآثار في هذا العلم منها كتاب "
الكبائر وبيان المحارم " وكتاب " الاربعين في صفات رب
العالمين " وكتاب " العرش " و " كتاب مسألة الوعيد "
وغيرها.
ولعل من أشهرها كتابه المعروف " العلو للعلي الغفار " الذي
يعد أوسع هذه الكتب وأكثرها شهرة (1).
بحث الذهبي العقائد على طريقة السلف من أهل الحديث، فكانت
المادة الرئيسية التي تكون هذه الكتب والادلة المستعملة
فيها من الاحاديث النبوية الشريفة.
وقد انتقد الذهبي من قبل مخالفيه على تأليفه لبعض هذه
الكتب واعتقاده
مثل هذه العقائد، قال الشيخ محمد زاهد الكوثري عن كتاب "
العلو ": " ولو لم يؤلفه لكان أحسن له في دينه وسمعته لان
فيه مآخذ كثيرة، وقد شهر عن الذهبي أنه كان شافعي الفروع
حنبلي المعتقد (2) ".
ولم يشتهر الذهبي بوصفه فقيها أو عالما بالفقه مع أنه درسه
على أعلام العصر آنذاك مثل الشيخ كمال الدين ابن
الزملكاني، وبرهان الدين الفزاري، وكمال الدين ابن قاضي
شهبة، وغيرهم (3).
وقد ألف في
__________
(1) انظر أدناه كلامنا على آثار الذهبي.
(2) " ذيل تذكر الحفاظ " 348 هامش 2 (3) انظر أعلاه كلامنا
على سيرته و " رونق الالفاظ " لسبط ابن حجر، ورقة 180 سير
1 / 5
(1/65)
أصوله، وعني باختصار كتاب " المحلى " لابن حزم (1)، وهو من
كبار الكتب الفقهية، وألف عددا من الكتب والاجزاء التي
تناولت موضوعات فقهية، وكانت له خواطر وآراء ونقدات جاءت
في ثنايا كتبه، من ذلك مثلا كلامه في مسألة الطلاق
ومناقشته لابن تيمية (2).
وهو كغيره من علماء الحنابلة يعتبر القرآن والحديث هما
أساس الفقه، ويظهر مفهوم الفقه عند الذهبي واضحا في بيتين
من الشعر له ذكرهما غير واحد ممن ترجم له وهما: الفقه قال
الله قال رسوله * إن صح والاجماع فاجهد فيه وحذار من نصب
الخلاف جهالة * بين النبي وبين رأي فقيه (3) وهذا الذي
قدمناه لا يعني أن الذهبي لم يكن عارفا بالفقه، لكنه كان
عزوفا عنه لا نشغاله بالحديث وروايته الذي هو الاصل الثاني
للفقه بعد الكتاب العزيز، قال ابن ناصر الدين المتوفي سنة
842 ه: " له دربة بمذاهب الائمة
وأرباب المقالات قائما بين الخلف بنشر السنة ومذهب السلف
(4) ".
ولغة الذهبي في كتبه لغة جيدة قياسيا بالعصر الذي عاش فيه،
ويكفي أننا قلما وجدنا له لحنا في كتبه.
وهو باعتباره محدثا كبيرا وناقدا ماهرا دقيق في تعابيره،
لما لذلك من أهمية في وضع الكلمة المناسبة أو العبارة في
موضعها الملائم لا سيما في تحبير التراجم، فضلا عن أسلوبه
السلس الممتع لمن أدمن قراءة مثل هذه الكتب.
__________
(1) وهو كتاب " المستحلى في اختصار المحلى " وانظر أدناه
كلامنا على آثار الذهبي (2) الذهبي: " تذكرة الحفاظ " 2 /
715 713 (3) ابن ناصر الدين: " الرد الوافر " ص 31.
الصفدي: " الوافي " 2 / 166 (4) المصدر نفسه.
(1/66)
وقد عني الذهبي في مطلع حياته العلمية برواية الشعر وأورد
طائفة من الاشعار عن شيوخه (1).
وذكرت لنا مصادر ترجمته بعضا من نظمه في المدح (2)،
والرثاء (3).
وله شعر تعليمي، فقد علمنا أنه نظم أسماء المدلسين بقصيدة
أوردها السبكي في طبقاته (4)، كما نظم أسماء الخلفاء
بقصيدة أخرى (5).
وكان كثير الاعتناء بالشعراء تدل على ذلك تراجمهم الواسعة
في كتابيه " تاريخ الاسلام " " وسير أعلام النبلاء "
والنماذج الشعرية الكثيرة التي أوردها وعنايته الفائقة
بتتبع دواوين الشعراء بحيث قال في ترجمة أبي الحسن محمد بن
المظفر البغدادي الخرقي في وفيات سنة 455 ه " ولا يكاد
يوجد ديوانه (6) ".
وكان للذهبي خط متقن قد أعجب به علم الدين البرزالي منذ أن
بدأ الذهبي يطلب العلم (7).
وقد وصل إلينا الكثير من كتبه وكتب غيره مكتوبا
بخطه، وهو وإن لم يكن جميلا مراعيا لاصول الخطاطين
والكتاب، لكنه يمتاز بالدقة والاتقان لا سيما للذي يدمن
عليه.
__________
(1) انظر مثلا " معجم الشيوخ " م 1 ورقة 3، 7، 15، 20، 24،
29، 34، 35، 45، 48، 52، 55، 61، 62، 63، 65، 66، 69، 75،
77، 81، 83، 89.
م 2 ورقة 6 1، 11، 12، 30، 33، 36، 40، 52، 56، 59، 60،
66، 74، 85، 86، 88، 99 96.
(2) من بين الذين مدحهم الذهبي ووصل إلينا شعره فيهم:
إسحاق بن أبي بكر بن ابراهيم الاسدي الحلبي الحنفي النحاس
المتوفى سنة 710 ه (معجم الشيوخ، م 1 ورقة 34) وتقي الدين
السبكي المتوفى سنة 756 ه وولده التاج المتوفى سنة 771 ه
(طبقات السبكي، ج 9 ص 106، والسيوطي: طبقات الحفاظ، ورقة
86) والبرزالي (ابن ناصر الدين: الرد الوافر، ص 120).
(3) من ذلك قصيدته في رثاء رفيقه وشيخه ابن تيمية المتوفى
سنة 728 ه (ابن ناصر الدين: " الرد الوافر " ص 36 35 و "
التبيان " ورقة 165).
(4) 9 / 109 107.
(5) " تاريخ الاسلام " ورقة 179 (أحمد الثالث 2917 / 11).
(6) السخاوي: " الاعلان " ص 547.
(7) الذهبي: " معجم الشيوخ " م 2 الورقة 25، ابن حجر: "
الدرر " 3 / 323.
(1/67)
وعرف الذهبي بزهده وورعه وديانته المتينة، وقد رأينا عند
دراستنا لمجمل سيرته أنه كان يأنس إلى الاجتماع بمشاهير
الفقراء والصوفية من ذوي الديانة والتمسك بالآثار.
قال تلميذه تقي الدين ابن رافع السلامي المتوفى سنة 774 ه:
" كان خيرا صالحا متواضعا حسن الخلق حلو المحاضرة، غالب
أوقاته في الجمع والاختصار
والاشتغال بالعبادة، له ورد بالليل، وعنده مروءة وعصبية
وكرم (1) " وقال الزركشي المتوفى سنة 794 ه: " مع ما كان
عليه من الزهد التام والايثار العام والسبق إلى الخيرات
والرغبة بما هو آت (2) " ويكفي الذهبي أنه أفنى حياته في
دراسة حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم - وتدريسه.
لقد أصبحت كتب الذهبي متداولة في عصره والعصور التالية له،
واعتبرت من أعظم الموارد التي استقى منها الكتاب الذين
جاءوا بعده.
قال ابن حجر: " ورغب الناس في تواليفه ورحلوا إليه بسببها
وتداولوها قراءة، ونسخا، وسماعا (3) ".
وقال تلميذه الحسيني: " وقد سار بجملة منها الركبان في
أقطار البلدان (4) ".
وحسبنا أن نلقي نظرة عجلى على المستدركات والتلخيصات
والذيول التي عملت على كتبه لندرك أهميتها البالغة.
وكان الذهبي مدرسة قائمة بذاتها خرجت العديد من الحفاظ
والعلماء.
وقد أتاحت له معرفته العظيمة الواسعة بالحديث وعلومه
والتاريخ وفنونه مكانة
__________
(1) سبط ابن حجر: " رونق الالفاظ " الورقة 180.
(2) " عقود الجمان " (نسخة مكتبة فاتح رقم 4435).
(3) ابن حجر: " الدرر " 3 / 427.
(4) " ذيل تذكرة الحفاظ " ص 36.
(1/68)
مرموقة بين أساتيذ العصر، فأمه طلبة العلم من كل حدب وصوب.
ونحن نعلم أن الذهبي تولى مناصب تدريسية كثيرة، نعرف منها
مشيخة الحديث في تربة أم الصالح، ودار الحديث الظاهرية،
والمدرسة النفيسية، ودار الحديث التنكزية، ودار الحديث
الفاضلية، ودار الحديث العروية.
وقد
أتاحت له هذه المناصب أن يدرس عليه عدد كبير من الطلبة
يفوق الحصر، قال تلميذه الحسيني: " وحمل عنه الكتاب والسنة
خلائق (1) " وقال ابن قاضي شهبة الاسدي: " سمع منه السبكي
والبرزالي والعلائي وابن كثير وابن رافع وابن رجب وخلائق
من مشايخه ونظرائه..وتخرج به حفاظ (2) ".
وإن كتب القرن الثامن لتزخر بمئات من تلاميذ الذهبي النجب
لم نجد في إيرادهم كثير فائدة في مثل هذا البحث.
ونرى من المفيد أن نقتطف في نهاية هذا الفصل آراء العلماء
فيه لما لذلك من أهمية في تقويمه، وكنا نقلنا في أثناء هذا
البحث بعضا منها، فقد وصفه رفيقه وشيخه علم الدين البرزالي
المتوفى سنة 739 ه في " معجم شيوخه " والذهبي ما زال في
مطلع حياته العلمية بقوله: " رجل فاضل، صحيح الذهن.
اشتغل ورحل، وكتب الكثير.
وله تصانيف واختصارات مفيدة.
وله معرفة بشيوخ القراءات (3) ".
وقال تلميذه صلاح الدين الصفدي المتوفى سنة 764 ه: " الشيخ
الامام العلامة الحافظ شمس الدين أبو عبد الله الذهبي.
حافظ لايجارى ولا فظ لا يبارى، أتقن الحديث ورجاله، ونظر
علله وأحواله، وعرف تراجم الناس، وأزال الابهام في
تواريخهم والالباس.
ذهن يتوقد
__________
(1) " ذيل تذكرة الحفاظ " ص 36.
(2) " الاعلام " م 1 ورقة 90 (نسخة باريس 1398).
(3) سبط ابن حجر: " رونق الالفاظ " ورقة 180.
(1/69)
ذكاؤه، ويصح إلى الذهب نسبته وانتماؤه.
جمع الكثير، ونفع الجم الغفير، وأكثر من التصنيف، ووفر
بالاختصار مؤونة التطويل في التأليف..اجتمعت به وأخذت عنه
وقرأت عليه كثيرا من تصانيفه ولم أجد عنده جمود
المحدثين ولا كودنة النقلة " (1).
وعلى الرغم من مخالفة تاج الدين السبكي لشيخه الذهبي في
بعض المسائل ورده عليه، فإنه قال في حقه: " شيخنا
وأستاذنا، الامام الحافظ..محدث العصر.
اشتمل عصرنا على أربعة من الحفاظ، بينهم عموم وخصوص: المزي
والبرزالي والذهبي والشيخ الامام الوالد، لا خامس لهؤلاء
في عصر هم..وأما أستاذنا أبو عبد الله فبصر لا نظير له،
وكنز هو الملجأ إذا نزلت المعضلة، إمام الوجود حفظا، وذهب
العصر معنى ولفظا، وشيخ الجرح والتعديل، ورجل الرجال في كل
سبيل..وهو الذي خرجنا في هذه الصناعة، وأدخلنا في عداد
الجماعه (2) "، وقال أيضا: " وسمع منه الجمع الكثير.
وما زال يخدم هذا الفن إلى أن رسخت فيه قدمه، وتعب الليل
والنهار، وما تعب لسانه وقلمه، وضربت باسمه الامثال، وسار
اسمه مسير لقبه الشمس إلا أنه لا يتقلص إذا نزل المطر، ولا
يدبر إذا أقبلت الليالي.
وأقام بدمشق يرحل إليه من سائر البلاد، وتناديه السؤالات
من كل ناد " (3).
ووصفه تلميذه الحسيني المتوفى سنة 765 ه بأنه " الشيخ
الامام العلامة شيخ المحدثين قدوة الحفاظ والقراء محدث
الشام ومؤرخه ومفيده (4) " وقال في موضع آخر: " وكان أحد
__________
(1) " الوافي " 2 / 163.
(2) " الطبقات " 9 / 101 100 (3) المصدر نفسه، 9 / 103 (4)
" ذيل تذكرة الحفاظ " ص 34
(1/70)
الاذكياء المعدودين والحفاظ المبرزين (1) ".
وقال تلميذه عماد الدين بن كثير المتوفى سنة 774 ه: "
الشيخ الحافظ الكبير مؤرخ الاسلام وشيخ
المحدثين..وقد ختم به شيوخ الحديث وحفاظه (2) ".
وحينما قدم العلامة أبو عبد الله محمد بن محمد بن عبد
الكريم الموصلي الاصل الاطرابلسي (3) إلى دمشق سنة 734 ه
ودرس على الذهبي في تلك السنة قال فيه: ما زلت بالسمع
أهواكم وما ذكرت * أخباركم قط إلا ملت من طرب وليس من عجب
أن ملت نحوكم * فالناس بالطبع قد مالوا إلى الذهب (4)
ووصفه الحافظ ابن ناصر الدين المتوفى سنة 842 ه بأنه "
الحافظ الهمام مفيد الشام، ومؤرخ الاسلام (5) ".
وقال ابن حجر العسقلاني المتوفى سنة 852 ه " قرأت بخط
البدر النابلسي في مشيخته: كان علامة زمانه في الرجال
وأحوالهم حديد الفهم ثاقب الذهب وشهرته تغني عن الاطناب
فيه (6) ".
وقال بدر الدين العيني المتوفى سنة 855 ه: " الشيخ الامام
العالم العلامة الحافظ المؤرخ شيخ المحدثين (7) ".
وذكره سبط ابن حجر المتوفى سنة 899 ه في " رونق الالفاظ "
وبالغ في الاطناب فيه، وقال: " الشيخ الامام العالم
العلامة حافظ الوقت الذي صار هذا اللقب علما عليه..فلله
دره من إمام محدث..فكم دخل في جميع الفنون وخرج وصحح، وعدل
وجرح، وأتقن هذه الصناعة..فهو الامام سيد الحفاظ إمام
المحدثين قدوة الناقدين ".
وقال في موضع آخر:
__________
(1) المصدر نفسه ص 36 (2) " البداية والنهاية " 14 / 225
(3) توفي سنة 774 ه وقد ترجمه ابن حجر في " الدرر " 4 /
307 306 (4) ابن ناصر الدين: " الرد الوافر " ص 32 31 (5)
المصدر نفسه، ص 31 (6) الدرر، 3 / 427 (7) " عقد الجمان "
ورقة 37 (نسخة أحمد الثالث 2911)
(1/71)
" وكتب بخطه كثيرا من الاجزاء والكتب وحصل الاصول وانتقى
على جماعة من شيوخه..وعني بهذا الفن أعظم عناية، وبرع فيه
وخدمه الليل والنهار (1) ".
__________
(1) الورقة 180
(1/72)
ثامنا وفاته وأولاده:
أضر الذهبي في أخريات سني حياته، قبل موته بأربع سنين أو
أكثر، بماء نزل في عينيه، فكان يتأذى ويغضب إذا قيل له: لو
قدحت هذا لرجع إليك بصرك، ويقول: ليس هذا بماء، وأنا أعرف
بنفسي، لانني ما زال بصري ينقص قليلا قليلا إلى أن تكامل
عدمه (1).
وتوفي بتربة أم الصالح ليلة الاثنين ثالث ذي القعدة قبل
نصف الليل سنة 748 ه ودفن بمقابر باب الصغير، وحضر الصلاة
عليه جملة من العلماء كان من بينهم تاج الدين السبكي (2)
وقد رثاه غير واحد من تلامذته منهم الصلاح الصفدي (3)
والتاج السبكي (4).
وترك الذهبي ثلاثة من أولاده عرفوا بالعلم هم: 1 ابنته أمة
العزيز، وقد أجاز لها غير واحد باستدعاء والدها منهم: شيخ
المستنصرية رشيد الدين أبو عبد الله محمد بن عبد الله
البغدادي المتوفى سنة 707 (5).
ويظهر أنها تزوجت في حياة والدها وخلفت ولدا اسمه عبد
القادر
__________
(1) الصفدي: " نكت الهميان " ص 242، ابن دقماق: " ترجمان
الزمان " الورقة 99.
(2) السبكي: " طبقات " 9 / 106 105 وقد زاره والده تقي
الدين السبكي قبل المغرب وسأله عن حاله.
الصفدي: " الوافي " 2 / 156، " ونكت الهميان " ص 242، ابن
حجر: " الدرر "
3 / 427 وغيرهم، ممن ترجم له.
(3) " الوافي " 2 / 165 (4) " طبقات " 9 / 111 109 وهي
طويلة أورد بعضها، وابن قاضي شهبة: " الاعلام " م 1 ورقة
90 (5) الذهبي: " منتقى المعجم المختص " الورقة 39 (باريس
2076) و " معجم الشيوخ " م 2 ورقة 46، وانظر أيضا م 1 ورقة
78
(1/73)
سمع مع جده من أحمد بن محمد المقدسي المتوفى سنة 737 (1)
ه، وأجاز له جده رواية كتابه " تاريخ الاسلام " (2).
2 ابنه أبو الدرداء عبد الله، ولد سنة 708 ه وأسمعه أبوه
من خلق كثير، وحدث ومات في ذي الحجة سنة 754 (3).
3 ابنه شهاب الدين أبو هريرة عبد الرحمن، ولد سنة 715 ه
وسمع مع والده أجزاء حديثية كثيرة (4)، وسمع من عيسى
المطعم الدلال المتوفى سنة 719 ه، وخرج له أبوه أربعين
حديثا عن نحو المئة نفس، وحدث منذ سنة 740 ه وتأخرت وفاته
إلى ربيع الآخر سنة 799 (5) ه وخلف ولدا اسمه محمد، سمع مع
جده (6)، وأجاز له جده رواية كتابه " تاريخ الاسلام " (7).
__________
(1) الذهبي: " معجم الشيوخ " م 1 الورقة 17.
(2) راجع طرة المجلد الحادي والعشرين من " تاريخ الاسلام "
الذي بخط الذهبي (أيا صوفيا 3014).
(3) ابن حجر: " الدرر " 2 / 392.
(4) انظر مثلا: " معجم الشيوخ " م 1 ورقة 38، 70 69، 75
74، 78، 85، م 2 الورقة 44، 45، 53.
(5) ابن حجر: " الدرر " 2 / 449، والتونسي: " دستور
الاعلام بمعارف الاعلام " الورقة 116 (نسخة ولي الدين جار
الله 697 1605).
(6) " معجم الشيوخ " م 1 ورقة 44.
(7) انظر طرة المجلد الحادي والعشرين (أيا صوفيا 3014).
(1/74)
تاسعا: آثار الذهبي:
وهذه تذكرة في آثار مؤرخ الاسلام الذهبي عنيت فيها بذكر ما
ألف واختصر، وخرج على أخصر ما يمكن، إذ تفاصيلها مبسوطة في
كتابي " الذهبي ومنهجه في كتابه تاريخ الاسلام " (1)،
واقتفيت فيها المنهج الآتي:
1 - قسمت المؤلفات حسب موضوعاتها، ورتبت الكتب الواردة في
كل موضوع على حروف المعجم.
أما المختصرات، والمنتقيات، والتخاريج، فاكتفيت بسردها وفق
ذلك الترتيب من غير تقسيم لها.
2 - نبهت فيما إذا كان الكتاب موجودا: مخطوطا أو مطبوعا،
وأشرت إلى إحدى طبعاته أو نسخه بين قوسين، وتركت الذي لم
أعثر له على نسخة غفلا من ذلك.
أولا: القراءآت: 1 التلويحات في علم القراءآت (بروكلمان:
الملحق 2 / 47).
ثانيا: الحديث: 2 الاربعون البلدانية.
3 - الثلاثون البلدانية.
4 - طرق حديث " من كنت مولاه فعلي مولاه ".
5 - الكلام على حديث الطير.
6 - المستدرك على مستدرك الحاكم.(الظاهرية: 62 مجاميع).
__________
(1) القاهرة: 1976 ص: 276 139
(1/75)
ثالثا: مصطلح الحديث وآدابه:
7 -كتاب الزيادة المضطربة.
8 - طريق أحاديث النزول.
9 - العذب السلسل في الحديث المسلسل.
10 - منية الطالب لا عز المطالب.
11 - الموقظة في علم مصطلح الحديث (باريس: 4577).
رابعا: العقائد:
12 - أحاديث الصفات.
13 -الاربعين في صفات رب العالمين (منها جزء في الظاهرية،
وانظر الالباني: 280).
14 -جزء في الشفاعة.
15 -جزآن في صفة النار.
16 -الرسالة الذهبية إلى ابن تيمية (طبعت بدمشق: 1347 ه).
17 -الروع والاوجال في نبأ المسيح الدجال.
18 -رؤية الباري.
19 -العرش (انظر بروكلمان: الملحق: 1 / 47).
20 -العلو للعلي الغفار.(طبع غير مرة منها بمصر: 1332 ه).
21 -الكبائر.(مطبوع، القاهرة: 1356 ه).
22 - ما بعد الموت.
23 - مسألة دوام النار.
(1/76)
24 - مسألة الغيبة.
25 - مسألة الوعيد.
خامسا: أصول الفقه:
26 - مسألة الاجتهاد.
27 - مسألة خبر الواحد.
سادسا: الفقه:
28 - تحريم أدبار النساء.
29 - تشبيه الخسيس بأهل الخميس (دار الكتب المصرية).
30 - جزء في الخضاب.
31 - جزء من صلاة التسبيح.
32 - جزء في القهقهة.
33 - حقوق الجار.(كوبرلي.1584 / 3).
34 - فضائل الحج وأفعاله.
35 - اللباس.
36 - مسألة السماع.
37 - الوتر.
سابعا: الرقائق:
38 - جزء في محبة الصالحين.
39 - دعاء المكروب.
40 - ذكر الولدان.
(1/77)
41 - التعزية الحسنة بالاعزة.
42 - كشف الكربة عند فقد الاحبة.
ثامنا: التاريخ والتراجم:
43 - أخبار السد.
44 - أخبار قضاة دمشق.
45 - أسماء من عاش ثمانين سنة بعد شيخ أو بعد تاريخ
سماع.(أيا صوفيا: 2953).
46 - الاشارة إلى وفيات الاعيان والمنتقى من تاريخ
الاسلام. (الاحمدية بحلب: 328).
47 - الاعلام بوفيات الاعلام (نسخه كثيرة منها بالظاهرية:
مجموع 117).
48 - الامصار ذوات الآثار.(منه نسخة في استانبول وأخرى
بالمدينة).
49 - أهل المئة فصاعدا (مطبوع، بغداد: 1973).
50 - البيان عن اسم ابن فلان.
51 - تاريخ الاسلام ووفيات المشاهير والاعلام (طبع اليسير
منه، ونسخه مشتتة في خزائن الكتب، وعندي نسخة كاملة
مصورة).
52 - التاريخ الممتع.
53 - تذكرة الحفاظ.(مطبوع، حيدر آباد 1958 1955 وهي أحسن
الطبعات).
54 - تراجم رجال روى عنهم محمد بن إسحاق.(مطبوع، ليدن:
1890).
(1/78)
55 - تسمية رجال صحيح مسلم الذين انفرد بهم عن البخاري (لا
له لي باستانبول: 2089).
56 - تقييد المهمل.
57 - التلويح بمن سبق ولحق.
58 - جزء أربعة تعاصروا.
59 - دول الاسلام.(مطبوع، حيدر آباد: 1337 ه).
60 - ديوان الضعفاء والمتروكين (مطبوع).
61 - ذكر من اشتهر بكنيته من الاعيان (جستربتي بدبلن:
مجموع 3458).
62 - ذكر من يؤتمن قوله في الجرح والتعديل (أيا صوفيا:
2953).
63 - ذيل الاشارة إلى وفيات الاعيان.
64 - ذيل دول الاسلام (مطبوع، حيدر آباد: 1337).
65 - ذيل سير أعلام النبلاء.
66 - ذيل ديوان الضعفاء والمتروكين.(الظاهرية: مجموع 369
حديث).
67 - ذيل كتاب الضعفاء لابن الجوزي.
68 - الذيل على ذيل كتاب الضعفاء لابن الجوزي.
69 - ذيل العبر في خبر من عبر (مطبوع، الكويت - بدون
تاريخ).
70 - الرد على ابن القطان (مختصر (1) منه في الظاهرية:
مجموع: 70).
__________
(1) ظنه الالباني أصل الكتاب (انظر الفهرس: 282) وهو وهم.
(1/79)
71 - الزلازل.
72 - سير أعلام النبلاء (وهو هذا الكتاب).
73 - طبقات الشيوخ.
74 - العباب في التاريخ.
75 - العبر في خبر من عبر (مطبوع بالكويت وفيه نقص).
76 - عنوان السير في ذكر الصحابة.
77 - القبان (في أصحاب التقي ابن تيمية).
78 - المجرد في أسماء رجال كتب سنن الامام أبي عبد الله بن
ماجة سوى من أخرج له منهم في أحد الصحيحين (الظاهرية: 531
حديث).
69 - المرتجل في الكنى (بروكلمان: 2 / 59).
80 - المشتبه في الرجال: أسمائهم وأنسابهم (مطبوع، وأعيد
طبعه بالقاهرة 1962).
81 - معجم الشيوخ الكبير.(دار الكتب المصرية: 65 حديث) 82
معجم الشيوخ الاوسط.
83 - المعجم الصغير (اللطيف).(الظاهرية: مجموع: 12).
84 - المعجم المختص بمحدثي العصر (منه انتقاء لابن قاضي
شهبة بباريس: 2076 عربيات، والاوقاف العراقية: مجموع رقم:
2841).
85 - معرفة آل مندة.
86 - معرفة القراء الكبار على الطبقات والاعصار (مطبوع،
القاهرة: 1969).
87 - المعين في طبقات المحدثين.(فيض الله باستانبول:
1528).
(1/80)
88 - المغني في الضعفاء.(مطبوع بحلب: 1971).
89 - المقدمة ذات النقاط في الالقاب.(دار الكتب المصرية:
4423 ج).
90 - من تكلم فيه وهو موثق. (عندي منه نسخة) وهو غير:
91 - الرواة الثقات المتكلم فيهم بما لا يوجب ردهم
(المطبوع بالقاهرة: 1906).
92 - ميزان الاعتدال في نقد الرجال (مطبوع مشهور، منها
طبعة القاهرة 1963).
93 - هالة البدر في عدد أهل بدر (لعله هو الذي في الظاهرية
ضمن مجموع: 47).
تاسعا: السير والتراجم المفردة:
94 - أخبار أبي مسلم الخراساني.
95 - أخبار أم المؤمنين عائشة (1).
96 - التبيان في مناقب عثمان.
97 - ترجمة ابن عقدة الكوفي.
98 - ترجمة أبي حنيفة. (مطبوع بالقاهرة بدون تاريخ).
99 - ترجمة أبي يوسف القاضي (مطبوع بالقاهرة بدون تاريخ).
100 - ترجمة أحمد بن حنبل (2).
__________
(1) نشر الاستاذ الافغاني ترجمتها من سير أعلام النبلاء
(دمشق: 1945).
(2) نشر المرحوم الشيخ أحمد شاكر ترجمة الامام أحمد من
تاريخ الاسلام.
سير 1 / 6
(1/81)
101 - ترجمة الخضر.
102 - ترجمة السلفي (1).
103 - ترجمة الشافعي.
104 - ترجمة الشيخ الموفق (2).
105 - ترجمة مالك بن أنس.
106 - ترجمة محمد بن الحسن الشيباني (مطبوع بالقاهرة بدون
تاريخ).
107 - توقيف أهل التوفيق على مناقب الصديق.
108 - الدرة اليتيمية في سيرة التيمية.
109 - الزخرف القصري (في ترجمة الحسن البصري).
110 - سيرة الحلاج.
111 - سيرة أبي القاسم الطبراني.
112 - سيرة سعيد بن المسيب.
113 - سيرة عمر بن عبد العزيز.
114 - السيرة النبوية (وهي في تاريخ الاسلام).
115 - فتح المطالب في مناقب علي بن أبي طالب.
__________
(1) أبو طاهر أحمد بن محمد الاصبهاني المحدث المشهور
المتوفى سنة 576 ه.
(2) أبو محمد عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي صاحب
التصانيف المشهورة المتوفى سنة 620 ه.
(1/82)
116 - قض نهارك بأخبار ابن المبارك.
117 - مناقب البخاري (دار الكتب المصرية طلعت، مجموع:
965).
118 - نعم السمر في سيرة عمر.
119 - نفض الجعبة في أخبار شعبة.
120 - سيرة لنفسه.
عاشرا: المنوعات:
121 - بيان زغل العلم والطلب (1). (مطبوع، دمشق: 1347).
122 - التمسك بالسنن.
123 - جزء في فضل آية الكرسي.
124 - الطب النبوي (طبع غير مرة، وينسب لغيره أيضا).
125 - كسر وثن رتن (2).
أحد عشر: المختصرات والمنتقيات:
126 - أحاديث مختارة من الموضاعات من " الاباطيل "
للجورقاني (3).
(المكتبة الازهرية، مجموع: 290 حديث).
127 - بلبل الروض.
__________
(1) وجاء عنوانه في نسخة برلين (5570): " رسالة فيما يذم
ويعاب في كل طائفة ".
(2) رتن هذا هندي دجال ظهر بعد سنة ست مئة وادعى التعمير
وصحبة النبي صلى الله عليه وسلم.
(3) كتاب الاباطيل لابي عبد الله الحسين بن إبراهيم بن
الحسين الجورقاني المتوفى سنة 543 ه، وقد نسبه الشيخ
الالباني لابي إسحاق إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني المتوفى
سنة 259 ه، وتابعه سزكين، وهو وهم.
(1/83)
اختصره من " الروض الانف " للسهيلي المتوفى سنة 581 ه.
128 - تجريد أسماء الصحابة. (مطبوع، حيدر آباد: 1315 ه).
اختصره من " أسد الغابة " لابن الاثير المتوفى سنة 630 ه.
129 - تذهيب تهذيب الكمال في أسماء الرجال (أحمد الثالث:
2949 / 4 1).
130 - ترتيب " الموضوعات " لابن الجوزي.(المكتبة الازهرية،
مجموع: 290 حديث).
131 - تلخيص " العلل المتناهية في الاحاديث الواهية " لابن
الجوزي (المكتبة الازهرية، مجموع: 290 حديث).
132 - تنقيح كتاب " التحقيق في أحاديث التعليق " لابن
الجوزي.(فيض الله: 296).
133 - تهذيب تاريخ (1) علم الدين البرزالي.
134 - ذكر الجهر بالبسملة مختصرا.(الظاهرية، مجموع: 55).
اختصره من تصنيف في هذا الموضوع للخطيب البغدادي المتوفى
سنة 463 ه.
135 - الرخصة في الغناء والطرب بشرطه.(الظاهرية: 7159).
اختصره من كتاب " السماع " للادفوي المتوفى سنة 748 ه
136 - الكاشف في معرفة من له رواية في الكتب الستة.(مطبوع،
القاهرة: 1972).
______________
(1) تاريخ البرزالي هو " المقتفي لتاريخ أبي شامة " عندي
منه نسخة.
(1/84)
اختصره من " تهذيب الكمال " لشيخه ورفيقه المزي المتوفى
سنة 742 ه.
137 - المجرد من " تهذيب الكمال " (الفاتيكان: 1032).
138 مختصر " إنباه الرواة على أنباه النحاة " لابن القفطي.
(لبدن) 139 مختصر " الانساب " لابي سعد السمعاني.
140 - مختصر " البعث والنشور " للبيهقي.
141 مختصر " تاريخ بغداد " للخطيب البغدادي.
142 - مختصر " تاريخ دمشق " لابن عساكر.
143 مختصر " تاريخ مصر " لابن يونس.
144 مختصر " تاريخ نيسابور " لابي عبد الله الحاكم.
145 مختصر " تحفة الاشراف بمعرفة الاطراف " للمزي.
146 مختصر " تقويم البلدان " لابي الفدا.
147 مختصر " التكملة لكتاب الصلة " لابن الابار.
148 مختصر " التكملة لوفيات النقلة " للمنذري.
149 مختصر " جامع بيان العلم وفضله " لابن عبد البر.
150 مختصر " الجهاد " لبهاء الدين ابن عساكر.
151 - مختصر " ذيل تاريخ بغداد " لابي سعد السمعاني.
152 مختصر " الرد على ابن طاهر (1) " لابن المجد (2).
153 مختصر " الروضتين في أخبار الدولتين " وذيله لابي
شامة.
__________
(1) أبو الفضل محمد بن طاهر المقدسي، ابن القيسراني
المتوفى سنة 507 ه وكتابه الذي رد عليه ابن المجد في "
السماع ".
(2) سيف الدين أبو العباس أحمد ابن المجد عيسى المقدسي
المتوفى سنة 643 ه.
(1/85)
154 مختصر " الزهد " للبيهقي.
(عارف حكمت بالمدينة المنورة).
155 مختصر " سلاح المؤمن في الادعية المأثورة " لابن
الامام (1).
156 مختصر " صلة التكملة لوفيات النقلة " لعز الدين
الحسيني.
157 مختصر " الضعفاء " لابن الجوزي.
158 مختصر " الفاروق في الصفات " لشيخ الاسلام الانصاري.
159 مختصر " القدر " للبيهقي.
160 المختصر المحتاج إليه من تاريخ الحافظ أبي عبد الله
محمد بن سعيد بن محمد ابن الدبيثي.
(طبع ببغداد: 1976 1951).
161 - مختصر " المدخل إلى كتاب السنن " للبيهقي.
162 مختصر " المستدرك على الصحيحين " لابي عبد الله الحاكم
(طبع بهامش المستدرك).
163 - مختصر " المعجب في تلخيص أخبار المغرب " للمراكشي.
164 مختصر " مناقب سفيان الثوري " لابن الجوزي.
165 - مختصر " وفيات الاعيان " لابن خلكان.
166 مختصر " الوهم والايهم الواقعين في كتاب الاحكام "
لابن القطان.
(الظاهرية، مجموع: 70).
167 المستحلى في اختصار " المحلى " لابن حزم.
168 معرفة التابعين من " الثقات " لابن حبان (الاسكوريال:
1689).
__________
(1) أبو الفتح محمد بن محمد بن علي المصري المتوفى سنة 745
ه.
(1/86)
169 المقتضب من " تهذيب الكمال " للمزي.
170 المقتنى في سرد الكنى.
(الاحمدية بحلب: 328).
اختصره من كتاب " الكنى " لابي أحمد الحاكم المتوفى سنة
378).
اختصره من كتاب " الكنى " لابي أحمد الحاكم المتوفى سنة
378.
171 المنتخب من " التاريخ المجدد لمدينة السلام " لابن
النجار البغدادي.
172 منتقى " الاستيعاب في معرفة الاصحاب "، لابن عبد البر.
173 المنتقى من تاريخ أبي الفدا.
174 المنتقى من " تاريخ خوارزم " لابن أرسلان الخوارزمي.
175 المنتقى من " مسند " أبي عوانة.
176 المنتقى من " مسند " عبد بن حميد.
177 المنتقى من " معجم شيوخ " يوسف بن خليل الدمشقي.
178 المنتقى من معجمي الطبراني الاوسط والكبير ومن مسند
المقلين لدعلج.
(منه قطعة في الظاهرية، مجموع: 71).
179 المنتقى من " معرفة الصحابة " لابن مندة.
180 - مهذب " السنن الكبرى " للبيهقي.
(مكتبة مدنية باستانبول 258، 259، 260 وطبع بالقاهرة باسم
" المهذب في اختصار السنن الكبير " وهو عنوان غير صحيح).
(1/87)
182 - نبذة من فوائد تاريخ ابن الجزري (1) كوبرلي: 1147).
183 - النبلاء في شيوخ السنة.
اختصره من كتاب " المعجم المشتمل على أسماء شيوخ الائمة
النبل " لابن عساكر.
اثنا عشر: التخاريج: قام الذهبي بتخريج عدد كبير من معجمات
الشيوخ والمشيخات والاربعينات والاجزاء الحديثية الكبيرة
والصغيرة، منها: أ - معجمات الشيوخ:
184 معجم شيوخ ابن البالسي المتوفى سنة 711 ه.
185 - معجم شيوخ ابن حبيب الدمشقي المتوفى سنة 779 ه.
186 - معجم شيوخ علاء الدين ابن العطار الدمشقي المتوفى
سنة 724 ه.
187 المعجم العلي للقاضي الحنبلي (أبي الفضل سليمان بن
حمزة المقدسي المتوفى سنة 715 ه.
).
ب - المشيخات: 188 - مشيخة التلي (محمد بن أحمد الصالحي
الخياط المتوفى سنة 741 ه).
189 - مشيخة الجعبري المتوفى سنة 706 ه.
__________
(1) توفي ابن الجزري سنة 73 -9 وهو غير ابن الجزري صاحب "
غاية النهاية في طبقات القراء " وتاريخه هذا يعرف باسم "
حوادث الزمان وأنبائه ووفيات الاكابر والاعيان من أبنائه "
عندي قطع منه، وهو من التواريخ المستوعبة.
(1/88)
190 - مشيخة ابن الزراد الحريري المتوفى سنة 726 ه.
191 مشيخة عز الدين المقدسي المتوفى سنة 700 ه.
192 - مشيخة ابن القواس المتوفى سنة 698 ه.
193 مشيخة زين الدين الكحال المتوفى سنة 730 ه.
ج الاربعينات: 194 أربعون حديثا بلدانية من " المعجم
الصغير " للطبراني.
(التيمورية بمصر: 438 حديث).
195 أربعون حديثا بلدانية من " معجم " ابن جميع الصيداوي.
196 أربعون حديثا بلدانية من " معجم شيوخ " أبي بكر
المقدسي
المتوفى سنة 718 ه.
197 أربعون حديثا بلدانية من " معجم شيوخ " ابن زاذان
المتوفى سنة 481 ه.
198 أربعون حديثا لابي المعالي الابرقوهي المتوفى سنة 701
ه.
199 أربعون حديثا لابنه أبي هريرة عبد الرحمان المتوفى سنة
799 ه د الثلاثينات: 200 ثلاثون حديثا من " المعجم الصغير
" للطبراني.
ه العوالي: 201 عوالي الشمس ابن الواسطي المتوفى سنة 699
ه.
202 عوالي الطاووسي المتوفى سنة 704 ه.
(1/89)
203 عوالي أبي عبد الله ابن اليونيني المتوفى سنة 747 ه.
204 العوالي من حديث مالك بن أنس.
205 - العوالي المنتقاة من حديث الذهبي (الظاهرية، مجموع:
4512 عام).
والاجزاء: 206 الجزء الملقب بالدينار من حديث المشايخ
الكبار (دار الكتب المصرية: 1508 حديث).
207 جزء من حديث القزويني المتوفى سنة 704 ه.
208 جزء من حديث أبي بكر المرسي المتوفى سنة 718 ه.
209 جزء من حديث ابن المحب المقدسي المتوفى سنة 730 ه.
210 جزء من حديث ابن الكويك المتوفى سنة 734 ه.
211 جزء من حديث أمين الدين الواني المتوفى سنة 735 ه.
212 جزء من حديث ابن جماعة الكناني المتوفى سنة 767 ه.
213 أحاديث " مختصر " ابن الحاجب المتوفى سنة 646 ه.
(ومختصر ابن الحاجب من كتب أصول الفقه المشهورة وهو "
منتهى السؤال والامل في علمي الاصول والجدل " وقد طبع).
214 ثلاثيات ابن ماجة.
(الظاهرية، مجموع: 59).
215 المنتقى من حديث تقي الدين ابن الشيخ شمس الدين ابن
المجد البعلي.
(الظاهرية، مجموع: 25).
(1/90)
الفصل الثاني
سير اعلام النبلاء منهجه
وأهميته
أولا - عنوان الكتاب وتأليفه:
سماه صلاح الدين الصفدي (1) وابن دقماق (2): " تاريخ
النبلاء "، وابن شاكر الكتبي (3): " تاريخ العلماء النبلاء
"، وتاج الدين السبكي (4): " كتاب النبلاء "، وسبط ابن حجر
(5): " أعيان النبلاء ".
وسماه كل من الحسيني (6)، وابن ناصر الدين (7)، وابن حجر
(8)، والسخاوي (9): " سير النبلاء ".
أما " سير أعلام النبلاء " فقد جاء مخطوطا على طرر
المجلدات الموجودة في مكتبة السلطان أحمد الثالث ذوات
الرقم 2910 / A،
وهي النسخة الاولى التي
__________
(1) الوافي: 2 / 163.
(2) ترجمان الزمان، الورقة: 98.
(3) فوات الوفيات: 2 / 183، وعيون التواريخ، الورقة 86
(كيمبرج 2923).
(4) طبقات الشافعية: 9 / 104.
(5) رونق الالفاظ، الورقة: 180.
(6) الذيل على ذيل العبر: 268.
(7) الرد الوافر: 31.
(8) الدرر الكامنة: 3 / 426.
(9) الاعلان بالتوبيخ: 674.
(1/91)
نسخت عن نسخة المؤلف التي بخطه وكتبت في حياته في السنوات
739 743 ه، وهو العنوان الاكثر دقة وكمالا، لذلك اعتمده
محققو الكتاب.
وقد ألف الذهبي كتابه هذا بعد كتابه العظيم " تاريخ
الاسلام ووفيات المشاهير والاعلام " الذي انتهى من تأليفه
أول مرة سنة 714 ه ثم أعاد النظر فيه، وبيض قسما منه سنة
726 ه (1).
وقد أشار المؤلف إلى بعض كتبه الاخرى، وأحال عليها في
كتابه " السير ".
وحينما ذكر تلميذه الصلاح الصفدي بعض كتب الذهبي الخاصة
بتراجم الاعيان مثل " نفض الجعبة في أخبار شعبة " و " قض
نهارك بأخبار ابن المبارك " وغيرهما قال: " وله في تراجم
الاعيان لكل واحد مصنف قائم الذات مثل الائمة الاربع ومن
جرى مجراهم، لكنه أدخل الجميع في " تاريخ النبلاء " (2).
وهذا النص يوضح أنه ألف " السير " بعد تأليفه لكل تلك
التراجم المفردة الكثيرة، ويلاحظ أن ناسخ أول نسخة من
الكتاب قد بدأ بنسخها في سنة 739 ه وانتهى من المجلد
الثالث عشر في أوائل سنة 743 ه، وهذا يعني أن المؤلف كان
قد انتهى من تأليف كتابه سنة 739 ه، أو قبلها.
وقد جزم الدكتور الفاضل صلاح الدين المنجد بتأليف الكتاب
سنة 739 ه، من غير دليل (3) سوى أن الناسخ ابن طوغان قد
بدأ بنسخ نسخته في هذه السنة.
أما نحن فنعتقد أنه بدأ في تأليف الكتاب سنة 732 ه أو
قبيلها بقليل، ودليلنا على ذلك قول المؤلف الذهبي في ترجمة
العباس عم النبي صلى الله عليه وسلم: " وقد صار الملك في
ذرية العباس، واستمر ذلك، وتداوله تسعة وثلاثون خليفة إلى
وقتنا هذا، وذلك ست مئة عام، أولهم السفاح.
وخليفة زماننا المستكفي له الاسم المنبري، والعقد والحل
بيد
__________
(1) انظر التفاصيل في كتابي: الذهبي: 25 فما بعد.
(2) الوافي بالوفيات، 2.
164.
(3) انظر مقدمته للجزء الاول الذي نشره من السير ص 38.
(1/92)
السلطان الملك الناصر، أيدهما الله " (1).
ولما كان العباسيون قد تقلدوا الحكم سنة 132 ه كما هو
مشهور فيكون زمانه الذي أشار إليه هو سنة 732 ه، والمستكفي
بالله هذا هو أبو الربيع سليمان بن أحمد، ولد سنة 683 ه،
وخطب له بمصر بعد وفاة أبيه سنة 701 ه، وقد ساءت حاله مع
السلطان الناصر في آخر أيامه، فأخرجه السلطان إلى قوص من
صعيد مصر سنة 738 ه فأقام بها إلى حين وفاته سنة 740 ه
(2).
وليس من المعقول أن يستغرق تأليف الكتاب سبع سنوات ومعظم
مادته كانت جاهزة عند مؤلفه بسبب أنه ألفه بعد تاريخ
الكبير " تاريخ الاسلام ".
ثانيا - نطاق الكتاب وعدد
مجلداته:
جعل الذهبي كتابه " سير أعلام النبلاء " في أربعة عشر
مجلدا راعى فيها التناسق من حيث عدد الاوراق، ولم يراع في
الاغلب ناحية تنظيمية أخرى، لذلك وجدنا النساخ فيما بعد لم
يلزموا أنفسهم بتقسيم المؤلف (3).
وقد أفرد الذهبي المجلدين الاول والثاني للسيرة النبوية
الشريفة وسير
الخلفاء الراشدين، لكنه لم يعد صياغتهما، وإنما أحال على
كتابه العظيم " تاريخ الاسلام " ليؤخذا منه ويضما إلى "
السير " فقد جاء في طرة المجلد الثالث من نسخة أحمد الثالث
الاولى تعليق بخط الذهبي كتب على الجهة
__________
(1) سير أعلام النبلاء: 2 / الترجمة: 11 (طبعة مؤسسة
الرسالة المحققة).
(2) البداية لابن كثير: 14 / 187، والسلوك للمقريزي: 2 /
504، والدرر لابن حجر: 2 / 336 وغيرها.
(3) انظر وصف النسخ في مقدمة هذا الجزء الاول من السير.
وقد أشار ناسخ المجلد السابع عشر من النسخة المصورة في
المجمع العلمي العربي بدمشق إلى أن نسخته تتكون من عشرين
مجلدا.
(1/93)
اليسرى منها نصه: " في المجلد الاول والثاني سير النبي صلى
الله عليه وسلم والخلفاء الاربعة تكتب من تاريخ الاسلام ".
ويلاحظ أن الذهبي قد أشار في حاشية الورقة (98) من المجلد
الثاني من تاريخ الاسلام وهو المجلد الذي يبدأ بالسيرة
النبوية وعند الفصل الخاص بمعجزاته صلى الله عليه وسلم إلى
مكونات " السيرة النبوية " بقوله: " من شاء من الاخوان أن
يفرد الترجمة النبوية، فليكتب إذا وصل إلى هنا جميع ما
تقدم من كتابنا في السفر الاول بلا بد، فليفعل، فإن ذلك
حسن، ثم يكتب بعد ذلك " فصل في معجزاته " إلى آخر الترجمة
النبوية وهذا يعني أن " السيرة النبوية " التي أرادها
الذهبي تشمل جميع المجلد الاول وهو المجلد الخاص بالمغازي
ثم جميع " الترجمة النبوية " وهي المئة والثلاثون ورقة من
المجلد الثاني الذي بخطه.
وهذا في رأينا هو المجلد الاول من " سير أعلام النبلاء ".
أما سير الخلفاء الاربعة فهي التي تستغرق بقية المجلد
الثاني من نسخة المؤلف التي بخطه وتتصمن الاوراق:
131 - 241، وقسما من المجلد الثالث من نسخة المؤلف وهذا هو
المجلد الثاني من " السير " في رأينا.
والظاهر أن ابن طوغان صاحب النسخة لم يقم باستنساخ
المجلدين: الاول والثاني، من " تاريخ الاسلام " كما طلب
المؤلف، فظن كاتب الوقفية على المدرسة المحمودية أن هذين
المجلدين مفقودان، فتابعه الناس على هذا الوهم.
وكان من المظنون أن المجلد الثالث عشر (1) من نسخة ابن
طوغان وهو
__________
(1) كان هذا المجلد هو حصتي من تحقيق الكتاب، وقد حققته
بمشاركة زميلي السيد محيي هلال السرحان.
(1/94)
المجلد الذي يبتدئ بترجمة المحدث الكبير أبي طاهر السلفي
المتوفى سنة 576 ه، وينتهي بترجمة السلطان الملك المنصور
نور الدين علي ابن السلطان الملك المعز أيبك التركماني
الصالحي المعزول من السلطنة سنة سبع وخمسين وست مئة، والذي
تأخرت وفاته إلى حدود سنة سبع مئة أقول: كان من المظنون أن
هذا هو المجلد الاخير من الكتاب، لكنني أعتقد بل أكاد أجزم
أن هناك مجلدا آخر يتمم الكتاب هو المجلد الرابع عشر، وهو
المجلد الذي ظنه الدكتور الفاضل صلاح الدين المنجد ذيلا
لسير أعلام النبلاء وتابعه الناس عليه، وإليك آيات ذلك
ودلالاته: 1 من المعلوم أن الذهبي ألف " سير أعلام النبلاء
" عبد تأليف " تاريخ الاسلام " وتابع فيه النطاق الزمني
للكتاب المذكور، والذي نعرفه أن " تاريخ الاسلام " يمتد من
أول الهجرة النبوية إلى آخر سنة (700 ه)، بينما تبين
دراستنا لتراجم الطبقة الخامسة والثلاثين وهي آخر المجلد
الثالث عشر أن
أصحابها توفوا في المدة المحصورة بين السنوات 660 651 ه،
فإين هي تراجم من توفي بين 700 661 ه ؟ وهي مدة طويلة عاصر
المؤلف كثيرا من أحداثها واتصل بالعديد من المترجمين فيها،
وكان الكثير منهم شيوخه، والباقون من شيوخ شيوخه، وفيهم
أعلام الدنيا من مثل أبي شامة، وابن الساعي، والنووي، وفخر
الدين ابن البخاري، وابن الظاهري ومئات غيرهم بحيث لا يعقل
أن يتركهم الذهبي ولا يترجم لهم، وقد ترجم في كتابه هذا
لمن هم أدنى منهم بكثير، فهذه المدة المذكورة البالغة
قرابة الاربعين سنة تحتمل من غير شك أن تكون المجلد الرابع
عشر من " السير ".
2 - ولكن كيف ظن الفضلاء أن هذا هو المجلد الاخير من "
السير " وكيف ذكروا أن تراجمه تصل إلى سنة 700 ه ؟
(1/95)
والذي عندي أن الذي أوقع الناس (1) في هذه المزلقة أمران:
أولهما عدم دراسة المجلد الثالث عشر دراسة جيدة والنظر إلى
المترجمين فيه نظرة فاحصة منقبة.
وثانيهما: هو ترجمة السلطان الملك المنصور نور الدين علي
ابن السلطان الملك المعز أيبك التركماني الذي ذكر المؤلف
الذهبي أنه تأخر إلى قريب سنة (700) ه، لكن الدراسين لم
ينتبهوا إلى أن الذهبي، إنما ذكره بسبب توليه الحكم بعد
مقتل والده المعز أيبك سنة 655 ه، وأنه لم يبق في السلطنة
غير سنتين ونصف إذ عزل في أواخر سنة 657 ه حينما تولى سيف
الدين قطز السلطنة، فالذي ذكره الذهبي عن بقائه فيما بعد
إنما هو من باب الاستطراد لا غير، وقد كان من منهج الذهبي
في هذا الكتاب أن يجمع الاقرباء في مكان واحد كما سيأتي
بيانه لاحقا.
3 - قلنا إن الذهبي ألف كتابه هذا في أربعة عشر مجلدا،
وطلب من النساخ أن يستخرجوا المجلدين الاول والثاني من "
تاريخ الاسلام " وهما اللذان يتضمنان السيرة النبوية، وسير
الخلفاء الاربعة، كما هو مثبت بخطه في طرة المجلد الثالث
من الكتاب.
وقد نصت وقفية الكتاب على المدرسة المحمودية بالقاهرة وهي
الوقفية المثبت نصها على جميع المجلدات أن الموقوف منه
اثنا عشر مجلدا، وقد جاء في نص الوقفية المدونة على المجلد
الثالث، وهو أول المجلدات التي وصلت إلينا - ما نصه: " وقف
وحبس وسبل المقر الاشرف العالي الجمالي محمود أستادار
__________
(1) أول من قال بذلك هو الدكتور الفاضل صلاح الدين المنجد،
وتابعته في وهمه انا في كتابي " الذهبي ومنهجه في كتابه
تاريخ الاسلام: 170 من طبعة القاهرة " وعذري أنني كنت
آنذاك معنيا " بتاريخ الاسلام "، وكان كلامي على السير
عارضا، أما هو فقد كان من المفروض أنه خبر الكتاب وسبر
عوره.
(1/96)
العالية الملكي الظاهري..جميع هذا المجلد وما بعده من
المجلدات إلى آخر الكتاب، وعدة ذلك اثنا عشر مجلدا متوالية
من هذا المجلد إلى آخر الرابع عشر..".
فانظر إلى قوله " إلى آخر الكتاب " وقوله " إلى آخر الرابع
عشر ".
والواضح البين أن الوقفية لم تشر إلى أن المجلد الرابع عشر
هو ذيل سير أعلام النبلاء كما ظن الفاضل الدكتور صلاح
الدين المنجد.
4 - وقد جرت عادة النساخ، أو المؤلفين، أوكليهما على
الاشارة والنص على انتهاء الكتاب، إلا أننا حينما نقرأ آخر
المجلد الثالث عشر لا نجد أية إشارة من المؤلف، أو الناسح
إلى انتهاء الكتاب، وقد وجدت الذهبي
رحمه الله ينص دائما عند انتهاء كتبه، فلماذا يشذ في هذا
الكتاب ! ؟ أما الناسخ فإن عباراته التي استعملها في نهاية
المجلد الثالث عشر لا تنبئ بأي حال على أن هذا هو آخر
الكتاب، وهي لا تختلف عن ما جاء في بقية المجلدات (1).
ثالثا ترتيب الكتاب:
نظم الذهبي كتاب " السير " على الطبقات، فجعله في أربعين
طبقة تقريبا، وآخر ما في المجلد الثالث عشر من نسخة ابن
طوغان هي آخر الطبقة
__________
(1) وفي خزانة كتب خليل الله المدراسي بحيدر آباد مجلد
صورته بعثة معهد المخطوطات بجامعة الدول العربية ووضعته في
فهرس (التاريخ) من فهارسها (رقم 1100 ج - 2، قسم 3 ص 183)،
قالوا: " مجلد فيه من سنة 550 - سنة 740 ويبدأ بترجمة أبي
البركات هبة الله بن ملكا البغدادي، وينتهي بآخر الكتاب
وبآخر المجلد فهرست تفصيلي لجميع تراجم الكتاب من أوله
الاخرة حسب ترتيب الطبقات من وضع الذهبي نفسه ينقص قليلا
".
وهذا الوصف يثير كثيرا من الارباك إذ كيف يتصور أن مجلدا
واحدا يحوي كل هذه الفترة الزمنية، ثم ان الكتاب غير مرتب
على السنين حتى يقال من سنة كذا إلى سنة كذا.
ولم استطع الوقوف عليه في الوقت الحاضر فلا أتمكن من الحكم
عليه.
سير 1 / 7
(1/97)
الخامسة والثلاثين ولا أستبعد أن يتضمن المجلد الرابع عشر
خمس طبقات إذا قايسنا ذلك ببقية المجلدات.
وقد استعمل المؤلفون المسلمون هذا الاسلوب في عرض التراجم
منذ فترة مبكرة من تاريخ الحركة التأليفية، وهو فيما يرى
روزنتال تقسيم إسلامي أصيل قد يبدو أقدم تقسيم زمني وجد في
التفكير التاريخي
الاسلامي، ولم يكن نتيجة مؤثرات خارجية، بل هو نتيجة
طبيعية لفكرة: صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم،
فالتابعون..الخ (1)، ومما يؤيد هذا حديث أورده البخاري
ونصه: " خير أمتي قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم "
(2) وقد أشار العيني في شرحه إلى أن خير القرون الصحابة ثم
التابعون ثم أتباع التابعين (3).
وهذا المفهوم يظهر واضحا في كتب الامام ابن حبان البستي
المتوفى سنة 354 ه حيث قسم الرواة في كتابيه " الثقات " و
" مشاهير علماء الامصار " إلى ثلاث طبقات هم: الصحابة،
والتابعون، وأتباع التابعين، فصارت الطبقة هنا تعني الجيل.
وقد حاول بعض العلماء أن يجعل للطبقة تحديدا زمنيا واضحا،
فجعلها بعضهم عشرين سنة (4)، وجعلها آخرون أربعين سنة (5)،
وهلم جرا.
__________
(1) علم التاريخ عند المسلمين: 134 133.
(2) الصحيح 5 / 3 2 (ط.
الشعب) باب فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وهو من
حديث عمران ابن حصين.
(3) عمدة القاري: 16 / 170.
(4) انظر " طبق " من لسان العرب.
(5) استنادا إلى حديث " أمتي على خمس طبقات كل طبقة أربعون
عاما ".
(سنن ابن ماجة: 2 / 1349) ولا يصح، بل أورده ابن الجوزي في
" الموضوعات ".
(1/98)
لكن الدراسات الحديثة (1) أظهرت أن كثيرا من المؤلفين
المتقدمين كابن سعد، وخليفة بن خياط، ومسلم بن الحجاج
وغيرهم لم يستعملوا " الطبقة " باعتبارها وحدة زمنية
ثابتة، كما لم يستعملوها بمعنى " الجيل " أيضا ففي الوقت
الذي عد فيه خليفة بن خياط الصحابة طبقة واحدة عدهم
ابن سعد عدة طبقات استنادا إلى سابقتهم في الاسلام.
أما طبقات التابعين ومن بعدهم، فقائم عند خليفة وابن سعد
على اعتبار اللقيا بين الصحابة والتابعين، فكبار التابعين
هم الذين رووا عن كبار الصحابة ذوي السابقة والفضل، وهم
الطبقة الاولى من التابعين، أما التابعون الذين رووا عن
صغار الصحابة ولم يلتقوا بكبارهم لعدم لحاقهم بهم، فيكونون
طبقة ثالثة أو رابعة، وكذلك افإن من روى عن سعيد بن المسيب
مثلا وغيرهم من كبار التابعين فإنهم يكونون الطبقة الاولى
من أتباع التابعين.
رابعا مفهوم الطبقة في " السير
" وغيره من مؤلفات الذهبي
نظم الامام الذهبي مجموعة من كتابه على الطبقات إضافة إلى
" السير " منها: " تذكرة الحفاظ " (2)، و " معرفة القراء
الكبار على الطبقات والاعصار (3) "، و " المعين في طبقات
المحدثين " (4) " و " المجرد في أسماء رجال كتاب سنن
الامام أبي عبد الله بن ماجة سوى من أخرج له منهم في أحد
__________
(1) أنظر دراسة صديقنا العزيز العالم الفاضل الدكتور أكرم
العمري لاسس تنظيم طبقات خليفة وابن سعد في كتابه الماتع "
بحوث في تاريخ السنة المشرفة " ص: 184 فما بعد (الطبعة
الثانية).
(2) مطبوع منتشر مشهور.
(3) نشرته دار الكتب الحديثة بالقاهرة سنة 1969 باعتناء
رجل جاهل يدعى سيد جاد الحق، وهي نشرة رديئة جدا يكثر فيها
التصحيف والتحريف السقط وعندي منه نسخة مصورة نفيسة.
(4) عندي من الكتاب نسخة مصورة عن فيض الله.
(1/99)
الصحيحين (1)، و " طبقات الشيوخ " (2)، وقد وصلت إلينا
جميع هذه الكتب خلا الكتاب الاخير.
وتشير دراستنا لهذه الكتب أن الذهبي لم يراع ايجاد تقسيم
واحد في عدد الطبقات بين هذه الكتب، ولا راعى التناسق في
عدد المترجمين بين طبقة وأخرى في الكتاب الواحد، كما لم
يلتزم بوحدة زمنية ثابتة للطبقة في جميع كتبه فيما عدا "
تاريخ الاسلام " الذي لا يدخل في هذا التنظيم كما سيأتي
بيانه.
1 عدد الطبقات: فقد قسم الذهبي كتابه " تذكرة الحفاظ " على
إحدى وعشرين طبقة (3)، وقسم " معرفة القراء " على سبع عشرة
طبقة، بينما جعل " سير أعلام النبلاء " في أربعين طبقة
تقريبا مع أن الكتب الثلاثة المذكورة تناولت نطاقا زمنيا
واحدا يمتد من الصحابة إلى عصره الذي عاش فيه.
2 عدد المترجمين: ونجد اختلافا كبيرا جدا في أعداد
المذكورين في الطبقات في الكتاب الواحد، ففي " تذكرة
الحفاظ " مثلا نجد أن أعداد المترجمين في الاحدى والعشرين
طبقة تتضمن الاعداد الآتية حسب تسلل الطبقات: 23، 42، 30،
58، 78، 81، 106، 130، 106، 117، 77، 79، 74، 31، 46، 18،
25، 26، 12، 10، 8، وهكذا نجدها تتراوح بين ثمانية أشخاص
ومئة وسبعة عشر شخصا.
وهذا الذي ذكرته عن " التذكرة " ينطبق على " السير " أيضا
فإن عدد تراجم الطبقة الثلاثين مثلا بلغ (77) ترجمة بينما
بلغ عدد تراجم الطبقة التي تليها (130) ترجمة، وهلم جرا.
__________
(1) عندي منه نسخة مصورة عن الظاهرية.
(2) ذكره الذهبي في تذكرة الحفاظ: 3 / 876 ولا أعرف له
نسخة.
(3) وقال في الطبقة الثالثة عشرة: " وقد سميت منهم بضعة
وسبعين إماما وقسمت الطبقة طبقتين أولا هما ثمانية وأربعون
والثانية خمسة وعشرون نفسا " (3 / 997)
(1/100)
3 الوحدة الزمنية: ولم يراع الذهبي وحدة زمنية ثابتة في
كتبه التي
تظمها على الطبقات، وهو بذلك لم يدخل سني وفيات المترجمين
باعتباره بشكل دقيق حيث نجدها متداخلة بين طبقة وأخرى من
جهة، كما نلاحظ في الوقت نفسه تباينا كبيرا جدا في المدة
الزمنية التي تستغرقها كل طبقة من الطبقات.
ففي " تذكرة الحفاظ " مثلا نجد أن وفيات المترجمين في
الطبقة الاولى تمتد من سنة 13 ه وهي سنة وفاة الصديق - إلى
سنة 93 ه وهي السنة التي توفي فيها أنس بن مالك، وهذا يعني
أن مدتها ثمانون سنة.
أما التابعون فقد جعلهم في " التذكرة " ثلاث طبقات: كبار
التابعين وتمتد وفيات أصحابها من سنة 62 وهي سنة وفاة
علقمة بن قيس النخعي إلى سنة 107 ه وهي سنة وفاة رجاء
العطاردي في ترجيح الذهبي، فتكون مدتها (45) سنة.
ثم الطبقة الوسطى منهم وتمتد وفيات المترجمين فيها من سنة
93 ه إلى سنة 117 ه، فتكو مدتها (24) سنة.
ثم طبقة ثالثة من التابعين تمتد وفيات أصحابها من سنة 113
ه إلى سنة 151، فمدتها (38) سنة.
أما الطبقة الخامسة فتمتد من 144 ه إلى سنة 180 ه، فهي
(36) سنة وهلم جرا.
وهذا الذي ذكرته عن التباين في مدد الطبقات الاولى من "
التذكرة " ينطبق على الطبقات المتأخرة أيضا، فالطبقة
العشرون تمتد من سنة 667 إلى سنة 708، فتكون مدتها (41)
سنة أما الحادية والعشرون وهي آخر الطبقات فتمتد من سنة
672 ه إلى سنة 742 ه سنة وفاة الحافظ المزي فتكون مدتها
(70) سنة.
وهذا الذي أبنته من الخلف في مدة الطبقات في " التذكرة "
والتباين الشديد نجده أيضا في " سير أعلام النبلاء "، فقد
بلغت مدة الطبقة الثلاثين
(1/101)
من السير (19) سنة تمتد من سنة 568 ه سنة وفاة خوارزمشاه
إلى سنة 587 ه سنة وفاة ابن مغاور الشاطبي وامتدت وفيات
المترجمين في الطبقة الحادية والثلاثين من سنة 575 ه سنة
وفاة ابن عياد الاندلسي إلى سنة 601 ه وهي سنة وفاة
الارتاحي، فتكون مدتها (26) سنة.
أما الطبقة الخامسة والثلاثون فلم تتجاوز تسع سنوات حيث أن
جميع وفيات المذكورين فيها تمتد من سنة 651 إلى سنة 660
(1).
أما كتابه " المعين في طبقات المحدثين " فقد جعل الذهبي
الطبقات الاولى فيه تتخذ أسماء المشهورين فيها نحو قوله
مثلا " طبقة الزهري وقتادة " (2)، و " طبقة الاعمش وأبي
حنيفة (3) " و " طبقة ابن المديني وأحمد (4) " ونحو ذلك.
ثم غير هذه الطريقة حينما وصل إلى مطلع القرن الثالث
الهجري، فصار يستعمل السنوات التقريبية في الطبقة نحو
قوله: " الطبقة الذين بقوا بعد الثلاث مئة وإلى حدود
العشرين والثلاث مئة (5) " و " طبقة من الثلاثين وإلى ما
بعد الخمسين وخمس مئة (6) "، وهلم جرا.
وقد تبين لنا من دراسة هذه الوحدات الزمنية التي ذكرها أن
الطبقة قد تكون في هذا الكتاب في حدود عشرين سنة (7)، أو
خمس وعشرين (8)، أو
__________
(1) استثنينا من ذلك ما ذكره الذهبي من تأخر وفاة المنصور
ابن المعز أيبك إلى سنة (700) تقريبا وقد بينا أنه إنما
ذكره بسبب توليه السلطنة بين 657 655 حسب (نسختي المصورة).
(2) المعين، الورقة: 7 (3) نفسه، الورقة: 8 (4) نفسه،
الورقة: 14 (5) نفسه، الورقة: 19 (6) نفسه، الورقة: 32
(7) نفسه، الورقة: 21، 32 (8) نفسه، الورقة 22، 24
(1/102)
ثلاثين سنة (1)).
أما كتابه " المجرد في أسماء رجال كتاب سنن الامام أبي عبد
الله بن ماجة " فقد جعله في ثماني اتخذت كل طبقة أسماء
أعلام فيما عدا طبقة الصحابة (2)، فالطبقات السبع الباقية
هي: طبقة زمن الاعمش وابن عون (3)، وطبقة الزهري وأيوب
(4)،، وطبقة ابن المسيب ومسروق (5)، وطبقة الحسن وعطاء
(6)، وطبقة عفان و عبد الرزاق (7)، وطبقة علي ابن المديني
وأحمد بن حنبل (8)، وطبقة البخاري ومن تبقى (9)، ويلاحظ أن
هذه الطبقات لم تراع التناسق الزمني أيضا.
ولكن الذهبي جعل الطبقة عشر سنوات في كتابه العظيم " تاريخ
الاسلام " فتألف كتابه من سبعين طبقة، فهل يعني هذا أنه
وضع تحديدا زمنيا واضحا للطبقة مخالفا طريقته في كتبه
الاخرى ؟ علما أن عمله هذا لم يسبقه فيه أحد فيما نعلم.
وقد أدى عمل الذهبي هذا إلى دفع بعض الباحثين المعنيين
بعلم التاريخ إلى القول: بأنه خالف الاقدمين، بل خالف نهجه
هو في كتبه الاخرى (10).
على أن دراستنا الموسعة لكتاب " تاريخ الاسلام " قد أبانت
أنه لم يقصد بالطبقة هنا غير " العقد "، وهو مفهوم يدل على
وحدة
__________
(1) نفسه، الورقة: 20، 21 (2) المجرد، الورقة: 6 1 (3)
المجرد، الورقة: 8 - 12 (4) المجرد، الورقة: 12 8
(5) نفسه، الورقة: 13 12 (6) نفسه، الورقة: 14 13 (7)
نفسه، الورقة: 14 - 15 (8) نفسه، الورقة: 16 15 (9) نفسه،
الورقة 20 16 (10) نظر: روزنثال: علم التاريخ: 121،
والعمري: بحوث: 191
(1/103)
زمنية محددة قدرها عشر سنوات، وأنه إنما استخدم هذا
المفهوم لحاجات تنظيمية صرفة جاءت في الاغلب من عدم توافر
تواريخ وفيات المترجمين بصورة كاملة، كثرة الاختلاف فيها
لا سيما في المئات الثلاث الاولى.
وقد أبانت دراستي أن هذا التنظيم لا علاقة له بأدب الطبقات
بل من الافضل أن يربط بأدب التنظيم على السنين (1).
من كل الذي مر يتضح أن الذهبي استعمل الطبقة للدلالة على
القوم المتشابهين من حيث اللقاء أي: في الشيوخ الذين أخذوا
عنهم، ثم تقاربهم في السن من حيث المولد والوفاة تقاربا لا
يتناقض مع اللقيا، وهو أمر يتيح تفاوتا في وفيات المترجمين
من جهة، وتفاوتا في عدد الطبقات أيضا.
ولكن كيف نفسر هذا الاختلاف الكبير في تقسيم الطبقات عند
مؤلف واحد مثل الذهبي.
بحيث جعل " معرفة القراء " في سبع عشرة طبقة.
بينما قسم " السير " إلى أربعين طبقة تقريبا ؟ وجواب ذلك
فيما نرى يعتمد بالدرجة الاولى على نوعية المذكورين في
الكتاب الواحد، فإن كتابا مثل " التذكرة " ليس فيه غير
كبار الحفاظ من الممكن أن ينظم بطبقات أقل من غيره نظرا
لنوعية المذكورين فيه، وكلهم أو
معظمهم من ذوي الاسناد العالي، بحيث تتباعد المدة الزمنية
بين طبقة وأخرى، فيقل عدد الطبقات، وهو أمر لا يناقض مبدأ
اللقيا.
أما " السير " فنوعية المترجمين فيه تشمل كل رجال "
التذكرة " تقريبا مضافا إليهم من هم أقل منهم مرتبة بحيث
يضطر إلى زيادة عدد الطبقات.
وطبيعي أنه ليس من المفروض أن يكون كل أحد من طبقة ما قد
التقى
__________
(1) انظر تفاصيل موسعة في كتابي: الذهبي ومنهجه: 302 282.
(1/104)
بجميع رجال الطبقة السابقة مع إمكان التقائهم.
ومن أجل توضيح هذا الذي ذكرته عن نوعية المترجمين أشير إلى
أنه من الممكن نظم جميع الرواة من الصحابة في طبقة واحدة،
ولكن من الممكن تقسيم الصحابة إلى أكثر من طبقة حسب
الرواية أيضا، لان الصحابي قد يروي عن النبي صلى الله عليه
وسلم، وقد يروي عن الصحابي أيضا.
ومن الممكن إذا ذكرنا كبار التابعين أن نجعلهم طبقة واحدة،
ولكن التوسع في ذكر التابعين يقضي من أجل الدقة تقسيمهم
إلى أكثر من طبقة، فكبار التابعين إنما هم الذين رووا عن
كبار الصحابة، وصغار التابعين هم الذين رووا عن صغار
الصحابة، لعدم لحاقهم بكبار الصحابة، فضلا عن أن بعض
التابعين لم يرو عن غير التابعين، وهو أمر يعرفه أهل
العناية بهذا الفن الجليل.
وعليه فإن الذهبي لو أراد مثلا أن يؤلف كتابا في جميع
القراء وليس في " الكبار " منهم لاضطره الامر إلى زيادة
عدد الطبقات، وهم جرا.
وبهذا يتضح أن كل مترجم إنما تتحدد طبقته حسب الكتاب
المذكور فيه وأننا لا يمكن أن نجد توزيعا موحدا للمترجمين
في جميع كتب الذهبي المرتبة على الطبقات فلا نستطيع القول:
إن فلانا من أهل الطبقة الفلانية عند الذهبي، بل يصح
القول: إنه من أهل الطبقة الفلانية في الكتاب الفلاني.
فإذا كان الامر كذلك، فمن البداهة أن لا نجد تقسيما موحدا
للطبقات عند المؤلفين المسلمين، فمكحول - مثلا - في الطبقة
الثالثة من أهل الشام عند ابن سعد (1)، بينما هو في الطبقة
الثانية عند خليفة (2)، وفي الطبقة الرابعة عند الذهبي في
" التذكرة " (3)، وهو من أهل الطبقة الخامسة عند ابن حجر
في
__________
(1) الطبقات: 7 / 453 (2) طبقات خليفة: 310 (ط.
العمري) (3) التذكرة: 1 / 107
(1/105)
" التقريب " (1).
لقد اخترع المحدثون التنظيم على الطبقات لخدمة دراسة
الحديث النبوي الشريف ومعرفة إسناد الحديث ونقده، فهو الذي
يؤدي إلى معرفة فيما إذا كان الاسناد متصلا، أو ما في
السند من إرسال (2) أو انقطاع (3) أو عضل (4) أو تدليس
(5)، أو اتفاق في الاسماء مع اختلاف في الطبقة (6).
وكان نظام الطبقات على غاية من الاهمية في العصور الاولى
التي لم يعتن المؤلفون فيها بضبط مواليد الرواة ووفياتهم
إنما كانت تحدد طبقاتهم بمعرفة شيوخهم والرواة عنهم.
على أن من أكبر عيوب التنظيم على الطبقات صعوبة العثور على
الترجمة لغير المتمرسين بهذا الفن تمرسا جيدا، فضلا عن عدم
وجود تقسيم موحد للطبقة عند المؤلفين.
وحينما توفرت للمؤلفين مادة كافية لضبط تاريخ المواليد
والوفيات ازداد عدد المؤلفين الذين ينظمون كتبهم الرجالية
على الوفيات، أو على حروف المعجم.
وقد كان من جملة انتقادات أبي الحجاج
المزي للحافظ عبد الغني المقدسي في تنظيمه لكتابه " الكمال
في أسماء الرجال " أنه أفرد تراجم الصحابة عن بقية التراجم
المذكورة في كتابه، قال: " وقد كان صاحب الكتاب رحمه الله
ابتدأ بذكر الصحابة، أولا الرجال منهم والنساء على حدة، ثم
ذكر من بعدهم على حدة، فرأينا ذكر الجميع
__________
(1) التقريب: 2 / 273.
(2) المرسل: ما رواه التابعي عن رسول الله صلى الله عليه
وسلم.
(3) المنقطع: أن يسقط من السند رجل ليس بصحابي.
(4) المعضل: ما سقط من إسناده اثنان أو أكثر على التوالي.
(5) المدلس: هو الذي يروي عمن لقيه أحاديث لم يسمعها منه،
أو عمن عاصره ولم يلقه موهما أنه سمعه منه.
(6) وذلك كثير فيعرف الشخص من طبقته وشيوخه.
(1/106)
على نسق واحد أولى، لان الصحابي ربما روى عن صحابي آخر عن
النبي صلى الله عليه وسلم فيظنه من لا خبرة له تابعيا
فيطلبه في أسماء التابعين فلا يجده، وربما روى التابعي
حديثا مرسلا عن النبي صلى الله عليه وسلم، فيظنه من لاخبرة
له صحابيا فيطلبه في أسماء الصحابة فلا يجده، وربما تكرر
ذكر الصحابي في أسماء الصحابة وفيمن بعدهم، وربما ذكر
الصحابي الراوي عن غير النبي صلى الله عليه وسلم في غير
الصحابة، وربما ذكر التابعي المرسل عن النبي صلى الله عليه
وسلم في الصحابة، فإذا ذكر الجميع عى نسق واحد، زال ذلك
المحذور، وذكر في ترجمة كل إنسان منهم ما يكشف عن حاله إن
كان صحابيا أو غير صحابي (1) "، لذلك رتب المزي الرجال في
كتابه على حروف المعجم وصعد في الترتيب إلى آبائهم
وأجدادهم، ثم رتب النساء على ذلك النسق أيضا.
(2)
وفائدة التنظيم على الطبقات إنما تظهر في العصور الاسلامية
الاولى كما ذكرت، وكلما مضى الزمن بالكتاب صرنا لا نشعر
بوجود الطبقة شعورا واضحا، لذلك وجدنا في " سير أعلام
النبلاء " نوعا من التسلسل الزمني في الاقسام التي تلت تلك
الاعصر الاولى، فضلا عن وجود عدد ليس بالقليل من التراجم
التي لا علاقة لاصحابها بالرواية أو العلم فضلا عن اللقيا،
مثل الملوك والوزراء والخلفاء والسلاطين والاطباء والشعراء
ونحوهم، ولكن مفهوم الذهبي للتاريخ، وتكوينه الفكري المتصل
بالحديث والمحدثين جعله يتمسك بهذا التنظيم إلى آخر الكتاب
بالرغم من عدم جدواه في القرون المتأخرة ودخول غير أهل
الرواية في الكتاب.
__________
(1) انظر المجلد الاول من تهذيب الكمال بتحقيقنا (منشورات
مؤسسة الرسالة).
(2) وقد وجدنا العلماء المتأخرين يعنون بإعادة تنظيم كتب
الطبقات على حروف المعجم كما فعل نور الدين الهيثمي في
إعادة ترتيب " ثقات " ابن حبان، وغيره.
(1/107)
إن نظرة واحدة للتراجم المذكورة في المجلد الثالث عشر مثلا
تشير إلى نوع من التسلسل في ذكر المترجمين حسب وفياتهم،
وإن لم يكن ذلك بالدقة التي رتبت فيها الكتب المؤلفة على
السنين.
وقد وجدنا الذهبي في " السير " كثيرا ما يجمع تراجم
الاقرباء في مكان واحد، ولا سيما الاخوة والآباء والابناء،
وهو بعمله هذا إنما راعى الوحدة التاريخية، لكنه في الوقت
نفسه كان على حساب " الطبقة " والزمان.
فحينما ترجم الذهبي لعاقل بن البكير أحد شهداء بدر أتبعه
بتراجم إخوته الثلاثة: خالد بن البكير الذي استشهد يوم
الرجيع سنة أربع، وإياس بن البكير المتوفى سنة 34 ه، وعامر
الذي استشهد يوم اليمامة.
وحينما ترجم
لابي جندل بن سهيل ترجم بعد ذلك لاخيه عبد الله بن سهيل،
ثم لابيهما سهيل بن عمرو، وحينما ترجم لابي الحارث نوفل بن
الحارث، ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ترجم أيضا
لابنه الحارث بن نوفل، ثم لابن ابنه: عبد الله ابن الحارث
بن نوفل، ثم لابن ابن ابنه: عبد الله بن عبد الله بن
الحارث بن نوفل، وأتبعهم بعد ذلك بأخويه: سعيد بن الحارث
وأبي سفيان بن الحارث، ثم ولد الاخير جعفر بن أبي سفيان بن
الحارث.
وهذا الذي ذكرته عن الجمع بين الاقرباء وتجاوز الطبقة منهج
سار عليه الذهبي في جميع الكتاب، وإن لم يلتزم به دائما،
وقد وجدناه في الاقسام الاخيرة من كتابه يتبع هذا النهج،
ففي الطبقة الثلاثين ترجم لابي العلاء الهمذاني المتوفى
سنة 569 ه، ثم أتبعه بابنه محمد بن الحسن المتوفى سنة 605
وهو من أهل الطبقة التي بعدها.
وترجم لكمال الدين ابن الشهرزوري المتوفى سنة 572 ه ذكر
والده الملقب بالمرتضى المتوفى سنة 511 ه وهو من أهل طبقة
سابقة.
وترجم في الطبقة الثلاثين لقوام الدين أبي المحامد حماد
(1/108)
ابن إبراهيم الصفاري المتوفى سنة 576 ه، ثم ذكر والده ركن
الدين الذي بقي إلى سنة 532 ه، كما ذكر جده إسماعيل بن
إسحاق الذي بقي إلى حدود سنة 500 ه.
وترجم لابي المواهب ابن صصرى المتوفى سنة 586 ه، وأتبعه
بترجمة أبيه أبي البركات ابن صصرى المتوفى سنة 573 ه ثم
ترجمة جده محفوظ المتوفى سنة 545 ه.
وحينما ترجم للسلطان الهمام صلاح الدين يوسف المتوفى سنة
589 ه ترجم معه لابنائه: العزيز المتوفى سنة 595 ه،
والظاهر المتوفى سنة 613 ه، والافضل المتوفى سنة 622 ه
وهلم جرا
خامسا طبيعة تراجم " السير "
وأسس انتقائها:
عرفنا من دراستنا لسيرة الذهبي أنه كان عالما، واسع
الاطلاع، غزير المعارف ولا سيما في التراجم، وهو الحقل
الذي ألف فيه مجموعة من الكتب وبرع فيه البراعة التي جعلت
العلماء يجمعون على أنه " مؤرخ الاسلام "، وألف كتابه
العظيم " تاريخ الاسلام " الذي احتوى على قرابة أربعين ألف
ترجمة، وبذلك كانت لديه حصيلة ضخمة من التراجم كان عليه أن
ينتقي منها ما يراه مناسبا لكتابه " السير "، فهل كانت
لديه خطة معينة سار عليها في ذلك ؟ والجواب: ان دراستنا
للكتاب تبين أنه سار وفق خطة مرسومة في الانتقاء، سواء
أكان ذلك في انتقاء التراجم أم في انتقاء المادة المذكورة
في كل ترجمة، وقد انطلق في كل ذلك من ميزانه الذي وزن به
المترجم من جهة، والاخبار التي تجمعت لديه عنه من جهة
أخرى، وهو في كل ذلك إنما يصدر عن مفهومه المعين لفائدة
كتاب من مثل " السير ".
ولعلنا نستطيع فيما يأتي أن نتبين أسس انتقاء التراجم: 1
العلمية: كان الذهبي قد أورد في " تاريخ الاسلام " جميع
المشاهير والاعلام، ولم
(1/109)
يورد المغمورين والمجهولين، بعرف أهل الفن في كل عصر لا
بعرفنا نحن، إذ لا ريب في أن هناك آلافا من التراجم التي
ذكرها لم يسمع بها كثير من المتخصصين في عصرنا.
أما في " السير " فإنه اقتصر فيه على ذكر " الاعلام "،
وأسقط المشهورين.
وقد استعمل الذهبي لفظ " الاعلام (1) ليدل على المشهورين
جدا بعرفه هو لا بعرف غيره، ذلك أن مفهوم " العلم " يختلف
عند مؤلف وآخر استنادا إلى عمق ثقافته ونظرته إلى البراعة
في علم من العلوم، أو فن من الفنون، أو عمل من الاعمال، أو
أي شئ آخر، لذلك وجدنا أن
سعة ثقافة الذهبي، وعظيم اطلاعه، وكثرة معاناته ودربته
بهذا الفن قد أدت إلى توسيع هذا المفهوم بحيث صرنا نجد
تراجم في " السير " مما لا نجده في كتب تناولت المشهورين،
مثل " المنتظم " لابن الجوزي، و " الكامل " لابن الاثير، و
" البداية " لابن كثير، و " عقد الجمان " لبدر الدين
العيني، وغيرها.
2 الشمول النوعي: ولم يقتصر الذهبي في " السير " على نوع
معين من " الاعلام " بل تنوعت تراجمه فشملت كثيرا من فئات
الناس، من الخلفاء، والملوك، والامراء والسلاطين،
والوزراء، والنقباء، والقضاة، والقراء، والمحدثين،
والفقهاء، والادباء، واللغويين، والنحاة، والشعراء، وأرباب
الملل والنحل والمتكلمين والفلاسفة، ومجموعة من المعنيين
بالعلوم الصرفة.
ومع أن المؤلف قصد أن يكون " السير " شاملا لجميع " أعلام
" الناس، إلا أننا وجدناه يؤثر المحدثين على غيرهم، لذلك
جاءت الغالبية العظمى من
__________
(1) كانت تراجم الاعلام في تاريخ الاسلام أوسع من تراجم
المشهورين، وقد أشار الذهبي في تراجمهم من هذا التاريخ
بلفظة " أحد الاعلام " انظر على سبيل المثال الاعلام في
الجزء الخامس من تاريخ الاسلام، ص: 44، 68، 69، 89، 98،
116، 121، 128، 136، 152، 155، 179، 184، 228، 233،
257..الخ.
(1/110)
المترجمين من أهل العناية بالحديث النبوي الشريف رواية
ودراية، وهي فيما نرى ظاهرة طبيعية لما عرفنا من تربية
الذهبي ونشأته الحديثية، وحبه لرواية الحديث وشغفه به، ذلك
الشغف العظيم الذي ملك عليه قلبه، فهو من صنفهم واسع
المعرفة بهم، عظيم الاكبار لهم، شديد الكلف بهم، فضلا عن
أن المحدثين هم من أكثر الفئات التي عنيت بالرواية نظرا
للاهمية البالغة التي
يحتلها الحديث الشريف في الحياة الاسلامية، ولذلك فإن
دراسة أحوال نقلة الحديث وبيان مواليد هم ووفياتهم وآراء
العلماء فيهم وشيوخهم والرواة عنهم ونحو ذلك، من الامور
التي تقوم عليها دراسة الاسانيد، ثم معرفة صحيح الحديث من
سقيمه.
3 الشمول المكاني: وقد عمل المؤلف أن يكون كتابه شاملا
لتراجم الاعلام من كافة أنحاء العالم الاسلامي من الاندلس
غربا إلى أقصى المشرق، وهو شمول قل وجوده في كثير من الكتب
العامة التي تناولت تراجم المسلمين، إذ كثيرا ما كانت مثل
تلك الكتب تعنى بايراد تراجم أعلام بلدها أو منطقتها، فابن
الجوزي في " المنتظم " مثلا عني بتراجم البغداديين عناية
فاقت غيرهم من علماء وأعلام البلدان الاخرى مع أنه أراد
لكتابه أن يكون عاما شاملا، ولم يعن كثير من المؤلفين
المشارقة الذين ألفوا في التراجم العامة بتراجم المغاربة
والاندلسيين (1)، كما لم يعن كثير من المؤلفين المغاربة
والاندلسيين بتراجم المشارقة عنايتهم بتراجم أهل بلدهم،
بينما نجد نوعا جيدا من التوازن
__________
(1) ألف زكي الدين المنذري " التكملة لوفيات النقلة "
ليكون كتابا عاما في " النقلة " لكل العالم الاسلامي،
لكننا وجدناه يقصر تقصيرا كبيرا في تراجم الاندلسيين
والمغاربة (انظر كتابنا: المنذري وكتابه التكملة: 238 فما
بعد النجف 1968).
(1/111)
في كتاب " السير " يقل نظيره في الكتب التي من بابته، وهو
منهج سار عليه الذهبي في كثير من كتبه ولا سيما في كتابه
الكبير " تاريخ الاسلام "، مما يشير إلى شمول نظرته،
واتساع اطلاعه على المؤلفات في هذا الفن في كل منطقة، من
مناطق العالم الاسلامي وصلته بها.
4 - التوازن الزماني: حاول الذهبي في هذا الكتاب أن يوازن
في عدد الاعلام الذين يذكرهم على امتداد المدة الزمنية
الطويلة التي استغرقها الكتاب والبالغة سبعة قرون، فلم نجد
عنده تفضيلا لعصر على آخر في هذا المجال.
ومع أننا نجد تفاوتا في عدد المترجمين بين طبقة وأخرى،
لكننا لو نظمنا الكتاب على وفيات المترجمين ونظرنا إلى عدد
المذكورين في كل سنة لوجدنا نوعا من التناسق في عدد
المذكورين في كل سنة.
نعم، قد نجد كثيرا من السنوات مما يخرج عن هذا القول لكن
هذا لا يناقض المسار العام الذي أشرنا إليه، بسبب وفاة عدد
من الاعلام في بعض هذه السنوات لعوامل كثيرة منها الاوبئة
والحروب وغيرها.
5 طول التراجم وقصرها: وجد الذهبي، بسبب سعة اطلاعة وتمكنه
العظيم في الرجال، مادة وفيرة احتوتها مئات الموارد
التراجمية، يساعده على ذلك سعة النطاق الزماني لكتابه الذي
يمتد من أول تاريخ الاسلام حتى نهاية المئة السابعة،
والنطاق المكاني الذي يشمل العالم الاسلامي كله.
وقد رأينا قبل قليل كيف استطاع أن يحدد نوعية المترجمين
باختيار الاعلام منهم، إلا أن ما يبدو أكثر أهمية هو أن
هؤلاء الاعلام تتوفر عنهم عند مثل هذا المؤلف الواسع
الاطلاع كمية
(1/112)
عظيمة من المادة التاريخية التي لا بد أن ينتقي منها ما
يتفق وخطته في صياغة الترجمة من أجل أن لا يتضخم الكتاب
أزيد من هذا التضخم الكبير الذي قدره له.
من هذا الذي ذكرت اجتهد الذهبي أن يقدم ترجمة كاملة
ومختصرة في
الوقت نفسه لا تؤثر فيها كمية المعلومات التي تتوافر لديه،
فتخرجه عن خطته العامة.
وقد تمكن الذهبي أن يتخلص من مثل تلك المادة الضخمة التي
تحصلت لديه عن بعض كبار الاعلام بإحالة القارئ إلى مصادر
أوسع تناولت ذلك العلم بتفصيل أكثر مما ذكره هو في بعض
جوانب الترجمة، نحو قوله في ترجمة عكرمة بن أبي جهل: "
استوعب أخباره أبو القاسم بن عساكر "، وقوله في ترجمة يزيد
بن أبي سفيان: " له ترجمة طويلة في تاريخ الحافظ أبي
القاسم "، وقوله في ترجمة بلال بن رباح: " ومناقبه جمة
استوفاها الحافظ ابن عساكر "، وقوله في ترجمة الكمال ابن
الانباري بعد أن ذكر عددا من تصانيفه: " وسرد له ابن
النجار تصانيف جمة "، والامثلة كثيرة.
ومع هذا الذي ذكرت فإن طول التراجم وقصرها في " السير " من
الامور الواضحة لمطالع الكتاب، فقد نجد ترجمة لا تزيد على
بضعة أسطر، بينما نجد ترجمة أخرى قد تبلغ صفحات عديدة.
وقد انتقده تلميذه التاج السبكي المتوفى سنة 771 ه على
خطته في تطويل التراجم وتقصيرها في كتبه التاريخية وعد ذلك
من باب التعصب والهوى العقائدي (1).
إلا أن دراساتنا لهذه المسألة توضح أن السبكي قد بالغ في
نقده بسبب من تعصبه الشديد للاشاعرة، وتبين لنا أن الذهبي
راعى في أكثر الاحايين قيمة الانسان وشهرته بين أهل علمه،
أو مكانته بين الذين هم من بابته سواء أكان متفقا معه في
__________
(1) انظر الطبقات الكبرى: 2 / 24 23.
سير 1 / 8
(1/113)
العقيدة أم مخالفا، فنراه مثلا يطول في تراجم الشعراء
البارزين، أو كبار النحويين، أو أعلام الصوفية، أو كبار
الخلفاء والملوك والسلاطين، وقد ترجم
للشهاب السهروردي المقتول سنة 587 ه ترجمة طويلة باعتباره
" العلامة الفيلسوف السماوي المنطقي..من كان يتوقد ذكاء،
مع قوله " إنه قليل الدين " وأن مصنفاته " سائرها ليست من
علوم الاسلام " وأن الذين أفتوا بقتله " أحسنوا وأصابوا "
(1)، وترجم ترجمة حافلة لراشد الدين سنان صاحب الدعوة
النزارية الذي كان في رأيه: " سخط وبلاء " (2)، وأمثلة ذلك
في " السير " كثيرة لا نرى كبير فائدة في إيراد المزيد
منها.
ومع أن الذهبي كان عظيم الاهتمام بالمحدثين، مكبرا لهم،
شديد الكلف بهم، إلا أننا وجدناه يترجم لهم تراجم قصيرة
عموما إذا استثنينا بعض كبار أعلامهم مقارنة بكثير من
التراجم الطويلة التي خص بها بعض الشعراء والصوفية
والمتكلمين والفلاسفة.
على أن هذا الذي قلته لا يعني أنه لم يتأثر إطلاقا بعقيدته
وآرائه ونظرته إلى العلوم في فهم المترجمين وتطويل تراجمهم
أو تقصيرها، فهذا أمر يجانب الطبيعة البشرية، وهو موجود
عند جميع المؤرخين، لكننا نشير إلى محاولاته الجدية في
الموازنة، وإلى أنه لم يفعل ذلك عن هوى وتقصد، إنما انطلق
من تكوينه الفكري الذي كان يحدد أهمية " العلم " في خدمة
الاسلام، أو الاضرار به، فكان ينطلق ليبين هذا أو ذاك
فتطول التراجم.
إن تقدير الامام الذهبي للعلم الذي يترجم له ويطول في
ترجمته بسبب المكانة التي يحتلها هي التي دفعت به إلى
تخصيص مجلد كامل للسيرة النبوية الشريفة، فسيرة سيدنا محمد
صلى الله عليه وسلم هي المثل الاعلى الذي يحتذيه
__________
(1) سير أعلام النبلاء: 21 / الترجمة 99 (بتحقيقنا).
(2) السير: 21 / الترجمة: 90.
(1/114)
المسلمون في مشارق الارض ومغاربها فضلا عن الاحكام
المستفادة منها.
وهذا الامر هو الذي أدى به إلى تخصيص مجلد كامل عن سير
الخلفاء الارعبة: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله تعالى
عنهم لما تمثله من قدوة للمسلمين، ولما يستفاد من دراستها
في شتى مناحي الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية
والفكرية ولما تحتله من المكانة في بناء الانسان المسلم.
سادسا صياغة تراجم " السير "
وعناصرها:
تختلف المادة الموجودة في ترجمة ما من تراجم " السير " عن
الاخرى حسب طبيعة المترجم له وقيمته العلمية أو الادبية أو
مكانته السياسية من جهة، وتتوحد في الاسس العامة لمكونات
الترجمة من جهة أخرى.
ولا نجد تناقضا في ذلك، فالذهبي يعنى في معظم التراجم بذكر
اسم المترجم ونسبه، ولقبه وكنيته ونسبته، ثم مولده أو ما
يدل على عمره (1)، ونشأته ودراسته وأخذه عن الشيوخ الذين
التقى بهم وروى عنهم، وأفاد منهم، ثم تلامذته الذين أخذوا
عنه وانتفعوا يعلمه، وتخرجوا به، وما خلف من آثار علمية أو
أدبية أو اجتماعية، ويبين بعد ذلك منزلته العلمية وعقيدته
من خلال أقاويل العلماء الثقات فيه جرحا وتعديلا ممن كان
وثيق الصلة به، ثم غالبا ما ينهي الترجمة بتحديد تاريخ
وفاة المترجم ويدقق في ذلك تدقيقا بارعا.
والمؤلف في الوقت نفسه يذكر في كل ترجمة أمورا متفرقة تتصل
بطبيعتها، فهو يعنى مثلا بايراد أعمال
__________
(1) لقد اعتنى الذهبي بذكر الولادات جهد طاقته فذكرها
دائما حينما توفرت له لما لذلك من أهميته كبيرة في
الاطمئنان على لقاء المترجم لمشايخه وسماعاته عليهم أو
إجازاته منهم.
وكان المحدثون يعنون بتتبع المواليد ويسألون الشيخ عن
مولده قبل السماع منه أو الاخذ عنه، فإذا ما وجدوا له
رواية قبل هذا الثاريخ أو في سن لا تحتمل السماع حكموا
بكذبه في هذه الرواية.
(1/115)
الخلفاء والملوك والامراء والمتولين في تراجمهم، ويركز
عنايته على ما قاموا به من نشر عدل أو بث ظلم أو سفك دماء.
وهو يعنى بايراد نماذج من شعر الشعراء ومختارات من نثر
الادباء، وأقوال للمتفلسفين وأرباب المقالات بما ينبئ عن
حسن عقيدتهم أو سوئها ونحو ذلك.
والذهبي له أسلوبه المتميز في صياغة التراجم، وأساليب
عرضها يختلف من الموارد التي ينقل منها، وقد دفعه هذا
الامر في أغلب الاحيان إلى إعادة صياغة المادة التاريخية
المنقولة عن المؤلفات السابقة بأسلوبه الخاص، ولم ير في
ذلك ضيرا طالما قد توخى الدقة والامانة في نقل معاني
الاقوال، لا سيما تلك التي لا تؤثر في قيمتها إعادة
الصياغة مثل تاريخ وفاة، أو ميلاد، أو قيام بعمل ما، أو
اختصار في أسماء الشيوخ ونحو ذلك، وقد بلغ الامر به حدا
أنه أعاد تركيب الترجمة في كثير من المواضع التي اعتمد
فيها مصدرا واحدا.
ولكنه ألزم نفسه في الوقت نفسه بنقل النصوص بألفاظها في
الحالات التي تستحق ذلك.
وتتطلبها، مثل أقوال العلماء في الجرح والتعديل، ونصوص
الكتب والتوقيعات التي أوردها في " السير "، والقطع
النثرية، والقصائد الشعرية، والمناقشات بين العلماء، فضلا
عن الروايات المسندة، ونصوص الاحاديث النبوية الشريفة.
أما إذا انتقى من النص أو لخصه، فإنه يشير إلى ذلك للامانة
العلمية من جهة وبما يدفع عنه تهمة التلاعب به من جهة
أخرى.
أما أسلوبه الادبي في عرض الترجمة، فقد تميز بالطراوة
والحبك.
ولم يعن بالصنعة البيانية وتزويق الالفاظ مثل غيره من
معاصريه وتلامذته، كابن سيد الناس اليعمري وتاج الدين
السبكي وصلاح الدين الصفدي وغيرهم.
وهذا أمر طبيعي فيما نرى، لان للكلمة مكانتها عند الذهبي،
وهو الناقد الذي يختار
(1/116)
العبارة الناسبة للتعبير عما يريد بدقة وأمانة، ويصف
المترجم بالعبارة التي تزنه جرحا أو تعديلا، فهو أسلوب
علمي قبل كل شئ.
ومن الواضح لكل ذي بصيرة أنه لا يمكن وصف المترجمين بشكل
متقن عند اتباع أسلوب الصنعة البلاغية الذي يتجلى فيه
العناية بالاسلوب على حساب دقة المعاني ودلالات الالفاظ.
وقد عرفنا من سيرة الذهبي ومكانته العلمية أنه قد حصل طرفا
صالحا من العربية في نحوها وصرفها وآدابها، كما أنه عني
عناية كبيرة في مطلع حياته بالقراءآت التي تقوم في أساسها
على علم تام بالعربية، وقد تعاطى الشعر، فنظم اليسير منه،
وأورد من شعر غيره جملة كبيرة في هذا الكتاب وغيره من
كتبه.
لكل ذلك أصبحت لغته قوية جدا بحيث يصعب أن نجد في كتابه
لحنا أو غلطا لغويا، أو استعمالا عاميا، فإذا كان النادر
من ذلك، فإنه من سهو القلم، أو الذهول، أو بعض ما يغلط فيه
الخواص، وليس ذاك بشئ.
وقد أدت دراساته لعدد ضخم من المؤلفات التاريخية والادبية
والحديثية واشتهاره بقوة الحافظة إلى وقوفه على أساليب عدد
كبير من الكتاب والمؤلفين على مدى عصور طويلة تنوعت أساليب
الكتابة فيها، فأكسبه كل ذلك خبرة أدبية قوية، وملكة جيدة
على التعبير.
إن معرفة اللغة العربية معرفة جيدة والتمتع بالاسلوب
الرصين من العوامل المهمة التي تخرج ترجمة جيدة ينتفع بها،
والقول بأن المعني بعلم التراجم لا يحتاج كل هذه المعرفة
قول فاسد، وقد أشار شيخ الذهبي ورفيقه الحافظ أبو الحجاج
المزي في نهاية تقديمه لكتابه العظيم " تهذيب الكمال " إلى
هذه الضرورة فقال: " وينبغي للناظر في كتابنا هذا أن يكون
قد حصل طرفا صالحا
(1/117)
من علم العربية نحوها ولغتها وتصريفها، ومن علم الاصول
والفروع، ومن علم الحديث والتواريخ وأيام الناس، فإنه إذا
كان كذلك، كثر انتفاعه به وتمكن من معرفة صحيح الحديث
وضعيفه وذلك خصوصية المحدث التي من نالها وقام بشرائطها
ساد أهل زمانه في هذا العلم، وحشر يوم القيامة تحت اللواء
المحمدي إن شاء الله تعالى (1).
سابعا: المنهج النقدي:
كان الامام الذهبي من المعنيين بالنقد كل العناية بحيث صار
يحتل مكانا بارزا في كتبه، وألف الكتب النافعة الخاصة به،
ولذلك وجدناه عظيم الاهتمام به في كتبه، ومنها كتابه
النفيس " سير أعلام النبلاء " مارسه في كل مادته، واعتبره
جزءا أساسيا من منهجه في تأليف الكتاب.
والذهبي إنما ينطلق في هذه العناية وذاك الاهتمام من
تكوينه الفكري المتصل بدراسة الحديث النبوي الشريف وروايته
وداريته، والذي يؤكد ضرورة تبيين أحوال الرواة، ودرجة
الوثوق بهم بتمييز الصادقين منهم عن الكاذبين، فسحبه بعد
ذلك على جميع كتابه، سواء أكان ذلك في تراجم المحدثين، أم
في تراجم غيرهم وسواء أكانوا من المتقدمين، أم من
المتأخرين.
والحق أن المحدثين اخترعوا مناهج للبحث العلمي تعد من أرقي
المناهج العلمية التي لم يعرفها الاوربيون إلا في عصور
متأخرة جدا.
وقد انتفع بها المؤلفون في الفنون والعلوم الاخرى، منهم:
المؤرخون واللغويون والادباء والفقهاء وغيرهم (2).
__________
(1) انظر مقدمة تهذيب الكمال، بتحقيقنا.
(2) انظر ما كتبناه عن " أثر دراسة الحديث في تطور الفكر
العربي " في كتاب " رحلة في الفكر
والتراث " بغداد: 1980.
(1/118)
وقد اعتنى الذهبي في " السير " بكل أنواع النقد، فلم يقتصر
على مجال واحد من مجالاته، فقد عني بنقد المترجمين، وتبيان
أحوالهم، وأصدر أحكاما وتقويمات تاريخية، وانتقد الموارد
التي نقل منها، ونبه إلى أوهام مؤلفيها، وبرع في إصدار
الاحكام على الاحاديث إسنادا ومتنا، وسحب ذلك على الروايات
التاريخية.
1 - نقد المترجمين: يقوم نقد المترجم عند الذهبي عادة على
إصدار حكم في الرجل وتبيان حاله جرحا أو تعديلا، ويكون ذلك
في الاغلب بإيراد آراء الثقات المعاصرين فيه وأحكامهم على
وانطباعاتهم الشخصية عنه مما تحصل لديهم نتيجة لصلتهم به،
ومعرفتهم بعلمه وسيرته.
وفي مثل هذه الحال قد يكتفي بآرائهم، أو يرد عليها، أو
يرجح رأيا منها، وتكون نتيجة التعديل أو التجريح إصدار
أحكام بعبارات فنية لها دلالاتها الدقيقة جدا نحو " ثقة "
و " صدق "، و " وصويلح "، و " دجال "، و " متروك "، و "
كذاب "، و " مجهول "، وما إلى ذلك مما فصله في مقدمة كتابه
النفيس " ميزان الاعتدال ".
وكانت الغاية الاساسية من نشوء هذا النقد هو تبيان أحوال
رجال الحديث لمعرفة صحيح الحديث من سقيمه، لكننا وجدنا
الذهبي في الوقت نفسه يسحبه على معظم المترجمين في كتابه
هذا وغيره من الكتب وإن لم يكونوا من المحدثين، بل سحبه
إلى مترجمين لا علاقة لهم بالرواية أيا كانت.
وقد أدى هذا الامر إلى اعتراض بعض معاصريه عليه في عنايته
الكبيرة باعتبار أن الدواعي التي دعت إلى قيام النقد عند
المتقدمين هي الوصول إلى
تصحيح الحديث النبوي الشريف، وأن الحديث قد استقر في الكتب
الرئيسة
(1/119)
فما عادت هناك من حاجة إليه، وأن فائدته قد انقطعت منذ
مطلع القرن الرابع الهجري (1)، كما أخذ عليه بعضهم نقده
لغير الرواة واعتبروا أن ذلك لا فائدة فيه وأنه محض غيبة
(2).
وقد أثارت هذه القضية نقاشا بين العلماء فيما بعد، ولا
حظنا أن العلماء المسلمين، ومنهم السخاوي، قد سوغوا
استعمال النقد في غير مجال الرواة بالفائدة المتوخاة منه
للنصيحة ودفع الضرر (3).
لكننا لاحظنا في هذا التفسير سذاجة، وآية ذلك أنه قد يصح
في حالة نقد المعاصرين من غير الرواة، فكيف نفسر نقد
الرواة المتأخرين، وكيف نفسر استمرار الذهبي وغيره في نقد
السابقين وتأليف الكتب الخاصة بالجرح والتعديل إن كانوا
يعتقدون بانقطاع الفائدة ؟ الحق أن مثل هذا الامر لا يفسر
بالسذاجة التي ناقشوها، فإن هناك عوامل أكثر عمقا دفعت
الامام الذهبي إلى مثل هذه العناية لعل من أبرزها: أ
استمرار العناية بالرواية في العصور التالية لظهور دواوين
الاسلام في الحديث، وبعض المجاميع الحديثية الاخرى، بل
ازدادوا عناية بها تقليدا للسابقين من جهة، وتدينا وحبا
بالحديث من جهة أخرى، ولانها صارت جزءا من الحركة
التعليمية والفكرية عند المسلمين من جهة ثالثة.
وهذا يعني استمرار الاسناد ومن ثم ضرورة استمرار النقد في
كل عصر لتبيان أحوال الرواة.
ومع أن الامام الذهبي ركز في كتابه " الميزان " على الرواة
القدماء،
__________
(1) ممن صرح بهذا أبو عمر ومحمد بن عثمان الغرناطي المعروف
بابن المرابط المتوفى سنة 752 ه (انظر الاعلان للسخاوي:
460، 470، 474).
(2) السبكي: طبقات الشافعية: 2 / 14.
(3) الاعلان: 462 461.
(1/120)
واعتبر مطلع القرن الرابع الهجري هو الحد الفاصل بين
المتقدم والمتأخر، وأنه لو فتح على نفسه تناول المتأخرين
لما سلم معه إلا القليل (1)، إلا أنه فتح هذا الباب في
كتبه الاخرى ومنها " معجم الشيوخ " و " تاريخ الاسلام "، و
" سير أعلام النبلاء " وغيرها.
ب إن الذهبي هو الناقد العظيم الم يتقبل آراء النقاد
السابقين باعتبارها مسلمات لا يمكن ردها أو الطعن فيها
دائما بالرغم من احترامه الشديد للثقات منهم، ومدحه الكثير
لهم، وهو بهذا اعتبر باب الاجتهاد في النقد ما زال مفتوحا،
فعني به كل هذه العناية، يدل على ذلك رده لآراء كثير من
كبار النقاد وعدم قبولها مثل أحمد بن صالح المصري المتوفى
سنة 248 ه، وأحمد بن عبد الله العجلي المتوفى سنة 261 ه،
وإبراهيم بن يعقوب الجوزجاني السعدي المتوفى سنة 259 ه،
والبرذعي المتوفى سنة 292، والنسائي المتوفى سنة 303 ه،
والعقيلي المتوفى سنة 322 ه، وابن عدي الجرجاني المتوفى
سنة 323 ه، وابن حبان البستي المتوفى سنة 354 ه، وأبي
الفتح الازدي المتوفى سنة 367، وابن مندة المتوفى سنة 395
ه، والخطيب البغدادي المتوفى سنة 463 ه، وابن عساكر
المتوفى سنة 571 ه، وابن الصلاح المتوفى سنة 643 ه، وغيرهم
مما يطول ذكرهم وتعدادهم.
ج إن النقد أصبح جزءا من مفهومه التاريخي لذلك حاول تطبيقه
في كل كتبه.
وقد أخطأ كثير ممن فسر نقده لكبار العلماء من غير الرواة،
أو
الملوك، أو أرباب الولايات أو نحوهم بأنه من صنف " نقد
الرجال "، بل هو حكم تاريخي كانت الغاية منه تقويم
المترجم.
__________
(1) الميزان: 1 / 4.
(1/121)
والحق أن الذهبي لم ينظر إلى أمثال هؤلاء بالمنظار الذي
نظر به إلى الرواة وأشباههم في الاغلب، بل نظر إلى كل
طائفة منهم بمنظار يختلف عن الآخر، وهي مسألة قلما انتبه
إليها الباحثون، فوقعوا بآفة التعميم، وخرجوا بما ظنوا أنه
حقيقة، فذكروا أن المؤرخين المسلمين المتأثرين بالحديث
الشريف وعلومه نظروا إلى جميع الناس بمنظار واحد هو منظار
الحديث والمحدثين.
وقد استطاع الذهبي في " السير " وغيره أن ينظر إلى كل
طائفة منهم بمنظار آخر كون في الاغلب صورة لجماع رأيه في
المترجم.
إن تعدد المناظير هذا جعل آراء الذهبي في المترجمين تبدو
لاول وهلة متناقضة مضطربة، نحو قوله في ترجمة صدقة بن
الحسين الحداد المتوفى سنة 573 ه " العلامة..الفرضي
المتكلم المتهم في دينه " (1)، فهو هنا قد فرق بين علم
الرجل ودينه، وأعطى لكل ناحية تقويما خاصا.
ومن ذلك قوله في ترجمة الشهاب السهروردي المقتول سنة 587
ه: " العلامة الفيلسوف.
من كان يتوقد ذكاء، إلا أنه قليل الدين " ثم علق الذهبي
على افتاء علماء حلب بقتله، بقوله: " أحسنوا وأصابوا "،
وأنه " كان أحمق طياشا منحلا (2) "، ومثل هذا كثير.
وهذا الاختلاف في المناظير وتعددها عند الذهبي جعله يراعي
في كل طائفة صفات معينة بصرف النظر عن اتفاقه أو اختلافه
معهم، فكان ينظر إلى الخلفاء والملوك والوزراء وأرباب
الولايات مثلا من زاوية الحزم والدهاء،
والقوة والضعف، والسياسة، والظلم والعدل، وحب العلم
والعلماء ونحوها،
__________
(1) السير: 21 / الترجمة: 21.
(2) السير: 21 / الترجمة: 99.
(1/122)
مثل قوله في ترجمة قايماز مولى المستنجد " كان سمحا كريما.
قليل الظلم " (1)، وقوله في ابن غانية: " الامير المجاهد "
(2)، وقوله في مجد الدين ابن الصاحب: " وكان قد تمرد وسفك
الدماء وسب الصحابة وعزم على قلب الدولة فقصمه الله " (3)،
وقوله في الملك المظفر تقي الدين عمر صاحب حماة: " كان
بطلا شجاعا مقداما جوادا ممدحا له مواقف مشهودة مع عمه
السلطان صلاح الدين " (4)، وغير ذلك كثير (5).
أما العلماء فكان يراعي فيهم البراعة والمعرفة في العلم
الذي تخصصوا فيه، ومن ذلك مثلا الشعراء، فإنه نظر إلى
إبداعهم وجودة شعرهم فقومهم استنادا إلى ذلك (6).
ثم كثيرا ما نجده يقوم بعض المترجمين بعد دراسة بعض كتبهم،
ويبين قيمتها العلمية بين الكتب التي من بابتها.
2 نقد الاحاديث والروايات: أكثر الامام الذهبي من إيراد
الاحاديث النبوية الشريفة في كتبه التاريخية وغيرها، ومنها
كتابه " سير أعلام النبلاء ".
وقد عني دائما بالتعليق على هذه الاحاديث من حيث الاسناد
والمتن ما استطاع إلى ذلك سبيلا، قال تلميذه
__________
(1) السير: 21 / الترجمة: 20.
(2) السير: 21 / الترجمة: 23.
(3) السير: 21 / الترجمة: 79.
(4) السير: 21 / الترجمة: 97.
(5) انظر مثلا لا حصرا بعض تراجم المجلد الحادي والعشرين
من السير: 11، 18، 25، 80، 100، 119..الخ.
(6) انظر مثلا: 21 / التراجم: 14، 24، 63، 84، 85، 101،
102..الخ.
(1/123)
الصلاح الصفدي: " وأعجبني منه ما يعانيه في تصانيفه من أنه
لا يتعدى حديثا يورده حتى يبين ما فيه من ضعف متن أو ظلام
إسناد، أو طعن في رواته، وهذا لم أر غيره يراعي هذه
الفائدة فيما يورده " (1).
وقد انتقد الامام الذهبي الحافظين: أبا نعيم الاصبهاني
والخطيب البغدادي، وذنبهما بروايتهما الموضوعات في كتبهما
وسكوتهما عنها (2).
ثم وجدنا الذهبي بعد ذلك يسحب هذا النقد الحديثي ويطبقه
على الروايات التاريخية والادبية ونحوها، وبذلك تحصلت في
هذا الكتاب ثروة نقدية على غاية من الضخامة، ويلمسها كل من
يطالع الكتاب، أو يتصفحه لا سيما في مجلداته الاولى.
وقد وجدنا الذهبي بعد ذلك لا يقتصر على أسلوب واحد في
النقد، بل يتوسل بكل ممكن يوصله إلى الحقيقة، فنقد السند
والمتن، واستعمل عقله في رد كثير من الروايات.
أ نقد السند: ويكون هذا النقد عادة بتضعيف السند بسبب
الكلام في أحد من رواته أو أكثر، أو تقويته استنادا إلى
مقاييس المحدثين، ويحكم عليه وفقا لذلك ويستعمل التعبيرات
الفنية الدالة على قولة الاسناد أو تقويته نحو قوله (3).
" إسناده صالح "، و " إسناده جيد "، و " رواته ثقات "، و "
له علة غير مؤثرة "، أو العبارات الدالة على ضعف الاسناد
أو تضعيفه نحو قوله: " إسناده ليس بقوي "، و " في إسناده
لين "، و " فيه انقطاع "، و " إسناده ضعيف "، و " إسناده
__________
(1) الوافي: 2 / 163.
(2) الميزان: 1 / 111.
(3) أمثلة ذلك مبثوثة في جميع الكتاب ولم نر كثير فائدة في
إيراد أماكن وجودها حيث يستطيع القارئ الوقوف على مئات من
ذلك بمجرد تصفحه للكتاب.
(1/124)
واه "، و " إسناده مظلم "، وهلم جرا.
أو يبين سبب ضعف السند بتعيين أحد رواته أو ما يشبه ذلك
نحو قوله في إسناد فيه داود بن عطاء " وداود ضعيف " (1)،
وقوله عن سند فيه صهيب مولى العباس: " وصهيب لا أعرفه "
(2)، وقوله: " الحسن مدلس لم يسمع من المغيرة " (3).
ويؤدي هذا النقد إلى إصدار أحكام دقيقة تبين مرتبة الحديث
يشير إليها الذهبي من مثل قوله: " صحيح "، أو " متفق عليه
"، أو " هو في الصحيحين "، أو " صحيح غريب "، أو " حسن "،
أو " غريب " أو " غريب جدا "، أو " منكر "، أو " موضوع "
ونحو ذلك مما يعرفه أهل العناية بهذا الفن الجليل.
ومن أجل توثيق الاحاديث والروايات عني الذهبي بنقل
الاسانيد التي وردت في المصادر التي نقل عنها، ولم يكتف
بايراد المصدر حسب، وهي طريقة تعينه على تقديم المصادر
الاصلية التي اعتمدها المصدر الذي ينقل منه وتتيح له،
وللقارئ، الفرصة لتقويم الحديث أو الخبر استنادا إلى ذلك
الاسناد، ولعل المثال الآتي يوضح هذه المسألة، قال في
ترجمة الزبير بن العوام (4): " وقال الزبير بن بكار: حدثني
أبو غزية محمد بن موسى، حدثنا عبد الله بن مصعب، عن هشام
بن عروة، عن فاطمة بنت المنذر، عن جدتها أسماء بنت أبي
بكر، قال:.."، وقوله: " الدولابي في " الذرية الطاهرة ":
حدثنا الدقيقي، حدثنا يزيد، سمعت شريكا، عن الاسود بن
قيس.."، فهو
كان يستطيع أن يكتفي بالقول " وقال الزبير بن بكار " أو "
الدولابي في الذرية
__________
(1) السير: 2 / الترجمة: 11.
(2) نفسه.
(3) السير: 1 / الترجمة: 4 (بتحقيق العالم شعيب الارناؤ
وط).
(4) السير: 1 / الترجمة: 3.
(1/125)
الطاهرة ".
وهذا منهج انتهجه في معظم أقسام كتابه وهو يدل على دقة
ومنهج متميز وعقلية نقدية في غاية الرقي.
ثم وجدنا الذهبي بعد ذلك لا يكتفي بنقد السند في كثير من
الاحاديث والروايات التي يوردها ويضعفها استنادا إلى ضعف
في سندها، بل يحاول جاهدا إيراد ما يقوي هذا التضعيف من
الادلة التاريخية التي تتوافر له، من ذلك مثلا ما جاء في
ترجمة أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها (1): " أبو الحسن
المدائني، عن يزيد بن عياض، عن هشام بن عروة، عن أبيه،
قال: دخل عيينة بن حصن على رسول الله صلى الله عليه وسلم،
وعنده عائشة وذلك قبل أن يضرب الحجاب فقال: من هذه
الحميراء يا رسول الله..الحديث " حيث علق الذهبي بقوله: "
هذا حديث مرسل، ويزيد متروك، وما أسلم عيينة إلا بعد نزول
الحجاب "، ثم أفاض في نقد الحديث وكان يكفيه بعض من هذا
لرد الحديث.
ب نقد المتن: وهو الذي يقوم على نقد متن الرواية وتحليلها
وعرضها على الوقائع التي هي أقوى منها، ومعارضتها بها،
ودراسة لغة الخبر وغيرها، واستخدام جميع الوسائل المتاحة
للناقد التي تثبت دعواه.
وقد عني الامام الذهبي في هذا
النوع من النقد عناية بالغة في هذا الكتاب، فرد مئات
الروايات وأبطلها بنقده المتين وأسلوبه العلمي المتزن الذي
ينبئ عن غزارة علم ونبالة قصد، وقدرة فائقة، وسعة اطلاع.
فمن ذلك مثلا تعليقه على الخبر الذي يشير إلى أن العباس بن
عبد المطلب أسلم قبل بدر وأنه طلب القدوم إلى المدينة وأن
__________
(1) السير: 2 / الترجمة: 19.
(1/126)
الرسول صلى الله عليه وسلم طلب منه البقاء فأقام بأمره،
بقوله: " ولو جرى هذا لما طلب من العباس فداء يوم بدر "
(1).
ومن ذلك حكاية عن عائشة: " فخرت بمال أبي في الجاهلية وكان
ألف ألف أوقية..الحكاية "، قال: وإسنادها فيه لين.
واعتقد لفظة ألف الواحدة باطلة، فإنه يكون أربعين ألف
درهم، وفي ذلك مفخر لرجل تاجر، وقد أنفق ماله في ذات الله.
ولما هاجر كان قد بقي معه ستة آلاف درهم فأخذها صحبته، أما
ألف ألف أوقية فلا تجتمع إلا لسلطان كبير " (2).
ومثل هذا كثير في كتابه وهو أمر يدحض رأي من قال: إن
المحدثين قصروا نقدهم على إسناد الحديث ولم ينظروا إلى
متنه.
3 - التعصب والانصاف في النقد: كان من منهج الذهبي نقل
آراء الموافقين والمخالفين في المترجم ليقدم صورة كاملة
عنه، وهو طابع عام في كتابه تجده في كل ترجمة من تراجمه،
بينما اقتصر آخرون على إيراد المدائح في كتبهم مثل السبكي
" ت 771 ه " وغيره.
كما أن الذهبي عني بترجمة عدد كبير من المعاصرين له ولا
سيما في معجمه الكبير، ومعجمه المختص بالمحدثين، ولا ريب
أنه نقد بعضهم، فلم يعجبهم ذلك، وتأذى البعض منهم، وغضب
غضبا شديدا مثل شمس الدين محمد بن أحمد بن بصخان المقرئ
المتوفى سنة 743 ه الذي ترجم
له الذهبي، وأورد بعض ما فيه من القدح.
فكتب ابن بصخان هذا بخط غليظ على الصفحة التي بخط الذهبي
كلاما أقذع فيه بحق الذهبي بحيث صار خط الذهبي لا يقرأ
غالبه (3).
__________
(1) السير: 2 / الترجمة: 11.
(2) السير: 2 / الترجمة: 19.
(3) السخاوي: " الاعلان " ص 470، وانظر الذهبي: " معجم
الشيوخ " م 2 الورقة 31 30.
(1/127)
وقد عرفنا من حياة الذهبي أنه رافق الحنابلة، وتأثر بشيخه
ابن تيمية لا سيما في العقائد، فكان شافعي الفروع، حنبلي
الاصول، ولذلك عني عند النقد بإيراد العقائد على طريقة أهل
الحديث، وعدها جزءا منه كما بينا قبل قليل.
ووجدنا في البيئة الدمشقية في الوقت نفسه من يتعصب
للاشاعرة غاية التعصب.
وبسبب العقائد انتقد الذهبي من بعض معاصريه لا سيما تلميذه
تاج الدين عبد الوهاب السبكي " 728 - 771 ه " (1) في غير
موضع من كتابه " طبقات الشافعية الكبرى " (2) وفي كتابه
الآخر " معيد النعم " (3)، فقال في ترجمته من الطبقات: "
وكان شيخنا - والحق أحق ما قيل، والصدق أولى ما آثره ذو
السبيل شديد الميل إلى آراء الحنابلة، كثير الازدراء بأهل
السنة، الذين إذا حضروا كان أبو الحسن الاشعري فيهم مقدم
القافلة، فلذلك لا ينصفهم في التراجم، ولا يصفهم بخير إلا
وقد رغم منه أنف الراغم.
صنف التاريخ الكبير، وما أحسنه لولا تعصب فيه، وأكمله لولا
نقص فيه وأي نقص يعتريه " (4) وقال في ترجمة أحمد بن صالح
المصري من الطبقات أيضا: " وأما
تاريخ شيخنا الذهبي غفر الله له، فإنه على حسنه وجمعه
مشحون بالتعصب المفرط لا واخذه الله، فلقد أكثر الوقيعة في
أهل الدين أعني الفقراء الذين هم
__________
(1) اتصل السبكي بالذهبي سنة 739 ه ولم يبلغ آنذاك اثني
عشر عاما، ولازمه، فكان يذهب إليه في كل يوم مرتين، وقد
ترجم له الذهبي في " معجمه المختص " انظر مقدمة " طبقات
الشاقعية ".
(2) انظر مثلا 2 / 13 فما بعد، 3 / 299، 353 352، 356، 4 /
33، 133، 147، 9 / 104 103 وغيرها.
(3) " معيد النعم "، ص 74، 77.
(4) 2 / 22.
(1/128)
صفوة الخلق، واستطال بلسانه على أئمة الشافعيين والحنفيين،
ومال فأفرط على الاشاعرة، ومدح فزاد في المجسمة، هذا وهو
الحافظ المدره، والامام المبجل، فما ظنك بعوام المؤرخين "
(1).
وذكر في موضع آخر أنه نقل من خط صلاح الدين خليل بن
كيلكلدي العلائي " 761 694 ه "، وهو من تلاميذ الذهبي
والمتصلين به (2)، أنه قال ما نصه: " الشيخ الحافظ شمس
الدين الذهبي لا أشك في دينه وورعه وتحريه فيما يقوله
الناس، ولكنه غلب عليه مذهب الاثبات، ومنافرة التأويل،
والغفلة عن التنزيه، حتى أثر ذلك في طبعه انحرافا شديدا عن
أهل التنزيه، وميلا قويا إلى أهل الاثبات، فإذا ترجم لواحد
منهم يطنب في وصفه بجميع ما قيل فيه من المحاسن، ويبالغ في
وصفه، ويتغافل عن غلطاته ويتأول له ما أمكن، وإذا ذكر أحدا
من الطرف الآخر كإمام الحرمين والغزالي ونحو هما لا يبالغ
في وصفه، ويكثر من قول من طعن فيه، ويعيد ذلك ويبديه،
يعتقده دينا، وهو لا يشعر، ويعرض عن
محاسنهم الطافحة، فلا يستوعبها، وإذا ظفر لاحد منهم بغلطة،
ذكرها.
وكذلك فعله في أهل عصرنا، إذا لم يقدر على أحد منهم بتصريح
يقول في ترجمته: والله يصلحه، ونحو ذلك وسببه المخالفة في
العقائد " (3).
ثم ذكر السبكى أن الحال أزيد مما وصف العلائي، ثم قال: "
والذي أدركنا عليه المشايخ النهي عن النظر في كلامه، وعدم
اعتبار قوله، ولم يكن يستجرئ أن يظهر كتبه التاريخية إلا
لمن يغلب على ظنه أنه لا ينقل عنه ما يعاب عليه " (4)
__________
(1) 9 / 104 103.
(2) ابن حجر: " الدرر " 2 / 179 - 182.
(3) " الطبقات " 2 / 13.
(4) نفسه 2 / 14 13.
سير 1 / 9
(1/129)
وبالغ السبكي بعد ذلك، فقال: " إن الذهبي متقصد في ذلك،
وأنه كان يغضب عند ترجمته لواحد من علماء الحنيفية
والمالكية والشافعية غضبا شديدا، ثم يقرطم الكلام ويمزقه،
ثم هو مع ذلك غير خبير بمدلولات الالفاظ كما ينبغي، فربما
ذكر لفظة من الذم لو عقل معناها، لما نطق بها " (1).
وقد أثارت انتقادات السبكي هذه نقاشا بين المؤرخين، فرد
عليه السخاوي " ت 902 - ه " حيث اتهم السبكي بالتعصب
الزائد للاشاعرة، ونقل قول عز الدين الكناني " ت 819 ه "
في السبكي: " هو رجل قليل الادب، عديم الانصاف، جاهل بأهل
السنة ورتبهم (2).
وقال يوسف بن عبد الهادي " ت 909 ه " في معجم الشافعية: "
وكلامه هذا في حق الذهبي غير مقبول فإن الذهبي.
كان أجل من أن يقول ما لا
حقيقة له..والانكار عليه أشد من الانكار على الذهبي لا
سيما وهو شيخه وأستاذه فما كان ينبغي له أن يفرط فيه هذا
الافراط (3) ".
والحق أن السبكي أشعري جلد متعصب غاية التعصب، ولا أدل على
ذلك من شتيمته المقذعة في حق الذهبي في ترجمة أبي الحسن
الاشعري من الطبقات، فقد سف بها إسفافا كثيرا بسبب عدم
قيام الذهبي بترجمته ترجمة طويلة في " تاريخ الاسلام "
ولانه اكتفى بإحالة القارئ إلى كتاب " تبيين كذب المفتري "
لابن عساكر، فعد ذلك نقيصة كبيرة في حق الاشعري (4).
وقد قرأ
__________
(1) نفسه 2 / 14.
(2) " الاعلان " ص 469 فما بعد.
(3) " معجم الشافعية "، الورقة 48 47 (ظاهرية).
(4) الذهبي: " تاريخ الاسلام "، الورقة 133 132 (أحمد
الثالث 2917 / 9).
وقد وصف الذهبي الاشعري بأحسن الاوصاف، وذكر تصانيفه: وقال
" من نظر في هذه الكتب عرف محله، ومن أراد أن يتبحر في
معرفة الاشعري، فليطالع كتاب تبيين كذب المفتري..".
(1/130)
السخاوي بخطه تجاه ترجمة سلامة الصياد المنبجي الزاهد ما
نصه: " يا مسلم استحي من الله، كم تجازف، وكم تضع من أهل
السنة الذين هم الاشعرية، ومتى كانت الحنابلة، وهل ارتفع
للحنابلة قط رأس " (1).
ومع ذلك فإن هذه القضية جديرة بالدرس لانها توضح أهمية
كتاب الذهبي من جهة، ومنهجه ومدى عدالته في النقد والتحري
من جهة أخرى.
ولقد أبانت دراستنا لتاريخ الاسلام أن الذهبي قد وفق إلى
أن يكون منصفا إلى درجة غير قليلة في نقده لكثير من الناس،
وما رأينا عنده تفريقا كبيرا بين علماء المذاهب الاربعة،
وما كان يرضى الكلام بغير حق ولا حتى نقله في
بعض الاحيان، قال في ترجمة الحسن بن زياد اللؤلؤي الفقيه
الحنفي " قد ساق في ترجمة هذا أبو بكر الخطيب أشياء لا
ينبغي لي ذكرها (2) " وقال في ترجمة ابن الحريري الدمشقي
الحنفي " ت 728 ": " قاضي القضاة علامة المذهب ذو العلم
والعمل (3) وقوله في قاضي الحنفية شمس الدين الاذرعي " ت
673 ": " لم يخلف بعده مثله " (4) وترجم لابي جعفر الطحاوي
ترجمة رائقة، ودلل على سعة معرفته وفضله وعلمه الجم (5)
وقال في ترجمة عماد الدين الجابري الحنفي المتوفى سنة 584
ه من " السير ": " شيخ الحنفية نعمان الزمان " (6)، وقال
في ترجمة المرغيناني الحنفي: " كان من أوعية العلم " (7)
__________
(1) " طبقات "، 3 / 352 - 353.
(2) الورقة 18 (أيا صوفيا 3007).
(3) " معجم الشيوخ " م 2 الورقة 51 (4) الورقة 18 (أيا
صوفيا 3014).
(5) الورقة 114 (أحمد الثالث 2917 / 9).
(6) سير أعلام النبلاء 21 / الترجمة: 82.
(7) (نفسه 21 / الترجمة 115 وانظر أمثلة أخرى في التراجم:
3، 36، 114 من المجلد المذكور.
(1/131)
وهذا هو منهجه في معظم الحنفية لم نره تكلم في أحدهم بسبب
المذهب، لا من الشافعية ولا المالكية، ولا الحنفية.
ولو قال السبكي: إنه كان يتعصب على الاشاعرة حسب، لوجد بعض
الآذان الصاغية، ولبحث له المؤيدون عن بضعة نصوص قد تؤيد
رأيه، علما أني بحثت في " تاريخ الاسلام " " وسير أعلام
النبلاء " وغيرهما فلم أسنتطع أن
أحصل على مثل يصلح أن يسمى انتقادا لاشعري.
نعم قد نجد بعض تقصير في تراجم قسم من الاشاعرة.
وفي هذا المجال صرت أشعر أن سبب قصر بعض تراجم الاشاعرة،
قد جاء من عدم قيام الذهبي بنقل آراء المخالفين بتوسع حبا
منه للعافية، كما في ترجمة أبي الحسن الاشعري الذي لم يأت
الذهبي بكلمة نقد فيه مع أن الاشعري قضى القسم الاكبر من
حياته معتزليا، ونحن نعرف موقف الذهبي من المعتزلة.
والواقع أن الذهبي ما بخس فضل هذا الرجل إلى درجة أنه عده
مجددا في أصول الدين على رأس المئة الرابعة (1) أما كلام
الذهبي في الصوفية، فصحيح ما قاله السبكي، ولكن في النادر
منهم، وهذا رأي ارتآه الذهبي، واعتقد فيه وآمن به، فقد ميز
بين طائفتين منهم.
أولا هما: كانت متمسكة بالدين القويم، متبعة للسنة،
احترمهم الذهبي الاحترام كله، بل لبس هو خرقة التصوف من
الشيخ ضياء الدين عيسى بن يحيى الانصاري السبتي عند رحلته
إلى مصر (2)، وكان يعتقد ببعض كرامات كبار الزهاد، ويعنى
بإيرادها في كتابه، بل يكثر منها عادة (3)، ويورد بعض
__________
(1) تفسير للحديث الشريف " يبعث الله من يجدد..الحديث "
وقد فسر الذهبي " من " لصيغة الجمع.
انظر السبكي " طبقات " 3 / 26.
(2) تاريخ الاسلام، الورقة 126 (أيا صوفيا 3012).
(3) انظر تاريخ الاسلام مثلا الورقة 6، 18، 20، 100، 175
(أحمد الثالث 2917 / 9).
(1/132)
أقوالهم وحكاياتهم في الزهد والمحبة فيه (1).
أما الثانية: فقد عدهم الذهبي مارقين عن الدين، مشعوذين،
بهم مس من الجنون، ومنهم الاحمدية (2) أتباع الشيخ أحمد
الرفاعي، والقلندرية (3)
وشيخها جمال الدين محمد الساوجي فقد ذكر ترهاته وانغشاش
الناس به، وبحاله الشيطاني (4)، ووصف بعض أحوالهم في ترجمة
يوسف القميني " ت 657 ه " فقال: " وكان يأوي إلى قمين حمام
نور الدين، ولما توفي، شيعه خلق لا يحصون من العامة، وقد
بصرنا الله تعالى وله الحمد وعرفنا هذا النموذج..فقد عم
البلاء في الخلق بهذا الضرب..ومن هذا الاحوال الشيطانية
التي تضل العامة: أكل الحيات ودخول النار، والمشي في
الهواء ممن يتعانى المعاصي، ويخل بالواجبات.
وقد يجئ الجاهل، فيقول: اسكت، لا تتكلم في أولياء الله،
ولم يشعر أنه هو الذي تكلم في أولياء الله، وأهانهم إذ
أدخل فيهم هؤلاء الاوباش المجانين أولياء الشيطان (5) ".
ولم يكن الذهبي متعصبا للحنابلة بالمعنى الذي صوره السبكي،
فالرجل كان محدثا يحب أهل الحديث، ويحترمهم، إلا أن هذا لم
يمنعه من تناول مساوئ بعضهم، فقد نقل عن الامام ابن خزيمة
في ترجمة الطبري المؤرخ قوله: " ما أعلم على أديم الارض
أعلم من محمد بن جرير، ولقد ظلمته
__________
(1) تاريخ الاسلام، ؟ ؟ الورقة 15، 20، 26، 123، 155، 166،
154، 187، 202، 215، 237 (أحمد الثالث 2917 / 9)، وسير
أعلام النبلاء، مثلا: 21 / التراجم: 89، 93، 106،
132..الخ.
(2) " معجم الشيوخ " م 1 الورقة 40 علما بأنه ترجم في "
السير " للرفاعي ترجمة رائعة ووصفه بأنه " الامام القدوة
العابد الزاهد شيخ العارفين " 21 / الترجمة 26.
(3) القلندرية: المحلقون أي الذي يحلقون رؤوسهم ولحاهم.
(4) الورقة 104 (أيا صوفيا 3012).
(5) الورقة 174 (أيا صوفيا 3013).
وقمين الحمام: أتونه.
(1/133)
الحنابلة "، ثم قال الذهبي معقبا: " كان محمد بن جرير ممن
لا تأخذه في الله لومة لائم مع عظيم ما يلحقه من الاذى
والشناعات من جاهل وحاسد وملحد (1) ".
وقال في ترجمة عبدالساتر ابن عبد الحميد تقي الدين الحنبلي
المتوفى سنة 679 ه: " ومهر في المذهب.
وقال من سمع منه لانه كان فيه زعارة، وكان فيه غلو في
السنة، ومنابذة للمتكلمين ومبالغة في اتباع النصوص..وهو
فكان حنبليا خشنا متحرقا على الاشعري..كثير الدعاوى قليل
العلم (2) ".
ومع ما كان للذهبي من إعجاب بشيخه ابن تيمية فإنه أخذ عليه
" تغليظه وفظاظته وفجاجة عبارته وتوبيخه الاليم المبكي
المنكي المثير النفوس (3) " كما أخذ عليه " الكبر والعجب
وفرط الغرام في رياسة المشيخة والازدراء بالكبار (4) ".
وقد رأى في بعض فتاويه انفرادا عن الامة، قال: " وقد انفرد
بفتاوى نيل من عرضه لاجلها، وهي مغمورة في بحر علمه فالله
تعالى يسامحه ويرضى عنه فما رأيت مثله، وكل أحد من الامة
فيؤخذ من قوله ويترك فكان ماذا (5) ؟ ".
وقد بلغ حرص الذهبي في النقد وشدة تحريه أنه تكلم في ابنه
أبي هريرة عبد الرحمن فقال: إنه حفظ القرآن، ثم تشاغل عنه
حتى نسيه (6).
ولست هنا في حال دفاع عن الرجل فكتاباته خير مدافع عنه،
وهي
__________
(1) الورقة 45 (أحمد الثالث 2917 / 9).
(2) الورقة 66 (أيا صوفيا 3014).
(3) الورقة 332 من النسخة السابقة.
(4) " بيان زغل العلم " ص 18 17.
(5) " تذكرة الحفاظ " 4 / 1497.
(6) السخاوي: " الاعلان " ص 488.
(1/134)
الحكم في تقويمه، ولكنني أقول: إن تحقيق كثير من الانصا،
وإن لم يكن كله، أمر له قيمته العظمى في كل عصر.
ثامنا أهمية كتاب السير:
السير ليس مختصرا لتاريخ الاسلام: ذكرنا عند الكلام على
منهج " السير " أن الذهبي عني بذكر " الاعلام " وأسقط
المشهورين، ولكن هذا لا يعني أن المؤلف استل جميع تراجم
الاعلام من " تاريخ الاسلام " فذكرهم في هذا الكتاب وإن
كان كل علم مذكور في هذا الكتاب قد تناوله المؤلف في "
تاريخ الاسلام " تقريبا، فقد وجدنا بعد دراستنا للكتابين
جملة فروق أساسية بينهما، إضافة لما ذكرنا، من أبرزها:
1 - أن المؤلف كتب تراجم الصدر الاول من " السير " بشكل
يختلف اختلافا تاما عما كتبه في " تاريخ الاسلام "، فمعظم
تراجم الصدر الاول هذه تراجم حافلة لا يمكن مقارنتها من
حيث غزارة الاخبار، وجودة التنظيم بمثيلاتها في " تاريخ
الاسلام "، والامثلة على ذلك كثيرة جدا يلمسها الباحث عند
دراسته للكتابين المذكورين، واكتفي هنا بمثل واحد يدعم هذا
الذي أذهب إليه: فقد ترجم الذهبي في " السير " لازواج
النبي صلى الله عليه وسلم وبناته تراجم حافلة استغرقت
عشرات الصفحات (1) مما لا نجد له مثيلا من حيث غزارة
المادة والسعة في تاريخه حيث لم يذكر عنهن هناك إلا النزر
اليسير.
2 - ألف الذهين مجموعة كبيرة من السير الخاصة بالرجال
البارزين في تاريخ الاسلام وأفردها بمؤلفات مستقلة (2)،
فلما ألف " سير أعلام النبلاء "
__________
(1) أنظر المجلد الثاني من " السير " وقارن تاريخ الاسلام:
2 / 419 414 (ط.
القدسي
الثانية).
(2) أنظر كتابي: الذهبي ومنهجه: 211 202.
(1/135)
أدخل معظم هذه المادة الواسعة في الكتاب الجديد، وقد أشار
تلميذه الصلاح الصفدي إلى هذا الامر حينما قال: " وله في
تراجم الاعيان لكل واحد مصنف قائم الذات..ولكنه أدخل الكل
في تاريخ النبلاء " (1)، وهذه المادة لا نجد لها مثيلا من
حيث السعة والدقة في تاريخه الكبير، والتراجم الموجودة في
" السير " تشهد بذلك مثل تراجم: أبي حنيفة، وأبي يوسف،
ومحمد بن الحسن، وعائشة، وسعيد بن المسيب، وابن حزم،
وغيرها.
3 - وقد لاحظنا في الوقت نفسه أن إضافات الذهبي إلى تراجم
" الاعلام " في الاقسام الوسطى والاخيرة من الكتاب قليلة
عما ذكره في " تاريخ الاسلام " لكننا وجدنا أيضا استدراكات
وتصحيحات وتصويبات ونقدات، فضلا عن إعادة صياغة الترجمة
والانتقاء.
4 - ووجدنا الذهبي يضيف عناصر جديدة للترجمة في " السير "
مما لم يذكره في " تاريخ الاسلام "، من ذلك مثلا عناية
بذكر عدد الاحاديث التي رواها أصحاب الكتب المشهورة في
الحديث للترجم، كالصحيحين والسنن الاربع ومسند بقي بن مخلد
وغيرها نحو قوله في ترجمة أبي عبيدة ابن الجراح: " له في
صحيح مسلم حديث واحد، وله في جامع أبي عيسى حديث، وفي مسند
بقي له خمسة عشر حديثا "، وقوله في ترجمة سعد بن أبي وقاص:
" وله في الصحيحين خمسة عشر حديثا، وانفرد له البخاري
بخمسة أحاديث، ومسلم بثمانية عشر حديثا..وقع له في مسند
بقي بن مخلد مئتان وسبعون حديثا "، وقوله في ترجمة عبد
الله بن مسعود: " اتفقا له في
الصحيحين على أربعة وستين، وانفرد له البخاري بإخراج أحد
وعشرين
__________
(1) الوافي: 2 / 163.
(1/136)
حديثا، ومسلم بإخراج خمسة وثلاثين حديثا، وله عند بقي
بالمكرر ثمان مئة وأربعون حديثا "، وهلم جرا، وقلما ترك
أحدا من رواة الحديث من غير الاشارة إلى ذلك، وهذه
الاضافات، فضلا عن عدم ورودها في " تاريخ الاسلام "، فإنها
ثروة كبيرة مضافة يعرف حق قدرها الفضلاء المتخصصون، وهي
تدل على اطلاع عظيم وتدقيق كبير (1).
5 - يضاف إلى كل الذي ذكرت أن الذهبي قد ألف " السير " بعد
" تاريخ الاسلام " بل بعد تأليف عدد من كتبه الاخرى، وهو
أمر يؤدي إلى ميزتين رئيستين: أولاهما الاضافات الجديدة
وإعادة التنظيم، وثانيتهما تشير إلى أنه أعاد النظر في
المادة المقدمة طيلة تلك المدة فذكرها بعد أن زادها تحقيقا
وتمحيصا وأنها تمثل الشكل الذي ارتضاه في أواخر حياته
العلمية الحافلة بجلائل المؤلفات.
أهميته في تاريخ الحركة
الفكرية:
وكتاب " السير " من أضخم مؤلفات، الامام الذهبي بعد كتابه
العظيم " تاريخ الاسلام "، وقد حصر مادة ضخمة في تراجم
الاعلام لمدة امتدت قرابة السبع مئة سنة فضلا عن التوازن
في نطاقه المكاني الذي شمل جميع الرقعة الواسعة التي امتد
إليها الاسلام من الاندلس غربا إلى أقصى المشرق، وفي
الشمول النوعي للمترجمين في كل ناحية من نواحي الحياة وعدم
اقتصاره على فئة أو فئات معينة منهم، بحيث صار واحدا من
الكتب التي يقل نظيرها ويعز وجودها في تاريخ الحركة
الفكرية العربية الاسلامية، ونتيجة لذلك
__________
(1) أنظر أمثلة من ذلك في " السير ": 2 / التراجم: 1، 2،
4، 11، 19، 20، 21، 23، 24، 25، 26، 27..إلخ.
(1/137)
أصبح الكتاب مصورا لجوانب كثيرة من الحركة الفكرية وتطورها
عبر سبع مئة سنة، لان الانسان هو العنصر الحاسم في هذه
الحركة، وبه تتحدد مميزاتها وسماتها، ويؤثر تكوينه الفكري
على تطورها سلبا أو إيجابا.
أهميته في دارسة المجتمع:
ولما كان الكتاب قد اقتصر على التراجم، فإنه أشار إلى
اتجاه الذهبي وجملة كبيرة من المؤرخين المسلمين نحو تخليد
المبرزين في المجتمع، ولذا فهو في غاية الاهمية لدارسة
أحوال المجتمع الاسلامي، ومنها الاصول الاجتماعية
والاقتصادية لمن عرفوا في التاريخ الاسلامي باسم " العلماء
".
ودراسة مثل هذه الكتب تشير إلى إنعدام الطبقية بين
المتعلمين، وأن تقدير الانسان إنما يكون وفق مقاييس راقية
أبرزها علمه ومعرفته ودرايته التي تجعله في مكانة بارزة
بين الناس، وهي موازين على غاية من الرقي الانساني.
وقد جربنا المؤلف وهو يمدح فقيرا ويذم غنيا، ويثني على عبد
أسود، ويتكلم في سيد كبير.
وقد أبانت دراستنا لهذا الكتاب أن الغالبية العظمى من
هؤلاء " العلماء " قد ظهرت من بين عوائل الحرفيين
والمغمورين والمعدمين، تدل على ذلك انتساباتهم التي ذكرها
المؤلف، وهو أمر أتاحه الاسلام لكل متعلم حينما جعل طلب
العلم من الضرورات، وحض عليه في غير ما مناسبة، كما تميزت
الدراسات بحرية التفكير والابداع، وكانت متوفرة لكل واحد
يطلبها متى أراد ومن غير كلفة، لانها كانت في الاغلب في
بيوت الله، من مساجد وجوامع مما يستطيع كل مسلم دخولها،
والافادة من الدروس التي تلقى فيها.
نقول هذا في الوقت الذي اقتصرت فيه النواحي العلمية
ومحتويات كتب التراجم عند كثير من الامم ومنهم الاوربيون
في هذه الاعصر على فئات معينة من الناس.
(1/138)
هذا التحقيق:
ومما يزيد في قيمة هذا الكتاب النفيس، ويعلي مكانته بين
الكتب أن الله سبحانه قد يسر ظهوره بهيئة علمية رائعة،
وصفة بارعة نافعة تسر كل محب للتراث، حريص عليه.
وهذا المجهود العلمي الجليل في أعسر فن من فنون التاريخ
وهو فن التراجم لم يتحقق عبثا، فقد هيأ الله جل جلاله
لتحقيق هذا الكتاب ونشره عوامل النجح كلها، إذ يسر له
ناشرا فاضلا هو الاستاذ رضوان دعبول الذي وجد نفسه بحق
صاحب رسالة في نشر العلم النافع من عيون التراث العربي
الاسلامي.
وقد وجدت الرجل يبذل ماله ويسخر كل قدراته لهذا الغرض
النبيل، ويركب الصعب والذلول، فيقدم على مشروع أقل ما يقال
فيه: إنه أعجز جامعة الدول العربية التي أرادت نشر هذا
الكتاب منذ ثلاثين عاما ولم تخرج منه غير نزر يسير شوهه
التصحيف والتحريف وأقل قيمته ونفعه كثرة السقط حتى انعدمت
فائدته أو كادت، فضلا عن توقفها عن إتمامه، وعجزها فيه.
وحين أزمع هذا الفاضل على تحقيق " السير " وفر له سبل
التوفيق والنجاح على أحسن موفر بأن نذب إلى الاشتغال فيه
عددا من المحققين البارعين الكفاة، أجزل لهم العطاة، وحفظ
حقوقهم كافة، وهيأ لهم مستلزمات التحقيق الدقيق: من نسخ
موثقة، ومصادر مكدسة في متناول أيديهم، فضلا
عن بذل المال الوافر في الطباعة الانيقة الدقيقة والورق
الفاخر، والصناعة المتقنة.
ثم توج عمله، وركب جدة من الامر بأن ندب لمراجعة الكتاب
والاشراف على تحقيقه، وإصلاح ما قد يطرأ عليه من الغلط
عالما برع
(1/139)
أصحابه في علمه، متأبها عن الشهرة، قديرا على تذليل الصعب،
فطينا لايضاح المبهم، كفيا بتيسير العسير، هو الاستاذ
المحدث الشيخ شعيب الارنؤوط.
وقد عرفت لهذا العالم القدير فضله الكبير على هذا السفر
النفيس آثر ذي أثير حين اشترط أن يقام التحقيق على أفضل
قواعده، لانه وصاحبه، ليسا ممن يؤثرون العاجل ويذرون
الآجل.
وشاهدته وهو يمسك أصل النسخة الخطية والمحقق يقرأ عليه
عمله وهو لا يسهو ولا يغفل لحظة يبين المبهم، ويوضح الخفي،
ويصرف الوقت الطويل الثمين في تدقيق لفظ، أو ضبط حركة،
ويعيد ذلك ويبديه، ويعده أمانة وديانة، يشد به أزر
المحققين، فضلا عن قيامه بتخريج جميع الاحاديث والآثار
الواردة في الكتاب وهي بليغة الكثرة وفق الاصول والقواعد
المتبعة في علم المصطلح، وهو اليوم فارس هذا الميدان
الخطير الذي ضرب آباطه ومغابنه، واستشف بواطنه.
ولست هنا في حال ذكر ما عليه تحقيق الكتاب من تجود في
الصنعة، وبراعة واتقان تمثلت في العناية الفائقة بتديق
المقابلة، وتنظيم النص، ووضع النقط، والفواصل، والاقواس
المتنوعة، وضبط كثير من الالفاظ التي يتعين ضبطها،
والاشارة إلى مناجم الكتاب بمقابلة نصوصه وأخباره على
الموارد التي استقى منها المؤلف، وتخريج التراجم على أمهات
الكتب
المعنية بها، وتخريج الاحاديث والآثار وبيان درجتها من
الصحة والسقم، وغيره مما يطول ذكره وتعداده، فإن العمل
الذي بين يدي القارئ هو المنبئ بكل ذلك [ وقل اعملوا فسيرى
الله عملكم ورسوله والمؤمنون وستردون إلى عالم الغيب
والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون ] (التوبة: 105) كتبه
الدكتور بشار عواد معروف
(1/140)
مقدمة التحقيق بقلم الشيخ شعيب الارنؤوط
(1/141)
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة
والسلام على سيد المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد فإن هذا السفر العظيم الذي نقدمه للقراء يعد من أعظم
كتب التراجم التي انتهت إلينا من تراث الاقدمين ترتيبا
وتنقيحا، وتؤثقا وإحكاما، وإحاطة وشمولا، فهو يبين عن سعة
اطلاع المؤلف رحمه الله على كل ما سبقه من تواليف في
موضوعه، ودراية تامة بأحوال المترجمين، وبكل ما قيل في
حقهم، وقدرة بارعة على غربلة الاخبار وتمحيصها وتنقيدها،
وبيان حالها.
ويتميز عن غيره من الكتب التي ألفت في بابه أنه أول كتاب
عام للتراجم في تراثنا، تناول جميع العصور التي سبقت عصر
المؤلف، واشتملت
تراجمه على الاعلام المختارة من جميع العالم الاسلامي من
شرقه إلى غربه، ولم يقتصر على نوع معين من الاعلام، بل
تنوعت تراجمه، فشملت كل فئات الناس من الخلفاء والملوك،
والامراء والوزراء، والقضاة والقراء، والمحدثين والفقهاء،
والادباء واللغويين، والنحاة والشعراء، والزهاد والفلاسفة
والمتكلمين، إلا أنه آثر المحدثين على غيرهم، فإنه كان
عظيم الاكبار لهم، شديد الكلف بهم.
(1/143)
وقد ترجم فيه للاعلام النبلاء من بداية الاسلام إلى سنة
(700 ه) تقريبا، وكسره على خمس وثلاثين طبقة (1)، كل طبقة
تستوعب عشرين سنة، تقريبا وأفراد المجلدين الاول والثاني
للسيرة النبوية الشريفة، وسير الخلفاء الراشدين، ولكنه لم
يعد صياغتهما، وإنما أحال على كتابه العظيم " تاريخ
الاسلام " لتؤخذ منه، وتضم إلى السير، كما سنوضحه فيما
بعد.
والمنهج العام الذي اتبعه الذهبي في الترجمة هو أنه يذكر
اسم المترجم ونسبه ولقبه وكنيته ونسبته، ثم يذكر تاريخ
مولده (2)، وأحوال نشأته ودراسته، وأوجه نشاطه، والمجال
الذي اختص به، وأبدع فيه، والشيوخ الذين التقى بهم، وروى
عنهم، وأفاد منهم، والتلاميذ الذين أخذوا عنه، وانتفعوا،
بعلمه، وتخرجوا به، وآثاره العلمية، أو الادبية، أو
الاجتماعية، ثم يبين منزلته من خلال أقاويل العلماء الثقات
فيه معتمدا في ذلك على أوثق المصادر ذات الصلة الوثيقة
بالمترجم، ثم يذكر تاريخ وفاته، ويدقق في ذلك تدقيقا
بارعا، وربما رحح قولا على آخر عند اختلاف المؤرخين (3).
وقد نثر غير ما حديث في تراجم المحدثين مما وقع له من
طريقهم بإسناد عال موافقة أو بدلا أو مساواة.
وهو على الاغلب يراعي في طول الترجمة أو قصرها قيمة
المترجم
__________
(1) هذا إذا كان المجلد الرابع عشر ذيلا للكتاب.
وأما إذا كان من أصل الكتاب، وهو الذي رجحه الدكتور بشار
عواد في تقديمه لهذا الكتاب فتكون أربعين طبقة.
(2) عني المؤلف بذكر تاريخ الولادة لما لذلك من أهمية في
الاطمئنان على لقاء المترجم لمشايخه، وسماعاته عليهم،
ويذكر أحيانا عمر المترجم إذا لم يذكر تاريخ مولده وذلك في
نهاية الترجمة.
(3) وقد يجد القارئ في بعض التراجم اختلافا طفيفا عما
ذكرناه من المحتويات والتنظيم، وغير خاف أن طبيعة المترجم
هي التي تحدد نوعية الاخبار، فقد عني الذهبي مثلا بإيراد
أعمال الخلفاء والملوك والامراء والولاة في تراجمهم، وأورد
نماذج من شعر الشعراء، ومختارات من نثر الادباء.
(1/144)
وشهرته بين أهل علمه، أو منزلته بين الذين هم من بابته،
سواء أكان موافقا له في المعتقد أو مخالفا، وربما تخلص من
المادة الضخمة التي تحصلت له عن بعض المترجمين الاعلام
بإحالة القارئ إلى مصادر أوسع تناولته بتفصيل أكثر.
وقد اتسم الذهبي رحمه الله بالجرأة النادرة التي جعلته
ينتقد كبار العلماء والمؤرخين، وينبه على أوهامهم التي
وقعت لهم فيما أثر عنهم بأسلوب علمي متزن ينبئ عن غزارة
علم، ونبالة قصد، وقدرة فائقة في النقد، والامثلة على ذلك
كثيرة تجدها مبثوثة في تضاعيف هذا الكتاب.
ولما كان الذهبي قد استوعت في " تاريخ الاسلام " فئتين من
المترجمين: المشهورين، والاعلام، فقد اقتصر في كتابه هذا
على تراجم الاعلام النبلاء، إلا أنه قد يذكر في نهاية بعض
التراجم غير واحد من المشهورين للتعريف بهم
على سبيل الاختصار، وتحديد وفياتهم.
وقد يضطره اتفاق اسم أحد المشهورين باسم أحد الاعلام الذي
يترجمه إلى ترجمة المشهور عقبه للتمييز.
وكثيرا ما جمع بعض الاسر المتقاربين في الطبقة في مكان
واحد وإن لم يكونوا من تلك الطبقة، فهو يترجم لاخوة
المترجم وأولاده ومن يلوذ به.
وكتاب " سير أعلام النبلاء " وإن كان قد استل من " تاريخ
الاسلام " فقد ألفه بعده، وأضاف إليه أخبارا كثيرة لا وجود
لها في " التاريخ "، وتناول أشياء بالنقد والتحقيق لم
يتعرض لها في " تاريخه "، وصياغة الترجمة فيه تختلف في
كثير من الاحيان عما عرضه في " تاريخ الاسلام ".
وإن هذا الكتاب القيم بما تضمنه من مزايا يندر أن توجد في
غيره من بابته سير 1 / 10
(1/145)
قد استحق به مؤلفه مع كتابه الآخر العظيم " تاريخ الاسلام
" أن يسمى إمام المؤرخين.
(1/146)
وصف النسخ
كان لدينا عند البدء بالعمل النسخ التالية:
1 - نسخة مصورة عن أصل محفوظ في مكتبة أحمد الثالث في
استنبول برقم (2910)، وتقع في أربعة عشر مجلدا، المفقود
منها المجلد الاخير.
2 - نسخة مصورة عن نسخة أحمد الثالث الثانية، والموجود
منها سبع مجلدات.
3 مجلدان صورا من مكتبة الامام اللكنوي بالهند.
4 - مجلدان مصوران يملكهما المجمع العلمي العربي بدمشق.
وقد اعتمدنا من بين تلك النسخ النسخة المصورة عن الاصل
المحفوظ في مكتبة أحمد الثالث في استنبول برقم (2910)، وهي
نسخة نفيسة، كتبت بخط نسخي جميل في حياة المؤلف عن نسخته
التي بخطه، ثم قوبلت عليها، وقد قام بنسخها لنفسه فرج بن
أحمد بن طوغان الذي لم نظفر له بترجمة تبين منزلته
العلمية، إلا أن هذه النسخة وهي غاية في الدقة والاتقان
وندرة الخطأ، وكونها مقابلة على أصل المؤلف تشهد له أنه من
أهل المعرفة والضبط والاتقان.
وقد فرغ من نسخ المجلد الثالث وهو أول الكتاب ليلة الجمعة،
مستهل شهر شعبان المبارك سنة تسع وثلاثين وسبع مئة، وفرغ
من المجلد الثالث عشر سنة ثلاث وأربعين وسبع مئة كما جاء
في آخر ورقة منه.
(1/147)
وقد جاء على الورقة الاولى: المجلد الثالث من سير أعلام
النبلاء تصنيف الشيخ الامام العالم الاوحد الناقد البارع،
إمام الحفاظ، مؤرخ الاسلام شمس الدين أبي عبد الله محمد
ابن أحمد بن عثمان الذهبي، أمتع اله ببقائه، ونفع المسلمين
ببركة دعائه آمين يا رب العالمين.
وإلى جانبه من الجهة اليسرى كتب بخط دقيق هو خط المصنف
رحمه الله كما تبين لنا وللدكتور بشار عواد المتخصص
بدراسته ما يلي: " في المجلد الاول والثاني سيرة النبي صلى
الله عليه وسلم والخلفاء الاربعة تكتب من تاريخ الاسلام ".
وإلى الاسفل من ذلك جاء نص الوقفية التالي:
وقف وحبس وسبل المقر الاشرف العالي الجمالي محمود (1)
استادار العالية الملكي الظاهري أعز الله أنصاره، وختم
بالصالحات أعماله جميع هذا المجلد وما بعده من المجلدات
إلى آخر الكتاب، وعدة ذلك اثنا عشر مجلدا متوالية من هذا
المجلد إلى آخر الرابع عشر، وما قبل ذلك وهما الاول
والثاني مفقودان، وقفا شرعيا على طلبة العلم الشريف
ينتفعون به على الوجه الشرعي، وجعل مقر ذلك بالخزانة
السعيدة المرصدة لذلك بمدرسته التي
__________
(1) ترجمه ابن حجر في " الدرر الكامنة " 6 / 87، فقال: هو
محمود بن علي بن أصفر عينه جمال الدين الاستادار في أيام
الملك الظاهر برقوق، جاء إلى حلب قبل أن يلي الاستادارية،
ثم سافر إلى مصر، وبنى بالقاهرة مدرسة خارج باب زويلة،
ووقف عليها كتب ابن جماعة التي اشتراها بعد موته وهي كثيرة
جدا، وتنقلت به الاحوال، وحصل أموالا جزيلة تفوق الحصر،
وصودر مرارا بعد الحرمة العظيمة والوجاهة بالدولة
الظاهرية.
مات سنة 797 ه 1 ه.
وقد ذكر المقريزي أنه كان في هذه المدرسة خزانة لايعرف
يومئذ بديار مصر ولا الشام مثلها، فقد كان فيها كتب
الاسلام من كل فن.
(1/148)
أنشأها بخط الموازين بالشارع الاعظم بالقاهرة المحروسة.
وشرط الواقف المشار إليه أن لا يخرج ذلك ولا شئ منه من
المدرسة المذكورة برهن ولا بغيره، وجعل النظر في ذلك لنفسه
أيام حياته، ثم من بعده لمن يؤول إليه النظر على المدرسة
المذكورة على ما شرح في وقفها، وجعل لنفسه أن يزيد في شرط
ذلك وينقص ما يراه دون غيره من النظار، كما جعل ذلك لنفسه
في وقف المدرسة المذكورة [ فمن بدله بعد ما سمعه فإنما
إثمه على الذين يبدلونه إن الله سميع عليم ] [ البقرة: 181
].
بتاريخ الخامس والعشرين من شعبان المكرم سنة سبع وتسعين
وسبع
مئة.
حسبنا الله ونعم الوكيل.
شهد بذلك عبد الله بن علي..شهد بذلك عمر بن عبد الرحمن
البر ماوي وهذه النقول تدل على جملة أمور:
1 - أن المجلد الاول والثاني من هذا الكتاب الضخم لم يعد
الذهبي صياغتهما، وإنما اكتفى بما كتبه في تاريخ الاسلام
وقد أحال عليه (1).
2 - أن من قال: المجلد الاول والثاني مفقودان هو واهم.
3 - أن النسخة الموجودة في مكتبة أحمد الثالث الآن كانت
وقفا على المكتبة المحمودية في القاهرة.
4 - أن المجلد الرابع عشر كان موجودا في المكتبة المحمودية
قبل أن
__________
(1) وفيهما سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وتراجم الخلفاء
الراشدين، وكان علينا أن أن نبدأ بنشرها أولا، ولكن عاقنا
عن ذلك عدم توفر أصل جيد حينذاك، وأما الآن، فقد تيسر لنا
بفضل الله وتوفيقه مجلد السيرة النبوية بخط المؤلف رحمه
الله، وسنشرع في تحقيقه إن شاء الله.
(1/149)
تنتقل النسخة إلى مكتبة أحمد الثالث باستنبول.
وهل هذا المجلد هو من تمام الكتاب كما هو ظاهر من نص
الوقفية المثبت على كل المجلدات، أم أن الكتاب انتهى
بالجزء الثالث عشر، وأن هذا الجزء هو الذيل على الكتاب
للمؤلف، الذي استمد منه الحافظ ابن حجر في الدرر الكامنة 1
/ 3.
كل ذلك محتمل، ولكن الجزم بواحد منهما ينتظر الدليل
القاطع.
وصف مجلدات هذه النسخة:
1 - المجلد الثالث: يبدأ بترجمة أبي عبيدة عامر بن الجراح،
وينتهي بترجمة أبي هريرة، ويبلغ عدد أوراقه (252) ورقة.
وقد جاء في آخره: وكان الفراغ من نسخه ليلة الجمعة لمستهل
شهر شعبان المبارك سنة تسع وثلاثين وسبع مئة.
2 - المجلد الرابع: يبدأ بترجمة أبي بكرة نفيع بن الحارث
مولى النبي صلى الله عليه وسلم، وينتهي ببداية ترجمة سعيد
بن أبي الحسن البصري، ويبلغ عدد أوراقه (286) ورقة عدا
الورقة الاخيرة التي جاء فيها ما نصه: تم الجزء الرابع من
سير أعلام النبلاء للشيخ الامام الحجة شمس الدين بن الذهبي
فسح الله في مدته، وهو أول نسخة نسخت من خط المصنف وقوبلت
عليه، ويتلوه في الجزء الذي يليه وهو الخامس: أبو بردة بن
أبي موسى عبد الله بن قيس بن حضار الاشعري رضي الله عنه،
وكان الفراغ من نسخه في سنة تسع وثلاثين وسبع مئة والحمد
لله رب العالمين وصلى الله على محمد نبيه وخيرته من خلقه
وسلم.
وما بين الورقة (286) وهذه الورقة نقص يقدر بثماني ورقات،
وفيه من التراجم على التوالي تتمة ترجمة سعيد بن أبي الحسن
البصري والاخطل،
(1/150)
والفرزدق، وجرير، وبشير بن يسار، وبسر بن عبيد، والاحوص
الشاعر، ويزيد بن أبي مسلم، وأبو بحرية بسر بن سعيد،
وسبلان، وسليمان، وزياد الاعجم، والراعي، والضحاك، وطلق بن
حبيب، والضحاك عبد الله، وابنه عبيد وزياد بن جبير، ومحمد
بن سيرين، وأنس بن سيرين.
وما ندري: هل هذا النقص من الاصل الام المودع في مكتبة
أحمد الثالث أم أنه سقط عند التصوير، ولم يتسير لنا التأكد
من ذلك إلى الآن،
ونرجو أن نوفق إليه في المستقبل إن شاء الله، وقد استدركنا
هذا النقص من النسخة الاخرى كما هو مبين في مكانه.
3 - المجلد الخامس: يبدأ بترجمة أبي بردة بن أبي موسى عبد
الله بن قيس بن حضار الاشعري، وينتهي بترجمة سعيد بن أبي
عروبة، وعدد أوراقه (293) ورقة.
وجاء في آخره: وكان الفراغ من نسخة سنة أربعين وسبع مئة.
4 - المجلد السادس: يبدأ بترجمة معمر بن راشد اليماني،
وينتهي بترجمة أبي إسحاق إبراهيم بن محمد بن الحارث
الفزاري، وعدد أوراقه (293) ورقة، وقد جاء في آخره: وكان
الفراغ من نسخة سنة أربعين وسبع مئة.
5 - المجلد السابع: يبدأ بترجمة الحافظ المحدث زياد بن عبد
الله البكائي، وينتهي بترجمة ابن أبي سمينة الحافظ أبي عبد
الله محمد بن إسماعيل الهاشمي، وعدد أوراقه (291) ورقة،
وقد جاء في آخره: وكان الفراغ من كتابته ليلة الاثنين لسبع
بقين من جمادى الآخرة سنة أربعين وسبع مئة.
6 - المجلد الثامن: يبدأ بترجمة الحكم بن موسى البغدادي،
وينتهي بترجمة اليسع بن زيد بن سهل الزينبي، وعدد أوراقه
(291) ورقة، وجاء في آخره: وكان الفراغ من كتابته ليلة
الاثنين لخمس مضين من شهر رمضان المعظم سنة أربعين وسبع
مئة.
(1/151)
7 - المجلد التاسع: يبدأ بترجمة عبد الله بن روح المدائني،
وينتهي بترجمة أبي جعفر أحمد بن عمرو بن منصور الالبيري،
وعدد أوراقه (282) ورقة، وينقص الورقة (50) وقد استدركناها
من نسخة أحمد الثالث الثانية، وجاء في آخره: وكان الفراغ
منه لليلتين خلتا من شهر ذي الحجة سنة أربعين
وسبع مئة.
8 - لمجلد العاشر: يبدأ بترجمة حماد بن شاكر، وينتهي
بترجمة ابن أخي ميمي أبي الحسن محمد بن عبد الله البغدادي
الدقاق، وعدد أوراقه (290) ورقة، وجاء في آخره: وكان
الفراغ منه ليلة الاحد لعشر خلون من شهر رجب سنة إحدى
وأربعين وسبع مئة.
وقد نقص من هذا المجلد الورقة (281).
9 - المجلد الحادي عشر: يبدأ بترجمة صاحب الموصل حسام
الدولة مقلد بن المسيب، وينتهي بترجمة أبي يوسف القزويني
المعتزلي، وعدد أوراقه (288) ورقة.
10 - المجلد الثاني عشر: يبدأ بترجمة أبي سعيد الدباس،
وينتهي بترجمة ابن بنيمان الهمذاني المؤذن المؤدب، وعدد
أوراقه (278) ورقة، وجاء في آخره: وكان الفراغ من كتابته
ليلة الجمعة لثلاث بقين من جمادى الاولى سنة اثنتين
وأربعين وسبع مئة.
وينقص هذا المجلد الورقة (45).
11 - المجلد الثالث عشر: ويبدأ بترجمة الحافظ أبي طاهر
السلفي، وينتهي بترجمة علي بن المعز الملقب بالمنصور، وعدد
أوراقه (318) ورقة، وجاء في آخره: وكان الفراغ منه لليلتين
خلتا من شهر صفر سنة ثلاث وأربعين وسبع مئة.
(1/152)
وصف نسخة أحمد الثالث الثانية:
1 - المجلد الثالث: يبدأ بترجمة أبي بردة الاشعري، وينتهي
بترجمة ابن أبي عروبة، ويبلغ عدد أوراقه (204) ورقات،
وتاريخ نسخه (1002) ه.
2 - المجلد الخامس: يبدأ بترجمة هشام بن عبد الملك، وينتهي
بترجمة صالح بن موسى، وعدد أوراقه (200) ورقة، وتاريخ نسخه
(1002) ه.
3 - المجلد السادس: يبدأ بترجمة زهير بن معاوية، وينتهي
بترجمة ابن أبي سمينة، وعدد أوراقه (259) ورقة، وتاريخ
نسخة (1004) ه.
4 - المجلد السابع: ويبدأ بترجمة الحكم بن موسى، وينتهي
بترجمة أبي زرعة الرازي، وعدد أوراقه (234) ورقة، وتاريخ
نسخه (1002) ه.
5 -المجلد التاسع: يبدأ بترجمة ابن مروان، وينتهي بترجمة
الامام الداوودي، وعدد أوراقه (251) ورقة، وتاريخ نسخه
(1003) ه.
6 - المجلد العاشر: يبدأ بترجمة القشيري، وينتهي بترجمة
الشيخ أرسلان الجعبري الدمشقي، وعدد أوراقه (252) ورقة،
وتاريخ نسخه (1003) ه.
7 - المجلد الحادي عشر: يبدأ بترجمة أبي الحسين الزاهد،
وينتهي بترجمة ابن البيطار، وعدد أوراقه (214) ورقة،
وتاريخ نسخه (1211) ه.
وصف المجلدين المصورين عن
مكتبة الامام أبي الحسنات محمد عبد الحي اللكنوي في
الهند:
1 - المجلد السابع: يبدأ بترجمة الحكم بن موسى، وينتهي
بترجمة.
سير 1 / 11
(1/153)
إبراهيم الحربي، وعدد صفحاته (680) صفحة، ويعود تاريخ نسخه
إلى القرن التاسع.
2 - الخامس عشر: يبدأ بترجمة زهير بن حسن السرخسي، وينتهي
بترجمة رضوان بن السلطان تتش، وعدد أوراقه (255) ورقة
وتاريخ نسخه القرن التاسع.
ومن مصورة المجمع العلمي
العربي بدمشق مجلدان من نسخة مؤلفة من عشرين جزءا،
هما:
1 - الخامس: ويبدأ بترجمة أبي بردة الاشعري، وينتهي بترجمة
حماد بن سلمة، ولم نجد فيه ما يشير إلى المصدر الذي أخذ
عنه، وليس فيه تاريخ النسخ.
2 - السابع عشر: ويبدأ بترجمة أبي البركات الفيلسوف،
وينتهي بترجمة ابن حمويه، وفي آخره: تم المجلد السابع عشر
من سير أعلام النبلاء، يتلوه المجلد الثامن عشر من تجرئة
عشرين، والحمد لله أولا وآخرا وظاهرا وباطنا.
(1/154)
منهج التحقيق لقد اتبع في تحقيق الكتاب المنهج التالي:
1 - تجزئة المجلدات الاحدى عشر إلى اثنين وعشرين جزءا،
لانه يتعذر إخراج المجلد في جزء واحد لكبر حجمه، ثم دفع كل
جزء إلى الاستاذ الذي سيقوم بتحقيقه ليتولى نسخه، وقد اتبع
في النسخ الرسم الاملائي الحديث.
2 - قابلنا المنسوخ على الاصل مقابلة دقيقة متأنية، وكان
الاستاذ شعيب الارنؤوط وهو المشرف على تحقيق الكتاب يمسك
الاصل بيده، ويقرأ منه، والاستاذ الموكل إليه تحقيق جزء
يضبط المنسوخ، ويدون الملاحظات التي يبديها الاستاذ
المشرف، وقد كان لهذه المقابلة فائدة عظمي في تدارك السقط
والتحريف اللذين وقعا في المنسوخ، والاهتداء إلى معرفة
أسماء الاعلام على الوجه الصحيح، فإن كثيرا منها جاء في
الاصل مهملا غير منقوط (1).
3 -ذكرنا المصادر التي عنيت بأخبار المترجم، سواء منها
التي تقدمت
__________
(1) وقد أدى التهاون بمقابلة المنسوخ على الاصل إلى وقوع
ما يزيد على مئة سقط يتراوح ما بين كلمة وجملة وسطر في
الجزء الاول من هذا الكتاب المطبوع بدار المعارف بمصر سنة
1953، وقد بيناه في مواضعه من طبعتنا هذه، ودللنا عليه،
كما بينا أيضا السقط والتحريف اللذين وقعا في الجز أين
الثاني والثالث من الطبعة المذكورة.
وقد قال أئمة النقد: لا يجوز أن ينخدع في الاعتماد على نسخ
الثقة العارف دون مقابلة، ولا على نسخ نفسه بيده ما لم
يقابل ويصحح، فإن الفكر يذهب، والقلب يسهو، والنظر يزيغ،
والقلم يطغى.
(1/155)
عصر المؤلف، أو جاءت بعده، متوخين في ذلك الاستيعاب في
حدود ما يتيسر لنا من مراجع.
4 - راجعنا نصوص الكتاب وأخباره على الموارد التي نقل عنها
المؤلف واستمد منها مما أمكننا الوقوف عليه ما طبع منه وما
لم يطبع، وهو عمل شاق ومجهد، لكنه أعان على تدارك ما وقع
للمؤلف في بعض الاخبار التي يرويها بالمعنى من سقط، أو
وهم، أو اضطراب، وقد بين كل ذلك في التعليقات المنثورة في
الاجزاء، وما أضفناه من الزيادة على الاصل، فقد ميزناه
بوضعه بين حاصرتين.
5 - نسقنا مادة الكتاب تنسيقا يعين على فهم النص فهما
صحيحا، ففصلنا كل خبر عن غيره، وميزنا النقول عن التعقبات،
وجعلنا ابتداء النقول والاخبار من أول السطر.
6 - وقد تحرينا التحري البالغ في ضبط النص، وبخاصة الاسماء
والكنى والالقاب والانساب والمواضع والبلدان، وهي أكثر
الالفاظ تعرضا للغلط لانها كما قال بعض القدماء: شئ لا
يدخله القياس، ولا قبله شئ ولا بعده
شئ يدل عليه فقد قمنا بضبطها، وإزالة الاشتباه عنها،
بالشكل تارة وهو الاغلب وبالكتابة بالحرف تارة أخرى،
معتمدين على أوثق المصادر التي تكفلت ببيان ذلك، مثل:
الاكمال: لابن ماكولا، والمشتبه: للذهبي، وتوضيحه: لابن
ناصر الدين الدمشقي، وتبصير المنتبه: لابن حجر، والانساب:
للسمعاني، واللباب: لابن الاثير، ومعجم البلدان: لياقوت
الحموي، والروض المعطار: للحميري.
وما كان من الالفاظ يضبط بوجهين أو أكثر، فقد أغفلنا ضبطه
إشارة إلى ذلك.
(1/156)
7 - وقد تولى الاستاذ شعيب الارنؤوط تخريج الاحاديث
والآثار الواردة في الكتاب وهي كثيرة جدا لا سيما في
الاجزاء الاولى من دواوين السنة ومصادرها المطبوع منها وما
لم يطبع مما أمكن الوقوف عليه، فيذكر الجزء والصفحة التي
فيها الخبر، وحين يكون للمصدر أكثر من طبعة يضيف ذكر
الكتاب والباب تيسيرا للقارئ الذي لا تتيسر له الطبعة التي
رجع إليها.
ثم أبان عن درجة كل حديث من الصحة وغيرها حسب الاصول
والقواعد المتبعة في علم مصطلح الحديث.
ونحب أن نؤكد هنا أن تنقيد الروايات، والتمييز بين صحيحها
وسقيمها أمر تجدر العناية به أكثر من غيره في تحقيق
التراث، لا سيما في عصرنا هذا الذي كاد أن ينقرض فيه هذا
العلم، وندر أن تجد من يحسن أن يتولاه، ويصبر على معاناته،
فإن كثيرا من الاحاديث والاخبار الضعيفة والموضوعة
المبثوثة في كتب التاريخ والتراجم، يتلقفها الادباء
والكتاب والخطباء والمدرسون على عواهنها، فتدور على
ألسنتهم، أو يستشهدون بها في
مؤلفاتهم وخطبهم، فيتلقاها عنهم عامة الناس، ويعتدون بها،
ويعملون بما يستفاد منها، وحدث ولا حرج عما تلحقه تلك
الاحاديث والاخبار من الضرر بجوانب كثيرة في الامور
الاعتقادية والعبادية، والسلوكية والفكرية والاجتماعية،
وما ينجم عنها من آثار سيئة، وانحرافات خطيرة، وتشويه
لحقائق الاسلام، وهذا ما دعانا إلى دراسة أسانيد الاخبار
في هذا الكتاب، وتنقيد رواتها، ومعرفة ما يصح منها وما لا
يصح، وبيان ذلك كله ليتسنى للقارئ أن يكون على بينة من
أمرها، فيطرح كل ما هو ضعيف منها، ويتجنبه، ويحذر من
الوقوع فيه.
ونرى أنه ينبغي لكل من يتصدى لتحقيق كتاب في التاريخ، أو
التراجم،
(1/157)
أو الحديث، أو التفسير أن تتحقق فيه مهارة المحدث البارع
الخبير بعلل الروايات ومواطن الضعف فيها، وإذا لم يتيسر له
ذلك، فليستعن بذوي الخبرة والاختصاص بهذا الفن الشريف.
8 - وقد اشتملت التعليقات على شرح غريب الالفاظ والتعريف
بالمواضح والاماكن، وبيان المصطلحات الحديثية التي
استخدمها المؤلف كالوجادة والبدل والموافقة وغيرها،
والتعريف ببعض أرباب المقالات من الاسلاميين، وتنقيد
المؤلف في بعض المواطن التي ترجح لدينا أنه قد جانب الصواب
فيها.
9 - وضعنا أرقاما متسلسلة للتراجم الاصلية لكل جزء في
بداية الترجمة، وتنتهي الارقام عند نهاية كل جزء، ثم يبدأ
الجزء الثاني بأرقام جديدة تبدأ من الواحد وهكذا.
10 - استعمل المؤلف رموزا جرى المحدثون على استعمالها،
فكتب
من " حدثنا ": " ثنا "، وربما حذف الثاء، واقتصر على " نا
"، وكتب من " أخبرنا ": " أنا " أو " أبنا "، وقد استعضنا
عن الرمز بإثبات اللفظ بتمامه.
أما الرموز التي استعملها إشارة إلى من روى للمترجم من
أصحاب الكتب الستة فأثبتناها كما هي في الجانب الايسر من
عنوان الترجمة، فاستعمل (ع) لاصحاب الكتب الستة، و (4)
لاصحاب السنن الاربعة، و (خ) للبخاري في الصحيح، و (خت)
لما استشهد به في الصحيح تعليقا، و (بخ) لما أخرجه في
الادب المفرد، و (م) لمسلم، و (د) لابي داود، و (ت)
للترمذي، و (س) للنسائي، و (ق) لابن ماجه القزويني.
وما كان من هذه الرموز في معرض سياق الخبر، فقد حذفناه،
وأثبتنا
(1/158)
مكانه الاسم بتمامه.
11 - وقد صنعنا لكل جزء فهرسا للمترجمين كما أوردهم
المؤلف، وآخر على ترتيب حروف المعجم، وسنقوم بعون الله
وتوفيقه عند نهاية طبع الكتاب بصنع فهارس مفصلة تشمل
الآيات، والاحاديث، والاعلام، والاماكن، والشعر.
وقد بذلنا الجهد في تحقيق هذا السفر العظيم، وإخراجه على
الوجه الذي يروق ويعجب، في حدود ما حبانا الله من علم،
ومعرفة، وقدرة، فالمأمول من أهل العلم والفضل أن لا يبخلوا
علينا بما يبدو لهم أثناء مطالعة الكتاب من استدراكات
وملاحظات سيكون لها أثر حميد في استكمال النفع، وتوثيق
التحقيق.
نسأل الله العظيم التوفيق والاعانة على إتمام تحقيق
الاجزاء المتبقية من الكتاب، وإخراجها على غرار ما سبق،
وعلى الله نتوكل وبه نستعين، وآخر
دعوانا أن الحمد الله رب العالمين.
دمشق 12 / ربيع الاول 1401 ه 17 / كانون الثاني 1981 م
(1/159)
الورقة الاولى من المجلد الثالث نسخة أحمد الثالث الاولى
وفيها إحالة المؤلف على كتابه " تاريخ الاسلام " ليؤخذ منه
الاول والثاني المتضمنان سيرة النبي صلى الله عليه وسلم
وسير الخلفاء الاربعة.
(1/160)
الورقة الاخيرة من المجلد الثالث نسخة أحمد الثالث الا
ولى.
(1/161)
الورقة الاولى من المجلد السابع نسخة أحمد الثالث الاولى
(1/162)
الورقة الاخيرة من المجلد السابع نسخة أحمد الثالث الاولى
(1/163)
الورقة الاخيرة من المجلد التاسع نسخة أحمد الثالث الاولى
(1/164)
الورقة الاخيرة من المجلد الثاني عشر نسخة أحمد الثالث
الاولى
(1/165)
الورقة الاولى من المجلد الثالث عشر نسخة أحمد الثالث
الاولى
(1/166)
الورقة الاخيرة من المجلد الثالث عشر نسخة أحمد الثالث
الاولى
(1/167)
الورقة الاخيرة من المجلد الرابع نسخة أحمد الثالث
الثانية.
قالوا في الامام الذهبي
1 - لم أجد عنده جمود المحدثين، ولا كودنة النقلة، بل هو
فقيه النظر، له دربة بأقوال الناس، ومذاهب الائمة من
السلف، وأرباب المقالات.
2 - وأعجبني منه ما يعانيه في تصانيفه من أنه لا يتعدى
حديثا يورده حتى يبين ما فيه من ضعف متن، أو ظلام إسناد،
أو طعن في رواته، ولم أر غيره يراعي هذه الفائدة فيما
يورده.
الصلاح الصفدي (ت 764)
3 - أما أستاذنا أبو عبد الله، فبصر لا نظير له، وكنز هو
الملجأ إذا نزلت المعضلة، إمام الوجود حفظا، وذهب العصر
معنى ولفظا، وشيخ الجرح والتعديل، ورجل الرجال في كل سبيل،
كأنما جمعت الامة في صعيد واحد، فنظرها، ثم أخذ يخبر عنها
إخبار من حضرها.
التاج السبكي (ت 771)
4 - الحافظ الكبير، مؤرخ الاسلام، وشيخ المحدثين، وخاتمة
الحفاظ .
ابن كثير الدمشقي (ت 774)
5 - إن المحدثين عيال في الرجال وغيرها من فنون الحديث على
أربعة: المزي، والذهبي، والعراقي، وأبن حجر.
جلال الدين السيوطي (ت 911) سير 1 / 12
(1/168)
سير اعلام النبلاء
تصنيف الامام شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي
المتوفى 748 ه 1374 م
(1/4)
بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين
1 - أبو عبيدة بن الجراح
* (م، ق) عامر بن عبد
الله بن الجراح بن هلال بن أهيب بن ضبة بن الحارث بن فهر
بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن
مضر بن نزار بن معد بن عدنان، القرشي الفهري المكي.
أحد السابقين الاولين، ومن عزم الصديق على توليته الخلافة،
وأشار به يوم
__________
(*) مسند أحمد: 1 / 195 - 196، الزهد لابن حنبل: 184،
طبقات ابن سعد: 3 / 1 / 297 - 304، نسب قريش: 445، طبقات
خليفة: 27، 300، تاريخ خليفة: 138، التاريخ الكبير: 6 /
444 - 445، التاريخ الصغير: 1 / 48، المعارف: 247 - 248،
تاريخ الطبري 3 / 202، الجرح والتعديل: 6 / 325، مشاهير
علماء الامصار: ت 13، البدء والتاريخ: 5 / 87، معجم
الطبراني: 1 / 117 - 120، المستدرك للحاكم: 3 / 262 - 268،
حلية الاولياء: 1 / 100 - 102، الاستيعاب: 5 / 293 - 297،
تاريخ ابن عساكر: 7 / 157، صفوة الصفوة: 1 / 142، جامع
الاصول: 9 / 5 - 18، أسد الغابة: 3 / 128 - 130، الكامل في
التاريخ: 2 / 332 325، تهذيب الاسماء واللغات: 2 / 259،
الرياض النضرة: 2 / 307، تهذيب الكمال: 645، دول الاسلام 1
/ 15، تاريخ الاسلام: 2 / 23، العبر: 1 / 15، 24، العقد
الثمين: 5 / 84، تهذيب التهذيب: 5 / 73، الاصابة: 5 / 285
- 289، تاريخ الخميس: 2 / 244، كنز العمال 13 / 214 - 219،
شذرات الذهب: 1 / 29، تهذيب تاريخ دمشق: 7 / 160 - 168،
أشهر مشاهير الاسلام: 504.
(*)
(1/5)
السقيفة، لكمال أهليته عند أبي بكر (1).
يجتمع في النسب هو والنبي صلى الله عليه وسلم في فهر.
شهد له النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة، وسماه أمين
الامة، ومناقبه شهيرة جمة.
روى أحاديث معدودة (2)، وغزا غزوات مشهودة.
حدث عنه العرباض بن سارية، وجابر بن عبد الله، وأبو أمامة
الباهلي، وسمرة بن جندب، وأسلم مولى عمر، و عبد الرحمن بن
غنم، وآخرون.
له في " صحيح مسلم " حديث واحد، وله في " جامع أبي عيسى "
حديث، وفي " مسند بقي " له خمسة عشر حديثا.
الرواية عنه: أخبرنا أبو المعالي محمد بن عبد السلام
التميمي، قراءة عليه في سنة أربع وتسعين وست مئة، أنبأنا
أبو روح عبدالمعز بن محمد البزاز.
أنبأنا تميم بن أبي سعيد أبو القاسم المعري، في رجب سنة
تسع وعشرين وخمس مئة، بهراة، أنبانا أبو سعد محمد بن عبد
الرحمن، أنبأنا أبو عمرو بن حمدان، أخبرنا أبو يعلى أحمد
بن علي، حدثنا عبد الله بن معاوية القرشي، حدثنا حماد ابن
سلمة، عن خالد الحذاء، عن عبد الله بن شقيق، عن (3) عبد
الله بن سراقة، عن أبي عبيدة بن الجراح: سمعت رسول الله
صلى الله عليه وسلم وهو يقول: " إنه لم
__________
(1) انظر خبر السقيفة في الطبري 3 / 252، والكامل في
التاريخ 2 / 325 - 332.
(2) أحاديثه في مسند أحمد 1 / 195 - 196، وعددها اثنا عشر
حديثا.
(3) عبارة " عبد الله بن شقيق عن " سقطت من مطبوع دار
المعارف.
(*)
(1/6)
يكن نبي بعد نوح إلا وقد أنذر قومه الدجال، وإني أنذركموه
" فوصفه لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: " لعله
سيدركه بعض من رآني أو سمع كلامي " قالوا: يا
رسول الله صلى الله عليك وسلم ! كيف قلوبنا يومئذ ؟ أمثلها
اليوم ؟ قال: " أو خير " (1).
أخرجه الترمذي عن عبد الله الجمحي فوافقناه بعلو.
وقال: وفي الباب عن عبد الله بن بسر وغيره.
وهذا حديث حسن غريب من حديث أبي عبيدة رضي الله عنه.
قال ابن سعد في الطبقات: أخبرنا محمد بن عمر، حدثني ثور بن
يزيد، عن خالد بن معدان، عن مالك بن يخامر أنه وصف أبا
عبيدة فقال: كان رجلا نحيفا، معروق الوجه، خفيف اللحية،
طوالا، أحنى (2)، أثرم (3) الثنيتين (4) وأخبرنا محمد بن
عمر، حدثنا محمد بن صالح، عن يزيد بن رومان قال: انطلق ابن
مظعون، وعبيدة بن الحارث، و عبد الرحمن بن عوف، وأبو سلمة
__________
(1) أخرجه أحمد 1 / 195 مختصرا، وأبو داود (4756) في
السنة: باب في الدجال، والترمذي (2235) في الفتن: باب ما
جاء في الدجال.
ورجاله ثقات، إلا أن عبد الله بن سراقة لم يسمع من أبي
عبيدة.
وقال أبو عيسى: وفي الباب عن عبد الله بن بسر، و عبد الله
بن الحارث بن جزء، وعبد الله بن مغفل، وأبي هريرة، وهذا
حديث حسن غريب من حديث أبي عبيدة بن الجراح لا نعرفه إلا
من حديث خالد الحذاء.
وقال البخاري: عبد الله بن سراقة لم يسمع من أبي عبيدة بن
الجراح.
(2) الرجل الاحنى: فيه انعطاف الكاهل نحو الصدر مع انحناء
من الكبر وغيرها محقق المطبوع إلى " أجنأ " نقلا عن ابن
سعد، وقال: الكلمتان بمعنى.
(3) الاثرم: مكسور الاسنان.
(4) الخبر في " الطبقات " 3 / 1 / 303، والحاكم 3 / 264.
(*)
(1/7)
ابن عبد الاسد، وأبو عبيدة بن الجراح حتى أتوا رسول الله
صلى الله عليه وسلم، فعرض
عليهم الاسلام، وأنبأهم بشرائعه، فأسلموا في ساعة واحدة،
وذلك قبل دخول رسول الله صلى الله عليه وسلم دار الارقم.
وقد شهد أبو عبيدة بدرا، فقتل يومئذ أباه، وأبلى يوم أحد
بلاء حسنا، ونزع يومئذ الحلقتين اللتين دخلتا من المغفر في
وجنة رسول الله صلى الله عليه وسلم من ضربة أصابته،
فانقلعت ثنيتاه، فحسن ثغره بذهابهما، حتى قيل: ما رؤي هتم
قط أحسن من هتم أبي عبيدة (1).
وقال أبو بكر الصديق وقت وفاة رسول الله صلى الله عليه
وسلم بسقيفة بني ساعدة: قد رضيت لكم أحد هذين الرجلين:
عمر، وأبا عبيدة.
قال الزبير بن بكار: قد انقرض نسل أبي عبيدة، وولد إخوته
جميعا، وكان ممن هاجر إلى أرض الحبشة.
قاله ابن إسحاق، والواقدي (2).
قلت: إن كان هاجر إليها، فإنه لم يطل بها (3) اللبث.
وكان أبو عبيدة معدودا فيمن جمع القرآن العظيم.
قال موسى بن عقبة في " مغازيه ": غزوة عمرو بن العاص هي
غزوة ذات.
السلاسل (4) من مشارف الشام، فخاف عمرو من جانبه ذلك،
فاستمد رسول
__________
(1) انظر " الطبقات " 3 / 1 / 298، و " الاستيعاب " 5 /
292، و " المستدرك " للحاكم 3 / 266، و " الاصابة " 5 /
285، و " ابن هشام " 1 / 252، وانظر " سيرة ابن كثير " 3 /
58 - 59.
والهتم: كسر في الثنايا من أصولها.
(2) انظر ابن هشام 1 / 329، و " الطبقات " لا بن سعد 3 / 1
/ 298، والحاكم 3 / 266.
(3) سقطت من مطبوع دار المعارف.
(4) خبر هذه الغزوة عند ابن هشام 2 / 623، والطبري 3 / 21
- 32، و " الكامل " في التاريخ 2 / 232، وفي " الاصابة " 5
/ 286.
(*)
(1/8)
الله صلى الله عليه وسلم، فانتدب أبا بكر وعمر في سراة من
المهاجرين، فأمر نبي الله عليهم أبا عبيدة، فلما قدموا على
عمرو بن العاص قال: أنا أمير كم، فقال المهاجرون: بل أنت
أمير أصحابك، وأميرنا أبو عبيدة.
فقال عمرو: إنما أنتم مدد أمددت بكم.
فلما رأى ذلك أبو عبيدة بن الجراح، وكان رجلا حسن الخلق،
لين الشيمة، متبعا لامر رسول الله صلى الله عليه وسلم
وعهده، فسلم الامارة لعمرو.
وثبت من وجوه عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
" إن لكل أمة أمينا، وأمين هذه الامة أبو عبيدة بن الجراح
" (1).
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد الفقيه وغيره، إجازة، قالوا:
أخبرنا حنبل بن عبد الله، أنبأنا هبة الله بن محمد، أنبأنا
أبو علي بن المذهب، أخبرنا أبو بكر القطيعي، حدثنا عبد
الله بن أحمد، حدثني أبي، حدثنا أبو المغيرة، حدثنا صفوان،
عن شريح بن عبيد، وراشد بن سعد، وغيرهما قالوا: لما بلغ
عمر ابن الخطاب سرغ (2)، حدث أن بالشام وباء شديدا، فقال:
إن أدركني
__________
(1) أخرجه أحمد 3 / 133، 189، 245، 281، والبخاري (3744)
في فضائل القرآن، و (4382) في المغازي، و (7255) في أخبار
الآحاد، ومسلم (2419) في الفضائل، والحاكم 3 / 267 وصححه،
ووافقه الذهبي، وابن سعد 3 / 1 / 299، وابن عبدالبرفي "
الاستيعاب " 5 / 293 والحافظ في " الاصابة " 5 / 285، كلهم
من طريق: خالد الحذاء، عن أبي قلابة، عن أنس...وأخرجه أحمد
3 / 146، 175، 184، 212، 286 من طريق حماد بن سلمة، عن
ثابت البناني، عن أنس...وأخرجه الترمذي (3759) في المناقب،
وابن ماجه (135) في المقدمة من طريق: أبي اسحاق، عن صلة بن
زفر، عن حذيفة.
وأخرجه ابن ماجه (136) في المقدمة عن ابن عمر، وفي الباب
عن أبي بكر، وابن مسعود، وخالد بن الوليد، وعائشة،.
وانظر " حلية الاولياء " 1 / 101 وما بعدها.
(2) سرغ: بالغين المعجمة - والعين المهملة لغة فيه: وهو
أول الحجاز وآخر الشام بين المغيثة وتبوك.
وقال مالك بن أنس: هي قرية بوادي تبوك.
وهناك لقي عمر بن الخطاب من أخبره بطاعون عمواس.
وانظر " معجم البلدان " 3 / 211.
(*)
(1/9)
أجلي، وأبو عبيدة حي، استخلفته، فإن سألني الله عزوجل: لم
استخلفته على امة محمد ؟ قلت: إني سمعت رسول الله صلى الله
عليه وسلم يقول: " إن لكل أمة أمينا، وأمين هذه الامة أبو
عبيدة بن الجراح ".
قال: فأنكر القوم ذلك وقالوا: ما بال علياء قريش ؟ يعنون
بني فهر.
ثم قال: وإن أدركني أجلي، وقد توفي أبو عبيدة، أستخلف معاذ
بن جبل، فإن سألني ربي قلت: إني سمعت نبيك يقول: " إنه
يحشر يوم القيامة بين يدي العلماء برتوة " (1).
وروى حماد بن سلمة، عن الجريري، عن عبد الله بن شقيق، عن
عمرو ابن العاص قال: قيل يا رسول الله ! أي الناس أحب إليك
؟ قال: عائشة.
قيل من الرجال ؟ قال: أبو بكر، قيل: ثم من ؟ قال: ثم أبو
عبيدة بن الجراح.
كذا يرويه حماد، وخالفه جماعة.
فرووه عن الجريري، عن عبد الله قال: سألت عائشة: أي أصحاب
رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أحب إليه ؟ قالت: أبو
بكر، ثم عمر، ثم أبو عبيدة بن الجراح (2).
__________
(1) أخرجه أحمد 1 / 18، وفيه " نبذة " بدل " رتوة "،
ورجاله ثقات إلا أن شريح بن عبيد، وراشد ابن سعد، لم يدركا
عمر.
وأخرجه ابن سعد 3 / 1 / 300، والحاكم 3 / 268 بنحوه مختصرا
من طريق: كثير بن هشام، عن جعفر بن برقان، عن ثابت بن
حجاج، قال: قال عمر بن الخطاب: لو أدركت أبا عبيدة بن
الجراح لاستخلفته وما شاورت، فإن سئلت عنه قلت: استخلفت
أمين الله وأمين رسوله.
والرتوة: بفتح الراء، وسكون التاء، وفتح الواو، رمية سهم،
وقيل: مد البصر.
(2) اخرجه الترمذي (3657) في المناقب، وابن ماجه (102) في
المقدمة: باب فضل عمر.
ورجاله ثقات.
وأخرجه الحاكم 3 / 73، وأبو يعلي الموصلي في مسنده، كما في
" الاصابة " 5 / 287، من طريق: كهمس، عن عبد الله بن شقيق
قال: قلت لعائشة...وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي.
وأخرجه البخاري (3662) في فضائل الصحابة: باب قول النبي
صلى الله عليه وسلم: لو كنت متخذا خليلا، و (4358) في
المغازي: باب غزوة ذات السلاسل، من حديث عمرو بن العاص، أن
النبي، صلى الله عليه وسلم، بعثه على جيش ذات السلاسل،
قال: فأتيته، فقلت: أي الناس أحب اليك ؟ قال: عائشة.
قلت: من الرجال ؟ قال: أبوها.
قلت: ثم من ؟ قال: ثم عمر بن الخطاب، فعد رجالا.
(*)
(1/10)
أخبرنا إسماعيل بن عبد الرحمن المعدل، أنبأنا عبد الله بن
أحمد الفقيه، أنبأنا محمد بن عبد الباقي، أنبأنا أبو الفضل
بن خيرون، أنبأنا أحمد بن محمد ابن غالب، بقراءته (1) على
أبي العباس بن حمدان، حدثكم محمد بن أيوب، أنبأنا أبو
الوليد، أنبأنا شعبة، عن أبي إسحاق، سمعت صلة بن زفر (2).
عن حذيفة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إني
أبعث إليكم رجلا أمينا ".
فاستشرف لها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فبعث أبا عبيدة بن الجراح (3).
اتفقا عليه من حديث شعبة.
واتفقا من حديث خالد الحذاء، عن أبي قلابة، عن أنس: أن
النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لكل أمة أمين، وأمين هذه
الامة أبو عبيدة بن الجراح " (4).
أخبرنا أحمد بن محمد المعلم، أنبأنا أبو القاسم بن رواحة،
أنبأنا أبو طاهر الحافظ، أنبأنا أحمد بن علي الصوفي، وأبو
غالب الباقلاني، وجماعة، قالوا: أنبأنا أبو القاسم بن
بشران، أنبأنا أبو محمد الفاكهي بمكة، حدثنا أبو يحيى بن
أبي ميسرة، حدثنا عبد الوهاب بن عيسى الواسطي، أنبأنا يحيى
بن أبي
زكريا، حدثنا عبد الله بن عثمان بن خثيم، عن أبي الزبير،
عن جابر قال: كنت
__________
(1) في الاصل " قراءته ".
(2) في الاصل " رقة " وهو خطأ.
(3) أخرجه الطيالسي 2 / 159، وأحمد 5 / 398، 400 والبخاري
(3745) في فضائل الصحابة: باب مناقب أبي عبيدة بن الجراح،
و (4380) في المغازي: باب قصة أهل نجران و (4381) فيها و
(7254) في الآحاد: باب ما جاء في إجازة خبر الواحد، ومسلم
(2420) في الفضائل: باب فضل أبي عبيدة، والترمذي (3759) في
المناقب، وابن ماجه (135) في المقدمة.
(4) تقدم تخريجه في الصفحة رقم (9) التعليق رقم (1).
(*)
(1/11)
في الجيش الذين مع خالد، الذين أمد بهم أبا عبيدة وهو
محاصر دمشق، فلما قدمنا عليهم، قال لخالد: تقدم فصل، فأنت
أحق بالامامة، لانك جئت تمدني.
فقال خالد: ما كنت لاتقدم رجلا سمعت رسول الله صلى الله
عليه وسلم يقول: " لكل أمة أمين، وأمين هذه الامة أبو
عبيدة بن الجراح " (1).
أبو بكر بن أبي شيبة: أنبأنا عبد الرحيم بن سليمان، عن
زكريا بن (2) أبي زائدة، عن أبي إسحاق، عن صلة، عن حذيفة
قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم أسقفا نجران: العاقب
والسيد، فقالا: ابعث معنا أمينا حق أمين فقال: " لابعثن
معكم رجلا أمينا حق أمين، فاستشرف لها الناس، فقال: قم يا
أبا عبيدة، فأرسله معهم ".
قال: وحدثنا وكيع، عن سفيان، عن أبي إسحاق نحوه (3).
الترقفي (4) في " جزئه " حدثنا أبو المغيرة، حدثنا صفوان
بن عمرو، حدثنا أبو حسبة (5) مسلم بن أكيس مولى ابن كريز،
عن أبي عبيدة قال: ذكر لي من
__________
(1) إسناده ضعيف لضعف يحيي بن أبي زكريا، وأخرجه الخطيب
البغدادي في تاريخه 7 / 281
من طريق، سعيد بن سليمان، عن أبي أسامة، عن عمر بن حمزة،
عن سالم بن عبد الله، عن ابن عمر.
و 14 / 165 من طريق شعبة، عن أيوب وخالد، عن الحسن، عن
أمه، عن أم سلمة، والبخاري في " التاريخ الصغير " 1 / 40
من طريق: مقدم بن محمد، عن القاسم بن يحيى، عن ابن
خثيم...به (2) في الاصل " عن " وهو تحريف.
(3) تقدم تخريجه في هذه الصفحة تعليق رقم (1) ورجاله ثقات.
(4) الترقفي: نسبة إلى ترقف من أعمال واسط.
واسمه عباس بن عبد الله الترقفي.
وثقه السراج والدارقطني.
وذكره ابن حبان في الثقات.
وهو من رجال التهذيب.
(5) حسبة: بالحاء المكسورة، والباء المفتوحة وقد تصحفت في
المطبوع إلى " حسنه ".
وهو مسلم بن أكيس مولى عبد الله بن عامر بن كريز القرشي
مترجم في الجرح والتعديل 8 / 180، والميزان للذهبي 4 /
101.
(*)
(1/12)
دخل عليه فوجده يبكي، فقال: ما يبكيك يا أبا عبيدة ؟ قال:
يبكيني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر يوما ما، يفتح
الله على المسلمين، حتى ذكر الشام فقال: " إن نسأ الله في
أجلك فحسبك من الخدم ثلاثة: خادم يخدمك، وخادم يسافر معك،
وخادم يخدم أهلك.
وحسبك من الدواب ثلاثة: [ دابة لرحلك، ودابة لثقلك، ودابة
لغلامك ].
" ثم ها أنذا أنظر إلى بيتي قد امتلا رقيقا، وإلى مربطي قد
امتلا خيلا، فكيف ألقى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدها
؟ وقد أوصانا: " إن أحبكم إلي، وأقربكم مني، من لقيني [
على ] مثل الحال التي فارقتكم عليها " (1).
حديث غريب رواه أيضا أحمد في " مسنده " عن أبي المغيرة.
وكيع بن الجراح، حدثنا مبارك بن فضالة عن الحسن، قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم:
" ما منكم من أحد إلا لو شئت لاخذت عليه بعض خلقه، إلا أبا
عبيدة " هذا مرسل (2).
وكان أبو عبيدة موصوفا بحسن الخلق، وبالحلم الزائد
والتواضع.
قال محمد بن سعد: حدثنا أحمد بن عبد الله، حدثنا ابن
عيينة، عن ابن
__________
(1) إسناده ضعيف لجهالة أبي حسبة، كما أن روايته عن أبي
عبيدة مرسلة.
والزيادة بين الحاصرتين ليست في الاصل، وإنما استدركت من
المسند، وقد أخرجه أحمد 1 / 195 - 196، وذكره الهيثمي في "
المجمع " 10 / 253 وقال: رواه أحمد وفيه راو لم يسم.
وبقية رجاله ثقات.
وقد تحرفت في " المجمع " أبو حسبة إلى " أبي حسنة " كما
تحرفت في " تعجيل المنفعة " إلى " أبي حبيبة ".
وهو في تاريخ ابن عساكر 1 / 307 - 308.
(2) أخرجه الحاكم 3 / 266 وقال: مرسل غريب، ورواته ثقات.
وهو في " الاستيعاب " 2 / 293، وقال ابن عبد البر: هو من
مراسيل الحسن.
وفي " الاصابة " 5 / 288 من طريق أخرى.
وقال الحافظ: مرسل، ورجاله ثقات.
وانظر تاريخ الفسوي 1 / 448.
(*)
(1/13)
أبي نجيح، قال عمر لجلسائه: تمنوا، فتمنوا، فقال عمر: لكني
أتمنى بيتا ممتلئا رجالا مثل أبي عبيدة بن الجراح (1).
وقال ابن أبي شيبة: قال [ ابن ] (2) علية، عن يونس، عن
الحسن، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما من أصحابي
أحد إلا لو شئت أخذت عليه، إلا أبا عبيدة " (3).
وسفيان الثوري: عن أبي إسحاق، عن أبي عبيدة قال: قال ابن
مسعود: أخلائي من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
ثلاثة: أبو بكر، وعمر، وأبو عبيدة (4).
خالفه غيره ففي " الجعديات ": أنبأنا زهير، عن أبي إسحاق،
عن أبي
__________
(1) رجاله ثقات، لكن فيه انقطاع بين ابن أبي نجيح وعمر.
والخبر في " الطبقات " 3 / 1 / 300
وأخرجه الحاكم 3 / 262 وفيه زيادة: " فقالوا له: ما آلوت
الاسلام خيرا.
قال: ذلك أردت "، وفي " الحلية " 1 / 102.
وأخرجه البخاري مطولا في " تاريخه الصغير " 1 / 54 من طريق
عبد الله بن يزيد المقري، عن حيوة، عن أبي صخر، عن زيد بن
أسلم، عن أبيه، أن عمر بن الخطاب، قال لاصحابه: تمنوا.
فقال أحدهم: أتمنى أن يكون مل ء هذا البيت دراهم فأنفقها
في سبيل الله.
فقال: تمنوا، فقال آخر: أتمنى أن يكون مل ء هذا البيت ذهبا
فأنفقه في سبيل الله.
قال: تمنوا.
قال آخر: أتمنى أن يكون مل ء هذا البيت جوهرا أو نحوه،
فأنفقه في سبيل الله.
فقال عمر: تمنوا.
فقالوا: ما تمنينا بعد هذا.
قال عمر: لكني أتمنى أن يكون مل ء هذا البيت رجالا مثل أبي
عبيدة بن الجراح، ومعاذ بن جبل، وحذيفة بن اليمان،
فأستعملهم في طاعة الله.
قال: ثم بعث بمال إلى حذيفة، قال: انظر ما يصنع، قال: فلما
أتاه قسمه.
ثم بعث بمال إلى معاذ بن جبل فقسمه، ثم بعث بمال.
يعنى إلى أبي عبيدة - قال: انظر ما يصنع.
فقال عمر: قد قلت لكم.
أو كما قال.
ورجاله ثقات.
غير أبي صخر، وهو حميد بن زياد الخراط فإنه مقبول الحديث
حيث يتابع.
(2) سقطت من الاصل واستدركت من " الاستيعاب " 5 / 293.
(3) هو مرسل.
وانظر التعليق المتقدم برقم (2) في الصفحة (13).
(4) فيه انقطاع: أبو عبيدة لم يسمع من أبيه.
(*)
(1/14)
الاحوص، عن عبد الله فذكره (1).
قال خليفة بن خياط: وقد كان أبو بكر ولى أبا عبيدة بيت
المال (2).
قلت: يعني أموال المسلمين، فلم يكن بعد عمل بيت مال، فأول
من اتخذه عمر.
قال خليفة: ثم وجهه أبو بكر إلى الشام سنة ثلاث عشرة
أميرا، وفيها استخلف عمر، فعزل خالد بن الوليد، وولى أبا
عبيدة (3).
قال القاسم بن يزيد: حدثنا سفيان، عن زياد بن فياض، عن
تميم بن سلمة، أن عمر لقي أبا عبيدة، فصافحه، وقبل يده،
وتنحيا يبكيان (4).
وقال ابن المبارك في " الجهاد " له: عن هشام بن سعد، عن
زيد بن أسلم، عن أبيه قال: بلغ عمر أن أبا عبيدة حصر
بالشام، ونال منه العدو، فكتب إليه عمر: أما بعد، فإنه ما
نزل بعبد مؤمن شدة، إلا جعل الله بعدها فرجا، وإنه لا يغلب
عسر يسرين [ يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا
]، الآية [ آل عمران: 200 ].
قال: فكتب إليه أبو عبيدة: أما بعد، فإن الله يقول: (أنما
الحياة الدنيا لعب ولهو)، إلى قوله: (متاع الغرور) [
الحديد: 20 ]، قال: فخرج عمر
__________
(1) أخرجه الحاكم 3 / 262 من طريق: سفيان، عن أبي إسحاق عن
عبيدة، قال: كان...(2) الخبر في " تاريخ خليفة " ص 123.
(3) هذا ليس نص خليفة.
وإنما نقله الذهبي بالمعنى.
وانظر " تاريخ خليفة " ص: 119.
(4) رجاله ثقات لكنه منقطع، وفي المطبوع زيادة كلمة " أبو
" بين " قال " و " القاسم " وهو خطأ.
(*)
(1/15)
بكتابه، فقرأه على المنبر فقال: يا أهل المدينة ! إنما
يعرض بكم أبو عبيدة أو بي، ارغبوا في الجهاد (1).
ابن أبي فديك، عن هشام بن سعد، عن زيد، عن أبيه قال: بلغني
أن معاذا سمع رجلا يقول: لو كان خالد بن الوليد، ما كان
بالناس دوك (2)، وذلك في حصر أبي عبيدة، فقال معاذ: فإلي
أبي عبيدة تضطر المعجزة لا أبا لك ! والله إنه لخير من بقي
على الارض.
رواه البخاري في " تاريخه " وابن سعد (3).
وفي " الزهد " لابن المبارك: حدثنا معمر، عن هشام بن عروة،
عن أبيه
قال: قدم عمر الشام، فتلقاه الامراء والعظماء، فقال: أين
أخي أبو عبيدة ؟ قالوا: يأتيك الآن، قال: فجاء على ناقة
مخطومة بحبل، فسلم عليه، ثم قال للناس: انصرفوا عنا.
فسار معه حتى أتى منزله، فنزل عليه، فلم ير في بيته إلا
سيفه وترسه ورحله، فقال له عمر: لو اتخذت متاعا، أو قال
شيئا، فقال: يا
__________
(1) إسناده قوي، ورجاله ثقات.
(2) الدوك: الاختلاط.
يقال: وقع الناس في دوكة أو دوكة، أي: وقعوا في اختلاط من
أمرهم وخصومة وشر.
وفي الاصل الذي اعتمدناه " دركون " ولا معنى لها في كتب
اللغة، ورواية البخاري في " التاريخ الصغير " 1 / 58 " ما
كان الناس يدركون " ويغلب على الظن أن الصواب " يدوكون "
يقال: بات الناس يدوكون إذا باتوا في اختلاط ودوران.
وتداوك القوم: إذا تضايقوا في حرب أو شر.
وفي ابن سعد 3 / 1 / 301 " ما كان بالبأس ذوكون " وهو
تحريف.
ومع ذلك فقد أثبته محقق المطبوع متجاوزا الاصل.
وأما رواية ابن عساكر 1 / 307 فهي " ما كان بالناس ذوكون "
وغالب الظن أن ذلك تحريف أيضا.
والله اعلم.
(3) البخاري في " التاريخ الصغير " 1 / 58، وابن سعد 3 / 1
/ 301.
(1/16)
أمير المؤمنين ! إن هذا سيبلغنا المقيل (1).
ابن وهب: حدثني عبد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر: أن
عمر حين قدم الشام، قال لابي عبيدة: اذهب بنا إلى منزلك،
قال: وما تصنع عندي ؟ ما تريد إلا أن تعصر عينيك علي.
قال: فدخل، فلم ير شيئا، قال: أين متاعك ؟ لا أرى إلا لبد
أو صحفة (2) وشنا، وأنت أمير، أعندك طعام ؟ فقام أبو عبيدة
إلى جونة، فأخذ منها كسيرات، فبكى عمر، فقال له أبو عبيدة:
قد قلت لك: إنك ستعصر عينيك علي يا أمير المؤمنين، يكفيك
ما يبلغك المقيل.
قال عمر:
غيرتنا الدنيا كلنا غيرك يا أبا عبيدة (3).
أخرجه أبو داود في " سننه " من طريق ابن الاعرابي.
وهذا والله هو الزهد الخالص، لا زهد من كان فقيرا معدما.
معن بن عيسى، عن مالك: أن عمر أرسل إلى أبي عبيدة بأربعة
آلاف، أو بأربع مئة دينار، وقال للرسول: انظر ما يصنع بها،
قال: فقسمها أبو عبيدة، ثم أرسل إلى معاذ بمثلها، قال:
فقسمها، إلا شيئا قالت له امرأته نحتاج إليه، فلما أخبر
الرسول عمر، قال: الحمد لله الذي جعل في الاسلام من يصنع
__________
(1) رجاله ثقات، لكنه منقطع.
وأخرجه عبد الرزاق (20628).
وأبو نعيم في " الحلية " 1 / 101 - 102.
وهو في " الاصابة " 5 / 288، وفي " الزهد " لاحمد بن حنبل
ص: 184: باب أخبار أبي عبيدة بن الجراح.
(2) تحرفت في المطبوع إلى " صفحة ".
(3) إسناده ضعيف لضعف عبد الله بن عمر، وهو عبد الله بن
عمر بن حفص بن عاصم بن عمر ابن الخطاب: أبو عبد الرحمن
العمري المدني.
قال الحافظ في " التقريب ": ضعيف عابد.
ورواية السنن من طريق ابن الاعرابي غير موجودة لدينا حتى
نحيل إليها.
(*)
(1/17)
هذا (1).
الفسوي (2): حدثنا أبو اليمان، عن جرير بن عثمان، عن أبي
الحسن عمران بن نمران، أن أبا عبيدة كان يسير في العسكر
فيقول: ألا رب مبيض لثيابه، مدنس لدينه ! ألا رب مكرم
لنفسه وهو لها مهين ! بادروا السيئات القديمات بالحسنات
الحديثات (3).
وقال ثابت البناني: قال أبو عبيدة: يا أيها الناس ! إني
امرؤ من قريش، وما منكم من أحمر ولا أسود يفضلني بتقوى،
إلا وددت أني في مسلاخه (4).
معمر: عن قتادة، قال أبو عبيدة بن الجراح: وددت أني كنت
كبشا، فيذبحني أهلي، فيأكلون لحمي، ويحسون مرقي (5).
وقال عمران بن حصين: وددت أني رماد تسفيني الريح (6).
شعبة: عن قيس بن مسلم عن طارق، أن عمر كتب إلى أبي عبيدة
في الطاعون: إنه قد عرضت لي حاجة، ولا غنى بي عنك فيها،
فعجل إلي.
فلما قرأ الكتاب، قال: عرفت حاجة أمير المؤمنين، إنه يريد
أن يستبقي من ليس بباق، فكتب: إني قد عرفت حاجتك، فحللني
من عزيمتك، فإني في جند
__________
(1) ابن سعد 3 / 1 / 301 (2) تصحفت في المطبوع إلى "
النسوي ".
(3) انظر الفسوي 2 / 427 - 428 في " المعرفة والتاريخ "، و
" الحلية " 1 / 102 و " الاصابة " 5 / 288 وقال الحافظ:
سنده مرسل.
(4) ابن سعد 3 / 1 / 300، و " الحلية " 1 / 101 و "
الاصابة " 5 / 288 - 289 وفيها " سلامة " بدل " مسلاخه "
وهو تحريف.
(5) و (6) " طبقات ابن سعد " 3 / 1 / 300.
(*)
(1/18)
من أجناد المسلمين، لا أرغب بنفسي عنهم، فلما قرأ عمر
الكتاب، بكى، فقيل له: مات أبو عبيدة ؟ قال: لا.
وكأن قد (1).
قال: فتوفي أبو عبيدة، وانكشف الطاعون.
قال أبو الموجه محمد بن عمرو المروزي: زعموا أن أبا عبيدة
كان في ستة وثلاثين ألفا من الجند، فلم يبق منهم إلا ستة
آلاف رجل.
أخبرنا محمد بن عبد السلام، عن أبي روح، أنبأنا أبو سعد،
أنبأنا ابن (2) حمدان، أنبأنا أبو يعلى، حدثنا عبد الله بن
محمد بن أسماء، حدثنا مهدي بن
ميمون، حدثنا واصل مولى أبي (3) عيينة، عن ابن (4) أبي سيف
المخزومي، عن الوليد بن عبد الرحمن، شامي فقيه، عن عياض بن
غطيف، قال: دخلت على أبي عبيدة بن الجراح في مرضه، وامرأته
تحيفة جالسة عند رأسه، وهو مقبل بوجهه على الجدار، فقلت:
كيف بات أبو عبيدة ؟ قالت: بات بأجر، فقال: إني والله ما
بت بأجر ! فكأن القوم ساءهم، فقال: ألا تسألوني عما قلت ؟
قالوا: إنا لم يعجبنا ما قلت، فكيف نسألك ؟ قال: إني سمعت
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " من أنفق نفقة فاضلة
في سبيل الله، فبسبع مئة، ومن أنفق على عياله، أو عاد
مريضا، أو ماز أدى فالحسنة بعشر أمثالها، والصوم
__________
(1) وأخرجه الحاكم 3 / 263 من طريق.
الحميدي، عن سفيان، عن أيوب بن عائذ الطائي، عن قيس بن
مسلم، عن طارق بن شهاب، بأطول مما هنا.
وقال: رواته كلهم ثقات، وهو عجيب بمرة.
وقال الذهبي في " المختصر ": هو على شرط البخاري ومسلم.
(2) سقطت من المطبوع.
(3) تحرفت في المطبوع إلى " ابن ".
(4) سقطت من الاصل، ولم يفطن لها محقق المطبوع وهو بشار بن
أبي سيف كما سيأتي قريبا.
(*)
(1/19)
جنة ما لم يخرقها (1)، ومن ابتلاه الله ببلاء في جسده، فهو
له حطة " (2).
أنبأنا جماعة قالوا: أنبأنا ابن طبرزد، أنبأنا ابن الحصين،
أنبأنا ابن غيلان، أنبأنا أبو بكر الشافعي، أنبأنا عبد
الله بن أحمد، حدثنا محمد بن أبان الواسطي، حدثني جرير بن
حازم، حدثني بشار بن أبي سيف، حدثني الوليد ابن عبد
الرحمن، عن عياض بن غطيف، قال: مرض أبو عبيدة، فدخلنا عليه
نعوده، فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "
الصيام جنة ما لم يخرقها " (3).
وقد استعمل النبي صلى الله عليه وسلم أبا عبيدة غير مرة،
منها المرة التي جاع فيها
عسكره، وكانوا ثلاث مئة، فألقى لهم البحر الحوت الذي يقال
له العنبر، فقال أبو عبيدة: ميتة، ثم قال: لا، نحن رسل
رسول الله، وفي سبيل الله، فكلوا، وذكر الحديث، وهو في "
الصحيحين " (4).
__________
(1) في الاصل: ما لم يجرحها وما أثبتناه من " المسند " و "
المستدرك " و " المجمع ".
(2) بشار بن أبي سيف لم يوثقه غير ابن حبان.
وباقي رجاله ثقات.
وأخرجه أحمد 1 / 195 من طريق بشار بن أبي سيف عن عياض بن
غطيف وقد سقط من الاسناد فيه " الوليد بن عبد الرحمن "
راويه عن عياض.
ورواه أحمد مرة أخرى 1 / 196 على الصواب.
وأخرجه الحاكم 3 / 265 من طريق: بشار بن أبي سيف، عن
الوليد بن عبد الرحمن، عن عياض بن غطيف به.
وسكت عنه هو والذهبي.
وأورده الهيثمي في " المجمع " 2 / 300 وقال: رواه أحمد،
وأبو يعلى والبزار وفيه " بشار " (وقد تحرف فيه إلى " يسار
") بن أبي سيف، ولم أر من وثقه ولا جرحه، وبقية رجاله
ثقات.
(3) أخرجه أحمد 1 / 196 من طريق: جرير، عن بشار بن أبي
سيف، عن الوليد، عن عياض ابن غطيف به.
وانظر ما قبله.
(4) أخرجه مالك، في " الموطأ: في صفة النبي صلى الله عليه
وسلم: باب جامع ما جاء في الطعام والشراب برقم (24)، وأحمد
3 / 303، 306، 311، والبخاري (2483) في الشركة: باب الشركة
في الطعام والنهد والعروض، بلفظ " بعث رسول الله، صلى الله
عليه وسلم، بعثا قبل الساحل، فأمر عليهم أبا عبيدة بن
الجراح، وهم ثلاث مئة وأنا فيهم.
فخرجنا حتى إذا كنا ببعض الطريق فني الزاد.
فأمر أبو عبيدة بأزواد ذلك الجيش، فجمع ذلك كله، فكان
مزودي تمر، فكان يقوتنا كل يوم قليلا قليلا حتى فني، فلم
يكن يصيبنا إلا تمرة تمرة، فقلنا: وما يغني تمرة ؟ فقال:
لقد وجدنا فقدها حين فنيت.
قال: ثم = (*)
(1/20)
ولما تفرغ الصديق من حرب أهل الردة، وحرب مسيلمة الكذاب،
جهز أمراء (1) الاجناد لفتح الشام.
فبعث أبا عبيدة، ويزيد بن أبي سفيان، وعمرو بن العاص،
وشرحبيل بن حسنة، فتمت وقعة أجنادين (2) بقرب الرملة، ونصر
الله
المؤمنين، فجاءت البشرى، والصديق في مرض الموت، ثم كانت
وقعة فحل (3)، ووقعة مرج الصفر (4)، وكان قد سير أبو بكر
خالدا لغز والعراق، ثم بعث إليه لينجد من بالشام، فقطع
المفاوز على برية السماوة، فأمره الصديق على الامراء كلهم،
وحاصروا دمشق، وتوفي أبو بكر.
فبادر عمر بعزل خالد، واستعمل على الكل أبا عبيدة، فجاءه
التقليد، فكتمه مدة، وكل هذا من دينه ولينه وحلمه، فكان
فتح دمشق (5) على يده، فعند ذلك أظهر التقليد، ليعقد
__________
= انتهينا إلى البحر، فإذا حوت مثل الظرب، فأكل منه ذلك
الجيش ثماني عشرة ليلة ثم أمر أبو عبيدة بضلعين من أضلاعه
فنصبا، ثم أمر براحلة فرحلت ثم مرت تحتهما فلم تصبهما "
وأخرجه البخاري (2983) في الجهاد: باب حمل الزاد على
الرقاب مختصرا.
و (4360) و (4361) و (4362) في المغازي: باب غزوة سيف
البحر.
وفي الاخيرة تسمية الحوت بالعنبر و (5493) و (5494) في
الذبائح والصيد.
ومسلم (1935) في الصيد: باب، إباحة ميتات البحر.
والترمذي (2477) في القيامة: باب ما لاقاه صلى الله عليه
وسلم في أول أمره، والنسائي 7 / 207 - 209 في الصيد: باب
ميتة البحر، وابن ماجه (4159) في الزهد: باب معيشة أصحاب
النبي، صلى الله عليه وسلم.
وانظر ابن هشام 2 / 632 - 633.
(1) تحرفت في المطبوع إلى " أمر " (2) انظر الطبري 7 / 417
- 419، و " الكامل " في التاريخ 2 / 498 - 500، و " تاريخ
دمشق " لابن عساكر 1 / 478.
(3) انظر الطبري 3 / 433 - 443، و " الكامل " في التاريخ 2
/ 429 وابن عساكر 1 / 478، وفحل: بكسر الفاء وسكون الحاء،
وانظر معجم البلدان.
(4) انظر الطبري 3 / 391 - 410، و " الكامل " في التاريخ 2
/ 427، وابن عساكر 1 / 478.
ومرج الصفر: مرج جنوبي دمشق بين الكسوة وغباغب.
(5) انظر الطبري الجزء 3 / " فتح دمشق "، " الكامل " في
التاريخ 2 / 477 وابن عساكر 1 / 493.
(*)
(1/21)
الصلح للروم، ففتحوا له باب الجابية صلحا، وإذا بخالد قد
افتتح البلد عنوة من الباب الشرقي، فأمضى لهم أبو عبيدة
الصلح.
فعن المغيرة: أن أبا عبيدة صالحهم على أنصاف كنائسهم
ومنازلهم، ثم كان أبو عبيدة رأس الاسلام يوم وقعة اليرموك،
التي استأصل الله فيها جيوش الروم، وقتل منهم خلق عظيم.
روى ابن المبارك في " الزهد " له، قال أنبأنا عبد الحميد
بن بهرام، عن شهر بن حوشب، قال: حدثني عبد الرحمن بن غنم،
عن حديث الحارث بن عميرة قال: أخذ بيدي معاذ بن جبل،
فأرسله إلى أبي عبيدة، فسأله كيف هو ! وقد طعنا، فأراه أبو
عبيدة طعنة، خرجت في كفه، فتكاثر شأنها في نفس الحارث،
وفرق منها حين رآها، فأقسم أبو عبيدة بالله: ما يحب أن له
مكانها حمر النعم (1).
وعن الاسود: عن عروة: أن وجع عمواس كان معافى منه أبو
عبيدة وأهله، فقال: اللهم نصيبك في آل أبي عبيدة ! قال:
فخرجت بأبي عبيدة في خنصره بثرة، فجعل ينظر إليها، فقيل
له: إنها ليست بشئ.
فقال: أرجو أن يبارك الله فيها، فإنه إذا بارك في القليل
كان كثيرا (2).
الوليد بن مسلم: حدثني أبو بكر بن أبي مريم، عن صالح بن
أبي المخارق قال: انطلق أبو عبيدة من الجابية إلى بيت
المقدس للصلاة،
__________
(1) وأخرجه الطبراني في الكبير برقم (364)، والحاكم 3 /
263 ورجاله ثقات، سوى شهر فإنه مختلف فيه.
وانظر الصفحة (458).
(2) سنده منقطع.
(*)
(1/22)
فاستخلف على الناس معاذ بن جبل (1).
قال الوليد: فحدثني من سمع عروة بن رويم قال: فأدركه أجله
بفحل، فتوفي بها بقرب بيسان (2).
طاعون عمواس منسوب إلى قرية عمواس، وهي بين الرملة وبين
بيت المقدس، وأما الاصمعي فقال (3): هو من قولهم زمن
الطاعون: غم وآسى.
قال أبو حفص الفلاس: توفي أبو عبيدة في سنة ثمان عشرة، وله
ثمان وخمسون سنة، وكان يخضب بالحناء، والكتم (4)، وكان له
عقيصتان.
وقال كذلك في وفاته جماعة، وانفرد ابن عائذ، عن أبي مسهر
أنه قرأ في كتاب يزيد ابن عبيدة، أن أبا عبيدة توفي سنة
سبع عشرة.
2 - طلحة بن عبيدالله *
(ع) ابن عثمان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب
بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة، القرشي
التيمي المكي، أبو محمد.
__________
(1) و (2) هما في " الاصابة " 5 / 289.
(3) في الاصل: " الاصغر " وهو خطأ، والصواب ما أثبتناه،
ولم يفطن له محقق المطبوع وانظر " معجم ما استعجم " ص:
971.
(4) الكتم: نبت فيه حمرة يخلط بالوسمة، ويختضب به للسواد.
(*) مسند أحمد: 1 / 160 - 164، الزهد لاحمد بن حنبل: 145،
ابن هشام: 2 / 80، طبقات ابن سعد: 3 / 1 / 152 - 161،
طبقات خليفة: 18، 189، تاريخ خليفة: 181، المحبر: 355،
التاريخ الصغير: 1 / 75، المعارف: 228 - 234، ذيل المذيل:
11، الجرح والتعديل: 4 / 471، مشاهير علماء الامصار: ت: 8،
البدء والتاريخ: 5 / 82، المعجم الكبير للطبراني: 1 / 68 -
77، = (*)
(1/23)
أحد العشرة المشهود لهم بالجنة.
له عدة أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وله في
" مسند بقي بن مخلد " بالمكرر ثمانية وثلاثون حديثا.
له حديثان متفق عليهما، وانفرد له البخاري بحديثين، ومسلم
بثلاثة أحاديث (1).
حدث عنه بنوه: يحيى، وموسى، وعيسى، والسائب بن يزيد، ومالك
بن أوس بن الحدثان، وأبو عثمان النهدي، وقيس بن أبي حازم،
ومالك بن أبي عامر الاصبحي، والاحنف بن قيس التميمي، وأبو
سلمة بن عبد الرحمن، وآخرون.
قال أبو عبد الله بن مندة: كان رجلا آدم، كثير الشعر، ليس
بالجعد القطط ولا بالسبط، حسن الوجه، إذا مشى أسرع، ولا
يغير شعره (2).
وقال إبراهيم بن المنذر الحزامي، عن عبد العزيز بن عمران،
حدثني
__________
= مستدرك الحاكم: 3 / 368 - 374، حلية الاولياء: 1 / 87،
الاستيعاب: 5 / 235 - 249، الجمع بين رجال الصحيحين: 230،
تاريخ ابن عساكر: 8 / 270، صفوة الصفوة: 1 / 130، جامع
الاصول: 9 / 3 - 5، أسد الغابة: 3 / 85 - 89، اللباب: 2 /
88، تهذيب الاسماء واللغات: 1 / 251، الرياض النضرة: 2 /
249، تهذيب الكمال: 628، دول الاسلام: 1 / 30 - 31، تاريخ
الاسلام: 2 / 163، العبر: 1 / 37، مجمع الزوائد: 9 / 147 -
150، العقد الثمين: 5 / 68 - 69، طبقات القراء: 1 / 342،
تهذيب التهذيب: 5 / 20، الاصابة: 5 / 232 - 235، خلاصة
تذهيب الكمال: 180، كنز العمال: 13 / 198 - 204، شذرات
الذهب: 1 / 42 - 43، تهذيب تاريخ ابن عساكر: 7 / 74 - 90،
رغبة الآمل: 3 / 16.
(1) ستأتي خلال الترجمة.
(2) هو في " الطبقات لابن سعد 3 / 1 / 156، وعند الطبراني
في " الكبير " (191).
(*)
(1/24)
إسحاق بن يحيى، حدثني موسى بن طلحة قال: كان أبي أبيض يضرب
إلى
الحمرة، مربوعا، إلى القصر هو أقرب، رحب الصدر، بعيد ما
بين المنكبين، ضخم القدمين، إذا التفت التفت جميعا (1).
قلت: كان ممن سبق إلى الاسلام (2)، وأوذي في الله، ثم
هاجر، فاتفق أنه غاب عن وقعة بدر في تجارة له بالشام (3)
وتألم لغيبة، فضرب له رسول الله صلى الله عليه وسلم بسهمه
وأجره (4).
قال أبو القاسم بن عساكر الحافظ في ترجمته: كان مع عمر لما
قدم الجابية، وجعله على المهاجرين.
وقال غيره: كانت يده شلاء مما وقى بها رسول الله صلى الله
عليه وسلم يوم أحد.
الصلت بن دينار: عن أبي نضرة، عن جابر قال، قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: " من
__________
(1) أخرجه الحاكم 3 / 370، والطبراني (191)، وهو في "
الاصابة " 5 / 232.
(2) انظر " تاريخ الطبري " 2 / 317.
(3) قال ابن سعد في " الطبقات " 3 / 1 / 154: لما تحين
رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصول عير قريش من الشام،
بعث طلحة بن عبيدالله، وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل، قبل
خروجه من المدينة بعشر ليال، يتحسسان خبر العير، فخرجا حتى
بلغا الحوراء.
فلم يزالا مقيمين هناك حتى مرت بهما العير، وبلغ رسول الله
صلى الله عليه وسلم، الخبر، قبل رجوع طلحة وسعيد إليه..."
والمؤلف سيذكر ذلك ص 136 فانظره وانظر الطبري 2 / 478، و "
الاستيعاب " 5 / 237، وابن هشام 1 / 683، و " المستدرك "
للحاكم 3 / 369.
(4) أخرجه الحاكم في " المستدرك " 3 / 368، والطبراني في "
الكبير " (189) من طريق، ابن لهيعة، عن أبي الاسود، عن
عروة بن الزبير، قال: طلحة بن عبيدالله بن عثمان، بن عمرو،
بن كعب، بن سعد، بن تيم، بن مرة، كان بالشام فقدم، وكلم
رسول الله صلى الله عليه وسلم في سهمه فضرب له سهمه.
قال: وأجري يا رسول الله ؟ قال: وأجرك.
وهو على إرساله ضعيف لضعف ابن لهيعة.
وأخرجه الحاكم أيضا من طريق موسى بن عقبة، عن ابن شهاب
الزهري...وانظر ما سبقه.
(*)
(1/25)
أراد أن ينظر إلى شهيد يمشي على رجليه، فلينظر إلى طلحة بن
عبيدالله " (1).
أخبرنيه الابرقوهي، أنبأنا ابن أبي الجود، أنبأنا ابن
الطلابة، أنبأنا عبد العزيز الانماطي، أنبأنا أبو طاهر
المخلص، حدثنا البغوي، حدثنا داود بن رشيد (2)، حدثنا مكي،
حدثنا الصلت.
وفي جامع أبي عيسى بإسناد حسن، أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم قال يوم أحد: " أوجب طلحة " (3).
قال ابن أبي خالد عن قيس قال: رأيت يد طلحة التي وقى بها
النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد شلاء.
أخرجه البخاري (4).
__________
(1) إسناده ضعيف جدا لان الصلت بن دينار متروك كما في "
التقريب " وهو في " مسند الطيالسي " (1793).
وأخرجه ابن ماجه (125) من طريق: وكيع، عن الصلت بن دينار،
عن أبي نضرة، عن جابر...وأخرجه الترمذي (3740) من طريق:
صالح بن موسى الطلحي، عن الصلت بن دينار، عن أبي نضرة، عن
جابر.
وصالح بن موسى متروك كالصلت.
وأخرجه الترمذي (3742)، وأبو يعلى في " مسنده " ورقة 45 /
1، والضياء المقدسي في " المختارة 1 / 278 من طريق طلحة بن
يحيى، عن موسى وعيسى ابني طلحة عن أبيهما طلحة: أن أصحاب
رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قالوا لاعرابي جاهل: سله
عمن قضى نحبه من هو ؟ وكانوا لا يجترئون على مسألته،
يوقرونه ويهابونه.
فسأل الاعرابي، فأعرض عنه ثم سأله، فأعرض عنه.
ثم إني طلعت من باب المسجد، وعلي ثياب خضر، فلما رآني رسول
الله صلى الله عليه وسلم، قال: أين السائل عمن قضى نحبه ؟
قال: أنا يا رسول الله، قال: هذا ممن قضى نحبه " وحسنه
الترمذي.
وهو كما قال.
وله شاهد مرسل عند ابن سعد 3 / 1 / 156.
(2) في الاصل: رشد وهو خطأ.
(3) أخرجه الترمذي (3739) في المناقب: باب مناقب طلحة و
(1692) في الجهاد، وأحمد
1 / 165، وابن سعد 3 / 1 / 155 والحاكم 3 / 374 وصححه
ووافقه الذهبي.
وسنده حسن.
وهو في " الاصابة " 5 / 233 و " الاستيعاب " 5 / 238، و "
تاريخ الطبري " 2 / 522، وانظر " الكامل " في التاريخ لابن
الاثير 2 / 158.
(4) أخرجه البخاري (3724) في فضائل الصحابة و (4063) في
المغازي، باب: غزوة أحد.
وأحمد 1 / 161، وابن ماجه (128) في المقدمة، والطبراني في
" الكبير " (192)، وابن سعد 3 / 1 / 155، وهو في "
الاستيعاب " 5 / 238.
(*)
(1/26)
وأخرج النسائي من حديث يحيى بن أيوب وآخر، عن عمارة بن
غزية، عن أبي الزبير، عن جابر قال: لما كان يوم أحد، وولى
الناس، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في ناحية في اثني
عشر رجلا، منهم طلحة، فأدركهم المشركون، فقال النبي صلى
الله عليه وسلم: من للقوم ؟ قال طلحة: أنا، قال: كمان أنت.
فقال رجل: أنا.
قال: أنت، فقاتل حتى قاتل، ثم [ التفت ] فإذا (1)
المشركون، فقال: من لهم ؟ قال طلحة: أنا.
قال: كما أنت، فقال، رجل من الانصار: أنا، قال: أنت.
فقاتل حتى قتل، فلم يزل كذلك حتى بقي مع نبي الله طلحة،
فقال: من للقوم ؟ قال طلحة: أنا، فقاتل طلحة، قتال الاحد
عشر، حتى قطعت أصابعه، فقال: حسن، فقال، رسول الله صلى
الله عليه وسلم: " لو قلت: باسم الله لرفعتك الملائكة،
والناس ينظرون " ثم رد الله المشركين (2).
رواته ثقات.
أخبرنا أبو المعالي بن أبي عصرون الشافعي، أنبأنا
عبدالمعزبن محمد، في كتابه، أنبأنا تميم بن أبي سعيد،
أنبأنا محمد بن عبد الرحمن، أنبأنا محمد ابن أحمد، أنبأنا
أحمد (3) بن علي التميمي، حدثنا محمد بن أبي بكر المقدمي،
وعبد الاعلى، قالا: حدثنا المعتمر، سمعت أبي، حدثنا أبو
عثمان
__________
(1) ما بين الحاصرتين من النسائي، وفي المطبوع " ثم آذى
المشركون ".
(2) أخرجه النسائي 6 / 29 - 30 في الجهاد: باب ما يقول من
يطعنه العدو.
ورجاله ثقات.
إلا أن أبا الزبير مدلس وقد عنعن.
وأخرج الحاكم معناه في " المستدرك " 3 / 369 في خبر مطول
من طريق آخر، والبيهقي في " شعب الايمان "، وانظر " سيرة
ابن كثير " 3 / 51 والخبر عند ابن سعد 3 / 1 / 154، وفي "
الاصابة " 5 / 234.
(3) تحرف في المطبوع إلى " محمد ".
(*)
(1/27)
قال: لم يبق مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في تلك
الايام التي كان يقاتل بها رسول الله غير طلحة وسعد عن
حديثهما (1).
أخرجه الشيخان عن المقدمي.
وبه إلى التميمي: حدثنا أبو كريب، حدثنا يونس بن بكير، عن
طلحة بن يحيى، عن موسى وعيسى ابني طلحة، عن أبيهما أن
أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا لاعرابي جاء
يسأله عمن قضى نحبه: من هو، وكانوا لا يجترؤون على مسألته
صلى الله عليه وسلم، يوقرونه ويهابونه، فسأله الاعرابي،
فأعرض عنه، ثم سأله، فأعرض عنه، ثم إني اطلعت من باب
المسجد - وعلي ثياب خضر - فلما رآني رسول الله صلى الله
عليه وسلم قال: " أين السائل عمن قضى نحبه ؟ " قال
الاعرابي: أنا.
قال: " هذا ممن قضى نحبه (2) ".
وأخرجه الطيالسي في مسنده من حديث معاوية.
قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " طلحة ممن
قضى نحبه " (3).
__________
(1) أخرجه البخاري (3723) في الفضائل، و (4060) و (4061)
في المغازي، باب: غزوة أحد.
ومسلم (2414) في الفضائل.
وقوله " عن حديثهما " يريد أنهما حدثان.
وانظر " سيرة ابن كثير " 3 / 52.
(2) أخرجه الترمذي (3742) في المناقب وقال: حسن غريب.
والطبراني في " الكبير " (217)، وابن سعد 3 / 1 / 156
وسنده حسن، وانظر الصفحة 26 التعليق (1).
(3) الحديث لم يروه الطيالسي في " مسنده " من حديث معاوية
كما قال " المصنف " وإنما هو عنده من حديث جابر 2 / 146.
وأخرجه من حديث معاوية، الترمذي (3740) في المناقب، وابن
ماجه (126) و (127) في المقدمة، وسنده ضعيف لضعف إسحاق بن
يحيى بن طلحة التيمي.
(*)
(1/28)
وفي " صحيح مسلم " من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم، كان على حراء هو، وأبو بكر، وعمر، وعثمان،
وعلي، وطلحة والزبير، فتحركت الصخرة، فقال رسول الله: "
اهدا ! فما عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد " (1).
سويد بن سعيد: حدثنا صالح بن موسى، عن معاوية بن إسحاق، عن
عائشة بنت طلحة، عن عائشة، قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: " من سره أن ينظر إلى رجل يمشي على الارض قد قضى
نحبه، فلينظر إلى طلحة (2).
قال الترمذي: حدثنا أبو سعيد الاشجع، حدثنا أبو عبد الرحمن
نضر بن منصور، حدثنا عقبة بن علقمة اليشكري، سمعت عليا يوم
الجمل يقول: سمعت من في (3) رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول: " طلحة والزبير جاراي في الجنة (4).
وهكذا رواه ابن زيدان البجلي، وأبو بكر الجارودي، عن
الاشجع، وشذ أبو يعلى الموصلي، فقال عن نضر، عن أبيه، عن
عقبة.
__________
(1) أخرجه مسلم (2417) في الفضائل، والترمذي (3698) في
المناقب: باب مناقب عثمان.
(2) إسناده ضعيف لعضف صالح بن موسى.
قال ابن معين: ليس بشئ ولا يكتب حديثه.
وقال البخاري: منكر الحديث.
وضعفه النسائي، وأبو حاتم والجوزجاني، وابن عدي، وابن
حبان، وقال النسائي في رواية: متروك.
وأخرجه ابن سعد 3 / 1 / 155.
وذكره الهيثمي في " المجمع " 9 / 148 ونسبه إلى أبي يعلى،
وإلى الطبراني في الاوسط، وقال: وفيه صالح بن موسى وهو
متروك.
وهو في " المطالب العالية " (4014) ونسبه الحافظ إلى أبي
يعلى.
(3) سقطت لفظة " في " من المطبوع.
(4) إسناده ضعيف لضعف أبي عبد الرحمن نضر بن منصور، وشيخه
عقبة بن علقمة.
وأخرجه الترمذي (3741) في المناقب، باب: مناقب طلحة، وقال:
حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه.
والحاكم 3 / 364 وصححه، وتعقبه الذهبي بقوله: لا.
وهو في " أسد الغابة " 3 / 87 وقد تصحف اسم النضر في
الموضعين في المطبوع إلى " نصر ".
(*)
(1/29)
دحيم: حدثنا محمد بن طلحة، عن موسى بن محمد، عن أبيه، عن
سلمة ابن الاكوع قال: ابتاع طلحة بئرا بناحية الجبل، ونحر
جزورا، فأطعم الناس، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "
أنت طلحة الفياض " (1).
سليمان بن أيوب بن عيسى بن موسى بن طلحة: حدثني أبي (2)،
عن جدي، عن موسى بن طلحة، عن أبيه قال: لما كان يوم أحد،
سماه النبي صلى الله عليه وسلم طلحة الخير.
وفي غزوة [ ذي ] العشيرة (3)، طلحة الفياض.
ويوم خيبر، طلحة الجود (4) إسناده لين.
قال مجالد، عن الشعبي، عن قبيصة بن جابر قال: صحبت طلحة،
فما رأيت أعطى لجزيل مال من غير مسألة منه (5) أبو إسماعيل
الترمذي: حدثنا سليمان بن أيوب بن سليمان بن عيسى بن موسى،
حدثني أبي، عن جدي، عن موسى، عن أبيه، أنه أتاه مال من
__________
(1) إسناده ضعيف لضعف موسى بن محمد.
وقد ذكره الهيثمي في " المجمع " 9 / 148 وقال: رواه
الطبراني وفيه موسى بن محمد بن إبراهيم وهو مجمع على ضعفه.
وهو في " الاستيعاب " 5 / 235، وفي الاصابة " 5 / 232 (2)
" حدثني أبي " سقطت من المطبوع.
(3) في الاصل: غزوة العسرة وهو خطأ، وقد تحرفت في المطبوع
إلى " العمرة " وما أثبتناه من الطبراني، وقد قال بعد
رواية الحديث: بالسين والشين جميعا، فبالسين من العسرة،
وبالشين موضع.
وقد غزا النبي، صلى الله عليه وسلم ذا العشيرة، وهي من
ناحية ينبع، بين مكة والمدينة.
(4) أخرجه الطبراني في " الكبير " (197) و (218)، والحاكم
3 / 374، وذكره الهيثمي في المجمع 9 / 147 ونسبه إلى
الطبراني وقال: وفيه من لم أعرفهم.
وسليمان بن أيوب الطلحي وثق وضعف.
وعند الحاكم والطبراني " ويوم حنين " بدل " ويوم خيبر ".
(5) أخرجه ابن سعد 3 / 1 / 157، والطبراني في " الكبير "
(194)، وأبو نعيم في " الحلية " 1 / 88.
وهو في " الاصابة " 5 / 235.
(*)
(1/30)
حضر موت سبع مئة ألف، فبات ليلته يتململ.
فقالت له زوجته: مالك ؟ قال: تفكرت منذ الليلة، فقلت: ما
ظن رجل بربه يبيت وهذا المال في بيته ؟ قالت: فأين أنت عن
بعض أخلائك فإذا أصبحت، فادع بجفان وقصاع فقسمه.
فقال لها: رحمك الله، إنك موفقة بنت موفق، وهي أم كلثوم
بنت الصديق، فلما أصبح، دعا بجفان، فقسمها بين المهاجرين
والانصار، فبعث إلى علي منها بجفنة، فقالت له زوجته: أبا
محمد ! أما كان لنا في هذا المال من نصيب ؟ قال: فأين كنت
منذ اليوم ؟ فشأنك بما بقي.
قالت: فكانت صرة فيها نحو ألف درهم.
أخبرنا المسلم بن علان، وجماعة، كتابة، قالوا: أنبأنا عمر
بن محمد،
أنبأنا هبة الله بن الحصين، أنبأنا ابن غيلان، أنبأنا أبو
بكر الشافعي، حدثنا إبراهيم الحربي، حدثنا عبد الله بن
عمر، حدثنا محمد بن يعلى، حدثنا الحسن بن دينار، عن علي بن
زيد قال: جاء أعرابي إلى طلحة يسأله، فتقرب إليه برجم
فقال: إن هذه لرحم ما سألني بها أحد قبلك، إن لي أرضا قد
أعطاني بها عثمان ثلاث مئة ألف، فاقبضها، وإن شئت بعتها من
عثمان، ودفعت إليك الثمن، فقال: الثمن.
فأعطاه.
الكديمي (1)، حدثنا الاصمعي، حدثنا ابن عمران قاضي
المدينة، أن طلحة فدى عشرة من أسارى بدر بماله، وسئل مرة
برحم، فقال: قد بعت لي حائطا بسبع مئة ألف، وأنا فيه
بالخيار.
فإن شئت، خذه، وإن شئت، ثمنه.
إسناده منقطع مع ضعف الكديمي.
__________
(1) الكديمي: هو محمد بن يونس بن موسى الكديمي البصري، أحد
المتروكين مترجم في " الميزان " 4 / 74، وقد تحرف في
المطبوع إلى " الكريمي " بالراء.
(*)
(1/31)
قال ابن سعد: أنبأنا سعيد بن منصور، حدثنا صالح بن موسى،
عن معاوية ابن إسحاق، عن عائشة وأم إسحاق بنتي طلحة قالتا:
جرح أبونا يوم أحد أربعا وعشرين جراحة، وقع منها في رأسه
شجة مربعة، وقطع نساه - يعني العرق -، وشلت أصبعه، وكان
سائر الجراح في جسده، وغلبه الغشي، ورسول الله صلى الله
عليه وسلم مكسورة رباعيته، مشجوج في وجهه، قد علاه الغشي،
وطلحة محتمله، يرجع به القهقرى، كلما أدركه أحد من
المشركين، قاتل دونه، حتى أسنده إلى الشعب (1).
ابن عيينة، عن طلحة بن يحيى، حدثتني جدتي سعدى بنت عوف
المرية قالت: دخلت على طلحة يوما وهو خاثر (2)، فقلت: ما
لك ؟ لعل رابك من
أهلك شئ ؟ قال: لا والله، ونعم حليلة المسلم أنت، ولكن مال
عندي قد غمني.
فقلت: ما يغمك ؟ عليك بقومك، قال: يا غلام ! ادع لي قومي
فقسمه فيهم، فسألت الخازن: كم أعطى ؟ قال: أربع مئة ألف
(3).
هشام وعوف، عن الحسن البصري أن طلحة بن عبيدالله باع أرضا
له بسبع مئة ألف.
فبات أرقا من مخافة ذلك المال، حتى أصبح ففرقه.
محمد بن سعد: حدثنا محمد بن عمر، حدثنا موسى بن محمد بن
إبراهيم التيمي، عن أبيه قال: كان طلحة يغل بالعراق أربع
مئة ألف، ويغل بالسراة (4)
__________
(1) هو في " الطبقات " 3 / 1 / 155.
(2) يقال: هو خاثر النفس: أي: ثقيلها، غير نشيط.
(3) أخرجه الفسوي مطولا في " المعرفة والتاريخ " 1 / 458،
والطبراني في " الكبير " (195) وأبو نعيم في " الحلية " 1
/ 88، وهو عند ابن سعد 3 / 1 / 157.
وذكره الهيثمي في " المجمع " 9 / 148 وقال: رواه الطبراني،
ورجاله ثقات.
(4) يقال: سراة الطريق: متنه ومعظمه.
وقال الاصمعي: الطود: جبل مشرف على عرفة ينقاد = (*)
(1/32)
عشرة آلاف دينار أو [ أقل أو ] أكثر، [ وبالاعراض (1) له
غلات ] وكان لا يدع أحدا من بني تيم عائلا إلا كفاه، وقضى
دينه، ولقد كان يرسل إلى عائشة [ إذا جاءت غلته ] كل سنة
بعشرة آلاف، ولقد قضى عن فلان (2) التيمي ثلاثين ألفا (3).
قال الزبير بن بكار: حدثني عثمان بن عبد الرحمن أن طلحة بن
عبيدالله قضى عن عبيدالله بن معمر، و عبد الله بن عامر بن
كريز ثمانين ألف درهم.
قال الحميدي: حدثنا ابن عيينة، حدثنا عمرو بن دينار،
أخبرني مولى لطلحة قال: كانت غلة طلحة كل يوم ألف واف (4).
قال الواقدي: حدثنا إسحاق بن يحيى، عن موسى بن طلحة أن
معاوية
سأله: كم ترك أبو محمد من العين، قال: ترك ألفي ألف درهم
ومئتي ألف درهم، ومن الذهب مئتي ألف دينار، فقال معاوية:
عاش حميدا سخيا
__________
= إلى صنعاء يقال له: السراة: وإنما سمي بذلك لعلوه.
وقال قوم: الحجاز هو وجبال تحجز بين تهامة ونجد يقال
لاعلاها السراة.
وقال الحازمي: السراة: الجبال والارض الحاجزة بين تهامة
واليمن ولها سعة.
انظر " معجم البلدان " 3 / 204.
(1) أعراض المدينة: قراها التي في أوديتها.
وقال شمر: أعراض المدينة بطون سوادها حيث الزروع والنخل.
وقال غيره: كل واد فيه شجر فهو عرض بكسر أوله وسكون ثانيه،
وآخره ضاد معجمة.
انظر " معجم البلدان " 4 / 102.
(2) عند ابن سعد " صبيحة التيمي ".
(3) اخرجه ابن سعد 3 / 1 / 157 - 158، ومحمد بن عمر هو
الواقدي متروك.
(4) أخرجه ابن سعد 3 / 1 / 158، وأخرجه الطبراني في "
الكبير " (196) وأبو نعيم في " الحلية " 1 / 88 مرسلا عن
عمرو بن دينار.
وقد ذكره الهيثمي في " المجمع " 9 / 148 وقال: رواه
الطبراني ورجاله ثقات إلا أنه مرسل.
والوافي: درهم وأربعة دوانق.
(*)
(1/33)
شريفا، وقتل فقيد (1) رحمه الله (2).
وأنشد الرياشي لرجل من قريش: أيا سائلي عن خيار العباد *
صادفت ذا العلم والخبره خيار العباد جميعا قريش * وخير
قريش ذوو الهجره وخير ذوي الهجرة السابقون * ثمانية وحدهم
نصره علي وعثمان ثم الزبير * وطلحة واثنان من زهره وبران
قد جاورا أحمدا * وجاور قبرهما قبره فمن كان بعدهم فاخرا *
فلا يذكرن بعدهم فخره
يحيى بن معين: حدثنا هشام بن يوسف، عن عبد الله بن مصعب،
أخبرني موسى بن عقبة، سمعت علقمة بن وقاص الليثي قال: لما
خرج طلحة والزبير وعائشة للطلب بدم عثمان، عرجوا عن
منصرفهم بذات عرق، فاستصغروا عروة بن الزبير، وأبا بكر بن
عبد الرحمن فردوهما، قال: ورأيت طلحة، وأحب المجالس إليه
أخلاها، وهو ضارب بلحيته على زوره، فقلت: يا أبا محمد !
إني أراك وأحب المجالس إليك أخلاها، إن كنت تكره هذا
الامر، فدعه، فقال: يا علقمة ! لا تلمني، كنا أمس يدا
واحدة على من سوانا، فأصبحنا اليوم جبلين من حديد، يزحف
أحدنا إلى صاحبه، ولكنه كان مني شئ في أمر عثمان، مما لا
أرى كفارته إلا سفك دمي، وطلب دمه (3).
__________
(1) كذا الاصل، فقيدا، وهو الصواب لكن محقق المطبوع حذفها،
وأثبت " فقيرا " مع أن في الخبر نفسه ما يدل على أنه كان
من الاغنياء جدا (2) أخرجه ابن سعد مطولا 3 / 1 / 158
والواقدي متروك.
(3) أخرجه الحاكم 3 / 372، وفيه " في طلب دمه " بدل " وطلب
دمه " وسكت الحاكم عنه.
ولكن الذهبي قال في مختصره: سنده جيد.
وهو كما قال.
فإن عبد الله بن مصعب ترجمة بن أبي حاتم وقال: هو بابة عبد
الرحمن بن أبي الزناد.
وباقي رجاله ثقات.
وقوله: " عرجوا عن منصرفهم، في " المستدرك ": " عرضوا من
معهم ".
(*)
(1/34)
قلت: الذي كان منه في حق عثمان تمغفل وتأليب، فعله
باجتهاد، ثم تغير عند ما شاهد مصرع عثمان، فندم على ترك
نصرته رضي الله عنهما، وكان طلحة أول من بايع عليا، أرهقه
قتلة عثمان، وأحضروه حتى بايع.
قال البخاري: حدثنا موسى بن أعين، حدثنا أبو عوانة، عن
حصين في حديث عمرو بن جاوان، قال: التقى القوم يوم الجمل،
فقام كعب بن سور
معه المصحف، فنشره بين الفريقين، وناشدهم الله والاسلام في
دمائهم، فما زال حتى قتل.
وكان طلحة من أول قتيل (1).
وذهب الزبير ليلحق ببنيه، فقتل (2).
يحيى القطان: عن عوف، حدثني أبو رجاء قال: رأيت طلحة على
دابته وهو يقول: أيها الناس أنصتوا، فجعلوا يركبونه ولا
ينصتون، فقال: أف ! فراش النار، وذباب طمع (3).
قال ابن سعد: أخبرني من سمع إسماعيل بن أبي خالد، عن حكيم
بن جابر قال: قال طلحة: إنا داهنا في أمر عثمان، فلا نجد
اليوم أمثل من أن نبذل دماءنا فيه، اللهم خذ لعثمان مني
اليوم حتى ترضى (4).
وكيع: حدثنا إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس قال: رأيت مروان
بن الحكم حين رمى طلحة يومئذ بسهم، فوقع في ركبته، فما زال
ينسح حتى
__________
(1) كذا الاصل " من أول قتيل " وهو مستقيم، وهو كذلك في "
التاريخ الصغير " وزيد في المطبوع لفظة " من " ولم ترد في
الاصل، وغيرت لفظة " قتيل " إلى " قتل ".
(2) أورده البخاري في " التاريخ الصغير " 1 / 75 وفيه موسى
بن أعين، وعمرو بن جاوان لم يوثقه غير ابن حبان.
(3) رجاله ثقات.
وقد تحرفت في المطوع " ذباب إلى " ذئاب ".
(4) أورده ابن سعد في " الطبقات " 3 / 1 / 158.
وفي سنده جهالة الواسطة بين ابن سعد، وإسماعيل بن أبي
خالد.
(*)
(1/35)
مات (1).
رواه جماعة عنه، ولفظ عبد الحميد بن صالح عنه: هذا أعان
على عثمان ولا أطلب بثأري بعد اليوم (2).
قلت: قاتل طلحة في الوزر، بمنزلة قاتل علي.
قال خليفة بن خياط: حدثنا من سمع جويرية بن أسماء، عن يحيى
بن سعيد، عن عمه، أن مروان رمى طلحة بسهم، فقتله، ثم التفت
إلى أبان، فقال: قد كفيناك بعض قتلة أبيك (3).
هشيم: عن مجالد، عن الشعبي قال: رأى علي طلحة في واد ملقى،
فنزل، فمسح التراب عن وجهه، وقال: عزيز علي أبا محمد بأن
أراك مجدلا في الاودية تحت نجوم السماء، إلى الله أشكو
عجري وبجري.
قال الاصمعي: معناه: سرائري وأحزاني التي تموج في جوفي.
عبد الله بن إدريس: عن ليث، عن طلحة بن مصرف أن عليا إنتهى
إلى طلحة وقد مات، فنزل عن دابته وأجلسه، ومسح الغبار عن
وجهه ولحيته،
__________
(1) إسناده صحيح.
أخرجه ابن سعد 3 / 1 / 159 مطولا، والحاكم 3 / 370.
والطبراني في " الكبير " برقم (201) وذكره الهيثمي في "
المجمع " 9 / 150 وقال: ورجاله رجال الصحيح وفيه عندهما "
يسيح " بدل " ينسح "، وأورده الحافظ في " الاصابة " 5 /
235 وقال: سنده صحيح.
(2) أخرجه خليفة بن خياط في تاريخه ص: 181 من طريق: معاذ
بن هشام، عن أبيه، عن قتادة، عن الجارود، عن أبي سيرة،
قال: نظر مروان بن الحكم إلى طلحة بن عبيدالله يوم الجمل،
فقال: لا أطلب بثأري بعد اليوم، فرماه بسهم فقتله "
وإسناده صحيح كما قال الحافظ في " الاصابة " 5 / 235.
ووقعة الجمل كانت سنة (36) بالبصرة، والخبر في " الاستيعاب
" 5 / 243.
(3) أخرجه خليفة بن خياط ص: 181، والحاكم 3 / 371 من طريق:
الحسين بن يحيى المروزي، عن غالب بن حليس الكلبي أبي
الهيثم، عن جويرية بن أسماء، عن يحيى بن سعيد، حدثنا
عمي...وانظر " لاستيعاب " 5 / 244.
(*)
(1/36)
وهو يترحم عليه، وقال: ليتني مت قبل هذا اليوم بعشرين سنة
(1).
مرسل.
وروى زيد بن أبي أنيسة، عن محمد بن عبد الله من الانصار،
عن أبيه أن عليا قال: بشروا قاتل طلحة بالنار.
أخبرنا ابن أبي عصرون، عن أبي روح، أنبأنا تميم، حدثنا أبو
سعد، أبنأنا ابن حمدان، أنبأنا أبو يعلى، حدثنا عمرو
الناقد، حدثنا الخضر بن محمد الحراني، حدثنا محمد بن سلمة،
عن ابن إسحاق، عن محمد بن إبراهيم التيمي.
عن مالك بن أبي عامر، قال: جاء رجل إلى طلحة فقال: أرأيتك
هذا اليماني هو (2) أعلم بحديث رسول الله منكم - يعني أبا
هريرة - نسمع منه أشياء لا نسمعها منكم، قال: أما أن قد
سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم نسمع، فلا أشك،
وسأخبرك: إنا كنا أهل بيوت، وكنا إنما نأتي رسول الله غدوة
وعشية، وكان مسكينا لا مال له، إنما هو على باب رسول الله،
فلا أشك أنه قد سمع ما لم نسمع، وهل تجد أحدا فيه خير يقول
على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يقل ؟ (3).
وروى مجالد، عن الشعبي، عن جابر أنه سمع عمر يقول لطلحة:
ما لي
__________
(1) هو على إرساله ضعيف لضعف ليث، ومع ذلك فقد حسن الهيثمي
إسناده في " المجمع " 9 / 150.
وهو في " المستدرك " 3 / 372، والطبراني (202).
وأخرجه الطبراني (203) عن قيس بن عبادة قال: سمعت عليا،
رضي الله عنه، يوم الجمل يقول لابنه الحسن: يا حسن ! وددت
أني كنت مت مذ عشرين سنة.
ورجاله ثقات.
وقال الهيثمي في " المجمع " 9 / 150: وإسناده جيد.
(2) سقطت من المطبوع.
(3) رجاله ثقات، وأخرجه الترمذي (3837) من طريق: ابن
إسحاق، به...وحسنه هو والحافظ في " الفتح ".
وأخرجه ابن كثير في " البداية " 8 / 109 من طريق: علي بن
المديني، عن وهب بن جرير، عن أبيه، عن محمد بن
إسحاق...وسيأتي الخبر في ترجمة " أبي هريرة " في المجلد
الثاني ص: 436.
(*)
(1/37)
أراك شعثت واغبررت مذ توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟
لعله أن ما بك إمارة ابن عمك، يعني أبا بكر، قال: معاذ
الله، إني سمعته بقول: " إني لاعلم كلمة لا يقولها رجل
يحضره الموت، إلا وجد روحه لها روحا حين تخرج من جسده،
وكانت له نورا يوم القيامة " فلم أسأل رسول الله صلى الله
عليه وسلم عنها، ولم يخبرني بها فذاك الذي دخلني.
قال عمر: فأنا أعلمها.
قال: فلله الحمد ؟، فما هي ؟ قال: الكملة التي قالها لعمه:
صدقت (1).
أبو معاوية وغيره: حدثنا أبو مالك الاشجعي، عن أبي حبيبة
(2)، مولى لطلحة، قال: دخلت على علي مع عمران بن طلحة بعد
وقعة الجمل، فرحب به وأدناه، ثم قال: إني لارجو أن يجعلني
الله
__________
(1) مجالد فيه ضعف.
لكن الحديث صحيح.
فقد أخرجه ابن حبان رقم (2) من طريق: مسعر، عن إسماعيل بن
أبي خالد، عن الشعبي، عن يحيى بن طلحة، عن أمه سعدى المرية
قالت: مر عمر بن الخطاب بطلحة بعد وفاة رسول الله صلى الله
عليه وسلم، وهو مكتئب، فقال: أساءتك إمرة ابن عمك ؟ قال:
لا.
ولكني سمعت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يقول: " إني
لاعلم كلمة لا يقولها عبد عند موته إلا كانت له نورا
لصحيفته، وإن جسده وروحه ليجدان لها روحا عند الموت " فقبض
ولم أسأله.
فقال: " ما أعلمها إلا الكملة التي أراد عليها عمه.
ولو علم أن شيئا أنجى له منها لامره به ".
ورجاله ثقات.
وأخرجه أحمد 1 / 161 من طريق أسباط، عن مطرف، عن عامر، عن
يحيى بن طلحة، عن أبيه طلحة قال: رأى عمر طلحة بن عبيدالله
ثقيلا فقال: مالك يا أبا فلان، لعلك ساءتك إمرة ابن عمك يا
أبا فلان ؟ قال: لا.
إلا أني سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم، حديثا ما
منعني أن أسأله عنه إلا القدرة عليه حتى مات.
سمعته يقول: " إني لاعلم كلمة لا يقولها عبد عند موته إلا
أشرق لها لونه، ونفس الله عنه كربته " قال: فقال عمر رضي
الله عنه: إني لاعلم ما هي.
قال: وما هي ؟ قال: تعلم كلمة
أعظم من كلمة أمر بها عمه عند الموت ؟ لا إله إلا الله.
قال طلحة: صدقت هي والله هي وإسناده صحيح.
وصححه الحاكم 1 / 350 - 351 وواقعه الذهبي.
(2) تصحفت في المطبوع إلى " حبيشة ".
(*)
(1/38)
وأباك (1) ممن قال فيهم: (ونزعنا ما في صدورهم من غل
إخوانا على سرر متقابلين) [ الحجر: 15 ] فقال رجلان
جالسان، أحدهما الحارث الاعور: الله أعدل من ذلك أن يقبلهم
(2) ويكونوا إخواننا في الجنة، قال: قوما أبعد أرض
وأسحقها.
فمن هو إذا لم (3) أكن أنا وطلحة ! يا ابن أخي: إذا كانت
لك حاجة، فائتنا (4).
وعن أبي هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لقد
رأيتني يوم أحد، وما قربي أحد غير جبريل عن يميني، وطلحة
عن يساري (5) "، فقيل في ذلك: وطلحة يوم الشعب آسى محمدا *
لدى ساعة ضاقت عليه وسدت وقاه بكفيه الرماح فقطعت * أصابعه
تحت الرماح فشلت وكان إمام الناس بعد محمد * أقر رحا
إلاسلام حتى استقرت وعن طلحة قال: عقرت يوم أحد في جميع
جسدي حتى في ذكري.
قال ابن سعد (6)، حدثنا محمد بن عمر، حدثني إسحاق بن يحيى،
عن جدته سعدى، بنت عوف، قالت: قتل طلحة وفي يد خازنه ألف
ألف درهم (7) ومئتا
__________
(1) تحرفت في المطبوع إلى " وإياك ".
(2) في الطبري، و " طبقات ابن سعد " تقتلهم بالامس وتكونون
إخوانا ".
(3) تحرفت عند محقق المطبوع إلى " فمن هو إذا إن أكن أنا
وطلحة ".
(4) أخرجه ابن سعد 3 / 1 / 160، والطبري في " تفسيره " 14
/ 36 وانظر " تفسير ابن كثير " 4 / 164.
(5) سيأتي الحديث في الصفحة (244) تعليق رقم (3) وهو ضعيف
جدا وانظر الابيات في " كنز العمال " 13 / 203.
(6) في " الطبقات " 3 / 1 / 158.
(7) الذي في الطبقات " ألفا ألف درهم ".
(*)
(1/39)
ألف درهم، وقومت أصوله وعقاره ثلاثين ألف ألف درهم (1).
أعجب ما مربي قول ابن الجوزي في كلام له على حديث قال: وقد
خلف طلحة ثلاث مئة حمل من الذهب.
وروى سعيد بن عامر الضبعي، عن المثنى بن سعيد قال: أتى رجل
عائشة بنت طلحة فقال: رأيت طلحة في المنام، فقال: قل
لعائشة تحولني من هذا المكان ! فإن النز قد آذاني.
فركبت في حشمها، فضربوا عليه بناء واستثاروه.
قال: فلم يتغير منه إلا شعيرات في إحدى شقي لحيته، أو قال
رأسه، وكان بينهما بضع وثلاثون سنة.
وحكى المسعودي أن عائشة بنته هي التي رأت المنام.
وكان قتله في سنة ست وثلاثين في جمادى الآخرة، وقيل في
رجب، وهو ابن ثنتين، وستين سنة أو نحوها، وقبره بظاهر
البصرة (2).
قال يحيى بن بكير، وخليفة بن خياط، وأبو نصر الكلاباذي: إن
الذي قتل طلحة، مروان بن الحكم.
ولطلحة أولاد نجباء، أفضلهم محمد السجاد.
كان شابا، خيرا، عابدا، قانتا لله.
ولد في حياة النبي، صلى الله عليه وسلم، قتل يوم الجمل
أيضا، فحزن عليه علي، وقال: صرعه بره بأبيه.
__________
(1) سقط من المطبوع لفظ " ألف " الثانية.
(2) روى الطبراني في " الكبير " (199) أن طلحة قتل وسنه
أربع وستون ودفن بالبصرة في ناحية ثقيف.
ولكن في سنده الواقدي، وهو متروك وانظر " المجمع " 9 /
120.
(*)
(1/40)
3 - الزبير بن العوام
* (ع) ابن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب بن
مرة بن كعب بن لؤي بن غالب.
حواري رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وابن عمته صفية بنت
عبد المطلب، وأحد العشرة المشهود لهم بالجنة، وأحد (1)
الستة أهل الشورى، وأول من سل سيفه في سبيل الله، أبو عبد
الله رضي الله عنه، أسلم وهو حدث، له ست (2) عشرة سنة.
وروى الليث، عن أبي الاسود، عن عروة قال: أسلم الزبير، ابن
ثمان سنين، ونفحت نفحة من الشيطان أن رسول الله أخذ بأعلى
مكة، فخرج الزبير وهو غلام، ابن اثنتي عشرة سنة، بيده
السيف، فمن رآه عجب، وقال:
__________
(*) مسند أحمد: 1 / 164 - 167، الزهد لاحمد: 144، طبقات
ابن سعد: 3 / 1 / 70 - 80، نسب قريش: 20، 22، 103، 106،
طبقات خليفة: 13، 189، 291، تاريخ خليفة: 68، التاريخ
الكبير: 3 / 409، التاريخ الصغير: 1 / 75، المعارف: 219 -
227، ذيل المذيل: 11، الجرح والتعديل: 3 / 578، مشاهير
علماء الامصار: ت: 9، معجم الطبراني الكبير: 1 / 77 - 86،
مستدرك الحاكم: 3 / 359 - 368، حلية الاولياء: 1 / 89،
الاستيعاب: 4 / 308 - 320، الجمع بين رجال الصحيحين: 150،
صفوة الصفوة: 1 / 132، جامع الاصول: 9 / 5 - 10، ابن
عساكر: 6 / 172 / 1، أسد الغابة: 2 / 249 - 252، تهذيب
الاسماء واللغات: 1 / 194 - 196، الرياض النضرة: 262،
تهذيب الكمال: 429، دول الاسلام، 1 / 30 العبر: 1 / 37،
مجمع الزوائد: 9 / 150 - 153، العقد الثمين: 4 / 429،
تهذيب التهذيب، 3 / 318، الاصابة: 5 / 7 - 9، خلاصة
تذهيب الكمال: 121، تاريخ الخميس: 1 / 172، كنز العمال: 13
/ 204 - 212، شذرات الذهب: 1 / 42 - 44، خزانة الادب
للبغدادي: 2 / 468 و 4 / 350، تهذيب تاريخ ابن عساكر: 5 /
358 - 371.
تاريخ الاسلام 2 / 153 - 158.
(1) تحرفت في المطبوع إلى " أهل ".
(2) في الاصل " ستة ".
(*)
(1/41)
الغلام معه السيف، حتى أتى النبي، صلى الله عليه وسلم،
فقال: ما لك يا زبير ؟ فأخبره وقال: أتيت أضرب بسيفي من
أخذك (1).
وقد ورد أن الزبير كان رجلا طويلا (2)، إذا ركب خطت رجلاه
الارض، وكان خفيف اللحية والعارضين.
روى أحاديث يسيرة.
حدث عنه بنوه: عبد الله، ومصعب، وعروة، وجعفر، ومالك بن
أوس بن الحدثان، والاحنف بن قيس، و عبد الله بن عامر بن
كريز، ومسلم بن جندب، وأبو حكيم مولاه، وآخرون.
اتفقا له على حديثين، وانفرد له البخاري بأربعة أحاديث،
ومسلم بحديث (3).
أخبرنا المسلم بن محمد وجماعة، إذنا، قالوا: أنبأنا حنبل،
أنبأنا ابن الحصين، حدثنا ابن المذهب.
أنبأنا أبو بكر القطيعي، حدثنا عبد الله بن أحمد، حدثني
أبي (ح) وأنبأنا محمد بن عبد السلام، أنبأنا عبدالمعز بن
محمد، أنبأنا تميم، أنبأنا أبو سعد الطبيب، أنبأنا أبو
عمرو الحيري، أنبأنا أبو
__________
(1) هو في " المستدرك " 3 / 360 - 361 من طريق: ابن لهيعة،
عن أبي الاسود، عن عروة.
وأخرجه أبو نعيم في " الحلية " 1 / 89 من طريق: الامام
أحمد، عن حماد بن أسامة، عن هشام بن
عروة بن أبيه عروة...ورجاله ثقات.
وانظر " الاستيعاب " 3 / 311 و " أسد الغابة " 2 / 250، و
" الاصابة " 4 / 8.
(2) أخرجه ابن سعد 3 / 1 / 75، والطبراني في " الكبير "
برقم (223) و (224)، والحاكم 3 / 360 وانظر " مجمع الزوائد
" 9 / 150 و " الاصابة " 4 / 7 وانظر الخلاف في بعض
الالفاظ.
(3) سترد هذه الاحاديث خلال الترجمة، ونخرجها في مواضعها.
(*)
(1/42)
يعلى، حدثنا زهير، قالا: حدثنا عبد الرحمن، حدثنا شعبة، عن
جامع بن شداد عن عامر - ولفظ أبي يعلى: سمعت عامر بن عبد
الله بن الزبير، عن أبيه - قال: قلت لابي: ما لك لا تحدث
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما يحدث عنه فلان وفلان
؟ قال: ما فارقته منذ أسلمت، ولكن سمعت منه كلمة، سمعته
يقول: " من كذب علي متعمدا فليتبوا مقعده من النار " (1)،
لم يقل أبو يعلى متعمدا.
__________
(1) إسناده صحيح.
وأخرجه أحمد 1 / 167 عن عبد الرحمن بن مهدي و 1 / 165 عن
محمد بن جعفر، كلاهما عن شعبة.
وأخرجه ابن ماجه (36) في المقدمة، من طريق محمد بن جعفر،
عن شعبة، به...، وأخرجه أبو داود (3651) في العلم: باب
التشديد في الكذب على رسول الله، صلى الله عليه وسلم، من
طريق بيان بن بشر، عن وبرة بن عبد الرحمن، عن عامر بن عبد
الله به...وأخرجه البخاري 1 / 178 من طريق أبي الوليد
الطيالسي، عن شعبة، به..ولم نجده في المطبوع من سنن
النسائي، ولعله في " الكبرى ".
فقد نسبه المنذري في " مختصر أبي داود " له أيضا.
والحديث متواتر.
فقد أخرجه البخاري (1291) في الجنائز، ومسلم برقم (4) في
المقدمة: باب تغليظ الكذب على رسول الله صلى الله عليه
وسلم عن المغيرة.
وأخرجه البخاري (3461) في الانبياء، والترمذي (2671) في
العلم، وأحمد 2 / 271، 202،
214، عن عبد الله بن عمر.
وأخرجه البخاري (6197) في الادب، ومسلم (3) في المقدمة،
وابن ماجه (34) في المقدمة، وأحمد 2 / 410، 413، 469، 519،
عن أبي هريرة.
وأخرجه الترمذي (2661) في العلم، وابن ماجه (30) في
المقدمة، عن عبد الله بن مسعود.
وأخرجه مسلم (2) في المقدمة، وابن ماجه (32) في المقدمة،
والدارمي 1 / 76، وأحمد 3 / 98، 113، 116، 166، 176، 203،
209، 223، 278، 280، عن أنس بن مالك.
وأخرجه مسلم (3004) في الزهد، وابن ماجه (37) في المقدمة
وأحمد 3 / 36، 44، 46، 56 عن أبي سعيد الخدري.
وأخرجه ابن ماجه (33) في المقدمة، والدارمي 1 / 76، وأحمد
3 / 303 عن جابر.
وأخرجه ابن ماجه (35) في المقدمة، والحاكم 1 / 112 عن أبي
قتادة.
وأخرجه ابن ماجه (31) في المقدمة، عن علي.
وأخرجه الدارمي 1 / 76 عن ابن عباس.
وأخرجه أحمد 3 / 422 عن قيس ابن سعد بن عبادة و 4 / 47 عن
سلمة بن الاكوع، و 4 / 156، 202 عن عقبة بن عامر.
و 4 / 367 عن زيد بن أرقم، و 4 / 294 عن خالد بن عرفطة، و
4 / 412، عن رجل من الصحابة.
(*)
(1/43)
أخبرنا أبو سعيد سنقر بن عبد الله الحلبي، أنبأنا عبد
اللطيف بن يوسف، أنبأنا عبد الحق اليوسفي، أنبأنا علي بن
محمد، أنبأنا علي بن أحمد المقرى، حدثنا عبد الباقي بن
قانع، حدثنا أحمد بن علي بن مسلم، حدثنا أبو الوليد (ح)
وحدثنا بشر، حدثنا عمرو بن حكام، قالا: حدثنا شعبة، عن
جامع بن شداد، عن عامر بن عبد الله، عن أبيه، قال: قلت
لابي: ما لك لا تحدث عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم،
كما يحدث ابن مسعود ؟ قال: أما إني لم لم أفارقه منذ
أسلمت، ولكن سمعته يقول: " من كذب علي متعمدا، فليتبوأ
مقعده من النار ".
رواه خالد بن عبد الله الطحان، عن بيان بن بشر (1)، عن
وبرة، عن عامر ابن عبد الله نحوه.
أخرج طريق شعبة البخاري، وأبو داود، والنسائي، والقزويني.
قال إسحاق بن يحيى: عن موسى بن طلحة قال: كان علي،
والزبير، وطلحة، وسعد، عذار عام واحد، يعني ولدوا في سنة.
وقال المدائني: كان طلحة، والزبير، وعلي، أترابا.
وقال يتيم (2) عروة: هاجر الزبير وهو ابن ثمان عشرة سنة،
وكان عمه يعلقه ويدخن عليه وهو يقول: لا أرجع إلى الكفر
أبدا (3).
__________
(1) تحرف في المطبوع إلى " يسار بن بشار ".
(2) سقطت من المطبوع وكنيته: أبو الأسود واسمه: محمد بن
عبد الرحمن النوفلي المدني.
ولقب " يتيم عروة " لان أباه كان أوصى إليه.
(3) هو في " الحلية " 1 / 89، وعند الطبراني في " الكبير "
(239)، وذكره الهيثمي في " المجمع " 9 / 151، وقال: ورجاله
ثقات إلا أنه مرسل.
وأخرجه الحاكم 3 / 360.
(*)
(1/44)
قال عروة: جاء الزبير بسيفه، فقال النبي صلى الله عليه
وسلم ما لك ؟ قال: أخبرت أنك أخذت، قال: فكنت صانعا ماذا ؟
قال: كنت أضرب به من أخذك.
فدعا له ولسيفه (1).
وروى هشام عن أبيه عروة، أن الزبير كان طويلا تخط رجلاه
الارض إذا ركب الدابة، أشعر، وكانت أمه صفية تضربه ضربا
شديدا وهو يتيم، فقيل لها: قتلته، أهلكته، قالت: إنما
أضربه لكي يدب * ويجر الجيش ذا الجلب (2) قال: وكسر يد
غلام ذات يوم، فجئ بالغلام إلى صفية، فقيل لها ذلك،
فقالت: كيف وجدت وبرا * أأقطا أم تمرا أم مشمعلا صقرا (3)
قال ابن إسحاق: وأسلم على ما بلغني على يد أبي بكر:
الزبير، وعثمان، وطلحة، و عبد الرحمن، وسعد.
وعن عمر بن مصعب بن الزبير قال: قاتل الزبير مع نبي الله،
وله سبع
__________
(1) سبق تخريجه ص (42) التعليق رقم (1).
(2) الرجز في " الاصابة "، وابن سعد مختلف عما هو هنا في
بعض ألفاظه فرواية البيت الثاني في " الاصابة " 4 / 7 - 8
" ويهزم الجيش ويأتي بالسلب " والذي هنا هو في " الطبقات "
لابن سعد 3 / 1 / 71.
(3) رواية ابن سعد، و " الاصابة " هي " زبرا " بالزاي،
وليست بالواو كما هي هنا، ومثلهما رواية اللسان.
والاقط: بفتح الهمزة وكسر القاف، وقد تسكن: قال الازهري:
ما يتخذ من اللبن المخيض يطبخ ثم يترك حتى يمصل.
والمشمعل: السريع، يكون في الناس والابل.
وقد أقحمت في الاصل لفظة " حسبته " بين أأقطا، وبين " أم
".
(*)
(1/45)
عشرة.
أسد بن موسى، حدثنا جامع أبو سلمة، عن إسماعيل بن أبي
خالد، عن البهي (1) قال: كان يوم بدر مع رسول الله، صلى
الله عليه وسلم، فارسان: الزبير على فرس على الميمنة،
والمقداد بن الاسود على فرس على الميسرة (2).
وقال هشام بن عروة، عن أبيه، قال: كانت على الزبير يوم بدر
عمامة صفراء، فنزل جبريل على سيماء الزبير (3).
الزبير بن بكار: عن عقبة بن مكرم، حدثنا مصعب بن سلام، عن
سعد
ابن طريف، عن أبي جعفر الباقر، قال: كانت على الزبير يوم
بدر عمامة صفراء، فنزلت الملائكة كذلك (4).
__________
(1) لم تتبين لمحقق المطبوع قراءتها، وقال في الهامش "
لعلها الميمي " والبهي هذا هو عبد الله ابن يسار مولى مصعب
بن الزبير، تابعي.
انظر " نزهة الالباب في معرفة الالقاب "، الورقة (7)، و "
تهذيب التهذيب "، كلاهما لابن حجر.
(2) أخرجه الطبراني (231)، وذكره الهيثمي في " المجمع " 9
/ 83 ونسبه إلى الطبراني، وقال: هو مرسل.
(3) أخرجه الطبراني (230)، وذكره الهيثمي في " المجمع " 6
/ 84 ونسبه إلى الطبراني، وقال: هو مرسل صحيح الاسناد.
(4) سعد بن طريف متروك كما في " التقريب "، وأخرجه ابن سعد
3 / 1 / 72 من طريق: محمد بن عمر، عن موسى بن محمد بن
إبراهيم، عن أبيه، عن الزبير...ومن طريق: وكيع، عن هشام بن
عروة، عن رجل من ولد الزبير - وقال مرة: عن يحيى بن عباد
بن عبد الله بن الزبير، ومرة ثانية: عن حمزة بن عبد الله
قال: كان على الزبير...، ومن طريق: عمرو بن عاصم الكلابي،
عن همام، عن هشام بن عروة، عن أبيه، قال: كانت على
الزبير...، وأخرجه الطبراني (230) من طريق: حماد بن سلمة،
عن هشام بن عروة، عن عروة.
وقال الهيثمي في " المجمع " 6 / 84: وهو مرسل صحيح
الاسناد.
وأخرجه الحاكم 3 / 361 من طريق أبي إسحاق الفزاري، عن هشام
بن عروة، عن عباد بن عبد الله بن الزبير.
(*)
(1/46)
وفيه يقول عامر بن صالح بن عبد الله بن الزبير: جدي ابن
عمة أحمد ووزيره * عند البلاء وفارس الشقراء وغداة بدر كان
أول فارس * شهد الوغى في اللامة الصفراء نزلت بسيماه
الملائك نصرة * بالحوض يوم تألب الاعداء
وهو ممن هاجر إلى الحبشة فيما نقله موسى بن عقبة، وابن
إسحاق (1) ولم يطول الاقامة بها.
أبو معاوية، عن هشام عن أبيه، قالت عائشة: يا ابن أختي (2)
! كان أبواك - يعني الزبير وأبا بكر - من (الذين استجابوا
الله والرسول من بعد ما أصابهم القرح) [ آل عمران: 172 ].
لما انصرف المشركون من أحد، وأصاب النبي، صلى الله عليه
وسلم، وأصحابه ما أصابهم، خاف أن يرجعوا، فقال: من ينتدب
لهؤلاء في آثارهم، حتى يعلموا أن بنا قوة، فانتدب أبو بكر
والزبير في سبعين، فخرجوا في آثار المشركين، فسمعوا بهم،
فانصرفوا، قال تعالى: (فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم
يمسسهم سوء) الآية [ آل عمران: 174 ] لم يلقوا عدوا (3).
وقال البخاري، ومسلم: جابر: قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم يوم الخندق: من يأتينا بخبر بني قريظة ؟ فقال الزبير:
أنا، فذهب على فرس، فجاء بخبرهم.
ثم
__________
(1) انظر " سيرة ابن هشام " 1 / 322.
(2) تحرفت في المطبوع إلى " أخي ".
(3) أخرجه البخاري (4077) في المغازي: باب الذين استجابوا
لله والرسول، والواحدي ص: (96) كلاهما من طريق أبي معاوية،
عن هشام، عن أبيه، عن عائشة...إلى قوله: سبعين.
وأخرج الجزء الاول منه، مسلم (2418) في الفضائل: باب من
فضائل طلحة والزبير، وابن ماجه (124) في المقدمة، وابن سعد
3 / 1 / 73، والحميدي (263)، والحاكم 3 / 363.
(*)
(1/47)
قال الثانية، فقال الزبير: أنا، فذهب، ثم الثالثة، فقال
النبي صلى الله عليه وسلم: " لكل نبي حواري، وحواري الزبير
" (1).
رواه جماعة عن ابن المنكدر عنه.
وروى جماعة، عن هشام عن أبيه، عن ابن الزبير قال: قال رسول
الله
صلى الله عليه وسلم: " إن لكل نبي حواريا، وإن حواري
الزبير " (2).
أبو معاوية: عن هشام بن عروة، عن ابن المنكدر، عن جابر،
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الزبير ابن عمتي،
وحواري من أمتي " (3).
يونس بن بكير: عن هشام، عن أبيه عن الزبير قال: أخذ رسول
الله صلى الله عليه وسلم بيدي فقال: " لكل نبي حواري
وحواري الزبير وابن عمتي " (4).
وبإسنادي في المسند إلى أحمد بن حنبل، حدثنا معاوية بن
عمرو، حدثنا
__________
(1) أخرجه أحمد 3 / 307، 314، 338، 365، والبخاري (3719)
في فضائل الصحابة: باب مناقب الزبير، ومسلم (2415) في
الفضائل: باب فضائل طلحة والزبير، والترمذي (3745) في
المناقب: باب مناقب الزبير، وابن ماجه (122) في المقدمة:
باب فضائل الزبير، والطبراني في " الكبير " (227)، وهو في
" الطبقات " لابن سعد 3 / 1 / 74 وأخرجه الحميدي (1231).
والحواري: خالصة الانسان وصفيه المختص به كأنه أخلص ونقي
من كل عيب.
وتحوير الثياب: تبييضها وغسلها.
ومنه سمي أصحاب عيسى: حواريين، لانهم كانوا قصارين يبيضون
الثياب: وقيل: الحواري: الناصر، فلما انضم هؤلاء إلى عيسى
وتابعوه ونصروه سمعوا حواريين.
(2) إسناده صحيح، وأخرجه أحمد 4 / 4، وذكره الهيثمي في "
المجمع " ونسبه إلى أحمد، والطبراني.
وقال: إسناد أحمد المتصل رجاله رجال الصحيح.
وقد ذكر السند في المطبوع على الصواب، فقال: " عن ابن
الزبير " لكنه في جدول الخطأ والصواب أشار على القارئ أن
يقرأ: " عن الزبير " بحذف " ابن "، فأخطأ، لان الحديث من
مسند عبد الله بن الزبير، لا من مسند أبيه الزبير.
(3) إسناده صحيح، وأخرجه أحمد 3 / 314.
(4) أخرجه ابن سعد 3 / 1 / 73، وصححه الحاكم 3 / 362
ووافقه الذهبي، وهو كما قالا.
(*)
(1/48)
زائدة، عن عاصم، عن زرقال: استأذن ابن جرموز على علي وأنا
عنده، فقال
علي: بشر قاتل ابن صفية بالنار، سمعت رسول الله، صلى الله
عليه وسلم، يقول: " لكل نبي حواري وحواري الزبير " (1)
تابعه شيبان، وحماد بن سلمة.
وروى جرير الضبي، عن مغيرة، عن أم موسى قالت: استأذن قاتل
الزبير، فذكره.
وروى يزيد بن أبي حبيب، عن مرثد اليزني أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم قال: " وحواري من الرجال الزبير، ومن
النساء عائشة " (2).
ابن أبي عروبة: عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر أنه سمع رجلا
يقول: يا ابن حواري رسول الله ! فقال ابن عمر: إن كنت من
آل الزبير، وإلا فلا (3).
رواه ثقتان عنه، والحواري: الناصر.
وقال مصعب الزبيري: الحواري: الخالص من كل شئ.
وقال الكلبي: الحواري: الخليل.
__________
(1) إسناده حسن، وأخرجه أحمد 1 / 89، 102، 103، والطبراني
(243) مطولا.
وأخرجه الترمذي (3745) في المناقب، والطبراني (228) كلاهما
مختصرا بدون المقدمة، وهو عند ابن سعد 3 / 1 / 73 مطولا
أيضا، وصححه الحاكم 3 / 367، ووافقه الذهبي.
(2) ذكره صاحب الكنز برقم (33291) مرسلا ونسبه إلى الزبير
بن بكار، وابن عساكر.
وقال الحافظ في " الفتح " 7 / 80: ورجاله موثوقون، ولكنه
مرسل.
(3) رجاله ثقات.
وأخرجه ابن سعد 3 / 1 / 74، والطبراني (225)، وذكره
الهيثمي في " المجمع " 9 / 151، ونسبه إلى البزار، وقال:
ورجاله ثقات.
وهو في " المطالب العالية " (4011)، ونسبه إلى أحمد بن
منيع، وانظر " الاستيعاب " 3 / 312، و " الاصابة " 4 / 8.
(*)
(1/49)
هشام بن عروة: عن أبيه، عن ابن الزبير (1)، عن أبيه قال:
جمع لي رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أبويه (2).
أخبرنا ابن أبي عصرون، أنبأنا أبو روح، أنبأنا تميم (3)
المقرى، أنبأنا أبو سعد الاديب، أنبأنا أبو عمرو الحيري،
أنبأنا أبو يعلى الموصلي، حدثنا حوثرة ابن أشرس، حدثنا
حماد بن سلمة، عن هشام بن عروة، عن أبيه، أن ابن الزبير
قال له: يا أبة ! قد رأيتك تحمل على فرسك الاشقر يوم
الخندق، قال: يا بني، رأيتني ؟ قال: نعم، قال: فإن رسول
الله صلى الله عليه وسلم، يومئذ ليجمع لابيك أبويه، يقول:
" ارم فداك أبي وأمي " (4).
أحمد في " مسنده ": حدثنا أبو أسامة، حدثنا هشام، عن أبيه،
عن عبد الله ابن الزبير قال: لما كان يوم الخندق، كنت أنا
وعمر بن أبي سلمة في الاطم الذي فيه نساء النبي، صلى الله
عليه وسلم، أطم حسان، فكان عمر يرفعني وأرفعه، فإذا رفعني،
عرفت أبي حين يمر إلى بني قريظة، فيقاتلهم (5).
__________
(1) ابن الزبير هو عبد الله كما جاء مصرحا به في رواية
أحمد، وابن ماجه، والراوي عنه هنا أخوه عروة، و عبد الله
روى عنه أبيه الزبير.
وقد التبس امره في المطبوع، فأشار على القارئ في جدول
الخطأ والصواب أن يحذف " عن ابن الزبير ".
(2) أخرجه أحمد 1 / 164، وابن ماجه (123) في المقدمة: باب
فضل الزبير، وهو في " الاستيعاب " 3 / 314، وفي " الاصابة
" 4 / 8.
(3) سقطت من المطبوع.
(4) رجاله ثقات، وانظر تخريج الحديث الذي يليه.
(5) إسناده صحيح، وهو في " المسند " 1 / 164، وتمامه: "
وكان يقاتل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الخندق،
فقال: من يأتي بني قريظة فيقاتلهم ؟ فقلت له حين رجع: يا
أبت: تالله إن كنت لاعرفك حين تمر ذاهبا إلى بني قريظة،
فقال: يا بني ! أما والله إن كان رسول الله صلى الله عليه
وسلم ليجمع لي أبويه جميعا يفديني بهما، يقول: فداك أبي
وأمي.
وأخرجه أحمد 1 / 166، والبخاري (3720) في فضائل الصحابة:
باب مناقب الزبير بمعناه.
= (*)
(1/50)
الرياشي، حدثنا الاصمعي، حدثنا ابن أبي الزناد قال: ضرب
الزبير يوم الخندق عثمان بن عبد الله بن المغيرة بالسيف
على مغفره، فقطعه إلى القربوس (1)، فقالوا: ما أجود سيفك !
فغضب الزبير، يريد أن العمل ليده لا للسيف.
أبو خيثمة: حدثنا محمد بن الحسن المديني، حدثتني أم عروة
بنت جعفر، عن أختها عائشة، عن أبيها عن جدها الزبير أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطاه يوم فتح مكة لواء سعد
بن عبادة، فدخل الزبير مكة بلواءين (2).
وعن أسماء قالت: عندي للزبير ساعدان من ديباج، كان النبي،
صلى الله عليه وسلم، أعطاهما إياه، فقاتل فيهما.
رواه أحمد في " مسنده " (3) من طريق ابن لهيعة.
__________
= وفيه: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من يأتي
بني قريظة فيأتيني بخبرهم ؟ فانطلقت.
فلما رجعت جمع لي رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أبويه
فقال: فداك أبي وأمي ".
وأخرجه مسلم (2416) في فضائل الصحابة: باب فضائل طلحة
والزبير.
والاطم: الحصن.
جمعه آطام.
مثل عنق وأعناق.
(1) القربوس: مقدم السرج ومؤخره.
(2) إسناده ضعيف جدا.
محمد بن الحسن المديني هو ابن زبالة المخزومي قال أبو
داود: كذاب.
وقال يحيى: ليس بثقة.
وقال النسائي، والاسدي: متروك.
وقال أبو حاتم: واهي الحديث.
وقال الدارقطني وغيره: منكر الحديث.
وذكره الهيثمي في " المجمع " 6 / 169، وابن حجر في "
المطالب العالية " برقم (4357) ونسباه لابي يعلى.
وأعلاه بمحمد بن الحسن بن زبالة.
(3) 6 / 352 من طريق: معمر، عن عبد الله بن المبارك، عن
ابن لهيعة، عن خالد بن يزيد
المصري، عن عبد الله بن كيسان مولى أسماء عن أسماء، وهذا
سند صحيح.
لان الراوي عن ابن لهيعة، وهو أحد العبادلة الذين رووا عنه
قبل احتراق كتبه.
وهم: عبد الله بن المبارك و عبد الله بن يزيد المقرئ.
(*)
(1/51)
علي بن حرب: حدثنا ابن وهب، عن ابن أبي الزناد، عن هشام بن
عروة، عن أبيه: أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم الزبير
يلمق حرير محشو (1) بالقز، يقاتل فيه (2).
وروى يحيى بن يحيى الغساني، عن هشام بن عروة، عن أبيه قال:
قال الزبير: ما تخلفت عن غزوة غزاها المسلمون إلا أن أقبل
فألقى ناسا يعقبون.
وعن الثوري قال: هؤلاء الثلاثة نجدة الصحابة: حمزة، وعلي،
والزبير.
حماد بن سلمة، عن علي بن زيد، أخبرني من رأى الزبير وفي
صدره أمثال العيون من الطعن والرمي.
معمر، عن هشام عن (3) عروة قال: كان في الزبير ثلاث ضربات
بالسيف: إحداهن في عاتقه، إن كنت لادخل أصابعي فيها، ضرب
ثنتين يوم بدر، وواحدة يوم اليرموك.
قال عروة: قال عبد الملك بن مروان، حين قتل ابن الزبير: يا
عروة ! هل تعرف سيف الزبير ؟ قلت: نعم.
قال: فما فيه ؟ قلت: فلة فلها يوم بدر، فاستله فرآها فيه،
فقال:
__________
(1) كذا الاصل.
ويمكن تخريجه على المجاورة كما في قولهم: هذا جحر ضب خرب.
وفي " كنز العمال " (36629: محشوا.
وهو الوجه.
(2) ذكره صاحب الكنز (36629).
واليلمق: قال الجواليقي: هو القباء، وأصله بالفارسية:
يلمه.
وفي اللسان: القباء المحشو.
(3) تحرفت في المطبوع لفظة " عن " إلى " ابن " وأشار
المحقق إلى الاصل في هامش مطبوعه.
(*)
(1/52)
" بهن فلول من قراع الكتائب " (1) ثم أغمده ورده علي،
فأقمناه بيننا بثلاثة آلاف، فأخذه بعضنا، ولوددت أني كنت
أخذته (2).
يحيى بن سعيد الانصاري: عن سهيل، عن أبيه، عن أبي هريرة،
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان على حراء، فتحرك.
فقال: اسكن حراء ! فما عليك إلا نبي، أو صديق، أو شهيد.
وكان عليه أبو بكر، وعمر، وعثمان، وطلحة، والزبير (3).
الحديث رواه معاوية بن عبد الرحمن بن جبير، عن أبيه، عن
أبي هريرة مرفوعا، وذكر منهم عليا.
وقد مر في تراجم الراشدين (4) أن العشرة في الجنة، ومر في
ترجمة طلحة
__________
(1) عجز بيت صدره " ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم " وهو
للنابغة من بائيته المشهورة التي مطلعها: كليني لهم يا
أميمة ناصب * وليل أقاسيه بطئ الكواكب (2) أخرجه البخاري
(3973) في المغازي: باب قتل أبي جهل.
و (3721) في فضائل الصحابة: باب مناقب الزبير، و (3975) في
المغازي: باب قتل أبي جهل.
(3) أخرجه مسلم (2417) في فضائل الصحابة: باب فضائل طلحة
والزبير، من طريق سليمان ابن بلال، عن يحيى بن سعيد، عن
سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة...وفيه " علي،
وسعد بن أبي وقاص ".
وأخرجه مسلم، والترمذي (3697) من طريق قتيبة بن سعيد، عن
عبد العزيز بن محمد، عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي
هريرة.
(4) انظر " تاريخ الاسلام " 1 / 153 وما بعدها فإن الاصل
الذي طبعنا عنه الكتاب يبدأ بالمجلد الثالث.
وهو أول نسخة تؤخذ عن نسخة المصنف.
وقد جاء في لوحة العنوان على الجانب الايسر ما نصه: في
المجلد الاول والثاني سير النبي، صلى الله عليه وسلم،
والخلفاء الاربعة، تكتب من تاريخ الاسلام، وقد تأكد لنا
أنها بخط الذهبي نفسه رحمه الله تعالى ووافقنا على ذلك غير
واحد من المحققين.
لذلك ينبغي أن يؤخذ ما في تاريخ الاسلام من سيرة النبي،
صلى الله عليه وسلم، وسيرة خلفائه الاربعة ويضم إلى كتابنا
هذا، فإنه متمم له.
وهو الذي سنفعله إن شاء الله.
(*)
(1/53)
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " طلحة والزبير جاراي في
الجنة " (1).
أبو جعفر الرازي: عن حصين، عن عمرو بن ميمون قال: قال عمر:
إنهم يقولون: استخلف علينا، فإن حدث بي حدث، فالامر في
هؤلاء الستة الذين فارقهم رسول الله، صلى الله عليه وسلم،
وهو عنهم راض، ثم سماهم.
أحمد في " مسنده " حدثنا زكريا بن عدي، حدثنا علي بن مسهر،
عن هشام، عن أبيه، عن مروان، ولا إخاله متهما علينا، قال:
أصاب عثمان رعاف سنة الرعاف، حتى تخلف عن الحج وأوصى، فدخل
عليه رجل من قريش، فقال: استخلف، قال: وقالوه ؟ قال: نعم.
قال: من هو ؟ فسكت، قال: ثم دخل عليه رجل آخر، فقال له مثل
ذلك، ورد عليه نحو ذلك.
قال: فقال عثمان: قالوا الزبير ؟ قالوا: نعم.
قال: أما والذي نفسي بيده، إن كان لاخيرهم (2) ما علمت،
وأحبهم إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، (3).
رواه أبو مروان الغساني (4)، عن هشام نحوه.
وقال هشام، عن أبيه، قال عمر: لو عهدت أو تركت تركة، كان
أحبهم إلي
__________
(1) تقدم تخريجه في الصفحة (29) التعليق رقم (4).
(2) تحرفت في المطبوع إلى " أحدهم ".
(3) إسناده صحيح.
وأخرجه أحمد 1 / 64، والبخاري (3717) في الفضائل: باب
مناقب الزبير.
(4) هو يحيى بن أبي زكريا الغساني الواسطي.
ضعفه أبو داود.
وقال ابن معين: لا أعرف حاله.
وقال أبو حاتم: ليس بالمشهور.
وبالغ ابن حيان فقال: لا تجوز الرواية عنه.
أخرج له البخاري حديثا واحدا في الهداية متابعة.
(*)
(1/54)
الزبير، إنه ركن من أركان الدين (1).
ابن عيينة: حدثنا هشام بن عروة، عن أبيه قال: أوصى إلى
الزبير سبعة من الصحابة، منهم عثمان، وابن مسعود، و عبد
الرحمن، فكان ينفق على الورثة من ماله، ويحفظ أموالهم.
ابن وهب: حدثنا عمرو بن الحارث، حدثني هشام بن عروة، عن
أبيه، أن الزبير خرج غازيا نحو مصر، فكتب إليه أمير مصر:
إن الارض قد وقع بها الطاعون، فلا تدخلها، فقال: إنما خرجت
للطعن والطاعون، فدخلها، فلقي طعنة في جبهته فأفرق (2).
عوف: عن أبي رجاء العطاردي، قال: شهدت الزبير يوما، وأتاه
رجل، فقال: ما شأنكم أصحاب رسول الله ؟ أراكم أخف الناس
صلاة ! قال: نبادر الوسواس (3).
الاوزاعي: حدثني نهيك بن مريم، حدثنا مغيث بن سمي، قال:
كان
__________
(1) أخرجه الطبراني في " الكبير " برقم (232) وفي سنده:
عبد الله بن محمد بن يحيى بن الزبير المدني.
قال ابن حبان: يروي الموضوعات عن الثقات.
وقال أبو حاتم الرازي: متروك الحديث.
(2) أفرق: برأ.
وفي الحديث " عدوا من أفرق من الحي " أي من برأ من
الطاعون.
(3) ومن هذا الباب ما أخرجه أحمد 4 / 321 من طريق ابن
عجلان، عن سعيد المقبري، عن عمر بن الحكم، عن عبد الله بن
غنمة، قال: رأيت عمار بن ياسر دخل المسجد فصلى فأخف
الصلاة.
قال: فلما خرج قمت إليه فقلت: يا أبا اليقظان ! لقد خففت.
قال: فهل رأيتني انتقصت من حدودها شيئا ؟ قلت: لا.
قال: فإني بادرت بها سهوة الشيطان.
سمعت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يقول: إن العبد ليصلي
الصلاة ما يكتب له منها إلا عشرها، تسعها، ثمنها، سدسها،
خمسها، ربعها، ثلثها، نصفها.
وأخرجه أبو داود (796) في الصلاة: باب ما جاء في نقصان
الصلاة، دون ذكر السبب.
وسنده حسن.
(*)
(1/55)
للزبير بن العوام ألف مملوك يؤدون إليه الخراج، فلا يدخل
بيته من خراجهم شيئا.
رواه سعيد بن عبد العزيز نحوه، وزاد: بل يتصدق بها كلها.
وقال الزبير بن بكار: حدثني أبو غزية محمد بن موسى، حدثنا
عبد الله بن مصعب، عن هشام بن عروة، عن فاطمة بنت المنذر،
عن جدتها أسماء بنت أبي بكر قالت: مر الزبير بمجلس من
أصحاب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وحسان ينشدهم من
شعره، وهم غير نشاط لما يسمعون منه، فجلس معهم الزبير، ثم
قال: مالي أراكم غير أذنين لما تسمعون من شعر ابن الفريعة
! فلقد كان يعرض به رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فيحسن
استماعه، ويجزل عليه ثوابه، ولا يشتغل عنه، فقال حسان يمدح
الزبير: أقام على عهد النبي وهديه * حواريه والقول بالفعل
يعدل أقام على منهاجه وطريقه * يوالي ولي الحق والحق أعدل
هو الفارس المشهور والبطل الذي * يصول إذا ما كان يوم محجل
إذا كشفت عن ساقها الحرب حشها * بأبيض سباق إلى الموت يرقل
(1)
وإن امرءا كانت صفية أمه * ومن أسد في بيتها لمؤثل (2) له
من رسول الله قربى قريبة * ومن نصرة الاسلام مجد مؤثل فكم
كربة ذب الزبير بسيفه * عن المصطفى والله يعطي فيجزل
__________
(1) يقال: أرقل القوم إلى الحرب إرقالا: أسرعوا، والارقال:
ضرب من الخبب: وهي سرعة سير الابل.
(2) في الديوان، وعند الحاكم " لمرفل " والمرفل: هو العظيم
المبجل.
(*)
(1/56)
ثناؤك خير من فعال معاشر * وفعلك يا ابن الهاشمية أفضل (1)
قال جويرية بن أسماء: باع الزبير دارا له بست مئة ألف،
فقيل له: يا أبا عبد الله ! غبنت ! قال: كلا، هي في سبيل
الله.
الليث: عن هشام بن عروة، أن الزبير لما قتل عمر، محا نفسه
من الديوان، وأن ابنه عبد الله لما قتل عثمان، محا نفسه من
الديوان (2).
أحمد في " المسند ": حدثنا أبو سعيد مولى بني هاشم: حدثنا
شداد بن سعيد، حدثنا غيلان بن جرير: عن مطرف: قلت للزبير:
ما جاء بكم ؟ ضيعتم الخليفة حتى قتل، ثم جئتم تطلبون بدمه
؟ قال: إنا قرأنا على عهد رسول الله، صلى الله عليه وسلم،
وأبي بكر، وعمر، وعثمان: (واتقوا فتنة لا تصيبن الذين
ظلموا منكم خاصة) [ الانفال: 25 ]، لم نكن نحسب أنا أهلها،
حتى وقعت منا حيث وقعت (3).
مبارك بن فضالة، عن الحسن، أن رجلا أتى الزبير وهو بالبصرة
فقال: ألا أقتل عليا ؟ قال: كيف تقتله ومعه الجنود ؟ قال:
ألحق به، فأكون معك، ثم أفتك به، قال: إن رسول الله، صلى
الله عليه وسلم، قال: " الايمان قيد الفتك، لا يفتك
__________
(1) أخرجه الحاكم 3 / 362 - 363، وهو في " الاستيعاب " 3 /
315، و " أسد الغابة " 3 / 251،
وفي " الحلية " 1 / 90 وقد ذكره الهيثمي في " المجمع " 8 /
125 ونسبه إلى الطبراني، وقال: وفيه عبد الله بن مصعب، وهو
ضعيف.
والابيات في " ديوان حسان ": 199 - 200 طبعة دار صادر
البيروتية.
(2) أخرجه الطبراني في " الكبير " برقم (240)، وهو في "
الطبقات " لابن سعد 3 / 1 / 75.
(3) سنده حسن، وأخرجه أحمد 1 / 165 وذكره السيوطي في "
الدر المنثور " 3 / 177 ونسبه إلى أحمد، والبزار، وابن
المنذر، وابن مردويه، وابن عساكر.
وذكره الهيثمي في " المجمع " 7 / 27 وقال: رواه أحمد
بإسنادين رجال أحدهما رجال الصحيح.
(*)
(1/57)
مؤمن " (1).
هذا في " المسند "، وفي " الجعديات ".
الدولابي في " الذرية الطاهرة ": حدثنا الدقيقي، حدثنا
الدقيقي، حدثنا يزيد، سمعت شريكا، عن الاسود بن قيس، حدثني
من رأى الزبير يقتفي آثار الخيل قعصا بالرمح، فناداه علي:
يا أبا عبد الله ! فأقبل عليه، حتى التقت أعناق دوابهما،
فقال: أنشدك بالله، أتذكر يوم كنت أناجيك، فأتانا رسول
الله، صلى الله عليه وسلم، فقال: تناجيه ! فوالله ليقاتلنك
وهو لك ظالم ؟ قال: فلم يعد أن سمع الحديث، فضرب وجه
دابته، وذهب (2).
قال أبو شهاب الحناط وغيره: عن هلال بن خباب، عن عكرمة، عن
ابن عباس أنه قال للزبير يوم الجمل: يا ابن صفية ! هذه
عائشة تملك الملك
__________
(1) رجاله ثقات، وهو في " المسند " 1 / 166 و 167، وفي "
المصنف " لعبد الرزاق (9676).
وله شاهد من حديث أبي هريرة عند أبي داود (2769) في
الجهاد: باب في العدو يؤتى على غرة، من طريق محمد بن
حزابة، عن إسحاق بن منصور، عن أسباط الهمداني، عن السدي،
عن أبيه، عن أبي هريرة.
وأسباط كثير الخطأ، ووالد السدي مجهول.
وله شاهد آخر من حديث معاوية عن أحمد 4 / 92 وفي سنده علي
بن زيد وهو ضعيف.
لكن
حديثه حسن بالشواهد، وباقي رجاله ثقات، فالحديث صحيح.
قال المنذري: الفتك أن يأتي الرجل الرجل وهو غار غافل فيشد
عليه فيقتله.
وقوله: " الايمان قيد الفتك " أي أن الايمان يمنع القتل،
كما يمنع القيد عن التصرف، فكأنه جعل الفتك مقيدا.
ومنه في صفة الفرس: قيد الاوابد، يريد أنه يلحقها بسرعة،
فكأنها مقيدة به لا تعدوه.
(2) الرجل الذي أخبر بالقصة مجهول.
والدقيقي: هو محمد بن عبد الملك بن مروان الواسطي أبو جعفر
صدوق.
ويزيد هو ابن هارون، وشريك هو ابن عبد الله القاضي، كثير
الخطأ.
وأخرجه الحاكم 3 / 366 من طريق أبي حرب بن أبي الاسود
الديلي قال: شهدت الزبير خرج يريد عليا.
فقال له علي: أنشدك الله، هل سمعت رسول الله، صلى الله
عليه وسلم، يقول: تقاتله وأنت له ظالم ؟ فقال: لم أذكر، ثم
مضى الزبير منصرفا.
وصححه الحاكم ووافقه الذهبي كذا قالا.
مع أن في سنده عبد الله بن محمد بن عبد الملك الرقاشي وقد
قال فيه أبو حاتم: في حديثه نظر، ونقل ابن عدي عن البخاري
أنه قال: فيه نظر.
وشيخه فيه: عبد الملك بن مسلم لين الحديث.
وانظر " المطالب العالية " (4468) و (4469) و (4470) و
(4476).
(*)
(1/58)
طلحة، فأنت علام تقاتل قريبك عليا ؟ زاد فيه غير أبي شهاب:
فرجع الزبير، فلقيه ابن جرموز فقتله (1).
قتيبة: حدثنا الليث عن ابن أبي فروة أخي إسحاق، قال: قال
علي: حاربني خمسة: أطوع الناس في الناس: عائشة، وأشجع
الناس: الزبير، وأمكر الناس: طلحة لم يدركه مكر قط، وأعطى
الناس: يعلى بن منية (2)، وأعبد الناس: محمد بن طلحة، كان
محمودا حتى استزله أبوه، وكان يعلى يعطي الرجل الواحد
ثلاثين دينارا والسلاح والفرس على أن يحاربني (3).
قال عبد الله بن محمد بن عبد الملك الرقاشي: عن جده، عن
أبي جرو
المازني، قال: شهدت عليا والزبير حين تواقفا، فقال علي: يا
زبير ! أنشدك الله، أسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول: إنك تقاتلني وأنت لي ظالم ؟ قال: نعم، ولم أذكره إلا
في موقفي هذا، ثم انصرف (4).
__________
(1) رجاله ثقات، وأخرجه ابن سعد 3 / 1 / 77 بنحوه، وقال
الحافظ في " الاصابة " 4 / 9: وسنده صحيح.
(2) بضم الميم.
وسكون النون، بعدها ياء مفتوحة، وهي أمه.
وهو يعلى بن أمية بن أبي عبيدة ابن همام التيمي، حليف
قريش.
صحابي مشهور.
مات سنة بضع وأربعين.
وأخرج حديثه الجماعة.
(3) خبر لا يصح.
ابن أبي فروة أخو إسحاق لا يعرف، ويخشى أن تكون لفظة " أخي
" مقحمة في النص، وإسحاق يروي عنه الليث، وهو متروك، متفق
على ضعفه.
(4) عبد الله، وجده ضعيفان.
وذكره الحافظ في " المطالب العالية " (4476) ونسبه إلى أبي
يعلى.
(*)
(1/59)
رواه أبو يعلى في " مسنده " وقد روى نحوه من وجوه سقنا
كثيرا منها في كتاب " فتح المطالب " (1).
قال يزيد بن أبي زياد: عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال:
انصرف الزبير يوم الجمل عن علي، فلقيه ابنه عبد الله،
فقال: جبنا، جبنا ! قال: قد علم الناس أني لست بجبان، ولكن
ذكرني علي شيئا سمعته من رسول الله، صلى الله عليه وسلم،
فحلفت أن لا أقاتله، ثم قال: ترك الامور التي أخشى عواقبها
* في الله أحسن في الدنيا وفي الدين (2).
وقيل: إنه أنشد: ولقد علمت لوان علمي نافعي * أن الحياة من
الممات قريب
فلم ينشب أن قتله ابن جرموز.
وروى حصين بن عبد الرحمن، عن عمرو بن جاوان قال: قتل طلحة
وانهزموا، فأتى الزبير سفوان فلقيه النعر المجاشعي، فقال:
يا حواري رسول الله ! أين تذهب ؟ تعال، فأنت في ذمتي، فسار
معه، وجاء رجل إلى الاحنف فقال: إن الزبير بسفوان، فما
تأمر إن كان جاء، فحمل بين المسلمين، حتى إذا ضرب بعضهم
حواجب بعض بالسيف، أراد أن يلحق ببنيه ؟ قال: فسمعها
__________
(1) ذكر المؤلف رحمه الله هذا الكتاب في " تذكرة الحفاظ "
1 / 10 فقال: ومناقب هذا الامام جمة، أفردتها في مجلدة
وسميته " بفتح المطالب في مناقب علي بن أبي طالب ".
وذكره الصفدي في " الوافي " 2 / 164 وقال: قرأته عليه من
أوله إلى آخره.
وذكره ابن شاكر في " عيون التواريخ " الورقة 86.
(2) أخرجه أبو نعيم في " الحلية " 1 / 91 من طريقه، عن
يزيد بن أبي زياد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى.
(*)
(1/60)
عمير بن جرموز، وفضالة بن حابس، ورجل يقال له نفيع،
فانطلقوا حتى لقوه مقبلا مع النعر (1)، وهم في طلبه، فأتاه
عمير من خلفه، وطعنه طعنة ضعيفة، فحمل عليه الزبير، فلما
استلحمه وظن أنه قاتله، قال: يا فضالة ! يا نفيع ! قال:
فحملوا على الزبير حتى قتلوه (2).
عبيدالله بن موسى: حدثنا فضيل (3) بن مرزوق، حدثني شقيق
(4) بن عقبة عن قرة بن الحارث، عن جون بن قتادة قال: كنت
مع الزبير يوم الجمل، وكانوا يسلمون عليه بالامرة، إلى أن
قال: فطعنه ابن جرموز ثانيا، فأثبته، فوقع، ودفن بوادي
السباع، وجلس علي، رضي الله عنه، يبكي عليه هو وأصحابه
(5).
قرة بن حبيب: حدثنا الفضل بن أبي الحكم، عن أبي نضرة قال:
جئ برأس الزبير إلى علي، فقال علي: تبوأ يا أعرابي مقعدك
من النار، حدثني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن قاتل
الزبير في النار (6).
__________
(1) تحرفت في المطبوع إلى " النهر ".
(2) أخرجه الفسوي في " المعرفة والتاريخ " 3 / 311 - 312،
وذكره الحافظ في " المطالب العالية " (4466).
وانظر الطبري 4 / 498 - 499.
(3) تحرفت في المطبوع إلى " فضل ".
(4) هو شقيق بن عقبة الضبي، مترجم في " التهذيب " وفروعه،
وهو من رجال مسلم، وقد تحرف في " طبقات ابن سعد " وفي
المطبوع إلى " سفيان ".
(5) رجاله ثقات.
وهو في " الطبقات " 3 / 111 (6) الفضل بن أبي الحكم روى
عنه غير واحد.
وقال أبو حاتم: شيخ بصري.
وذكره ابن حبان في الثقات.
وباقي رجال الاسناد ثقات.
وانظر " البداية " لابن كثير 7 / 250.
وروى الطيالسي 2 / 145 وابن سعد 3 / 1 / 73 كلاهما: عن
عاصم، عن زر قال: استأذن قاتل الزبير على علي.
قال علي: والله ليدخلن قاتل ابن صفية النار.
إني سمعت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يقول: " إن لكل
نبي حواريا وحواري الزبير " وسنده حسن.
وصححه الحاكم 3 / 367 ووافقه الذهبي.
(1/61)
(*) شعبة، عن منصور بن عبد الرحمن، سمعت الشعبي يقول:
أدركت خمس مئة أو أكثر من الصحابة يقولون: علي، وعثمان،
وطلحة، والزبير في الجنة.
قلت: لانهم من العشرة المشهود لهم بالجنة، ومن البدريين،
ومن أهل بيعة الرضوان، ومن السابقين الاولين الذين أخبر
تعالى أنه رضي عنهم ورضوا
عنه، ولان الاربعة قتلوا، ورزقوا الشهادة، فنحن محبون لهم،
باغضون للاربعة الذين قتلوا الاربعة.
أبو أسامة، حدثنا هشام بن عروة، عن أبيه، عن الزبير قال:
لقيت يوم بدر عبيدة بن سعيد بن العاص، وهو مدجج لا يرى إلا
عيناه، وكان يكنى أبا ذات الكرش، فحملت عليه بالعنزة (1)،
فطعنته في عينه، فمات، فأخبرت أن الزبير قال: لقد وضعت
رجلي عليه، ثم تمطيت، فكان الجهد أن نزعتها، يعني الحربة،
فلقد انثنى طرفها.
قال عروة: فسأله إياها رسول الله صلى الله عليه وسلم،
فأعطاه إياها، فلما قبض، أخذها، ثم طلبها أبو بكر، فأعطاه
[ إياها ]، فلما قبض أبو بكر، سألها عمر، فأعطاه إياها،
فلما قبض [ عمر ] أخذها، ثم طلبها عثمان [ منه ]، فأعطاه
إياها، فلما قبض (2)، وقعت عند آل علي، فطلبها عبد الله بن
الزبير، فكانت عنده حتى قتل (3).
غريب، تفرد به البخاري.
ابن المبارك: أنبأنا هشام، عن أبيه أن أصحاب رسول الله صلى
الله عليه وسلم
__________
(1) سقطت من المطبوع لفظة " عنزة ".
(2) في البخاري " فلما قتل عثمان ".
(3) أخرجه البخاري (3998) في المغازي: باب (12) والزيادات
منه.
(*)
(1/62)
قالوا للزبير: ألا تشد فنشد معك ؟ قال: إني إن شددت،
كذبتم، فقالوا لا نفعل.
فحمل عليهم حتى شق صفوفهم، فجاوزهم وما معه أحد، ثم رجع
مقبلا، فأخذوا بلجامه فضربوه ضربتين، ضربة على عاتقه
بينهما ضربة ضربها يوم بدر.
قال عروة: فكنت أدخل أصابعي في تلك الضربات ألعب وأنا
صغير، قال: وكان معه عبد الله بن الزبير وهو ابن عشر سنين،
فحمله على فرس، ووكل به رجلا (1).
قلت: هذه الوقعة هي يوم اليمامة إن شاء الله، فإن عبد الله
كان إذ ذاك ابن عشر سنين.
أبو بكر بن عياش: حدثنا سليمان، عن الحسن قال: لما ظفر علي
بالجمل، دخل الدار والناس معه، فقال علي: إني لاعلم قائد
فتنة دخل الجنة، وأتباعه إلى النار ! فقال الاحنف: من هو ؟
قال: الزبير.
في إسناده إرسال، وفي لفظه نكارة، فمعاذ الله أن نشهد على
أتباع الزبير، أو جند معاوية أو علي بأنهم في النار، بل
نفوض أمرهم إلى الله، ونستغفر لهم.
بلى: الخوارج كلاب النار، وشر قتلى تحت أديم السماء، لانهم
مرقوا من الاسلام، ثم لا ندري مصير هم إلى ماذا، ولا نحكم
عليهم بخلود النار، بل نقف.
ولبعضهم: إن الرزية من تضمن قبره * وادي السباع لكل جنب
مصرع
__________
(1) أخرجه البخاري (3975) في المغازي: باب قتل أبي جهل.
(*)
(1/63)
لما أتى خبر الزبير تواضعت * سور المدينة والجبال الخشع
(1) قال البخاري وغيره: قتل في رجب سنة ست وثلاثين.
وادي السباع: على سبعة فراسخ من البصرة.
قال الواقدي وابن نمير: قتل وله أربع وستون سنة.
وقال غيرهما: قيل وله بضع وخمسون سنة، وهو أشبه.
قال القحذمي: كانت تحته أسماء بنت أبي بكر، وعاتكة أخت
سعيد بن
زيد، وأم خالد بنت خالد بن سعيد، وأم مصعب الكلبية.
قال ابن المديني: سمعت سفيان يقول: جاء ابن جرموز إلى مصعب
بن الزبير - يعني لما ولي إمرة العراق لاخيه الخليفة عبد
الله بن الزبير - فقال: أقدني بالزبير، فكتب في ذلك يشاور
ابن الزبير، فجاءه الخبر: أنا أقتل ابن جرموز بالزبير ؟
ولا بشسع نعله.
قلت: أكل المعثر يديه ندما على قتله، واستغفر، لا كقاتل
طلحة، وقاتل عثمان، وقاتل علي.
الزبير: حدثني علي بن صالح، عن عامر بن صالح، عن مسالم بن
عبد الله بن عروة، عن أبيه أن عمير بن جرموز أتى، حتى وضع
يده في يد مصعب، فسجنه، وكتب إلى أخيه في أمره، فكتب إليه
أن بئس ما صنعت، أظننت أني قاتل أعرابيا بالزبير ؟ خل
سبيله، فخلاه فلحق بقصر بالسواد عليه
__________
(1) الابيات عند ابن سعد 3 / 1 / 79 ثلاثة.
وقد نسبها إلى جرير بن الخطفى.
وهي في ديوان جرير من قصيدة طويلة يهجو فيها الفرزدق.
ومطلعها: بان الخليط برامتين فودعوا * أوكلما رفعوا لبين
تجزع انظر الديون 340 - 351.
(*)
(1/64)
أزج (1)، ثم أمر إنسانا أن يطرحه عليه، فطرحه عليه، فقتله،
وكان قد كره الحياة لما كان يهول عليه ويرى في منامه.
قال ابن قتيبة: حدثنا محمد بن عتبة، حدثنا أبو أسامة، عن
هشام، عن أبيه أن الزبير ترك من العروض بخمسين ألف ألف
درهم، ومن العين خمسين ألف ألف درهم (2).
كذا هذه الرواية.
وقال ابن عيينة: عن هشام، عن أبيه قال: اقتسم مال الزبير
على أربعين ألف ألف (3).
أبو أسامة: أخبرتي هشام بن عروة، عن أبيه عن ابن الزبير
قال: لما وقف الزبير يوم الجمل، دعاني، فقمت إلى جنبه،
فقال: يا بني ! إنه لا يقتل اليوم إلا ظالم أو مظلوم، وإني
لا أراني إلا سأقتل اليوم مظلوما، وإن من أكبر همي لديني،
أفترى ديننا يبقي من مالنا شيئا ؟ يا بني ! بع ما لنا،
فاقض ديني، فأوصي بالثلث وثلث الثلث إلى عبد الله، فإن فضل
من مالنا بعد قضاء الدين شئ، فثلث لولدك (4).
قال هشام: وكان بعض ولد عبد الله قد وازى بعض بني الزبير
خبيب وعباد، وله يومئذ تسع بنات، قال عبد الله: فجعل
يوصيني بدينه، ويقول: يا بني ! إن عجزت عن شئ منه، فاستعن
بمولاي، قال: فوالله ما دريت ما عنى
__________
(1) الازج: بيت يبنى طولا.
وأزجته تأزيجا: إذا بنيته.
ويقال: الازج: السقف والجمع: آزاج.
مثل سبب وأسباب.
(2) رجاله ثقات.
(3) رجاله ثقات.
وأخرجه الحاكم 3 / 361، وابن سعد 3 / 1 / 77 من طريق: عبد
الله بن مسلمة ابن قعنب، عن سفيان بن عيينة، قال:
اقتسم...وأخرجه الحاكم 3 / 361 من طريق: محمد بن إسحاق،
حدثنا قتيبة بن سعيد، عن سفيان، عن مجالد، عن الشعبي، قال:
اقتسم...(4) كذا الاصل، ولفظه في " الطبقات ": يا بني بع
ما لنا، واقض ديني، وأوص بالثلث فإن فضل من ما لنا من بعد
قضاء الدين شئ فثلثه لولدك.
ورجاله ثقات.
(*)
(1/65)
حتى قلت: يا أبة ! من مولاك ؟ قال: الله عزوجل ! قال:
فوالله (1) ما وقعت في كربة من دينه إلا قلت: يا مولى
الزبير اقض عنه، فيقضيه.
قال: وقتل الزبير ولم يدع دينارا ولا درهما، إلا أرضين
بالغابة، ودارا بالمدينة، ودارا بالبصرة ودارا بالكوفة،
ودارا بمصر.
قال: وإنما كان الذي
عليه أن الرجل يجئ بالمال، فيستودعه، فيقول الزبير: لا
ولكن هو سلف، إني أخشى عليه الضيعة.
وما ولي إمارة قط، ولا جباية، ولا خراجا، ولا شيئا، إلا أن
يكون في غزو مع النبي صلى الله عليه وسلم، أو مع أبي بكر،
وعمر، وعثمان.
فحسبت دينه، فوجدته ألفي ألف ومئتي ألف، فلقي حكيم بن حزام
الاسدي عبد الله فقال: يا ابن أخي ؟ كم على أخي من الدين ؟
فكتمه، وقال: مئة ألف، فقال حكيم: ما أرى أموالكم تتسع
لهذه ! فقال عبد الله: أفر أيت إن كانت ألفي ألف ومئتي ألف
! قال: ما أراكم تطيقون هذا، فإن عجزتم عن شئ، فاستعينوا
بي، وكان الزبير قد اشترى الغابة بسبعين ومئة ألف، فباعها
عبد الله بألف ألف وست مئة ألف، وقال: من كان له على
الزبير دين، فليأتنا بالغابة.
فأتاه عبد الله بن جعفر، وكان له على الزبير أربع مئة ألف،
فقال لابن الزبير: إن شئت، تركتها لكم، قال: لا، قال:
فاقطعوا لي قطعة، قال: لك من هاهنا إلى هاهنا، قال: فباعه
بقضاء دينه، قال: وبقي منها أربعة أسهم ونصف، فقال المنذر
بن الزبير: قد أخذت سهما بمئة ألف، وقال عمرو بن عثمان: قد
أخذت سهما بمئة ألف، وقال ابن بيعة: قد أخذت سهما بمئة
ألف، فقال معاوية: كم بقي ؟ قال سهم ونصف، قال: قد أخذته
بمئة وخمسين ألفا، قال: وباع ابن جعفر نصيبه من معاوية بست
مئة ألف، فلما فرغ ابن الزبير من قضاء دينه، قال بنو
الزبير: اقسم بيننا ميراثنا، قال: لا والله !
__________
(1) " قال: فوالله " سقطت من المطبوع.
(*)
(1/66)
حتى أنادي بالموسم أربع سنين: ألا من كان له على الزبير
دين فليأتنا فلنقضه، فجعل كل سنة ينادي بالموسم، فلما مضت
أربع سنين قسم بينهم.
فكان للزبير أربع نسوة.
قال: فرفع الثلث، فأصاب كل امرأة ألف
ألف ومئة ألف، فجميع ماله خمسون ألف ألف (1) ومائتا ألف
(2).
للزبير في " مسند بقي بن مخلد " ثمانية وثلاثون حديثا،
منها في " الصحيحين " حديثان، وانفرد البخاري بسبعة
أحاديث.
قال هشام: عن أبيه، قال: بلغ حصة عاتكة بنت زيد بن عمرو بن
نفيل زوجة الزبير من ميراثه ثمانين ألف درهم.
وقالت ترثيه: غدر ابن جرموز بفارس بهمة * يوم اللقاء وكان
غير معرد يا عمرو لو نبهته لوجدته * لا طائشا رعش البنان
ولا اليد ثكلتك أمك إن ظفرت بمثله * فيما مضى مما تروح
وتغتدي كم غمرة قد خاضها لم يثنه * عنها طرادك يا ابن فقع
الفدفد والله ربك إن قتلت لمسلما * حلت عليك عقوبة المتعمد
(3)
__________
(1) سقط من المطبوع لفظ " ألف " الثانية.
(2) أخرجه البخاري بطوله (3129) في فرض الخمس، باب: بركة
الغازي بماله حيا وميتا، مع خلاف يسير في بعض ألفاظه.
وانظر ابن سعد 3 / 1 / 75 - 76، و " الحلية " 1 / 91.
(3) الابيات في " الطبقات " لابن سعد 3 / 1 / 79.
وانظر " التصريح " 1 / 231، والعيني 2 / 278، وابن يعيش 8
/ 71 - 72، و " شرح الاشموني " 1 / 145، و " أوضح المسالك
" 2 / 264، وابن عقيل 1 / 382 و " الخزانة " 4 / 348، و "
الهمع " 1 / 142، و " الدرر " 1 / 119، و " الحماسة " 3 /
71 ورواية البيت الاخير فيه " ثكلتك أمك إن قتلت "،
القرطبي 2 / 421.
والبهمة: بضم الموحدة وسكون الهاء: الشجاع، وقيل: هو
الفارس الذي لا يدرى من أين يؤتي له من شدة بأسه.
واللقاء: الحرب لانه تتلاقى فيها الابطال.
والمعرد: اسم فاعل من عرد تعريدا بمهملات: إذا فر وهرب.
وطاش يطيش: إذا خف عقله من دهشة وخوف.
رعش: بكسر العين المهملة وصف من رعش - كفرح ومنع - رعشا
ورعشانا: أخذته الرعدة.
الغمرة: بالفتح: الشدة.
الفقع: بفتح الفاء وكسرها وسكون = (*)
(1/67)
4 - عبد الرحمن بن عوف
* (ع) ابن عبد عوف بن عبد بن الحارث بن زهرة بن كلاب بن
مرة بن كعب بن لؤي، أبو محمد.
أحد العشرة، وأحد الستة أهل الشورى، وأحد السابقين
البدريين، القرشي الزهري.
وهو أحد الثمانية الذين بادروا إلى الاسلام.
له عدة أحاديث.
روى عنه ابن عباس، وابن عمر، وأنس بن مالك، وبنوه:
إبراهيم، وحميد، وأبو سلمة، وعمرو، ومصعب بنو عبد الرحمن،
ومالك بن أوس، وطائفة سواهم.
له في " الصحيحين " حديثان.
وانفرد له البخاري بخمسة
__________
= (1) القاف نوع أبيض من ردئ الكمأة.
الفدفد: الارض المستوية.
وفقع الفدفد مثل للذليل.
وقال الكرماني: أشارت بقولها: " عقوبة المتعمد " إلى قوله
تعالى (ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها،
وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما) [ النساء: 93 ]
وقال غيره: عقوبة المتعمد: أن يقتل قصاصا.
(*) مسند أحمد: 1 / 190 - 195، طبقات ابن سعد: 3 / 1 / 87
- 97، نسب قريش: 265، 448، طبقات خليفة: 15، تاريخ خليفة:
166، التاريخ الكبير: 5 / 240، التاريخ الصغير: 1 / 50،
51، 60، 61، المعارف: 235 - 240، الجرح والتعديل: 5 / 247،
مشاهير علماء الامصار: ت: 12، البدء والتاريخ: 5 / 86،
ومعجم الطبراني الكبير: 1 / 88 - 99، المستدرك للحاكم: 3 /
306، 312، حلية الاولياء: 1 / 98 - 100، الاستيعاب: 6 / 68
- 84، الجمع بين رجال الصحيحين: 281، صفوة الصفوة: 1 /
135، جامع الاصول: 9 / 19 - 20، ابن عساكر: 12 / 54 / 2،
أسد الغابة: 3 / 480 - 485، تهذيب الاسماء واللغات: 1 /
300 - 302، الرياض النضرة: 2 / 281، تهذيب الكمال: 810،
دول الاسلام: 1 / 26، تاريخ الاسلام: 2 / 105،
العبر: 1 / 33، العقد الثمين: 5 / 396 - 398، تهذيب
التهذيب: 6 / 244، الاصابة: 6 / 311 - 313، خلاصة تذهيب
الكمال: 232، تاريخ الخميس: 2 / 257، كنز العمال: 13 / 220
- 230، شذرات الذهب: 1 / 38.
(*)
(1/68)
أحاديث.
ومجموع ما له في " مسند بقي " خمسة وستون حديثا.
وكان اسمه في الجاهلية عبد عمرو، وقيل عبد الكعبة، فسماه
النبي صلى الله عليه وسلم عبد الرحمن (1).
وحدث عنه أيضا من الصحابة: جبير بن مطعم، وجابر بن عبد
الله، والمسور بن مخرمة، و عبد الله بن عامر بن ربيعة.
وقد الجابية مع عمر (2)، فكان على الميمنة، وكان في نوبة
سرغ على الميسرة.
أخبرنا محمد بن حازم بن حامد، ومحمد بن علي بن فضل، قالا:
أنبأنا أبو القاسم بن صصرى، أنبأنا أبو القاسم بن البن
الاسدي (ح) وأنبأنا محمد بن علي السلمي، وأحمد بن عبد
الرحمن الصوري، قالا: أنبأنا أبو القاسم الحسين بن هبة
الله التغلبي، أنبأنا أبو القاسم بن البن، ونصر بن أحمد
السوسي، قالا: أنبأنا علي بن محمد بن علي الفقيه، أنبأنا
أبو منصور محمد، وأبو عبد الله أحمد، أنبأنا الحسين بن سهل
بن الصباح، ببلد (3)، في ربيع الآخر سنة سبع وعشرين وأربع
مئة، قالا: حدثنا أبو العباس أحمد بن إبراهيم ابن أحمد
الامام، حدثنا علي بن حرب الطائي، حدثنا سفيان بن عيينة،
عن عمرو بن دينار، سمع بجالة يقول: كنت كاتبا لجزء بن
معاوية، عم الاحنف بن قيس، فأتانا كتاب عمر قبل موته بسنة،
أن اقتلوا كل ساحر وساحرة، وفرقوا
__________
(1) انظر الطبراني (253) والحاكم 3 / 306، وابن سعد 3 / 1
/ 88.
(2) تصحفت في المطبوع إلى " عمرو ".
(3) " بلد " مدينة قديمة على دجلة فوق الموصل، بينهما سبعة
فراسخ.
ويقال: بلط.
وإليها ينسب عدد كبير من العلماء.
" معجم البلدان " 1 / 481.
(*)
(1/69)
بين كل ذي محرم من المجوس، وانهوهم عن الزمزمة.
فقتلنا ثلاث سواحر، وجعلنا نفرق بين الرجل وحريمته في كتاب
الله.
وصنع لهم طعاما كثيرا، ودعا المجوس، وعرض السيف على فخذه،
وألقى وقربغل أو بغلين من ورق، وأكلوا بغير زمزمة.
ولم يكن عمر أخذ الجزية من المجوس، حتى شهد عبد الرحمن بن
عوف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذها من مجوس هجر
(1).
هذا حديث غريب مخرج في صحيح البخاري، وسنن أبي داود،
والنسائي، والترمذي من طريق سفيان، فوقع لنا بدلا (2).
ورواه حجاج بن أرطاة عن عمرو مختصرا، وروى منه أخذ الجزية
من المجوس أبو داود (3)، عن الثقة، عن يحيى بن حسان، عن
هشيم، عن داود بن أبي هند، عن قشير ابن عمرو، عن بجالة بن
عبدة، عن ابن عباس، عن ابن عوف.
أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد العلوي، أنبأنا محمد بن أحمد
القطيعي، أنبأنا محمد بن عبيدالله المجلد (ح) وأنبأنا أحمد
بن إسحاق الزاهد، أنبأنا أبو نصر عمر بن محمد التيمي،
أنبأنا هبة الله بن أحمد الشبلي، قالا: أنبأنا محمد بن
محمد الهاشمي (4)، أنبأنا أبو طاهر المخلص، حدثنا عبد الله
البغوي، حدثنا أبو نصر التمار، حدثنا القاسم بن فضل
الحداني عن النضر بن شيبان قال: قلت لابي سلمة: حدثني بشئ
سمعته من أبيك يحدث به عن
__________
(1) أخرجه أحمد 1 / 190 - 191، والشافعي 2 / 126 وأبو عبيد
في " الاموال " ص: (32) والبخاري (3156) في الجزية و
(3157) فيه مختصرا.
وأبو داود (3043) في الخراج والامارة
والفئ: باب في أخذ الجزية من المجوس.
والترمذي (1586) في السير: باب ما جاء في أخذ الجزية من
المجوس.
(2) البدل: هو الوصول إلى شيخ شيخ أحد المصنفين من غير
طريقه.
(3) (3044) في الخراج: باب الجزية.
(4) سقط من المطبوع، من قوله: " أنبأنا أبو نصر إلى قوله:
الهاشمي ".
(*)
(1/70)
رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فقال: حدثني أبي في شهر
رمضان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " فرض الله
(1) عليكم شهر رمضان، وسننت لكم قيامه، فمن صامه وقامه
إيمانا واحتسابا، خرج من الذنوب كيوم ولدته أمه " (2).
هذا حديث حسن غريب.
أخرجه النسائي، عن ابن راهويه، عن النضر بن شميل.
وابن ماجه، عن يحيى بن حكيم، عن أبي داود الطيالسي.
جميعا عن الحداني.
قال النسائي: الصواب حديث الزهري عن أبي سلمة، عن أبي
هريرة.
أخبرنا محمد بن عبد السلام العصروني (3)، أنبأنا عبدالمعز
بن محمد الهروي، أنبأنا تميم الجرجاني، أنبأنا محمد بن عبد
الرحمن النيسابوري، أنبأنا محمد بن أحمد الحيري، أنبأنا
أحمد بن علي الموصلي، حدثنا أبو خيثمة، حدثنا يعقوب بن
إبراهيم، حدثنا أبي، عن ابن إسحاق، حدثني مكحول، عن كريب،
عن ابن عباس قال: جلسنا مع عمر، فقال: هل
__________
(1) سقط لفظ الجلالة من الاصل.
(2) أخرجه أحمد 1 / 191، 195، والنسائي 4 / 158 في الصيام،
وابن ماجه (1328) في الاقامة: باب ما جاء في قيام رمضان.
والطيالسي 1 / 181.
(3) في الاصل: " العصروي ".
ترجمة المؤلف في مشيخته فقال: " محمد بن عبد السلام بن
المطهر، ابن العلامة قاضي القضاة أبي سعيد عبد الله بن
محمد بن هبة الله بن أبي عصرون الامام، المدرس، الجليل،
المعمر، المسند، تاج الدين أبو عبد الله بن أبي الفضل
التميمي، الحلبي، ثم الدمشقي، الشافعي.
مدرس الشافعية الصغرى.
كان خيرا، متواضعا، لطيفا، فيه عامية إلا أنه يورد درسه
بحروفه إيرادا حسنا.
سمعت منه عدة أجزاء.
مولده بحلب في المحرم، سنة عشر وست مئة.
ومات في ربيع الاول سنة خمس وتسعين ".
(*)
(1/71)
سمعت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا أمر به المرء
المسلم إذا سها في صلاته، كيف يصنع ؟ فقلت: لا والله، أو
ما سمعت أنت يا أمير المؤمنين من رسول الله في ذلك شيئا ؟
فقال: لا والله.
فبينا نحن في ذلك أتى عبد الرحمن بن عوف فقال: فيم أنتما ؟
فقال عمر: سألته، فأخبره.
فقال له عبد الرحمن: لكني قد سمعت رسول الله صلى الله عليه
وسلم يأمر في ذلك.
فقال له عمر: فأنت عندنا عدل، فماذا سمعت ؟ قال: سمعت رسول
الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إذا سها أحدكم في صلاته
حتى لا يدري أزاد أم نقص، فإن كان شك في الواحدة والثنتين،
فليجعلها واحدة، وإذا شك في الثنتين أو الثلاث، فليجعلها
ثنتين، وإذا شك في الثلاث والاربع، فليجعلها ثلاثا حتى
يكون الوهم في الزيادة، ثم يسجد سجدتين، وهو جالس، قبل أن
يسلم، ثم يسلم (1) ".
هذا حديث حسن، صححه الترمذي، ورواه عن بندار (2)، عن محمد
بن خالد بن عثمة، عن إبراهيم بن سعد، فطريقنا أعلى بدرجة.
ورواه الحافظ ابن عساكر في صدر ترجمة ابن عوف وفيه: فقال:
فحدثنا، فأنت عندنا العدل الرضا.
__________
(1) أخرجه أحمد 1 / 190، والترمذي (398) في الصلاة: باب ما
جاء في الرجل يصلي فيشك في الزيادة والنقصان، وابن ماجه
(1029) في الاقامة: باب ما جاء فيمن شك في صلاته، والحاكم
1 / 324 - 325، وصححه ووافقه الذهبي.
ورواه أحمد 1 / 195 من طريق أخرى بلفظ: " من صلى صلاة يشك
في النقصان، فليصل حتى يشك في الزيادة " وفيه إسماعيل بن
مسلم المكي وهو ضعيف، لكنه يتقوى بالطريق التي قبلها
فيحسن.
وأخرج ابن حبان (533) من طريق عبد الله بن محمد، حدثنا
إسحاق بن إبراهيم، عن عبد العزيز بن محمد، عن زيد بن أسلم،
عن عطاء بن يسار، عن ابن عباس أن رسول الله، صلى الله عليه
وسلم، قال: " إذا صلى أحدكم فلم يدر ثلاثا صلى أم أربعا،
فليصل ركعة، وليسجد سجدتين قبل السلام.
فإن كانت خامسة شفعتها سجدتان، وإن كانت رابعة.
فالسجدتان ترغيم للشيطان ".
(2) هو محمد بن بشار، وقد تحريف في المطبوع.
إلى " مقداد ".
(*)
(1/72)
فأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن كانوا عدولا
فبعضهم أعدل من بعض وأثبت (1).
فهنا عمر قنع بخبر عبد الرحمن، وفي قصة الاستئذان (2)
يقول: ائت بمن يشهد معك، وعلي بن أبي طالب يقول: كان إذا
حدثني رجل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، استحلفته،
وحدثني أبو بكر، وصدق أبو بكر (3).
فلم يحتج علي أن يستحلف الصديق، والله أعلم.
__________
(1) سقطت من المطبوع.
(2) أخرج أحمد 4 / 393، 398، 400، 403، 410، 417، والبخاري
(6245) في الاستئذان: باب التسليم والاستئذان ثلاثا، ومسلم
(2153) في الآداب: باب الاستئذان، وأبو داود (5180) و
(5181) و (5182) و (5183) و (5184) في الادب: باب كم مرة
يسلم الرجل، والترمذي (2691) في الاستئذان: باب ما جاء في
الاستئذان ثلاثا.
وابن ماجه (3706) في الادب: باب الاستئذان، والدارمي 2 /
274 في الاستئذان: باب الاستئذان ثلاثا، واللفظ لمسلم، عن
بسر بن سعيد، قال: سمعت أبا سعيد الخدري يقول: كنت جالسا
بالمدينة في مجلس الانصار، فأتانا أبو موسى فزعا - أو
مذعورا - قلنا: ما شأنك ؟ قال: إن عمر أرسل إلي أن آتيه،
فأتيت
بابه، فسلمت ثلاثا فلم يرد علي، فرجعت.
فقال: ما منعك أن تأتينا ؟ فقلت: إني أتيتك، فسلمت على
بابك ثلاثا فلم يردوا علي، فرجعت.
وقد قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم،: " إذا استأذن
أحدكم ثلاثا فلم يؤذن له فليرجع ".
فقال عمر: أقم عليه البينة وإلا أو جعتك.
فقال أبي بن كعب: لا يقوم معه إلا أصغر القوم.
قال أبو سعيد: قلت: أنا أصغر القوم.
قال: فاذهب به.
وفي رواية أبي داود (5184): فقال عمر لابي موسى: أما إني
لم أتهمك ولكن خشيت أن يتقول الناس على رسول الله، صلى
الله عليه وسلم.
(3) إسناده صحيح، أخرجه أحمد 1 / 2 / 10، وأبو داود (1521)
في الصلاة: باب في الاستغفار، من طريق أبي عوانة، عن عثمان
بن المغيرة الثقفي، عن علي بن ربيعة الاسدي، عن أسماء بن
الحكم الفزاري، قال: سمعت عليا، رضي الله عنه، يقول: كنت
رجلا إذا سمعت من رسول الله، صلى الله عليه وسلم، حديثا
نفعني الله منه بما شاء أن ينفعني.
وإذا حدثني أحد من أصحابه استحلفته فإذا حلف لي صدقته.
قال: وحدثني أبو بكر، وصدق أبو بكر، رضي الله عنه، أنه
قال: سمعت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يقول: " ما من
عبد يذنب ذنبا فيحسن الطهور، ثم يقوم فيصلي ركعتين، ثم
يستغفر الله إلا غفر له، ثم قرأ هذه الآية: (والذين إذا
فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله) وتمامها:
(فاستغفروا لذنوبهم، ومن يغفر الذنوب إلا الله، ولم يصروا
على ما فعلوا وهم يعلمون) [ آل عمران: 135 ]، وأخرجه = (*)
(1/73)
قال المدائني: ولد عبد الرحمن بعد عام الفيل بعشر سنين.
وقال الزبير: ولد الحارث بن زهرة عبدا، و عبد الله، وأمهما
قيلة.
ومن ولد عبد عبد الرحمن بن عوف بن عبد عوف بن عبد.
وكذا نسبه ابن إسحاق، وابن سعد، وأسقط البخاري والفسوي (1)
عبدا من نسبه، وقاله قبلهما عروة، والزهري.
وقال الهيثم الشاشي وأبو نصر الكلاباذي وغيرهما: عبد عوف
بن عبد
الحارث بن زهرة.
وأم عبد الرحمن هي الشفاء بنت عوف بن عبد بن الحارث بن
زهرة.
قاله جماعة.
وقال أبو أحمد الحاكم: أمه صفية بنت عبد مناف بن زهرة بن
كلاب.
ويقال: الشفاء بنت عوف.
إبراهيم بن سعد: حدثني أبي، عن أبيه، عن عبد الرحمن بن عوف
قال: كان اسمي عبد عمرو، فلما أسلمت، سماني رسول الله، صلى
الله عليه وسلم، عبد الرحمن (2).
إبراهيم بن المنذر: حدثنا عبد العزيز بن أبي ثابت، عن سعيد
بن زياد،
__________
= الترمذي (406) في الصلاة، و (3009) في التفسير: باب ومن
سورة آل عمران.
وابن ماجه (1395) في الاقامة: باب ما جاء أن الصلاة كفارة،
والطيالسي ص: (2)، والطبري (7853)، و (7854)، وحسنه
الترمذي، وصححه ابن حبان وأخرجه (2454)، وأبو بكر المروزي
رقم 9، 10، 11.
وانظر " الدر المنثور " 2 / 77.
(1) تصحفت في المطبوع إلى " النسوي ".
(2) أخرجه الحاكم 3 / 306 وصححه، ووافقه الذهبي المؤلف.
(*)
(1/74)
عن حسن بن عمر، عن سهلة بنت عاصم قالت: كان عبد الرحمن بن
عوف أبيض، أعين، أهدب الاشفار، أقنى، طويل النابين
الاعليين، ربما أدمى نابه شفته، له جمة أسفل من أذنيه،
أعنق، ضخم الكتفين.
وروى زياد البكائي عن ابن إسحاق قال: كان ساقط الثنيتين،
أهتم، أعسر، أعرج.
كان أصيب يوم أحد فهتم، وجرح عشرين جراحة، بعضها في رجله،
فعرج (1).
الواقدي: حدثنا عبد الله بن جعفر، عن يعقوب بن عتبة قال:
وكان عبد
الرحمن رجلا طوالا، حسن الوجه، رقيق البشرة، فيه جنأ،
أبيض، مشربا حمرة، لا يغير شيبه (2).
وقال ابن إسحاق: حدثنا صالح بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن
عوف، عن أبيه قال: كنا نسير مع عثمان في طريق مكة، إذ رأى
عبد الرحمن بن عوف، فقال عثمان: ما يستطيع أحد أن يعتد على
هذا الشيخ فضلا في الهجرتين جميعا.
روى نحوه العقدي عن عبد الله بن جعفر، عن عبد الرحمن بن
حميد بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن المسور بن مخرمة، أخبرنا
أبو الحسين علي بن محمد، وجماعة، قالوا: أنبأنا عبد الله
بن عمر، أنبأنا أبو الوقت، أنبأنا أبو الحسن الداوودي،
أنبأنا أبو محمد بن حموية، أنبأنا إبراهيم بن خزيم، حدثنا
__________
(1) أخرجه الحاكم 3 / 308، وفيه " إحدى وعشرون جراحة "
والطبراني (261)، وانظر " الاصابة " 6 / 313، وابن هشام 2
/ 83.
(2) ابن سعد 3 / 1 / 94، والحاكم 3 / 308، و " الاصابة " 6
/ 313 و " الاستيعاب " 6 / 75.
والجنأ: الحدب.
(*)
(1/75)
عبد بن حميد (1)، أنبأنا يحيى بن إسحاق، حدثنا عمارة بن
زاذان، عن ثابت، عن أنس أن عبد الرحمن بن عوف لما هاجر
رسول الله، صلى الله عليه وسلم، آخى بينه وبين عثمان، كذا
هذا، فقال: إن لي حائطين، فاختر أيهما شئت.
قال: بل دلني على السوق، إلى أن قال: فكثر ماله، حتى قدمت
له سبع مئة راحلة تحمل البر والدقيق والطعام، فلما دخلت
سمع لاهل المدينة رجة، فبلغ عائشة فقالت: سمعت رسول الله،
صلى الله عليه وسلم، يقول: " عبد الرحمن لا يدخل الجنة إلا
حبوا "، فلما بلغه قال: يا أمه ! إني أشهدك أنها بأحمالها
وأحلاسها في سبيل
الله (2).
أخرجه أحمد في " مسنده " عن عبد الصمد بن حسان، عن عمارة
وقال حديث منكر.
قلت: وفي لفظ أحمد: فقالت سمعت رسول الله، صلى الله عليه
وسلم، يقول: " قد رأيت عبد الرحمن يدخل الجنة حبوا "،
فقال: إن استطعت لادخلنها قائما.
فجعلها بأقتابها (3) وأحمالها في سبيل الله.
أخبرنا جماعة، كتابة، عن أبي الفرج بن الجوزي، وأجاز لنا
ابن علان وغيره، أنبأنا الكندي، قالا: أنبأنا أبو منصور
القزاز، أنبأنا أبو بكر الخطيب أنبأنا ابن المذهب، أنبأنا
القطيعي حدثنا عبد الله بن أحمد، حدثني أبي، حدثنا هذيل بن
ميمون، عن مطرح بن يزيد، عن عبيدالله بن زحر، عن علي
__________
(1) سقط من المطبوع من قوله " أنبأنا أبو الوقت " إلى قوله
" عبد بن حميد ".
(2) إسناده ضعيف لضعف عمارة بن زاذان.
وأخرجه أحمد 6 / 115 والطبراني (264)، وابن سعد 3 / 1 /
93، وصاحب الحلية 1 / 98.
والاحلاس: جمع حلس.
وهو الكساء الذي يلي ظهر البعير تحت القتب.
(3) القتب: رحل صغير على قدر السنام.
(*)
(1/76)
ابن يزيد، عن القاسم، عن أبي أمامة قال: قال رسول الله،
صلى الله عليه وسلم،: " دخلت الجنة فسمعت خشفة، فقلت: ما
هذا ؟ قيل: بلال.
إلى أن قال: فاستبطأت عبد الرحمن بن عوف، ثم جاء بعد
الاياس.
فقلت: عبد الرحمن ؟ فقال: بأبي وأمي يا رسول الله ! ما
خلصت إليك حتى ظننت أني لا أنظر إليك أبدا.
قال: وما ذاك ؟ قال: من كثرة مالي أحاسب، وأمحص " (1)
إسناده واه.
وأما الذي قبله فتفرد به عمارة، وفيه لين، قال أبو حاتم:
يكتب
حديثه (2)، وقال ابن معين: صالح.
وقال ابن عدي: عندي لا بأس به.
قلت: لم يحتج به النسائي.
وبكل حال فلو تأخر عبد الرحمن عن رفاقه للحساب، ودخل الجنة
حبوا على سبيل الاستعارة، وضرب المثل، فإن منزلته في الجنة
ليست بدون منزلة
__________
(1) الحديث بتمامه أخرجه أحمد 5 / 259 والنص: قال رسول
الله، صلى الله عليه وسلم: " دخلت الجنة فسمعت فيها خشفة
بين يدي.
فقلت: ما هذا ؟ قال: بلال.
فمضيت، فإذا أكثر أهل الجنة فقراء المهاجرين، وذراري
المسلمين ولم أر أحدا أقل من الاغنياء والنساء.
قيل لي: أما الاغنياء فهم ها هنا بالباب يحاسبون ويمحصون،
وأما النساء فألهاهن الاحمران: الذهب والحرير.
قال: ثم خرجنا من أحد أبواب الجنة الثمانية.
فلما كنت عند الباب أتيت بكفة فوضعت فيها ووضعت أمتي في
كفة فرجحت بها.
ثم أتي بأبي بكر، رضي الله عنه، فوضع في كفة وجئ بجميع
أمتي في كفة فوضعوا، فرجح أبو بكر.
وجئ بعمر فوضع في كفة، وجئ بجميع أمتي فوضعوا فرجح عمر،
رضي الله عنه، وعرضت أمتي رجلا رجلا فجعلوا يمرون،
فاستبطأت عبد الرحمن بن عوف.
ثم جاء بعد الاياس.
فقلت: عبد الرحمن ! فقال: بأبي وأمي يا رسول الله، والذي
بعثك بالحق ما خلصت إليك حتى ظننت أني لا أنظر إليك أبدا
إلا بعد المشيبات.
قال: وما ذاك ؟ قال: من كثرة مالي أحاسب وأمحص ".
وإسناده ضعيف لضعف علي بن يزيد الالهاني.
(2) وتمامه كما في " الميزان ": " ولا يحتج به " وقال
البخاري: ربما يضطرب في حديثه.
وقال أحمد: له مناكير.
وقال الدار قطني: ضعيف.
وقال أبو داود: ليس بذاك.
وقول ابن عدي: " لا بأس به " أنه يصلح للمتابعة لا أن
حديثه مقبول إذا تفرد به.
(*)
(1/77)
علي والزبير، رضي الله عن الكل.
ومن مناقبه أن النبي، صلى الله عليه وسلم، شهد له بالجنة،
وأنه من أهل بدر الذين قيل
لهم " اعملوا ما شئتم " (1) ومن أهل هذه الآية: (لقد رضي
الله عن المؤمنين، إذ يبا يعونك تحت الشجرة) [ الفتح: 18 ]
وقد صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وراءه.
__________
(1) قطعة من حديث أخرجه أحمد 1 / 80، والبخاري (3007) في
الجهاد، باب الجاسوس.
و (3081) فيه: باب إذا اضطر الرجل إلى النظر في شعور أهل
الذمة و (3983) في المغازي: باب فضل من شهد بدرا، و (4274)
فيه: باب: غزوة الفتح و (4890) في التفسير: باب لا تتخذوا
عدوي وعدوكم أولياء، و (6259) في الاستئذان، باب: من نظر
في كتاب من يحذر على المسلمين ليستبين أمره و (6939) في
استتابة المرتدين، باب: ما جاء في المتأولين.
ومسلم (2494) في الفضائل: باب من فضائل أهل بدر، وأبو داود
(2650) في الجهاد: باب حكم الجاسوس إذا كان مسلما،
والترمذي (3302) في التفسير: باب ومن سورة الممتحنة.
ونص الحديث للبخاري " عن علي ": بعثني رسول الله صلى الله
عليه وسلم، وأبا مرثد والزبير، وكلنا فارس، قال: انطلقوا
حتى تأتوا روضة خاخ، فإن بها امرأة من المشركين معها كتاب
من حاطب بن أبي بلتعة إلى المشركين فأدركناها تسير على
بعير لها، حيث قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فقلنا:
الكتاب.
فقالت: ما معنا كتاب.
فأنخناها.
فالتمسنا فلم نر كتابا.
فقلنا ما كذب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، لتخرجن
الكتاب أو لنجردنك.
فلما رأت الجد أهوت إلى حجزتها وهي محتجزة بكساء فأخرجته.
فانطلقنا بها إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فقال
عمر: يا رسول الله، قد خان الله ورسوله والمؤمنين، فدعني
فلاضرب عنقه.
فقال النبي، صلى الله عليه وسلم، ما حملك على ما صنعت ؟
قال حاطب: والله ما بي ألا أكون مؤمنا بالله ورسوله صلى
الله عليه وسلم، أردت أن تكون لي عند القوم يد يدفع الله
بها عن أهلي ومالي، وليس أحد من أصحابك إلا له هناك من
عشيرته من يدفع الله به عن أهله وماله، فقال النبي، صلى
الله عليه وسلم، صدق.
ولا تقولوا له إلا خيرا.
فقال عمر: إنه قد خان الله والمؤمنين فدعني فلاضرب عنقه.
فقال: أليس من أهل بدر ؟ فقال: لعل الله اطلع على أهل بدر
فقال: اعملوا ما شئتم فقد وجبت لكم الجنة.
أو فقد غفرت لكم.
فدمعت عينا عمر وقال: الله ورسوله أعلم ".
(*)
(1/78)
أحمد في " المسند ": حدثنا إسماعيل، حدثنا أيوب، عن محمد،
عن عمرو بن وهب الثقفي قال: كنا مع المغيرة بن شعبة، فسئل:
هل أم النبي صلى الله عليه وسلم أحد من هذه الامة غير أبي
بكر ؟ فقال: نعم.
فذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم، توضأ، ومسح على خفيه
وعمامته، وأنه صلى خلف عبد الرحمن بن عوف، وأنا معه، ركعة
من الصبح، وقضينا الركعة التي سبقنا (1).
ولحميد الطويل نحوه عن بكر بن عبد الله، عن حمزة بن
المغيرة، عن أبيه (2).
إبراهيم بن سعد، عن أبيه، عن جده أن رسول الله، صلى الله
عليه وسلم، انتهى إلى عبد الرحمن بن عوف وهو يصلي بالناس،
فأراد عبد الرحمن أن يتأخر، فأومأ إليه: أن مكانك، فصلى
وصلى رسول الله بصلاة عبد الرحمن (3).
__________
(1) أخرجه أحمد 4 / 249 - 250، 251، والنسائي 1 / 77 في
الطهارة، باب كيف المسح على العمامة.
أخرجه مسلم (81)، في الطهارة، من طريق: بكر بن عبد الله
المزني، عن عروة بن المغيرة، عن المغيرة بن شعبة، وأخرجه
أبو داود (151) من طريق عيسى بن يونس، عن أبيه عن الشعبي،
عن عروة بن المغيرة بن شعبة عن المغيرة...وأخرجه البخاري
مختصرا (182) في الوضوء من طريق سعد بن إبراهيم، عن نافع
بن جبير، عن عروة بن المغيرة، عن المغيرة بن شعبة، وفي
(203) و (206) و (363) و (388) و (2918) و (4421) و (5798)
و (5799) مختصرا في هذه المواضع كلها، وابن ماجه (545) في
الطهارة مختصرا كالبخاري أيضا.
وابن سعد 3 / 1 / 91 مطولا، والحافظ في " الاصابة " 6 /
312 والطيالسي رقم (223) و (691).
(2) أخرجه أحمد 4 / 248، وانب ماجه (1236) في الاقامة،
باب: ما جاء في صلاة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، خلف
رجل من أمته.
كلاهما من طريق حميد، عن بكر بن عبد الله، عن حمزة بن
المغيرة بن شعبة عن أبيه...وإسناده صحيح.
والفسوي 1 / 398 - 399.
وأخرجه مسلم (274) (81) في الطهارة: باب المسح على الناصية
والعمامة، من طريق
حميد، عن بكر بن عبد الله المزني، عن عروة بن المغيرة، عن
أبيه.
(3) ذكره الحافظ في " المطالب العالية " (415) ونسبه إلى
أبي يعلى.
(*)
(1/79)
وروى الامام أحمد في " المسند " عن الهيثم بن خارجة، عن
رشدين، عن عبد الله بن الوليد، سمع أبا سلمة بن عبد الرحمن
عن أبيه بنحوه (1) هشام: عن قتادة، عن الحسن، عن المغيرة
بن شعبة، بمثل هذا.
ورواه زرارة بن أوفى، عن المغيرة أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم، صلى خلف عبد الرحمن بن عوف، وجاء عن خليد بن
دعلج، عن الحسن، عن المغيرة.
والحسن مدلس لم يسمع من المغيرة.
عيسى بن يونس: عن عثمان بن عطاء، عن أبيه (2)، عن ابن عمر
أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بعث عبد الرحمن بن عوف
في سرية وعقد له اللواء بيده (3) عثمان ضعيف، لكن روى نحوه
أبو ضمرة، عن نافع بن عبد الله، عن فروة ابن قيس، عن عطاء
بن أبي رباح، عن ابن عمر.
معمر: عن قتادة: (الذين يلمزون المطوعين) [ التوبة: 79 ]
قال: تصدق عبد الرحمن بن عوف بشطر ماله أربعة آلاف دينار.
فقال أناس من المنافقين: إن عبد الرحمن لعظيم الرياء (4).
* (هاش) * (1) أخرجه أحمد 1 / 191 - 192 ونصه: " عن عبد
الرحمن بن عوف، أنه كان مع رسول الله، صلى الله عليه وسلم،
فذهب النبي لحاجته، فأدركهم وقت الصلاة، فتقدمهم عبد
الرحمن بن عوف، فجاء النبي، صلى الله عليه وسلم، فصلى مع
الناس خلفه ركعة.
فلما سلم قال: أصبتم أو أحسنتم ".
ورشدين ضعيف.
لكنه يصلح للمتابعة.
وأبو سلمة لم يسمع من أبيه.
وانظر الفسوي في " المعرفة والتاريخ " 2 / 119.
وقال أحمد شاكر رحمه الله: والقصة نفسها ثابتة من حديث
المغيرة بن شعبة رواها أحمد والبخاري ومسلم.
(2) " عن أبيه " سقطت من المطبوع.
(3) ابن هشام 2 / 632 والخبر هناك طويل جدا، وذكره صاحب
الكنز (30290) ونسبه إلى ابن عساكر.
(4) أخرجه الطبري 10 / 195 حدثنا محمد بن عبد الاعلى، عن
محمد بن ثور عن معمر، عن قتادة.
وانظر " الدر المنثور " 3 / 262.
(*)
(1/80)
وقال ابن المبارك: أنبأنا معمر، عن الزهري قال: تصدق ابن
عوف على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بشطر ماله أربعة
آلاف، ثم تصدق بأربعين ألف دينار، وحمل على خمس مئة فرس في
سبيل الله، ثم حمل على خمس مئة راحلة في سبيل الله.
وكان عامة ماله من التجارة (1).
أخرجه في " الزهد " له.
سليمان بن بنت شرحبيل: أنبأنا خالد بن يزيد بن أبي مالك،
عن أبيه، عن عطاء بن أبي رياح، عن إبراهيم بن عبد الرحمن
بن عوف، عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "
يا ابن عوف ! إنك من الاغنياء، ولن تدخل الجنة إلا زحفا،
فأقرض الله تعالى، يطلق لك قدميك.
قال: فما أقرض يا رسول الله ؟ فأرسل إليه: أتاني جبريل
فقال: مره فليضف الضيف، وليعط في النائبة، وليطعم المسكين
" (2).
خالد بن الحارث وغيره: قالا: حدثنا محمد بن عمرو، عن أبي
سلمة، عن أبيه قال: رأيت الجنة، وأني دخلتها حبوا، ورأيت
أنه لا يدخلها إلا الفقراء.
قلت: إسناده حسن (3)، فهو وغيره منام، والمنام له تأويل.
وقد انتفع ابن عوف رضي الله عنه بما رأى، وبما بلغه، حتى
تصدق بأموال عظيمة، أطلقت
__________
(1) أخرجه الطبراني (265) وأبو نعيم في " الحلية " 1 / 99
وهو في " الاصابة " 6 / 311 ونسبه
صاحب الكنز (36679) إلى ابن عساكر.
ورجاله ثقات.
لكنه منقطع بين الزهري وابن عوف (2) أخرجه الحاكم 3 / 311
وصححه، ولكن الذهبي قال: خالد ضعفه جماعة، وقال النسائي
ليس بثقة، وأخرجه أبو نعيم في " الحلية " 1 / 99 وابن سعد
3 / 1 / 93.
ونسبه صاحب الكنز (36692) إلى ابن عدي وابن عساكر.
(3) تقدم في الصفحة (80) التعليق (1) أن أبا سلمة لم يسمع
من أبيه فهو مرسل.
(*)
(1/81)
له - ولله الحمد - قدميه، وصار من ورثة الفردوس، فلا ضير.
أنبأنا ابن أبي عمر، أنبأنا حنبل، أنبأنا ابن الحصين،
حدثنا ابن المذهب حدثنا أبو بكر، حدثنا عبد الله، حدثني
أبي، حدثنا محمد بن عبيد، حدثنا الاعمش، عن شقيق قال: دخل
عبد الرحمن على أم سلمة، فقال: يا أم المؤمنين ! إني أخشى
أن أكون قد هلكت، إني من أكثر قريش مالا، بعت أرضا لي
بأربعين ألف دينار.
قالت: يا بني ! أنفق، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه
وسلم يقول: " إن من أصحابي من لن يراني بعد أن أفارقه "،
فأتيت عمر فأخبرته.
فأتاها، فقال: بالله ! أنا منهم ؟ قالت: اللهم لا، ولن
أبرئ أحدا بعدك.
رواه أيضا أحمد، عن أبي معاوية، عن الاعمش فقال: عن شقيق،
عن أم سلمة (1).
زائدة: عن عاصم، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال: كان بين
خالد و عبد الرحمن بن عوف شئ، فقال رسول الله، صلى الله
عليه وسلم،: " دعوا إلى أصحابي أو أصيحابي، فإن أحدكم لو
أنفق مثل أحد ذهبا لم يدرك مد أحدهم ولا نصيفه " (2).
__________
(1) أخرجه أحمد 6 / 317، و 298، 312، ورجاله ثقات.
وهو في " الاستيعاب " 6 / 79، 80.
(2) سنده حسن.
وذكره الهيثمي في " المجمع " 10 / 15 ونسبه إلى البزار
وقال: رجاله رجال الصحيح، غير عاصم بن أبي النجود وقد وثق.
وأخرجه مسلم (2540) وابن ماجه (161) كلاهما من طريق أبي
معاوية، عن الاعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة...، ونقل
النووي عن أبي مسعود الدمشقي، قوله: هذا وهم.
والصواب: من حديث أبي معاوية.
عن الاعمش، عن أبي صالح، عن الخدري، لا عن أبي هريرة، وكذا
رواه يحيى بن يحيى وأبو كريب والناس.
(*)
(1/82)
وأما الاعمش فرواه عن أبي صالح، عن أبي سعيد الخدري (1)،
وفي الباب حديث زهير بن معاوية عن حميد، عن أنس (2).
أبو إسماعيل المؤدب، عن إسماعيل بن أبي خالد، [ عن الشعبي
] عن ابن أبي أوفى قال: شكا عبد الرحمن بن عوف خالدا إلى
رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فقال: " يا خالد ! لا تؤذ
رجلا من أهل بدر، فلو أنفقت مثل أحد ذهبا، لم تدرك عمله.
قال: يقعون في فأرد عليهم.
فقال النبي، صلى الله عليه وسلم،: لا تؤذوا خالدا، فإنه
سيف من سيوف الله، صبه الله على الكفار " (3).
لم يروه عن المؤدب سوى الربيع بن ثعلب (4).
وقد روى نحوه جرير بن حازم، عن الحسن مرسلا.
شعبة: أنبأنا حصين، سمعت هلال بن يساف يحدث عن عبد الله بن
ظالم المازني، عن سعيد بن زيد أن رسول الله، صلى الله عليه
وسلم، كان على حراء ومعه أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي،
وطلحة، والزبير، وسعد، و عبد الرحمن بن عوف
__________
(1) أخرجه البخاري 7 / 27، 28 في فضائل أصحاب النبي، صلى
الله عليه وسلم، ومسلم (2541)، وأبو داود (4658)، والترمذي
(3860)، وأحمد 3 / 11.
(2) أخرجه أحمد 3 / 266، وذكره الهيثمي في " المجمع " 10 /
15 عن أحمد وقال: رجاله رجال الصحيح.
(3) ذكره الهيثمي في المجمع 9 / 349، ونسبه إلى الطبراني
في الصغير " و " الكبير " باختصار والبزار بنحوه، وقال:
رجال الطبراني ثقات.
وأخرجه الخطيب البغدادي 12 / 150، والحاكم 3 / 298، وصححه،
وتعقبه الذهبي بقوله: رواه ابن إدريس، عن ابن أبي خالد، عن
الشعبي مرسلا.
وهو أشبه.
(4) وهو ثقة مترجم في " الجرح والتعديل " 3 / 456 وباقي
رجال الاسناد ثقات.
(*)
(1/83)
فقال: " أثبت حراء ! فإنما عليك نبي أو صديق أو شهيد "
(1).
وذكر سعيد أنه كان معهم.
وكذا رواه جرير، وهشيم، وأبو الاحوص، والابار، عن حصين.
وأخرجه أرباب السنن الاربعة من طريق شعبة وجماعة كذلك،
ورواه ابن إدريس ووكيع، عن سفيان، عن منصور عن هلال بن
يساف.
قال أبو داود: ورواه الاشجعي عن سفيان، عن منصور، فقال: عن
هلال (2)، عن ابن حيان، عن عبد الله بن ظالم، عن سعيد،
تابعه قاسم الجرمي عن سفيان، وصححه الترمذي.
وجاه عن سفيان، عن منصور وحصين، عن هلال عن سعيد نفسه.
أبو قلابة الرقاشي: حدثنا عمر بن أيوب، حدثنا محمد بن معن
الغفاري، حدثنا مجمع بن يعقوب، عن أبيه، عن عبد الرحمن بن
عبد الله بن مجمع أن عمر قال لام كلثوم بنت عقبة، امرأة
عبد الرحمن بن عوف: أقال لك رسول الله، صلى الله عليه
وسلم، انكحي سيد المسلمين عبد الرحمن بن عوف ؟ قالت: نعم
(3)
__________
(1) أخرجه أحمد 1 / 188، 189، وأبو داود (4648) في السنة:
باب في الخلفاء، والترمذي (3758) في المناقب، باب: مناقب
سعيد بن زيد وقال: هذا حديث حسن صحيح.
وابن ماجه (134) في المقدمة: باب فضائل العشرة.
(2) سقط من المطبوع من قوله: " بن يساف " إلى قوله " عن
هلال ".
(3) أخرجه ابن عساكر من طريق: عبد الرحمن بن حميد.
عن أبيه، عن أمه أم كلثوم بنت عقبة ابن أبي معيط، عن بسرة
بنت صفوان، عن النبي، صلى الله عليه وسلم، أنه قال: "
أنكحوا عبد الرحمن بن عوف، فإنه من خيار المسلمين، ومن
خيارهم من كان مثله ".
وأخرجه البخاري في " التاريخ الصغير " 1 / 90 من طريق:
إبراهيم بن حمزة، عن سليمان بن سالم، مولى عبد الرحمن بن
حميد، عن عبد الرحمن بن حميد، عن أبيه أن النبي صلى الله
عليه وسلم، دعا بسرة بنت صفوان وقال: من يخطب أم كلثوم ؟
قالت: فلان، فلان، و عبد الرحمن بن عوف قال: أنكحوا عبد
الرحمن من خيار المسلمين.
فأرسلت إلى أخيها الوليد أنكحني عبد الرحمن الساعة ".
(*)
(1/84)
علي بن المديني: حدثني سفيان، عن ابن أبي نجيح أن عمر سأل
أم كلثوم بنحوه.
ويروى من وجهين (1)، عن عبد الرحمن بن حميد بن عبد الرحمن،
عن أبيه، عن أمه أم كلثوم نحوه (2) معمر: عن الزهري: حدثني
عبيدالله بن عبد الله أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم،
أعطى رهطا فيهم عبد الرحمن بن عوف، فلم يعطه.
فخرج يبكي.
فلقيه عمر فقال: ما يبكيك ؟ فذكر له، وقال: أخشى أن يكون
منعه موجدة وجدها علي.
فأبلغ عمر رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فقال: " لكني
وكلته إلى إيمانه " (3) قريش بن أنس: عن محمد بن عمرو، عن
أبي سلمة، عن أبي هريرة أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم،
قال: " خياركم خياركم لنسائي ".
فأوصى لهن عبد الرحمن بحديقة، قومت بأربع مئة ألف (4).
قال عبد الله بن جعفر الزهري: حدثتنا أم بكر بنت المسور،
أن عبد الرحمن باع أرضا له من عثمان بأربعين ألف دينار،
فقسمه في فقراء بني
__________
(1) تحرفت في المطبوع إلى " حصين ".
(2) أخرجه الحاكم 3 / 309 وصححه، وتعقبه الذهبي بقوله: في
إسناده يعقوب بن محمد الزهري، وهو ضعيف.
(3) أخرجه عبد الرزاق (20410) وهو مرسل.
وعبيدالله بن عبد الله إن كان ابن ثعلبة فهو مجهول، وإن
كان عبيدالله بن عبد الله بن أبي، أو عبيدالله بن عبد الله
بن عتبة، أو عبيدالله بن عبد الله بن عمر بن الخطاب.
فكل واحد من هؤلاء ثقة وروى عنهم الزهري.
على أنه جاء في " مصنف عبد الرزاق " عبيدالله بن عبد الله
بن عبيد، ولم نتبينه وذكره صاحب الكنز (36677)، ونسبه إلى
ابن منده، وابن عساكر.
(4) أخرجه الحاكم 3 / 311 - 312، وقال: صحيح على شرط مسلم،
ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي.
وأخرجه الترمذي (3750) وقال: حديث حسن غريب.
وقد وقع في مطبوع الترمذي بتحقيق إبراهيم عطوة تحريفات
ثلاثة قبيحة فقد جاء فيه " قيس " بدل " قريش " وبحذيقة "
بدل " بحديقة " و " يبعث " بدل " بيعت ".
(*)
(1/85)
زهرة، وفي المهاجرين، وأمهات المؤمنين.
قال المسور: فأتيت عائشة بنصيبها، فقالت: من أرسل بهذا ؟
قلت: عبد الرحمن، قالت: أما إني سمعت رسول الله، صلى الله
عليه وسلم، يقول: " لا يحنو عليكن بعدي إلا الصابرون "،
سقى الله ابن عوف من سلسبيل الجنة.
أخرجه أحمد في " مسنده " (1).
علي بن ثابت الجزري: عن الوازع، عن أبي سلمة، عن عائشة،
قالت: جمع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، نساءه في مرضه
فقال: " سيحفظني فيكن الصابرون الصادقون " (2).
ومن أفضل أعمال عبد الرحمن عزله نفسه من الامر وقت الشورى،
واختياره للامة من أشار به أهل الحل والعقد، فنهض في ذلك
أتم نهوض
على جمع الامة على عثمان، ولو كان محابيا فيها، لاخذها
لنفسه، أو لولاها ابن عمه وأقرب الجماعة إليه سعد بن أبي
وقاص.
ويروى عن عبد الله بن نيار الاسلمي (3)، عن أبيه قال: كان
عبد الرحمن ابن عوف ممن يفتي في عهد رسول الله، صلى الله
عليه وسلم، وأبي بكر، وعمر بما سمع من رسول الله، صلى الله
عليه وسلم.
__________
(1) أخرجه أحمد 6 / 104، 135، وأم بكر بنت المسور مجهولة،
وأخرجه الحاكم 3 / 310 - 311، وصححه، وتعقبه الذهبي بقوله:
ليس بمتصل.
(2) إسناده ضعيف لضعف الوازع وهو ابن نافع العقيلي الجزري.
قال ابن معين وأحمد: ليس بثقة.
وقال البخاري: منكر الحديث.
وقال النسائي: متروك.
وقال ابن عدي: عامة ما يرويه الوازع غير محفوظ.
(3) تحرف في المطبوع إلى " عبد الله بن دينار " وسقط منه
لفط: " الاسلمي ".
(*)
(1/86)
قال يزيد بن هارون: حدثنا أبو المعلى الجزري، عن ميمون بن
مهران، عن ابن عمر، أن عبد الرحمن قال لاهل الشورى: هل لكم
أن أختار لكم وأنفصل منها ؟ قال علي: نعم.
أنا أول من رضي، فإني سمعت رسول الله، صلى الله عليه وسلم،
يقول: " إنك أمين في أهل السماء، أمين في أهل الارض " (1).
أخرجه الشاشي (2)، في " مسنده " وأبو المعلى (3) ضعيف.
ذكر مجالد، عن الشعبي أن عبد الرحمن بن عوف حج بالمسلمين
في سنة ثلاث عشرة.
جويرية بن أسماء: عن مالك، عن الزهري، عن سعيد أن سعد بن
أبي وقاص أرسل إلى عبد الرحمن رجلا وهو قائم يخطب: أن ارفع
رأسك إلى أمر الناس.
أي ادع إلى نفسك.
فقال عبد الرحمن: ثكلتك أمك ! إنه لن يلي هذا
الامر أحد بعد عمر إلا لامه الناس (4).
تابعه أبو أويس عبد الله، عن الزهري " ابن سعد: أنبأنا عبد
العزيز الاويسي، حدثنا عبد الله بن جعفر، عن أم بكر، عن
أبيها المسور قال: لما ولي عبد الرحمن بن عوف [ الشورى ]
__________
(1) أخرجه ابن سعد 3 / 1 / 95، وأبو نعيم في " الحلية " 1
/ 98، وابن عبد البر في " الاستيعاب " 6 / 74، والحافظ في
" الاصابة " 6 / 312، والحاكم 3 / 310، وصححه، وقال
الذهبي: أبو المعلى هو فرات بن السائب تركوه.
ونقل في " ميزانه " قول البخاري فيه: منكر الحديث، وقول
ابن معين: ليس بشئ، وقول الدار قطني وغيره: متروك.
ونسبه الحافظ في المطالب العالية (4008) إلى أحمد بن منيع،
وقد ضعفه البوصيري.
(2) الشاشي: هو الهيثم بن كليب، بن شريح، بن معقل الشاشي.
محدث ما وراء النهر، ومؤلف " المسند الكبير ".
توفي سنة (335) ومسنده منه نسخة في ظاهرية دمشق.
وقد تحرف " الشاشي " في المطبوع إلى " المشاشي ".
(3) تحرفت في المطبوع إلى " يعلى ".
(4) رجاله ثقات.
وسعيد هو ابن المسيب.
(*)
(1/87)
كان أحب الناس إلي أن يليه، فإن ترك، فسعد.
فلحقني عمرو بن لعاص فقال: ما ظن خالك عبد الرحمن بالله،
إن ولى هذا الامر أحدا، وهو يعلم أنه خير منه ؟ فأتيت عبد
الرحمن فذكرت ذلك له.
فقال: والله لان تؤخذ مدية، فتوضع في حلقي، ثم ينفذ بها [
إلى الجانب الآخر ] أحب إلي من ذلك (1).
ابن وهب: حدثنا ابن لهيعة، عن يحيى بن سعيد، عن أبي عبيد
بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أزهر، عن أبيه، عن جده أن
عثمان اشتكى رعافا،
فدعا حمران، فقال: اكتب لعبد الرحمن العهد من بعدي، فكتب
له، وانطلق حمران إلى عبد الرحمن، فقال: البشرى ! قال: وما
ذاك ؟ قال: إن عثمان قد كتب لك العهد (2) من بعده.
فقام بين القبر والمنبر، فدعا، فقال: اللهم إن كان من
تولية عثمان إياي هذا الامر، فأمتني قبله.
فلم يمكث إلا ستة أشهر حتى قبضه الله (3).
يعقوب بن محمد الزهري: حدثنا إبراهيم بن محمد بن عبد
العزيز، عن رجل، عن طلحة بن عبد الله بن عوف قال: كان أهل
المدينة عيالا على عبد الرحمن بن عوف: ثلث يقرضهم ماله،
وثلث يقضي دينهم، ويصل ثلثا.
مبارك بن فضالة: عن علي بن زيد، عن ابن المسيب قال: كان
بين طلحة وابن عوف تباعد.
فمرض طلحة، فجاء عبد الرحمن يعوده، فقال طلحة:
__________
(1) أخرجه ابن سعد 3 / 1 / 94 - 95.
ورجاله ثقات.
غير أم بكر بنت المسور، فإنها لا تعرف.
(2) سقطت من المطبوع.
(3) أبو عبيد بن عبد الله، بن عبد الرحمن، بن أزهر لم نجد
له ترجمة.
وأبوه لم يوثقه غير ابن حبان.
وانظر الفتح 7 / 80.
(*)
(1/88)
أنت والله يا أخي خير مني.
قال: لا تفعل (1) يا أخي، قال: بلى والله، لانك لو مرضت ما
عدتك.
ضمرة بن ربيعة: عن سعد بن الحسن (2) قال: كان عبد الرحمن
بن عوف لايعرف من بين عبيده.
شعيب بن أبي (3) حمزة: عن الزهري، حدثني إبراهيم بن عبد
الرحمن، قال: غشي على عبد الرحمن بن عوف في وجعه (4) حتى
ظنوا أنه قد فاضت نفسه، حتى قاموا من عنده، وجللوه.
فأقاق يكبر، فكبر أهل البيت، ثم قال
لهم، غشي علي آنفا ؟ قالوا: نعم.
قال: صدقتم ! انطلق بي في غشيتي رجلان أجد فيهما شدة
وفظاظة، فقالا: انطلق نحاكمك إلى العزيز الامين، فانطلقا
بي حتى لقيا رجلا، قال: أين تذهبان بهذا ؟ قالا: نحاكمه
إلى العزيز الامين.
فقال: ارجعا، فإنه من الذين كتب الله لهم السعادة والمغفرة
وهم في بطون أمهاتهم، وإنه سيمتع به بنوه إلى ما شاء الله،
فعاش بعد ذلك شهرا (5).
__________
(1) أشار إليها هكذا الدكتور المنجد في هامش مطبوعه، غير
أنه أثبت مكانها " لا تقل ".
(2) في الاصل " سعيد بن الحسين " وقد أثبت فوقه إشارة
الخطأ.
وما أثبتناه هو الصواب.
فقد ترجمه ابن أبي حاتم في " الجرح والتعديل " 4 / 82
فقال: سعد بن الحسن، أبو همام روى الحديث عن ليث، وزائدة،
وروى عنه: ضمرة ومحمد بن يوسف الفريابي.
وقد التبس على المنجد فحرفه إلى " سعيد بن جبير ".
(3) سقطت من المطبوع لفظة " أبي ".
(4) تحرفت في المطبوع إلى " مرضه ".
(5) إسناده صحيح، وأخرجه الفسوي في " المعرفة والتاريخ " 1
/ 367.
وأخرجه الحاكم 3 / 307 من طريق: أبي اليمان، عن شعيب، عن
الزهري، بأطول مما هنا.
وأخرجه ابن سعد 3 / 1 / 95 من طريق: محمد بن كثير العبدي،
عن سليمان بن كثير، عن الزهري.
وذكره الحافظ في " المطالب العالية " (4007) ونسبه إلى أبي
إسحاق.
وقال البوصيري: إسناده صحيح.
وذكره صاحب الكنز (36689) ونسبه إلى أبي نعيم، وابن عساكر.
(*)
(1/89)
رواه الزبيدي (1) وجماعة عن الزهري، ورواه سعد بن إبراهيم
عن أبيه.
ابن لهيعة: عن أبي الاسود، عن عروة أن عبد الرحمن بن عوف
أوصى بخمسين ألف دينار في سبيل الله، فكان الرجل يعطى منها
ألف دينار.
وعن الزهري أن عبد الرحمن أوصى للبدريين، فوجدوا مئة،
فأعطى كل
واحد منهم أربع مئة دينار، فكان منهم عثمان، فأخذها.
وبإسناد آخر، عن الزهري: أن عبد الرحمن أوصى بألف فرس في
سبيل الله.
قال إبراهيم بن سعد (2): عن أبيه، عن جده: سمع عليا يقول
يوم مات عبد الرحمن بن عوف: اذهب يا ابن عوف ! فقد أدركت
صفوها وسبقت رنقها (3).
الرنق: الكدر.
قال سعد بن إبراهيم، عن أبيه قال: رأيت سعدا في جنازة عبد
الرحمن ابن عوف، وهو بين يدي السرير، وهو يقول: واجبلاه !
(4).
رواه جماعة عن سعد.
معمر: عن ثابت، عن أنس قال: رأيت عبد الرحمن بن عوف، قسم
لكل امرأة من نسائه بعد موته مئة ألف.
__________
(1) تحرفت في المطبوع إلى " الترمذي " والزبيدي: هو محمد
بن الوليد بن عامر الزبيدي، الحمصي، القاضي.
ثقة، ثبت من كبار أصحاب الزهري.
(2) " إبراهيم بن سعد " تحرف في المطبوع إلى " سعد بن
إبراهيم ".
وأبوه هو سعد بن إبراهيم، وجده هو إبراهيم بن عبد الرحمن
بن عوف.
(3) إسناده صحيح.
وأخرجه الطبراني (263) في " الكبير ".
وأبو نعيم في " الحلية " 1 / 100، وابن سعد 3 / 1 / 96.
(4) أخرجه ابن سعد 3 / 1 / 96 والحاكم 3 / 308.
وقد زيدت في " المستدرك " خطأ لفظة " عن جده وكذلك عند
الفسوي في " المعرفة والتاريخ " 1 / 213 وبدون زيادة هذه
اللفظة " عن جده " 1 / 222.
(*)
(1/90)
وروى هشام عن ابن سيرين قال: اقتسمن ثمنهن (1) ثلاث مئة
ألف وعشرين ألفا.
وروى نحوه ليث بن أبي مسلم، عن مجاهد، وقد استوفى صاحب
تاريخ دمشق أخبار عبد الرحمن في أربعة كراريس.
ولما هاجر إلى المدينة كان فقيرا لا شئ له، فآخى رسول الله
صلى الله عليه وسلم بينه وبين سعد بن الربيع أحد النقباء،
فعرض عليه أن يشاطره نعمته، وأن يطلق له أحسن زوجتيه، فقال
له: بارك الله لك في أهلك ومالك، ولكن دلني على السوق.
فذهب، فباع واشترى، وربح، ثم لم ينشب أن صار معه دراهم،
فتزوج امرأة على زنة نواة من ذهب، فقال له النبي صلى الله
عليه وسلم، وقد رأى عليه أثرا من صفرة: " أو لم ولو بشاة "
ثم آل أمره في التجارة إلى ما آل (2).
__________
(1) وقد تحرفت في المطبوع إلى " منهن ".
وهو ثمن الزوجات من الميراث.
(2) أخرج البخاري (2048) في البيوع: باب قوله تعالى (فإذا
قضيت الصلاة)، و (3780) في مناقب الانصار: باب إخاء النبي
بين المهاجرين والانصار، من طريق عبد العزيز بن عبد الله،
عن إبراهيم بن سعد، عن أبيه عن جده قال: قال عبد الرحمن بن
عوف، رضي الله عنه: " لما قدمنا المدينة آخى رسول الله،
صلى الله عليه وسلم، بيني وبين سعد بن الربيع.
فقال سعد بن الربيع: إني أكثر الانصار مالا، فأقسم لك نصف
مالي.
وانظر أي زوجتي هويت نزلت لك عنها فإذا حلت تزوجتها.
قال: فقال له عبد الرحمن: لا حاجة لي في ذلك.
هل من سوق فيه تجارة ؟ قال: سوق قينقاع.
قال: فغدا إليه عبد الرحمن فأتى بأقط وسمن.
قال: ثم تابع الغدو.
فما لبث أن جاء عبد الرحمن عليه أثر صفرة.
فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم، تزوجت ؟ قال: نعم.
قال: ومن ؟ قال: امرأة من الانصار.
قال: كم سقت ؟ قال: زنة نواة من ذهب - أو نواة من ذهب -
فقال له النبي، صلى الله عليه وسلم: أولم ولو بشاة ".
وانظر البخاري أيضا (3781) و (2049) و (2292) و (3937) و
(5072) و (5148) و (5153) و (5155) و (5167) و (6072) و
(6386).
وأخرجه ابن ماجه (1907) في النكاح مختصرا،
والدارمي 2 / 104 في الاطعمة، و 2 / 143 في النكاح، وابن
سعد 3 / 1 / 88، 89.
(*)
(1/91)
أرخ المدائني، والهيثم بن عدي (1)، وجماعة وفاته في سنة
اثنتين وثلاثين، وقال المدائني: ودفن بالبقيع، وقال يعقوب
بن المغيرة: عاش خمسا وسبعين سنة (2).
قال أبو عمر بن عبد البر: كان مجدودا في التجارة.
خلف ألف بعير، وثلاثة آلاف شاة، ومئة فرس.
وكان يزرع بالجرف (3) على عشرين ناضحا.
قلت: هذا هو الغني الشاكر، وأويس فقير صابر، وأبو ذر أو
أبو عبيدة زاهد عفيف.
حسين الجعفي: عن جعفر بن برقان قال: بلغني أن عبد الرحمن
بن عوف أعتق ثلاثين ألف بيت (4).
5 - سعد بن أبي وقاص *
(ع) واسم أبي وقاص مالك بن أهيب بن عبد مناف بن زهرة بن
كلاب بن مرة ابن كعب بن لؤي.
__________
(1) في الاصل " علي " وهو خطأ.
والهيثم بن عدي هذا أخباري، راوية، له تآليف كثيرة.
ترجمه ياقوت في " معجم الادباء " 19 / 304 - 310.
(2) الحاكم 3 / 308.
(3) موضع على ثلاثة أميال من المدينة نحو الشام.
(4) هو في " حلية الاولياء " 1 / 99 وفيه " نبت " بدل "
بيت " وهو تحريف.
(*) مسند أحمد: 1 / 168 - 187، فتوح البلدان: 315، طبقات
ابن سعد: 3 / 1 / 97 - 105، نسب قريش: 94، 251، 263، 269،
393، 421، طبقات خليفة: 15، 126، تاريخ خليفة: 223،
التاريخ الكبير: 4 / 43، التاريخ الصغير: 1 / 99 - 101،
المعارف: 241 - 244،
مشاهير علماء الامصار: ت: 10، حلية الاولياء: 1 / 92 - 95،
الاستيعاب: 4 / 170 - 177، تاريخ بغداد: 1 / 144 - 146،
تاريخ ابن عساكر: 7 / 66 / 2، جامع الاصول: 9 / 10 - 18،
أسد الغابة: = (*)
(1/92)
الامير أبو إسحاق القرشي الزهري المكي.
أحد العشرة، وأحد السابقين الاولين، وأحد من شهد بدرا
والحديبية، وأحد الستة أهل الشورى.
روى جملة صالحة من الحديث، وله في " الصحيحين " خمسة عشر
حديثا، وانفرد له البخاري بخمسة أحاديث، ومسلم بثمانية عشر
حديثا.
حدث عنه ابن عمر، وعائشة، وابن عباس، والسائب بن يزيد،
وبنوه: عامر، وعمر، ومحمد (1)، ومصعب، وإبراهيم، وعائشة،
وقيس بن أبي حازم، وسعيد بن المسيب، وأبو عثمان النهدي،
وعمرو بن ميمون، والاحنف بن قيس، وعلقمة بن قيس، وإبراهيم
بن عبد الرحمن بن عوف، ومجاهد، وشريح بن عبيد الحمصي،
وأيمن المكي، وبشر بن سعيد، وأبو عبد الرحمن السلمي، وأبو
صالح ذكوان، وعروة بن الزبير، وخلق سواهم.
أخبرنا محمد بن عبد السلام بن المطهر التميمي، أنبأنا
عبدالمعز (2) بن محمد، في كتابه، أنبأنا تميم بن أبي سعيد،
أنبأنا محمد بن عبد الرحمن، أنبأنا أبو عمرو بن حمدان،
أنبأنا أبو يعلى الموصلي، حدثنا علي بن الجعد، أنبأنا
شعبة، عن أبي عون: سمعت جابر بن سمرة قال: قال عمر لسعد:
قد
__________
= 2 / 366 - 370، تهذيب الاسماء واللغات: 1 / 213 - 214،
تهذيب الكمال: 478، دول الاسلام: 1 / 40، تاريخ الاسلام: 2
/ 281، العبر: 1 / 60، نكت الهميان: 155، مجمع الزوائد: 9
/ 153 - 160، العقد الثمين: 4 / 537 - 547، طبقات القراء:
1 / 304، تهذيب التهذيب: 3 / 483، الاصابة: 4 / 160 - 164،
النجوم الزاهرة: 1 / 147، تاريخ الخلفاء: 250، خلاصة تذهيب
الكمال: 135، كنز العمال: 13 / 212 - 213، شذرات الذهب: 1
/ 61، تهذيب تاريخ ابن
عساكر: 6 / 95 - 110.
(1) سقط من المطبوع " ومحمد ".
(2) تصحفت في المطبوع إلى " العزيز ".
(*)
(1/93)
شكوك في كل شئ حتى في الصلاة.
قال: أما أنا، فإني أمد (1) في الاوليين وأحذف في
الاخريين، وما آلو ما اقتديت به من صلاة رسول الله، صلى
الله عليه وسلم، قال: ذاك الظن بك، أو كذاك الظن بك (2).
أبو عون الثقفي.
هو محمد بن عبيدالله، متفق عليه.
وبه إلى أبي يعلى، حدثنا زهير، حدثنا إسماعيل بن عمر،
حدثنا يونس ابن أبي إسحاق، حدثنا إبراهيم بن محمد بن سعد،
حدثني والدي، عن أبيه قال: مررت بعثمان في المسجد، فسلمت
عليه، فملا عينيه [ مني ] (3) ثم لم يرد علي السلام.
فأتيت عمر، فقلت: يا أمير المؤمنين ! هل حدث في الاسلام شئ
؟ قال: وما ذاك ؟ قلت: إني مررت بعثمان آنفا، فسلمت، فلم
يرد علي.
فأرسل عمر إلى عثمان، فأتاه، فقال: ما يمنعك أن تكون رددت
على أخيك السلام ؟ قال: ما فعلت.
قلت: بلى، حتى حلف وحلفت، ثم إنه ذكر فقال: بلى، فأستغفر
الله وأتوب إليه، إنك مررت بي آنفا، وأنا أحدث نفسي بكلمة
سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا والله ما
ذكرتها قط إلا يغشى بصري وقلبي غشاوة.
فقال سعد: فأنا أنبئك بها.
إن رسول الله، ذكر لنا أول (4) دعوة، ثم جاءه أعرابي
فشغله، ثم قام رسول الله، فاتبعته، فلما
__________
(1) في الاصل " أمر " وهو خطأ.
(2) أخرجه أحمد 1 / 175، والبخاري (770) في الاذان: باب
يطول في الاوليين، ويحذف في الاخريين، ومسلم (453) في
الصلاة، باب: تخفيف الاخريين.
والنسائي 2 / 174 في الافتتاح:
باب الركود في الركعتين الاوليين.
كلهم من طريق: شعبة، عن أبي عون، عن جابر.
وأخرجه البخاري (758)، ومسلم (453) (159)، وأحمد 1 / 176،
179، 180، والطبراني برقم (290) من طرق عن جابر.
(3) سقطت من الاصل.
واستدركت من " المسند ".
(4) في الاصل " لها أهل " والتصويب من " المسند ".
(*)
(1/94)
أشفقت أن يسبقني إلى منزله، ضربت بقدمي الارض، فالتفت إلي،
فالتفت، فقال: أبو إسحاق ؟ قلت: نعم يا رسول الله.
قال: فمه ؟ قلت لا والله، إلا أنك ذكرت لنا أول دعوة ثم
جاء هذا الاعرابي.
فقال: نعم، دعوة ذي النون: (لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت
من الظالمين) [ الانبياء: 87 ] فإنها لم يدع بها مسلم ربه
في شئ قط إلا استجاب له (1).
أخرجه الترمذي من طريق الفريابي، عن يونس.
ابن وهب: حدثني أسامة بن زيد الليثي، حدثني ابن شهاب أن
عبد الرحمن بن المسور قال: خرجت مع أبي، وسعد، و عبد
الرحمن بن الاسود ابن عبد يغوث عام أذرح.
فوقع الوجع بالشام، فأقمنا بسرغ خمسين ليلة، ودخل علينا
رمضان، فصام المسور و عبد الرحمن، وأفطر سعد وأبى أن يصوم،
فقلت له: يا أبا إسحاق ! أنت صاحب رسول الله صلى الله عليه
وسلم، وشهدت بدرا، وأنت تفطر وهما صائمان ؟ قال: أنا أفقه
منهما (2).
ابن جريج: حدثني زكريا بن عمرو (3) أن سعد بن أبي وقاص وفد
على
__________
(1) أخرجه أحمد 1 / 170، والترمذي (3500) في الدعوات: باب
دعوة ذي النون في بطن الحوت.
وذكره الهيثمي في " المجمع " 7 / 68، ونسبه إلى أحمد،
وقال: ورجاله رجال الصحيح، غير إبراهيم بن محمد بن سعد بن
أبي وقاص وهو ثقة.
وصححه الحاكم 2 / 382 ووافقه الذهبي.
وهو كما قالا، وذكره السيوطي في " الدر المنثور " 4 / 334
وزاد نسبته للنسائي والحكيم الترمذي في " نوادر الاصول "،
وابن جرير، وابن أبي حاتم، والبزار، وابن مردويه، والبيهقي
في " الشعب ".
وانظر ابن كثير 4 / 580 - 589.
(2) إسناده حسن، وأخرجه الفسوي في " المعرفة والتاريخ " 1
/ 369 - 370.
وذكره ابن حزم في " المحلى " 6 / 248.
(3) كذا الاصل " عمرو " بواو.
وفي " التاريخ الكبير " 3 / 450 و " الجرح والتعديل " 3 /
598، و " مصنف عبد الرزاق ": " عمر " بدونها.
(*)
(1/95)
معاوية، فأقام عنده شهرا يقصر الصلاة، وجاء شهر رمضان،
فأفطره (1) منقطع.
شعبة وغيره: عن حبيب بن أبي ثابت سمعت عبد الرحمن بن
المسور قال: كنا في قرية من قرى الشام يقال لها عمان،
ويصلي سعد ركعتين، فسألناه، فقال: إنا نحن أعلم (2).
ابن عيينة، عن عمرو قال: شهد سعد وابن عمر الحكمين.
ابن عيينة، عن علي بن زيد، عن سعيد بن المسيب، عن سعد:
قلت: يا رسول الله من أنا ؟ قال: سعد بن مالك بن وهيب بن
عبد مناف بن زهرة، من قال غير هذا، فعليه لعنة الله (3).
قال ابن سعد: وأمه حمنة بنت سفيان بن أمية بن عبد شمس بن
عبد مناف (4).
قال ابن مندة: أسلم سعد ابن سبع عشرة سنة.
وكان قصيرا، دحداحا،
__________
(1) أخرجه عبد الرزاق (4351) وزكريا بن عمر له يوثقه غير
ابن حبان، وهو لم يدرك سعدا.
فالخبر منقطع كما قال المؤلف.
(2) أخرجه عبد الرزاق (4350) عن الثوري عن حبيب...،
والطحاوي في " شرح معاني الآثار " 1 / 244 من طريق: شعبة،
عن حبيب، ورجاله ثقات.
(3) إسناده ضعيف لضعف علي بن زيد وهو ابن جدعان.
وأخرجه الطبراني في " الكبير " (289)، والحاكم 3 / 495.
والفسوي 3 / 166، وابن سعد 3 / 1 / 97 من طريق علي بن زيد،
عن سعيد بن المسيب.
وقد ذكره الهيثمي في " المجمع " 9 / 153 وقال: رواه
الطبراني، والبزار مسندا ومرسلا.
ورجال المسند وثقوا.
(4) " الطبقات لابن سعد " 3 / 1 / 97، والحاكم 3 / 495،
وفي " الاصابة " 4 / 160 وفيه " أمه حمزة " وهو خطأ.
(*)
(1/96)
شثن الاصابع، غليظا، ذا هامة.
توفي بالعقيق في قصره، على سبعة أميال من المدينة.
وحمل إليها سنة خمس وخمسين.
الواقدي: عن بكير بن مسمار (1) عن عائشة بنت سعد قالت: كان
أبي رجلا قصيرا، دحداحا، غليظا، ذا هامة، شثن الاصابع،
أشعر، يخضب بالسواد (2).
وعن إسماعيل بن محمد بن سعد قال: كان سعد جعد الشعر، أشعر
الجسد، آدم، أفطس، طويلا (3).
يعقوب بن محمد الزهري: أنبأنا إسحاق بن جعفر، و عبد العزيز
بن عمران، عن عبد الله بن جعفر بن المسور، عن إسماعيل بن
محمد بن سعد، عن عامر بن سعد، عن أبيه قال: رد رسول الله
صلى الله عليه وسلم عمير بن أبي وقاص عن بدر، استصغره،
فبكى عمير، فأجازه، فعقدت عليه حمالة سيفه، ولقد شهدت بدرا
وما في وجهي شعرة واحدة أمسحها بيدي (4).
جماعة: عن هاشم بن هاشم، عن سعيد بن المسيب، سمعت سعدا
__________
(1) سقط من المطبوع " عن بكير بن مسمار ".
(2) ابن سعد 3 / 1 / 101 والحاكم 3 / 496، والطبراني في "
الكبير " برقم (294).
(3) أخرجه الطبراني في " الكبير " (293) وقد ذكره الهيثمي
في " المجمع " 9 / 153 وقال: وفيه: عبد العزيز بن عمران
وهو متروك.
(4) إسناده محتمل للتحسين.
يعقوب بن محمد الزهري صدوق، وما رواه عن الثقات مقبول كما
قال ابن معين.
وهذا رواه عن ثقة وعن ضعيف.
فإسحاق بن جعفر صدوق، و عبد العزيز بن، عمران متروك كما
تقدم، وباقي رجال السند ثقات.
(*)
(1/97)
يقول: ما أسلم أحد في اليوم الذي أسلمت، ولقد مكثت سبع
ليال وإني لثلث الاسلام (1).
وقال يوسف بن الماجشون: سمعت عائشة بنت سعد تقول: مكث أبي
يوما إلى الليل وإنه لثلث الاسلام.
إسماعيل بن أبي (2) خالد: عن قيس قال: قال سعد بن مالك: ما
جمع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أبويه لاحمد قبلي.
ولقد رأيته ليقول لي: يا سعد ارم فداك أبي وأمي ! وإني
لاول المسلمين رمى المشركين بسهم.
ولقد رأيتني مع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، سابع سبعة
ما لنا طعام إلا ورق السمر، حتى إن أحدنا ليضع كما تضع
الشاة، ثم أصبحت بنو أسد تعزرني على الاسلام، لقد خبت إذن
وضل سعيي (3).
متفق عليه، رواه جماعة عن إسماعيل.
وروى المسعودي عن القاسم بن عبد الرحمن: أول من رمى بسهم
في
__________
(1) أخرجه البخاري (3726) و (3727) في الفضائل: باب مناقب
سعد، و (3858) في مناقب الانصار: باب إسلام سعد، وابن ماجه
(132) في المقدمة: باب فضل سعد.
واستدركه
الحاكم 3 / 498 فأخطأ، وأبو نعيم في " حلية الاولياء " 1 /
92 والطبراني في " الكبير " (298) و (313) وابن سعد في "
الطبقات " 3 / 1 / 98.
(2) سقطت من المطبوع لفظة " أبي ".
(3) أخرجه أحمد 1 / 174، 181، 186، والبخاري (3728) في
الفضائل: باب مناقب سعد.
و (5412) في الاطعمة مختصرا: باب ما كان النبي صلى الله
عليه وسلم وأصحابه يأكلون.
و (6453) في الرقاق: باب كيف كان عيش النبي وأصحابه.
ومسلم (2966) في الزهد، في صدره، والترمذي (2367) في
الزهد: باب ما جاء في معيشة النبي، و (2366) فيهما من طريق
اخرى، وابن سعد 3 / 1 / 39، وأبو نعيم في " الحلية " 1 /
92.
(*)
(1/98)
سبيل الله، سعد، وإنه من أخوال النبي، صلى الله عليه وسلم،
(1).
حاتم بن إسماعيل: عن بكير بن مسمار، عن عامر بن سعد، عن
أبيه: أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، جمع له أبويه.
قال: كان رجل من المشركين قد أحرق المسلمين.
فقال رسول الله: " ارم فداك أبي وأمي " فنزعت بسهم ليس فيه
نصل، فأصبت جبهته، فوقع وانكشفت عورته، فضحك رسول الله،
صلى الله عليه وسلم، حتى بدت نواجذه (2).
عبد الله بن مصعب: حدثنا موسى بن عقبة، عن ابن شهاب قال:
قتل سعد يوم أحد بسهم رمي به، فقتل، فرد عليهم فرموا به،
فأخذه سعد، فرمى به الثانية، فقتل، فرد عليهم، فرمى به
الثالثة، فقتل، فعجب الناس مما فعل، إسناده منقطع.
ابن إسحاق: حدثني صالح بن كيسان، عن بعض آل سعد، عن سعد
أنه رمى يوم أحد، قال: فلقد رأيت رسول الله، صلى الله عليه
وسلم، يناولني النبل ويقول: ارم فداك أبي وأمي " حتى إنه
ليناولني السهم ما له من نصل، فأرمي به (3).
__________
(1) المسعودي هو عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة بن مسعود
الكوفي، اختلط قبل موته.
والقاسم هو ابن عبد الرحمن بن مسعود ثقة.
ومعنى الشطر الاول ثابت في الحديث المتقدم.
وأما قوله: إنه خال النبي، صلى الله عليه وسلم، فقد أخرج
الحاكم في " المستدرك " 3 / 498 من طريق إسماعيل بن أبي
خالد، عن الشعبي، عن جابر قال: كنا جلوسا عند النبي، صلى
الله عليه وسلم، فأقبل سعد بن أبي وقاص، فقال النبي، صلى
الله عليه وسلم،: " هذا خالي فليرني امرؤ خاله " وصححه،
ووافقه الذهبي.
وأخرجه الترمذي في جامعه (3753) وحسنه، وقال: كان سعد من
بني زهرة، وكانت أم النبي، صلى الله عليه وسلم، من بني
زهرة، فلذلك قال النبي، صلى الله عليه وسلم،: " هذا خالي
".
(2) أخرجه مسلم (2412) في الفضائل: باب مناقب سعد، وانظر
ما بعده أيضا، والطبراني (315) في " الكبير ".
(3) بعض آل سعد مجهول، وباقي رجاله ثقات.
وانظر ابن هشام 2 / 82.
(*)
(1/99)
قال ابن المسيب: كان جيد الرمي، سمعته يقول: جمع لي رسول
الله، صلى الله عليه وسلم، أبويه يوم أحد (1).
أخرجه البخاري.
وقد ساقه الحافظ ابن عساكر من (2) بضعة عشر وجها.
وساق حديث ابن أبي خالد عن قيس من سبعة عشر طريقا
بألفاظها، وبمثل هذا كبر تاريخه.
وساق حديث عبد الله بن شداد عن علي: ما سمعت رسول الله صلى
الله عليه وسلم جمع أبويه لاحد غير سعد، من ستة عشر وجها.
رواه مسعر وشعبة وسفيان، عن سعد بن إبراهيم، عنه.
ابن عيينة: عن يحيى بن سعيد، عن ابن المسيب قال: قال علي:
ما سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يجمع أبويه لاحد غير سعد
(3).
تفرد به ابن عيينة، وقد رواه شعبة وزائدة، وغيرهما عن يحيى
بن سعيد، عن سعد، وهو أصح.
__________
(1) أخرجه أحمد 1 / 174، 180.
والبخاري (3725) في الفضائل، و (4055) و (4056) و (4057)
في المغازي: باب إذ همت طائفتان منكم ان تفشلا والله
وليهما وعلى الله فليتوكل المؤمنون.
وابن ماجه (130) في المقدمة: باب: فضل سعد.
(2) تصحفت في المطبوع إلى " عن ".
(3) أخرجه الترمذي (3753) من طريق: الحسن بن الصباح، عن
ابن عيينة عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب، عن علي.
وقال: هذا حديث حسن.
وأخرجه أحمد 1 / 180 والبخاري (4056) و (4057) في المغازي:
باب إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا، ومسلم (2412) في
الفضائل، والترمذي (3754)، وابن ماجه (130) في المقدمة،
كلهم من طريق: يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب، عن سعد بن
أبي وقاص.
وأخرجه أحمد 1 / 92، 124، 136، 137، والبخاري (2905) و
(4058) و (4059) و (6184)، ومسلم (2411) في الفضائل،
والترمذي (3755)، وابن ماجه (129) من طريق: ابن شداد، عن
علي، رضي الله عنه.
(*)
(1/100)
ابن زنجويه: حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر (1)، عن أيوب،
عن عائشة بنت سعد، سمعتها (2) تقول: أنا ابنة المهاجر الذي
فداه رسول الله يوم أحد بالابوين.
الاعمش: عن إبراهيم، قال عبد الله بن مسعود: لقد رأيت سعدا
يقاتل يوم بدر قتال الفارس في الرجال (3).
رواه بعضهم عن الاعمش فقال: عن إبراهيم، عن علقمة.
يونس بن بكير: عن عثمان بن عبد الرحمن الوقاصي، عن الزهري
قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية فيها سعد بن
أبي وقاص إلى جانب من الحجاز يدعى رابغ، وهو من جانب
الجحفة.
فانكفأ المشركون على المسلمين،
فحماهم سعد يومئذ بسهامه، فكان هذا أول قتال في الاسلام،
فقال سعد: ألا هل اتى رسول الله أني * حميت صحابتي بصدور
نبلي فما يعتد رام في عدو * بسهم يا رسول الله قبلي (4).
وفي البخاري لمروان بن معاوية: أخبرني هاشم بن هاشم، سمعت
سعيد ابن المسيب، سمعت سعدا يقول: نثل لي رسول الله، صلى
الله عليه وسلم، كنانته يوم أحد وقال: " ارم ! فداك أبي
وأمي " (5).
__________
(1) تحرفت في المطبوع إلى " عمر ".
(2) تصحفت في المطبوع إلى " سمعت ".
ورجال السند ثقات.
(3) الخبر في " طبقات ابن سعد " 3 / 1 / 100.
(4) عند ابن هشام 1 / 594 - 595 والابيات عنده ستة.
وأخرج الحاكم الابيات 3 / 498 عن عائشة بنت سعد.
وفي " الاصابة " 4 / 164 وابن سعد في " الطبقات " 3 / 1 /
100.
(5) أخرجه البخاري (4055) في المغازي، باب: إذ همت طائفتان
منكم أن تفشلا.
وابن سعد 3 / 1 / 100 ونثل الكنانة: نفضها واستخرج ما فيها
من النبل.
والكنانة: جعبة السهام.
(*)
(1/101)
أنبأنا به أحمد بن سلامة، عن ابن كليب، أنبأنا ابن بيان،
أنبأنا ابن مخلد، أخبرنا إسماعيل الصفار، حدثنا الحسن بن
عرفة، حدثنا مروان فذكره.
القعنبي وخالد بن مخلد قالا: حدثنا سليمان بن بلال، عن
يحيى بن سعيد، عن عبد الله بن عامر بن ربيعة، عن عائشة
قالت: أرق رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ذات ليلة، فقال:
ليت رجلا صالحا من أصحابي يحرسني الليلة.
قالت: فسمعنا صوت السلاح، فقال رسول الله: من هذا ؟ قال
سعد بن أبي وقاص: أنا يا رسول الله جئت أحرسك، فنام رسول
الله صلى الله عليه وسلم، حتى سمعت غطيطه (1).
أبو بكر الحنفي عبد الكبير: حدثنا بكير بن مسمار، عن عامر
بن سعد أن أباه سعدا، كان في غنم له، فجاء ابنه عمر، فلما
رآه قال: أعوذ بالله من شر هذا الركب، فلما انتهى إليه،
قال: يا أبة أرضيت أن تكون أعرابيا في غنمك، والناس
يتنازعون في الملك بالمدينة، فضرب صدر عمر، وقال: اسكت،
فإني سمعت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يقول (2): " إن
الله عزوجل يحب العبد التقي الغني الخفي " (3).
روح والانصاري، واللفظ له: أنبأنا ابن عون، عن محمد بن
محمد بن الاسود، عن عامر بن سعد قال: قال سعد: لقد رأيت
رسول الله،
__________
(1) أخرجه البخاري (2885) في الجهاد، باب: الحراسة في
الغزو، (7231) في التمني: باب: قوله صلى الله عليه وسلم:
ليت كذا وكذا.
ومسلم (2410) في الفضائل: باب فضائل سعد.
والترمذي (3757) في المناقب: باب مناقب سعد، والحاكم 3 /
501.
(2) سقطت لفظة " يقول " من المطبوع.
(3) أخرجه أحمد 1 / 168، ومسلم (2965) في الزهد، في أوله،
وأبو نعيم في حلية الاولياء 1 / 94.
(*)
(1/102)
صلى الله عليه وسلم، ضحك يوم الخندق، حتى بدت نواجذه.
كان رجل معه ترس، وكان سعد راميا، فجعل يقول كذا يحوي
بالترس، ويغطي جبهته.
فنزع له سعد بسهم، فلما رفع رأسه، رماه فلم، يخط هذه منه،
يعني جبهته، فانقلب، وأشال برجله، فضحك رسول الله من فعله،
حتى بدت نواجذه (1).
يحيى القطان وجماعة: عن صدقة بن المثنى، حدثني جدي رياح بن
الحارث، أن المغيرة كان في المسجد الاكبر، وعنده أهل
الكوفة، [ فجاء رجل من أهل الكوفة ] فاستقبل المغيرة، فسب،
وسب، فقال سعيد بن زيد:
من يسب هذا يا مغيرة ؟ قال: يسب علي بن أبي طالب، قال: يا
مغير بن شعيب، يا مغير بن شعيب ! ألا تسمع أصحاب رسول
الله، صلى الله عليه وسلم، يسبون عندك، ولا تنكر ولا تغير
؟ فأنا أشهد على رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بما سمعت
أذناي، ووعاه قلبي من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإني
لم أكن أروي عنه كذبا، إنه قال: " أبو بكر في الجنة، وعمر
في الجنة، وعلي في الجنة، وعثمان في الجنة، وطلحة في
الجنة، والزبير في الجنة، و عبد الرحمن في الجنة، وسعد بن
مالك في الجنة "، وتاسع المؤمنين في الجنة، ولو شئت أن
أسميه لسميته، فضج أهل المسجد يناشدونه: يا صاحب رسول الله
! من التاسع ؟ قال: ناشد تموني بالله والله عظيم، أنا هو،
والعاشر رسول الله، صلى الله عليه وسلم، والله لمشهد شهده
رجل مع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أفضل من عمل أحدكم،
ولو عمر ما عمر نوح (2).
__________
(1) أخرجه أحمد 1 / 186 وسنده حسن وفي الشواهد.
وانظر الصفحة (99) تعليق رقم (2).
(2) إسناده صحيح.
وأخرجه أحمد 1 / 187، وأبو داود (4650) في السنة: باب في
الخلفاء، وابن ماجه (133) في المقدمة مختصرا.
وأبو نعيم في " الحلية " 1 / 95 - 96.
وفي المسند " يا مغير ابن شعب " وفي " الحلية " يا مغيرة
بن شعبة.
(*)
(1/103)
أخرجه أبو داود، والنسائي، وابن ماجه، من طريق صدقة.
شعبة: عن الحر: سمعت رجلا يقال [ له ] عبد الرحمن بن
الاخنس قال: خطب المغيرة بن شعبة فنال من علي، فقام سعيد
بن زيد فقال: ما تريد إلى هذا.
أشهد على رسول الله، صلى الله عليه وسلم، لقال: " عشرة في
الجنة: رسول الله في الجنة، وأبو بكر في الجنة " الحديث
(1).
الحر هو ابن الصياح.
عبد الواحد بن زياد: عن الحسن بن عبيدالله، حدثنا الحر،
بنحوه.
ابن أبي فديك: حدثنا موسى بن يعقوب.
عن عمر بن سعيد بن سريج (2)، أن عبد الرحمن بن حميد حدثه،
عن أبيه حميد بن عبد الرحمن، حدثني سعيد بن زيد في نفر، أن
رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال: " عشرة في الجنة: أبو
بكر في الجنة، وسمى فيهم أبا عبيدة (3).
__________
(1) رجاله ثقات، إلا عبد الرحمن بن الاخنس لم يوثقه غير
ابن حبان.
وهو في " المسند " 1 / 188.
وأخرجه أبو داود (4649) في السنة: باب في الخلفاء.
وانظر الحديث (4) في الصفحة التالية.
وانظر ما قبله أيضا.
(2) ترجمه المؤلف في " الميزان " 3 / 200 ولينه.
وسريج بالسين والجيم كما ضبطه ابن ماكولا، وابن حجر، وقد
تحرف في الاصل إلى " جريج " وعند الحاكم 3 / 440 وابن أبي
حاتم في " الجرح والتعديل " إلى " شريح " وعند ابن حبان في
الضعفاء 1 / 109 - 110 إلى " سريح ".
(3) أخرجه الحاكم 3 / 440 من طريق: ابن أبي فديك، عن موسى
بن يعقوب عن عمر بن سعيد بن سريج وكلاهما ضعيف، عن عبد
الرحمن بن حميد، عن أبيه حميد، عن سعيد بن زيد.
وأخرجه الترمذي (3748) من طريق: موسى بن يعقوب، عن عمر بن
سعيد، ولم ينسبه إلى جده.
وهو عمر بن سعيد بن أبي حسين الكوفي، النوفلي وهو ثقة، من
رجال الشيخين والترمذي والنسائي، وابن ماجه.
وأخرجه أحمد 1 / 193، والترمذي (3747) من طريق: قتيبة بن
سعيد، عن عبد العزيز بن محمد الدراوردي، عن عبد الرحمن بن
حميد، عن أبيه، عن عبد الرحمن بن عوف.
وهذا سند رجاله ثقات.
(*)
(1/104)
ابن عيينة: عن سعير بن الخمس (1)، عن حبيب بن أبي ثابت، عن
ابن عمر: قال رسول الله: " عشرة من قريش في الجنة، أبو
بكر، ثم سمى العشرة (2).
أخبرنا ابن أبي عمر وجماعة، إذنا، قالوا: أنبأنا حنبل،
أنبأنا هبة الله، أنبأنا ابن المذهب، حدثنا أحمد بن جعفر،
حدثنا عبد الله بن أحمد، حدثني أبي، حدثنا محمد (3) بن
جعفر حدثنا شعبة، عن حصين، عن هلال ابن يساف، عن عبد الله
بن ظالم قال: خطب المغيرة فنال من علي.
فخرج سعيد بن زيد فقال: ألا تعجب من هذا يسب عليا، أشهد
على رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أنا كنا على حراء أو
أحد، فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم،: " اثبت حراء أو
أحد ! فإنما عليك نبي أو صديق أو شهيد " فسمى النبي، وأبا
بكر، وعمر، وعثمان، وعليا، وطلحة، والزبير، وسعدا، و عبد
الرحمن،.
وسمى سعيد نفسه، رضوان الله عليهم (4).
وله طرق.
ومنها: عاصم بن علي: حدثنا محمد بن طلحة، عن أبيه، عن هلال
بن
__________
(1) تصحف في المطبوع إلى " سعد بن الحسن ".
(2) ذكره صاحب الكنز برقم (33137) ونسبه إلى الطبراني،
وابن عساكر.
(3) تحرف في المطبوع إلى " حمد ".
(4) إسناده حسن.
و عبد الله بن ظالم المزني وثقة ابن حبان وروى عنه غير
واحد، وباقي رجاله ثقات.
والحديث صحيح بطرقه، فقد أخرجه أحمد 1 / 188، 189، وأبو
داود (4648) في السنة: باب في الخلفاء، والترمذي (3728) في
المناقب: باب مناقب سعيد بن زيد.
وابن ماجه (134) في المقدمة: باب فضائل العشرة.
وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، والحاكم 3 / 450، وأخرجه
الطبراني (356) من طريق محمد بن بكير الحضرمي، عن ثابت بن
الوليد بن عبد الله بن جميع القرشي عن أبي الطفيل، عن سعيد
بن زيد، وقد تقدم تخريج حديث أبي هريرة في الصفحة (53)
تعليق رقم (3) فارجع إليه.
(*)
(1/105)
يساف، عن سعيد نفسه، وقال: " اسكن حراء ".
أخبرنا ابن أبي الخير، أنبأنا عبد الغني الحافظ، في كتابه
إلينا، أنبأنا المبارك بن المبارك السمسار، أنبأنا
النعالي، أنبأنا أبو القاسم بن المنذر، أنبأنا إسماعيل
الصفار، حدثنا الدقيقي، حدثنا يونس بن محمد، حدثنا الليث،
عن يزيد بن الهاد، عن أبي بكر بن حزم قال: جاءت أروى بنت
أويس إلى محمد بن عمرو بن حزم فقالت: إن سعيد بن زيد بن
عمرو بن نفيل قد بنى ضفيرة (1) في حقي، فائته، فكلمه،
فوالله لئن لم يفعل، لاصيحن به في مسجد رسول الله، صلى
الله عليه وسلم، فقال لها: لا تؤذي صاحب رسول الله ! ما
كان ليظلمك، ما كان ليأخذ لك حقا.
فخرجت، فجاءت عمارة بن عمرو و عبد الله ابن سلمة، فقالت
لهما: ائتيا سعيد بن زيد، فإنه قد ظلمني، وبنى ضفيرة في
حقي، فوالله لئن لم ينزع، لاصيحن به في مسجد رسول الله،
صلى الله عليه وسلم، فخرجا حتى أتياه في أرضه بالعقيق،
فقال لهما: ما أتى بكما ؟ قالا: جاء بنا أروى، زعمت أنك
بنيت ضفيرة في حقها، وحلفت بالله لئن لم تنزع لتصيحن بك في
مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأحببنا أن نأتيك،
ونذكرك بذلك.
فقال: سمعت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يقول " من أخذ
شبرا من الارض بغير حق، طوقه يوم القيامة من سبع أرضين "
لتأتين، فلتأخذ ما كان لها من حق، اللهم إن كانت كذبت علي،
فلا تمتها حتى تعمي بصرها، وتجعل منيتها فيها.
ارجعوا فأخبروها بذلك، فجاءت، فهدمت الضفيرة، وبنت بيتا،
فلم تمكث إلا قليلا حتى
__________
(1) تحرفت في المطبوع إلى " صغيرة " في المواطن الاربعة.
والضفيرة: هي الحائط يبنى في وجه الماء.
(*)
(1/106)
عميت، وكانت تقوم من الليل، ومعها جارية تقودها، فقامت
ليلة، ولم توقظ الجارية، فسقطت في البئر، فماتت (1).
هذا يؤخر إلى ترجمة سعيد بن زيد (2).
أحمد في " مسنده " حدثنا سليمان بن داود الهاشمي، حدثنا
إبراهيم بن سعد، عن أبيه، عن جده، عن سعد قال: رأيت رجلين
عن يمين رسول الله صلى الله عليه وسلم ويساره يوم أحد،
عليهما ثياب بيض، يقاتلان عنه كأشد (3) القتال، ما رأيتهما
قبل ولا بعد (4).
الثوري: عن أبي إسحاق، عن أبي عبيدة، عن ابن مسعود قال:
اشتركت أنا، وسعد، وعمار، يوم بدر فيما أصبنا من الغنيمة،
فجاء
__________
(1) هو في تاريخ ابن عساكر.
وأخرجه مسلم (1610) (139) من طريق: أبي الربيع العتكي، عن
حماد بن زيد، عن هشام ابن عروة، عن أبيه، أن أروى بنت أويس
ادعت على سعيد بن زيد، أنه أخذ شيئا من أرضها، فخاصمته إلى
مروان بن الحكم.
فقال سعيد: أنا كنت آخذ من أرضها شيئا بعد الذي سمعت من
رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ؟ قال: وما سمعت من رسول
الله، صلى الله عليه وسلم ؟ قال: سمعت رسول الله، صلى الله
عليه وسلم، يقول: من أخذ شبرا من الارض ظلما طوقه إلى سبع
أرضين.
فقال له مروان: لا أسألك بينة بعد هذا.
فقال: اللهم إن كانت كاذبة، فعم بصرها، واقتلها في أرضها
قال: فما ماتت حتى ذهب بصرها.
ثم بينا هي تمشي في أرضها إذ وقعت في حفرة فماتت ".
وأخرجه عبد الرزاق (19755) من طريق: معمر عن هشام...،
وفيه: ثم جاء السيل بعد ذلك فكسح الارض فخرجت الاعلام كما
قال سعيد.
وهو في الطبراني (342) بمعناه.
وأخرج المرفوع منه أحمد 1 / 188، 189، 190 والبخاري (3198)
في بدء الخلق: باب ما جاء في سبع أرضين.
و (2452)، ومسلم (1610).
(2) لانه لا علاقة له بترجمة سعد.
(3) هي في الاصل " كأشد " تحرفت في المطبوع إلى " كلما شد
".
(4) أخرجه أحمد 1 / 171، 177، وأخرجه البخاري 7 / 276 في
المغازي، باب: قوله تعالى: (إذ همت طائفتان) وفي اللباس:
باب الثياب البيض، ومسلم (2306) في الفضائل: باب قتال
جبريل وميكائيل عن النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد.
(*)
(1/107)
سعد (1) بأسيرين، ولم أجئ أنا وعمار بشئ (2).
شريك: عن أبي إسحاق قال: أشد الصحابة أربعة: عمر، وعلي،
والزبير، وسعد (3).
أبو يعلى في " مسنده " حدثنا محمد بن المثنى، حدثنا عبد
الله بن قيس الرقاشي، حدثنا أيوب، عن نافع، عن ابن عمر
قال: كنا جلوسا عند النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: "
يدخل عليكم من هذا الباب رجل من أهل الجنة " فطلع سعد بن
أبي وقاص (4).
رشدين بن سعد (5): عن الحجاج بن شداد، عن أبي صالح
الغفاري، عن عبد الله بن عمرو أن النبي، صلى الله عليه
وسلم، قال: " أول من يدخل من هذا الباب رجل من أهل الجنة "
فدخل سعد بن أبي وقاص (6).
__________
(1) سقط " سعد " من المطبوع.
(2) رجاله ثقات إلا أن أبا عبيدة لم يسمع من أبيه فهو
منقطع.
وأخرجه أبو داود (3388) في البيوع: باب في الشركة على غير
رأسمال، والنسائي 7 / 57: باب شركة الابدان، و (319): باب
الشركة بغير مال.
وابن ماجه (2288) في التجارات: باب الشركة والمضاربة، من
طرق عن سفيان، عن أبي إسحاق عن أبي عبيدة، عن عبد الله،
والطبراني (297) من طريق زكريا بن أبي زائدة، عن أبي إسحاق
به.
(3) " الاصابة ": 4 / 163.
(4) عبد الله بن قيس الرقاشي، قال العقيلي في " الضعفاء ":
عبد الله بن قيس الرقاشي، عن أيوب حديثه غير محفوظ، ولا
يتابع عليه، ولا يعرف إلا به ثم أورد حديثه هذا...، وأخرجه
الحاكم 3 / 499 من طريق الخصيب بن ناصح، عن عبدة بن نائل،
عن عائشة، عن أبيها سعد،
وصححه، ووافقه الذهبي.
(5) سقطت لفظة " رشدين " من المطبوع.
(6) إسناده ضعيف لضعف رشدين بن سعد.
قال ابن يونس: كان صالحا في دينه، فأدركته غفلة الصالحين،
فخلط في الحديث.
وذكره صاحب الكنز (37112) ونسبه إلى ابن عدي، وابن عساكر.
(*)
(1/108)
ابن وهب: أخبرني حيوة، أخبرنا عقيل، عن ابن شهاب، حدثني من
لا أتهم، عن أنس قال: بينا نحن جلوس عند رسول الله صلى
الله عليه وسلم فقال: " يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة
" فاطلع (1) سعد (2).
الثوري، عن المقدام بن شريح، عن أبيه، عن سعد (ولا تطرد
الذين يدعون ربهم) [ الانعام: 52 ] قال: نزلت في ستة أنا
وابن مسعود منهم (3).
مسلمة بن علقمة: حدثنا داود بن أبي هند، عن أبي عثمان أن
سعدا قال: نزلت هذه الاية في (وإن جاهداك على أن تشرك بي
ما ليس لك به علم فلا تطعهما) [ العنكبوت: 8 ] قال: كنت
برا بأمي، فلما أسلمت، قالت: يا سعد ! ما هذا الدين الذي
قد أحدثت ؟ لتدعن دينك هذا، أو لا آكل، ولا أشرب، حتى
أموت، فتعير بي، فيقال: يا قاتل أمه، قلت: لا تفعلي يا
أمه، إني لا أدع ديني هذا لشئ، فمكثت يوما لا تأكل ولا
تشرب وليلة، وأصبحت وقد جهدت، فلما رأيت ذلك، قلت: يا أمه
! تعلمين والله لو كان لك مئة نفس، فخرجت نفسا نفسا، ما
تركت ديني.
إن شئت فكلي أو لا تأكلي.
__________
(1) يقال: أطلع رأسه إذا أشرف على شئ.
وكذلك اطلع.
(2) ذكره صاحب الكنز (37116) ونسبه إلى ابن عساكر، وقال:
ورجاله رجال الصحيح، إلا أن ابن شهاب قال: حدثني من لا
أتهم، عن أنس...(3) أخرجه مسلم (2413) في الفضائل، باب:
فضائل سعد.
وابن ماجه (4128) في الزهد، باب: مجالسة الفقراء.
والواحدي ص: 162.
ونسبه السيوطي في " الدر المنثور " 3 / 13 إلى الفريابي،
وأحمد، وعبد بن حميد، ومسلم، والنسائي، وابن ماجه، وابن
جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن حبان، وأبي الشيخ،
وابن مردويه، والحاكم، وأبي نعيم، والبيهقي في " الدلائل
"، وانظر ابن كثير في تفسيره 3 / 27.
(1/109)
فلما رأت ذلك، أكلت (1).
رواه أبو يعلى في " مسنده ".
مجالد: عن الشعبي، عن جابر قال: كنا مع رسول الله، صلى
الله عليه وسلم، إذ أقبل سعد ابن مالك فقال رسول الله: "
هذا خالي، فليرني امرؤ خاله " (2).
قلت: لان أم النبي صلى الله عليه وسلم زهرية، وهي آمنة بنت
وهب بن عبد مناف، ابنة عم أبي وقاص.
يحيى القطان (3): عن الجعد بن أوس، حدثتني عائشة بنت سعد
قالت: قال سعد: اشتكيت بمكة، فدخل علي رسول الله، صلى الله
عليه وسلم، يعودني، فمسح وجهي وصدري وبطني، وقال: " اللهم
اشف سعدا " فما زلت يخيل إلي أني أجد برد يده، صلى الله
عليه وسلم، على كبدي حتى الساعة (4).
__________
(1) أخرجه أحمد 1 / 181 - 182، ومسلم (1748) في الجهاد،
باب: الانفال مختصرا ومطولا.
وفي الفضائل، باب: فضائل سعد بن أبي وقاص، والترمذي (3188)
كلهم من طريق: سماك بن حرب، عن مصعب بن سعد، عن أبيه
سعد...وأخرجه، مختصرا، أبو داود (3740) في الجهاد، باب في
النفل، والترمذي (3080) في التفسير: باب ومن سورة الانفال،
وذكره السيوطي في " الدر المنثور " 5 / 141 وزاد نسبته إلى
ابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه.
(2) أخرجه الترمذي (3753) في المناقب: باب مناقب سعد،
والطبراني في " الكبير " برقم
(323)، وابن سعد 3 / 1 / 97 من طريق مجالد، عن الشعبي عن
جابر.
وصححه الحاكم 3 / 498 من طريق إسماعيل بن أبي خالد، عن
الشعبي، عن جابر، ووافقه الذهبي.
وقد تقدم تخريجه.
(3) تحرفت في المطبوع إلى " البطان ".
(4) الجعد بن أوس هو الجعد بن عبد الرحمن بن أوس، وينسب
إلى جده وقد يصغر.
وهو في " المسند " 1 / 171 من طريق يحيى بن سعيد، عن الجعد
بن أوس بن عائشة بنت سعد، عن أبيها سعد.
وأخرجه البخاري (5659) في المرضى: باب وضع اليد على
المريض، من طريق: بكير = (*)
(1/110)
أخرجه البخاري والنسائي.
أحمد في " مسنده ": حدثنا أبو المغيرة، حدثنا معان بن
رفاعة، حدثني على بن يزيد، عن القاسم، عن أبي أمامة قال:
جلسنا إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فذكرنا، ورققنا.
فبكى سعد بن أبي وقاص، فأكثر البكاء.
فقال: يا ليتني مت ! فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم،
" يا سعد أتتمنى الموت عندي ؟ فردد ذلك ثلاث مرات، ثم قال:
" يا سعد ! إن كنت خلقت للجنة، فما طال عمرك أو حسن من
عملك، فهو خير لك " (1).
محمد بن الوليد البسري، حدثنا يحيى بن سعيد، عن إسماعيل،
عن قيس أخبرني سعد أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال:
" اللهم استجب لسعد إذا دعاك " (2).
رواه جعفر بن عون، عن إسماعيل، عن قيس أن النبي صلى الله
عليه وسلم قاله.
__________
= ابن إبراهيم، أخبرنا الجعيد، عن عائشة بنت سعد، أن أباها
قال: تشكيت بمكة شكوى شديدة، فجاءني النبي، صلى الله عليه
وسلم، يعودني.
فقلت: يا نبي الله ! إني أترك مالا، وإني لم أترك إلا بنتا
واحدة، فأوصي بثلثي مالي وأترك الثلث ؟ قال: لا.
قلت: فأوصي بالنصف وأترك النصف ؟ قال: لا.
قلت: فأوصي بالثلث وأترك الثلثين ؟ قال: الثلث والثلث
كثير.
ثم وضع يده على جبهته، ثم مسح يده على وجهي وبطني، ثم قال:
اللهم اشف سعدا، وأتمم له هجرته.
فما زلت أجد برده على
كبدي فيما يخال إلى حتى الساعة ".
وأخرجه أيضا في كتاب " المرضى ": باب دعاء العائد للمريض.
والنسائي 6 / 241 في الوصايا: باب الوصية بالثلث، وأخرجه
مسلم (1628) من طرق وبروايات مختلفة اختصارا وتفصيلا.
وأخرجه أحمد 1 / 168 من طريق: أيوب، عن عمرو بن سعيد، عن
حميد بن عبد الرحمن الحميري، عن ثلاثة من ولد سعد، عن
سعد...(1) أخرجه أحمد 5 / 267 وإسناده ضعيف، لضعف علي بن
زيد وهو الالهاني.
(2) إسناده صحيح.
وأخرجه الترمذي (3725) في المناقب: باب مناقب سعد بن أبي
وقاص.
وابن حبان (2215)، والحاكم 3 / 499، وصححه ووافقه الذهبي.
وذكره الهيثمي في " المجمع " 9 / 153 ونسبه إلى البزار
وقال: رجاله رجال الصحيح.
(*)
(1/111)
عبد الرحمن بن مغراء: عن سعيد بن المرزبان، عن عكرمة، عن
ابن عباس أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال يوم أحد:
اللهم استجب لسعد " ثلاث مرات (1).
ابن وهب: حدثني أبو صخر، عن يزيد بن قسيط، عن إسحاق بن سعد
ابن أبي وقاص، حدثني أبي: أن عبد الله بن جحش قال يوم أحد:
ألا تأتي ندعو الله تعالى، فخلوا في ناحية، فدعا سعد،
فقال: يا رب ! إذا لقينا العدو غدا، فلقني رجلا شديدا
بأسه، شديدا حرده، أقاتله، ويقاتلني، ثم ارزقني الظفر
عليه، حتى أقتله وآخذ سلبه.
فأمن عبد الله، ثم قال: اللهم ارزقني غدا رجلا شديدا بأسه،
شديدا حرده، فأقاتله، ويقاتلني، ثم يأخذني، فيجدع أنفي
وأذني، فإذا لقيتك غدا قلت لي: يا عبد الله ! فيم جدع أنفك
وأذناك ؟ فأقول: فيك وفي رسولك، فتقول: صدقت.
قال سعد: كانت دعوته خيرا من دعوتي، فلقد رأيته آخر
النهار، وإن أنفه وأذنه لمعلق في خيط (2).
أبو عوانة وجماعة، حدثنا عبد الملك بن عمير، عن جابر بن
سمرة قال:
__________
(1) إسناده ضعيف لضعف عبد الرحمن بن مغراء وشيخه.
وذكره صاحب الكنز برقم (37110) ونسبه إلى ابن أبي شيبة.
وليس فيه " ثلاث مرات ".
(2) في إسناده من لا يعرف.
وأخرجه ابن سعد 3 / 1 / 63 من طريق حماد بن سلمة، عن علي
بن زيد، عن سعيد بن المسيب، عن رجل سمع عبد الله بن
جحش...بنحوه، ومن طريق: عبد الله بن عبدالحمجيد الحنفي، عن
كثير بن زيد، عن المطلب بن عبد الله بن حنطب بنحوه مع
زيادة.
وأخرجه الحاكم 3 / 199 - 200 من طريق سفيان بن عيينة، عن
يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب، قال: قال عبد الله بن
جحش...بنحوه، وقال الحاكم: حديث صحيح على شرطهما لولا
إرساله.
وقال الذهبي: صحيح مرسل.
(*)
(1/112)
شكا أهل الكوفة سعدا إلى عمر، فقالوا: إنه لا يحسن أن
يصلي.
فقال سعد: أما أنا، فإني كنت أصلي بهم صلاة رسول الله،
صلاتي العشي لا أخرم منها، أركد في الاوليين وأحذف في
الاخريين.
فقال عمر: ذاك الظن بك يا أبا إسحاق.
فبعث رجالا يسألون عنه بالكوفة، فكانوا لا يأتون مسجدا من
مساجد الكوفة، إلا قالوا خيرا، حتى أتوا مسجدا لبني عبس،
فقال رجال يقال له أبو سعدة: أما إذ نشدتمونا بالله، فإنه
كان لا يعدل في القضية، ولا يقسم بالسوية، ولا يسير
بالسرية، فقال سعد: اللهم إن كان كاذبا، فأعم بصره، وأطل
عمره، وعرضه للفتن.
قال عبد الملك: فأنا رأيته بعد يتعرض للاماء في السكك.
فإذا سئل كيف أنت ؟ يقول: كبير مفتون، أصابتني دعوة سعد.
متفق عليه (1).
محمد بن جحادة: حدثنا الزبير بن عدي، عن مصعب بن سعد أن
سعدا
خطبهم بالكوفة فقال: يا أهل الكوفة ! أي أمير كنت لكم ؟
فقال رجل فقال: اللهم إن كنت ما علمتك لا تعدل في الرعية،
ولا تقسم بالسوية، ولا تغزو في السرية، فقال سعد: اللهم إن
كان كاذبا، فأعم بصره، وعجل فقره، وأطل عمره، وعرضه للفتن.
__________
(1) أخرجه أحمد 1 / 175، 176، 177، 179، 180، والطيالسي
برقم (217)، والبخاري (755) في الاذان: باب وجوب القراءة
للامام والمأموم في الصلوات كلها.
و (758) فيهما.
و (770) فيه: باب يطول في الاوليين، ويحذف في الاخريين.
ومسلم (453) في الصلاة: باب القراءة في الظهر والعصر،
والنسائي 2 / 217: باب الركود في الاوليين، وأخرجه أبو
داود (803) في الصلاة، باب: تخفيف الاخريين، والنسائي 2 /
174 في الصلاة: باب الركود في الركعتين الاوليين، كلاهما
من طريق شعبة، عن أبي عون، عن جابر بن سمرة.
وأخرجه الطبراني مختصرا، برقم (290) ومطولا برقم (308).
(*)
(1/113)
قال: فما مات حتى عمي، فكان يلتمس الجدرات، وافتقر حتى
سأل، وأدرك فتنة المختار فقتل فيها (1).
عمرو بن مرزوق: حدثنا شعبة، عن سعد بن إبراهيم، عن سعيد بن
المسيب قال: خرجت جارية لسعد عليها قميص جديد، فكشفتها
الريح، فشد عمر عليها بالدرة، وجاء سعد ليمنعه، فتناوله
بالدرة، فذهب سعد يدعو على عمر، فناوله الدرة وقال: اقتص،
فعفا عن عمر (2).
أسد بن موسى: حدثنا يحيى بن زكريا، حدثنا إسماعيل، عن قيس
قال: كان لابن مسعود على سعد مال: فقال له ابن مسعود: أد
المال ! قال: ويحك مالي، ولك ؟ قال: أد المال الذي قبلك.
فقال سعد: والله إني لاراك لاق مني شرا، هل أنت إلا ابن
مسعود وعبد بني هذيل.
قال: أجل والله ! وإنك لابن
حمنة، فقال لهما هاشم بن عتبة: إنكما صاحبا رسول الله، صلى
الله عليه وسلم، ينظر إليكما الناس.
فطرح سعد عودا كان في يده، ثم رفع يده، فقال: اللهم رب
السماوات ! فقال له عبد الله: قل قولا ولا تلعن، فسكت، ثم
قال سعد: أما والله لولا اتقاء الله، لدعوت عليك دعوة لا
تخطئك (3).
__________
(1) كانت فتنة المختار الثقفي سنة 65 - 67 ه وانظر " تاريخ
الاسلام " 2 / 369 - 377 للذهبي.
(2) أخرجه الطبراني برقم (309) في " الكبير ".
وذكره الهيثمي في " المجمع " 9 / 153 - 154 ونسبه إلى
الطبراني، وقال: ورجاله ثقات.
(3) رجاله ثقات.
وإسماعيل هو ابن أبي خالد الاحمسي، ثقة ثبت.
وقيس هو ابن أبي حازم وأخرجه الطبراني (306).
وذكره الهيثمي في " المجمع " 9 / 154 وقال: رواه الطبراني،
ورجاله رجال الصحيح، غير أسد بن موسى وهو ثقة مأمون.
وقد تحرف في المطبوع من الطبراني " إسماعيل عن قيس " إلى "
إسماعيل بن قيس ".
فيصحح من هنا.
(*)
(1/114)
رواه ابن (1) المديني، عن سفيان، عن إسماعيل وكان قد أقرضه
شيئا من بيت المال.
ومن مناقب سعد أن فتح العراق كان على يدي سعد، وهو وكان
مقدم الجيوش يوم وقعة القادسية (2)، ونصر الله دينه.
ونزل سعد بالمدائن، ثم كان أمير الناس يوم جلولاء (3) فكان
النصر على يده، واستأصل الله الاكاسرة.
فروى زياد البكائي، عن عبد الملك بن عمير، عن قبيصة بن
جابر قال: قال ابن عم لنا يوم القادسية: ألم تر أن الله
أنزل نصره * وسعد بباب القادسية معصم فأينا وقد آمت نساء
كثيرة * ونسوة سعد ليس فيهن أيم فلما بلغ سعدا قال: اللهم
اقطع عني لسانه ويده.
فجاءت نشابة أصابت
فاه، فخرس، ثم قطعت يده في القتال.
وكان في جسد سعد قروح، فأخبر الناس بعذره عن شهود القتال
(4).
وروى نحوه سيف بن عمر، عن عبد الملك.
هشيم: عن أبي مسلم، عن مصعب بن سعد، أن رجلا نال من علي،
__________
(1) سقطت لفظة " ابن " من المطبوع.
(2) انظر " معجم البلدان " 4 / 291 - 293.
وانظر خبر هذه المعركة في " تاريخ الطبري ".
و " الكامل " لابن الاثير، و " البداية " لابن كثير في
أحداث سنة (16) للهجرة.
(3) انظر " معجم البلدان " 2 / 156 وانظر خبر هذه المعركة
عند الطبري، وابن الاثير وابن كثير في " التاريخ " لعام
(16) للهجرة.
(4) رواه الطبراني (310) و (311) وقد ذكره الهيثمي 9 /
154، وقال: رواه الطبراني باسنادين، رجال أحدهما رجال
الصحيح.
وفي الاصل " ابن عمر لنا " وهو تحريف، والتصويب من
الطبراني و " المجمع ".
(*)
(1/115)
فنهاه سعد، فلم ينته، فدعا عليه.
فما برح حتى جاء بعير ناد (1) فخبطه حتى مات.
ولهذه الواقعة طرق جمة رواها ابن أبي الدنيا في " مجابي
الدعوة (2) وروى نحوها الزبير بن بكار، عن إبراهيم بن
حمزة، عن أبي أسامة، عن ابن عون، عن محمد بن محمد الزهري،
عن عامر بن سعد.
وحدث بها أبو كريب (3)، عن أبي أسامة.
ورواها ابن حميد، عن ابن المبارك، عن ابن عون، عن محمد بن
محمد بن الاسود.
وقرأتها على عمر بن القواس، عن الكندي، أنبأنا أبو بكر
القاضي، أنبأنا أبو إسحاق البرمكي، حضورا، أنبأنا ابن ماسي
(4)، أنبأنا أبو مسلم، حدثنا
الانصاري، حدثنا ابن عون، وحدث بها ابن علية، عن محمد بن
محمد.
ورواها ابن جدعان: عن ابن المسيب أن رجلا كان يقع في علي
وطلحة والزبير، فجعل سعد ينهاه ويقول: لا تقع في إخواني،
فأبي، فقام سعد، وصلى ركعتين ودعا، فجاء بختي يشق الناس،
فأخذه بالبلاط، فوضعه بين كركرته والبلاط حتى سحقه، فأنا
رأيت الناس يتبعون سعدا يقولون: هنيئا لك يا أبا إسحاق !
استجيبت دعوتك (5).
__________
(1) يقال: ند البعير فهو ناد: إذا شرد ونفر وذهب على وجهه.
(2) تصحف في المطبوع إلى " مجاني الدعوة ".
وهو اسم كتاب لا بن أبي الدنيا.
(3) تصحف في المطبوع إلى " كرب ".
(4) هو أبو محمد عبد الله بن إبراهيم بن أيوب بن ماسي، سمع
أبا مسلم الكجي وغيره.
انظر ابن ماكولا 7 / 197.
(5) رواه الطبراني (307) من طريق: ابن عون، عن محمد بن
محمد بن الاسود عن عامر بن سعد قال...وذكره الهيثمي في "
المجمع " 9 / 154 ونسبه للطبراني وقال: رجاله رجال الصحيح.
والبختي: نسبة إلى البخت.
وهي الابل الخراسانية تنتج من بين عربي ودخيل.
والكركرة: رحى زور البعير.
(*)
(1/116)
قلت: في هذا كرامة مشتركة بين الداعي والذين نيل منهم.
جرير الضبي: عن مغيرة، عن أمه قالت: زرنا آل سعد، فرأينا
جارية كأن طولها شبر.
قلت: من هذه ؟ قالوا: ما تعرفينها ؟ هذه بنت سعد، غمست
يدها في طهوره، فقال: قطع الله قرنك، فما شبت بعد (1).
وروى عبد الرزاق: عن أبيه، عن مينا مولى عبد الرحمن بن
عوف، أن امرأة كانت تطلع على سعد، فينهاها، فلم تنته،
فاطلعت يوما وهو يتوضأ،
فقال: شاه وجهك، فعاد وجهها في قفاها.
مينا: متروك (2).
حاتم بن إسماعيل: حدثنا يحيى بن عبد الرحمن بن [ أبي ]
لبيبة (3)، عن جده قال: دعا سعد بن أبي وقاص فقال: يا رب !
بني صغار فأخر عني الموت حتى يبلغوا، فأخر عنه الموت عشرين
سنة.
قال خليفة بن خياط: وفي سنة خمس عشرة وقعة القادسية، وعلى
المسلمين سعد، وفي سنة إحدى وعشرين شكا أهل الكوفة سعدا
أميرهم إلى عمر، فعزله.
__________
(1) ذكره الحافظ في " الاصابة " 4 / 162، ونسبه إلى ابن
أبي الدنيا في كتاب: " مجابي الدعوة ".
(2) هو مينا بن أبي مينا الزهري مولى عبد الرحمن بن عوف.
قال ابن معين والنسائي: ليس بثقة.
وقال أبو زرعة: ليس بقوي.
وقال أبو حاتم: منكر الحديث.
روى أحاديث مناكير في الصحابة، لا يعبأ بحديثه، كان يكذب.
(3) " ابن أبي لبيبة " سقط من المطبوع وهو مترجم في "
الجرح والتعديل " 9 / 166 وفي " الميزان " للذهبي، وهو
ضعيف.
(*)
(1/117)
وقال الليث بن سعد: كان فتح جلولاء سنة تسع عشرة، افتتحها
سعد بن أبي وقاص.
قلت: قتل المجوس يوم جلولاء قتلا ذريعا، فيقال: بلغت
الغنيمة ثلاثين ألف ألف درهم.
وعن أبي وائل قال: سميت جلولاء فتح الفتوح (1).
قال الزهري: لما استخلف عثمان، عزل عن الكوفة المغيرة،
وأمر عليها
سعدا.
وروى حصين، عن عمرو بن ميمون، عن عمر أنه لما أصيب، جعل
الامر شورى في الستة وقال، من استخلفوه فهو الخليفة بعدي،
وإن أصابت سعدا، وإلا فليستعن به الخليفة بعدي، فإنني لم
أنزعه، يعني عن الكوفة، من ضعف ولا خيانة (2).
ابن علية: حدثنا أيوب، عن محمد قال: نبئت أن سعدا قال: ما
أزعم أني بقميصي هذا أحق مني بالخلافة، جاهدت وأنا أعرف
بالجهاد، ولا أبخع نفسي إن كان رجلا خيرا مني، لا أقاتل
حتى يأتوني بسيف له عينان ولسان، فيقول: هذا مؤمن وهذا
كافر (3).
__________
(1) انظر خبر هذا المعركة في " معجم البلدان " 2 / 156،
والطبري، و " الكامل "، و " البداية " في حوادث سنة (16)
للهجرة.
(2) هو في الطبراني (320)، و " الاصابة " 4 / 163.
(3) رجاله ثقات.
وأخرجه ابن سعد 3 / 1 / 101.
وأبو نعيم في " حلية الاولياء " 1 / 94.
والطبراني في " الكبير " (322).
وذكره الهيثمي في " المجمع " 7 / 299 وقال: رواه الطبراني،
ورجاله رجال الصحيح.
(*)
(1/118)
وتابعه معمر، عن أيوب.
أخبرنا أبو الغنائم القيسي، وجماعة، كتابة، قالوا: أنبأنا
حنبل، أنبأنا هبة الله، أنبأنا ابن المذهب، أنبأنا
القطيعي، حدثنا عبد الله، حدثني أبي، حدثنا عبد الملك بن
عمرو، حدثنا كثير بن زيد، عن المطلب، عن عمر بن سعد، عن
أبيه أنه جاءه ابنه عامر فقال: أي بني ! أفي الفتنة تأمرني
أن أكون رأسا ؟ لا والله، حتى أعطى سيفا، إن ضربت به
مسلما، نبا عنه، وإن ضربت كافرا،
قتله، سمعت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يقول: " إن
الله يحب الغني الخفي التقي " (1).
الزبير: حدثنا محمد بن الضحاك الحزامي، عن أبيه قال: قام
علي على منبر الكوفة، فقال حين اختلف الحكمان: لقد كنت
نهيتكم عن هذه الحكومة، فعصيتموني.
فقام إليه فتى آدم، فقال: إنك والله ما نهيتنا، بل أمرتنا
وذمرتنا (2)، فلما كان منها ما تكره، برأت نفسك، ونحلتنا
ذنبك.
فقال علي، رضي الله عنه: ما أنت وهذا الكلام قبحك الله !
والله لقد كانت الجماعة، فكنت فيها خاملا، فلما ظهرت
الفتنة، نجمت فيها نجوم
__________
(1) سنده حسن وهو في " المسند " 1 / 177، و " الحلية " 1 /
94.
وأخرجه أحمد 1 / 168، ومسلم (2965) في أول الزهد، من طريق
أبي بكر الحنفي، عن بكير بن مسمار، عن عامر بن سعد، قال:
كان سعد بن أبي وقاص في إبله، فجاءه ابنه عمر، فلما رآه
سعد قال: أعوذ بالله من شر هذا الراكب.
فنزل.
فقال له: أنزلت في إبلك وغنمك وتركت الناس يتنازعون الملك
بينهم ؟ فضرب سعد في صدره فقال: اسكت.
سمعت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يقول: " إن الله يحب
العبد التقي، الغني، الخفي ".
المراد بالغنى هنا: غنى النفس.
والخفي: بالخاء المعجمة: ومعناه الخامل المنقطع إلى
العبادة، أي الذي لا يبغي الشهرة ولا يتعرض للناس من
أجلها.
(2) ذمرتنا: أي حضضتنا، وحثثتنا.
والذمر: الحث مع لوم واستبطاء.
وقد التبست على محقق المطبوع، فأثبت مكانها " ودعوتنا ".
(*)
(1/119)
قرن الماعز.
ثم التفت إلى الناس فقال: لله منزل نزله سعد بن مالك، وعبد
الله بن عمر، والله لئن كان ذنبا، إنه لصغير مغفور، ولئن
كان حسنا، إنه لعظيم مشكور (1).
أبو نعيم: حدثنا أبو أحمد الحاكم، حدثنا ابن خزيمة، حدثنا
عمران بن
موسى، حدثنا عبد الوارث، حدثنا محمد بن جحادة، عن نعيم بن
أبي هند، عن أبي حازم، عن حسين بن خارجة الاشجعي قال: لما
قتل عثمان، أشكلت علي الفتنة، فقلت: اللهم أرني من الحق
أمرا أتمسك به، فرأيت في النوم الدنيا والآخرة بينهما
حائط، فهبطت الحائط، فإذا بنفر، فقالوا: نحن الملائكة،
قلت: فأين الشهداء ؟ قالوا: اصعد الدرجات، فصعدت درجة ثم
أخرى، فإذا محمد وإبراهيم، صلى الله عليهما، وإذا محمد
يقول لابراهيم: استغفر لامتي، قال: إنك لا تدري ما أحدثوا
بعدك، إنهم اهراقوا دماءهم، وقتلوا إمامهم، ألا فعلوا كما
فعل خليلي سعد ؟ قال: قلت: لقد رأيت رؤيا، فأتيت سعدا،
فقصصتها عليه، فما أكثر فرحا، وقال: قد خاب من لم يكن
إبراهيم عليه السلام خليله، قلت: مع أي الطائفتين أنت ؟
قال: ما أنا مع واحد منهما، قلت: فما تأمرني ؟ قال: هل لك
من غنم ؟ قلت: لا، قال: فاشتر غنما، فكن فيها حتى تنجلي
(2).
أخبرنا إسماعيل بن عبد الرحمن، أنبأنا أبو محمد بن قدامة،
أنبأنا هبة الله
__________
(1) ذكره الهيثمي في " المجمع " 7 / 246 وقال: رواه
الطبراني.
ومحمد بن الضحاك وولده يحيى لم أعرفهما.
(2) رجاله ثقات.
وأخرجه الحاكم 3 / 501 - 502 من طريق: عمران بن موسى، عن
عبد الوارث بن سعيد، به...وانظر " الاصابة " 3 / 8.
(*)
(1/120)
ابن الحسن، أنبأنا عبد الله بن علي الدقاق، أخبرنا علي بن
محمد، أنبأنا محمد (1) بن عمرو، حدثنا سعدان بن نصر، حدثنا
سفيان، عن الزهري، عن عامر بن سعد، عن أبيه قال " مرضت عام
الفتح مرضا أشفيت منه، فأتاني رسول الله، صلى الله عليه
وسلم، يعودني، فقلت: يا رسول الله ! إن لي مالا كثيرا،
وليس
يرثني إلا ابنة، أفأوصي بما لي كله ؟ قال: لا، قلت:
فالشطر، قال: لا، قلت: فالثلث، قال: والثلث كثير، إنك أن
تترك ورثتك أغنياء خير من أن تتركهم عالة يتكففون الناس،
لعلك تؤخر على جميع أصحابك، وإنك لن تنفق نفقة تريد بها
وجه الله، إلا أجرت فيها، حتى اللقمة ترفعها إلى في
امرأتك، قلت: يا رسول الله إني أرهب أن أموت بأرض هاجرت
منها، قال: لعلك أن تبقى حتى ينتفع بك أقوام ويضربك آخرون،
اللهم أمض لاصحابي هجرتهم، ولا تردهم على أعقابهم، لكن
البائس سعد بن خولة " يرثي له أنه مات بمكة (2).
متفق عليه من طرق عن الزهري.
__________
(1) سقطت من المطبوع " أنبأنا محمد ".
(2) أخرجه أحمد 1 / 179، ومالك في الوصية برقم (4): باب
الوصية في الثلث لا تتعدى.
والبخاري (1295) في الجنائز: باب رثاء النبي صلى الله عليه
وسلم سعد بن خولة، و (3936) في مناقب الانصار و (6373) في
الدعوات: باب الدعاء برفع الوباء والوجع، و (6733) في
الفرائض، باب: ميراث البنات.
ومسلم (1628) في الوصية: باب الوصية بالثلث.
وأبو داود (2864) في الوصايا: باب ما جاء فيما لا يجوز
للموصي في ماله، والترمذي (2117) في الوصايا: باب ما جاء
في الوصية بالثلث، وابن ماجه (2708) في الوصايا: باب
الوصية بالثلث.
وأخرجه البخاري (2742) في الوصايا: باب أن يترك ورثته
أغنياء خير من أن يتكففوا الناس، و (5354) في النفقات: باب
فضل النفقة، من طريق سفيان، عن سعد بن إبراهيم، به.
وقوله: " يرثي له أنه مات بمكة " هو من كلام الزهري.
انظر " الفتح " 3 / 165 سلفية.
(*)
(1/121)
وعن علي بن زيد: عن الحسن قال: لما كان الهيج في الناس،
جعل رجل يسأل عن أفاضل الصحابة، فكان لا يسأل أحدا إلا دله
على سعد بن مالك.
وروى عمر بن الحكم: عن عوانة قال: دخل سعد على معاوية، فلم
يسلم عليه بالامرة، فقال معاوية: لو شئت أن تقول غيرها
لقلت، قال: فنحن المؤمنون ولم نؤمرك، فإنك معجب بما أنت
فيه، والله ما يسرني أني على الذي أنت عليه وأني هرقت
محجمة دم.
قلت: اعتزل سعد الفتنة، فلا حضر الجمل ولا صفين ولا
التحكيم، ولقد كان أهلا للامامة، كبير الشأن، رضي الله
عنه.
روى نعيم بن حماد، حدثنا ابن إدريس، عن هشام، عن ابن سيرين
أن سعد بن أبي وقاص طاف على تسع جوار في ليلة، ثم استيقظت
العاشرة لما أيقظها، فنام هو، فاستحيت أن توقظه.
حماد بن سلمة: عن سماك، عن مصعب بن سعد أنه قال: كان رأس
أبي في حجري، وهو يقضي.
فبكيت، فرفع رأسه إلي، فقال: أي بني (1) ما يبكيك ؟ قلت:
لمكانك وما أرى بك.
قال: لا تبك فإن الله لا يعذبني أبدا.
وإني من أهل الجنة (2).
قلت: صدق والله، فهنيئا له.
الليث، عن عقيل، عن الزهري أن سعد بن أبي وقاص لما احتضر،
دعا بخلق جبة صوف، فقال: كفنوني فيها، فإني لقيت المشركين
فيها يوم بدر،
__________
(1) تصحفت في المطبوع إلى " شئ ".
(2) ابن سعد 3 / 1 / 104.
(*)
(1/122)
وإنما خبأتها لهذا اليوم (1).
ابن سعد: أنبأنا محمد بن عمر، حدثنا فروة بن زييد (2) عن
عائشة بنت سعد قالت: أرسل أبي إلى مروان بزكاته خمسة آلاف،
وترك يوم مات مئتي
ألف وخمسين ألفا (3).
قال الزبير بن بكار: كان سعد قد اعتزل في آخر عمره، في قصر
بناه بطرف حمراء الاسد (4).
وعن أم سلمة أنها قالت، لما مات سعد، وجئ بسريره، فأدخل
عليها، جعلت تبكي وتقول: بقية أصحاب رسول الله، صلى الله
عليه وسلم.
النعمان بن راشد: عن الزهري، عن عامر بن سعد قال: كان سعد
آخر المهاجرين وفاة (5).
قال المدائني، وأبو عبيدة، وجماعة: توفي سنة خمس وخمسين.
__________
(1) أخرجه الحاكم 3 / 496، والطبراني في " الكبير " (316).
وذكره الهيثمي في " المجمع " 3 / 25 وقال: ورجاله ثقات إلا
أن الزهري لم يدرك سعدا.
(2) هو فروة بن زييد، روى عن أبيه، عن جده، عن ابن عمر،
وروى عن عائشة بنت سعد.
روى عنه أبو بكر الحنفي، ومحمد بن عمر انظر " الجرح
والتعديل " 7 / 83، و " الاكمال " لابن ماكولا 4 / 171.
وقد تصحف في المطبوع إلى " رسد "، وفي الطبقات لابن سعد 3
/ 1 / 105 إلى " زبير ".
والخبر في الطبقات كما أشرنا.
(3) زاد في المطبوع لفظ " درهم ".
ولا ندري ما الذي سوغ له ذلك.
(4) موضع على ثمانية أميال من المدينة، عن يسار الطريق إذا
أردت ذا الحليفة.
وإليها انتهى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، في مطاردة
المشركين يوم أحد.
انظر " زاد المعاد " لابن القيم 3 / 242 نشر مؤسسة
الرسالة.
(5) أخرجه الحاكم 3 / 496.
(*)
(1/123)
وروى نوح بن يزيد (1) عن إبراهيم بن سعد أن سعدا مات وهو
ابن اثنيتن وثمانين سنة، في سنة ست وخمسين، وقيل: سنة سبع.
وقال أبو نعيم الملائي: سنة ثمان وخمسين.
وتبعه قعنب بن المحرز.
والاول هو الصحيح.
وقع له في " مسند بقي بن مخلد " مئتان وسبعون حديثا.
فمن ذاك في الصحيح ثمانية وثلاثون حديثا.
6 - سعيد بن زيد * (ع)
ابن عمرو بن نفيل بن عبد العزى بن رياح بن قرط بن رزاح بن
عدي بن كعب بن لؤي بن غالب، أبو الأعور القرشي العدوي.
أحد العشرة المشهود لهم بالجنة، ومن السابقين الاولين
البدريين، ومن الذين رضي الله عنهم ورضوا عنه (2).
شهد المشاهد مع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وشهد حصار
دمشق وفتحها، فولاه
__________
(1) تحرفت في المطبوع إلى " زيد ".
(*) مسند أحمد: 1 / 187، طبقات ابن سعد: 3 / 1 / 275 -
281، نسب قريش: 433، طبقات خليفة: 22 / 127، تاريخ خليفة:
218، التاريخ الصغير: 1 / 101، المعارف: 245 - 246، 292،
الجرح والتعديل: 4 / 21، مشاهير علماء الامصار: ت: 11،
الاستيعاب: 4 / 186 - 194، حلية الاولياء: 1 / 95 - 97 ابن
عساكر: 7 / 115 / 2، أسد الغابة: 2 / 387 - 389، تهذيب
الاسماء واللغات: 1 / 217 - 218، تهذيب الكمال: 491، دول
الاسلام: 1 / 38، تاريخ الاسلام: 1 / 285، العقد الثمين: 4
/ 559 - 564، تهذيب التهذيب: 4 / 34، الاصابة: 4 / 188 -
189، خلاصة تذهيب الكمال: 138، شذرات الذهب: 1 / 57، تهذيب
تاريخ ابن عساكر: 6 / 129 - 131.
(2) في " الاستيعاب " لابن عبد البر 4 / 188، و " الاصابة
" 4 / 188.
(*)
(1/124)
عليها أبو عبيدة بن الجراح، فهو أول من عمل نيابة دمشق من
هذه الامة (1).
وله أحاديث يسيرة.
فله حديثان في الصحيحين.
وانفرد البخاري له بحديث (2).
روى عنه ابن عمر، وأبو الطفيل، وعمرو بن حريث، وزر بن
حبيش، وأبو عثمان النهدي، وعروة بن الزبير، و عبد الله بن
ظالم، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، وطائفة.
قرأت على أحمد بن عبد الحميد، أخبركم الامام أبو محمد بن
قدامة سنة ثمان عشرة وست مئة، أخبرتنا شهدة بنت أحمد
الكاتبة، بقراءتي، أنبأنا طراد ابن محمد الزينبي، أنبأنا
ابن رزقويه، أنبأنا أبو جعفر محمد بن يحيى الطائي، سنة تسع
وثلاثين وثلاث مئة، حدثنا علي بن حرب، حدثنا سفيان، عن عبد
الملك بن عمير، عن عمرو بن حريث، عن سعيد بن زيد بن عمرو،
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " الكمأة من المن الذي
أنزل الله على بني إسرائيل، وماؤها شفاء للعين ".
أخرجه البخاري (3) من طريق ابن عيينة فوقع لنا بدلا عاليا.
__________
(1) في " الاستيعاب " لابن عبد البر 4 / 188، و " الاصابة
" 4 / 188.
(2) سترد هذه الاحاديث خلال الترجمة.
(3) أخرجه أحمد 1 / 187، 188، والبخاري (4478) في التفسير:
باب وظللنا عليكم الغمام، و (4639) فيه: باب (ولما جاء
موسى لميقاتنا وكلمه ربه...)، و (5708) في الطب: باب المن
شفاء للعين، ومسلم (2049) في الاشربة: باب فضل الكمأة
ومداواة العين بها، والترمذي (2067) في الطب: باب ما جاء
في الكمأة والعجوة.
(*)
(1/125)
قرأت على علي بن عيسى التغلبي، أخبركم محمد بن إبراهيم
الصوفي سنة عشرين وست مئة، أنبأنا أبو طاهر السلفي، أنبأنا
عبد الله الثقفي، أنبأنا
أحمد بن الحسن، أنبأنا حاجب بن أحمد، حدثنا عبد الرحيم، هو
ابن منيب، حدثنا سفيان، عن الزهري، عن طلحة عن سعيد بن زيد
يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من ظلم من الارض
شبرا طوقه من سبع أرضين.
ومن قتل دون ماله فهو شهيد " (1).
هذا حديث صالح الاسناد، لكنه فيه انقطاع، لان طلحة بن عبد
الله بن عوف لم يسمعه من سعيد.
رواه مالك، ويونس، وجماعة، عن الزهري فأدخلوا بين طلحة
وسعيد: عبد الرحمن بن عمرو بن سهل (2) الانصاري.
أخرجه البخاري عن أبي اليمان، عن شعيب، عن الزهري.
كان والده زيد (3) بن عمرو ممن فر إلى الله من عبادة
الاصنام، وساح في أرض الشام يتطلب الدين القيم، فرأى
النصارى واليهود، فكره دينهم،
__________
(1) أخرجه أحمد 1 / 187، والنسائي 7 / 115، في تحريم الدم:
باب من قتل دون ماله، وأبو داود (4772) في السنة: باب في
قتال اللصوص، وابن ماجه (2580) في الحدود: باب من قتل دون
ماله فهو شهيد، من طريق طلحة بن عبد الله بن عوف، عن سعيد
بن زيد، عن النبي، صلى الله عليه وسلم.
وأخرجه أحمد 1 / 188 والترمذي (1421) في الديات: باب فيمن
قتل دون ماله فهو شهيد، من طريق معمر، عن الزهري، عن طلحة
بن عبد الله بن عوف، عن عبد الرحمن بن عمر بن سهل، عن سعيد
بن زيد، عن النبي...وأخرجه البخاري (2452) في المظالم: باب
إثم من ظلم شيئا من الارض من طريق أبي اليمان، عن شعيب، عن
الزهري، عن طلحة بن عبد الله، عن عبد الرحمن بن سهل، عن
سعيد، عن النبي، وهو عنده أيضا برقم (3198) في بدء الخلق:
باب ما جاء في سبع أرضين، من طريق أبي أسامة، عن هشام، عن
أبيه، عن سعيد بن زيد.
(2) تحرفت في المطبوع إلى " سهيل ".
(3) انظر " تاريخ الاسلام " للمؤلف 1 / 52 وما بعدها.
(*)
(1/126)
وقال: اللهم إني على دين إبراهيم (1) ولكن لم يظفر بشريعة
إبراهيم عليه السلام كما ينبغي، ولا رأى من يوقفه عليها،
وهو من أهل النجاة، فقد شهد له النبي صلى الله عليه وسلم
بأنه " يبعث أمة وحده " (2) وهو ابن عم الامام عمر بن
الخطاب، رأى النبي، صلى الله عليه وسلم، ولم يعش حتى بعث.
فنقل يونس بن بكير، وهو من أوعية العلم بالسير، عن محمد بن
إسحاق قال: قد كان نفر من قريش: زيد بن عمرو بن نفيل،
وورقة بن نوفل، وعثمان ابن الحارث بن أسد، وعبيد [ الله ]
بن جحش، وأميمة ابنة عبد المطلب حضروا قريشا عند وثن لهم،
كانوا يذبحون عنده لعيد من أعيادهم، فلما اجتمعوا، خلا
أولئك النفر بعضهم إلى بعض، وقالوا: تصادقوا وتكاتموا،
فقال قائلهم: تعلمن والله ما قومكم على شئ، لقد أخطؤ وا
دين إبراهيم وخالفوه، فما وثن يعبد لا يضر ولا ينفع،
فابتغوا لانفسكم، قال: فخرجوا يطلبون ويسيرون في الارض،
يلتمسون أهل كتاب من اليهود والنصارى والملل كلها يتطلبون
الحنيفية، فأما ورقة فتنصر، واستحكم في النصرانية، وحصل
الكتب، وعلم علما كثيرا، ولم يكن فيهم أعدل شأنا من زيد:
اعتزل الاوثان والملل إلا دين إبراهيم يوحد الله تعالى،
ولا يأكل من ذبائح قومه، وكان الخطاب عمه قد آذاه، فنزح
عنه إلى أعلى مكة، فنزل حراء، فوكل به الخطاب شبابا سفهاء
لا يدعونه يدخل مكة، فكان لا يدخلها إلا سرا.
وكان الخطاب أخاه أيضا من أمه، فكان يلومه على فراق دينه.
فسار زيد إلى الشام والجزيرة والموصل يسأل عن الدين (3).
__________
(1) سقط من مطبوع دار المعارف من قوله: فرأى النصارى...إلى
قوله: على دين إبراهيم.
(2) سيرد الحديث في الصفحة (130) وسيخرج هناك.
(3) الخبر عند ابن هشام 1 / 222، وفي " الاستيعاب " 4 /
189، وعند ابن الاثير في " الكامل " 2 / 47 - 48.
(*)
(1/127)
أخبرنا يوسف بن أحمد بن أبي بكر الحجار، أنبأنا موسى بن
عبد القادر، أنبأنا سعيد بن أحمد بن (1) البنا، (ح)
وأنبأنا أحمد بن المؤيد، أنبأنا الحسن ابن إسحاق، أخبرنا
محمد بن عبيدالله بن الزاغوني.
وقرأت على عمر بن عبد المنعم، في سنة ثلاث وتسعين، عن أبي
اليمن الكندي، إجازة في سنة ثمان وست مئة، أنبأنا أبو
الفضل محمد بن عبد الله بن المهتدي بالله، قالوا: أنبأنا
محمد بن محمد الزينبي، أنبأنا محمد بن عمر الوراق، حدثنا
عبد الله بن سليمان، حدثنا عيسى بن حماد، أنبأنا الليث بن
سعد، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن أسماء بنت أبي بكر
قالت: لقد رأيت زيد بن عمرو بن نفيل قائما مسندا ظهره إلى
الكعبة يقول: يا معشر قريش ! والله ما فيكم أحد على دين
إبراهيم غيري.
وكان يحيي الموؤودة، يقول للرجل إذا أراد أن يقتل ابنته:
مه ! لا تقتلها.
أنا أكفيك مؤنتها، فيأخذها، فإذا ترعرعت، قال لابيها: إن
شئت، دفعتها إليك، وإن شئت، كفيتك مؤنتها (2).
هذا حديث صحيح غريب، تفرد به الليث، وإنما يرويه عن هشام
كتابة.
وقد علقه البخاري في " صحيحه " (3) فقال: وقال الليث: كتب
إلي هشام، فذكره.
وقد سمعه ابن إسحاق من هشام.
__________
(1) سقطت " بن " من المطبوع.
(2) سقط من المطبوع من قوله فيأخذها إلى هنا.
(3) (3828) في المناقب: باب حديث زيد بن عمرو بن نفيل.
ووصله الحاكم 3 / 440 وصححه ووافقه الذهبي، وابن سعد 3 / 1
/ 277.
وذكره الهيثمي في " المجمع " 9 / 418، ونسبه إلى
الطبراني وقال: يحسن إسناده.
وعنده زيادة ليست عند البخاري والحاكم، وأخرجه ابن هشام 1
/ 225 من طريق: إبن إسحاق، حدثني هشام بن عروة، عن أبيه عن
أسماء، وهذا سند قوي.
(*)
(1/128)
وعندي بالاسناد المذكور إلى الليث، عن هشام (1) نسخة، فمن
أنكر ما فيها: عن أبيه عروة أنه قال: مر ورقة بن نوفل على
بلال وهو يعذب، يلصق ظهره بالرمضاء وهو يقول: أحد أحد،
فقال ورقة: أحد أحد يا بلال، صبرا يا بلال.
لم تعذبونه ؟ فو الذي نفسي بيده، لئن قتلتموه، لاتخذنه
حنانا.
يقول: لا تمسحن به.
هذا مرسل.
وورقة لو أدرك هذا، لعد من الصحابة، وإنما مات الرجل في
فترة الوحي بعد النبوة وقبل الرسالة كما في الصحيح (2).
يونس بن بكير: عن ابن إسحاق، حدثني هشام، عن أبيه، عن
أسماء أن ورقة كان يقول: اللهم إني لو أعلم أحب الوجوه
إليك، عبدتك به، ولكني لا أعلم، ثم يسجد على راحته (3).
يونس بن بكير، وعدة: عن المسعودي، عن نفيل بن هشام بن سعيد
بن زيد، عن أبيه، عن جده قال: مر زيد بن عمرو على رسول
الله، صلى الله عليه وسلم، وزيد ابن حارثة، فدعواه إلى
سفرة لهما، فقال: يا ابن أخي، إني لا آكل مما ذبح على
النصب، فما رؤي رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك
اليوم يأكل مما ذبح على النصب.
المسعودي ليس بحجة.
أخرجه الامام أحمد في " مسنده "، عن يزيد، عن المسعودي، ثم
زاد في آخره: قال سعيد (4): فقلت: يا رسول الله ! إن أبي
كان كما قد رأيت وبلغك [ ولو أدركك لآمن بك واتبعك ]
فاستغفر له.
قال: " نعم، فأستغفر له، فإنه
__________
(1) سقط لفظ " هشام " من المطبوع (2) انظر " فتح الباري "
شرح الحديث رقم (3) وفيه: أن ورقة لم ينشب أن توفي.
(3) رجاله ثقات.
وهو عند ابن هشام 1 / 225 وانظر " السيرة " لابن كثير 1 /
154.
(4) سقط من المطبوع عبارة: " قال سعيد " (*)
(1/129)
يبعث أمة وحده " (1).
وقد رواه إبراهيم الحربي قال: حدثنا إبراهيم بن محمد،
حدثنا أبو قطن، عن المسعودي، عن نفيل، عن أبيه، عن جده
قال: مر زيد برسول الله صلى الله عليه وسلم وبابن حارثة
وهما يأكلان في سفرة فدعواه، فقال: إني لا آكل مما ذبح على
النصب.
قال: وما رؤي رسول الله، صلى الله عليه وسلم، آكلا مما ذبح
على النصب (2).
فهذا اللفظ مليح يفسر ما قبله.
ومازال المصطفى محفوظا محروسا قبل الوحي وبعده ولو احتمل
جواز ذلك، فبالضرورة ندري أنه كان يأكل من ذبائح
__________
(1) أخرجه أحمد 1 / 189 - 190، والحاكم 3 / 439 - 440،
والطبراني (350)، وذكره الهيثمي في " المجمع " 9 / 417
ونسبه إلى الطبراني والبزار باختصار، وفيه المسعودي وقد
اختلط، وبقية رجاله ثقات.
كذا قال، مع أن نفيل بن هشام وأباه لم يوثقهما غير ابن
حبان على عادته في توثيق المجاهيل، وقد سقط من الاصل " عن
جده " واستدركت من المسند.
وانظر الصفحة (222) التعليق رقم (1).
قال الخطابي: " كان النبي، صلى الله عليه وسلم، لا يأكل
مما يذبحون عليها للاصنام ويأكل ما عدا ذلك، وإن كانوا لا
يذكرون اسم الله عليه.
لان الشرع لم يكن نزل بعد، بل لم ينزل الشرع بمنع أكل ما
لم يذكر اسم الله عليه إلا بعد المبعث بمدة طويلة ".
وقال ابن حجر معلقا على هذا الكلام: وهذا الجواب أولى مما
ارتكبه ابن بطال، وعلى تقدير أن يكون زيد بن حارثة ذبح على
الحجر المذكور فإنما يحمل أنه إنما ذبح عليه لغير الاصنام.
وقال الداوودي: كان النبي، صلى الله عليه وسلم، قبل المبعث
يجانب المشركين في عاداتهم، لكن لم يكن يعلم ما يتعلق بأمر
الذبح، وكان زيد قد علم ذلك من أهل الكتاب الذين لقيهم.
وقال السهيلي: فإن قيل: فالنبي، صلى الله عليه وسلم، كان
أولى من زيد بهذه الفضيلة، فالجواب أنه ليس في الحديث، أنه
صلى الله عليه وسلم، أكل منها.
وعلى تقدير أن يكون أكل، فزيد إنما كان يفعل ذلك برأي يراه
لا بشرع بلغه، وإنما كان عند أهل الجاهلية بقايا من دين
إبراهيم، وكان في شرع إبراهيم تحريم الميتة لا تحريم ما لم
يذكر اسم الله عليه، وإنما نزل تحريم ذلك في الاسلام،
والاصح أن الاشياء قبل الشرع لا توصف بحل ولا بحرمة.
وقال ابن حجر معلقا على هذا القول: وقوله: إن زيدا فعل ذلك
برأيه أولى من قول الداوودي: إنه تلقاه عن أهل الكتاب، لا
سيما وأن زيدا يصرح عن نفسه بأنه لم يتبع أحدا من أهل
الكتابين.
وقال القاضي عياض: إنها كالممتنع، لان النواهي إنما تكون
بعد تقرير الشرع، والنبي، صلى الله عليه وسلم، لم يكن
متعبدا قبل أن يوحى إليه بشرع من قبله على الصحيح.
وانظر " فتح الباري " 7 / 143 - 144.
(2) سنده ضعيف كسابقه.
(*)
(1/130)
قريش قبل الوحي، وكان ذلك على الاباحة، وإنما توصف ذبائحهم
بالتحريم بعد نزول الآية، كما أن الخمرة كانت على الاباحة،
إلى أن نزل تحريمها بالمدينة بعد يوم أحد، والذي لا ريب
فيه، أنه كان معصوما قبل الوحي، وبعده وقبل التشريع من
الزنى قطعا، ومن الخيانة، والغدر، والكذب، والسكر، والسجود
لوثن، والاستقسام بالازلام، ومن الرذائل، والسفه، وبذاء
اللسان، وكشف العورة، فلم يكن يطوف عريانا، ولا كان يقف
يوم عرفة مع قومه بمردلفة، بل كان يقف بعرفة.
وبكل حال لو بدامنه شئ من ذلك، لما كان عليه تبعة لانه كان
لا يعرف، ولكن رتبة الكمال تأبى وقوع ذلك منه، صلى الله
عليه وسلم تسليما.
أبو معاوية: عن هشام، عن أبيه، عن عائشة.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " دخلت الجنة، فرأيت
لزيد بن عمرو بن نفيل دوحتين ".
غريب.
رواه الباغندي (1) عن الاشج، عنه.
عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن
أسماء قالت: رأيت زيد بن عمرو شيخا كبيرا مسندا ظهره إلى
الكعبة وهو يقول:
__________
(1) الباغندي: هو محدث العراق أبو بكر محمد بن سليمان بن
الحارث مترجم في تذكرة المؤلف (736).
وذكره ابن كثير في البداية 2 / 241 عن الباغندي، عن أبي
سعيد الاشجع، عن أبي معاوية، عن هشام، عن أبيه عن
عائشة...وقال: هذا إسناد جيد وليس هو في شئ من الكتب،
وأخرج الطبري في " تاريخه " 2 / 296 من طريق محمد بن سعد،
أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني علي بن عيسى الحكمي، عن
أبيه، عن عامر بن ربيعة قال: فلما أسلمت، أخبرت رسول الله
صلى الله عليه وسلم، قول زيد بن عمرو، وأقرأته منه السلام،
فرد عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وترحم عليه، وقال:
" قد رأيته في الجنة يسحب ذيولا " وهذا سند ضعيف، وذكره
ابن حجر في " الفتح " 7 / 143، ونسبه إلى محمد بن سعد،
والفاكهي.
(*)
(1/131)
ويحكم يا معشر قريش ! إياكم والزنى، فإنه يورث الفقر (1).
أبو الحسن المدائني: عن إسماعيل بن مجالد، عن أبيه، عن
الشعبي، عن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب قال: قال زيد بن
عمرو: شاممت النصرانية واليهودية، فكرهتهما، فكنت بالشام،
فأتيت راهبا، فقصصت عليه أمري، فقال: أراك تريد دين
إبراهيم عليه السلام، يا أخا أهل (2) مكة ! إنك لتطلب دينا
ما يوجد اليوم، فالحق ببلدك، فإن الله يبعث من قومك من
يأتي بدين إبراهيم، بالحنيفية، وهو أكرم الخلق على الله
(3).
وبإسناد ضعيف: عن حجير بن أبي إهاب قال: رأيت زيد بن عمرو
يراقب الشمس، فإذا زالت، استقبل الكعبة، فصلى ركعة، وسجد
سجدتين.
وأنشد الضحاك بن عثمان الحزامي لزيد: [ و ] أسلمت وجهي لمن
أسلمت له المزن تحمل عذبا زلالا
إذا سقيت بلدة من بلاد سيقت إليها فسحت سجالا (4) وأسلمت
نفسي لمن أسلمت له الارض تحمل صخرا ثقالا
__________
(1) ذكره ابن كثير في " البداية " 2 / 241.
(2) سقطت من المطبوع لفظة " أهل ".
(3) إسناده ضعيف لضعف مجالد.
وأبو الحسن المدائني هو علي بن محمد، ترجمه المؤلف في "
ميزانه " ونقل عن ابن عدي قوله فيه: ليس بالقوي في الحديث
وسترد ترجمته في " السير ".
(4) رواية البيت في " سيرة ابن هشام " 1 / 231: إذا هي
سيقت إلى بلدة * أطاعت فصبت عليه سجالا (*)
(1/132)
دحاها فلما استوت شدها * سواء وأرسى عليها الجبالا (1).
وروى هشام بن عروة فيما نقله عنه ابن أبي الزناد، أنه بلغه
أن زيد بن عمرو كان بالشام.
فلما بلغه خبر رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أقبل يريده،
فقتله أهل ميفعة بالشام (2).
وروى الواقدي أنه مات فدفن بأصل حراء، وقال ابن إسحاق: قتل
ببلاد لخم.
عبد العزيز (3) بن المختار: أنبأنا موسى بن عقبة، أخبرني
سالم، سمع ابن عمر يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم،
أنه لقي زيد بن عمرو أسفل بلدح قبل الوحي.
فقدم إلى زيد سفرة فيها لحم، فأبى أن يأكل، وقال: لا آكل
مما تذبحون على أنصابكم، أنا لا آكل إلا مما ذكر اسم الله
عليه.
أخرجه البخاري وزاد في آخره: وكان يعيب على قريش ويقول:
الشاة خلقها الله، وأنزل لها من السماء، وأنبت لها من
الارض، ثم تذبحونها على غير اسم الله ؟ (4).
أبو أسامة وغيره قالا: حدثنا محمد بن عمرو، عن أبي سلمة
ويحيى بن
__________
(1) رواية البيت في السيرة لابن هشام 1 / 231: دحاها فلما
رآها استوت * على الماء أرسى عليها الجبالا (2) ابن هشام 1
/ 231، وميفعة: من أرض البلقاء.
(3) تحرفت في المطبوع إلى " الكريم ".
(4) أخرجه البخاري (3826) في المناقب: باب حديث زيد بن
عمرو بن نفيل، و (5499) في الذبائح: باب ما ذبح على النصب
والاصنام.
وابن سعد 3 / 1 / 277، وابن عبد البر في " الاستيعاب " 4 /
191.
وبلد ح: واد قبل مكة من جهة الغرب.
(*)
(1/133)
عبد الرحمن، عن أسامة بن زيد، عن زيد بن حارثة قال: خرجت
مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مردفي إلى نصب من
الانصاب، فذبحنا له - ضمير له راجع إلى رسول الله صلى الله
عليه وسلم - شاة، ووضعناها في التنور، حتى إذا نضجت،
جعلناها في سفرتنا، ثم أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم
يسير، وهو مردفي، في أيام الحر.
حتى إذا كنا بأعلى الوادي، لقي زيد بن عمرو، فحيى أحدهما
الآخر، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: مالي أرى قومك
قد شنفوا لك، أي: أبغضوك ؟ قال: أما والله إن ذلك مني لغير
نائرة كانت مني إليهم، ولكني أراهم على ضلالة، فخرجت أبتغي
الدين، حتى قدمت على أحبار أيلة، فوجدتهم يعبدون الله
ويشركون به، فدللت على شيخ بالجزيرة، فقدمت عليه، فأخبرته،
فقال: إن كل من رأيت في ضلالة، إنك لتسأل عن دين هو دين
الله وملائكته، وقد خرج في أرضك نبي، أو هو خارج، ارجع
إليه، واتبعه.
فرجعت، فلم أحس شيئا، فأناخ رسول الله صلى الله عليه وسلم
البعير، ثم قدمنا إليه السفرة، فقال: ما هذه ؟ قلنا: شاة
ذبحناها للنصب كذا.
قال: فقال إني لا آكل مما ذبح لغير الله، ثم تفرقا، ومات
زيد
قبل المبعث، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يأتي
أمة وحده " (1).
رواه إبراهيم الحربي في " الغريب " عن شيخين له، عن أبي
أسامة، ثم قال: في ذبحها على النصب وجهان: إما أن زيدا
فعله عن غير أمر النبي صلى الله عليه وسلم، إلا أنه كان
معه، فنسب ذلك إليه، لان زيدا لم يكن معه من العصمة
والتوفيق
__________
(1) إسناده حسن.
وذكره الحافظ في " المطالب العالية " (4057) ونسبه إلى أبي
يعلى.
وذكره الهيثمي في " المجمع " 9 / 417، 418 ونسبه إلى أبي
يعلى والبزار، والطبراني، وقال: وأحد أسانيد الطبراني رجال
الصحيح، غير محمد بن عمرو بن علقمة، وهو حسن الحديث.
وابن سعد، مختصرا 3 / 1 / 277 والنائرة: العدواة.
وأيله: مدينة على ساحل البحر الاحمر، وهي العقبة.
(*)
(1/134)
ما أعطاه الله لنبيه، وكيف يجوز ذلك وهو عليه السلام قد
منع زيدا أن يمس صنما، وما مسه هو قبل نبوته، فكيف يرضى أن
يذبح للصنم، هذا محال.
الثاني: ان يكون ذبح لله واتفق ذلك عند صنم كانوا يذبحون
عنده.
قلت: هذا حسن، فإنما الاعمال بالنية، [ أما ] زيد، فأخذ
بالظاهر، وكان الباطن لله، وربما سكت النبي، صلى الله عليه
وسلم، عن الافصاح خوف الشر، فإنا مع علمنا بكراهيته
للاوثان، نعلم أيضا أنه ما كان قبل النبوة مجاهرا بذمها
بين قريش، ولا معلنا بمقتها قبل المبعث، والظاهر أن زيدا
رحمه الله توفي قبل المبعث، فقد نقل ابن إسحاق (1) أن ورقة
بن نوفل رثاه بأبيات، وهي: رشدت وأنعمت ابن عمرو وإنما *
تجنبت تنورا من النار حاميا بدينك ربا ليس رب كمثله *
وتركك أوثان الطواغي كما هيا (2) وإدراكك الدين الذي قد
طلبته * ولم تك عن توحيد ربك ساهيا فأصبحت في دار كريم
مقامها * تعلل فيها بالكرامة لاهيا (3) وقد تدرك الانسان
رحمة ربه * ولو كان تحت الارض سبعين واديا
نعم، وعد عروة سعيد بن زيد في البدريين فقال: قدم من الشام
بعد بدر، فكلم رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فضرب له
بسهمه وأجره (4)، وكذلك قال موسى بن
__________
(1) انظر ابن هشام 1 / 232، وجمهرة نسب قريش ص 418 للزبير
بن بكار.
(2) في الاصل " رب " والتصويب من " سيرة ابن هشام ".
(3) بعد هذا البيت بيت خامس عند ابن هشام هو: تلاقي خليل
الله فيها ولم تكن * من الناس جبارا إلى النار هاويا وانظر
" تهذيب ابن عساكر " 6 / 32، و " البداية " لابن كثير 2 /
238.
(4) أخرجه الحاكم 3 / 438، والطبراني (338) و (339)، وابن
عبد البر في " الاستيعاب " 4 / 187، وابن سعد 3 / 1 / 279،
والحافظ في " الاصابة " 4 / 188.
(*)
(1/135)
عقبة وابن إسحاق.
وامرأته هي ابنة عمه فاطمة، أخت عمر بن الخطاب.
أسلم سعيد قبل دخول النبي، صلى الله عليه وسلم، دار الارقم
(1).
وأخرج البخاري من ثلاثة أوجه، عن إسماعيل، عن قيس بن أبي
حازم قال: قال سعيد بن زيد: لقد رأيتني، وإن عمر لموثقي
على الاسلام وأخته، ولو أن أحدا انقض بما صنعتم بعثمان
لكان حقيقا (2).
وقد ذكرنا في إسلام عمر فصلا في المعنى.
وذكر ابن سعد في " طبقاته " عن الواقدي، عن رجاله قالوا:
لما تحين رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وصول عير قريش من
الشام، بعث طلحة وسعيد بن زيد قبل خروجه من المدينة بعشر،
يتحسسان خبر العير، فبلغا الحوراء، فلم يزالا مقيمين هناك،
حتى مرت بهم العير، فتساحلت، فبلغ نبي الله الخبر قبل
__________
(1) أخرجه الحاكم 3 / 438، وابن سعد 3 / 1 / 278، والحافظ
في " الاصابة " 4 / 188.
(2) أخرجه البخاري (3862) في مناقب الانصار: باب إسلام
سعيد بن زيد و (3867) فيهما، و (6942) في الاكراه: باب من
اختار الضرب، والقتل، والهوان على الكفر.
والحاكم 3 / 440 وصححه ووافقه الذهبي، ورواية البخاري
الاولى: قتيبة بن سعيد، حدثنا سفيان، عن إسماعيل، عن قيس،
قال: سمعت سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل في مسجد الكوفة،
يقول: والله لقد رأيتني، وإن عمر لموثقي على الاسلام، قبل
أن يسلم عمر.
ولو أن أحدا ارفض للذي صنعتم بعثمان لكان محقوقا أن يرفض "
وفي الرواية الثانية " انقض " بالنون والقاف.
وقال الحافظ في " الفتح " 7 / 176: لموثقي عليه الاسلام:
أي ربطه بسبب إسلامه إهانة له، وإلزاما بالرجوع عن
الاسلام.
" ولو أن أحدا ارفض ": أي زال من مكانه.
ورواية " انقض " أي: سقط.
" لكان ذلك محقوقا " أي: واجبا.
وفي رواية الاسماعيلي: " لكان حقيقا ".
وإنما قال سعيد ذلك لعظم قتل عثمان، رضي الله عنه.
(*)
(1/136)
مجيئهما، فندب أصحابه، وخرج يطلب العير، فتساحلت وساروا
الليل والنهار، ورجع طلحة وسعيد ليخبرا، فوصلا المدينة يوم
الوقعة، فخرجا يؤمانه، وضرب لهما رسول الله صلى الله عليه
وسلم بسهمهما وأجور هما.
وشهد سعيد أحدا والخندق والحديبية، والمشاهد (1).
وقد تقدمت عدة أحاديث في أنه من أهل الجنة، وأنه من
الشهداء.
قال عبد الله بن أحمد: سألت أبي عن الشهادة لابي بكر وعمر
أنهما في الجنة، فقال: نعم، أذهب إلى حديث سعيد بن زيد.
هشام بن عروة، عن أبيه أن أروى بنت أويس ادعت أن سعيد بن
زيد أخذ شيئا من أرضها، فخاصمته إلى مروان، فقال سعيد: أنا
كنت آخذ من أرضها شيئا بعد الذي سمعت من رسول الله، سمعته
يقول: " من أخذ شيئا من
الارض طوقه إلى سبع أرضين " قال مروان: لا أسألك بينة بعد
هذا، فقال سعيد: اللهم إن كانت كاذبة، فأعم بصرها، واقتلها
في أرضها (2)، فما ماتت حتى عميت، وبينا هي تمشي في أرضها،
إذ وقعت في حفرة فماتت.
أخرجه مسلم (3).
وروى عبد العزيز بن أبي حازم، عن العلاء بن عبد
__________
(1) ابن سعد 3 / 1 / 279 وانظر " مستدرك الحاكم " 3 / 369،
438، وابن هشام 1 / 683، و " الاستيعاب " 4 / 188.
وانظر الخبر في الطبري 2 / 478، و " الكامل " في التاريخ 2
/ 116 - 137، وانظر الصفحة (25) التعليق رقم (3).
(2) تصحفت في المطبوع إلى " الارض ".
(3) أخرجه مسلم (1610) (139) في المساقاة: باب تحريم الظلم
وغصب الارض.
والبخاري (3198) في بدء الخلق: باب ما جاء في سبع أرضين
والرواية فيه " شبرا " بدل " شيئا " و (2452) من طريق أخرى
مختصرا في المظالم: باب إثم من ظلم شيئا من الارض.
وأحمد 1 / 188، 189، 190، مختصرا ومن طرق عن سعيد بن زيد.
وأبو نعيم في " الحلية " 1 / 96، 97، بروايات متعددة.
وهو كذلك في " الاستيعاب " 4 / 191، و " الاصابة " 4 /
189.
(*)
(1/137)
الرحمن (1) نحوه، عن أبيه وروى المغيرة بن عبد الرحمن، عن
عبد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن (2) عمر، نحوه.
وقال ابن أبي حازم (3) في حديثه: سألت أروى سعيدا أن يدعو
لها، وقالت: قد ظلمتك.
فقال: لا أرد على الله شيئا أعطانيه.
قلت: لم يكن سعيد متأخرا عن رتبة أهل الشورى في السابقة
والجلالة، وإنما تركه عمر، رضي الله عنه، لئلا يبقى له فيه
شائبة حظ، لانه ختنه وابن عمه، ولو ذكره في أهل الشورى
لقال الرافضي: حابى (4) ابن عمه.
فأخرج منها ولده وعصبته.
فكذلك فليكن العمل (5) لله.
خالد الطحان: عن عطاء بن السائب.
عن محارب بن دثار قال: كتب
__________
(1) العلاء بن عبد الرحمن هو ابن يعقوب الحرقي أبو شبل
المدني، مولى الحرقة، وأبو عبد الرحمن بن يعقوب يروي عن
الصحابة.
وذكره ابن عبد البر في " الاستيعاب " 4 / 192 عن الزبير بن
بكار، حدثني إبراهيم بن حمزة، عن عبد العزيز بن أبي حازم،
عن العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه: أن أروى...وذكره.
والحديث بهذا السند عند ابن عساكر في تاريخه.
وأخرجه أحمد 2 / 388، ومسلم (1611)، وأبو داود الطيالسي 1
/ 277 من طريق سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة.
(2) سقطت " ابن " من المطبوع.
وذكره ابن عبد البر في " الاستيعاب " 4 / 191 ونسبه إلى
الزبير ابن بكار.
وأخرجه أبو نعيم في " الحلية " 1 / 96 من طريق: العمري، عن
نافع، عن ابن عمر.
وأخرجه البخاري 5 / 76 في المظالم، من طريق: مسلم بن
إبراهيم، عن ابن المبارك، عن موسى ابن عقبة، عن سالم، عن
أبيه.
(3) في الاصل " حاتم " والصواب ما أثبتناه كما جاء في هامش
الاصل: صوابه: قال ابن أبي حازم بالزاي " وهو عبد العزيز
المتقدم ذكره.
وكنيته أبو محمود.
(4) تحرفت في المطبوع إلى " خلف ".
(5) تحرفت في المطبوع إلى " العهد ".
(*)
(1/138)
معاوية إلى مروان، وإلى المدينة، ليبايع لابنه يزيد، فقال
رجل من جند الشام: ما يحبسك ؟ قال: حتى يجئ سعيد بن زيد
فيبايع، فإنه سيد أهل البلد، وإذا بايع، بايع الناس، قال:
أفلا أذهب فأتيك به ؟ وذكر الحديث (1).
أنبئنا وأخبرنا عن حنبل سماعا، أنبأنا ابن الحصين، أنبأنا
ابن المذهب، أنبأنا القطيعي، حدثنا عبد الله، حدثني أبي،
حدثنا وكيع، حدثنا سفيان، عن حصين ومنصور، عن هلال بن
يساف، عن سعيد بن زيد - وقال حصين: عن
ابن ظالم، عن سعيد بن زيد - أن النبي صلى الله عليه وسلم،
قال: " اسكن حراء فما عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد "،
وعليه النبي، وأبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وطلحة،
والزبير، وسعد، و عبد الرحمن، وسعيد بن زيد (2).
ابن سعد: أنبأنا أبو ضمرة، عن يحيى بن سعيد، أخبرني نافع،
عن ابن عمر أنه استصرخ على سعيد بن زيد يوم الجمعة بعد ما
ارتفع النهار، فأتاه ابن عمر بالعقيق، وترك الجمعة (3).
أخرجه البخاري (4).
وقال إسماعيل بن أمية: عن نافع قال: مات سعيد بن زيد وكان
يذرب.
__________
(1) أخرجه الحاكم 3 / 439 وسكتا عنه، والطبراني (345) في "
الكبير "، وأخرجه البخاري في " التاريخ الصغير " 1 / 112
من طريق: حسن بن مدرك، عن يحيى بن حماد، عن أبي عوانة، عن
عطاء بن السائب، به.
(2) أخرجه أحمد 1 / 187، 188، 189، وأبو داود (4648) في
السنة: باب في الخلفاء.
والترمذي (3758) في المناقب: باب مناقب سعيد بن زيد، وابن
ماجه (134) في المقدمة: باب فضائل العشرة.
وهو حديث صحيح.
(3) أخرجه ابن سعد 3 / 1 / 279 - 280.
وأخرجه الحاكم 3 / 438 من طريق محمد بن الصباح، عن هشيم،
عن يحيى بن سعيد، به...ورجاله ثقات.
(4) برقم (3990) في المغازي، وهو في " المصنف " (5497)، و
" سنن البيهقي " 3 / 185.
(*)
(1/139)
فقالت أم سعيد لعبد الله بن عمر: أتحنطه بالمسك ؟ فقال:
وأي طيب أطيب من المسك ! فناولته مسكا (1).
سليمان بن بلال حدثنا الجعيد بن عبد الرحمن، عن عائشة بنت
سعد قالت: مات سعيد بن زيد بالعقيق، فغسله سعد بن أبي
وقاص، وكفنه، وخرج معه (2).
وروى (3) غير واحد، عن مالك قال: مات سعيد بن زيد، وسعد بن
أبي وقاص بالعقيق.
قال الواقدي: توفي سعيد بن زيد سنة إحدى وخمسين، وهو ابن
بضع وسبعين سنة، وقبر بالمدينة.
نزل في قبره سعد، وابن عمر، وكذا قال أبو عبيد، ويحيى بن
بكير، وشهاب.
قال الواقدي: كان سعيد رجلا، آدم، طويلا، أشعر.
وقد شذ الهيثم بن عدي فقال: مات بالكوفة.
وقال عبيدالله بن سعد الزهري: مات سنة اثنتين وخمسين رضي
الله عنه.
فهذا ما تيسر من سيرة العشرة.
وهم أفضل قريش، وأفضل السابقين المهاجرين، وأفضل البدريين،
وأفضل أصحاب الشجرة، وسادة هذه الامة في الدنيا والآخرة.
فأبعد الله الرافضة، ما أغواهم وأشد هواهم، كيف اعترفوا
بفضل واحد منهم وبخسوا التسعة حقهم، وافتروا عليهم (4)
بأنهم كتموا النص في علي أنه الخليفة.
فوالله ما جرى من ذلك شئ، وأنهم زوروا الامر عنه بزعمهم،
وخالفوا نبيهم، وبادروا إلى بيعة رجل من بني تيم يتجر
ويتكسب،
__________
(1) أخرجه ابن سعد 3 / 1 / 280.
والذرب: داء يعرض للمعدة فلا تهضم الطعام ويفسد فيها ولا
تمسكه.
(2) أخرجه ابن سعد 3 / 1 / 279.
(3) تحرفت في المطبوع إلى " قال ".
(4) تحرفت في المطبوع إلى " عليه ".
(*)
(1/140)
لا لرغبة في أمواله ولا لرهبة من (1) عشيرته ورجاله، ويحك
! أيفعل هذا من له مسكة عقل ؟ ولو جاز هذا على واحد لما
جاز على جماعة، ولو جاز وقوعه من جماعة، لا ستحال وقوعه،
والحالة هذه، من ألوف من سادة المهاجرين والانصار، وفرسان
الامة، وأبطال الاسلام، لكن لا حيلة في برء الرفض فإنه
داء مزمن، والهدى نور يقذفه الله في قلب من يشاء، فلا قوة
إلا بالله.
حديث مشترك، وهو منكر جدا.
رواه الطبراني في " المعجم الكبير " حدثنا الحسين بن إسحاق
التستري، وقال أبو عمرو بن حمدان: حدثنا الحسن بن سفيان،
في مسنده، قالا: حدثنا نصر بن علي، حدثنا عبد المؤمن بن
عباد العبدي، حدثنا يزيد بن معن، حدثني عبد الله بن
شرحبيل، عن رجل من قريش، عن زيد بن أبي أوفى، رضي الله
عنه، قال: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم مسجد
المدينة، فجعل يقول: أين فلان، أين فلان ؟ فلم يزل يتفقدهم
ويبعث إليهم حتى اجتمعوا، فقال: إني محدثكم بحديث فاحفظوه،
وعوه: إن الله اصطفى من خلقه خلقا يدخلهم الجنة، وإني مصطف
منكم ومؤاخ بينكم كما آخى الله بين الملائكة.
قم يا أبا بكر ! فقام، فقال: إن لك عندي يدا، إن الله
يجزيك بها، فلو كنت متخذا خليلا لا تخذتك، فأنت مني بمنزلة
قميصي من جسدي، ادن يا عمر ! فدنا، فقال: قد كنت شديد
الشغب علينا، فدعوت الله أن يعزبك الدين أو بأبي جهل، ففعل
الله بك ذلك " وأنت معي في الجنة ثالث ثلاثة، ثم آخى بينه
وبين أبي بكر، ثم دعا عثمان، فلم يزل يدنيه حتى ألصق ركبته
بركبته، ثم نظر إلى السماء، فسبح ثلاثا، ثم قال: إن لك
شأنا في أهل السماء، أنت ممن يرد علي الحوض، وأوداجه تشخب،
فأقول:
__________
(1) تحرفت في المطبوع إلى " في ".
(*)
(1/141)
من فعل بك هذا ؟ فتقول: فلان، ثم دعا عبد الرحمن بن عوف
فقال: ادن يا أمين الله، والامين في السماء، يسلطك الله
على مالك بالحق، أما إن لك عندي دعوة قد أخرتها، قال: خر
لي يا رسول الله ! قال: حملتني أمانة أكثر الله مالك، وآخى
بينه وبين عثمان، ثم دعا طلحة والزبير، فدنوا منه، فقال:
أنتما
حواري كحواري عيسى، وآخى بينهما، ثم دعا سعدا وعمارا.
فقال: يا عمار ! تقتلك الفئة الباغية، ثم آخى بينهما، ثم
دعا أبا الدرداء وسلمان، فقال: يا سلمان ! أنت منا أهل
البيت، وقد آتاك الله العلم الاول والعلم الآخر، يا أبا
الدرداء ! إن تنقدهم ينقدوك، وإن تتركهم يتركوك، وإن تهرب
منهم يدركوك، فأقرضهم عرضك ليوم فقرك، ثم آخى بينهما، ثم
نظر إلى ابن عمر، فقال: الحمد لله الذي يهدي من الضلالة،
فقال علي: يا رسول الله ! ذهب روحي، وانقطع ظهري حين
تركتني، قال: ما أخرتك إلا لنفسي، وأنت عندي بمنزلة هارون
من موسى، ووارثي، قال: ما أرث منك ؟ قال: كتاب الله وسنة
نبيه، وأنت معي في قصري في الجنة مع فاطمة.
وتلا (إخوانا على سرر متقابلين) [ الحجر: 47 ].
زيد (1) لا يعرف إلا في هذا الحديث الموضوع.
وقد رواه محمد بن جرير
__________
(1) زيد هذا ذكره البخاري في " التاريخ الكبير " 3 / 386
وأشار إلى حديثه هذا وقال: لا يتابع عليه.
وقال، بعد أن ذكر إسناده في " التاريخ الصغير " 1 / 217:
هذا إسناد مجهول لا يتابع عليه، ولا يعرف سماع بعضهم من
بعض وترجمه الحافظ ابن حجر في " الاصابة " 4 / 40 وقال:
روى حديثه ابن أبي حاتم والحسن بن سفيان، والبخاري في "
التاريخ الصغير " من طريق: ابن شرحبيل عن رجل من قريش، عن
ابن أبي أوفى.
ونقل عن ابن السكن قوله: روي حديثه من ثلاث طرق وليس فيها
ما يصح، وذكر قول البخاري المتقدم أيضا.
وقد ذكره السيوطي في " الدر المنثور " مختصرا 4 / 102
ونسبه إلى ابن أبي حاتم، والطبراني، وأبي القاسم البغوي،
وابن مردويه، وابن عساكر.
وانظر " تفسير ابن كثير " في تفسير الآية (47) من سورة
الحجر.
(1/142)
الطبري، عن حسين الدارع، عن عبد المؤمن.
فأسقط منه عن رجل.
وقال محمد بن الجهم السمري (1): حدثنا عبد الرحيم بن واقد،
حدثنا
شعيب بن يونس، حدثنا موسى بن صهيب، عن يحيى بن زكريا، عن
عبد الله بن شرحبيل.
عن رجل، عن زيد (2).
ورواه مطين مختصرا، حدثنا ثابت بن يعقوب، حدثنا ثابت بن
حماد النصري، عن موسى بن صهيب، عن عبادة بن نسي، عن عبد
الله بن أبي أوفى (3).
وقال الحسن بن علي الحلواني: حدثنا شبابة بن سوار، حدثنا
أبو عبد الله الباهلي - يقال اسمه جعفر بن مرزوق - عن غياث
بن شقير، عن عبد الرحمن ابن سابط، عن سعيد بن عامر الجمحي،
قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ذات يوم: يا أبا بكر !
تعال، ويا عمر ! تعال.
وذكر حديث المؤاخاة، إلا أنه خالف في أسماء الاخوان، وزاد
ونقص منهم.
تفرد به شبابة ولا يصح.
والمحفوظ أنه آخى بين المهاجرين والانصار، ليحصل بذلك
مؤازرة ومعاونة لهؤلاء بهؤلاء.
لسعيد بن زيد ثمانية وأربعون حديثا، اتفقا له على حديثين.
وانفرد البخاري بثالث.
__________
(1) السمري: بكسر السين المهملة، وتشديد الميم المفتوحة،
نسبة إلى: سمر بلد من أعمال كسكر، وهو بين واسط والبصرة.
قال السمعاني في " الانساب " 7 / 137: والمشهور بهذه
النسبة أبو عبد الله محمد بن الجهم بن هارون السمري.
(2) ذكره ابن الاثير في " أسد الغابة " 2 / 278 وإسناده
مسلسل بالضعفاء والمجاهيل.
(3) في " التاريخ الصغير " 1 / 217: ورواه بعضهم عن
إسماعيل بن أبي خالد عن عبد الله بن أبي أوفى، عن النبي،
صلى الله عليه وسلم، ولا أصل له.
(*)
(1/143)
السابقون الاولون
هم: خديجة بنت خويلد، وعلي بن أبي طالب، وأبو بكر الصديق،
وزيد ابن حارثة النبوي، ثم عثمان، والزبير، وسعد بن أبي
وقاص، وطلحة بن عبيد الله، و عبد الرحمن بن عوف، ثم أبو
عبيدة بن الجراح، وأبو سلمة بن عبد الاسد، والارقم بن أبي
الارقم بن أسد بن عبد الله بن عمر، المخزوميان، وعثمان بن
مظعون الجمحي، وعبيدة بن الحارث بن المطلب المطلبي، وسعيد
بن زيد بن عمرو بن نفيل العدوي، وأسماء بنت الصديق، وخباب
بن الارت الخزاعي، حليف بني زهرة، وعمير بن أبي وقاص، أخو
سعد، وعبد الله بن مسعود الهذلي، من حلفاء بني زهرة،
ومسعود بن ربيعة القارئ من البدريين، وسليط بن عمرو بن عبد
شمس العامري، وعياش بن أبي ربيعة بن المغيرة المخزومي،
وامرأته أسماء بنت سلامة التميمية، وخنيس بن حذافة السهمي،
وعامر بن ربيعة العنزي، حليف آل الخطاب، و عبد الله بن جحش
ابن رئاب الاسدي، حليف بني أمية، وجعفر بن أبي طالب
الهاشمي، وامرأته أسماء بنت عميس، وحاطب بن الحارث الجمحي،
وامرأته فاطمة بنت المجلل العامرية، وأخوه خطاب، وامرأته
فكيهة بنت يسار، وأخوهما معمر ابن الحارث، والسائب ولد
عثمان بن مظعون، والمطلب بن أزهر بن عبد عوف الزهري،
وامرأته رملة بنت أبي عوف السهمية، والنحام نعيم بن عبد
الله العدوي، وعامر بن فهيرة، مولى الصديق، وخالد بن سعيد
بن العاص بن أمية، وامرأته أميمة (1) بنت خلف الخزاعية،
وحاطب بن عمرو العامري، وأبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة
العبشمي، وواقد بن عبد الله بن عبد مناف التميمي اليربوعي،
حليف بني عدي، وخالد، وعامر، وعاقل، وإياس، بنو البكير بن
__________
(1) في الاصل: " أمينة " وهو خطأ.
(*)
(1/144)
عبد يا ليل الليثي، حلفاء بني عدي، وعمار بن ياسر بن عامر
العنسي بنون (1)، حليف بني مخزوم، وصهيب بن سنان بن مالك
النمري، الرومي المنشأ، وولاؤه لعبد الله بن جدعان، وأبو
ذر جندب بن جنادة الغفاري، وأبو نجيح عمرو بن عبسة السلمي
البجلي، لكنهما رجعا إلى بلادهما.
فهؤلاء الخمسون (2) من السابقين الاولين.
وبعدهم أسلم: أسد الله حمزة ابن عبد المطلب، والفاروق عمر
بن الخطاب، عز الدين، رضي الله عنهم أجمعين.
7 - مصعب بن عمير * ابن
هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصي بن كلاب.
السيد الشهيد السابق (3) البدري القرشي العبدري.
قال البراء بن عازب: أول من قدم علينا من المهاجرين مصعب
بن عمير، فقلنا له: ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟
فقال: هو مكانه، وأصحابه على أثري.
ثم
__________
(1) هذه النسبة إلى " عنس بن مالك بن أدد بن زيد بن يشجب
المذحجي " وقال الواقدي وغيره من أهل العلم بالنسب والخبر:
إن ياسرا والد عمار عرني تزوج أمة لبعض بني مخزوم فولدت له
عمارا.
(2) فيه نظر، لان عدتهم واحد وخمسون لا خمسون.
(*) طبقات ابن سعد: 3 / 1 / 81 - 86، نسب قريش: 245، تاريخ
خليفة: 69، التاريخ الصغير: 1 / 21، 25، الجرح والتعديل: 8
/ 303، حلية الاولياء: 1 / 106 - 108، الاستيعاب: 10 / 251
- 253، أسد الغابة: 5 / 181 - 184، تهذيب الاسماء واللغات:
2 / 96 - 97، العبر: 1 / 5، طبقات القراء: 2 / 299، العقد
الثمين: 7 / 214 - 216، الاصابة: 9 / 208 - 209، كنز
العمال: 13 / 482.
(3) سقطت من مطبوعة دار المعارف.
(*)
(1/145)
أتانا بعده عمرو بن أم مكتوم أخو بني فهر الاعمى.
وذكر الحديث (1).
الاعمش: عن أبي وائل، عن خباب قال: هاجرنا مع رسول الله
صلى الله عليه وسلم، ونحن نبتغي وجه الله، فوقع أجرنا على
الله، فمنا من مضى لسبيله لم يأكل من أجره شيئا، منهم:
مصعب بن عمير قتل يوم أحد، ولم يترك إلا نمرة، كنا إذا
غطينا رأسه بدت رجلاه، وإذا غطينا رجليه بدا رأسه، فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: " غطوا رأسه، واجعلوا على
رجليه من الاذخر "، ومنا من أينعت له ثمرته فهو يهدبها
(2).
شعبة: عن سعد بن إبراهيم، سمع أباه يقول: أتي عبد الرحمن
بن عوف بطعام، فجعل يبكي، فقال: قتل حمزة، فلم يوجد ما
يكفن فيه إلا ثوبا
__________
(1) أخرجه البخاري (3924) و (3925) في مناقب الانصار: باب
مقدم النبي، صلى الله عليه وسلم، المدينة من طريق شعبة، عن
أبي إسحاق قال: سمعت البراء بن عازب، رضي الله عنه، قال:
أول من قدم علينا مصعب بن عمير، وابن أم مكتوم، وكانوا
يقرئون الناس.
فقدم بلال وسعد، وعمار بن ياسر، ثم قدم عمر بن الخطاب في
عشرين من أصحاب النبي، صلى الله عليه وسلم، فما رأيت أهل
المدينة فرحوا بشئ فرحهم برسول الله، صلى الله عليه وسلم،
حتى جعل الاماء يقلن: قدم رسول الله، صلى الله عليه وسلم،
فما قدم حتى قرأت " سبح اسم ربك الاعلى " في سور من
المفصل.
وأما " قوله: ما فعل رسول الله، صلى الله عليه وسلم،
وأصحابه ؟ قال: هم على أثري " فهي من رواية ابن أبي شيبة.
انظر " فتح الباري " 7 / 260.
(2) أخرجه أحمد 5 / 112 و 6 / 390، والبخاري (1286) في
الجنائز: باب إذا لم يجد كفنا إلا ما يواري رأسه أو قدميه،
و (3897) في مناقب الانصار: باب هجرة النبي، صلى الله عليه
وسلم، (3913) و (3914) في مناقب الانصار: باب هجرة النبي،
و (4047) في المغازي: باب غزوة أحد، و (4082) في المغازي:
باب من قتل من المسلمين يوم أحد، و (6432) في الرقاق: باب
ما يحذر من زهرة الدنيا، و (6448) في الرقاق: باب فضل
الفقر.
ومسلم (940) في الجنائز: باب كفن
الميت.
وأبو داود (3155) في الجنائز، والترمذي (3852) في المناقب.
والنسائي 4 / 28 في الجنائز: باب القميص في الكفن.
وابن سعد 3 / 1 / 85 - 86.
والنمرة: بردة من صوف تلبسها الاعراب.
والاذخر: نبت معروف طيب الريح يبيض إذا يبس.
يهدبها: يجتنيها، وقد تصحفت في المطبوع إلى " يهديها ".
(*)
(1/146)
واحدا، وقتل مصعب بن عمير، فلم يوجد ما يكفن فيه إلا ثوبا
واحدا، لقد خشيت أن يكون عجلت لنا طيباتنا في حياتنا
الدنيا، وجعل يبكي (1).
ابن إسحاق: حدثني يزيد بن زياد، عن القرظي (2)، عمن سمع
علي بن أبي طالب يقول: إنه استقى لحائط يهودي بمل ء كفه
تمرا، قال: فجئت المسجد فطلع علينا مصعب بن عمير في بردة
له مرقوعة بفروة، وكان أنعم غلام بمكة وأرفة، فلما رآه
رسول الله صلى الله عليه وسلم، ذكر ما كان فيه من النعيم،
ورأى حاله التي هو عليها، فذرفت عيناه عليه، ثم قال: أنتم
اليوم خير أم إذا غدي على أحدكم بجفنة من خبز ولحم ؟
فقلنا: نحن يومئذ خير، نكفى المؤنة، ونتفرغ للعبادة.
فقال: بل أنتم اليوم خير منكم يومئذ (3).
__________
(1) أخرجه البخاري (1274) و (1275) في الجنائز: باب: الكفن
من جميع المال، من طريق شعبة، عن سعد بن إبراهيم، عن أبيه
إبراهيم، أن عبد الرحمن بن عوف، رضي الله عنه، أتي بطعام،
وكان صائما.
فقال: " قتل مصعب بن عمير، وهو خير مني، كفن في بردة، إن
غطي رأسه بدت رجلاه وإن غطي رجلاه بدا رأسه.
أراه قال: وقتل حمزة، وهو خير مني، ثم بسط لنا من الدنيا
ما بسط - أو قال: أعطينا من الدنيا ما أعطينا - وقد خشينا
أن تكون حسناتنا عجلت لنا.
ثم جعل يبكي، حتى ترك الطعام " وأخرجه أيضا (4045) في
المغازي: باب غزوة أحد.
(2) القرظي: نسبة إلى بني قريظة.
وهو محمد بن كعب.
وقد تحرفت في المطبوع إلى
" القرطبي ".
(3) أخرجه الترمذي (2478) في صفة القيامة: باب حال مصعب بن
عمير بعد الاسلام.
وقال: حديث حسن غريب.
ويزيد بن زياد هو مولى بني مخزوم، ثقة.
وباقي السند رجاله ثقات.
سوى الواسطة بين محمد بن كعب وعلي، فإنه لا يعرف.
وأورده ابن سعد 3 / 1 / 82، وابن الاثير في " أسد الغابة "
5 / 182 وأخرجه الحاكم 3 / 628 من طريق موسى بن عبيدة
الربذي، وهو ضعيف، عن أخيه عبد الله بن عبيدة، عن عروة بن
الزبير، عن أبيه بنحوه.
(*)
(1/147)
ابن إسحاق: حدثني صالح بن كيسان عن سعد بن مالك قال: كنا
قبل الهجرة يصيبنا ظلف العيش وشدته، فلا نصبر عليه، فما هو
إلا أن هاجرنا، فأصابنا الجوع والشدة، فاستضلعنا بهما،
وقوينا عليهما.
فأما مصعب بن عمير، فإنه كان أترف غلام بمكة بين أبويه
فيما بيننا، فلما أصابه ما أصابنا، لم يقو على ذلك، فلقد
رأيته وإن جلده ليتطاير عنه تطاير جلد الحية، ولقد رأيته
ينقطع به، فما يستطيع أن يمشي، فنعرض له القسي ثم نحمله
على عواتقنا، ولقد رأيتني مرة، قمت أبول من الليل، فسمعت
تحت بولي شيئا يجافيه، فلمست بيدي فإذا قطعة من جلد بعير،
فأخذتها، فغسلتها حتى أنعمتها، ثم أحرقتها بالنار، ثم
رضضتها فشققت منها ثلاث شقات، فاقتويت بها ثلاثا (1).
قال ابن إسحاق: وقاتل مصعب بن عمير دون رسول الله، صلى
الله عليه وسلم حتى قتل، قتله ابن قمئة الليثي، وهو يظنه
رسول الله.
فرجع إلى قريش، فقال: قتلت محمدا فلما قتل مصعب، أعطى رسول
الله صلى الله عليه وسلم اللواء علي بن أبي طالب، ورجالا
من المسلمين (2).
__________
(1) رجاله ثقات.
إلا أن صالح بن كيسان، مؤدب عمر بن عبد العزيز، لم يدرك
سعد بن مالك
فهو منقطع.
وذكره ابن الاثير في " أسد الغابة " 5 / 182، والحافظ في "
الاصابة " 9 / 209 من طريق ابن إسحاق، عن صالح بن كيسان،
عن بعض آل سعد عن سعد.
وقوله: فاقتويت بها ثلاثا: أي تقويت.
يقال: قوي فهو قوي: وتقوى واقتوى.
وقال رؤبة: وقوة الله بها اقتوينا.
(2) انظر ابن هشام 2 / 73، وابن سعد 3 / 1 / 85 و "
الاستيعاب " 10 / 251.
(*)
(1/148)
ومن شهداء يوم أحد حمزة، و عبد الله بن جحش الاسدي، ابن
أخت حمزة، فدفنا في قبر، وعثمان بن عثمان المخزومي.
لقبه شماس لملاحته.
ومن الانصار: عمرو بن معاذ الاوسي، أخو سعد (1)، وابن أخيه
الحارث ابن أوس، والحارث بن أنيس، وعمارة بن زياد بن
السكن، ورفاعة بن وقش، وابنا أخيه: عمرو وسلمة ابنا ثابت
بن وقش، وصيفي بن قيظي، وأخوه جناب، وعباد (2) بن سهل،
وعبيد بن التيهان، وحبيب بن زيد، وإياس بن أوس، الاشهليون،
واليمان والد حذيفة، وزيد بن حاطب الظفري، وأبو سفيان ابن
حارث بن قيس، وغسيل الملائكة حنظلة بن أبي عامر، ومالك بن
أمية، وعوف بن عمرو، وأبو حية بن عمرو، و عبد الله بن جبير
بن النعمان، وخيثمة والد سعد، وحليفه عبد الله، وسبيع بن
حاطب، وحليفه مالك، وعمير بن عدي، فهؤلاء من الاوس.
ومن الخزرج: عمرو بن قيس، وولده قيس، وثابت بن عمرو، وعامر
بن مخلد، وأبو هبيرة بن الحارث، وعمرو بن مطرف، وإياس بن
عدي، وأوس ابن ثابت والد شداد، وأنس بن النضر، وقيس بن
مخلد، النجاريون، وكيسان مولى بني النجار، وسليم بن
الحارث، ونعمان بن عبد عمرو.
ومن بني الحارث بن الخزرج: خارجة بن زيد بن أبي زهير، وأوس
بن
أرقم، ومالك والد أبي سعيد الخدري، وسعيد بن سويد، وعتبة
بن ربيع،
__________
(1) تحرفت في المطبوع إلى " سعيد ".
(2) في الاصل " عبادة " وهو خطأ.
والتصحيح من " أسد الغابة " 3 / 153، وابن هشام، و "
الاستيعاب " ت: 1359، و " الاصابة " 5 / 314.
(*)
(1/149)
وثعلبة بن سعد، وثقف بن فروة، و عبد الله بن عمرو، وضمرة
الجهني، وعمرو بن إياس، ونوفل بن عبد الله، وعبادة بن
الحسحاس، وعباس بن عبادة، ونعمان بن مالك، والمجذر بن زياد
البلوي، ورفاعة بن عمرو، ومالك ابن إياس، و عبد الله والد
جابر، وعمرو بن الجموح، وابنه خلاد، ومولاه أسير، وسليم بن
عمرو بن حديدة، ومولاه عنترة، وسهيل بن قيس، وذكوان، وعبيد
بن المعلى بن لوذان.
8 - أبو سلمة * (ت، ق)
ابن عبد الاسد بن هلال بن عبد الله بن عمر بن مخزوم بن
يقظة بن مرة بن كعب.
السيد الكبير أخو رسول الله صلى الله عليه وسلم من
الرضاعة، وابن عمته برة بنت عبد المطلب، وأحد السابقين
الاولين، هاجر إلى الحبشة، ثم هاجر إلى المدينة، وشهد
بدرا، ومات بعدها بأشهر، وله أولاد (1) صحابة: كعمر وزينب
وغيرهما، ولما انقضت عدة زوجته أم سلمة تزوج بها النبي صلى
الله عليه وسلم، وروت عن زوجها أبي سلمة القول عند
المصيبة، وكانت تقول: من خير من أبي سلمة، وما ظنت أن الله
يخلفها في مصابها به بنظيره، فلما فتح عليها بسيد البشر،
اغتبطت أيما اغتباط.
__________
(*) مسند أحمد: 4 / 27، وابن سعد: 2 / 1 / 170 - 172، نسب
قريش: 337، الجرح
والتعديل: 5 / 107، حلية الاولياء: 2 / 3، الاستيعاب: 6 /
271 - 273، أسد الغابة: 3 / 294 296، تهذيب الاسماء
واللغات: 2 / 240، تهذيب الكمال: 1609، تاريخ الاسلام: 1 /
80، العقد الثمين: 5 / 193 و 8 / 52، تهذيب التهذيب: 5 /
287، الاصابة: 6 / 140 - 142.
(1) تحرفت في المطبوع إلى " من الاولاد ".
(*)
(1/150)
مات كهلا في سنة ثلاث من الهجرة رضي الله عنه.
قال ابن إسحاق: هو أول من هاجر إلى الحبشة، ثم قدم مع
عثمان بن مظعون حين قدم من الحبشة، فأجاره أبو طالب.
قلت: رجعوا حين سمعوا بإسلام أهل مكة عند نزول سورة
والنجم.
قال مصعب بن عبد الله: ولدت له أم سلمة بالحبشة سلمة،
وعمر، ودرة، وزينب.
قلت: هؤلاء ما ولدوا بالحبشة إلا قبل عام الهجرة.
الاعمش: عن شقيق، عن أم سلمة قالت: قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم: " إذا حضرتم الميت فقولوا خيرا، فإن الملائكة
تؤمن على ما تقولون ".
قالت: فلما مات أبو سلمة قلت: يا رسول الله ! كيف أقول ؟
قال: " قولي اللهم اغفر له، وأعقبنا منه عقبى صالحة "،
فأعقبني الله خيرا منه رسول الله صلى الله عليه وسلم (1).
حماد بن سلمة: أنبأنا ثابت، عن عمر بن أبي سلمة، عن أم
سلمة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا أصابت
أحدكم مصيبة، فليقل: إنا لله وإنا إليه
__________
(1) أخرجه مسلم (919) في الجنائز: باب ما يقال عند المريض
والميت، وأبو داود (3115) في الجنائز: باب ما يستحب أن
يقال عند الميت من الكلام، والترمذي (977) في الجنائز: باب
ما جاء في تلقين الميت عند الموت والدعاء له عنده،
والنسائي 2 / 4، 5 في الجنائز: باب كثرة ذكر
الموت، وابن ماجه (1447) في الجنائز: باب: ما جاء فيما
يقال عند المريض إذا حضر.
(*)
(1/151)
راجعون، اللهم عندك أحتسب مصيبتي فأجرني فيها، وأبدلني
خيرا منها ".
فلما احتضر أبو سلمة، قلت ذلك، وأردت أن أقول: وأبدلني
خيرا منها، فقلت: ومن خير من أبي سلمة ؟ فلم أزل حتى
قلتها، فلما انقضت عدتها، خطبها أبو بكر، فردته، وخطبها
عمر، فردته، فبعث إليها النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت:
مرحبا برسول الله صلى الله عليه وسلم ! وبرسوله (1)، وذكر
الحديث (2).
__________
(1) سقطت من المطبوع.
(2) أخرجه مسلم (918) في الجنائز: باب ما يقال عند
المصيبة.
من طرق عن عمر بن كثير بن أفلح، عن ابن سفينة - مولى أم
سلمة - عن أم سلمة.
وأخرجه أحمد 6 / 313، وأبو داود (3119) في الجنائز: باب في
الاسترجاع، والنسائي 6 / 81 في النكاح: باب إنكاح الا بن
أمه، كلهم من طريق: حماد بن سلمة، عن ثابت البناني، عن ابن
عمر بن أبي سلمة عن أبيه، عن أم سلمة، قالت: قال أبو سلمة.
وأخرجه الترمذي (3506) في الدعوات: باب الدعاء عند المصيبة
وابن ماجه (1598) في الجنائز: باب ما جاء في الصبر على
المصيبة، والحاكم 3 / 629 كلهم من طريق: عمر بن أبي سلمة،
عن أمه أم سلمة عن أبي سلمة.
وأخرجه مالك ص 163 في الجنائز: باب جامع الحسبة في
المصيبة.
من طريق ربيعة بن أبي عبد الرحمن، عن أم سلمة أن رسول
الله.
وتمامه من المسند: " أخبر رسول الله، صلى الله عليه وسلم،
أني امرأة غيرى، واني مصبية، وأنه ليس أحد من أوليائي
شاهد.
فبعث إليها رسول الله، صلى الله عليه وسلم،: أما قولك: إني
مصيبة فإن الله سيكفيك صبيانك.
وأما قولك: أبي غيرى، فسأدعو الله أن يذهب غيرتك.
وأما الاولياء فليس أحد منهم شاهد ولا غائب إلا سير ضاني.
قلت: يا عمر ! قم فزوج رسول الله، صلى الله عليه وسلم،
فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: أما إني لا أنقصك
شيئا مما أعطيت أختك فلانة رحيين وجرتين ووسادة من أدم
حشوها ليف.
قال: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم، يأتيها
فإذا جاء أخذت زينب فوضعتها في حجرها لترضعها.
وكان رسول الله، صلى الله عليه وسلم، حييا كريما يستحيي
فرجع.
ففعل ذلك مرارا، ففطن عمار بن ياسر لما تصنع، فأقبل ذات
يوم وجاء عمار، وكان أخاها لامها، فدخل عليها فانتشطها من
حجرها، وقال: دعي هذه المقبوحة المشقوحة التي آذيت بها
رسول الله، صلى الله عليه وسلم.
قال: وجاء رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فدخل فجعل يقلب
بصره في البيت، ويقول: أين زناب ؟ ما فعلت زناب ؟ قالت:
جاء عمار فذهب بها.
قال: فبنى بأهله ثم قال: إن شئت أن أسبع لك سبعت للنساء ".
(*)
(1/152)
قال الواقدي: حدثنا عمر بن عثمان (1) اليربوعي، عن سلمة بن
عبد الله ابن (2) عمر بن أبي سلمة وغيره قالوا: شهد أبو
سلمة أحدا، وكان نازلا بالعالية في بني أمية بن زيد، فجرح
بأحد، وأقام شهرا يداوي جرحه، فلما هل المحرم دعاه النبي
صلى الله عليه وسلم، وقال: اخرج في هذه السرية، وعقد له
لواء، وقال: سر حتى تأتي أرض بني أسد، فأغر (3) عليهم.
وكان معه خمسون ومئة، فساروا حتى انتهوا إلى أدنى (4) قطن
من مياههم، فأخذوا سرحا لهم، ثم رجع إلى المدينة بعد بضع
عشرة ليلة (5).
قال عمر بن عثمان: فحدثني عبد الملك بن عبيد قال: لما دخل
أبو سلمة المدينة انتقض جرحه، فمات الثلاث بقين من (6)
جمادى الآخرة.
يعني سنة أربع، وقيل: مات أبو سلمة سنة ثلاث.
9 - عثمان بن مظعون *
ابن حبيب بن وهب بن حذافة بن جمح بن عمرو بن هصيص بن كعب
الجمحي، أبو السائب.
__________
(1) سقط من المطبوع لفظ " عثمان ".
(2) تحرفت في المطبوع إلى " عن ".
(3) تحرفت في المطبوع إلى " فاعبر ".
(4) تحرفت في المطبوع إلى " ذي ".
(5) انظر هذا الخبر في " البداية " لابن كثير 4 / 61 نقلا
عن الواقدي، وعند ابن سعد 3 / 1 / 171 من غير هذا الطريق.
(6) تحرفت في المطبوع إلى " في ".
(*) طبقات ابن سعد: 3 / 1 / 286 - 291، نسب قريش: 393،
طبقات خليفة: 25، تاريخ خليفة: 65، التاريخ الكبير: 6 /
210، التاريخ الصغير: 1 / 20، 21، حلية الاولياء: 1 / 102
- 106، الاستيعاب: 8 / 60 - 68، أسد الغابة: 3 / 598 -
601، تهذيب الاسماء واللغات: 1 / 325 - 326، العبر: 1 / 4،
مجمع الزوائد: 9 / 302، العقد الثمين: 6 / 49 - 50،
الاصابة: 6 / 395، كنز العمال: 13 / 525، شذرات الذهب: 1 /
9.
(*)
(1/153)
من سادة المهاجرين، ومن أولياء الله المتقين الذين فازوا
بوفاتهم في حياة نبيهم فصلى عليهم، وكان أبو السائب رضي
الله عنه أول من دفن بالبقيع (1).
روى كثير بن زيد المدني: عن المطلب بن عبد الله قال: لما
دفن النبي صلى الله عليه وسلم عثمان بن مظعون، قال لرجل:
هلم تلك الصخرة، فاجعلها عند قبر أخي، أعرفه بها، أدفن
إليه من دفنت من أهلي، فقام الرجل فلم يطقها، فقال - يعني
الذي حدثه -: فلكأني أنظر إلى بياض ساعدي رسول الله صلى
الله عليه وسلم حين احتملها، حتى وضعها عند قبره (2).
هذا مرسل.
قال سعيد بن المسيب: سمعت سعدا يقول: رد رسول الله صلى
الله عليه وسلم على عثمان ابن مظعون (3) التبتل، ولو أذن
(4) له لا ختصينا (5).
__________
(1) " الاستيعاب " 8 / 63 و " الاصابة " 6 / 395.
(2) أخرجه أبو داود (3206) في الجنائز: باب في جمع الموتى
في قبر واحد وعنه
البيهقي 3 / 412 وسنده حسن لكنه مرسل كما قال المؤلف، فإن
المطلب هو ابن عبد الله، ابن المطلب، بن حنطب بن الحارث
المخزومي، تابعي.
وقد أخطأ من ظنه المطلب بن أبي وداعة الصحابي.
فإن كثير بن زيد إنما روى عن الاول ولم يرو عن الثاني.
وأخرجه ابن ماجه (1561) من طريق: العباس بن جعفر، عن محمد
بن أيوب الواسطي، عن عبد العزيز بن محمد، عن كثير بن زيد،
عن زينب بنت نبيط، عن أنس بن مالك.
وهذا سند حسن كما قال البوصيري في الزوائد، ورقة (101).
(3) " ابن مظعون " سقطت من المطبوع.
(4) تحرفت في المطبوع إلى " لان ".
(5) أخرجه أحمد 1 / 175، 176، 183، والبخاري (5073) و
(5074) في النكاح: باب ما يكره من التبتل والخصاء، ومسلم
(1402) وما بعده، في النكاح: باب استحباب النكاح لمن تاقت
إليه نفسه، والترمذي (1083) في النكاح: باب ما جاء في
النهي عن التبتل، وقال: هذا حديث حسن صحيح، والنسائي 6 /
58 في النكاح: باب النهي عن = (*)
(1/154)
قال أبو عمر النمري: أسلم أبو السائب بعد ثلاثة عشر رجلا،
وهاجر الهجرتين، وتوفي بعد بدر.
وكان عابدا (1) مجتهدا، وكان هو، وعلي، وأبو ذر هموا أن
يختصوا (2).
وروي من مراسيل عبيدالله بن أبي رافع قال: أول من دفن
ببقيع الغرقد عثمان بن مظعون، فوضع رسول الله صلى الله
عليه وسلم عند رأسه حجرا، وقال: هذا قبر فرطنا (3).
وكان ممن حرم الخمر في الجاهلية.
ابن المبارك: عن عمر بن سعيد، عن ابن سابط: قال عثمان بن
مظعون لا أشرب شرابا يذهب عقلي، ويضحك بي من هو أدنى مني،
ويحملني على أن
أنكح كريمتي.
فلما حرمت الخمر قال: تبا لها، قد كان بصري فيها ثاقبا
(4).
هذا خبر منقطع لا يثبت، وإنما حرمت الخمر بعد موته (5).
__________
= التبتل، وابن ماجه (1848) في النكاح: باب النهي عن
التبتل، والدارمي 2 / 133 في النكاح: باب النهي عن التبتل.
(1) تحرفت في المطبوع إلى " عبدا ".
(2) راجع تفسير الآية (87) من سورة المائدة عند كل من
الطبري، وابن كثير.
وانظر " الاستيعاب " 8 / 62.
(3) أخرجه ابن سعد 3 / 1 / 289، والحاكم 3 / 190 وصححه 3 /
190 وصححه فأخطأ.
فإن في سنده الواقدي وهو متروك.
أما الذهبي فقد تعقبه بقوله: سنده واه كما ترى.
(4) أخرجه ابن سعد 3 / 1 / 286 وفيه " على أن أنكح كريمتي
من لا أريد ".
وابن سابط هو عبد الرحمن تابعي أرسل عن النبي، صلى الله
عليه وسلم.
(5) وأعله صاحب " الاستيعاب " 8 / 63 - 64 أيضا، بأن تحريم
الخمر - عند أكثر هم - إنما كان بعد أحد.
(*)
(1/155)
سفيان بن وكيع، حدثنا ابن وهب، عن عمرو بن الحارث، حدثني
أبو النضر، عن زياد، عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه
وسلم، دخل على عثمان بن مظعون حين مات، فأكب عليه، فرفع
رأسه، فكأنهم رأوا أثر البكاء، ثم جثا الثانية، ثم رفع
رأسه، فرأوه يبكي، ثم جثا الثالثة، فرفع رأسه وله شهيق،
فعرفوا أنه يبكي، فبكى القوم، فقال: مه، هذا من الشيطان.
ثم قال: أستغفر الله.
أبا السائب ! لقد خرجت منها ولم تلبس منها بشئ (1).
حماد بن سلمة: عن علي بن زيد، عن يوسف بن مهران، عن ابن
عباس قال: لما مات ابن مظعون قالت امرأته: هنيئا لك الجنة.
فنظر إليها رسول الله
صلى الله عليه وسلم نظر غضب، وقال: ما يدريك ؟ قالت: فارسك
وصاحبك.
قال: إني رسول الله، وما أدري ما يفعل بي ولا به.
فأشفق الناس على عثمان بن مظعون، فبكى النساء، فجعل عمر
يسكتهن، فقال: مهلا يا عمر ! ثم قال:
__________
(1) سفيان بن وكيع ضعيف.
وهو في " حلية الاولياء " 1 / 105.
وذكره الهيثمي في المجمع 9 / 302 - 303 ونسبه إلى
الطبراني، عن عمر بن عبد العزيز بن مقلاص عن أبيه، وقال:
لم أعرفهما، وبقية رجاله ثقات.
ومما يدل على وهاء الحديث كون متنه منكرا فإنه جعل البكاء
من الشيطان.
مع أنه ثبت في الصحيحين أن النبي، صلى الله عليه وسلم،
فاضت عيناه على بنت بنته، فاستغرب ذلك منه سعد بن عبادة
وقال: ما هذا يا رسول الله ؟ فقال ؟ صلى الله عليه وسلم،:
رحمة جعلها الله في قلوب عباده، وإنما يرحم الله من عباده
الرحماء ".
وفي الصحيحين أيضا أنه بكى على ابنه إبراهيم وقال: إن
العين تدمع، والقلب يحزن، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، وإنا
بفراقك يا إبراهيم لمحزونون وثبت عنه، صلى الله عليه وسلم،
أيضا في الصحيحين، أنه قال: إن الله لا يعذب بدمع العين،
ولا يحزن القلب، ولكن يعذب بهذا - وأشار إلى لسانه - أو
يرحم.
وأما المنهي عنه في الاسلام فهو النياحة، والندب، وضرب
الخدود، وشق الجيوب، والدعاء بدعوى الجاهلية.
وقد ثبت عنه، صلى الله عليه وسلم، من حديث عائشة، أنها
رأته يقبل عثمان بن مظعون، وهو ميت، وعيناه تذرفان.
أخرجه أبو داود (3133) والترمذي (989)، وابن ماجه (1456).
وقال الترمذي: حسن صحيح.
وله شاهد من حديث معاذ بن ربيعة عند البزار (809).
(*)
(1/156)
إياكن ونعيق الشيطان، مهما كان من العين فمن الله ومن
الرحمة، وما كان من اليد واللسان فمن الشيطان (1).
يعلى بن عبيد: حدثنا الافريقي، عن سعد بن مسعود أن عثمان
بن مظعون قال: يا رسول الله ! لا أحب أن ترى امرأتي عورتي.
قال: ولم ؟ قال: أستحيي
من ذلك.
قال: إن الله قد جعلها لك لباسا وجعلك لباسا لها.
هذا منقطع (2).
ابن أبي ذئب، عن الزهري أن عثمان بن مظعون أراد أن يختصي،
ويسيح في الارض، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: " أليس
لك في أسوة حسنة، وليس من أمتي من اختصى أو خصى " (3).
أبو إسحاق السبيعي: عن أبي بردة: دخلت امرأة عثمان بن
مظعون على نساء النبي صلى الله عليه وسلم، فرأينها سيئة
الهيئة، فقلن لها: مالك ؟ فما في قريش أغنى من بعلك !
قالت: أما ليله فقائم، وأما نهاره فصائم، فلقيه النبي صلى
الله عليه وسلم، فقال: " أما
__________
(1) إسناده ضعيف لضعف علي بن زيد، وهو ابن جدعان.
وهو في " طبقات ابن سعد " 3 / 1 / 290.
وأخرجه الحاكم 3 / 190 من طريق: علي بن زيد، مع ضعف علي
هذا، قال الذهبي: سنده صالح.
وقد ذكره الهيثمي في " المجمع " 9 / 302.
والقسم الاخير من هذا الحديث ليس فيه، وإنما عنده زيادة
ليست هنا.
ونسبه إلى الطبراني، وقال: ورجاله ثقات، وفي بعضهم خلاف.
و " انظر الاستيعاب " 8 / 66، و " الحلية " 1 / 105.
(2) وضعيف أيضا لضعف الافريقي، واسمه عبد الرحمن بن زياد
بن أنعم.
وأخرجه ابن سعد 3 / 1 / 286 - 287.
(3) أخرجه ابن سعد 3 / 1 / 287، ورجاله ثقات لكنه منقطع.
ونسبه السيوطي في " الدر المنثور " 2 / 309 إلى عبد الرزاق
والطبراني.
وفي البخاري 9 / 101، ومسلم (1402) من حديث سعد بن أبي
وقاص قال: رد رسول الله، صلى الله عليه وسلم، على عثمان بن
مظعون التبتل، ولو أذن له لاختصينا " وقد تقدم.
والتبتل: الانقطاع عن النساء.
(*)
(1/157)
لك بي أسوة..." الحديث (1).
قال: فأتتهن بعد ذلك عطرة كأنها عروس.
حماد بن زيد: حدثنا معاوية بن عياش، عن أبي قلابة أن عثمان
بن مظعون
قعد يتعبد، فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: " يا
عثمان ! إن الله لم يبعثني بالرهبانية وإن خير الدين عند
الله الحنيفية السمحة " (2).
عن عائشة بنت قدامة قالت: نزل عثمان، وقدامة، و عبد الله،
بنو مظعون، ومعمر بن الحارث، حين هاجروا، على عبد الله بن
سلمة العجلاني.
قال الواقدي: آل مظعون ممن أوعب في الخروج إلى الهجرة،
وغلقت بيوتهم بمكة (3).
وعن عبيدالله بن عتبة قال: خط رسول الله صلى الله عليه
وسلم لآل مظعون موضع دارهم اليوم بالمدينة (4).
__________
(1) رجاله ثقات: وأبو بردة هو ابن أبي موسى الاشعري.
وأخرجه ابن سعد 3 / 1 / 287، وعبد الرزاق (10375) عن معمر،
عن الزهري، عن عروة وعمرة، عن عائشة قالت: دخلت امرأة
عثمان بن مظعون - واسمها خولة بنت حكيم - على عائشة، وهي
باذة الهيئة.
فسألتها ما شأنك ؟ فقالت: زوجي يقوم الليل ويصوم النهار،
فدخل النبي، صلى الله عليه وسلم، فذكرت ذلك له عائشة، فلقي
النبي، صلى الله عليه وسلم، فقال: يا عثمان ! إن الرهبانية
لم تكتب علينا، أما لك في أسوة ؟ فوالله إن أخشاكم لله،
وأحفظكم لحدوده لانا " ورجاله ثقات.
(2) أخرجه ابن سعد 3 / 1 / 287 ومعاوية بن عياش لم نقف له
على ترجمة وباقي رجاله ثقات.
وأخرجه عبد الرزاق، عن أبي قلابة، بلفظ " من يتبتل فليس
منا ".
وأخرجه ابن أبي الشيخ من طريق: ابن جريج، عن المغيرة، عن
عثمان واللفظ مختلف.
وانظر " الدر المنثور " 2 / 309.
(3) ابن سعد 3 / 1 / 288.
(4) ابن سعد 3 / 1 / 288.
(*)
(1/158)
ومات في شعبان سنة ثلاث.
الثوري: عن عاصم بن عبيدالله (1)، عن القاسم بن محمد، عن
عائشة أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل عثمان بن مظعون وهو ميت،
ودموعة تسيل على خد عثمان ابن مظعون (2).
صححه الترمذي.
مالك: عن أبي النضر قال: لما مر بجنازة عثمان بن مظعون قال
رسول الله: " ذهبت ولم تلبس منها بشئ " (3).
إبراهيم بن سعد: عن ابن شهاب، عن خارجة بن زيد، عن أم
العلاء من المبايعات، فذكرت أن عثمان بن مظعون اشتكى
عندهم، فمرضناه حتى توفي، فأتى رسول الله، صلى الله عليه
وسلم، فقلت: شهادتي عليك أبا السائب.
لقد أكرمك الله ! فقال رسول الله: وما يدريك ؟ قلت: لا
أدري بأبي أنت وأمي يا رسول الله فمن ؟ قال: أما هو فقد
جاءه اليقين، والله إني لارجو له الخير، وإني لرسول الله،
وما أدري ما يفعل بي.
قالت: فوالله لا أزكي بعده أحدا.
قالت: فأحزنني
__________
(1) تصحف في المطبوع إلى " عبد ".
(2) أخرجه الترمذي (989) في الجنائز: باب ما جاء في تقبيل
الميت، وأحمد 6 / 43، 206، وأبو داود (3163) في الجنائز:
باب في تقبيل الميت، وابن ماجه (1456) في الجنائز: باب ما
جاء في تقبيل الميت، وقال الترمذي: حديث صحيح، وصححه
الحاكم 3 / 190 وسكت عنه الذهبي، مع أن فيه عندهم " عاصم
بن عبيدالله " وهو ضعيف، لكن الحديث حسن بشاهده عند البزار
(806) من حديث معاذ بن ربيعة.
(3) أخرجه مالك ص 166 في الجنائز مرسلا: باب جامع الجنائز،
برقم (56)، ومن طريقه ابن سعد 3 / 1 / 289.
وقال الزرقاني: وصله ابن عبد البر من طريق: يحيى بن سعيد،
عن القاسم، عن عائشة.
(*)
(1/159)
ذلك، فنمت، فرأيت لعثمان عينا تجري، فأخبرت رسول الله، صلى
الله عليه وسلم، فقال: ذاك عمله (1).
حماد بن سلمة: حدثنا علي بن زيد، عن يوسف بن مهران، عن ابن
عباس بنحوه، وزاد: فلما ماتت بنت رسول الله صلى الله عليه
وسلم، قال: الحقي (2) بسلفنا الخير عثمان بن مظعون (3).
الواقدي: حدثنا معمر، عن الزهري، عن عبيدالله أن عمر قال:
لما توفي عثمان بن مظعون ولم يقتل، هبط من نفسي، حتى توفي
رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فقلت: ويك إن خيارنا
يموتون، ثم توفي أبو بكر، قال: فرجع عثمان في نفسي إلى
المنزلة (4).
وعن عائشة بنت قدامة قالت: كان بنو مظعون متقاربين في
الشبه.
كان عثمان شديد الادمة، كبير اللحية.
رضي الله عنه (5).
__________
(1) أخرجه البخاري (3929) في مناقب الانصار، و (1243) في
الجنائز: باب الدخول على الميت، و (2687) في الشهادات، و
(7003) و (7004) في التعبير: باب رؤيا النساء، و (7018)
فيه: باب العين الجارية في المنام.
و عبد الرزاق في المصنف برقم (20422).
(2) تصحفت في المطبوع إلى " ألحقني " (3) إسناده ضعيف لضعف
علي بن زيد، وقد تقدم.
وأخرجه أحمد 1 / 237 - 238، 335، وابن سعد 3 / 1 / 290،
والحاكم 3 / 190 وسكت عنه، وقال الذهبي: سنده صالح.
وهو في " الحلية " 1 / 125، و " الاصابة " 6 / 395، و "
الاستيعاب " 8 / 62.
(4) أخرجه ابن سعد 3 / 1 / 290، والواقدي متروك.
(5) ابن سعد 3 / 1 / 291.
(*)
(1/160)
10 - قدامة بن مظعون * أبو عمرو الجمحي.
من السابقين البدريين، ولي إمرة البحرين لعمر، وهو من
أخوال أم
المؤمنين حفصة، وابن عمر، وزوج عمتهما صفية بنت الخطاب،
إحدى المهاجرات.
ولقدامة هجرة إلى الحبشة.
وقد شرب مرة الخمرة متأولا، مستدلا بقوله تعالى (ليس على
الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا)، الآية [
المائدة: 93 ] فحده عمر، وعزله من البحرين (1).
__________
(*) طبقات ابن سعد: 3 / 1 / 291 - 292، نسب قريش: 394،
طبقات خليفة: 25، تاريخ خليفة: 191، التاريخ الكبير: 7 /
178، التاريخ الصغير: 1 / 43، الجرح والتعديل: 7 / 127،
مشاهير علماء الامصار: ت: 92، الاستيعاب: 9 / 146 - 150،
أسد الغابة: 4 / 394 - 396، العقد الثمين: 7 / 72 - 74،
تهذيب الاسماء واللغات: 1 / 60، الاصابة: 8 / 144 - 147.
(1) أخرجه عبد الرزاق (17076) عن معمر، عن الزهري قال:
أخبرني عبد الله بن عامر بن ربيعة، وكان أبوه شهد بدرا، أن
عمر بن الخطاب استعمل قدامة بن مظعون على البحرين، وهو خال
حفصة و عبد الله بن عمر.
فقدم الجارود سيد عبد القيس على عمر من البحرين، فقال: يا
أمير المؤمنين ! إن قدامة شرب فسكر، ولقد رأيت حدا من حدود
الله، حقا علي أن أرفعه إليك.
فقال عمر: من يشهد معك ؟ قال: أبو هريرة.
فدعا أبا هريرة، فقال: بم تشهد ؟ قال: لم أره يشرب، ولكني
رأيته سكران.
فقال عمر: لقد تنطعت في الشهادة.
قال: ثم كتب إلى قدامة أن يقدم إليه من البحرين.
فقال الجارود لعمر: أقم على هذا كتاب الله عزوجل.
فقال عمر: أخصم أنت أم شهيد ؟ قال: بل شهيد.
قال: فقد أديت شهادتك.
قال: فقد صمت الجارود حتى غدا على عمر، فقال: أقم على هذا
حد الله.
فقال عمر: ما أراك إلا خصما، وما شهد معك إلا رجل.
فقال الجارود: أنشدك الله.
فقال عمر: لتمسكن لسانك أو لاسوأنك.
فقال الجارود: أما والله ما ذاك بالحق، أن شرب ابن عمك
وتسوؤني ؟ فقال أبو هريرة: إن كنت تشك في شهادتنا فأرسل
إلى ابنة الوليد فسلها وهي امرأة قدامة.
فأرسل عمر إلى هند ابنة الوليد ينشدها.
فأقامت الشهادة على زوجها.
فقال عمر لقدامة: إني حادك.
فقال: لو شربت كما يقولون ما كان لكم أن تجلدوني.
فقال عمر: لم ؟ قال (*)
(1/161)
قال أيوب السختياني: لم يحد بدري في الخمر سواه (1).
قلت: بلى.
ونعيمان بن عمرو الانصاري النجاري صاحب المزاح (2).
قال ابن سعد: لقدامة من الولد: عمر، وفاطمة، وعائشة، وهاجر
الهجرة الثانية إلى الحبشة، وشهد بدرا وأحدا (3).
وعن عائشة بنت قدامة أن أباها توفي سنة ست وثلاثين، وله
ثمان وستون سنة.
وكان لا يغير شيبه، وكان طويلا أسمر، رضي الله عنه (4).
__________
قدامة: قال الله تعالى: (ليس على الذين آمنوا وعملوا
الصالحات جناح فيما طعموا إذا ما اتقوا وآمنوا...) فقال
عمر: أخطأت التأويل.
إنك إذا اتقيت اجتنبت ما حرم الله عليك.
قال: ثم أقبل عمر على الناس فقال: ما ذا ترون في جلد قدامة
؟ قالوا: لا نرى أن تجلده ما كان مريضا.
فسكت عن ذلك أياما.
وأصبح يوما وقد عزم على جلده، فقال لاصحابه: ماذا ترون في
جلد قدامة ؟ قالوا: لا نرى أن تجلده ما كان ضعيفا.
فقال عمر: لان يلقى الله تحت السياط أحب إلي من أن يلقاه
وهو في عنقي ائتوني بسوط تام.
فأمر بقدامة فجلد.
فغاضب عمر قدامة وهجره فحج وقدامة معه مغاضبا له، فلما
قفلا من حجهما ونزل عمر بالسقيا نام ثم استيقظ من نومه.
قال عجلوا علي بقدامة فائتوني به فوالله إني لارى أن آتيا
أتاني فقال: سالم قدامة فإنه أخوك.
فعجلوا إلي به.
فلما أتوه أبى أن يأتي فأمر به عمر إن أبى أن يجروه إليه.
فكلمه عمر واستغفر له، فكان ذلك أول صلحهما ".
وأخرجه البيهقي من طريقه أيضا في سننه 8 / 316.
ورجاله ثقات.
(1) أخرجه عبد الرزاق (17075).
وانظر الاستيعاب 9 / 150.
(2) انظر خبر حده في البخاري 12 / 56 في الديات: باب الضرب
بالجريد والنعال وانظر " أسد الغابة " 5 / 352 و " الاصابة
" 10 / 179.
(3) ابن سعد 3 / 1 / 291 - 292.
(4) أخرجه الحاكم 3 / 379، وابن سعد 3 / 1 / 292.
(*)
(1/162)
11 - عبد الله بن مظعون الجمحي
* أبو محمد، من السابقين، شهد بدرا، هو وإخوته: عثمان،
وقدامة، والسائب ولد أخيه، وهاجر عبد الله إلى الحبشة
الهجرة الثانية (1).
قال ابن سعد: شهد بدرا وأحدا والخندق، وآخى رسول الله صلى
الله عليه وسلم بينه وبين سهل بن عبيد بن المعلى الانصاري،
قال: ومات في خلافة عثمان سنة ثلاثين، وهو ابن ستين سنة
(2).
12 - السائب بن عثمان * * ابن
مظعون الجمحي.
وأمه خولة بنت حكيم السلمية، وأمها ضعيفة بنت العاص بن
أمية بن عبد شمس.
هاجر إلى الحبشة، وكان من الرماة المذكورين، وآخى رسول
الله، صلى الله عليه وسلم، بينه وبين حارثة بن سراقة
الانصاري، المقتول ببدر الذي أصاب الفردوس (3).
__________
(*) طبقات ابن سعد: 3 / 1 / 291، نسب قريش: 393، طبقات
خليفة: 25، الاستيعاب: 7 / 37، أسد الغابة: 3 / 394 - 395،
العقد الثمين: 5 / 289، الاصابة: 6 / 220.
(1) ابن سعد 3 / 1 / 291.
(2) ابن سعد 3 / 1 / 291.
(* *) طبقات ابن سعد: 3 / 1 / 292، نسب قريش: 393، طبقات
خليفة: 25، الجرح والتعديل: 4 / 241 - 242، مشاهير علماء
الامصار: ت: 188، الاستيعاب: 4 / 114، أسد الغابة: 2 /
318، تاريخ الاسلام: 1 / 368، العقد الثمين: 4 / 505 -
506، الاصابة: 4 / 114.
(3) أخرجه أحمد 1 / 260، 264، 272، والبخاري (2809) في
الجهاد: باب من أتاه سهم غرب، و (3982) في المغازي: باب
فضل من شهد بدرا، و (6560) في الرقاق: باب صفة الجنة
والنار، (6567) فيهما.
ونص الرواية الاولى...قتادة، حدثنا أنس بن مالك، أن أم
الربيع بنت (*)
(1/163)
قال ابن سعد (1): وشهد السائب بن عثمان بدرا في رواية ابن
إسحاق، وأبي معشر، والواقدي.
ولم يذكره ابن عقبة، وكان هشام بن الكلبي يقول: الذي شهدها
هو السائب بن مظعون أخو عثمان لابويه.
قال ابن سعد (2): هذا وهم.
إلى أن قال: وأصابه سهم يوم اليمامة سنة اثنتي عشرة، قال:
ومات منه.
13 - أبو حذيفة * السيد
الكبير الشهيد أبو حذيفة ابن شيخ الجاهلية عتبة بن ربيعة
بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي بن كلاب القرشي العبشمي
البدري.
__________
البراء، وهي أم حارثة بن سراقة، أتت النبي، صلى الله عليه
وسلم، فقالت: يا نبي الله: ألا تحدثني عن حارثة ؟ - وكان
قتل يوم بدر، أصابه سهم غرب - فإن كان في الجنة صبرت، وإن
كان غير ذلك اجتهدت في البكاء ؟ قال: " يا أم حارثة ! إنها
جنان في الجنة، وإن ابنك أصاب الفردوس الاعلى ".
وسهم غرب: لا يعرف راميه، أو لا يعرف من أين أتى، أو جاء
على غير قصد من راميه، والثابت في الرواية بالتنوين وسكون
الراء.
وقال ابن قتيبة: الاجود فتح الراء والاضافة.
وقال ابن زيد: إن جاء من حيث لا يعرف فهو بالتنوين
والاسكان، وإن عرف راميه لكن أصاب من لم يقصد فهو بالاضافة
وفتح الراء.
وقال الازهري: بفتح الراء لا غير.
وحكى ابن دريد، وابن فارس، والقزاز، وصاحب المنتهى، وغيرهم
الوجهين مطلقا.
وأخرجه الترمذي (3173) في التفسير: باب ومن سورة المؤمنين،
وفيه الربيع، وليس أم الربيع، كما هو عند البخاري، ووهم
البخاري هذا لا يضر بالحديث، كما قال ابن حجر.
وصححه ابن حبان (2272).
(1) ابن سعد 3 / 1 / 292.
(2) ابن سعد 3 / 1 / 292.
(*) طبقات ابن سعد 3 / 1 / 59 - 60، تاريخ خليفة: 111،
المعارف: 272، الاستيعاب: 11 / 194، أسد الغابة: 6 / 70 -
72، تهذيب الاسماء واللغات: 2 / 212، العبر: 1 / 14، العقد
الثمين: 3 / 295، الاصابة: 11 / 81.
(*)
(1/164)
أحد السابقين.
واسمه مهشم (1) فيما قيل.
أسلم قبل دخولهم دار الارقم، وهاجر إلى الحبشة مرتين.
وولد له بها محمد بن أبي حذيفة، ذاك الثاثر (2) على عثمان
بن عفان، ولدته له سهلة بنت سهيل بن عمرو، وهي المستحاضة
(3).
وقد تزوج بها عبد الرحمن بن عوف، وهي التي أرضعت سالما،
وهو كبير، لتظهر عليه.
وخصا بذاك الحكم عند جمهور العلماء (4).
وعن أبي الزناد أن أبا حذيفة بن عتبة دعا يوم بدر أباه إلى
البراز، فقالت أخته أم معاوية هند بنت عتبة:
__________
(1) مهشم: قال السهيلي، في " الروض الانف "، في رده على
ابن هشام في تسميته أبا حذيفة مهشما: وهو وهم عند أهل
النسب، فإن مهشما إنما هو أبو حذيفة بن أخي هاشم وهشام
ابني المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم.
وأما أبو حذيفة بن عتبة فاسمه قيس فيما ذكروا.
(2) محمد بن أبي حذيفة.
ولد بأرض الحبشة، ضمه عثمان إليه بعد أن استشهد أبوه
باليمامة.
توجه إلى مصر في خلافة عثمان، وكان من اشد الناس تأليبا
عليه.
خدعه معاوية وسجنه.
وقال ابن قتيبة: قتله رشدين مولى معاوية.
وقال ابن الكلبي: قتله مالك بن هبيرة السكوني.
وانظر ترجمته وما قام به من أحداث: " الاستيعاب " 10 / 26،
و " الاصابة " 9 / 110 و " أسد الغابة " 5 / 87.
(3) أخرج أبو داود (295) في الطهارة: باب من قال: تجمع بين
الصلاتين وتغتسل لهما غسلا، حدثني عبد العزيز بن يحيى،
حدثني محمد بن سلمة، عن محمد بن إسحاق، عن عبد
الرحمن بن القاسم عن أبيه، عن عائشة أن سهلة بنت سهيل
استحيضت، فأتت النبي، صلى الله عليه وسلم، فأمرها أن تغتسل
عند كل صلاة.
فلما جهدها ذلك أمرها أن تجمع بين الظهر والعصر بغسل،
والمغرب والعشاء بغسل، وتغتسل للصبح ".
وانظر ترجمتها في " الاستيعاب " 13 / 50 و " أسد الغابة "
7 / 154، و " الاصابة " 12 / 319 - 320.
(4) سيرد هذا الخبر في ترجمة سالم مولى أبي حذيفة ص (166)
انظره هناك.
(*)
(1/165)
الاحول الاثعل المذموم طائره * أبو حذيفة شر الناس في
الدين أما شكرت أبا رباك من صغر * حتى شببت شبابا غير
محجون (1) قال: وكان أبو حذيفة طويلا، حسن الوجه، مرادف
الاسنان، وهو الاثعل.
استشهد أبو حذيفة، رضي الله عنه، يوم اليمامة سنة اثنتي
عشرة هو ومولاه سالم.
وتأخر إسلام أخيه أبي هاشم بن عتبة، فأسلم يوم الفتح وحسن
إسلامه، وجاهد، وسكن الشام.
وكان صالحا، دينا، له رواية عن النبي صلى الله عليه وسلم
في (الترمذي، والنسائي، وابن ماجة).
مات في خلافة عثمان، وهو أخو الشهيد مصعب بن عمير لامه،
وخال الخليفة معاوية.
روى منصور بن المعتمر، عن أبي وائل، حدثنا سمرة بن سهم
قال: قدمت على أبي هاشم بن عتبة، وهو طعين، فدخل عليه
معاوية يعوده، فبكى، فقال: ما يبكيك يا خال ؟ أوجع أو حرص
على الدنيا ؟ قال: كلا لا، ولكن عهد إلي رسول الله صلى
الله عليه وسلم عهدا لم آخذ به.
قال لي: يا أبا هاشم ! لعلك أن تدرك أموالا تقسم بين
أقوام، وإنما يكفيك من جمع الدنيا خادم، ومركب في سبيل
الله.
وقد وجدت وجمعت (2).
__________
(1) أخرجه ابن سعد 3 / 1 / 59 يقال: حجن العود يحجنه حجنا:
عطفه.
والمحجن: العصا
المعوجة.
(2) سمرة بن سهم مجهول.
وباقي رجاله ثقات.
وهو في " المسند " 5 / 290، وسنن النسائي 8 / 212 في
الزينة: باب اتخاذ الخادم والمركب، وابن ماجه (4103) في
الزهد: باب الزهد في الدنيا.
وأخرجه الترمذي (2328) في الزهد: باب ما يكفي في الدنيا من
المال، بإسقاط سمرة بن سهم.
(*)
(1/166)
وفي رواية مرسلة: فيا ليتها بعرا محيلا.
قيل: عاش أبو حذيفة ثلاثا وخمسين سنة.
14 - سالم مولى أبي حذيفة
* من السابقين الاولين البدريين المقربين العالمين.
قال موسى بن عقبة: هو سالم بن معقل.
أصله من (1) إصطخر.
والى أبا حديفة، وإنما الذي أعتقه هي ثبيتة بنت يعار
الانصارية، زوجة أبي حذيفة بن عتبة وتبناه أبو حذيفة، كذا
قال.
ابن أبي مليكة، عن القاسم بن محمد أن سهلة بنت سهيل أتت
رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي امرأة أبي حذيفة فقالت:
يا رسول الله ! إن سالما معي، وقد أدرك ما يدرك الرجال،
فقال: أرضعيه، فإذا أرضعته فقد حرم عليك ما يحرم من ذي
المحرم.
قالت أم سلمة: أبى أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم أن
يدخل أحد عليهن بهذا الرضاع، وقلن: إنما هي رخصة لسالم
خاصة (2).
__________
(*) طبقات ابن سعد: 3 / 1 / 60 - 62، التاريخ الكبير: 4 /
107، التاريخ الصغير: 1 / 38، 40، المعارف: 273، مشاهير
علماء الامصار: 101، الاستبصار: 294 - 296، حلية الاولياء:
1 / 176 - 178، الاستيعاب: 4 / 101 - 104، أسد الغابة: 2 /
307 - 309، تهذيب الاسماء واللغات: 1 / 206 - 207.
(1) تصحفت في المطبوع إلى " في ".
(2) أخرجه ابن سعد 3 / 1 / 60 - 61 ورجاله ثقات، لكنه
مرسل.
ووصله: أحمد 6 / 201، ومسلم (1453) (28) في الرضاع: باب
رضاعة الكبير، والنسائي 6 / 105 في النكاح: باب رضاع
الكبير، من طريق ابن جريج، أخبرنا ابن أبي مليكة، عن
القاسم بن محمد، عن عائشة.
وأخرجه مسلم (1453)، والنسائي 6 / 104، وابن ماجه (1943)
من طريق سفيان بن عيينة، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن
أبيه، عن عائشة وأخرجه أحمد 6 / 228، وأبو داود (2061) في
النكاح: باب من حرم به، و عبد الرزاق في " المصنف "
(13886) و (13887) من طريق ابن شهاب = (*)
(1/167)
وعن ابن عمر، قال: كان سالم مولى أبي حذيفة يؤم المهاجرين
الذين قدموا من مكة، حين قدم المدينة، لانه كان أقرأهم
(1).
الواقدي: حدثنا أفلح بن سعيد، عن محمد بن كعب القرظي قال:
كان سالم يؤم المهاجرين بقباء، فيهم عمر قبل أن يقدم رسول
الله صلى الله عليه وسلم (2).
حنظلة بن أبي سفيان: عن عبد الرحمن بن سابط، عن عائشة
قالت: استبطأني رسول الله ذات ليلة، فقال: ما حبسك ؟ قلت:
إن في المسجد لاحسن من سمعت صوتا بالقرآن، فأخذ رداءه،
وخرج يسمعه، فإذا هو سالم مولى أبي حذيفة، فقال: " الحمد
لله الذي جعل في أمتي مثلك " (3)، إسناده جيد.
عبد الله بن نمير: عن عبيدالله، عن نافع، عن ابن عمر أن
المهاجرين نزلوا بالعصبة إلى جنب قباء، فأمهم سالم مولى
أبي حذيفة، لانه كان
__________
= الزهري، عن عروة، عن عائشة.
وأخرجه مالك ص: (375) في الرضاع من طريق الزهري، عن عروة،
عن أبي حذيفة.
وانظر أقاويل العلماء في هذه المسألة في " زاد المعاد " 5
/ 578 - 593 نشر مؤسسة الرسالة.
(1) سيرد تخريجه في الصفحة التالية تعليق رقم (1) وفي
الاصل " حتى " بدل " حين ".
(2) الواقدي متروك وأخرجه ابن سعد 3 / 1 / 61 من طريق عن
أفلح بن سعيد، عن ابن كعب القرظي...(3) رجاله ثقات،
وإسناده صحيح.
وأخرجه أحمد 6 / 165 وأبو نعيم في " الحلية " 1 / 371
والحاكم 3 / 226 وصححه، ووافقه الدهبي.
ورواه ابن الاثير في " أسد الغابة " 2 / 308، والحافظ في "
الاصابة " 4 / 105 من طريق: ابن المبارك.
(*)
(1/168)
أكثرهم قرآنا، فيهم عمر، وأبو سلمة بن عبد الاسد (1).
ورواه أسامة بن حفص، عن عبيد الله.
ولفظه: لما قدم المهاجرون الاولون العصبة قبل مقدم رسول
الله، صلى الله عليه وسلم، كان سالم يؤمهم.
وروي عن محمد بن إبراهيم التيمي قال: وآخى النبي صلى الله
عليه وسلم، بين سالم مولى أبي حذيفة، وبين أبي عبيدة بن
الجراح.
هذا منقطع.
وجاء من رواية الواقدي أن محمد بن ثابت بن قيس قال: لما
انكشف المسلمون يوم اليمامة، قال سالم مولى أبي حذيفة: ما
هكذا كنا نفعل مع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فحفر
لنفسه حفرة، فقام فيها، ومعه راية المهاجرين يومئذ، ثم
قاتل حتى قتل (2).
وروى عبيد بن أبي الجعد، عن عبد الله بن الهاد أن سالما
باع ميراثه عمر ابن الخطاب فبلغ مئتي درهم، فأعطاها أمه،
فقال: كليها.
وقيل: إن سالما وجد هو ومولاه أبو حذيفة، رأس أحدهما عند
رجلي الآخر صريعين، رضي الله عنهما (3).
ومن مناقب سالم:
__________
(1) أخرجه البخاري (692) في الاذان: باب إمامة العبد
والمولى، و (7175) في الاحكام:
باب استقضاء الموالي واستعمالهم.
وأبو نعيم في " الحلية " 1 / 177، وابن سعد 3 / 1 / 61.
وأبو سلمة بن عبد الاسد هو زوج أم سلمة، أم المؤمنين، قبل
النبي، صلى الله عليه وسلم، ووقع في الرواية الثانية
للبخاري: وفيهم أبو بكر، وعمر، وأبو سلمة.
واستشكل ذكر أبي بكر فيهم.
إذ في الحديث أن ذلك كان قبل مقدم النبي، صلى الله عليه
وسلم، وأبو بكر كان رفيقه.
(2) انظر ابن سعد 3 / 1 / 61 والواقدي متروك.
(3) انظر " مستدرك الحاكم " 3 / 225.
(*)
(1/169)
أخبرنا الامام أبو محمد عبد الرحمن بن محمد في كتابه،
وجماعة، قالوا: أخبرنا حنبل بن عبد الله، أنبأنا هبة الله
بن محمد، أنبأنا أبو علي بن المذهب، أنبأنا أحمد بن جعفر،
حدثنا عبد الله بن أحمد، حدثني أبي، حدثنا عفان، حدثنا
حماد، عن علي بن زيد، عن أبي رافع أن عمر بن الخطاب قال:
من أدرك وفاتي من سبي العرب فهو من مال الله.
فقال سعيد بن زيد: أما إنك لو أشرت برجال من المسلمين، لا
ئتمنك الناس، وقد فعل ذلك أبو بكر الصديق، وائتمنه الناس،
فقال: قد رأيت من أصحابي حرصا سيئا، وإني جاعل هذا الامر
إلى هؤلاء النفر الستة.
ثم قال: لو أدركني أحد رجلين، ثم جعلت إليه الامر لوثقت
به: سالم مولى أبي حذيفة، وأبو عبيدة بن الجراح (1).
علي بن زيد لين (2) فإن صح هذا، فهو دال على جلالة هذين في
نفس عمر، وذلك على أنه يجوز الامامة في غير القرشي، والله
أعلم.
شهداء بدر عبيدة بن الحارث المطلبي، وعمير بن أبي وقاص
الزهري، أخو سعد، وصفوان بن بيضاء، واسم أبيه: وهب بن
ربيعة الفهري، وذو الشمالين عمير
ابن عبد عمرو الخزاعي، وعمير بن الحمام بن الجموع
الانصاري، الذي رمى التمرات، وقاتل حتى قتل، ومعاذ بن عمرو
بن الجموح السلمي، ومعاذ بن عفراء، وأخوه عوف، واسم أبيهما
الحارث بن رفاعة من بني غنم بن عوف، وحارثة بن سراقة بن
الحارث بن عدي الانصاري، جاءه سهم غرب وهو غلام
__________
(1) أخرجه أحمد 1 / 20 وإسناده ضعيف لضعف علي بن زيد بن
جدعان، وبه أعله المؤلف الذهبي رحمه الله.
(2) سقط من المطبوع لفظ " لين ".
(*)
(1/170)
حدث، وهو الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يا
أم حارثة ! إن ابنك أصاب الفردوس الاعلى " (1)، ويزيد بن
الحارث بن قيس الخررجي، وأمه هي فسحم، ويقال له هو فسحم،
ورافع بن المعلى الزرقي، وسعد بن خيثمة الاوسي، ومبشر بن
عبد المنذر أخو أبي لبابة، وعاقل بن البكير بن عبد ياليل
الكناني الليثي، أحد الاخوة الاربعة البدريين، فعدتهم
أربعة عشر شهيدا.
وقتل من المشركين: عتبة بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف،
وأخوه شيبة، ولهما مئة وأربعون سنة، وأبو جهل عمرو بن هشام
بن المغيرة المخزومي، وأمية بن خلف الجمحي، وابنه علي،
وعقبة بن أبي معيط، ذبح صبرا، وأبو البختري [ العاص ] بن
هشام الاسدي، والعاص أخو أبي جهل، وحنظلة بن أبي سفيان،
أخو معاوية، وعبيد، والعاص، ابنا أبي أحيحة، والحارث بن
عامر النوفلي، وطعيمة عم جبير بن مطعم، وحارث بن زمعة بن
الاسود، وأبوه، وعمه عقيل، ونوفل بن خويلد الاسدي، أخو
خديجة، والنضر بن الحارث، قتل صبرا، وعمير بن عثمان، عم
طلحة بن عبيدالله، ومسعود المخزومي أخو أم سلمة، وأبو قيس
أخو خالد بن الوليد، وقيس بن
العاد بن المغيرة المخزومي، ونبيه، ومنبه ابنا الحجاج بن
عامر السهمي، وولدا منبه: حارثة والعاص.
15 - حمزة بن عبد المطلب
* ابن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب...
__________
(1) سبق تخريجه في الصفحة (163) التعليق رقم (3).
ويقال: " سهم غرب " و " سهم غرب ": أي: لا يدرى راميه.
(*) طبقات ابن سعد: 3 / 1 / 3 - 11، نسب قريش: 17، 152،
200، تاريخ خليفة: 68، = (*)
(1/171)
الامام البطل الضرغام أسد الله أبو عمارة، وأبو يعلى
القرشي الهاشمي المكي ثم المدني البدري الشهيد، عم رسول
الله، صلى الله عليه وسلم، وأخوه من (1) الرضاعة.
قال ابن إسحاق (2): لما أسلم حمزة، علمت قريش أن رسول
الله، صلى الله عليه وسلم، قد امتنع، وأن حمزة سيمنعه،
فكفوا عن بعض ما كانوا ينالون منه.
قال أبو إسحاق: عن حارثة بن مضرب، عن علي: قال لي رسول
الله، صلى الله عليه وسلم،: ناد حمزة، فقلت: من هو صاحب
الجمل الاحمر ؟ فقال حمزة: هو عتبة بن ربيعة.
فبارز يومئذ حمزة عتبة فقتله (3).
وروى أسامة بن زيد، عن نافع، عن ابن عمر قال: سمع رسول
الله، صلى الله عليه وسلم، نساء الانصار يبكين على هلكاهن
فقال: " لكن حمزة لا بواكي له " فجئن، فبكين على حمزة
عنده.
إلى أن قال: " مروهن لا يبكين على هالك بعد
__________
= الجرح والتعديل 3 / 212، الاستيعاب: 3 / 70 - 82، أسد
الغابة: 2 / 51 - 55، تهذيب الاسماء واللغات: 1 / 168 -
169، العبر: 1 / 5، مجمع الزوائد: 9 / 266 - 268، العقد
الثمين: 4 / 227، الاصابة: 2 / 285 - 287، شذرات الذهب: 1
/ 10.
(1) تحرفت في المطبوع إلى " في ".
(2) جزء من حديث طويل عند ابن هشام 1 / 292، وابن الاثير
في " أسد الغابة " 2 / 52 وذكره الهيثمي 9 / 267 ونسبه
للطبراني وقال: مرسل ورواته ثقات.
وأخرجه الحاكم 3 / 193.
(3) أخرجه ابن سعد 3 / 1 / 6، وأخرجه الحاكم مطولا 3 / 194
وصححه وهو كما قال.
ولكن الذهبي قال: لم يخرجا لحارثة وقد وهاه ابن المديني.
وقد أخطأ رحمه الله في نقله توهية حارثة بن مضرب عن ابن
المديني فإنه لم يثبت عنه، وحارثة وثقة أحمد، وابن معين،
وابن حبان، وروى حديثه أصحاب السنن والبخاري في الادب
المفرد.
(*)
(1/172)
اليوم " (1).
وفي كتاب " المستدرك " للحاكم: عن جابر مرفوعا: " سيد
الشهداء حمزة، ورجل قام إلى إمام جائر، فأمره ونهاه، فقتله
(2).
قلت: سنده ضعيف.
الدغولي (3): حدثنا أحمد بن سيار، حدثنا رافع بن أشرس،
حدثنا خليد الصفار، عن إبراهيم الصائغ، عن عطاء، عن جابر،
عن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: " سيد الشهداء حمزة بن
عبد المطلب " (4).
هذا غريب.
__________
(1) سنده قوي.
وأخرجه أحمد 2 / 84، 92، 40 والرواية الاخيرة مختصرة.
وابن ماجه (1591) في الجنائز: باب ما جاء في البكاء على
الميت، وابن سعد 3 / 1 / 10، وصححه الحاكم 3 / 195 ووافقه
الذهبي، وقال الحافظ ابن كثير في " البداية " 4 / 48: هو
على شرط مسلم.
(2) أخرجه الحاكم 3 / 195 من طريق: رافع بن أشرس المروزي،
عن خليد الصفار، عن إبراهيم الصائغ، عن عطاء، عن
جابر..وصححه.
وتعقبه الذهبي بقوله: الصفار لا يدرى من هو.
وفاته أن رافع بن أشرس مجهول الحال.
ولكن للحديث طريق آخر يتقوى به ويصح، أخرجه البغدادي 6 /
377 من طريق إسحاق بن يعقوب العطار، عن عمار بن نصر، عن
حكيم بن زيد، عن
إبراهيم الصائغ، به..وهذا إسناد حسن وحكيم بن زيد مترجم في
" الجرح والتعديل " 3 / 204 وفيه: صالح شيخ.
(3) بفتح الدال، وضم الغين.
هو أبو العباس محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن
الدغولي.
كان زعيم سرخس.
سمع جده أبا العباس، وسمع منه الحاكم أبو عبد الله الحافظ،
وذكره في تاريخه.
فقال: كان له بسرخس مجلس الاملاء، توفي بها سنة 365 ه.
انظر " الانساب " 5 / 359 للسمعاني.
(4) إسناده تالف.
فيه مجهولان: رافع بن أشرس، وشيخه الصفار.
وذكره الهيثمي في " المجمع " 9 / 268 ونسبه إلى الطبراني
في " الاوسط "، وقال: فيه حكيم بن زيد، قال الازدي: فيه
نظر، وبقية رجاله وثقوا.
كذا قال في حكيم هذا مع أن ابن أبي حاتم نقل عن أبيه قوله
فيه " صالح شيخ " كما سبق.
(*)
(1/173)
أسامة بن زيد: عن نافع، عن ابن عمر قال: رجع رسول الله،
صلى الله عليه وسلم، يوم أحد، فسمع نساء بني عبد الاشهل
يبكين على هلكاهن.
فقال: " لكن حمزة لا بواكي له " فجئن نساء الانصار، فبكين
على حمزة عنده، فرقد، فاستيقظ وهن يبكين.
فقال: " يا ويحهن ! أهن ها هنا حتى الآن، مروهن، فلير جعن،
ولا يبكين على هالك بعد اليوم " (1).
ابن إسحاق: حدثني عبد الله بن الفضل بن العباس بن ربيعة،
عن سليمان ابن يسار، عن جعفر بن عمرو بن أمية الضمري قال:
خرجت أنا وعبيدالله بن عدي بن الخيار في زمن معاوية
غازيين.
فمررنا بحمص، وكان وحشي بها.
فقال ابن عدي: هل لك أن نسأل وحشيا كيف قتل حمزة.
فخرجنا نريده.
فسألنا عنه، فقيل لنا: إنكما ستجدانه بفناء داره على طنفسة
له.
وهو رجل قد غلب عليه الخمر، فإن تجداه صاحيا، تجدا رجلا
عربيا، فأتيناه، فإذا نحن
بشيخ كبير أسود مثل البغاث (2)، على طنفسة له، وهو صاح،
فسلمنا عليه، فرفع رأسه إلى عبيدالله بن عدي.
فقال: ابن لعدي والله ابن الخيار أنت ؟ قال: نعم...فقال:
والله ما رأيتك مند ناولتك أمك السعدية التي أرضعتك بذي
طوى، وهي على بعيرها، فلمعت لي قدماك.
قلنا: إنا أتينا لتحدثنا كيف قتلت حمزة.
قال: سأحدثكما بما حدثت به رسول الله صلى الله عليه وسلم.
كنت عبد جبير بن مطعم.
وكان عمه طعيمة بن عدي قتل يوم بدر.
فقال لي: إن قتلت حمزة،
__________
(1) سنده قوي.
وقد تقدم في الصفحة (173) تعليق رقم (1).
(2) قال ابن هشام في " السيرة ": هو ضرب من الطير إلى
السواد، وهو ضعيف الجثة كالرخمة وغيرها مما لا يصيد ولا
يصاد.
وفي البخاري: " كأنه حميت ": الزق الكبير.
(*)
(1/174)
فأنت حر.
وكنت صاحب حربة أرمي قلما أخطئ بها.
فخرجت مع الناس، فلما التقوا، أخذت حربتي، وخرجت أنظر
حمزة، حتى رأيته في عرض الناس مثل الجمل الاورق (1)، يهد
الناس بسيفه هدا ما يليق (2) شيئا.
فوالله إني لا تهيأ له إذ تقدمني إليه سباع بن عبد العزى
الخزاعي، فلما رآه حمزة، قال: هلم إلى با ابن مقطعة البظور
(3) ! ثم ضربه حمزة، فوالله لكأن (4) ما أخطأ رأسه، ما
رأيت شيئا قط كان أسرع من سقوط رأسه.
فهززت حربتي، حتى إذا رضيت عنها، دفعتها عليه، فوقعت في
ثنته (5) حتى خرجت بين رجليه.
فوقع، فذهب لينوء (6)، فغلب، فتركته وإياها، حتى إذا مات،
قمت إليه، فأخذت حربتي.
ثم رجعت إلى العسكر، فقعدت فيه، ولم يكن لي حاجة بغيره.
فلما افتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة، هربت إلى
الطائف.
فلما خرج وفد الطائف ليسلموا، ضاقت علي الارض بما رحبت،
وقلت: ألحق
بالشام، أو اليمن، أو بعض البلاد.
فوالله إني لفي ذلك من همي، إذ قال رجل: والله إن (7) يقتل
محمد أحدا دخل في دينه.
فخرجت حتى
__________
(1) الذي لونه بين الغبرة والسواد.
وسمي كذلك لما عليه من الغبار.
(2) جاء في " أساس البلاغة ": هذا سيف لا يليق شيئا، أي:
لا يمر بشئ إلا قطعه.
وقال: بأفل عضب لا يليق ضريبة * في متنه دخن وأثر أحلس وفي
السيرة لابن هشام: ما يقوم له شئ.
(3) البظور: جمع بظر: وهي اللحمة التي تقطع من فرج المرأة
عند الختان.
قال ابن إسحاق: كانت أمه ختانة بمكة تختن النساء.
والعرب تطلق هذا اللفظ في معرض الذم.
وإلا قالوا: خاتنة.
انظر " فتح الباري " 7 / 369 سلفية.
(4) سقط لفظ " لكأن " من المطبوع.
(5) الثنة: أسفل البطن إلى العانة.
(6) أي: لينهض متثاقلا.
(7) تصحفت في المطبوع إلى " لن ".
و " إن " هنا بمعنى " ما " النافية.
(*)
(1/175)
قدمت المدينة على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقال: وحشي ؟ قلت: نعم.
قال: اجلس، فحدثني كيف قتلت حمزة.
فحدثته كما أحدثكما، فقال: " ويحك ! غيب عني وجهك، فلا
أرينك " فكنت أتنكب (1) رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث
كان، حتى قبض.
فلما خرج المسلمون إلى مسيلمة ! خرجت معهم بحربتي التي
قتلت بها حمزة.
فلما التقى الناس، نظرت إلى مسيلمة وفي يده السيف، فوالله
ما أعرفه، وإذا رجل من الانصار يريده من ناحية أخرى،
فكلانا يتهيأ له.
حتى إذا أمكنني، دفعت عليه حربتي، فوقعت فيه.
وشد الانصاري عليه، فضربه
بالسيف، فربك أعلم أينا قتله، فإن أنا قتلته، فقد قتلت خير
الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقتلت شر الناس
(2).
وبه عن سليمان بن يسار: عن عبد الله بن عمر قال: سمعت رجلا
يقول: قتله العبد الاسود.
يعني مسيلمة (3).
__________
(1) تنكب فلان عنا، أي: مال عنا وتجنبنا.
(2) إسناده قوي إلي وحشي.
وأخرجه ابن هشام 2 / 70 - 73 وابن الاثير في " أسد الغابة
" 5 / 438 - 440، وابن عبد البر في " الاستيعاب " 11 / 51
وكلهم من هذا الطريق.
وأخرجه البخاري (4072) في المغازي: باب قتل حمزة، رضي الله
عنه، من طريق أبي جعفر محمد بن عبد الله، عن حجين بن
المثنى، عن عبد العزيز بن أبي سلمة، عن عبد الله بن الفضل،
عن جعفر بن يسار، عن جعفر بن عمرو الضمري...(3) انظر ابن
هشام 2 / 73، و " أسد الغابة " 5 / 440، و " الاستيعاب "
11 / 49 وكلهم من طريق: ابن إسحاق.
عن عبد الله بن الفضل، عن سليمان بن يسار، عن عبد الله بن
عمر بن الخطاب - وكان قد شهد اليمامة - قال: سمعت يومئذ
صارخا يقول: قتله العبد الاسود.
وأخرجه البخاري في نهاية الحديث (4072) قال: قال عبد الله
بن الفضل: فأخبرني سليمان ابن يسار أنه سمع عبد الله بن
عمر يقول: فقالت جارية، على ظهر البيت: وا أمير المؤمنين
قتله العبد الاسود.
(*)
(1/176)
أسامة بن زيد، عن الزهري، عن أنس قال: لما كان يوم أحد وقف
رسول الله، صلى الله عليه وسلم، على حمزة وقد جدع ومثل به،
فقال: " لولا أن تجد صفية في نفسها، لتركته حتى يحشره الله
من بطون السباع والطير ".
وكفن في نمرة إذا خمر رأسه، بدت رجلاه، وإذا خمرت رجلاه
بدا رأسه.
ولم يصل على أحد من الشهداء.
وقال: " أنا شهيد عليكم " وكان يجمع الثلاثة في قبر،
والاثنين
فيسأل: أيهما أكثر قرآنا فيقدمه في اللحد، وكفن الرجلين
والثلاثة في ثوب (1).
ابن عون: عن عمير بن إسحاق، عن سعد بن أبي وقاص قال: كان
حمزة يقاتل يوم أحد بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم
بسيفين ويقول: أنا أسد الله (2).
رواه يونس بن بكير، عن ابن عون، عن عمير، مرسلا، وزاد:
فعثر (3) فصرع مستلقيا، وانكشفت الدرع عن بطنه، فزرقه (4)
العبد الحبشي، فبقره (5).
عبد العزيز بن الماجشون: عن عبد الله بن الفضل، عن سليمان
بن يسار
__________
(1) إسناده حسن.
وأخرجه أحمد 3 / 128، وابن سعد 3 / 1 / 8، وأبو داود
(3136) في الجنائز: باب في الشهيد يغسل، والترمذي (1016)
في الجنائز: باب ما جاء في قتلى أحد وذكر حمزة.
وقال: حديث حسن غريب لا نعرفه من حديث أنس إلا من هذا
الوجه، والبيهقي 4 / 10 - 11، والطحاوي 1 / 502، وصححه
الحاكم 3 / 196، ووافقه الذهبي.
(2) أخرجه ابن سعد 3 / 1 / 6، والحاكم 3 / 194 وصححه
ووافقه الذهبي.
(3) سقط هذا اللفظ من المطبوع.
(4) زرقه: رماه.
(5) أخرجه ابن عبد البر في " الاستيعاب " 3 / 78، وذكره
الهيثمي في " المجمع " 9 / 268 ونسبه إلى الطبراني، وقال:
رجاله إلى قائله رجال الصحيح.
(*)
(1/177)
عن جعفر بن عمرو الضمري، قال: خرجت مع ابن الخيار إلى
الشام، فسألنا عن وحشي، فقيل: هو ذاك في ظل قصره كأنه حميت
(1).
فجئنا، فسلمنا ووقفنا (2) يسيرا.
وكان ابن الخيار معتجرا بعمامته ما يرى وحشي إلا عينيه
ورجليه، فقال: يا وحشي ! تعرفني ؟ قال: لا والله، إلا أني
أعلم أن عدي بن
الخيار تزوج امرأة يقال لها أم قتال بنت أبي العيص، فولدت
غلاما بمكة، فاسترضعته، فحملته مع أمه، فناولتها إياه
لكأني أنظر إلى قدميك.
قال: فكشف عبيدالله عن وجهه، ثم قال: ألا تخبرنا عن قتل
حمزة، قال: نعم.
إنه قتل طعيمة بن عدي بن الخيار ببدر.
فقال لي مولاي جبير: إن قتلت حمزة بعمي فأنت حر.
فلما خرج الناس عن (3) عينين - وعينون جبل تحت أحد، بينه
وبين أحد واد - قال سباع: هل من مبارز ؟ فقال حمزة: يا ابن
مقطعة البظور ! تحاد الله ورسوله ؟ ثم شد عليه، فكان كأمس
الذاهب.
فكمنت لحمزة تحت صخرة حتى مر علي (4) فرميته في ثنته حتى
خرجت الحربة من وركه.
إلى أن قال: فكنت بالطائف، فبعثوا رسلا إلى النبي، صلى
الله عليه وسلم، وقيل: إنه لا يهيج (5) الرسل.
فخرجت معهم، فلما رآني، قال: أنت وحشي ؟ قلت: نعم.
قال: الذي قتل حمزة ؟ قلت: نعم.
قد كان الامر الذي بلغك.
قال: ما
__________
(1) الحميت: الزق.
(2) سقطت من المطبوع لفظة " ووقفنا ".
(3) كذا في الاصل: وفي البخاري " عام عينين ".
قال الحافظ في " الفتح " 7 / 369: والسبب في نسبة وحشي هذا
العام إليه دون أحد، أن قريشا نزلوا عنده.
قال ابن إسحاق: فنزلوا بعينين جبل ببطن السبخة على شفير
الوادي مقابل المدينة.
(4) تحرفت في المطبوع إلى " بي ".
(5) تحرفت في المطبوع إلى " يقتل ".
(*)
(1/178)
تستطيع أن تغيب عني وجهك ؟ قال: فرجعت.
فلما توفي وخرج مسيلمة قلت: لاخرجن إليه لعلي أقتله،
فأكافي به
حمزة.
فخرجت مع الناس، وكان من أمرهم ما كان، فإذا رجل قائم في
ثلمة جدار كأنه جمل (1) أورق، ثائر رأسه، فأرميه بحربتي،
فأضعها بين ثدييه حتى خرجت من بين كتفيه، ووثب إليه رجل من
الانصار، فضربه بالسيف على هامته.
قال سليمان بن يسار: فسمعت ابن عمر يقول: قالت جارية على
ظهر بيت: أمير المؤمنين قتله العبد الاسود (2).
قال موسى بن عقبة: ثم انتشر المسلمون يبتغون قتلاهم فلم
يجدوا قتيلا إلا وقد مثلوا به، إلا حنظلة بن أبي عامر،
وكان أبوه أبو عامر مع المشركين، فترك لاجله.
وزعموا أن أباه وقف عليه قتيلا، فدفع صدره برجله ثم قال:
دينان قد أصبتهما، قد تقدمت إليك في مصرعك هذا يا دنيس،
ولعمر الله إن كنت لو اصلا للرحم برا بالوالد.
ووجدوا حمزة قد بقر بطنه، واحتمل وحشي كبده إلى هند في نذر
نذرته حين قتل أباها يوم بدر.
فدفن في نمرة كانت عليه، إذا رفعت إلى رأسه، بدت قدماه،
فغطوا قدميه بشئ من الشجر.
ابن إسحاق: حدثني بريدة، عن محمد بن كعب القرظي قال رسول
الله، صلى الله عليه وسلم، (3): لئن ظفرت بقريش لامثلن
بثلاثين منهم.
فلما رأى أصحاب رسول
__________
(1) سقطت من المطبوع.
(2) أخرجه البخاري (4072) في المغازي: باب قتل حمزة.
والطيالسي 2 / 100 برقم (2348).
وانظر ابن هشام 2 / 70 - 73.
وانظر التعليق (2) في الصفحة (176).
(3) سقطت من المطبوع عبارة " قال رسول الله، صلى الله عليه
وسلم ".
(*)
(1/179)
الله، صلى الله عليه وسلم، ما به من الجزع قالوا: لئن
ظفرنا بهم، لنمثلن بهم مثلة لم يمثلها أحد من العرب بأحد،
فأنزل الله (وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به)
[ النحل: 126 ] إلى آخر السورة.
فعفا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، (1).
أبو بكر بن عياش: عن يزيد بن أبي زياد، عن مقسم، عن ابن
عباس قال: لما قتل حمزة أقبلت صفية أخته، فلقيت عليا
والزبير، فأرياها أنهما لا يدريان، فجاءت النبي، صلى الله
عليه وسلم، فقال: فإني أخاف على عقلها، فوضع يده على صدرها
ودعا لها، فاسترجعت وبكت.
ثم جاء فقام عليه، وقد مثل به، فقال: " لولا جزع النساء
لتركته حتى يحشر من حواصل الطير وبطون السباع " ثم أمر
بالقتلى، فجعل يصلي عليهم بسبع تكبيرات ويرفعون، ويترك
حمزة، ثم يجاء بسبعة، فيكبر عليهم سبعا حتى فرغ منهم (2).
__________
(1) هو على إرساله لا يصح فإن بريدة هو ابن سفيان بن فروة
الاسلمي ضعفه غير واحد.
وقال الدار قطني: متروك.
وقال البخاري: فيه نظر.
وقال العقيلي: سئل أحمد عن حديثه فقال: بلية وانظر ابن
هشام 2 / 96.
(2) أخرجه ابن ماجه (1513) مختصرا في الجنائز، باب: ما جاء
في الصلاة على الشهداء ودفنهم.
وابن سعد 3 / 1 / 7، والحاكم 3 / 197 وسكت عنه.
ولكن الذهبي قال: سمعه أبو بكر بن عياش من يزيد وليسا
بمعتمدين.
وخرجه الطحاوي 1 / 503، والدار قطني 2 / 474، والبيهقي 4 /
12 وقال: لا أحفظه إلا من حديث أبي بكر بن عياش، عن يزيد
بن أبي زياد، وكانا غير حافظين.
لكن للحديث شواهد يصح بها.
ففي الباب، عن ابن مسعود أخرجه أحمد 1 / 463 حدثنا عفان
ابن مسلم، عن حماد بن سلمة، عن عطاء بن السائب، عن الشعبي،
عن ابن مسعود أن النساء كن يوم أحد خلف المسلمين يجهزن على
جرحى المشركين.
فلو حلفت يومئذ رجوت أن أبر أنه ليس أحد منا يريد الدنيا،
حتى أنزل الله عزوجل: (منكم من يريد الدنيا، ومنكم من يريد
الآخرة ثم صرفكم عنهم ليبتليكم)، فلما خالف أصحاب النبي،
صلى الله عليه وسلم، وعصوا ما أمروا به أفرد رسول الله،
صلى الله عليه وسلم، في تسعة، سبعة من الانصار ورجلين من
قريش.
وهو عاشرهم، فلما رهقوه قال: رحم الله رجلا ردهم عنا.
قال: فقام رجل من الانصار، فقاتل ساعة حتى قتل.
فلما رهقوه أيضا قال: رحم
الله رجلا ردهم عنا، فلم يزل يقول ذا، حتى قتل السبعة.
فقال النبي، صلى الله عليه وسلم، لصاحبه: ما أنصفنا
أصحابنا.
فجاء أبو سفيان فقال: اعل هبل.
فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: قولوا: الله أعلى
وأجل.
فقالوا: الله أعلى وأجل.
فقال أبو سفيان: لنا عزى ولا عزى لكم.
فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: قولوا: = (*)
(1/180)
يزيد ليس بحجة، وقول جابر: لم يصل عليهم أصح (1) وفي "
الصحيحين " من حديث عقبة أن النبي، صلى الله عليه وسلم،
صلى على قتلى أحد صلاته على الميت، فهذا كان قبل موته
بأيام (2).
__________
= الله مولانا، والكافرون لا مولى لهم.
ثم قال أبو سفيان: يوم بيوم بدر، ويوم لنا ويوم علينا ويوم
نساء ويوم نسر، حنظلة بحنظلة، وفلان بفلان، وفلان بفلان.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا سواء، أما قتلانا
فأحياء يرزقون، وقتلاكم في النار يعذبون، قال أبو سفيان:
قد كانت في القوم مثلة وإن كانت لعن غير ملامنا، ما أمرت
ولا نهيت، ولا أحببت ولا كرهت، ولا ساءني ولا سرني.
قال: فنظروا فإذا حمزة قد بقر بطنه، وأخذت هند كبده
فلاكتها فلم تستطع أن تأكلها.
فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: أأكلت منه شيئا ؟
قالوا: لا.
قال: ما كان الله ليدخل شيئا من حمزة النار، فوضع رسول
الله، صلى الله عليه وسلم، حمزة فصلى عليه، وجئ برجل من
الانصار، فوضع إلى جنبه فصلى عليه.
فرفع الانصاري وترك حمزة.
ثم جئ بآخر فوضعه إلى جنب حمزة فصلى عليه، ثم رفع وترك
حمزة حتى صلى عليه يومئذ سبعين صلاة ".
وعن عبد الله بن الزبير، أحرجه الطحاوي في " شرح معاني
الآثار " 1 / 290 وسنده جيد.
وعن جابر عند الحاكم 2 / 119 - 120، وعن شداد بن الهاد
أخرجه النسائي 4 / 60 - 61 في الجنائز: باب الصلاة على
الشهداء، والطحاوي في " شرح معاني الآثار " 1 / 291
وإسناده صحيح.
صححه الحاكم 3 / 595 - 596.
(1) قال ابن القيم، رحمه الله، في تهذيب السنن 4 / 295:
والصواب في المسألة أنه مخير بين الصلاة عليهم وتركها لمجئ
الآثار لكل واحد من الامرين.
وهذه إحدى الروايات عن الامام
أحمد، وهي الاليق بأصوله ومذهبه.
(2) أخرجه أحمد 4 / 149، 153، والبخاري (1344) في الجنائز:
باب الصلاة على الشهيد، و (3596) في المناقب: باب علامات
النبوة في الاسلام، و (4042) في المغازي: باب غزوة أحد، و
(4085) فيه: باب أحد جبل يحبنا ونحبه، و (6426) في الرقاق:
باب ما يحذر من زهرة الدنيا والتنافس فيها، و (6590) في
الرقاق: باب في الحوض، ومسلم (2296) في الفضائل: باب إثبات
حوض نبينا محمد، صلى الله عليه وسلم، وصفاته، والنسائي 4 /
61 - 62 إلى قوله " وأنا شهيد عليكم ".
ونص مسلم من طريق وهب بن جرير، قال: سمعت يحيى بن أيوب
يحدث عن يزيد بن أبي حبيب، عن مرثد، عن عقبة بن عامر قال:
صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، على قتلى أحد، ثم صعد
المنبر كالمودع للاحياء والاموات فقال: " إني فرطكم على
الحوض، وإن عرضه كما بين أيلة إلى الجحفة، إني لست أخشى
عليكم أن تشركوا بعدي، ولكني أخشى عليكم الدنيا أن تنافسوا
فيها وتقتتلوا، فتهلكوا كما هلك من كان قبلكم ".
قال عقبة: فكانت آخر ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم
على المنبر.
(*)
(1/181)
ويروى من حديث ابن عباس وأبي هريرة قوله عليه السلام: "
لئن ظفرت بقريش، لامثلن بسبعين منهم " فنزلت (وإن عاقبتم):
الآية (1).
عبدان: أخبرنا عيسى بن عبيد الكندي، حدثني ربيع بن أنس،
حدثني أبو العالية، عن أبي بن كعب أنه أصيب من الانصار يوم
أحد سبعون.
قال: فمثلوا بقتلاهم، فقالت الانصار: لئن أصبنا منهم يوما
من الدهر، لنربين عليهم.
فلما كان يوم فتح مكة، نادى رجل لا يعرف: لا قريش بعد
اليوم ! مرتين.
فأنزل الله على نبيه (وإن عاقبتم)، الآية.
فقال النبي، صلى الله عليه وسلم،: " كفوا عن القوم " (2).
__________
(1) أخرجه الحاكم 3 / 197 من طريق: خالد بن خداش، عن صالح
المري، عن سليمان
التيمي، عن أبي عثمان النهدي، عن أبي هريرة، أن النبي، صلى
الله عليه وسلم، نظر يوم أحد إلى حمزة، وقد قتل ومثل به،
فرأى منظرا لم ير منظرا قط أوجع لقلبه منه، ولا أوجل.
فقال: رحمة الله عليك، قد كنت وصولا للرحم، فعولا للخيرات.
ولولا حزن من بعدك عليك لسرني أن أدعك حتى تجئ من أفواه
شتى، ثم حلف، وهو واقف مكانه، والله لامثلن بسبعين منهم
مكانك.
فنزل القرآن وهو واقف في مكانه، لم يبرح: (وإن عاقبتم
فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به، ولئن صبرتم لهو خير للصابرين.
) حتى ختم السورة.
وكفر رسول الله، صلى الله عليه وسلم، عن يمينه، وأمسك عماد
أراد.
وإسناده ضعيف لضعف صالح المري، وبه أعله الذهبي.
وذكره ابن كثير في " تفسيره ": 2 / 592 من طريق البزار
وضعفه بصالح أيضا.
وذكره السيوطي في " الدر المنثور " 4 / 135 ونسبه إلى ابن
المنذر، والطبراني، وابن مردويه، والبيهقي في " الدلائل ".
ثم إن متن الحديث معل بما قاله ابن كثير في " سيرته " 2 /
79 من أن هذه الآية مكية، وقصة أحد بعد الهجرة بثلاث سنين،
فكيف يلتئم هذا ؟.
أما خبر ابن عباس فقد ذكره السيوطي في " الدر المنثور " 4
/ 135 ونسبه إلى ابن المنذر والطبراني، وابن مردويه،
والبيهقي في " الدلائل ".
(2) إسناده حسن.
وأخرجه أحمد 5 / 135، والترمذي (3128) في " التفسير ": باب
ومن سورة النمل.
وقال: حديث حسن غريب من حديث أبي بن كعب.
والحاكم 2 / 359 وابن حبان (1695).
وذكره السيوطي في " الدر المنثور " 4 / 135 وزاد نسبته إلى
النسائي، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه،
والبيهقي في " الدلائل ".
(*)
(1/182)
يونس بن بكير: عن هشام بن عروة، عن أبيه قال: جاءت صفية
يوم أحد معها ثوبان لحمزة، فلما رآها رسول الله، صلى الله
عليه وسلم، كره أن ترى حمزة على حاله.
فبعث إليها الزبير يحبسها، وأخذ الثوبين.
وكان إلى جنب حمزة قتيل من الانصار، فكرهوا أن يتخيروا
لحمزة فقال: أسهموا بينهما فأيهما طار له أجود
الثوبين فهو له.
فأسهموا بينهما، فكفن حمزة في ثوب، والانصاري في ثوب (1).
ابن إسحاق: عن إسماعيل بن أمية، عن أبي الزبير، عن سعيد بن
جبير، عن ابن عباس قال: قال النبي، صلى الله عليه وسلم،:
لما أصيب إخوانكم بأحد جعل الله أرواحهم في أجواف طير خضر
ترد أنهار الجنة، وتأكل من ثمارها، وتأوي إلى قناديل من
ذهب معلقة في ظل العرش، فلما وجدوا طيب مأكلهم ومشربهم
ومقيلهم قالوا: من يبلغ إخواننا عنا أننا أحياء في الجنة
نرزق لئلا ينكلوا عند الحرب ولا يزهدوا في الجهاد، قال
الله: أنا أبلغهم عنكم.
__________
(1) سنده جيد.
وأخرجه أحمد 1 / 165 والبيهقي في سننه 4 / 401 - 402 من
طريق سليمان بن داود الهاشمي، عن عبد الرحمن بن أبي
الزناد، عن هشام، عن عروة قال: أخبرني أبي الزبير، رضي
الله عنه، أنه لما كان يوم أحد، أقبلت امرأة تسعى، حتى إذا
كادت أن تشرف على القتلى، قال: فكره النبي، صلى الله عليه
وسلم، أن تراهم.
فقال: المرأة المرأة.
قال الزبير، رضي الله عنه: فتو سمت أنها أمي صفية.
قال: فخرجت أسعى إليها، فأدركتها قبل أن تنتهي إلى القتلى،
قال: فلدمت في صدري وكانت امرأة جلدة، قالت: إليك لا أرض
لك.
قال: فقلت: إن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، عزم عليك
قال: فوقفت وأخرجت ثوبين معها، فقالت: هذان ثوبان جئت بهما
لاخي حمزة، فقد بلغني مقتله، فكفنوه فيهما.
قال: فجئنا بالثوبين لنكفن فيهما حمزة فإذا إلى جنبه رجل
من الانصار قتيل، قد فعل به كما فعل بحمزة.
قال: فوجدنا غضاضة وحياء أن نكفن حمزة في ثوبين والانصاري
لا كفن له.
فقلنا: لحمزة ثوب وللانصاري ثوب.
فقدرناهما فكان أحدهما أكبر من الآخر، فأقرعنا بينهما
فكفنا كل واحد منهما في الثوب الذي صار له ".
(*)
(1/183)
فأنزلت (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا) [ آل
عمران: 169 ] (1).
ابن إسحاق: حدثني عاصم بن عمر، عن عبد الرحمن بن جابر بن
عبد الله، عن أبيه، سمعت رسول الله، صلى الله عليه وسلم،
يقول إذا ذكر أصحاب أحد: " أما والله لوددت أني غودرت مع
أصحاب فحص الجبل " (2).
يقول: قتلت معهم.
وجاء بإسناد فيه ضعف عن جابر أن النبي، صلى الله عليه
وسلم، لما رأى حمزة قتيلا، بكى، فلما رأى ما مثل به شهق
(3)
__________
(1) رجاله ثقات.
ورواه أبو داود (2520) في الجهاد: باب في فضل الشهادة،
والحاكم 2 / 88، 297 من طريق: عبد الله بن إدريس، عن محمد
بن إسحاق، عن إسماعيل بن أمية، عن أبي الزبير، عن سعيد بن
جبير، عن ابن عباس وأخرجه ابن هشام 2 / 119، وأحمد 1 / 266
من طريق ابن إسحاق، عن إسماعيل بن أمية، عن أبي الزبير، عن
ابن عباس، ولم يذكرا فيه سعيد بن جبير.
قال ابن كثير: والاول أثبت.
وأخرجه مسلم في صحيحه (1887) من طريق الاعمش، عن عبد الله
بن مرة، عن مسروق، قال: سألنا عبد الله بن مسعود عن هذه
الآية (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا، بل
أحياء عند ربهم يرزقون) قال: أما إنا قد سألنا عن ذلك
فقال: أرواحهم في جوف طير خضر، لها قناديل معلقة بالعرش
تسرح من الجنة حيث شاءت ثم تأوي إلى تلك القناديل.
فاطلع إليهم ربهم اطلاعة فقال: هل تشتهون شيئا ؟ قالوا: أي
شئ نشتهي ونحن نسرح من الجنة حيث شئنا ؟ ففعل ذلك بهم ثلاث
مرات.
فلما رأوا أنهم لن يتركوا من أن يسألوا قالوا: يا رب نريد
أن ترد أرواحنا في أجسادنا حتى نقتل في سبيلك مرة أخرى.
فلما رأى أن ليس لهم حاجة تركوا ".
(2) إسناده قوي.
وهو في " المسند " 3 / 375 وفيه " نحض ".
وفي " سيرة ابن كثير " 3 / 89 " بحضن " وهو تحريف.
وفحص الجبل: سفحه وما بسط منه.
(3) أخرجه الحاكم 3 / 197 مختصرا و 199 مطولا وسكت عنه
وكذلك الذهبي.
في الاولى وصححاه في الثانية المطولة.
وفي سنده أبو حماد الحنفي المفضل بن صدقة وهو ضعيف، و عبد
الله بن محمد بن عقيل وفيه لين.
وقد عد الذهبي هذا الحديث في ميزانه من منكرات أبي حماد
الحنفي.
(*)
(1/184)
16 - عاقل بن البكير * وقيل: عاقل بن أبي البكير
بن عبد يا ليل بن ناشب بن غيرة بن سعد بن ليث بن بكير بن
عبد مناة بن كنانة الليثي.
نسبه محمد بن سعد وقال: كان اسمه غافلا، فسماه رسول الله،
صلى الله عليه وسلم، عاقلا.
وكان أبو البكير حالف نفيل بن عبد العزى جد عمر، وكان أبو
معشر، والواقدي يقولان: ابن أبي البكير.
قال: وكان موسى بن عقبة، وابن إسحاق، وابن الكلبي يقولون:
ابن البكير (1).
أنبأنا محمد بن عمر، حدثنا محمد بن صالح، عن يزيد بن رومان
قال: أسلم غافل، وعامر، وإياس، وخالد، بنو أبي البكير
جميعا، وهم أول من بايع في دار الارقم (2).
وأنبأنا محمد بن عمر، حدثنا عبد الجبار بن عمارة، عن عبد
الله بن أبي بكر قال: خرج بنو أبي البكير مهاجرين فأوعبوا،
رجالهم ونساؤهم، حتى غلقت أبوابهم.
فنزلوا على رفاعة بن عبد المنذر بالمدينة.
ثم قال: وقالوا: وآخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين
عاقل وبين مبشر بن عبد المنذر، فقتلا معا ببدر
__________
(*) طبقات ابن سعد: 3 / 1 / 282 - 283، طبقات خليفة: 23،
تاريخ خليفة، 60، الاستيعاب: 9 / 71، أسد الغابة: 3 / 116،
العقد الثمين: 5 / 81، الاصابة: 5 / 273، شذرات الذهب: 1 /
9.
(1) أخرجه ابن سعد 3 / 1 / 282 وهو في " الاصابة " 5 /
273.
(2) أخرجه ابن سعد 3 / 1 / 282 وهو في " أسد الغابة " 3 /
116 وفي " الاصابة " 5 / 273.
(*)
(1/185)
وقيل: آخى بين عاقل وبين مجذر بن زياد.
استشهد عاقل يوم بدر شهيدا، وهو ابن أربع وثلاثين سنة.
قتله مالك ابن زهير الجشمي (1).
17 - أخوه خالد بن البكير * أو
ابن أبي البكير.
قال ابن سعد: آخى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بينه
وبين زيد بن الدثنة.
شهد خالد بدرا، وأحدا، وقتل يوم الرجيع (2) في صفر سنة
أربع، وله أربع وثلاثون سنة.
18 - أخوهما إياس بن أبي
البكير * *
قال ابن سعد (3): آخى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بينه
وبين الحارث بن خزمة، وشهد بدرا والمشاهد كلها.
وشهد فتح مصر.
توفي سنة أربع وثلاثين.
__________
(1) أخرجه ابن سعد 3 / 1 / 283 وهو في " أسد الغابة " 3 /
116 وعند ابن هشام 1 / 477.
(*) طبقات ابن سعد: 3 / 1 / 283، طبقات خليفة: 13، تاريخ
خليفة: 74، 75، الاستيعاب: 3 / 162 - 163، أسد الغابة: 2 /
91، العقد الثمين: 4 / 261، الاصابة: 3 / 51.
(2) المراد هنا اسم موضع من بلاد هذيل، على ثمانية أميال
من عسفان وفيه كانت الموقعة، من جهة الغرب، وبه سميت.
وخبر غزوة الرجيع في البخاري (4086) في المغازي: باب غزوة
الرجيع.
وعند ابن هشام 2 / 169، وعند ابن كثير في " السيرة " 3 /
123.
(* *) طبقات ابن سعد: 3 / 1 / 283، طبقات خليفة: 23،
الاستيعاب: 1 / 230، أسد الغابة: 1 / 181، العقد الثمين: 3
/ 339، الاصابة: 1 / 143.
(3) ابن سعد 3 / 1 / 283.
(*)
(1/186)
أخوهم الرابع
19 - عامر بن أبي البكير
*
قال ابن سعد: آخى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بينه
وبين ثابت بن قيس بن شماس.
شهد بدرا والمشاهد كلها مع رسول الله، صلى الله عليه وسلم.
قلت: ما شهد بدرا إخوة أربعة سواهم.
واستشهد عامر يوم اليمامة (1).
20 - مسطح بن أثاثة * *
ابن عباد بن المطلب بن عبد مناف بن قصي، المطلبي المهاجري
البدري، المذكور في قصة الافك.
__________
(*) طبقات ابن سعد: 3 / 1 / 283، طبقات خليفة: 23، تاريخ
خليفة: 113، الاستيعاب: 5 / 284، أسد الغابة: 3 / 118،
العقد الثمين: 5 / 82، الاصابة: 5 / 275.
(1) أصل معناها الحمامة.
وأطلقت على هذا الصقع المعروف شرقي الحجاز الذي كانت تقيم
به بنو حنيفة.
وهناك آراء متعددة في سبب هذه التسمية.
انظر " اللسان "، و " معجم البلدان " و " المصباح المنير
".
ولمعرفة ما حدث يوم اليمامة من الحروب الطاحنة بين خالد بن
الوليد ومسيلمة الكذاب، انظر الطبري في " تاريخه " 3 / 281
- 301، و " الكامل " في التاريخ لابن الاثير 2 / 361 -
367.
(* *) طبقات ابن سعد: 3 / 1 / 36، نسب قريش: 95، طبقات
خليفة: 9.
المعارف 328، الجرح والتعديل: 8 / 425، مشاهير علماء
الامصار: 33، حلية الاولياء: 2 / 20، الاستيعاب: 10 / 248
- 249، أسد الغابة: 5 / 156، تهذيب الاسماء واللغات: 2 /
89، العبر: 1 / 35، العقد الثمين: 6 / 443 - 445 و 7 /
179، الاصابة: 9 / 182 - 183.
(*)
(1/187)
كان فقيرا ينفق عليه أبو بكر (1).
ذكره ابن سعد فقال: كان قصيرا، غائر العينين، شثن الاصابع،
عاش ستا وخمسين سنة.
قال: وتوفي سنة أربع وثلاثين، رضي الله عنه.
إياك يا جري (2) أن تنظر إلى هذا البدري شزرا لهفوة بدت
منه، فإنها قد غفرت، وهو من أهل الجنة.
وإياك يا رافضي (3) أن تلوح بقذف أم المؤمنين بعد نزول
النص في براءتها فتجب لك النار.
21 - أبو عبس * (خ، ت،
س) ابن جبر بن عمرو بن زيد بن جشم بن حارثة بن الحارث
الاوسي.
واسمه
__________
(1) أخرج البخاري (4750) في التفسير، باب: لولا إذ
سمعتموه...، في نهاية الحديث هذا..." فلما أنزل الله في
براءتي، قال أبو بكر الصديق، رضي الله عنه، وكان ينفق على
مسطح ابن أثاثة لقرابته منه وفقره: والله لا أنفق على مسطح
شيئا أبدا بعد الذي قال لعائشة ما قال.
فأنزل الله: (ولا يأتل أولوا الفضل منكم والسعة أن يؤتوا
أولي القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل الله، وليعفوا
وليصفحوا، ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم)
قال أبو بكر: بلى والله إني أحب أن يغفر الله لي.
فرجع إلى النفقة التي كان ينفق عليه، وقال: والله لا
أنزعها منه أبدا ".
(2) سهل همزة جرئ لتتسق السجعة مع البدري.
وهو على فعيل من جرؤ: إذا هجم على الامر بدون توقف.
وقد تحرفت في المطبوع إلى " جبري ".
(3) انظر في سبب تسميتهم بذلك " مقالات الاسلاميين " 1 /
89 لابي الحسن الاشعري.
(*) طبقات ابن سعد: 3 / 2 / 23، طبقات خليفة: 79، المعارف:
326، الجرح والتعديل: 5 / 220، الاستيعاب: 6 / 35، أسد
الغابة: 3 / 431، تهذيب الكمال: 1621، تاريخ الاسلام: 2 /
120، تهذيب التهذيب: 12 / 156، الاصابة: 6 / 270، خلاصة
تذهيب الكمال: 454.
(*)
(1/188)
عبد الرحمن.
بدري كبير له ذرية بالمدينة وببغداد.
وكان يكتب بالعربية، وكان هو وأبو بردة ابن نيار يكسران
أصنام بني حارثة.
آخى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بينه وبين خنيس بن
حذافة السهمي.
شهد بدرا والمشاهد، وكان فيمن قتل كعب بن الاشرف (1) وكان
عمر وعثمان يبعثانه مصدقا (2).
حدث عنه ابنه زيد، وحفيده أبو عبس بن محمد بن أبي عبس،
وعباية بن رفاعة.
مات بالمدينة سنة أربع وثلاثين، وصلى عليه عثمان، وعاش
سبعين سنة، وقبره بالبقيع.
22 - ابن التيهان * أبو الهيثم،
مالك بن التيهان بن بلي بن عمرو بن الحاف بن قضاعة
الانصاري حليف بني عبد الاشهل.
قاله جماعة.
__________
(1) خبر قتله أخرجه البخاري (4037) في المغازي: باب قتل
كعب بن الاشرف.
والحديث طويل فليراجع هناك (2) المصدق: بتخفيف الصاد: هو
الذي يأخذ صدقات النعم.
(*) طبقات ابن سعد: 3 / 2 / 21 - 23، طبقات خليفة: 78،
332، تاريخ خليفة: 149، المعارف: 270، الجرح والتعديل: 8 /
207، مشاهير علماء الامصار: ت: 32، الاستبصار: 228،
الاستيعاب: 9 / 305، أسد الغابة: 5 / 14، تهذيب الاسماء
واللغات: 2 / 79 - 80، العبر: 1 / 24، مجمع الزوائد: 9 /
344، الاصابة: 9 / 40، شذرات الذهب: 1 / 31.
(*)
(1/189)
وقال عبد الله بن محمد بن عمارة الانصاري: هو من الاوس، من
أنفسهم.
ثم قال: هو ابن التيهان بن مالك بن عمرو بن زيد بن عمرو بن
جشم بن الحارث بن الخزرج بن عمرو بن مالك بن الاوس.
وأمه من بني جشم
المذكور.
قال الواقدي: كان أبو الهيثم يكره الاصنام في الجاهلية
ويؤفف بها، ويقول بالتوحيد هو وأسعد بن زرارة.
وكانا من أول من أسلم من الانصار بمكة.
ويجعل في الثمانية الذين لقوا رسول الله، صلى الله عليه
وسلم، بمكة، ويجعل في الستة، وفي أهل العقبة الاولى الاثني
عشر، وفي السبعين (1).
آخى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بينه وبين عثمان بن
مظعون.
شهد بدرا والمشاهد، وبعثه رسول الله، صلى الله عليه وسلم،
إلى خيبر (2) خارصا (3) بعد ابن رواحة.
وعن محمد بن يحيى بن حبان أن أبا الهيثم بعثه رسول الله،
صلى الله عليه وسلم، خارصا، ثم بعثه أبو بكر، فأبى، وقال:
إني كنت إذا خرصت لرسول الله، صلى الله عليه وسلم، فرجعت،
دعا لي.
وعن صالح بن كيسان قال: توفي أبو الهيثم في خلافة عمر.
__________
(1) الخبر في " الطبقات " 3 / 448 بأطول مما هنا فراجعه.
(2) سقطت " إلى خيبر " من المطبوع.
(3) الخرص: بفتح الخاء، وحكي بكسرها، وبسكون الراء، وهو:
حزر ما على النخل من الرطب ثمرا، وهو تقدير بظن لا إحاطة.
وحكى الترمذي عن بعض أهل العلم، في تفسيره، أن الثمار إذا
أدركت من الرطب = (*)
(1/190)
وقال غيره: توفي سنة عشرين.
قال الواقدي: هذا أثبت عندنا ممن روى أنه قتل بصفين مع
علي.
أخبرنا سنقر، أخبرنا عبد اللطيف، أنبأنا عبد الحق، أنبأنا
أبو الحسن الحاجب، أنبأنا أبو الحسن الحمامي، أنبأنا ابن
قانع، حدثنا محمد بن بشر، حدثنا محمد بن جامع العطار،
حدثنا عبد الحكيم بن منصور، حدثنا عبد
الملك بن عمير، عن أبي سلمة عن أبي الهيثم بن التيهان أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " المستشار مؤتمن "
(1).
__________
والعنب، مما تجب فيه الزكاة، بعث السلطان خارصا ينظر
فيقول: يخرج من هذا كذا وكذا زبيبا وكذا تمرا، فيحصيه.
وينظر مبلغ العشر فيثبته عليهم، ويخلي بينهم وبين الثمار.
فإذا جاء وقت الجذاذ أخذ منهم العشر.
(1) إسناده ضعيف جدا.
محمد بن جامع العطار ضعفه أبو يعلى، وأبو حاتم، وقال ابن
عدي: لا يتابع على أحاديثه، وشيخه عبد الحكيم بن منصور قال
يحيى بن معين والدار قطني: متروك.
وقال أبو حاتم: لا يكتب حديثه، وقال أبو داود: ضعيف، وقال
النسائي: ليس بثقة، وقال أبو أحمد الحاكم: ذاهب الحديث،
لكن متن الحديث صحيح.
فقد رواه أبو داود (5148) في الادب: باب في المشورة،
والترمذي (2370) في الزهد، باب: ما جاء في معيشة أصحاب
النبي، صلى الله عليه وسلم، و (2823) في الادب: باب
المستشار مؤتمن، وابن ماجه (3745) في الادب: باب المستشار
مؤتمن، كلهم من طريق شيبان، عن عبد الملك بن عمير، عن أبي
سلمة، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله، صلى الله عليه
وسلم: " المستشار مؤتمن ".
وأخرجه أحمد 5 / 274، وابن ماجه (3746)، والدارمي 2 / 219
كلهم من طريق الاعمش، عن أبي عمرو الشيباني، عن أبي مسعود
الانصاري، عن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: " المستشار
مؤتمن ".
(*)
(1/191)
23 - أبو جندل * ابن سهيل
بن عمرو بن عبد شمس بن عبدود بن نصر بن حسل بن عامر بن لؤي
بن غالب بن فهر العامري القرشي، واسمه العاص.
كان من خيار الصحابة، وقد أسلم وحبسه أبوه وقيده، فلما كان
يوم صلح الحديبية، هرب يحجل في قيوده، وأبوه حاضر بين يدي
النبي، صلى الله عليه وسلم، لكتاب
الصلح.
فقال: هذا أول من أقاضيك عليه يا محمد.
فقال: هبه لي.
فأبى.
فرده وهو يصيح ويقول: يا مسلمون ! أرد إلى الكفر ؟ ثم إنه
هرب.
وله قصة مشهورة مذكورة في الصحيح (1)، وفي المغازي.
ثم خلص وهاجر، وجاهد،
__________
(*) طبقات ابن سعد: 7 / 2 / 127، طبقات خليفة: 26، 300،
تاريخ خليفة: 113، التاريخ الصغير: 1 / 50، الاستيعاب: 11
/ 173، أسد الغابة: 6 / 54 - 56، تهذيب الاسماء واللغات: 2
/ 205 - 206، تاريخ الاسلام: 2 / 26، العبر: 1 / 22، العقد
الثمين: 8 / 33 - 34، الاصابة: 5 / 13، 267، شذرات الذهب:
1 / 30، تهذيب تاريخ ابن عساكر: 7 / 134 - 137.
(1) أخرجه البخاري (2700) في الصلح: باب الصلح مع المشركين
وفيه " صالح النبي، صلى الله عليه وسلم، المشركين يوم
الحديبية على ثلاثة أشياء: على أن من أتاه من المشركين رده
إليهم، ومن أتاهم من المسلمين لم يردوه، وعلى أن يدخلها من
قابل ويقيم بها ثلاثة أيام، ولا يدخلها إلا بجلبان السلاح:
السيف والقوس ونحوه.
فجاء أبو جندل يحجل في قيوده فرده إليهم ".
وأخرج حديث الصلح والشروط مطولا (2731، 2732) وفيه: فقال
سهيل: وعلى ألا يأتينك منا رجل - وإن كان على دينك - إلا
رددته إلينا.
قال المسلمون: سبحان الله ! كيف يرد إلى المشركين وقد جاء
مسلما ؟ فبينما هم كذلك إذ دخل أبو جندل بن سهيل بن عمرو
يرسف في قيوده، وقد خرج من أسفل مكة حتى رمى بنفسه بين
أظهر المسلمين.
فقال سهيل: هذا - يا محمد - أول من أقاضيك عليه أن ترده
إلي.
فقال النبي، صلى الله عليه وسلم، إنا لم نقض الكتاب بعد.
قال: فوالله إذا لم أصالحك علي شئ أبدا.
قال النبي، صلى الله عليه وسلم، فأجزه لي.
قال: ما أنا بمجيزه لك.
قال: بلى، فافعل قال: ما أنا بفاعل.
قال مكرز: بل قد أجزناه لك.
قال أبو جندل: أي معشر المسلمين ! أرد إلى المشركين وقد
جئت مسلما ؟ ألا ترون ما قد لقيت ؟ وكان قد عذب عذابا
شديدا في الله..." والحديث بطوله في ابن كثير في " السيرة
" 3 / 312 - 337، وابن هشام 2 / 318.
(*)
(1/192)
ثم انتقل إلى جهاد الشام، فتوفي شهيدا في طاعون عمواس
بالاردن سنة
ثماني عشرة.
24 - وأخوه عبد الله بن سهيل
* خرج مع أبيه إلى بدر يكتم إيمانه.
فلما التقى الجمعان، تحول إلى المسلمين، وقاتل، وعد بدريا،
رضي الله عنه.
وله غزوات ومواقف، واستشهد يوم اليمامة، وله ثمان وثلاثون
سنة.
وقيل: بل هو السابقين الاولين، وإنه هاجر إلى الحبشة
الهجرة الاولى رضي الله عنه.
وذكر الواقدي قال: لما حج أبو بكر بالناس، قبل حجة الوداع،
لقيه سهيل ابن عمرو رضي الله عنه فقال: بلغني يا أبا بكر
أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال: " يشفع الشهيد
لسبعين من أهله " (1) فأرجو أن يبدأ عبد الله بي.
__________
(*) طبقات ابن سعد: 3 / 1 / 259، الجرح والتعديل: 5 / 67،
الاستيعاب: 6 / 236، أسد الغابة: 3 / 271، تاريخ الاسلام:
2 / 26، الاصابة: 7 / 304.
(1) أخرجه أبو داود (2522) في الجهاد: باب الشهيد يشفع، من
طريق يحيى بن حسان، عن الوليد بن رباح الذماري، عن نمران
بن عتبة الذماري قال: دخلنا على أم الدرداء ونحن أيتام
فقالت: أبشروا فإني سمعت أبا الدرداء يقول: قال رسول الله،
صلى الله عليه وسلم،: يشفع الشهيد..." وهذا سند حسن.
رجاله ثقات غير نمران بن عتبة الذماري، فإنه لم يوثقه غير
ابن حبان.
وقد روى عنه اثنان، ومثله حسن الحديث.
وقد صحح حديثه هذا ابن حبان (1612).
(*)
(1/193)
فهذا لا يستقيم، لكن قاله - إن كان قاله - لما استشهد سنة
اثنتي عشرة باليمامة.
25 - وسهيل [ بن عمرو ] أبوهما
*
يكنى أبا يزيد (1).
وكان خطيب قريش، وفصيحهم، ومن أشرافهم.
لما أقبل في شأن الصلح، قال النبي، صلى الله عليه وسلم،: "
وسهل أمركم " (2).
تأخر إسلامه إلى يوم الفتح، ثم حسن إسلامه.
وكان قد أسر يوم بدر وتخلص.
قام بمكة وحض على النفير، وقال: يال غالب ! أتاركون أنتم
محمدا والصباة (3) يأخذون عيركم ؟ من أراد مالا، فهذا مال،
ومن أراد قوة، فهذه قوة.
وكان سمحا جوادا مفوها.
وقد قام بمكة خطيبا عند وفاة رسول الله، صلى الله عليه
وسلم، بنحو من خطبة الصديق بالمدينة، فسكنهم وعظم الاسلام.
__________
(*) طبقات ابن سعد: 7 / 2 / 126، نسب قريش: 417 - 419،
طبقات خليفة: 26، 300، تاريخ خليفة: 82، 90، التاريخ
الكبير: 4 / 103 - 104، المعارف: 284، الجرح والتعديل: 4 /
245، مشاهير علماء الامصار: ت: 180، الاستيعاب: 4 / 287،
أسد الغابة: 2 / 480، تهذيب الاسماء واللغات: 1 / 239،
تاريخ الاسلام: 2 / 26، العقد الثمين: 4 / 624 - 630،
الاصابة: 4 / 287، كنز العمال: 13 / 430، شذرات الذهب: 1 /
30.
(1) تصحفت في المطبوع إلى " زيد ".
(2) قطعة من الحديث الطويل الذي أخرجه البخاري (2731)
(2732) في الشروط: باب الشروط في الجهاد.
قال معمر: فأخبرني أيوب عن عكرمة أنه لما جاء سهيل بن
عمرو، قال النبي صلى الله عليه وسلم " قد سهل لكم من أمركم
".
(3) الصباة: جمع صابئ.
وهو من يترك دينه لدين آخر.
وكان المشركون يسمون المسلمين الصباة، لانهم خرجوا من دين
الشرك إلى دين الاسلام وقد أبهمت هذه الكلمة على المنجد
فلم يتبينها وأثبت مكانها ثلاث نقط وعلق في الهامش: " كلمة
غير ظاهرة ولعلها وأصحابه ".
(*)
(1/194)
قال الزبير بن بكار: كان سهيل بعد كثير الصلاة والصوم
والصدقة، خرج بجماعته إلى الشام مجاهدا، ويقال: إنه صام
وتهجد حتى شحب لونه وتغير،
وكان كثير البكاء إذا سمع القرآن.
وكان أميرا على كردوس (1) يوم اليرموك.
قال المدائني وغيره: استشهد يوم اليرموك (2).
وقال الشافعي، والواقدي: مات في طاعون عمواس.
حدث عنه يزيد بن عميرة الزبيدي وغيره.
26 - البراء بن مالك *
ابن النضر بن ضمضم بن زيد بن حرام بن جندب بن عامر بن غنم
بن عدي بن النجار، الانصاري النجاري المدني.
البطل الكرار صاحب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وأخو
خادم النبي، صلى الله عليه وسلم، أنس بن مالك.
شهد أحدا، وبايع تحت الشجرة.
__________
(1) الكردوس: الطائفة العظيمة من الخيل والجيش.
والجمع كراديس.
(2) اليرموك: واد بناحية الشام في طرف الغور يصب فيه نهر
الاردن، وفيه حدثت المعركة العظيمة بين المسلمين والروم،
فكانت القاصمة لظهر قيصر الروم لانه لم تقم له قائمة
بعدها.
وكان الامير للجيش في هذه المعركة خالد بن الوليد رضي الله
عنه.
انظر " معجم البلدان " 5 / 434.
و " تاريخ خليفة ": 120 وما بعدها.
وانظر الطبري و " الكامل " في التاريخ أحداث عام (13)
للهجرة.
(*) طبقات ابن سعد: 7 / 1 / 9، تاريخ خليفة: 146، التاريخ
الكبير: 2 / 2 / 117، التاريخ الصغير: 1 / 55، تاريخ
الطبري: 3 / 209، الجرح والتعديل: 2 / 399، مشاهير علماء
الامصار: ت: 37، الاستبصار: 34 - 36، حلية الاولياء: 1 /
350، الاستيعاب: 1 / 284، أسد الغابة: 1 / 206، تاريخ
الاسلام: 2 / 34، مجمع الزوائد: 9 / 324، الاصابة: 1 /
235، كنز العمال: 13 / 294.
(*)
(1/195)
قيل: كتب عمر بن الخطاب إلى أمراء الجيش: لا تستعملوا
البراء على
جيش، فإنه مهلكة من المهالك يقدم بهم (1).
وبلغنا أن البراء يوم حرب مسيلمة الكذاب أمر أصحابه أن
يحتملوه على ترس، على أسنة رماحهم، ويلقوه في الحديقة.
فاقتحم إليهم، وشد عليهم، وقاتل حتى افتتح باب الحديقة.
فجرح يومئذ بضعة وثمانين جرحا، ولذلك أقام خالد بن الوليد
عليه شهرا يداوي جراحه (2).
وقد اشتهر أن البراء قتل في حروبه مئة نفس من الشجعان
مبارزة.
معمر عن أيوب، عن ابن سيرين، قال: قال الاشعري - يعني في
حصار تستر (3) - للبراء بن مالك: إن قد دللنا على سرب يخرج
إلى وسط المدينة، فانظر نفرا يدخلون معك فيه.
فقال البراء لمجزأة بن ثور: انظر رجلا من قومك طريفا جلدا.
فسمه لي.
قال: ولم ؟ قال: لحاجة.
قال: فإني أنا ذلك الرجل.
__________
(1) هو في " المستدرك " للحاكم 3 / 291، وابن سعد 7 / 1 /
10، و " أسد الغابة " 1 / 206، و " الاستيعاب " 1 / 285.
(2) أخرجه خليفة بن خياط في " تاريخه " 109 عن بكر بن
سليمان، عن ابن إسحاق.
وذكره الحافظ في " الاصابة " 1 / 236، وابن عبد البر في "
الاستيعاب " 1 / 287 من طريق بقي بن مخلد، عن خليفة، وقد
تحرف فيهما " ابن اسحاق " إلى " أبي اسحاق ".
و " بكر " في " الاصابة " إلى " أبي بكر ".
(3) هي أعظم مدينة بخوزستان.
فيها قبر البراء بن مالك.
كانت مشهورة بصناعة الثياب والعمائم.
وعند ما فتحت جعلها عمر بن الخطاب من أرض البصرة لقربها
منها.
وانظر خبر فتحها في الطبري 4 / 77 - 89، و " الكامل " في
التاريخ 2 / 546 وما بعدها، وابن كثير في " البداية " 7 /
85 وما بعدها.
و " تاريخ الاسلام " للذهبي 2 / 29، و " معجم البلدان " 1
/ 29 - 31، و " تاريخ خليفة " ص: (144).
(*)
(1/196)
قال: دللنا على سرب، وأردنا أن ندخله.
قال: فأنا معك.
فدخل مجزأة أول من دخل، فلما خرج من السرب، شدخوه بصخرة،
ثم خرج الناس من السرب، فخرج البراء، فقاتلهم في جوف
المدينة، وقتل، رضي الله عنه، وفتح الله عليهم (1).
سلامة، عن عمه عقيل، عن الزهري، عن أنس مرفوعا قال: " كم
من ضعيف متضعف ذي طمرين لو أقسم على الله لابره، منهم
البراء بن مالك " وإن البراء لقي المشركين وقد أوجع
المشركون في المسلمين، فقالوا له: يا براء ! إن رسول الله،
صلى الله عليه وسلم، قال: إنك لو أقسمت على الله لابرك،
فأقسم على ربك.
قال: أقسم عليك يا رب لما منحتنا أكتافهم.
وذكر الحديث (2).
عبد السلام بن مطهر: حدثنا أبو سهل البصري (3)، عن محمد بن
سيرين،
__________
(1) رجاله ثقات، لكنه منقطع.
ابن سيرين لم يسمع من البراء.
(2) أخرجه الحاكم 3 / 292 وصححه، ووافقه الذهبي.
وابن عبد البر في " الاستيعاب " 1 / 286.
وأخرجه الترمذي (3853) في المناقب: باب مناقب البراء بن
مالك.
من طريق جعفر بن سليمان، أخبرنا ثابت وعلي بن زيد، عن أنس
بن مالك قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: " كم من
أشعث أغبر ذي طمرين لا يؤبه له لو أقسم على الله لابره.
منهم البراء بن مالك " وقال: هذا حديث حسن صحيح من هذا
الوجه.
وهو كما قال.
والاشعث: البعيد العهد بالدهن والتسريح والغسل.
والطمر: الثوب الخلق.
لا يؤبه له: لا يعرف ولا يعلم به لقلة شأنه.
لابره: لصدقه وجعله بارا غير حانث.
(3) أبو سهل البصري: هو محمد بن عمرو الانصاري، الواقفي،
وهو ضعيف.
وقد تحرف في المطبوع إلى " النضري ".
(*)
(1/197)
عن أنس أنه دخل على أخيه البراء وهو يتغنى فقال: تتغنى ؟
قال: أتخشى علي أن أموت على فراشي وقد قتلت تسعة وتسعين
نفسا من المشركين مبارزة، سوى ما شاركت فيه المسلمين ؟
(1).
وفي رواية: يا أخي ! تتغنى بالشعر وقد أبدلك الله به
القرآن ؟ وقال حماد بن سلمة: زعم ثابت، عن أنس قال ! دخلت
على البراء وهو يتغنى، ويرنم قوسه، فقلت: إلى متى هذا ؟
قال: أتراني أموت على فراشي ؟ والله لقد قتلت بضعا وتسعين
(2).
ابن عون: عن محمد قال: بارز البراء مرزبان الزارة (3)
فطعنه، فصرعه، وأخذ سلبه (4).
استشهد يوم فتح تستر سنة عشرين.
__________
(1) إسناده ضعيف لضعف أبي سهل.
لكن الحاكم أخرجه 3 / 291 من طريق: عبد الله بن عوف، عن
ثمامة بن أنس، عن أنس، وصححه، ووافقه الذهبي.
وذكره الحافظ في " الاصابة " 1 / 236 عن البغوي وقال:
بإسناد صحيح.
وأخرجه أبو نعيم في " الحلية " 1 / 350 من طريق: عبد
الرزاق، عن معمر، عن أيوب، عن ابن سيرين، عن أنس بن مالك.
وانظر " الاستيعاب " 1 / 285.
(2) هو في " الطبقات " لابن سعد 7 / 1 / 10 وإسناده صحيح.
(3) لفظ المرة من الزار.
وعين الزارة بالبحرين معروفة.
والزارة قرية كبيرة بها.
ومنها مرزبان الزارة وله ذكر في الفتوح.
وقد فتحت الزارة سنة (12) للهجرة في أيام أبي بكر الصديق
رضي الله عنه، وصولحوا.
انظر " معجم البلدان " 3 / 126، والطبري، و " الكامل "، و
" البداية " في أحداث سنة اثنتي عشرة للهجرة.
(4) انظر " أسد الغابة " 1 / 206.
(*)
(1/198)
27 - نوفل * ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم،
الحارث بن عبد المطلب الهاشمي، أبو الحارث أخو أبي (1)
سفيان بن الحارث كان نوفل أسن من عمه العباس.
حضر بدرا مع المشركين، فأسر، ففداه عمه العباس، ثم أسلم،
وهاجر عام الخندق.
وقيل: آخى النبي، صلى الله عليه وسلم، بينه وبين العباس،
وقد كانا شريكين في الجاهلية متصافيين.
شهد نوفل بيعة الرضوان، وأعان رسول الله، صلى الله عليه
وسلم، يوم حنين بثلاثة آلاف رمح، وثبت معه يومئذ، وما علمت
له رواية ولا ذكرا بأكثر مما أوردت.
قيل: مات سنة عشرين، وقيل مات سنة خمس عشرة.
وكان أسن بني هاشم في زمانه.
28 - وابنه الحارث بن نوفل
* *
أسلم مع أبيه.
وولي مكة لعمر وعثمان.
وقد استعمله النبي، صلى الله عليه وسلم، على بعض العمل،
وقيل: إنه نزل البصرة، وبنى بها دارا.
مات في خلافة عثمان عن نحو من سبعين سنة.
__________
(*) طبقات خليفة: 6، تاريخ خليفة: 134، الجرح والتعديل: 8
/ 487، مشاهير علماء الامصار: ت: 166، الاستيعاب: 10 /
335، أسد الغابة: 5 / 369 - 370، تهذيب الاسماء واللغات: 2
/ 134، العقد الثمين: 7 / 351 - 353، الاصابة: 10 / 194.
(1) سقطت لفظة " أبي " من المطبوع.
(* *) طبقات ابن سعد: 3 / 1 / 295، الجرح والتعديل: 5 /
67، الاستيعاب: 6 / 236، أسد الغابة: 3 / 271، تاريخ
الاسلام: 2 / 26، الاصابة: 7 / 304.
(*)
(1/199)
29 - وابنه عبد الله بن الحارث
* (ع)
ابن نوفل الهاشمي.
ولقبه ببة.
ولد في حياة النبي، صلى الله عليه وسلم.
اجتمع أهل البصرة عند موت يزيد على تأميره عليهم.
قال الزبير بن بكار: هو ابن أخت معاوية بن أبي سفيان،
واسمها هند.
هي كانت تنقزه وتقول: يا ببة يا ببه * لانكحن ببه جارية
خدبه * تسود أهل الكعبه (1) اصطلح أهل البصرة، فأمروه عند
هروب عبيدالله بن زياد، وكتبوا إلى ابن الزبير بالبيعة له،
قال: فأقره عليهم.
حدث عن عمر، وعثمان، وأبي بن كعب، وعلي، والعباس، وكعب
الاحبار، وطائفة، وأرسل حديثا.
شهد الجابية مع عمر.
حدث عنه ابناه إسحاق، و عبد الله، وأبو التياح يزيد بن
حميد، وابن
__________
(*) طبقات ابن سعد: 4 / 1 / 33، نسب قريش: 30 - 31، 86،
طبقات خليفة: 191، 202، 231، 239، تاريخ خليفة: 258، 259،
التاريخ الكبير: 5 / 63، الجرح والتعديل: 5 / 30 - 31،
مشاهير علماء الامصار: ت: 480، الاستيعاب: 6 / 143، أسد
الغابة: 3 / 206، تهذيب الكمال: 673، تاريخ الاسلام: 3 /
263، العبر: 1 / 98، العقد الثمين: 5 / 128 - 129، تهذيب
التهذيب: 5 / 180، الاصابة: 7 / 201، خلاصة تذهيب الكمال:
194، شذرات الذهب: 1 / 94 - 95.
(1) الرجز في " اللسان " 1 / 221، و " الاستيعاب " 3 / 207
وفيهما " تجب " بدل " تسود " وفي حاشية " الكامل " للمبرد
(1042)، وفي " الاشتقاق " لابن دريد ص: (70) والرواية عنده
" تجب " وفسرها بأنها تغلب نساء قريش بجمالها.
وأما رواية " تاريخ بغداد " 1 / 212: لانكحن ببة جارية
خدبة * مكرمة محبة تحب أهل الكعبة ورواية الكامل 4 / 137:
لانكحن ببة * جارية في قبة تمشط رأس لعبة.
(*)
(1/200)
شهاب، و عبد الملك بن عمير، ومولاه يزيد بن أبي زياد، وأبو
إسحاق السبيعي، وعمر بن عبد العزيز، وآخرون.
قال ابن سعد: هو ثقة تابعي، أتت به أمه إلى النبي، صلى
الله عليه وسلم، إذ دخل عليها فتفل في فيه، ودعا له (1).
قال: وخرج هاربا من البصرة إلى عمان خوفا من الحجاج عند
فتنة عبد الرحمن بن محمد بن الاشعث (2)، فمات بعمان في سنة
أربع وثمانين.
وقال أبو عبيد: مات سنة ثلاث وثمانين.
قلت: كان من أبناء الثمانين، وحديثه في الكتب الستة، وكان
كثير الحديث، يحدث أيضا عن صفوان بن أمية، وأم هانئ بنت
أبي طالب، وحكيم بن حزام.
30 - وابنه عبد الله بن عبد
الله بن الحارث * (خ، م) ابن نوفل، أبويحيى (3)
الهاشمي، أخو إسحاق ومحمد.
حدث عن أبيه، وابن عباس، و عبد الله بن خباب بن الارت، و
عبد الله ابن شداد.
__________
(1) ابن سعد 4 / 1 / 39 بغير سند، في ترجمة الحارث بن
نوفل.
وهو في تاريخ بغداد 1 / 211 بدون سند أيضا.
(2) وذلك عند ما خلع ابن الاشعث الحجاج واجتمع له الناس
والقراء في البصرة والكوفة، وكان اللقاء الاليم، وموقعة
دير الجماجم، وقتل القراء وبقية الصحابة.
انظر " الكامل " في التاريخ 4 / 461 - 493، والطبري، و "
البداية " لابن كثير في أحداث عام 82، 83، ففيها تفصيل وأي
تفصيل (*) طبقات ابن سعد: 5 / 1 / 233، نسب قريش: 86،
التاريخ الكبير: 5 / 126، تاريخ
الاسلام: 4 / 18، تهذيب التهذيب: 5 / 284.
(3) تحرفت في المطبوع إلى " إسحاق ".
(*)
(1/201)
حدث عنه أخوه عون، والزهري، وعاصم بن عبيدالله، و عبد
الحميد الخطابي.
وكان من صحابة سليمان الخليفة.
قال ابن سعد: ثقة، قليل الحديث، قتلته السموم بالابواء (1)
في سنة سبع وتسعين، وهو مع الخليفة سليمان، فصلى عليه.
31 - سعيد بن الحارث * ابن عبد
المطلب.
ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم.
له حديث واحد فيمن لقي الله مؤمنا دخل الجنة (2).
رواه عنه سلمان الاغر، لكن في إسناده ابن لهيعة.
ذكره الحاكم في الصحابة من " صحيحه " وما رأيت من ذكره
غيره.
32 - أبو سفيان بن الحارث * *
هو ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم المغيرة بن
الحارث بن عبد المطلب بن هاشم الهاشمي.
أخو نوفل وربيعة.
__________
(1) الابواء: قرية من أعمال الفرع من المدينة، بينها وبين
الجحفة مما يلي المدينة ثلاثة وعشرون ميلا، وبها قبر آمنة
بنت وهب أم النبي صلى الله عليه وسلم.
والسموم: الريح الحارة.
وقيل: هي الباردة ليلا كان أو نهارا.
وتكون اسما وصفة.
والجمع: سمائم.
(*) تاريخ خليفة: 131، الاصابة: 4 / 184.
(2) أخرجه الحاكم 3 / 247، وذكره الحافظ ابن حجر في "
الاصابة " 4 / 184 - 185 وقال: قلت: في الاسناد ابن لهيعة
وهو ضعيف، ولم أر لسعيد هذا ذكرا في كتب الانساب، وذكره
الدار قطني في كتاب " الاخوة " وذكر له هذا الحديث.
(* *) طبقات ابن سعد: 4 / 1 / 34، طبقات خليفة: 6،
الاستيعاب: 11 / 287، ابن عساكر، باريس: 162 / ب، أسد
الغابة: 6 / 144، العبر 1 / 24، مجمع الزوائد، 9 / 274،
العقد الثمين: 7 / 253، الاصابة: 11 / 169.
(*)
(1/202)
تلقى النبي، صلى الله عليه وسلم، في الطريق قبل أن يدخل
مكة مسلما، فانزعج النبي، صلى الله عليه وسلم، وأعرض عنه،
لانه بدت منه أمور في أذية النبي، صلى الله عليه وسلم،
فتذلل للنبي، صلى الله عليه وسلم، حتى رق له.
ثم حسن إسلامه، ولزم، هو، والعباس رسول الله يوم حنين إذ
فر الناس، وأخذ بلجام البغلة، وثبت معه.
وقد روى عنه ولده عبد الملك أن النبي، صلى الله عليه وسلم،
قال: " يا بني هاشم ! إياكم والصدقة " (1).
وكان أخا النبي، صلى الله عليه وسلم، من الرضاعة، أرضعتهما
حليمة.
سماه هشام بن الكلبي، والزبير: مغيرة.
وقال طائفة: اسمه كنيته، وإنما المغيرة أخوهم.
وقيل: كان الذين يشبهون بالنبي، صلى الله عليه وسلم، جعفر،
والحسن بن علي، وقثم ابن العباس، وأبو سفيان بن الحارث.
وكان أبو سفيان من الشعراء، وفيه يقول حسان: ألا أبلغ أبا
سفيان عني * مغلغلة، فقد برح الخفاء هجوت محمدا فأجبت عنه
* وعند الله في ذاك الجزاء (2) ابن إسحاق: عن عاصم بن عمر،
عمن حدثه قال: تراجع الناس يوم
__________
(1) لم نقف عليه.
(2) البيتان من قصيدة طويلة لحسان بن ثابت، قالها يوم فتح
مكة، مطلعها: عفت ذات الاصابع فالجواء * إلى عذراء منزلها
خلاء
وهي في ديوانه 11 - 14 دار إحياء التراث العربي.
وذكرها ابن هشام في " السيرة " 2 / 421 - 424.
(*)
(1/203)
حنين.
ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم أحب أبا سفيان هذا، وشهد
له بالجنة، وقال: أرجو أن يكون خلفا من حمزة (1).
قيل: إن أبا سفيان حج، فحلقه الحلاق، فقطع ثؤلولا في رأسه،
فمرض منه ومات بعد قدومه بالمدينة، وصلى عليه عمر.
ويقال: مات بعد أخيه نوفل ابن الحارث بأربعة أشهر (2).
قال أبو إسحاق السبيعي: لما احتضر أبو سفيان بن الحارث بن
عبد المطلب قال: لا تبكوا علي، فإني لم أتنطف (3) بخطيئة
منذ أسلمت (4).
قال ابن إسحاق: ولابي سفيان يرثي النبي، صلى الله عليه
وسلم: أرقت فبات ليلي لا يزول * وليل أخي المصيبة فيه طول
وأسعدني البكاء وذاك فيما * أصيب المسلمون به قليل فقد
عظمت مصيبتنا وجلت * عشية قيل قد قبض الرسول فقدنا الوحي
والتنزيل فينا * يروح به ويغدو جبرئيل وذاك أحق ما سالت
عليه * نفوس الخلق أو كادت تسيل نبي كان يجلو الشك عنا *
بما يوحى إليه وما يقول ويهدينا فلا نخشى ضلالا * علينا،
والرسول لنا دليل فلم نر مثله في الناس حيا * وليس له من
الموتى عديل
__________
(1) أخرجه ابن سعد 4 / 1 / 36، وابن عبد البر في "
الاستيعاب " 11 / 291.
(2) سيأتي تخريجه في آخر الترجمة.
(3) أي لم أتلطخ بها.
وقد تحرفت في المطبوع إلى " أشطف ".
(4) أخرجه ابن سعد 4 / 1 / 37، و " الاستيعاب " 11 / 291 -
292.
(*)
(1/204)
أفاطم إن جزعت فذاك عذر * وإن لم تجزعي فهو السبيل فعودي
بالعزاء فإن فيه * ثواب الله والفضل الجزيل وقولي في أبيك
ولا تملي * وهل يجزي بفضل أبيك قيل فقبر أبيك سيد كل قبر *
وفيه سيد الناس الرسول (1) وقد انقرض نسل أبي سفيان.
قاله ابن سعد.
حماد بن سلمة: عن علي بن زيد، عن سعيد بن المسيب أن أبا
سفيان بن الحارث كان يصلي في الصيف نصف النهار حتى تكره
الصلاة، ثم يصلي من الظهر إلى العصر (2).
حماد بن سلمة: عن هشام بن عروة، عن أبيه قال رسول الله،
صلى الله عليه وسلم: " أبو سفيان بن الحارث سيد فتيان أهل
الجنة " فحج، فحلقه الحلاق، وفي رأسه ثولول فقطعه فمات.
فيرونه شهيدا (3).
ويقال مات سنة عشرين بالمدينة.
33 - ولجعفر بن أبي سفيان *
صحبة، وثبت معه هو وأبوه يوم حنين.
وعاش إلى وسط خلافة معاوية.
قاله ابن سعد.
__________
(1) الابيات في " الاستيعاب " 11 / 292 - 293 وعددها هناك
عشرة.
(2) ابن سعد 4 / 1 / 36.
(3) رجاله ثقات، لكنه مرسل كما قال الحافظ في " الاصابة "
11 / 196، وأخرجه الحاكم 3 / 255 وسكت عنه وكذلك الذهبي.
وفيه " فيرون أنه شهيد " وابن سعد في " طبقاته " 4 / 1 /
36 - 37.
(*) طبقات ابن سعد: 4 / 1 / 38، الجرح والتعديل: 2 / 480،
الاستيعاب: 2 / 156، أسد الغابة: 1 / 341، العقد الثمين: 3
/ 423، الاصابة: 2 / 85.
(*)
(1/205)
34 - جعفر بن أبي طالب
* السيد الشهيد، الكبير الشأن، علم المجاهدين، أبو عبد
الله، ابن عم رسول الله، صلى الله عليه وسلم، عبد مناف بن
عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن (1) قصي الهاشمي، أخو
علي بن أبي طالب، وهو أسن من علي بعشر سنين.
هاجر الهجرتين، وهاجر من الحبشة إلى المدينة، فوافى
المسلمين وهم على خيبر إثر أخذها، فأقام بالمدينة أشهرا،
ثم أمره رسول الله، صلى الله عليه وسلم، على جيش غزوة مؤتة
بناحية الكرك، فاستشهد وقد سر رسول الله، صلى الله عليه
وسلم، كثيرا بقدومه، وحزن والله لوفاته.
روى شيئا يسيرا.
وروى عنه ابن مسعود، وعمرو بن العاص، وأم سلمة، وابنه عبد
الله.
حديج بن معاوية: عن أبي إسحاق، عن عبد الله بن عتبة، عن
ابن مسعود قال: بعثنا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، إلى
النجاشي ثمانين رجلا: أنا، وجعفر، وأبو موسى، و عبد الله
بن عرفطة، وعثمان بن مظعون.
وبعثت قريش عمرو بن العاص، وعمارة بن الوليد بهدية.
فقدما على النجاشي، فلما دخلا، سجدا
__________
(1) سقطت لفظة " بن " في المطبوع.
(*) مسند أحمد: 1 / 201 و 5 / 290، طبقات ابن سعد: 4 / 1 /
22، نسب قريش: 80 - 82، طبقات خليفة: 4، تاريخ خليفة: 86،
87، التاريخ الكبير: 2 / 185، التاريخ الصغير: 1 / 22،
الجرح والتعديل: 2 / 482، حلية الاولياء: 1 / 114 - 118،
الاستيعاب: 2 / 149، أسد الغابة: 1 / 341، تهذيب الاسماء
واللغات: 1 / 148 - 149، تهذيب الكمال: 199، العبر: 1 / 9،
مجمع
الزوائد: 9 / 271 - 273، العقد الثمين: 3 / 424 - 425،
تهذيب التهذيب: 2 / 98، الاصابة: 2 / 85، خلاصة تذهيب
الكمال: 63، شذرات الذهب: 1 / 12، 48.
(*)
(1/206)
له، وابتدراه، فقعد واحد عن يمينه، والآخر عن شماله،
فقالا: إن نفرا من قومنا نزلوا بأرضك، فرغبوا عن ملتنا.
قال: وأين هم، قالوا: بأرضك فأرسل في طلبهم، فقال جعفر:
أنا خطيبكم، فاتبعوه.
فدخل فسلم، فقالوا: ما لك لا تسجد للملك ؟ قال: إنا لا
نسجد إلا لله.
قالوا: ولم ذاك ؟ قال: إن الله أرسل فينا رسولا، وأمرنا أن
لا نسجد إلا لله، وأمرنا بالصلاة والزكاة.
فقال عمرو: إنهم يخالفونك (1) في ابن مريم وأمه.
قال: ما تقولون في ابن مريم وأمه ؟ قال جعفر: نقول كما قال
الله: روح الله، وكلمته ألقاها إلى العذراء البتول التي لم
يمسها بشر.
قال: فرفع النجاشي عودا من الارض وقال: يا معشر الحبشة
والقسيسين والرهبان ! ما تريدون، ما يسوؤني هذا ! أشهد أنه
رسول الله، وأنه الذي بشر به عيسى في الانجيل، والله لولا
ما أنا فيه من الملك، لاتيته، فأكون أنا الذي أحمل نعليه
وأوضئه.
وقال: انزلوا حيث شئتم، وأمر بهدية الآخرين فردت عليهما.
قال: وتعجل ابن مسعود، فشهد بدرا (2).
وروى نحوا منه مجالد، عن الشعبي، عن عبد الله بن جعفر، عن
أبيه (3).
وروى نحوه ابن عون، عن عمير بن إسحاق، عن عمرو بن العاص.
محمد بن إسحاق: عن الزهري، عن أبي بكر بن عبد الرحمن، عن
أم
__________
(1) في المطبوع " يخالفونكم ".
(2) إسناده قوي وأخرجه أحمد 1 / 461.
(3) هذه الرواية أخرجها ابن عساكر، عن أبي القاسم
السمرقندي، عن أبي الحسين بن النقور،
عن أبي طاهر المخلص، عن أبي القاسم بن البغوي قال: حدثنا
أبو عبد الرحمن الجعفي، عن عبد الله بن عمر بن أبان، حدثنا
أسد بن عمرو البجلي، عن مجالد بن سعيد، عن الشعبي، عن عبد
الله بن جعفر، عن أبيه، قال:..، ثم قال: حسن غريب.
(*)
(1/207)
سلمة قالت: لما ضاقت علينا مكة وأوذي أصحاب رسول الله صلى
الله عليه وسلم، وفتنوا، ورأوا ما يصيبهم من البلاء، وأن
رسول الله لا يستطيع دفع ذلك عنهم، وكان هو في منعة من
قومه وعمه، لا يصل إليه شئ مما يكره مما ينال أصحابه.
فقال لهم رسول الله، صلى الله عليه وسلم،: " إن بأرض
الحبشة ملكا لا يظلم أحد عنده، فالحقوا ببلاده حتى يجعل
الله لكم فرجا ومخرجا " فخرجنا إليه أرسالا، حتى اجتمعنا
فنزلنا بخير دار إلى خير جار أمنا على ديننا (1).
قال الشعبي: تزوج علي أسماء بنت عميس، فتفاخر ابناها محمد
بن جعفر ومحمد بن أبي بكر.
فقال كل منهما: أبي خير من أبيك.
فقال علي: يا أسماء ! اقضي بينهما.
فقالت: ما رأيت شابا كان خيرا من جعفر، ولا كهلا خيرا من
أبي بكر.
فقال علي: ما تركت لنا شيئا، ولو قلت غير هذا لمقتك.
فقالت: والله إن ثلاثة أنت أخسهم لخيار.
مجالد: عن الشعبي، عن عبد الله بن جعفر قال: ما سألت عليا
شيئا بحق جعفر إلا أعطانيه.
ابن مهدي، حدثنا الاسود بن شيبان، عن خالد بن شمير قال:
قدم علينا عبد الله بن رباح، فاجتمع إليه ناس، فقال: حدثنا
أبو قتادة قال: بعث رسول الله، صلى الله عليه وسلم، جيش
الامراء، وقال: " عليكم زيد، فإن أصيب، فجعفر، فإن أصيب
جعفر، فابن رواحة " فوثب جعفر، وقال: بأبي أنت وأمي ! ما
كنت أرهب أن
__________
(1) أخرجه ابن هشام 1 / 334 مطولا، وأبو نعيم في " الحلية
" 1 / 115، وسنده صحيح، لان ابن
إسحاق صرح بالتحديث عند أحمد 1 / 201، و 5 / 290 - 292
فانتفت شبهة تدليسه، وذكره الهيثمي في " المجمع " 6 / 24 -
27 وقال: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح، غير ابن إسحاق وقد
صرح بالسماع.
(*)
(1/208)
تستعمل زيدا علي.
قال: امضوا، فإنك لا تدري أي ذلك خير، فانطلق الجيش،
فلبثوا ما شاء الله.
ثم إن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، صعد المنبر، وأمر أن
ينادى: الصلاة جامعة.
قال، صلى الله عليه وسلم: " ألا أخبركم عن جيشكم، إنهم
لقوا العدو، فأصيب زيدا شهيدا، فاستغفروا له، ثم أخذ
اللواء جعفر، فشد على الناس حتى قتل، ثم أخذه ابن رواحة،
فأثبت قدميه حتى أصيب شهيدا، ثم أخذ اللواء خالد، ولم يكن
من الامراء، هو أمر نفسه، فرفع رسول الله صلى الله عليه
وسلم أصبعيه وقال: " اللهم (1) هو سيف من سيوفك فانصره " -
فيومئذ سمي سيف الله -.
ثم قال: " انفروا فامددوا إخوانكم، ولا يتخلفن أحد ".
فنفر الناس في حر شديد (2).
ابن إسحاق: حدثنا يحيى بن عباد، عن أبيه قال: حدثني أبي
الذي أرضعني، وكان من بني مرة [ بن عوف ] قال: لكأني أنظر
إلى جعفر يوم مؤتة حين اقتحم عن فرس له شقراء فعقرها ثم
قاتل (3)، حتى قتل (4).
قال ابن إسحاق: وهو أول من عقر في الاسلام وقال:
__________
(1) سقط من المطبوع لفظ " اللهم ".
(2) إسناده صحيح، وأخرجه أحمد 5 / 299، 300 - 301.
(3) سقط من المطبوع " ثم قاتل ".
(4) رجاله ثقات، وإسناده قوي، وأخرجه أبو داود (2573) في
الجهاد: باب في الدابة تعرقب في الحرب.
وذكره الحافظ في " الفتح " 7 / 511: وعزاه إلى أحمد
والنسائي، وصححه ابن حبان، ونسبه ابن كثير في " سيرته " 3
/ 465 - 466 إلى البيهقي والنسائي.
وأخرجه ابن سعد 4 / 1 / 25.
وانظر " سيرة ابن هشام " 2 / 378 و " الحلية " لابي نعيم 1
/ 118، و " شرح المواهب اللدنية " 2 / 271 - 272 و " أسد
الغابة " 3 / 343، و " الاصابة " 2 / 86.
(*)
(1/209)
يا حبذا الجنة واقترابها * طيبة وبارد شرابها والروم روم
قد دنا عذابها * علي إن لا قيتها ضرابها الواقدي: حدثنا
عبد الله بن محمد بن عمر بن علي، عن أبيه قال: ضربه رومي
فقطعه بنصفين.
فوجد في نصفه بضعة وثلاثون جرحا.
أبو أويس (1): عن عبد الله، عن نافع، عن ابن عمر قال:
فقدنا جعفرا يوم مؤتة، فوجدنا بين طعنة ورمية بضعا وتسعين،
وجدنا ذلك فيما أقبل من جسده (2).
أسامة بن زيد الليثي، عن نافع، أن ابن عمر قال: جمعت جعفرا
على صدري يوم مؤتة، فوجدت في مقدم جسده بضعا وأربعين من
بين ضربة وطعنة (3).
__________
(1) هو عبد الله بن عبد الله بن أويس بن مالك بن أبي عامر
الاصبحي المدني، ابن عم الامام مالك، وصهره على أخته.
أخرج حديثه مسلم وأصحاب السنن.
قال الحافظ في التقريب: صدوق يهم.
(2) أخرجه أبو نعيم في " الحلية " 1 / 117 - 118، وأخرجه
البخاري (4261) في المغازي: باب غزوة مؤتة من أرض الشام،
من طريق مغيرة بن عبد الرحمن، عن عبد الله بن سعيد، عن
نافع، عن ابن عمر، رضي الله عنهما، قال: أمر رسول الله،
صلى الله عليه وسلم، في غزوة مؤتة زيد بن حارثة، فقال رسول
الله، صلى الله عليه وسلم: " إن قتل زيد فجعفر، وان قتل
جعفر فعبد الله بن رواحة.
قال عبد الله: كنت فيهم في تلك الغزوة، فالتمسنا جعفر بن
أبي طالب فوجدناه في القتلى، ووجدنا ما في جسده بضعا
وتسعين من طعنة ورمية " ومن هذا الطريق أخرجه أبو نعيم في
" الحلية " 1 / 117، والحاكم 3 / 212 وسكت عنه وكذلك
الذهبي، وابن سعد 4 / 1 / 26.
(3) إسناده حسن.
وأخرجه البخاري (4260) في المغازي: باب غزوة مؤتة من طريق
ابن وهب، عن عمرو، عن ابن أبي هلال قال: وأخبرني نافع أن
ابن عمر أخبره أنه وقف على جعفر يومئذ وهو قتيل.
فعددت به خمسين بين طعنة وضربة ليس منها شئ في دبره - يعني
ظهره ".
(*)
(1/210)
أبو أحمد الزبيري، عن عمرو بن ثابت، عن أبيه: سأل رسول
الله، صلى الله عليه وسلم، عن جعفر، فقال رجل: رأيته حين
طعنه رجل، فمشى إليه في الرمح، فضربه، فماتا جميعا (1).
سعدان بن الوليد: عن عطاء، عن ابن عباس: بينما رسول الله،
صلى الله عليه وسلم، جالس وأسماء بنت عميس قريبة إذ قال: "
يا أسماء ! هذا جعفر مع جبريل وميكائيل مر، فأخبرني أنه
لقي المشركين يوم كذا وكذا فسلم، فردي عليه السلام، وقال:
إنه لقي المشركين، فأصابه في مقاديمه ثلاث وسبعون، فأخذ
اللواء بيده اليمنى فقطعت، ثم أخذ باليسرى فقطعت.
قال: فعوضني الله من يدي جناحين أطير بهما مع جبريل
وميكائيل في الجنة آكل من ثمارها (2).
وعن أسماء قالت: دخل علي رسول الله، صلى الله عليه وسلم،
فدعا بني جعفر، فرأيته شمهم، وذرفت عيناه.
فقلت: يا رسول الله ! أبلغك عن جعفر شئ ؟ قال: " نعم، قتل
اليوم " فقمنا نبكي، ورجع، فقال: " اصنعوا لآل جعفر طعاما،
فقد شغلوا عن أنفسهم " (3).
__________
(1) رجاله ثقات لكنه منقطع.
والد عمرو بن ثابت من الطبقة السادسة.
(2) أخرجه الحاكم 3 / 210 - 211، وسكت عنه وكذلك الذهبي.
وفيه زيادة ليست هنا.
وذكره الهيثمي في " المجمع " 9 / 272 - 273 ونسبه إلى
الطبراني وقال: وفيه سعدان بن الوليد لم أعرفه،
وبقية رجاله ثقات.
(3) أخرجه أحمد 6 / 270، وابن ماجه (1611) في الجنائز: باب
ما جاء في الطعام يبعث لاهل الميت.
وأخرجه الشافعي في " مسنده " 1 / 208، وفي " الام " 1 /
274، والدار قطني ص: (190، 197)، والبيهقي 4 / 61، وأبو
داود (3132) في الجنائز: باب صنع الطعام لاهل الميت،
والترمذي (998) في الجنائز: باب في الطعام يصنع لاهل
الميت، وابن ماجه (1610) في الجنائز: باب ما جاء في الطعام
يبعث إلى أهل الميت.
وكلهم من طريق: سفيان بن عيينة، عن جعفر بن خالد، عن أبيه،
عن عبد الله بن جعفر...، وصححه الحاكم 1 / 372 ووافقه
الذهبي، وهو كما قالا.
(*)
(1/211)
وعن عائشة قالت: لما جاءت وفاة جعفر، عرفنا في وجه النبي،
صلى الله عليه وسلم، الحزن (1).
أبو شيبة العبسي: حدثنا الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس، قال
رسول الله، صلى الله عليه وسلم: " رأيت جعفر بن أبي طالب
ملكا في الجنة، مضرجه قوادمه بالدماء، يطير في الجنة "
(2).
عبد الله بن جعفر المديني: عن العلاء، عن أبيه، عن أبي
هريرة مرفوعا: " رأيت جعفرا له جناحان في الجنة " (3).
وجإء نحوه عن ابن عباس والبراء عن النبي صلى الله عليه
وسلم.
ويقال عاش بضعا وثلاثين سنة.
رضي الله عنه.
__________
(1) أخرجه الحاكم 3 / 209، وصححه، ووافقه الذهبي، وانظر "
أسد الغابة "، 1 / 393.
(2) أخرجه الحاكم 3 / 209 من طريق زمعة بن صالح، عن سلمة
بن وهرام عن عكرمة، عن ابن عباس وصححه، وكذلك هو في "
الاستيعاب " 2 / 154 وقال الحافظ في " الفتح " 7 / 76:
وأخرج
الحاكم أيضا والطبراني عن ابن عباس وذكر الحديث، وقال: ومن
طريق أخرى عنه وإسناده جيد.
وانظر ما بعده مباشرة.
(3) إسناده ضعيف لضعف عبد الله بن جعفر المديني.
وأخرجه الترمذي (3767) في المناقب: باب مناقب جعفر،
والحاكم 3 / 209 وبعبد الله هذا أعله كل من الترمذي
والذهبي.
لكنه يتقوى بما قبله، وبما أخرجه الحاكم 3 / 213 بإسناد
صحيح على شرط مسلم كما قال الحافظ في " الفتح " 7 / 76 عن
أبي هريرة قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم، مربي
جعفر الليلة في ملا من الملائكة، وهو مخضب الجناحين بالدم
أبيض الفؤاد.
وفي البخاري (3709) من طريق الشعبي أن ابن عمر، رضي الله
عنه، كان إذا سلم على ابن جعفر، قال: السلام عليك يا ابن
ذي الجناحين.
(*)
(1/212)
عبد الله بن نمير: عن الاجلح، عن الشعبي قال: لما رجع رسول
الله، صلى الله عليه وسلم، من خيبر، تلقاه جعفر، فالتزمه
رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وقبل بين عينيه، وقال: "
ما أدري بأيهما أنا أفرح: بقدوم جعفر، أم بفتح خيبر " (1).
وفي رواية محمد بن ربيعة، عن أجلح: فقبل ما بين عينيه،
وضمه واعتنقه.
قال ابن إسحاق: آخى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بين
جعفر بن أبي طالب، ومعاذ ابن جبل.
فأنكر هذا الواقدي وقال: إنما كانت المؤاخاة قبل بدر،
فنزلت آية الميراث، وانقطعت المؤاخاة، وجعفر يومئذ
بالحبشة.
حفص بن غياث: عن جعفر بن محمد، عن أبيه أن ابنة حمزة لتطوف
بين الرجال إذ أخذ علي بيدها فألقاها إلى فاطمة في هودجها،
فاختصم فيها هو وجعفر، وزيد، فقال علي: ابنة عمي وأنا
أخرجتها.
وقال جعفر: ابنة عمي وخالتها تحتي.
فقضى بها لجعفر، وقال: الخالة والدة.
فقام جعفر، فحجل حول النبي، صلى الله عليه وسلم، دار عليه،
فقال: ما هذا ؟ قال: شئ رأيت الحبشة
يصنعونه بملوكهم (2).
__________
(1) أخرجه ابن سعد 4 / 1 / 23، وانظر " أسد الغابة " 1 /
342، و " الاصابة " 2 / 86.
وأخرجه الحاكم 3 / 211 وقال: إنما ظهر بمثل هذا الاسناد
الصحيح مرسلا.
وقال الذهبي: وهو الصواب.
(2) أخرجه ابن سعد 4 / 1 / 24، وإسناده ضعيف لانقطاعه،
وأخرجه أحمد 1 / 108 من طريق: أسود بن عامر، عن إسرائيل،
عن أبي إسحاق، عن هانئ بن هانئ، عن علي، وهانئ بن هانئ
مستور لم يرو عنه إلا أبو إسحاق.
وأما خبر اختصام علي وزيد وجعفر في ابنة حمزة.
فقد أخرجه البخاري (2699) في الصلح: باب كيف يكتب، و
(4251) في المغازي: باب عمرة القضاء.
وفيه أنه قضي بها النبئ صلى الله عليه وسلم، لخالتها وهي
زوجة جعفر، وقال: الخالة بمنزلة الام.
والحجل: أن يرفع رجلا ويقفز على رجل واحدة من شدة الفرح
ويكون بالاثنتين قفزا لا مشيا، كما وأخرجه أحمد 1 / 99،
115، 230، وأبو داود (2278، 2279)، والترمذي (1905).
(*)
(1/213)
أمها سلمى بنت عميس، وخالتها أسماء.
ابن إسحاق: عن ابن قسيط (1)، عن محمد بن أسامة بن زيد، عن
أبيه: سمع النبي، يقول لجعفر: " أشبه خلقك خلقي وأشبه خلقك
خلقي، فأنت مني ومن شجرتي " (2).
إسرائيل: عن أبي إسحاق، عن البراء، وعن هبيرة بن مريم
وهانئ بن هانئ، عن علي قالا (3): إن رسول الله، صلى الله
عليه وسلم، قال لجعفر: " أشبهت خلقي وخلقي " (4).
__________
(1) هو يزيد بن عبد الله بن قسيط المدني.
ثقة، أخرج له الجماعة، وقد تحرفت لفظة " قسيط " في المطبوع
إلى " بسيط ".
(2) رجاله ثقات.
وأخرجه أحمد 5 / 204 من طريق محمد بن إسحاق، عن يزيد بن
عبد الله بن
قسيط، عن محمد بن أسامة، عن أبيه قال: اجتمع جعفر وعلي
وزيد بن حارثة.
فقال جعفر: أنا أحبكم إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم،
وقال علي: أنا أحبكم إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم،
وقال زيد: أنا أحبكم إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم،
فقالوا: انطلقوا بنا إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم،
حتى نسأله، فقال أسامة بن زيد: فجاؤوا يستأذنونه، فقال:
اخرج فانظر من هؤلاء.
فقلت: هذا جعفر وعلي وزيد.
ما أقول أبي.
قال: ائذن لهم.
ودخلوا فقالوا: من أحب إليك ؟ قال: فاطمة.
قالوا: نسألك عن الرجال.
قال: أما أنت يا جعفر فأشبه خلقك خلقي وأشبه خلقي خلقك
وأنت مني وشجرتي.
وأما أنت يا علي فختني وأبو ولدي وأنا منك وأنت مني.
وأما أنت يا زيد فمولاي ومني وإلي وأحب القوم إلي "، وابن
سعد 4 / 1 / 24: (3) تصحفت في المطبوع إلى " قال ".
(4) حديث البراء أخرجه البخاري (2698) في الصلح: باب كيف
يكون...و (4251) في المغازي: باب عمرة القضاء، والترمذي
(3769) في المناقب: باب مناقب جعفر.
وحديث علي أخرجه أحمد 1 / 98، 115، وأبو داود (2280) في
الطلاق: باب من أحق بالولد، وأخرجه أحمد 1 / 108 من طريق
إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن هانئ بن هانئ، عن علي.
(*)
(1/214)
حماد بن سلمة عن ثابت (ح) وعوف عن محمد أن النبي صلى الله
عليه وسلم قال ذلك لجعفر (1).
قال الشعبي: كان ابن عمر إذا سلم على عبد الله بن جعفر
قال: السلام عليك يا ابن ذي الجناحين (2).
ابن إسحاق: عن الزهري، عن أبي بكر بن عبد الرحمن، عن أم
سلمة في شأن هجرتهم إلى بلاد النجاشي وقد مر بعض ذلك قالت:
فلما رأت قريش ذلك، اجتمعوا على أن يرسلوا إليه، فبعثوا
عمرو بن العاص، و عبد الله بن
أبي ربيعة، فجمعوا هدايا له ولبطارقته، فقدموا على الملك،
وقالوا: إن فتية منا سفهاء، فارقوا ديننا، ولم يدخلوا في
دينك، وجاؤوا بدين مبتدع لا نعرفه، ولجؤوا إلى بلادك،
فبعثنا إليك لتردهم.
فقالت بطارقته: صدقوا أيها الملك.
فغضب.
ثم قال: لا لعمر الله لا أردهم إليهم حتى أكلمهم.
قوم لجؤوا إلى بلادي، واختاروا جواري.
فلم يكن شئ أبغض إلى عمرو، وابن أبي ربيعة من أن يسمع
الملك كلامهم.
فلما جاءهم رسول النجاشي، اجتمع القوم، وكان الذي يكلمه
جعفر بن أبي طالب، فقال النجاشي: ما هذا الدين ؟ قالوا:
أيها الملك ! كنا قوما على الشرك نعبد الاوثان، ونأكل
الميتة، ونسئ الجوار، ونستحل المحارم والدماء، فبعث الله
إلينا نبيا من أنفسنا نعرف وفاءه وصدقه وأمانته، فدعانا
إلى أن نعبد الله وحده، ونصل الرحم، ونحسن الجوار ونصلي،
ونصوم.
قال: فهل معكم شئ مما جاء به ؟ وقد دعا أساقفته،
__________
(1) أخرجه ابن سعد 4 / 1 / 24 ومحمد هو ابن سيرين.
فالسند منقطع.
(2) أخرجه البخاري (3709) في فضائل الصحابة: باب مناقب
جعفر، و (4264) في المغازي: باب غزوة مؤتة.
(*)
(1/215)
فأمرهم فنشروا المصاحف حوله - فقال لهم جعفر: نعم، فقرأ
عليهم صدرا من سورة [ كهيعص ].
فبكى والله النجاشي حتى أخضل لحيته، وبكت أساقفته حتى
أخضلوا مصاحفهم، ثم قال: إن هذا الكلام ليخرج من المشكاة
التي جاء بها موسى، انطلقوا راشدين، لا والله، لا أردهم
عليكم، ولا أنعمكم عينا.
فخرجا من عنده، فقال عمرو: لآتينه غدا بما أستأصل به
خضراءهم، فذكر له ما يقولون في عيسى (1).
قال شباب: علي، وجعفر، وعقيل، أمهم فاطمة بنت أسد بن هاشم
بن
عبد مناف.
قال الواقدي: هاجر جعفر إلى الحبشة بزوجته أسماء بنت عميس،
فولدت هناك عبد الله، وعونا، ومحمدا (2).
وقال ابن إسحاق: أسلم جعفر بعد أحد وثلاثين نفسا (3).
إسماعيل بن أويس: حدثنا أبي، عن الحسن بن زيد أن عليا أول
ذكر أسلم، ثم أسلم زيد، ثم جعفر.
وكان أبو بكر الرابع، أو الخامس.
قال أبو جعفر الباقر: ضرب رسول الله، صلى الله عليه وسلم،
يوم بدر لجعفر بن أبي طالب بسهمه وأجره.
وروي من وجوه أن النبي، صلى الله عليه وسلم، لما قدم جعفر
قال: " لانا بقدوم جعفر أسر مني بفتح خيبر " (4).
__________
(1) حديث صحيح وقدم تقدم تخريجه في الصفحة (208) تعليق
(1).
(2) ابن سعد 4 / 1 / 23.
(3) " الاصابة " 2 / 85.
(4) سبق تخريجه في الصفحة (213) تعليق رقم (1).
(*)
(1/216)
في رواية: تلقاه واعتنقه وقبله.
وفي " الصحيح " من حديث البراء وغيره: أن النبي، صلى الله
عليه وسلم، قال لجعفر: " أشبهت خلقي وخلقي " (1).
أحمد: حدثنا عفان، حدثنا وهيب، حدثنا خالد، عن عكرمة، عن
أبي هريرة قال: " ما احتذى النعال ولا ركب المطايا بعد
رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أفضل من جعفر بن أبي طالب
" (2) يعني في الجود والكرم.
رواه جماعة عن خالد، وله علة، يرويه عبيدالله بن عمرو، عن
خالد، عن
أبي قلابة، عن أبي هريرة.
ابن عجلان: عن المقبري، عن أبي هريرة قال: كنا نسمي جعفرا
أبا المساكين.
كان يذهب بنا إلى بيته، فإذا لم يجد لنا شيئا، أخرج إلينا
عكة أثرها عسل، فنشقها ونلعقها (3).
__________
(1) تقدم تخريجه في الصفحة (214) تعليق رقم (4).
(2) إسناده جيد وأخرجه أحمد 2 / 413، والترمذي (3768)
وقال: حديث حسن صحيح غريب، وابن سعد في " الطبقات " 4 / 1
/ 28 وذكره الحافظ في " الاصابة " 2 / 86، وقال: رواه
الترمذي، والنسائي، وإسناده صحيح.
وأخرجه الحاكم 3 / 209 وصححه، ووافقه الذهبي.
(3) إسناده حسن.
وأخرجه البخاري (3708) في فضائل الصحابة: باب مناقب جعفر،
و (5432) في الاطعمة: باب الحلوى والعسل، من طريق ابن أبي
ذئب، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة، رضي الله عنه، قال: "
إن الناس كانوا يقولون أكثر أبو هريرة، وإني كنت ألزم رسول
الله، صلى الله عليه وسلم، بشبع بطني حتى لا آكل الخمير،
ولا ألبس الحبير، ولا يخدمني فلان ولا فلانة.
وكنت ألصق بطني بالحصباء من الجوع، وإن كنت لاستقرئ الرجل
الآية هي معي كي ينقلب بي فيطعمني.
وكان أخير الناس للمساكين جعفر بن أبي طالب، كان ينقلب بنا
فيطعمنا ما كان في بيته، حتى إن كان ليخرج إلينا العكة
التي ليس فيها شئ فيشقها فنلعق ما فيها " والحبير من
البرد: ما كان موشى مخططا.
والعكة بضم المهملة وتشديد الكاف: ظرف السمن.
(*)
(1/217)
35 - عقيل بن أبي طالب الهاشمي
* هو أكبر إخوته وآخرهم موتا، وهو جد عبد الله بن محمد بن
عقيل المحدث، وله أولاد: مسلم ويزيد، وبه كان يكنى، وسعيد،
وجعفر، وأبو سعيد الاحول، ومحمد، و عبد الرحمن، و عبد
الله.
شهد بدرا مشركا، وأخرج إليها مكرها، فأسر، ولم يكن له مال،
ففداه
عمه العباس (1).
وروي أن عقيلا قال للنبي، صلى الله عليه وسلم، يوم أسر: من
قتلت من أشرافهم ؟ قال: قتل أبو جهل.
قال: الآن صفا لك الرادي (2).
قال ابن سعد: خرج عقيل مهاجرا في أول سنة ثمان، وشهد مؤتة،
ثم رجع فتمرض مدة، فلم يسمع له بذكر في فتح مكة ولا حنين
ولا الطائف.
وقد أطعمه رسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر مئة وأربعين
وسقا كل سنة (3).
__________
(*) امسند أحمد: 1 / 201 و 3 / 451، طبقات ابن سعد: 4 / 1
/ 28، طبقات خليفة: 126، 189، التاريخ الكبير: 7 / 50 -
51، التاريخ الصغير: 1 / 145، الجرح والتعديل: 6 / 218،
مشاهير علماء الامصار: ت: 14، الاستيعاب: 8 / 108، ابن
عساكر: 11 / 363 / 1 أسد الغابة: 4 / 63، تهذيب الاسماء
واللغات: 1 / 337، تهذيب الكمال: 949، مجمع الزوائد: 9 /
273، العقد الثمين: 6 / 113 - 115، تهذيب التهذيب: 7 /
254، الاصابة: 7 / 31، خلاصة تذهيب الكمال 269 - 270، كنر
العمال: 13 / 562.
(1) ابن سعد 4 / 1 / 29.
(2) أخرجه ابن سعد 4 / 1 / 29 من طريق: علي بن عيسى، عن
إسحاق بن الفضل، عن أشياخه، عن عقيل...(3) أخرجه ابن سعد 4
/ 1 / 30 و " الاستيعاب " 4 / 64.
(*)
(1/218)
وعن عبد الله بن محمد بن عقيل أن جده أصاب يوم مؤتة خاتما
فيه تماثيل فنفله أباه (1).
معمر: عن زيد بن أسلم قال: جاء عقيل بمخيط، فقال لا مرأته:
خيطي بهذا ثيابك.
فسمع المنادي: ألا لا يغلن (2) رجل إبرة فما فوقها، فقال
عقيل لها: ما أرى إبرتك إلا قد فاتتك (3).
عيسى بن عبد الرحمن: عن أبي إسحاق أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم قال لعقيل: " يا أبا يزيد ! إني أحبك حبين:
لقرابتك، ولحب عمي لك " (4).
ابن جريج: عن عطاء، رأيت عقيل بن أبي طالب شيخا كبيرا يقل
الغرب (5).
قالوا: توفي زمن معاوية.
وسيأتي من أخباره بعد (6).
__________
(1) ابن سعد 4 / 1 / 30 من طريق قيس بن الربيع، عن جابر،
عن عبد الله بن محمد بن عقيل.
(2) هي من الغلول: وهو الخيانة في المغنم، والسرقة من
الغنيمة قبل القسمة.
وقد التبست على محقق المطبوع فترك مكانها فارغا.
(3) أخرجه ابن سعد 4 / 1 / 30.
(4) أخرجه الحاكم 3 / 576، وابن سعد 4 / 1 / 30، وقد ذكره
الهيثمي في " المجمع " 9 / 373 ونسبه إلى الطبراني مرسلا،
وقال: ورجاله ثقات.
وانظر " الاستيعاب " 8 / 108، و " أسد الغابة " 4 / 64.
ونسبه صاحب " الكنز " (33617) إلى ابن سعد، والبغوي،
والطبراني، وابن عساكر عن أبي إسحاق مرسلا.
وأخرجه الحاكم 3 / 576 أيضا من طريق أبي حمزة، عن يزيد بن
عبد الرحمن ابن سابط، عن حذيفة.
(5) " يقل الغرب " يحمل.
والغرب: الدلو العظيم.
وجإء في " الطبقات " لابن سعد 14 / 1 / 30 " بعل العرب "
وهو خطأ.
وقد التبست الجملة على محقق المطبوع فترك مكانها فارغا.
(6) أخرجه ابن سعد 4 / 1 / 30.
وقال الحافظ في " الاصابة " 7 / 31: روي في " تاريخ
البخاري " بسند صحيح، أنه مات في أول خلافة يزيد قبل
الحرة.
(*)
(1/219)
36 - زيد بن حارثة
* ابن شراحيل أو شرحبيل بن كعب بن عبد العزى بن يزيد بن
امرئ القيس ابن عامر بن النعمان.
الامير الشهيد النبوي، المسمى في سورة الاحزاب، أبو أسامة
الكلبي، ثم المحمدي، سيد الموالي، وأسبقهم إلى الاسلام،
وحب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وأبو حبة، وما أحب،
صلى الله عليه وسلم، إلا طيبا، ولم يسم الله تعالى في
كتابه صحابيا باسمه إلا زيد بن حارثة وعيسى بن مريم عليه
السلام الذي ينزل حكما مقسطا ويلتحق بهذه الامة المرحومة
في صلاته وصيامه وحجه ونكاحه وأحكام الدين الحنيف جميعها،
فكما أن أبا القاسم سيد الانبياء وأفضلهم وخاتمهم، فكذلك
عيسى بعد نزوله افضل هذه الامة مطلقا، ويكون ختامهم، ولا
يجئ بعده من فيه خير، بل تطلع الشمس من مغربها، ويأذن الله
بدنو الساعة (1).
أخبرنا أبو الفضل بن عساكر، أنبأنا عبدالمعز بن محمد،
أنبأنا تميم، أنبأنا أبو سعد، أنبأنا ابن حمدان، أنبأنا
أبو يعلى الموصلي، حدثنا بندار، حدثنا
__________
(*) المسند لاحمد: 4 / 161، طبقات ابن سعد: 3 / 1 / 27،
طبقات خليفة: 6، تاريخ خليفة: 86، 87، التاريخ الكبير: 3 /
390، التاريخ الصغير: 1 / 23، الجرح والتعديل: 3 / 559،
الاستيعاب: 4 / 47، ابن عساكر: 6 / 291 / 1، أسد الغابة: 2
/ 281، تهذيب الاسماء واللغات: 1 / 202 - 203، تهذيب
الكمال: 453، العبر: 1 / 9، مجمع الزوائد: 9 / 274 - 275،
العقد الثمين: 4 / 459 - 473، تهذيب التهذيب: 3 / 401،
الاصابة: 4 / 47، خلاصة تذهيب الكمال: 127، تهذيب تاريخ
ابن عساكر 5 / 454.
(1) من قوله " عيسى بن مريم...إلى بدنو الساعة " حذفت في
المطبوع من الاصل، وأثبتت في الهامش.
(*)
(1/220)
عبد الوهاب الثقفي، حدثنا محمد بن عمرو، عن أبي سلمة (1)
ويحيى بن عبد الرحمن، عن أسامة بن زيد، عن أبيه قال: خرجت
مع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يوما حارا من أيام مكة
وهو مردفي إلى نصب من الانصاب وقد ذبحنا له شاة،
فأنضجناها.
فلقينا زيد بن عمرو بن نفيل، فقال النبي، صلى الله عليه
وسلم: يا زيد ! ما لي أرى قومك قد شنفوا لك ؟ قال: والله
يا محمد إن ذلك لغير نائلة لي فيهم (2) ولكني خرجت أبتغي
هذا الدين حتى قدمت على أحبار فدك، فوجدتهم يعبدون [ الله
] ويشركون [ به ].
فقدمت على أحبار خيبر، فوجدتهم كذلك، فقدمت على أحبار
الشام، فوجدت كذلك فقلت: ما هذا بالدين الذي أبتغي.
فقال شيخ منهم: إنك لتسأل عن دين ما نعلم أحدا يعبد الله [
به ] إلا شيخ بالحيرة.
فخرجت حتى أقدم عليه، فلما رآني، قال: ممن أنت ؟ قلت من
أهل بيت الله.
قال: إن الذي تطلب قد ظهر ببلادك، قد بعث نبي طلع نجمه،
وجميع من رأيتهم في ضلال.
قال: فلم أحس بشئ.
قال: فقرب إليه السفرة فقال: ما هذا يا محمد ؟ قال: شاة
ذبحناها لنصب.
قال: فإني لا آكل مما لم يذكر اسم الله عليه.
وتفرقنا، فأتى رسول الله البيت، فطاف به، وأنا معه،
وبالصفا والمروة، وكان عندهما صنمان من نحاس: إساف ونائلة.
وكان المشركون إذا طافوا تمسحوا بهما.
فقال النبي: " لا تمسحهما فإنهما رجس ".
فقلت في نفسي: لامسنهما حتى أنظر ما يقول.
فمسستهما، فقال: " يا زيد ! ألم تنه ".
قال: ومات زيد بن عمرو وأنزل على النبي صلى الله عليه
وسلم، فقال النبي، صلى الله عليه وسلم، لزيد:
__________
(1) سقط من المطبوع " سلمة و ".
(2) تصحفت في المطبوع إلى " منهم ".
(*)
(1/221)
إنه يبعث أمة وحده " (1).
في إسناده محمد (2) لا يحتج به، وفي بعضه نكارة بينة.
عن الحسن بن أسامة بن زيد قال: كان النبي صلى الله عليه
وسلم أكبر من زيد بعشر سنين.
قال: وكان قصيرا، شديد الادمة، أفطس (3).
رواه ابن سعد، عن الواقدي، حدثنا محمد بن الحسن بن أسامة،
عن أبيه، ثم قال ابن سعد: كذا صفته في هذه الرواية.
وجاءت من وجه آخر أنه كان شديد البياض.
وكان ابنه أسامة أسود، ولذلك أعجب رسول الله صلى الله عليه
وسلم بقول مجزز القائف حيث يقول: " إن هذه الاقدام بعضها
من بعض " (4).
__________
(1) أخرجه الحاكم 3 / 216 - 217 وصححه، ووافقه الذهبي، وهو
في " المطالب العالية " برقم (4057) ونقل محقق الكتاب عن
البوصيري قوله: رواه النسائي أيضا في " الكبرى " بسند
رجاله ثقات.
وذكره الهيثمي في " المجمع " 9 / 417 - 418 ونسبه إلى أبي
يعلى، والبزار، والطبراني، وعند الطبراني زيادة أشار إليها
ثم قال: رجال أبي يعلى والبزار، وأحد أسانيد الطبراني رجال
الصحيح، غير محمد بن عمرو بن علقمة وهو حسن الحديث.
وانظر الصفحة (130) تعليق رقم (1).
ويقال: شنفت له شنفا: أي أبغضته.
(2) هو محمد بن عمرو بن علقمة بن وقاص الليثي.
أخرج له البخاري مقرونا بغيره ووثقه غير واحد.
وضعفه بعضهم تضعيفا خفيفا لا يخرجه عن كونه حسن الحديث
ولذا قال الحافظ في " التقريب ": صدوق له أوهام.
والذهبي ضعفه هنا مع أنه قد وافق الحاكم على تصحيحه في "
المستدرك ".
وانظر ما قاله الحافظ في " الفتح " 7 / 142 - 145 في دفع
هذه النكارة التي ادعاها المؤلف.
(3) أخرجه ابن سعد 3 / 1 / 30 وسنده ضعيف لضعف الواقدي.
وهي مخالفة للرواية الصحيحة التي ستأتي.
(4) أخرجه أحمد 6 / 82، 226 والبخاري (2555) في المناقب:
باب صفة النبي، صلى الله عليه وسلم، و (3731) في فضائل
الصحابة: باب مناقب زيد بن حارثة و (6770) و (6771) في
الفرائض: باب القائف من طريق ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة
قالت: إن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، دخل علي = (*)
(1/222)
لوين: حدثنا حديج، عن أبي إسحاق قال: كان جبلة بن حارثة في
الحي.
فقالوا له: أنت أكبر أم زيد ؟ قال: زيد أكبر مني، وأنا
ولدت قبله، وسأخبركم: إن أمنا كانت من طيئ، فماتت، فبقينا
في حجر جدنا، فقال عماي لجدنا: نحن أحق بابني أخينا.
فقال: خذا جبلة، ودعا زيدا، فأخذاني، فانطلقا بي، فجاءت
خيل من تهامة، فأخذت زيدا، فوقع إلى خديجة، فوهبته لرسول
الله صلى الله عليه وسلم.
عبد الملك بن أبي سليمان (1): حدثنا أبو فزارة قال: أبصر
رسول الله صلى الله عليه وسلم، زيد بن حارثة غلاما ذا
ذؤابة قد أوقفه قومه بالبطحاء للبيع، فأتى خديجة، فقالت:
كم ثمنه ؟ قال: سبع مئة: قالت: خذ سبع مئة.
فاشتراه وجاء به إليها فقال: أما إنه لو كان لي لاعتقته.
قالت: فهو لك.
فأعتقه (2).
__________
(1) مسرورا تبرق أسارير وجهه.
فقال " ألم تري أن مجززا نظر آنفا إلى زيد بن حارثة،
وأسامة بن زيد فقال: إن هذه الاقدام بعضها من بعض "
والقائف: هو الذي يقفو الاثر.
والقافة: الاستدلال بالخلقة على النسب.
وأخرجه مسلم (1459) في الرضاع: باب العمل بإلحاق القائف
الولد، وأبو داود (2267) في الطلاق: باب في القافة.
والترمذي (2130) في الولاء والهبة: باب ما جاء في القافة،
وقال: هذا حديث حسن صحيح، والنسائي 6 / 184، 185 في
الطلاق: باب القافة، وابن ماجه (2349) في الاحكام: باب
القافة.
وقال الخطابي: فيه دليل على ثبوت أمر القافة، وصحة لقولهم
في إلحاق الولد، وذلك أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم،
لا يظهر السرور إلا بما هو حق عنده.
وكان الناس قد ارتابوا بأمر زيد بن حارثة وابنه أسامة.
وكان زيد أبيض وجاء أسامة أسود.
فلما رأى الناس في ذلك وتكلموا بقول كان يسوء رسول الله،
صلى الله عليه وسلم، سماعه.
فلما سمع هذا القول من مجزز فرح به وسري عنه.
(1) تحرفت في المطبوع إلى " سلمان ".
(2) إسناده منقطع.
وأبو فزارة هو راشد بن كيسان العبسي الكوفي وانظر "
الاستيعاب " 4 / 49، و " أسد الغابة " 2 / 281، و "
الاصابة " 4 / 74.
(*)
(1/223)
وعن سليمان بن يسار وغيره قالوا: أول من أسلم زيد بن
حارثة.
موسى بن عقبة: عن سالم، عن أبيه قال: ما كنا ندعو زيد بن
حارثة إلا زيد ابن محمد.
فنزلت (ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله) [ الاحزاب: 5 ]
(1).
إسماعيل بن أبي خالد: عن أبي عمرو الشيباني قال: أخبرني
جبلة بن حارثة قال: قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقلت: يا رسول الله " ابعث معي أخي
__________
(1) أخرجه البخاري (4782) في التفسير: باب ادعوهم لآبائهم،
ومسلم (2425) في فضائل الصحابة: باب فضائل زيد، والترمذي
(3207) في التفسير: باب ومن سورة الاحزاب، وقال: حسن صحيح.
و (3816) في المناقب: باب مناقب زيد، والبيهقي في سننه 7 /
161: باب نسخ التبني.
وزيد هذا هو الذي قال الله تعالى فيه مخاطبا نبيه الكريم:
(وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك
واتق الله وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله
أحق أن تخشاه فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها لكي لا يكون
على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهن وطرا
وكان أمر الله مفعولا).
وقد نقل كثير من المفسرين في قوله تعالى: (وتخفي في نفسك
ما الله مبديه) أقاويل معتمدين على ما أورده الطبري في
تفسيره 22 / 63 من طريق: بشر، عن يزيد، عن سعيد، عن
قتادة...ومن طريق: يونس عن ابن وهب، عن ابن زيد...وابن سعد
8 / 101 والحاكم في " المستدرك " 4 / 23 - 24 كلاهما من
طريق الواقدي، عن عبد الله بن عامر، عن محمد بن يحيى بن
حبان...فقالوا: إن ما أخفاه النبي، صلى الله عليه وسلم،
وأبداه الله تعالى هو وقوع زينب في قلبه ومحبته لها وهي
تحت زيد وأنها سمعته يقول: " سبحان مقلب القلوب " وهي
أسانيد منقطعة والثالث منها ضعيف جدا،
فالواقدي متروك، و عبد الله بن عامر الاسلمي ضعيف، وقد نص
على ضعفها جهابذة النقاد من أئمة الحديث والفقه، كالحافظ
ابن حجر في " فتح الباري " 8 / 403، وابن العربي في "
أحكام القرآن " 3 / 1530، 1532، وابن كثير في تفسيره 5 /
466، والآلوسي 22 / 24، 25.
وقد قالت السيدة عائشة رضي الله عنها: لو كان رسول الله
صلى الله عليه وسلم كاتما شيئا من الوحي، لكتم هذه (*)
(1/224)
زيدا.
قال: " هوذا، فإن انطلق، لم أمنعه " فقال زيد: لا والله !
لا أختار عليك أحدا أبدا.
قال: فرأيت رأي أخي أفضل من رأيى (1).
سمعه علي بن مسهر منه.
ذكره ابن إسحاق وغيره فيمن شهد بدرا.
وقال سلمة بن الاكوع: غزوت مع رسول الله صلى الله عليه
وسلم، وغزوت مع زيد بن حارثة - كان يؤمره علينا (2).
__________
الآية: (وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك
عليك زوجك واتق الله وتخفي في نفسك ما الله مبديه) فإن
رسول الله صلى الله عليه وسلم لما تزوجها، يعني زينب،
قالوا: إنه تزوج حليلة ابنه، فأنزل الله تعالى: (ما كان
محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين).
فالذي كان يخفيه صلى الله عليه وسلم هو إخبار الله إياه
أنها ستصير زوجته، والذي كان يحمله على إخفاء ذلك، خشية
قول الناس: تزوج امرأة ابنه، وأراد الله إبطال ما كان أهل
الجاهلية عليه من أحكام التبني بأمر لا أبلغ في الابطال
منه، وهو تزوج امرأة الذي يدعى ابنا، ووقوع ذلك من النبي
صلى الله عليه وسلم ليكون أدعى لقبولهم.
(1) أخرجه الترمذي (3817) في المناقب من طريق محمد بن عمر
بن الرومي، عن علي بن مسهر، عن إسماعيل بن أبي خالده عن
أبي عمرو الشيباني، عن جبلة بن حارثة، وحسنه.
ومحمد بن عمر بن الرومي لين.
وأخرجه الحاكم 3 / 214 من طريق علي بن مسهر.
وصححه، ووافقه الذهبي.
وذكره الحافظ في " الاصابة "، في ترجمة جبلة وزاد نسبته
إلى أبي يعلى (2) أخرجه البخاري (4272) في المغازي: باب
بعث النبي، صلى الله عليه وسلم، أسامة بن زيد إلى الحرقات
من جهينة من طريق أبي عاصم الضحاك بن مخلد، عن يزيد بن أبي
عبيدة، عن سلمة بن
الاكوع بلفظ: " غزوت مع النبي، صلى الله عليه وسلم، تسع
غزوات، وغزوت مع ابن حارثة، استعمله علينا ".
قال الحافظ في شرح الحديث (4250): هكذا ذكره مبهما.
ورواه أبو مسلم الكجي، عن أبي عامر، بلفظ " وغزوت مع زيد
بن حارثة سبع غزوات يومره علينا ".
وكذلك أخرجه الطبراني، عن أبي مسلم بهذا اللفظ.
وأخرجه أبو نعيم في " المستخرج " عن أبي شعيب الحراني، عن
أبي عاصم كذلك.
وكذا أخرجه الاسماعيلي من طرق عن أبي عاصم.
وأخرجه ابن سعد 3 / 1 / 31 من طريق: أبي عاصم النبيل عن
يزيد بن أبي عبيدة، عن سلمة بن الاكوع، قال: غزوت مع رسول
الله، صلى الله عليه وسلم، سبع غزوات ومع زيد بن حارثة تسع
غزوات يؤمره رسول الله علينا.
وإسناده صحيح.
وصححه الحاكم 3 / 218 ووافقه الذهبي.
(*)
(1/225)
الواقدي: حدثنا محمد بن الحسن بن أسامة، عن أبي الحويرث
قال: خرج زيد بن حارثة أميرا سبع سرايا (1).
الواقدي: حدثنا ابن أخي الزهري، عن الزهري، عن عروة، عن
عائشة قالت: وقدم زيد بن حارثة من وجهه ذلك - تعني من سرية
أم قرفة - ورسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتي.
فقرع زيد (2) الباب، فقام رسول الله، صلى الله عليه وسلم،
يجر ثوبه عريانا، ما رأيته عريانا قبلها، صلى الله عليه
وسلم، حتى اعتنقه وقبله ثم ساء له، فأخبره بما ظفره الله
(3).
ابن إسحاق: عن يزيد بن عبد الله بن قسيط، عن محمد بن
أسامة، عن أبيه قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم،
لزيد بن حارثة: " يا زيد ! أنت مولاي، ومني وإلي، وأحب
القوم إلي ".
رواه أحمد في " المسند " (4).
__________
(1) ابن سعد 3 / 1 / 31.
(2) سقط لفظ " زيد " من المطبوع ".
(3) إسناده ضعيف لضعف الواقدي.
وابن أخي الزهري هو محمد بن عبد الله بن مسلم.
وأخرجه الترمذي (2733) في الاستئذان: باب ما جاء في
المعانقة والقبلة، من طريق: محمد بن إسماعيل، عن إبراهيم
بن يحيى، عن محمد بن عباد المدني، عن أبيه، عن محمد بن
إسحاق، عن ابن شهاب الزهري، عن عروة، عن عائشة.
وحسنه مع أن إبراهيم بن يحيى وأباه ضعيفان.
وإبن إسحاق مدلس وقد عنعن.
وفي الباب عن الشعبي أن النبي، صلى الله عليه وسلم، تلقى
جعفر بن أبي طالب فالتزمه وقبل ما بين عينيه.
وأخرجه أبو داود (5220)، وفيه انقطاع.
وذكر الحافظ في " الفتح " 11 / 51 أن البغوي أخرجه موصولا
في " معجم الصحابة "، من حديث عائشة لكن في سنده محمد بن
عبد الله بن عبيد بن عمير وهو ضعيف.
(4) أخرجه أحمد 5 / 204 مطولا، وابن سعد 3 / 1 / 29 - 30
ورجاله ثقات.
وصححه الحاكم 3 / 217، ووافقه الذهبي، وحسنه الحافظ في "
الاصابة " 4 / 50.
(*)
(1/226)
إسماعيل بن جعفر وابن عيينة، عن عبد الله بن دينار، سمع
ابن عمر أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أمر أسامة على
قوم، فطعن الناس في إمارته، فقال: " إن تطعنوا في إمارته،
فقد طعنتم في إمارة أبيه، وايم الله إن كان لخليقا
للامارة، وإن كان لمن أحب الناس إلي، وإن ابنه هذا لاحب
الناس إلي بعده " (1).
لفظ إسماعيل: " وإن ابنه لمن أحب ".
إبراهيم بن طهمان، عن موسى بن عقبة، عن سالم، عن أبيه:
فذكر نحوه.
وفيه: " وإن كان أبوه لخليقا للامارة، وإن كان لاحب الناس
كلهم إلي.
".
قال سالم: ما سمعت أبي يحدث بهذا الحديث قط إلا قال: والله
ما حاشا
فاطمة (2).
إبراهيم بن يحيى بن هانئ الشجري (3): حدثني أبي، عن ابن
إسحاق، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة قالت: أتانا زيد بن
حارثة، فقام إليه
__________
(1) أخرجه أحمد 2 / 20، 98، 106، 110 من طرق، والبخاري
(6627) في الايمان والنذور: باب قول النبي، صلى الله عليه
وسلم: وايم الله.
و (3730) في فضائل الصحابة: باب مناقب زيد بن حارثة، و
(4250) في المغازي: باب غزوة زيد بن حارثة، و (7178) في
الاحكام: باب من لم يكترث بطعن من لا يعلم في الامراء
حديثا، ومسلم (2426) في فضائل الصحابة.
باب فضائل زيد بن حارثة، والترمذي (3818) في المناقب: باب
مناقب زيد بن حارثة.
(2) رجاله ثقات.
(3) في الاصل " إبراهيم بن محمد بن يحيى بن هانئ المخزومي
" وهو خطأ، والتصحيح من كتب الرجال، ومن سنن الترمذي -
الحديث (2732) فإنه قد رواه عن محمد بن إسماعيل البخاري،
عن إبراهيم بن يحيى هذا كما سيذكر المؤلف بعد قليل.
(*)
(1/227)
رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يجر ثوبه، فقبل وجهه.
وكانت أم قرفة جهزت أربعين راكبا من ولدها وولد ولدها إلى
رسول الله صلى الله عليه وسلم ليقاتلوه، فأرسل إليهم زيدا
فقتلهم وقتلها، وأرسل بدرعها إلى النبي، صلى الله عليه
وسلم، فنصبه بالمدينة بين رمحين (1).
رواه المحاملي عن عبد الله بن شبيب (2)، عنه.
وروى منه الترمذي (3)، عن البخاري، عن إبراهيم هذا وحسنه.
مجالد: عن الشعبي، عن عائشة قالت: لو أن زيدا كان حيا، لا
ستخلفه رسول الله، صلى الله عليه وسلم.
وائل بن داود، عن البهي، عن عائشة: ما بعث رسول الله زيدا
في جيش
قط إلا أمره عليهم، ولو بقي بعده استخلفه (4).
أخرجه النسائي.
قال ابن عمر: فرض عمر لاسامة بن زيد أكثر مما فرض لي،
فكلمته في
__________
(1) إسناده ضعيف لضعف إبراهيم بن يحيى، وأبيه، ولعنعنة ابن
إسحاق، وقد ذكره صاحب الكنز برقم (30260).
(2) هو الحافظ أبو سعيد عبد الله بن شبيب الربعي المدني،
الاخباري أحد أوعية العلم على ضعفه.
ترجمه المؤلف في " تذكرة الحفاظ " ص (613) وقد استظهر في
المطبوع لفظة " شقيق " بدل " شبيب " فأخطأ.
(3) انظر الترمذي رقم الحديث (2732).
(4) أخرجه أحمد 6 / 226، 227، 254، 218، وابن سعد في "
الطبقات " 3 / 1 / 31، وأبو بكر ابن أبي شيبة كما في " أسد
الغابة " 2 / 283 ثلاثتهم من طريق: محمد بن عبيد الطنافسي،
عن وائل ابن داود، عن البهي، عن عائشة، وهذا سند حسن.
والبهي: هو عبد الله مولى مصعب بن الزبير.
وأخرجه الحاكم 3 / 215 من طريق سهل بن عمار العتكي، عن
محمد بن عبيد، به، وصححه وتعقبه الذهبي بقوله: سهل: قال
الحاكم في " تاريخه ": كذاب، وهنا يصحح له، فأين الدين ؟ !
ولم يحسن الذهبي هذا الحديث من غير هذه الطريق مع أنه قد
رواه ثلاثة من الحفاظ عن محمد بن عبيد، ولعله لم يستحضر
ذلك.
(*)
(1/228)
ذلك، فقال: إنه كان أحب إلى رسول الله منك، وإن أباه كان
أحب إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، من أبيك (1).
قال الواقدي: عقد رسول الله، صلى الله عليه وسلم، لزيد على
الناس في غزوة مؤتة، وقدمه على الامراء.
فلما التقى الجمعان كان الامراء يقاتلون على أرجلهم.
فأخذ زيد اللواء فقاتل وقاتل معه الناس حتى قتل طعنا
بالرماح رضي الله عنه.
قال: فصلى عليه رسول الله، أي دعا له، وقال: " استغفروا
لاخيكم قد
دخل الجنة وهو يسعى ".
وكانت مؤتة في جمادى الاولى سنة ثمان هو ابن خمس وخمسين
سنة (2).
جماعة: عن إسماعيل بن أبي خالد، عن أبي إسحاق، عن أبي
ميسرة قال: لما بلغ رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قتل
زيد، وجعفر، وابن رواحة، قام، صلى الله عليه وسلم، فذكر
شأنهم، فبدأ بزيد، فقال: " اللهم اغفر لزيد، اللهم اغفر
لزيد، ثلاثا، اللهم اغفر لجعفر و عبد الله بن رواحة " (3).
حماد بن زيد: عن خالد بن سلمة المخزومي قال: لما جاء مصاب
زيد وأصحابه أتى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، منزله بعد
ذلك، فلقيته بنت زيد، فأجهشت بالبكاء في وجهه.
فلما رآها رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بكى حتى انتحب،
فقيل: ما
__________
(1) ذكره الحافظ في " الاصابة " 4 / 50 وقال: صحيح.
وانظر كتاب " الخراج " لابي يوسف ص: (46) (2) ابن سعد 3 /
1 / 31 وسقط من المطبوع لفظ " خمس و ".
(3) أخرجه ابن سعد 3 / 1 / 31 ورجاله ثقات إلا أنه مرسل.
وأبو ميسرة هو عمرو بن شرحبيل الهمداني، تابعي.
(*)
(1/229)
هذا يا رسول الله ؟ قال: " شوق الحبيب إلى الحبيب " (1).
رواه مسدد وسليمان ابن حرب عنه.
حسين بن واقد: عن ابن بريدة، عن أبيه أن رسول الله، صلى
الله عليه وسلم، قال: " دخلت الجنة، فاستقبلتني جارية
شابة.
فقلت: لمن أنت ؟ قالت: أنا لزيد بن حارثة (2) إسناده حسن
(3).
37 - عبد الله بن رواحة
*
ابن ثعلبة بن امرئ القيس بن ثعلبة.
الامير السعيد الشهيد أبو عمرو الانصاري الخزرجي البدري
النقيب الشاعر.
له عن النبي، صلى الله عليه وسلم، وعن بلال.
حدث عنه أنس بن مالك، والنعمان بن بشير، وأرسل عنه قيس بن
أبي
__________
(1) رجاله ثقات.
لكنه منقطع.
خالد بن سملة هو ابن العاص بن هشام بن المغيرة المخزومي من
الطبقة الخامسة.
قتل سنة (132) بواسط لما زالت دولة بني أمية.
وأخرجه ابن سعد 3 / 1 / 32 وقد تحرفت فيه " خالد بن سلمة "
إلى " خالد بن شمير ".
(2) إسناده حسن.
وقد ذكره صاحب الكنز (33299) و (33302) ونسبه إلى
الروياني، والضياء في المختارة، وابن عساكر.
(3) سقط من المطبوع عبارة " إسناده حسن ".
(*) مسند أحمد: 3 / 451، طبقات ابن سعد: 6 / 2 / 79، طبقات
خليفة: 93، تاريخ خليفة: 86 - 87، التاريخ الصغير: 1 / 23،
الجرح والتعديل: 5 / 50، الاستبصار: 108 - 112، حلية
الاولياء: 1 / 118 - 121، الاستيعاب: 6 / 171، ابن عساكر:
9 / 99 / 2، أسد الغابة: 3 / 234، تهذيب الاسماء واللغات:
1 / 265، تهذيب الكمال: 681، العبر: 1 / 9، مجمع الزوائد:
9 / 316، تهذيب التهذيب: 5 / 212، الاصابة: 6 / 77، خلاصة
تذهيب الكمال: 197، كنز العمال: 13 / 449 - 425، شذرات
الذهب: 1 / 12، تهذيب تاريخ ابن عساكر: 7 / - 390 397.
(*)
(1/230)
حازم، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، وعطاء بن يسار، وعكرمة،
وغيرهم.
شهد بدرا والعقبة.
يكنى أبا محمد، وأبا رواحة، وليس له عقب.
وهو
خال النعمان بن بشير.
وكان من كتاب الانصار.
استخلفه النبي، صلى الله عليه وسلم، على المدينة في غزوة
بدر الموعد (1)، وبعثه النبي عليه السلام سرية في ثلاثين
راكبا إلى أسير (2) بن رزام اليهودي بخيبر فقتله.
قال الواقدي: وبعثه النبي، صلى الله عليه وسلم، خارصا على
خيبر (3).
قلت: جرى ذلك مرة واحدة، ويحتمل على بعد مرتين.
قال قتيبة: ابن رواحة وأبو الدرداء أخوان لام.
أحمد في " مسنده ": حدثنا عبد الصمد، حدثنا عمارة، عن زياد
النميري، عن أنس قال: كان ابن رواحة إذا لقي الرجل من
أصحابه يقول: تعال نؤمن ساعة.
فقاله يوما لرجل، فغضب، فجاء إلى النبي، صلى الله عليه
وسلم، فقال: يا رسول الله ! ألا ترى ابن رواحة يرغب عن
إيمانك إلى إيمان ساعة.
فقال: " رحم الله ابن رواحة، إنه يحب المجالس التي تتباهى
بها الملائكة " (4).
__________
(1) بدر الموعد: هي التي تواعدوا عليها من أحد.
وذلك أن أبا سفيان لما انصرف منها نادى: إن موعدكم بدر،
العام المقبل.
ولما رجع النبي، صلى الله عليه وسلم، من غزوة ذات الرقاع
أقام في المدينة إلى شعبان حيث خرج لميعاد أبي سفيان.
وخرج أبو سفيان حتى نزل مجنة من ناحية الظهران ثم رجع ورجع
الناس، فسماهم أهل مكة: جيش السويق، إذ يقولون: خرجتم
تشربون السويق.
(2) في " سيرة ابن هشام " 2 / 618، وفي الطبري 3 / 155،
وفي " سيرة ابن كثير " 3 / 418، " يسير " وأما في "
الطبقات " 3 / 2 / 79 فهو " أسير ".
(3) ابن سعد 3 / 1 / 79.
(4) أخرجه أحمد 3 / 265 وإسناده ضعيف لسوء حفظ عمارة وهو
ابن زاذان، ولضعف زياد بن عبد الله النميري.
(*)
(1/231)
حماد بن زيد: حدثنا ثابت، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى أن
عبد الله بن
رواحة أتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يخطب، فسمعه وهو
يقول: " اجلسوا " فجلس مكانه خارج المسجد حتى فرغ من
خطبته.
فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: " زادك الله
حرصا على طوعية الله ورسوله " (1).
وروى بعضه عن عروة، عن عائشة (2).
حماد بن سلمة: أنبأنا أبوعمران الجوني، أن عبد الله بن
رواحة أغمي عليه، فأتاه النبي، فقال: اللهم إن كان حضر
أجله، فيسر عليه، وإلا فاشفه.
فوجد خفة.
فقال: يا رسول الله ! أمي قالت: واجبلاه، واظهراه ! وملك
رفع مرزبة من حديد يقول: أنت كذا، فلو قلت: نعم لقمعني بها
(3).
قال أبو الدرداء: إن كنا لنكون مع رسول الله، صلى الله
عليه وسلم، في السفر في اليوم
__________
(1) إسناده صحيح، لكنه مرسل.
وذكره الحافظ في " الاصابة " 6 / 78، قال: أخرجه البيهقي
بسند صحيح من طريق: ثابت، عن ابن أبي ليلى...وأخرجه من وجه
آخر إلى هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، والمرسل أصح
سندا.
ونسبه صاحب " الكنز " (37173) إلى ابن عساكر.
(2) ذكره الحافظ ابن حجر في " الاصابة " 6 / 78 وقال
الهيثمي في " المجمع " 9 / 316: رواه الطبراني في الاوسط
وفيه إبراهيم بن إسماعيل، بن مجمع.
وهو ضعيف.
(3) أخرجه بتمامه ابن سعد 3 / 2 / 82 من مرسل أبي عمران
الجوني.
وقوله " أمي " خطأ.
والصواب - ما ثبت في صحيح البخاري (4267) في المغازي: باب
غزوة مؤتة من أرض الشام، من طريق عمران بن ميسرة، عن محمد
بن فضيل، عن حصين، عن عامر، عن النعمان بن بشير رضي الله
عنه، قال: أغمي على عبد الله بن رواحة، فجعلت أخته عمرة
تبكي: واجبلاه، واكذا، واكذا تعدد عليه.
فقال حين أفاق: ما قلت شيئا إلا قيل لي: أنت كذلك ؟ " - أن
الباكية أخته عمرة وليست أمه.
وهي والدة النعمان بن بشير راوي الحديث.
وانظر " سنن البيهقي " 4 / 64.
(*)
(1/232)
الحار ما في القوم أحد صائم إلا رسول الله، صلى الله عليه
وسلم، و عبد الله بن رواحة (1).
رواه غير واحد عن أم الدرداء عنه.
معمر: عن ثابت، عن ابن أبي ليلى قال: تزوج رجل امرأة ابن
رواحة، فقال لها: تدرين لم تزوجتك ؟ لتخبريني عن صنيع عبد
الله في بيته.
فذكرت له شيئا لا أحفظه، غير أنها قالت: كان إذا أراد أن
يخرج من بيته، صلى ركعتين، وإذا دخل، صلى ركعتين.
لا يدع ذلك أبدا (2).
قال عروة: لما نزلت [ والشعراء يتبعهم الغاوون ] قال ابن
رواحة: أنا منهم.
فأنزل الله [ إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات ] (3).
قال ابن سيرين: كان شعراء رسول الله، صلى الله عليه وسلم،
عبد الله بن رواحة، وحسان ابن ثابت، وكعب بن مالك.
قيل: لما جهز النبي، صلى الله عليه وسلم، إلى مؤتة الامراء
الثلاثة، فقال: الامير زيد،
__________
(1) أخرجه البخاري (1945) في الصوم، رقم الباب: 35 ولفظه:
عن أبي الدرداء قال: " خرجنا مع النبي، صلى الله عليه
وسلم، في بعض أسفاره، في يوم حار.
حتى يضع الرجل يده على رأسه من شدة الحر، وما فينا صائم
إلا ما كان من النبي، صلى الله عليه وسلم، وابن رواحة ".
ومسلم (1122) في الصيام: باب التخيير في الصوم والفطر في
السفر، وما بعده.
وأبو داود (2409) في الصوم: باب من اختار الصيام.
وابن ماجه (1663) في الصيام: باب ما جاء في الصوم في
السفر.
(2) رجاله ثقات.
ونسبه الحافظ في " الاصابة " 6 / 78 - 79 إلى ابن المبارك
في الزهد وصحح سنده.
(3) أخرجه ابن سعد 3 / 2 / 81 من طريق حماد بن سلمة، عن
هشام بن عروة، عن أبيه، ونقله الحافظ في " الاصابة " 6 /
79.
وزاد السيوطي نسبته في " الدر المنثور " 5 / 99 إلى عبد بن
حميد، وابن أبي حاتم، وابن عساكر وانظر ابن هشام 2 / 373.
(*)
(1/233)
فإن أصيب فجعفر، فإن أصيب، فابن رواحة.
فلما قتلا، كره ابن رواحة الاقدام فقال: أقسمت يا نفس
لتنزلنه * طائعة أو لا لتكر هنه فطالما قد كنت مطمئنه * ما
لي أراك تكرهين الجنه (1) فقاتل حتى قتل.
قال مدرك بن عمارة: قال ابن رواحة: مررت بمسجد النبي، صلى
الله عليه وسلم، فجلست بين يديه، فقال: كيف تقول الشعر إذا
أردت أن تقول.
قلت: أنظر في ذاك، ثم أقول.
قال: فعليك بالمشركين، ولم أكن هيأت شيئا.
ثم قلت: فخبروني أثمان العباء متى * كنتم بطارق أو دانت
لكم مضر فرأيته قد كره هذا أن جعلت قومه أثمان العباء
فقلت: يا هاشم الخير إن الله فضلكم * على البرية فضلا ما
له غير إني تفرست فيك الخير أعرفه * فراسة خالفتهم في الذي
نظروا ولو سألت إن استنصرت بعضهم * في حل أمرك ما آووا ولا
نصروا فثبت الله ما آتاك من حسن * تثبيت موسى ونصرا كالذي
نصروا فأقبل، صلى الله عليه وسلم، بوجهه مستبشرا وقال: "
وإياك فثبت الله " (2).
__________
(1) الخبر عند ابن هشام 2 / 379، والابيات هناك ثلاثة،
والنص مختلف.
وكذلك في " الاستيعاب " 6 / 174.
(2) أخرجه ابن سعد 3 / 2 / 80 - 81، وابن هشام 2 / 374،
والابيات هناك ثلاثة وبغير هذا الترتيب.
وفي " أسد الغابة " 3 / 235 وفي " الاصابة " 6 / 79 - 80
وفيها بيت واحد.
وانظر " تهذيب ابن عساكر " 7 / 393.
(*)
(1/234)
وقال ابن سيرين: كان حسان وكعب يعارضان المشركين بمثل
قولهم بالوقائع والايام والماثر.
وكان ابن رواحة يعيرهم بالكفر، وينسبهم إليه، فلما أسلموا
وفقهوا، كان أشد عليهم.
ثابت: عن أنس قال: دخل النبي، صلى الله عليه وسلم، مكة في
عمرة القضاء، وابن رواحة بين يديه يقول: خلوا بني الكفار
عن سبيله * اليوم نضربكم على تنزيله ضربا يزيل الهام عن
مقيله * ويذهل الخليل عن خليله فقال عمر: يا ابن رواحة !
في حرم الله وبين يدي رسول الله تقول الشعر ؟ فقال النبي،
صلى الله عليه وسلم: " خل يا عمر، فهو أسرع فيهم من نضح
النبل ".
وفي لفظ: " فو الذي نفسي بيده، لكلامه عليهم أشد من وقع
النبل " (1).
ورواه معمر، عن الزهري، عن أنس.
قال الترمذي (2): وجاء في غير هذا الحديث أن النبي، صلى
الله عليه وسلم، دخل مكة في عمرة القضاء وكعب يقول ذلك.
قال: وهذا أصح عند بعض أهل العلم، لان ابن رواحة قتل يوم
مؤتة،
__________
(1) إسناده قوي.
وأخرجه الترمذي (2851) في الادب: باب ما جاء في إنشاد
الشعر.
وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه.
والنسائي 5 / 202 في الحج: باب إنشاد الشعر في الحرم
والمشي بين يدي الامام، وصححه ابن حبان (2020) و (2021)،
وقال الحافظ في " الاصابة " 6 / 80: وأخرجه أبو يعلى بسند
حسن، وانظر " سيرة ابن كثير " 3 / 428 - 433.
(2) سقطت لفظة " الترمذي " من المطبوع.
(*)
(1/235)
وإنما كانت عمرة القضاء بعد ذلك (1).
قلت: كلا، بل مؤتة بعدها بستة أشهر جزما.
قال أبو زرعة الدمشقي: قلت لاحمد بن حنبل: فحديث أنس: دخل
النبي، عليه السلام، مكة وابن رواحة آخذ بغرزه (2).
فقال: ليس له أصل.
وعن قيس بن أبي حازم أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم،
قال لابن رواحة: " انزل فحرك الركاب ".
قال: يا رسول الله ! لقد تركت قولي، فقال له عمر: " اسمع
وأطع " فنزل وقال: تالله لولا الله ما اهتدينا ولا تصدقنا
ولا صلينا وساق باقيها (3).
إسماعيل بن أبي خالد: عن قيس قال: بكى ابن رواحة، وبكت
امرأته، فقال: ما لك ؟ قالت: بكيت لبكائك، فقال: إني قد
علمت أني وارد النار،
__________
(1) قال الترمذي هذا الكلام، بعد الحديث (3851) مباشرة.
وتعقبه الحافظ في " الفتح " 7 / 384 في المغازي: باب عمرة
القضاء، بعد أن نقل كلام الترمذي - قائلا: وهو ذهول شديد
وغلط مردود.
وما أدري كيف وقع الترمذي في ذلك مع وفور معرفته، ومع أن
في قصة عمرة القضاء اختصام جعفر وأخيه علي وزيد بن حارثة
في بنت حمزة.
وجعفر قتل وزيد وابن رواحة في موطن واحد.
فكيف يخفى على الترمذي مثل هذا ؟ ! (2) الغرز هو الركاب،
وقد تحرفت في المطبوع إلى: " ببعيره ".
(3) رجاله ثقات، لكنه مرسل.
وأخرجه ابن سعد 3 / 2 / 80 من طريق: إسماعيل بن أبي خالد،
عن قيس بن أبي حازم.
والنص أطول.
وفيه: " يا رب لولا أنت ما اهتدينا ".
(*)
(1/236)
وما أدري أناج منها أم لا (1).
الزهري: عن سليمان بن يسار أن النبي، صلى الله عليه وسلم،
كان يبعث ابن رواحة إلى
خيبر فيخرص بينه وبين يهود.
فجمعوا حليا من نسائهم فقالوا: هذا لك وخفف عنا.
قال: يا معشر يهود ! والله إنكم لمن أبغض خلق الله إلي،
وما ذاك بحاملي على أن أحيف عليكم، والرشوة سحت.
فقالوا: بهذا قامت السماء والارض (2).
وحماد بن سلمة، عن عبد الله فيما نحسب، عن نافع، عن ابن
عمر، نحوه.
أخبرنا إسماعيل بن عبد الرحمن، أنبأنا محمد بن المسند،
بالمزة، أنبأنا
__________
(1) رجاله ثقات لكنه مرسل.
قال السيوطي في " الدر المنثور " 4 / 282: أخرج ابن
المبارك، وأحمد في الزهد، وابن عساكر، عن بكر بن عبد الله
المزني قال: لما نزلت هذه الآية [ وإن منكم إلا واردها ]
ذهب عبد الله بن رواحة إلى بيته فبكى، فجاءت المرأة فبكت،
وجاءت الخادم فبكت.
وجاء أهل البيت فجعلوا يبكون.
فلما انقطعت عبرتهم قال: يا أهلاه ما الذي أبكاكم ؟ قالوا:
لا ندري.
ولكن رأيناك بكيت فبكينا.
قال: إنه أنزلت على رسول الله، صلى الله عليه وسلم، آية
ينبئني فيها ربي تبارك وتعالى أني وارد النار، ولم ينبئني
أني صادر عنها، فذاك الذي أبكاني.
وأخرج أبو نعيم في " الحلية " 1 / 118 من طريق: فاروق بن
عبد الكبير، حدثنا زياد بن الخليل، حدثنا إبراهيم بن محمد
بن فليح، حدثنا موسى بن عقبة، عن ابن شهاب الزهري قال:
زعموا أن ابن رواحة بكى حين أراد الخروج إلى مؤتة.
فبكى أهله حين رأوه يبكي فقال: والله ما بكيت جزعا من
الموت، ولا صبابة لكم.
ولكني بكيت من قول الله عزوجل (وإن منكم إلا واردها كان
على ربك حتما مقضيا) فأيقنت أني واردها.
ولم أدر أنجو منها أم لا.
وانظر تهذيب ابن عساكر 7 / 395.
(2) قال ابن هشام في " السيرة " 2 / 345: فكان رسول الله،
صلى الله عليه وسلم، كما حدثني عبد الله بن أبي بكر، يبعث
عبد الله بن رواحة خارصا بين المسلمين ويهود.
فإذا قالوا: تعديت علينا، قال: إن شئتم فلكم، وإن شئتم
فلنا.
فتقول يهود: بهذا قامت السماوات والارض.
(*)
(1/237)
عبدان بن رزين، حدثنا نصر بن إبراهيم الفقيه، أنبأنا عبد
الوهاب بن الحسين، حدثنا الحسين بن محمد بن عبيد، حدثنا
محمد بن العباس الزيدي، حدثنا محمد بن حرب، حدثنا محمد بن
عياذ، حدثنا عبد العزيز ابن أخي الماجشون: بلغنا أنه كانت
لعبد الله بن رواحة جارية يستسرها عن أهله، فبصرت به
امرأته يوما قد خلا بها، فقالت: لقد اخترت أمتك على حرتك ؟
فجاحدها ذلك، قالت: فإن كنت صادقا، فاقرأ آية من القرآن.
قال: شهدت بأن وعد الله حق * وأن النار مثوى الكافرينا
قالت: فزدني آية، فقال: وأن العرش فوق الماء طاف * وفوق
العرش رب العالمينا وتحمله ملائكة كرام * ملائكة الاله
مقربينا فقالت: آمنت بالله، وكذبت البصر، فأتى رسول الله،
صلى الله عليه وسلم، فحدثه، فضحك ولم يغير (1) عليه (2)
ابن وهب: حدثني أسامة بن زيد أن نافعا حدثه قال: كانت لابن
رواحة امرأة، وكان يتقيها، وكانت له جارية، فوقع عليها.
فقالت له.
فقال: سبحان الله ! قالت: اقرأ علي إذا، فإنك جنب فقال:
شهدت بإذن الله ان محمدا * رسول الذي فوق المسوات من عل
__________
(1) تحرفت في المطبوع إلى " ينكر ".
(2) هو عند ابن عساكر.
وانظر " تهذيب ابن عساكر " 7 / 395.
(*)
(1/238)
وأن أبا يحيى ويحيى كلاهما * له عمل من ربه متقبل (1) وقد
رويا لحسان.
شريك: عن المقدام بن شريح، عن أبيه، عن عائشة: كان يتمثل
النبي صلى الله عليه وسلم بشعر عبد الله بن رواحة، وربما
قال: " ويأتيك بالاخبار من لم تزود " (2) ابن إسحاق: حدثنا
محمد بن جعفر بن الزبير، عن عروة قال: ثم أخذ الراية، يعني
بعد قتل صاحبه، قال: فالتوى بعض الالتواء، ثم تقدم بها على
فرسه، فجعل يستنزل نفسه، ويتردد بها بعض التردد.
قال: وحدثني عبد الله بن أبي بكر بن حزم أنه قال عند ذلك:
أقسمت بالله لتنزلنه * طائعة أو لا لتكرهنه إن أجلب الناس
وشدوا الرنه * مالى أراك تكرهين الجنه قد طال ما قد كنت
مطمئنه * هل أنت إلا نطفة في شنه ثم نزل فقاتل حتى قتل.
__________
(1) رجاله ثقات، لكنه مرسل.
وانظر " الاستيعاب " 6 / 187 - 179، وكتاب " العلو "
للمؤلف رحمه الله.
(2) أخرجه أحمد 6 / 222 والترمذي (2852) في الادب: باب ما
جاء في إنشاد الشعر.
والبخاري في الادب المفرد (867).
وأخرج ابن أبي شيبة نحوه من حديث ابن عباس فيما قاله ابن
حجر في " الفتح " 10 / 447.
وصدر البيت: " ستبدي لك الايام ما كنت جاهلا " وهو من
معلقة طرفة بن العبد البكري.
(*)
(1/239)
وقال أيضا: يا نفس إن لا تقتلي تموتي * هذا حمام الموت قد
لقيت وما تمنيت فقد أعطيت * إن تفعلي فعلهما هديت وإن
تأخرت فقد شقيت (1)
قال الوليد بن مسلم: فسمعت أنهم ساروا بناحية معان،
فأخبروا أن الروم قد جمعوا لهم جموعا كثيرة، فاستشار زيد
أصحابه فقالوا: قد وطئت البلاد وأخفت (2) أهلها.
فانصرف، وابن رواحة ساكت.
فسأله فقال: إنا لم نسر لغنائم، ولكنا خرجنا للقاء، ولسنا
نقاتلهم بعدد ولا عدة، والرأي المسير إليهم.
قال عروة بن الزبير: قال النبي، صلى الله عليه وسلم: " فإن
أصيب ابن رواحة، فليرتض المسلمون رجلا " ثم ساروا حتى
نزلوا بمعان، فبلغهم أن هرقل قد نزل بمآب في مئة ألف من
الروم، ومئة ألف من المستعربة، فشجع الناس ابن رواحة،
وقال: يا قوم ! والله إن الذي تكرهون للتي خرجتم لها:
الشهادة.
(3) وكانوا ثلاثة آلاف.
فصل شهداء يوم الرجيع (4) في سنة أربع بعث النبي، صلى الله
عليه وسلم، عشرة رهط عينا، عليهم عاصم بن ثابت
__________
(1) الخبر في " سيرة ابن هشام " 2 / 379 و " الاستيعاب " 6
/ 175، و " الحلية " 1 / 120، و " أسد الغابة " 3 / 237.
(2) تحرفت في المطبوع إلى " أخذت ".
(3) انظر " سيرة ابن هشام " 2 / 375 والحلية 1 / 119، و "
أسد الغابة " 3 / 236.
(4) أخرج خبرها البخاري (4086) في المغازي: باب غزوة
الرجيع.
وسيأتي الحديث بتمامه في ترجمة خبيب بعد قليل ص (246).
والرجيع: اسم موضع من بلاد هذيل كانت الوقعة فيه فسميت =
(*)
(1/240)
ابن أبي الاقلح (1) الانصاري.
فأحاط بهم بقرب عسفان، حي من هذيل، هم نحو المئة.
فقتلوا ثمانية، وأسروا خبيب بن عدي، وزيد بن الدثنة،
فباعوهما بمكة.
ومن الثمانية: عبد الله بن طارق، حليف بني ظفر، وخالد بن
البكير
الليثي، ومرثد بن أبي مرثد الغنوي.
وتحرير ذلك ذكرته في مغازي النبي، صلى الله عليه وسلم (2).
شهداء بئر معونة (3) بعث النبي، صلى الله عليه وسلم،
أربعين رجلا سنة أربع، أمر عليهم المنذر بن عمرو الساعدي
أحد البدريين، ومنهم حرام بن ملحان النجاري، والحارث بن
الصمة، وعروة بن أسماء، ونافع بن بديل بن ورقاء الخزاعي
(4)، وعامر بن فهيرة مولى الصديق.
فساروا حتى نزلوا بئر معونة.
فبعثوا حراما بكتاب النبي،
__________
= به.
وانظر ابن هشام 2 / 169 وما بعدها.
وابن سعد 2 / 1 / 39، والطبري في تاريخه 3 / 29 وما بعدها،
و " البداية " لابن كثير 4 / 62، وابن سيد الناس 2 / 40، و
" شرح المواهب اللدنية " 1 / 130 وما بعدها.
(1) تصحفت في المطبوع إلى " الافلح ".
(2) أي في كتابه " تاريخ الاسلام ".
وقد ورد القسم الاخير من غزوة الرجيع في المطبوع 1 / 223
بتحقيق محمد عبد الهادي شعيرة، وسقط القسم الاكبر منها.
وفي المطبوع تحريف وتصحيف وسقط.
(3) أخرج خبرها البخاري (4090) في المغازي: باب غزوة
الرجيع ورعل وذكوان وبئر معونة.
وبئر معونة موضع من بلاد هذيل بين مكة وعسفان.
وهذه الموقعة تعرف بسرية القراء.
وانظر خبرها في ابن هشام 2 / 183 - 189، وابن سعد 2 / 1 /
36 والطبري 3 / 33 في تاريخه، و " تاريخ الاسلام " 1 /
224، و " البداية " 4 / 71، و " شرح المواهب اللدنية " 1 /
133، و " جوامع السيرة " 178 - 180، وابن سيد الناس 2 /
46.
(4) في الاصل " رافع بن ورقاء الخزاعي " وهو خطأ.
والتصحيح مما مر من المراجع.
(*)
(1/241)
صلى الله عليه وسلم، إلى عامر بن الطفيل.
فلم ينظر في الكتاب حتى قتل.
الرجل.
ثم استصرخ بني سليم، وأحاط بالقوم، فقاتلوا حتى استشهدوا
كلهم، ما نجا
سوى كعب بن زيد النجاري، ترك وبه رمق فعاش، ثم استشهد يوم
الخندق، وأعتق [ عامر بن ] (1) الطفيل عمرو بن أمية الضمري
لانه أخبره أنه من مضر.
38 - كلثوم بن الهدم * ابن
امرئ القيس بن الحارث بن زيد بن عبيد بن زيد بن
مالك بن عوف بن عمرو بن عوف بن مالك بن الاوس الانصاري
العوفي، شيخ الانصار، ومن نزل عليه النبي، صلى الله عليه
وسلم، أول ما قدم المدينة بقباء.
وكان قد شاخ.
قال صاحب " الطبقات ": أنبأنا محمد بن عمر، حدثنا مجمع بن
يعقوب، عن سعيد بن عبد الرحمن بن رقيش، عن عبد الرحمن بن
يزيد بن جارية، عن عمه مجمع (ح) وأنبأنا محمد بن عمر،
حدثنا ابن أبي سبرة، عن عثمان بن وثاب، عن أبي غطفان، عن
ابن عباس قالا: كان كلثوم بن الهدم رجلا شريفا.
وكان مسنا أسلم قبل مقدم النبي، صلى الله عليه وسلم،
المدينة.
فلما هاجر، نزل عليه.
وكان يتحدث في منزل سعد بن خيثمة، وكان يسمى منزل العزاب
(2).
__________
(1) سقطت من الاصل.
(*) طبقات ابن سعد: 3 / 2 / 149، تاريخ خليفة: 55،
الاستبصار: 293، الاستيعاب: 9 / 260، أسد الغابة: 4 / 495،
الاصابة: 8 / 310.
(2) العزاب: جمع عازب وهم الذين لا أزواج لهم من الرجال
والنساء، وهكذا جاءت في " طبقات ابن سعد " 3 / 2 / 149، و
" أسد الغابة " 4 / 495، و " سيرة ابن كثير " 2 / 270.
وقد أخطأ محققو سيرة ابن هشام، فوضعوا مكانها الاعراب.
مع أنهم أشاروا في الهامش 1 / 493 إلى أن الاصول كلها "
العزاب " كما في " الصحاح " و " اللسان ".
وفي " الاصابة " 8 / 310 و " الاستيعاب " 6 / 261 " منزل
القرآن " وهو تحريف.
(*)
(1/242)
فلذلك قال الواقدي: قيل: نزل النبي، صلى الله عليه وسلم،
على سعد بن خيثمة، ونزل
على كلثوم بن الهدم جماعة من المهاجرين.
ثم لم يلبث أن توفي، رضي الله عنه، وذلك قبل بدر.
وكان رجلا صالحا (1).
39 - أبو دجانة الانصاري
* سماك بن خرشة بن لوذان بن عبد ود بن زيد الساعدي.
كان يوم أحد عليه عصابة حمراء، يقال: آخى النبي، صلى الله
عليه وسلم، بينه وبين عتبة بن غزوان.
قال الواقدي: ثبت أبو دجانة يوم أحد مع النبي، صلى الله
عليه وسلم، وبايعه على الموت.
وهو ممن شارك في قتل مسيلمة الكذاب، ثم استشهد يومئذ (2).
قال محمد بن سعد: لابي دجانة عقب بالمدينة وببغداد إلى
اليوم.
وقال زيد بن أسلم: دخل على أبي دجانة وهو مريض، وكان وجهه
يتهلل.
فقيل له: ما لو جهك يتهلل ؟ فقال: ما من عمل شئ أوثق عندي
من اثنتين: كنت لا أتكلم فيما لا يعنيني، والاخرى فكان
قلبي للمسلمين سليما (3).
__________
(1) ابن سعد 3 / 2 / 149.
(*) طبقات ابن سعد: 3 / 2 / 101 - 102، تاريخ خليفة: 111،
114، المعارف: 271، الجرح والتعديل: 4 / 279، مشاهير علماء
الامصار: ت: 85، الاستبصار: 101 - 103، الاستيعاب: 4 /
253، أسد الغابة: 2 / 451، تهذيب الاسماء واللغات: 2 / 227
- 228، تاريخ الاسلام: 1 / 317، العبر: 1 / 14، الاصابة: 4
/ 252 و 11 / 112، كنز العمال: 13 / 260.
(2) ابن سعد 3 / 2 / 102، والحاكم 3 / 229.
(3) أخرجه ابن سعد 3 / 2 / 102 من طريق: معن بن عيسى، عن
هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم، قال:...(*)
(1/243)
وعن أنس بن مالك قال: رمى أبو دجانة بنفسه يوم اليمامة إلى
داخل
الحديقة، فانكسرت رجله، فقاتل وهو مكسور الرجل حتى قتل رضي
الله عنه (1).
وقيل: هو سماك بن أوس بن خرشة.
صالح بن موسى، عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة
قال: لما وضعت الحرب أوزارها، افتحر أصحاب رسول الله، صلى
الله عليه وسلم، بأيامهم، وطلحة ساكت لا ينطق، وسماك بن
خرشة أبو دجانة ساكت لا ينطق (2)، فقال رسول الله، صلى
الله عليه وسلم، حين رأى سكوتهما: " لقد رأيتني يوم أحد
وما في الارض قربي مخلوق غير جبريل عنى يميني، وطلحة عن
يساري " (3) وكان سيف أبي دجانة غير ذميم.
وذلك أن النبي، صلى الله عليه وسلم، عرض ذلك السيف حتى
قال: من يأخذ هذا السيف بحقه ؟ فأحجم الناس عنه.
فقال أبو دجانة: وما حقه يا رسول الله ؟ قال: تقاتل به في
سبيل الله حتى يفتح الله عليك أو تقتل.
فأخذه بذلك الشرط.
فلما كان قبل الهزيمة يوم أحد خرج بسيفه مصلتا وهو يتبختر،
ما عليه إلا قميص وعمامة حمراء قد عصب بها رأسه، وإنه
ليرتجز ويقول:
__________
(1) " أسد الغابة " 2 / 452.
(2) سقط من المطبوع من قوله: " وسماك...إلى قوله: لا ينطق
".
(3) إسناده ضعيف جدا.
لضعف صالح بن موسى بن إسحاق بن طلحة بن عبيدالله الطلحي
الكوفي.
ضعفه ابن معين، وأبو حاتم، والبخاري، والنسائي.
وقال ابن عدي: عامة ما يرويه لا يتابعه عليه أحد.
(*)
(1/244)
إني امرؤ عاهدني خليلي * إذ نحن بالسفح لدى النخيل أن لا
أقيم الدهر في الكبول * أضرب بسيف الله والرسول
قال: يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنها لمشية (1)
يبغضها الله ورسوله إلا في مثل (2) هذا الموطن " (3).
وحرز أبي دجانة شئ لم يصح ما أدري من وضعه (4).
__________
(1) تحرفت في المطبوع إلى " الميتة ".
(2) سقطت من المطبوع لفظة " مثل ".
(3) أخرجه ابن هشام 2 / 66 - 67 بتمامه، وابن سعد 3 / 2 /
101 عن أنس إلى آخر الشعر.
وأخرجه أحمد 3 / 123، ومسلم (2470) في فضائل الصحابة: باب
من فضائل أبي دجانة، من طريق حماد بن سلمة عن ثابت، عن
أنس: " أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أخذ سيفا يوم
أحد فقال: من يأخذ مني هذا ؟ فبسطوا أيديهم، كل إنسان منهم
يقول: أنا، أنا.
قال: فمن يأخذه بحقه ؟ قال: فأحجم القوم.
فقال سماك بن خرشة، أبو دجانة: أنا آخذه بحقه.
قال: فأخذه ففلق به هام المشركين ".
وأحجم: تأخر وكف.
وفلق هام المشركين: شق رؤوسهم.
وحديث: إنها لمشية..." ذكره الهيثمي في " المجمع " 6 / 109
ونسبه إلى الطبراني، وقال: وفيه من لم أعرفه.
(4) جاء في اللآلئ: كما في " تذكرة الموضوعات " ص (211،
212): عن موسى الانصاري: " شكى أبو دجانة الانصاري فقال:
يا رسول الله ! بينما أنا البارحة نائم إذ فتحت عيني، فإذا
عند رأسي شيطان فجعل يعلو ويطول، فضربت بيدي إليه فإذا
جلده كجلد القنفذ فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم:
ومثلك يؤذى يا أبا دجانة ! عامرك عامر سوء ورب الكعبة.
ادع لي علي بن أبي طالب، فدعاه، فقال: يا أبا الحسن اكتب
لابي دجانة كتابا لا شئ يؤذيه من بعده.
فقال: وما أكتب ؟ قال: اكتب: بسم الله الرحمن الرحيم، هذا
كتاب من محمد النبي العربي الامي، التهامي الابطحي المكي،
المدني، القرشي، الهاشمي، صاحب التاج والهراوة والقضيب
والناقة، والقرآن، والقبلة، صاحب قول: لا إله إلا الله،
إلى من طرق الدار من الزوار والعمار إلا طارقا يطرق بخير،
اما بعد فإن لنا ولكم في الحق سعة.
فإن يكن عاشقا مولعا، أو مؤذيا مقتحما، أو فاجرا يجهر، أو
مدعيا محقا أو مبطلا فهذا كتاب الله ينطق علينا وعليكم
بالحق ورسلنا لدينا يكتبون ما تمكرون.
اتركوا حملة القرآن، وانطلقوا إلى عبدة الاوثان إلى من
اتخذ مع الله إلها آخر، لا إله إلا هو رب العرش العظيم،
يرسل عليكما شواظ من نار ونحاس فلا تنتصران، فإذا انشقت
السماء فكانت وردة كالدهان فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا
جان.
ثم طوى الكتاب وقال: ضعه عند رأسك فوضعه، = (*)
(1/245)
40 - خبيب بن عدي
* ابن عامر بن مجدعة بن جحجبا الانصاري الشهيد.
ذكره ابن سعد فقال: شهد أحدا، وكان فيمن بعثه النبي، صلى
الله عليه وسلم، مع بني لحيان، فلما صاروا بالرجيع، غدروا
بهم، واستصرخوا عليهم، وقتلوا فيهم، وأسروا خبيبا، وزيد بن
الدثنة، فباعوهما بمكة، فقتلوهما بمن قتل النبي صلى الله
عليه وسلم، من قومهم، وصلبوهما بالتنعيم (1).
قال مسلمة بن جندب: عن الحارث بن البرصاء قال: أتي بخبيب،
فبيع بمكة، فخرجوا به إلى الحل ليقتلوه، فقال: دعوني أصلي
ركعتين.
ثم
__________
= فإذا هم ينادون: النار، النار أحرقتنا بالنار، والله ما
أردناك، ولا طلبنا أذاك، ولكن زائر زارنا وطرق فارفع عنا
الكتاب.
فقال: والذي نفس محمد بيده لا أرفعه عنكم حتى أستأذنه، صلى
الله عليه وسلم، فلما أصبح أخبره فقال: ارفع عنهم فإن
عادوا بالسيئة فعد إليهم بالعذاب، فوالذي نفس محمد بيده ما
دخلت هذه الاسماء دارا ولا موضعا، ولا منزلا، إلا هرب
إبليس وجنوده وذريته، والغاوون ".
موضوع، وإسناده مقطوع وأكثر رجاله مجهولون.
وليس في الصحابة من يسمى بموسى أصلا.
(*) نسب قريش: 204، 205، تاريخ خليفة: 74، 76، الاستبصار:
305 - 307، حلية الاولياء: 1 / 112 - 114، الاستيعاب: 3 /
183، أسد الغابة: 2 / 120، العقد الثمين: 4 / 305،
الاصابة: 3 / 80، كنز العمال: 13 / 386.
(1) أخرج أحمد 2 / 294، 310، والبخاري (3045) في الجهاد:
باب هل يستأسر الرجل،
ومن لم يستأسر، ومن ركع ركعتين عند القتل، و (3989) في
المغازي، و (4086) فيه: باب غزوة الرجيع ورعل وذكوان، و
(7402) في التوحيد: باب ما يذكر في الذات والنعوت، وأسامي
الله عز وجل، من طريق ابن شهاب قال: أخبرني عمرو بن جارية
الثقفي، حليف بني زهرة، وكان من أصحاب أبي هريرة، عن أبي
هريرة، رضي الله عنه، قال: بعث رسول الله، صلى الله عليه
وسلم، عشرة عينا، وأمر عليهم عاصم بن ثابت الانصاري جد
عاصم بن عمر بن الخطاب، حتى إذا كانوا بالهدة، بين عسفان
ومكة، ذكروا لحي من هذيل يقال لهم: بنو لحيان.
فنفروا لهم بقريب من مئة رجل رام، فاقتصوا آثارهم حتى
وجدوا مأكلهم التمر في منزل نزلوه، فقالوا: تمر يثرب.
فاتبعوا آثارهم.
فلما = (*)
(1/246)
قال: لو لا أن تظنوا أن ذلك جزع لزدت، اللهم أحصهم عددا.
قال الحارث: وأنا حاضر، فوالله ما كنت أظن أن سيبقى منا
أحد.
ابن إسحاق: عن عاصم بن عمر قال: لما كان من غدر عضل
والقارة بخبيب وأصحابه بالرجيع، قدموا به ويزيد بن الدثنة.
فأما خبيب، فابتاعه
__________
= حس بهم عاصم وأصحابه لجؤوا إلى موضع، فأحاط بهم القوم.
فقالوا لهم: انزلوا فأعطوا بأيديكم ولكم العهد والميثاق
ألا نقتل منكم أحدا.
فقال عاصم بن ثابت: أيها القوم ! أما أنا، فلا أنزل في ذمة
كافر.
ثم قال: اللهم أخبر عنا نبيك، صلى الله عليه وسلم، فرموهم
بالنبل فقتلوا عاصما.
ونزل إليهم ثلاثة نفر على العهد والميثاق.
منهم خبيب، وزيد بن الدثنة ورجل آخر.
فلما استمكنوا منهم أطلقوا أوتار قسيهم فربطوهم بها.
قال الرجل الثالث.
هذا أول الغدر والله لا أصحبكم، إن لي بهؤلاء أسوة - يريد
القتلى - فجر روه وعالجوه فأبى أن يصحبهم.
فانطلق بخبيب وزيد بن الدثنة حتى باعوهما بعد وقعة بدر.
فابتاع بنو الحارث بن عامر بن نوفل خبيبا - وكان خبيب هو
قتل الحارث بن عامر يوم بدر - فلبث خبيب عندهم أسيرا حتى
أجمعوا قتله، فاستعار من بعض بنات الحارث موسى يستحد بها
فأعارته، فدرج بني لها وهي غافلة حتى أتاه، فوجدته مجلسه
على فخذه والموسى بيده.
قالت: ففزعت فزعة عرفها خبيب، فقال: أتخشين أن أقتله ؟ ما
كنت لافعل ذلك قالت: والله ما رأيت أسيرا
قط خيرا من خبيب.
والله لقد وجدته يوما يأكل قطفا من عنب في يده، وإنه لموثق
بالحديد، وما بمكة من ثمرة.
وكانت تقول: إنه لرزق رزقه الله خبيبا.
فلما خرجوا به من الحرم ليقتلوه في الحل، قال لهم خبيب:
دعوني أصلي ركعتين، فتركوه فركع ركعتين فقال: والله لولا
أن تحسبوا أن ما بي جزع لزدت.
ثم قال: اللهم أحصهم عددا، واقتلهم بددا، ولا تبق منهم
أحدا، ثم أنشأ يقول: فلست أبالي حين أقتل مسلما * على أي
جنب كان في الله مصرعي وذلك في ذات الاله وإن يشأ * يبارك
على أوصال شلو ممزع ثم قام إليه أبو سروعة عقبة بن الحارث،
فقتله، وكان خبيب هو سن لكل مسلم قتل صبرا الصلاة، وأخبر -
يعني النبي - أصحابه يوم أصيبوا خبرهم، وبعث ناس من قريش
إلى عاصم بن ثابت حين حدثوا أنه قتل أن يؤتوا بشئ منه يعرف
- وكان قتل رجلا عظيما من عظمائهم - فبعث الله لعاصم مثل
الظلة من الدبر فحمته من رسلهم فلم يقدروا أن يقطعوا منه
شيئا ".
وانظر ابن هشام 2 / 169 / 183 و " سيرة ابن كثير " 3 /
139، 144.
والتنعيم: موضع بمكة في الحل، وهو بين مكة وسرف على فرسخين
من مكة.
(*)
(1/247)
حجير بن أبي إهاب لعقبة بن الحارث بن عامر، وكان أخا حجير
لامه، ليقتله بأبيه.
فلما خرجوا به ليقتلوه، وقد نصبوا خشبته ليصلبوه، فانتهى
إلى التنعيم، فقال: إن رأيتم أن تدعوني أركع ركعتين.
فقالوا: دونك.
فصلى.
ثم قال: والله لولا أن تظنوا إنما طولت جزعا من القتل، لا
ستكثرت من الصلاة.
فكان أول من سن الصلاة عند القتل.
ثم رفعوه على خشبته، فقال: اللهم أحصهم عددا، واقتلهم
بددا، ولا تغادر منهم أحدا، اللهم إنا قد بلغنا رسالة
رسولك، فبلغه الغداة ما أتى إلينا.
قال: وقال معاوية: كنت فيمن حضره، فلقد رأيت أبا سفيان
يلقيني إلى الارض، فرقا من دعوة خبيب.
وكانوا يقولون (1): إن الرجل إذا دعي عليه
فاضطجع، زلت عنه الدعوة.
قال ابن إسحاق: فحدثني يحيى بن عباد، عن أبيه، عن عقبة بن
الحارث قال: والله ما أنا قتلته، لانا كنت أصغر من ذلك،
ولكن أخذ بيدي أبو ميسرة العبدري، فوضع الحربة على يدي، ثم
وضع يده على يدي فأخذها بها، ثم قتله (2).
عبد الله بن إدريس: حدثني عمرو بن عثمان بن موهب، مولى
الحارث بن عامر قال: قال موهب: قال لي خبيب، وكانوا جعلوه
عندي: أطلب إليك
__________
(1) أي: أهل الجاهلية، وهومن خرافاتهم.
(2) ابن هشام 2 / 173.
وعقبة بن الحارث مترجم في " الاستيعاب " و " أسد الغابة "،
و " الاصابة ".
وإسناده صحيح كما الحافظ في " الفتح " 7 / 385.
(*)
(1/248)
ثلاثا: أن تسقيني العذب، وأن تجنبني ما ذبح على النصب، وأن
تؤذني إذا أرادوا قتلي (1).
ابن إسحاق: حدثنا ابن أبي نجيح، عن ماوية مولاة حجير، وكان
خبيب حبس في بيتها، فكانت تحدث بعد ما أسلمت، قالت: والله
إنه لمحبوس إذ اطلعت من صير الباب إليه، وفي يده قطف عنب
مثل رأس الرجل يأكل منه، وما أعلم في الارض حبة عنب، ثم
طلب مني موسى يستحدها (2).
41 - معاذ بن عمرو بن الجموح
* ابن كعب، الانصاري الخزرجي السلمي المدني البدري العقبي،
قاتل أبي جهل.
قال جرير بن حازم: عن ابن إسحاق: معاذ بن عمرو بن الجموح
بن زيد
ابن حرام بن كعب بن غنم بن كعب بن سلمة.
شهد بدرا.
__________
(1) انظر " الاصابة " 9 / 302.
(2) تصحفت في المطبوع إلى " يشحذها ".
وصير الباب: شقه.
وابن أبي نجيح هو عبد الله.
والخبر ذكره الحافظ في " الاصابة " 13 / 128 في ترجمة
ماوية، عن ابن إسحاق وقال: وهذا ذكره البخاري في الصحيح،
في قصة قتل خبيب.
يعني رواية البخاري (3045) و (3989) و (4086) و (7402).
وليس في روايات البخاري " أعظم من رأسه " وقوله " وما أعلم
في الارض ": أي: أرض مكة، كما جاء مصرحا به في رواية
البخاري السابقة.
وانظر التعليق (1) في الصفحة (246) (*) طبقات ابن سعد: 3 /
2 / 108، طبقات خليفة: 104، التاريخ الكبير: 1 / 66،
التاريخ الصغير: 8 / 245، الجرح والتعديل: 8 / 245،
الاستبصار: 154، الاستيعاب: 10 / 120، أسد الغابة: 5 /
202، الاصابة: 9 / 224.
(*)
(1/249)
روى عنه ابن عباس.
وعاش إلى أواخر خلافة عمر.
وفي " الصحيحين " من طريق يوسف بن الماجشون، أنبأنا صالح
بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، عن أبيه، عن جده قال:
إني لواقف يوم بدر في الصف، فنظرت، فإذا أنا بين غلامين من
الانصار حديثة أسنانهما، فتمنيت أن أكون بين أضلع منهما.
فغمزني أحدهما، فقال: يا عم ! أتعرف أبا جهل ؟ قلت: نعم.
وما حاجتك ؟ قال: أخبرت أنه يسب رسول الله، صلى الله عليه
وسلم، والذي نفسي بيده إن رأيته لا يفارق سوادي سواده حتى
يموت الاعجل منا.
فتعجبت لذلك، فغمزني الآخر، فقال مثلها، فلم أنشب (1) أن
نظرت إلى أبي جهل وهو يجول في الناس.
فقلت: ألا تريان ؟ هذا صاحبكما.
قال: فابتدراه بسيفيهما حتى قتلاه، ثم انصرفا إلى النبي،
فأخبراه.
فقال: أيكما قتله ؟ فقال كل منهما: أنا قتلته.
فقال: هل مسحتما سيفيكما ؟ قالا: لا.
فنظر في
السيفين، فقال: كلاكما قتله.
وقضى بسلبه لمعاذ بن عمرو.
والآخر هو معاذ ابن عفراء (2).
وعن معاذ بن عمرو قال: جعلت أبا جهل يوم بدر من شأني.
فلما أمكنني، حملت عليه، فضربته، فقطعت قدمه بنصف ساقه.
وضربني ابنه عكرمة بن أبي جهل على عاتقي، فطرح يدي وبقيت
معلقة بجلدة بجنبي، وأجهضني
__________
(1) ترك مكانها فارغا في المطبوع، وقال في الهامش لعلها "
ألبث ".
(2) أخرجه أحمد 1 / 193، والبخاري (3141) في فرض الخمس:
باب من لم يخمس الاسلاب.
ومسلم (1752) في الجهاد: باب استحقاق القاتل سلب القتيل.
وقوله " سوادي سواده ": أي: شخصي شخصه.
ولم أنشب: أي: لم ألبث، أي: لم يمض زمن طويل على سؤالهما
إلا ورأيته...(*)
(1/250)
عنها القتال، فقاتلت عامة يومي وإني لاسحبها خلفي.
فلما آذتني، وضعت قدمي عليها ثم تمطأت عليها حتى طرحتها
(1).
هذه والله الشجاعة، لا كآخر من خدش بسهم ينقطع قلبه، وتخور
قواه.
نقل هذه القصة ابن إسحاق وقال: ثم عاش بعد ذلك إلى زمن
عثمان.
قال: ومر بأبي جهل معوذ بن عفراء، فضربه حتى أثبته، وتركه
وبه رمق.
ثم قاتل معوذ حتى قتل، وقتل أخوه عوف قبله، وهما ابنا
الحارث بن رفاعة الزرقي.
ثم مر ابن مسعود بأبي جهل، فوبخه وبه رمق، ثم احتز رأسه.
أخبرنا أحمد بن سلامة، عن ابن مسعود الجمال، أنبأنا أبو
علي، أنا أبو
نعيم، حدثنا سليمان بن أحمد، حدثنا أحمد الابار حدثنا
الهيثم بن خارجة حدثنا رشدين بن سعد، عن عبد الله بن
الوليد التجيبي، عن أبي منصور مولى الانصار أنه سمع عمرو
بن الجموح يقول: إنه سمع رسول الله، صلى الله عليه وسلم،
يقول: " قال الله عزوجل: إن أوليائي من عبادي وأحبائي من
خلقي الذين يذكرون بذكري، وأذكر بذكرهم " (2).
__________
(1) أخرجه ابن هشام 1 / 634 - 635 من طريق: ابن إسحاق
حدثني ثور بن يزيد، عن عكرمة، عن ابن عباس و عبد الله بن
أبي بكر قالا: قال معاذ...ورجاله ثقات.
(2) أخرجه أحمد 3 / 430 وإسناده ضعيف لضعف رشدين.
وشيخه عبد الله بن الوليد لين الحديث.
وأبو منصور مولى الانصار مجهول، ثم إنه لم يلق عمرو بن
الجموح فيما قاله المؤلف وسبقه إلى ذلك البخاري في "
التاريخ ".
(*)
(1/251)
تفرد به رشدين.
وهو ضعيف.
وليس هذا الحديث لصاحب الترجمة، بل لابيه.
وقد قالوا إن عمرا قتل يوم أحد، فكيف يسمع منه أبو منصور
؟.
42 - معوذ بن عمرو * ابن
الجموح الانصاري السلمي.
شهد مع أخويه معاذ وخلاد بدرا، لكن لم يذكره ابن إسحاق،
فالله أعلم.
43 - أخوهما خلاد بن عمرو
* * شهدا بدرا، واستشهد يوم أحد.
44 - وأبوهم عمرو بن الجموح
* * * ابن زيد بن حرام بن كعب بن غنم بن كعب (1) بن سلمة
بن سعد بن علي ابن أسد بن ساردة بن تزيد، بن جشم بن الخزرج
الانصاري السلمي الغنمي.
والد معاذ، ومعوذ، وخلاد المذكورين، و عبد الرحمن، وهند.
__________
(*) طبقات ابن سعد: 3 / 2 / 108، طبقات خليفة: 104،
الاستبصار: 154، الاستيعاب: 10 / 181، أسد الغابة: 5 /
240، الاصابة: 9 / 266.
(* *) طبقات ابن سعد: 3 / 2 / 109، طبقات خليفة: 104،
الجرح والتعديل: 3 / 364،، الاستبصار: 154، الاستيعاب: 3 /
203، أسد الغابة: 2 / 143، الاصابة: 3 / 152.
(* * *) المسند لاحمد: 3 / 430، تاريخ خليفة: 73،
الاستبصار: 153 - 154، الاستيعاب: 8 / 291، أسد الغابة: 4
/ 206 - 208، تهذيب الاسماء واللغات: 2 / 25 - 26، مجمع
الزوائد: 9 / 314، الاصابة: 7 / 94 - 96.
(1) " بن غنم بن كعب " سقطت من المطبوع.
(*)
(1/252)
روى ثابت البناني: عن عكرمة قال: قدم مصعب بن عمير المدينة
يعلم الناس.
فبعث إليه عمرو بن الجموح: ما هذا الذي جئتمونا ؟ قالوا:
إن شئت جئناك، فأسمعناك القرآن.
قال: نعم.
فقرأ صدرا من سورة يوسف.
فقال عمرو: إن لنا مؤامرة في قومنا.
وكان سيد بني سلمة.
فخرجوا، ودخل على مناف (1) فقال: يا مناف ! تعلم والله ما
يريد القوم غيرك، فهل عندك من نكير ؟ قال: فقلده السيف
وخرج، فقام أهله فأخذوا السيف، فلما رجع قال: أين السيف يا
مناف ؟ ويحك ! إن العنز لتمنع استها.
والله ما أرى في أبي جعار غدا من خير.
ثم قال لهم: إني ذاهب إلى مالي فاستوصوا بمناف خيرا.
فذهب، فأخذوه فكسروه وربطوه مع كلب ميت وألقوه في بئر،
فلما جاء قال: كيف أنتم ؟ قالوا: بخير يا سيدنا.
طهر الله بيوتنا من الرجس، قال: والله إني أراكم قد أسأتم
خلافتي في مناف.
قالوا: هو ذاك، انظر إليه في ذلك البئر.
فأشرف فرآه، فبعث إلى قومه فجاؤوا فقال: ألستم على ما أنا
عليه ؟ قالوا: بلى.
أنت سيدنا.
قال: فأشهدكم أني قد آمنت بما أنزل على محمد.
قال: فلما كان يوم أحد قال رسول الله، صلى الله عليه
وسلم،: " قوموا إلى جنة عرضها السماوات والارض أعدت
للمتقين " فقام وهو أعرج فقال: والله لاقحزن (2) عليها في
الجنة.
فقاتل حتى قتل.
وعن عاصم بن عمر أن إسلام عمرو بن الجموح تأخر.
وكان له صنم يقال له مناف، وكان فتيان بني سلمة قد آمنوا،
فكانوا يمهلون، حتى إذا ذهب الليل
__________
(1) عند ابن هشام " مناة " انظر " السيرة " 1 / 452.
(2) أي: لاثبن كما في هامش المخطوط.
والقحز: الوثب والقلق.
قحز يقحز قحزا.
قلق ووثب واضطرب.
وقد تحرفت في المطبوع إلى " لا نحزن ".
(*)
(1/253)
دخلوا بيت صنمه فيطرحونه في أنتن حفرة منكسا.
فإذا أصبح عمرو غمه ذلك، فيأخذه فيغسله ويطيبه.
ثم يعودون لمثل فعلهم.
فأبصر عمرو شأنه وأسلم، وقال أبياتا منها: والله لو كنت
إلها لم تكن * أنت وكلب وسط بئر في قرن أف لمثواك إلها
مستدن * فالآن فتشناك عن شر الغبن (1) روى محمد بن مسلم،
عن عمرو بن دينار (ح) وفطر بن خليفة، عن حبيب ابن أبي ثابت
(ح)، وابن عيينة، عن ابن المنكدر أن رسول الله، صلى الله
عليه وسلم، قال: " يا بني سلمة ! من سيدكم ؟ قالوا: الجد
بن قيس، وإنا لنبخله.
قال: وأي داء أدوى من البخل ؟ بل (2) سيدكم الجعد الابيض
عمرو بن الجموح (3).
قال الواقدي: لم يشهد بدرا.
كان أعرج.
ولما خرجوا يوم أحد منعه بنوه وقالوا: عذرك الله.
فأتى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يشكوهم.
فقال: لا عليكم أن لا تمنعوه، لعل الله يرزقه الشهادة (4).
__________
(1) الخبر عند ابن هشام 1 / 452 - 453 والرجز عنده أطول،
وفي " أسد الغابة " 4 / 207 - 208،
و " سيرة ابن كثير " 2 / 207 - 208.
والقرن: الحبل، ومستدن: ذليل مستعبد.
وقال السهيلي: مستدن من السدانة، وهي خدمة البيت وتعظيمه.
وكان لكل صنم سدنة يقومون بخدمة البيت الذي فيه الصنم.
(2) تصحفت في المطبوع إلى " هل ".
(3) رجاله ثقات لكنه مرسل.
ورواه أبو نعيم في " الحلية " 7 / 317 من طريق: ابن عيينة،
عن ابن المنكدر، عن جابر.
وأخرجه البخاري في " الادب المفرد " (296) من طريق عبد
الله بن أبي الاسود، حدثنا حميد بن الاسود، عن الحجاج
الصواف قال: حدثني أبو الزبير قال: حدثنا جابر قال: قال
رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وذكره.
وهذا سند قوي.
(4) أخرجه ابن هشام 2 / 90 من طريق: ابن إسحاق عن أبيه، عن
أشياخ من بني سلمة.
ورجاله ثقات.
فإن كان الاشياخ من الصحابة فهو مسند وإلا فهو مرسل.
وأخرجه أحمد 5 / 299 من حديث = (*)
(1/254)
قالت امرأته هند أخت عبد الله بن عمرو بن حرام: كأني أنظر
إليه قد أخذ درقته وهو يقول: اللهم لا تردني.
فقتل هو وابنه خلاد.
إسرائيل: عن سعيد بن مسروق، عن أبي الضحى: أن عمرو بن
الجموح قال لبنيه: أنتم منعتموني الجنة يوم بدر.
والله لئن بقيت، لادخلن الجنة.
فلما كان يوم أحد، قال عمر: لم يكن لي هم غيره، فطلبته،
فإذا هو في الرعيل الاول (1).
قال مالك: كفن هو و عبد الله بن عمرو بن حرام في كفن واحد.
مالك: عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة أنه بلغه أن
عمرو بن الجموح، وابن حرام كان السيل قد خرب قبرهما فحفر
عنهما ليغيرا من مكانهما، فوجدا لم يتغيرا، كأنما ماتا
بالامس.
وكان أحدهما قد جرح، فوضع يده على جرحه، فدفن كذلك.
فأميطت يده عن جرحه، ثم أرسلت،
فرجعت كما كانت.
وكان بين يوم أحد ويوم حفر عنهما ست وأربعون سنة (2).
__________
= أبي قتادة أنه حضر ذلك قال: أتى عمرو بن الجموح إلى رسول
الله، صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله ! أرأيت إن
قاتلت في سبيل الله حتى أقتل، أأمشي برجلي هذه صحيحة في
الجنة - ؟ وكانت رجله عرجاء - فقال رسول الله، صلى الله
عليه وسلم،: نعم.
فقتلوا يوم أحد هو وابن أخيه ومولى له.
فمر رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فقال: كأتي أنظر إليك
تمشي برجلك هذه صحيحة في الجنة.
فأمر رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بهما وبمولاهما
فجعلوا في قبر واحد.
وسنده حسن كما قال الحافظ في " الفتح " 3 / 173.
(1) رجاله ثقات، لكنه منقطع.
(2) أخرجه مالك ص (291) في الجهاد: باب الدفن في قبر واحد
من ضرورة برقم (50) ورجاله ثقات، لكنه مرسل.
وأخرجه ابن سعد 3 / 562 - 563، من طريق الوليد في مسلم،
حدثني الاوزاعي، عن الزهري، عن جابر فذكره بأطول مما هنا.
وهذا سند صحيح كما قال الحافظ في " الفتح " 3 / 173.
وانظر " سيرة ابن هشام " 2 / 98، و " سيرة ابن كثير " 3 /
86 - 87.
(*)
(1/255)
45 - عبيدة بن الحارث * ابن المطلب
بن عبد مناف بن قصي القرشي المطلبي.
وأمه من ثقيف.
وكان أحد السابقين الاولين.
وهو أسن من رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بعشر سنين.
هاجر هو وأخواه الطفيل وحصين.
وكان ربعة من الرجال، مليحا، كبير المنزلة عند رسول الله،
صلى الله عليه وسلم، وهو الذي بارز رأس المشركين يوم بدر
فاختلفا ضربتين، فأثبت كل منهما الآخر.
وشد علي وحمزة على عتبة، فقتلاه، واحتملا عبيدة وبه رمق.
ثم توفي بالصفراء (1)، في العشر الاخير من رمضان، سنة
اثنتين رضي الله عنه.
وقد كان النبي، صلى الله عليه وسلم، أمره على ستين راكبا
من المهاجرين، وعقد له لواء.
فكان أول لواء عقد في الاسلام.
فالتقى قريشا وعليهم أبو سفيان عند ثنية المرة، وكان ذاك
أول قتال جرى في الاسلام.
قاله ابن إسحاق (2).
__________
(*) طبقات ابن سعد: 3 / 1 / 34، نسب قريش: 94 93، تاريخ
خليفة: 59، 61، 62، الاستيعاب: 7 / 114، أسد الغابة: 3 /
553، تهذيب الاسماء واللغات: 1 / 317 - 318، العقد الثمين:
5 / 444 - 446، الاصابة: 6 / 369، شذرات الذهب: 1 / 9.
(1) الصفراء: قرية كثيرة النخل والمزارع، وماؤها عيون.
وهي فوق ينبع مما يلي المدينة.
وماؤها يجرى إلى ينبع.
وقد قيل في رثاء عبيدة بن الحارث: لقد ضمن الصفراء مجدا
وسؤددا * وحلما أصيلا وافر اللب والعقل عبيدة فابكيه
لاضياف غربة * وأرملة تهوي لاشعث كالجذل وانظر بقية
الابيات في " السيرة " لابن هشام 2 / 41 - 42.
وحديث المبارزة أخرجه الحاكم 3 / 194 من حديث علي، وانظر
ابن هشام 1 / 625.
(2) ابن سعد 3 / 1 / 35، وابن هشام 1 / 591 - 595، وابن
سيد الناس 1 / 224، وابن كثير في " سيرته " 3 / 234.
(*)
(1/256)
أعيان البدريين أبو بكر، وعمر، وعلي، وسعد، والزبير، وأبو
عبيدة، و عبد الرحمن بن عوف، وزيد بن حارثة، ومسطح بن
أثاثة، ومصعب بن عمير، وابن مسعود، والمقداد، وصهيب،
وعمار، وأبو سلمة، وزيد بن الخطاب، وسعد بن معاذ، وعباد بن
بشر، وأبو الهيثم بن التيهان، وقتادة بن النعمان، ورفاعة
ومبشر ابنا عبد المنذر، ولم يحضرها أخوهما أبو لبابة، لانه
استخلف على المدينة.
وأبو أيوب، وأبي بن كعب، وبنو عفراء، وأبو طلحة، وبلال،
وعبادة، ومعاذ، وعتبان بن مالك، وعكاشة بن محصن، وعاصم بن
ثابت، وأبو اليسر، رضي الله عنهم.
46 - ربيعة بن الحارث * ابن
عبد المطلب بن هاشم الهاشمي.
أبوأروى.
وله من الولد: محمد، و عبد الله، والحارث، والعباس، وأمية،
وعبد شمس، و عبد المطلب، وأروى الكبرى، وهند، وأروى، وآدم.
وآدم: هو المسترضع له في هذيل، فقتله بنو ليث بن بكر في
حرب كانت بينهم.
وكان صغيرا يحبو أمام البيوت، فأصابه حجر قتله.
فقال النبي، صلى الله عليه وسلم: " وأول دم أضعه (1) دم
ابن ربيعة بن الحارث " (2).
ويروى أن قال فيه: " آدم رأى في
__________
(*) طبقات ابن سعد: 4 / 1 / 32، طبقات خليفة: 5، 6، تاريخ
خليفة: 153، 348، التاريخ الكبير: 3 / 283، مشاهير علماء
الامصار: ت: 163، الاستيعاب: 3 / 258، أسد الغابة: 2 /
209، تهذيب الكمال: 409، الاصابة: 3 / 259، تهذيب التهذيب:
3 / 253، خلاصة تذهيب الكمال: 117.
(1) تحرفت في المطبوع إلى " أضيع ".
(2) أخرجه مسلم (1218) في الحج: باب حجة النبي، صلى الله
عليه وسلم، وأبو داود (1905) في المناسك: باب صفة حجة
النبي، صلى الله عليه وسلم، وابن ماجه (3074) في المناسك:
باب حجة رسول الله، = (*)
(1/257)
الكتاب دم ابن ربيعة، فزاد ألفا، والظاهر أنه لصغره مان
حفظ اسمه.
وقيل: كان اسمه تمام بن ربيعة " (1).
قالوا: وكان ربيعة أسن من عمه العباس بسنتين.
ونوبة بدر كان ربيعة غائبا بالشام.
قال ابن سعد: فلما خرج العباس ونوفل إلى رسول الله، صلى
الله عليه وسلم، مهاجرين
أيام الخندق، شيعهما ربيعة إلى الابواء، ثم أراد الرجوع،
فقالا له: أين ترجع ؟ إلى دار الشرك تقاتلون رسول الله،
صلى الله عليه وسلم، وتكذبونه، وقد عزوكثف أصحابه، ارجع.
فسار معهما حتى قدموا جميعا مسلمين.
وأطعم رسول الله، صلى الله عليه وسلم ربيعة بخيبر مئة وسق
كل سنة، وشهد معه الفتح وحنينا، وابتنى دارا بالمدينة،
وتوفي في خلافة عمر (2).
ويروى أن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: " نعم العبد
ربيعة بن الحارث لو قصر من شعره، وشمر من ثوبه " (3).
وكان ربيعة شريكا لعثمان في التجارة.
وقد جاء في حديث جابر الذي في
__________
= صلى الله عليه وسلم، كلهم من طريق حاتم بن إسماعيل،
حدثنا جعفر بن محمد، عن أبيه، قال دخلنا على جابر -
والحديث طويل جدا.
وأخرجه النسائي 5 / 143 في مناسك الحج: باب الكراهية في
الثياب المصبغة للمحرم.
(1) ابن سعد 4 / 1 / 33.
(2) ابن سعد 4 / 1 / 33.
(3) " أسد الغابة " 2 / 210 وهو لا يصح.
وإنما روى أحمد 4 / 200 والبخاري في تاريخه، والبغوي، وابن
مندة: عن بسر بن عبيدالله، عن سمرة بن فاتك الاسدي، رضي
الله عنه، أن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: " نعم العبد
سمرة لو أخذ من لمته، وشمر من مئزره.
فبلغه ذلك ففعل " ورجاله ثقات إلا أن فيه تدليس هشيم.
(*)
(1/258)
المناسك، " وإن أول دم أضع (1) [ ابن ] ربيعة بن الحارث "
أراد الذي يستحق ربيعة به الدية من أجل ولده.
وقيل: إنه توفي سنة ثلاث عشرة، وأمه هي غزية بنت قيس بن
طريف.
47 - عبد الله بن الحارث *ابن
عبد المطلب الهاشمي.
أخو ربيعة ونوفل.
وكان اسمه عبد شمس فغير.
فرووا أنه هاجر قبيل الفتح، فسماه النبي، صلى الله عليه
وسلم، عبد الله.
وخرج مع النبي، صلى الله عليه وسلم، في بعض مغازيه، فمات
بالصفراء فكفنه في قميصه - يعني قيمص النبي، صلى الله عليه
وسلم.
وقد قيل إنه قال فيه: هو سعيدا أدركته السعادة (2).
كذا أورد ابن سعد هذا بلا إسناد.
ولا نسل لهذا.
48 - خالد بن سعيد * * ابن
العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي.
__________
(1) تحرفت في المطبوع إلى " ضاع ".
(*) طبقات ابن سعد: 4 / 48، تاريخ خليفة: 184، الاستيعاب:
6 / 141، اسد الغابة: 3 / 207، العقد الثمين: 5 / 126،
الاصابة: 6 / 45.
(2) ابن سعد 4 / 1 / 33، و " أسد الغابة " 3 / 206، و "
الاستيعاب " 6 / 41.
(* *) طبقات ابن سعد: 4 / 1 / 69، نسب قريش: 174 - 175،
طبقات خليفة: 11، 298، تاريخ خليفة: 97، 120، 201، التاريخ
الكبير: 3 / 152، التاريخ الصغير: 1 / 2 , 4 , 34 , 35
المعارف: 296، الجرح والتعديل: 3 / 334، مشاهير علماء
الامصار: ت: 172، الاستيعاب: 3 / 153، ابن عساكر: 5 / 223
/ 2، أسد الغابة: 2 / 97، تاريخ الاسلام: 1 / 378، البداية
والنهاية: 7 / 377، العقد الثمين: 4 / 265، الاصابة: 3 /
58، كنز العمال: 13 / 377، شذرات الذهب: 1 / 30، تهذيب
تاريخ ابن عساكر: 5 / 55 48.
(*)
(1/259)
السيد الكبير أبو سعيد القرشي الاموي، أحد السابقين
الاولين.
روي عن أم خالد بنت خالد، قالت: كان أبي خامسا في الاسلام،
وهاجر
إلى أرض الحبشة، وأقام بها بضع عشرة سنة، وولدت أنا بها
(1).
وروى إبراهيم بن عقبة.
عن أم خالد قالت: أبي أول من كتب: بسم الله الرحمن الرحيم.
وروي أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، استعمله على
صنعاء، وأن أبا بكر أمره على بعض الجيش في غزو الشام.
قال موسى بن عقبة، أخبرنا أشياخنا أن خالدا قتل مشركا، ثم
لبس سلبه ديباجا أو حريرا، فنظر الناس إليه وهو مع عمرو.
فقال: ما لكم تنظرون ؟ من شاء، فليفعل مثل عمل خالد، ثم
يلبس لباسه.
ويروى أن خالدا رضي الله عن استشهد، فقال الذي قتله بعد أن
أسلم: من هذا الرجل ؟ فإني رأيت نورا له ساطعا إلى السماء.
وقيل: كان خالد بن سعيد وسيما جميلا، قتل يوم أجنادين،
وهاجر مع جعفر بن أبي طالب إلى المدينة زمن خيبر.
وبنته المذكورة عمرت ! وتأخرت إلى قريب عام تسعين.
وكان أبوه أبو أحيحة من كبراء الجاهلية، مات قبل غزوة بدر
مشركا.
وله عدة أولاد منهم:
__________
(1) هذا الخبر وما يليه إلى نهاية الصفحة كلها عند ابن سعد
4 / 1 / 69، 70، 71، فارجع إليها هناك.
(*)
(1/260)
49 - أبان بن سعيد * أبو الوليد الاموي.
تأخر إسلامه، وكان تاجرا موسرا سافر إلى الشام.
وهو الذي أجار ابن عمه عثمان بن عفان يوم الحديبية حين
بعثه النبي صلى الله عليه وسلم رسولا
إلى مكة، فتلقاه أبان وهو يقول: أقبل وأنسل ولا تخف أحدا *
بنو سعيد أعزة البلد (1).
ثم أسلم يوم الفتح، لا بل قبل الفتح، وهاجر.
وذلك أن أخويه خالدا المذكور وعمرا لما قدما من هجرة
الحبشة إلى المدينة بعثا إليه يدعوانه إلى الله تعالى،
فبادر وقدم المدينة مسلما.
وقد استعمله رسول الله، صلى الله عليه وسلم، سنة تسع على
البحرين.
ثم إنه استشهد هو وأخوه خالد يوم أجنادين على الصحيح.
وأبان: هو ابن عمة أبي جهل.
50 - وأخوهما عمرو بن سعيد
الاموي * * له هجرتان: إلى الحبشة، ثم إلى المدينة.
وله حديث، في " مسند الامام
__________
(*) نسب قريش: 174، 175، طبقات خليفة: 298، تاريخ خليفة:
120، 131، التاريخ الكبير: 1 / 450، التاريخ الصغير: 1 /
35، 52، الجرح والتعديل: 2 / 295، مشاهير علماء الامصار:
ت: 70، الاستيعاب: 1 / 119، أسد الغابة: 1 / 46 - 48،
تاريخ الاسلام: 1 / 376 - 378، الاصابة: 1 / 16، تهذيب
تاريخ ابن عساكر: 2 / 127 - 133.
(1) روايته في " الاصابة " 1 / 16 " أسبل وأقبل " وفي "
الاستيعاب " 1 / 120 " أقبل وأدبر " وفيهما " الحرم " بدل
" البلد ".
ورواية " تهذيب ابن عساكر ": " أقبل وأسبل " وفي " تاريخ
الاسلام " " أقبل وأبشر " وفي " اللسان ": أنسلت القوم:
إذا تقدمتهم.
(* *) طبقات ابن سعد: 4 / 1 / 72، نسب قريش: 178، تاريخ
خليفة: 273، المعارف: 296، الجرح والتعديل: 6 / 236،
مشاهير علماء الامصار: 81، الاستيعاب: 8 / 307، أسد = (*)
(1/261)
أحمد " استشهد يوم اليرموك، ويقال: يوم أجنادين، مع أخويه
رضي الله عنهم.
وروى عمرو بن سعيد الاشدق أن أعمامه خالد وأبانا وعمرا
رجعوا عن
أعمالهم حين بلغهم موت رسول الله، صلى الله عليه وسلم،
فقال أبو بكر: ما أحد أحق بالعمل من عمال رسول الله، صلى
الله عليه وسلم.
ارجعوا إلى أعمالكم.
فأبوا، وخرجوا إلى الشام فقتلوا.
رضي الله عنهم.
51 - العلاء بن الحضرمي
* (ع) واسمه العلاء بن عبد الله بن عماد (1) بن أكبر بن
ربيعة بن مقنع بن حضر موت.
كان من حلفاء بني أمية، ومن سادة المهاجرين.
وأخوه ميمون بن الحضرمي هو المنسوب إليه بئر ميمون التي
بأعلى مكة، احتفرها قبل المبعث.
وأخواهما: عمرو وعامر.
__________
= الغابة: 4 / 230، تهذيب الكمال: 1035، دول الاسلام: 1 /
52 - 53، العبر: 1 / 77، 78، العقد الثمين: 6 / 389 - 394،
تهذيب التهذيب: 8 / 37، الاصابة: 7 / 111، خلاصة تذهيب
الكمال: 289.
(*) مسند أحمد: 4 / 339 و 5 / 52، طبقات ابن سعد: 4 / 2 /
76، طبقات خليفة: 12، 72، تاريخ خليفة: 116، 127، التاريخ
الكبير: 6 / 205، المعارف: 283 - 284، الجرح والتعديل: 6 /
357، مشاهير علماء الامصار: ت: 357، الاستيعاب: 8 / 123،
أسد الغابة: 4 / 74، تهذيب الاسماء واللغات: 1 / 341 -
342، تهذيب الكمال: 1070، دول الاسلام: 1 / 17، العبر: 1 /
25، مجمع الزوائد: 9 / 376، العقد الثمين: 6 / 447 - 449،
تهذيب التهذيب: 8 / 178، الاصابة: 7 / 38، خلاصة تذهيب
الكمال: 299، شذرات الذهب: 1 / 32.
(1) عماد بالميم.
كذا الاصل.
وهو كذلك في التهذيب وفروعه، وفي " الاصابة " و "
الاستيعاب "، و " فتح الباري " 7 / 267، وقد أثبت الناسخ
فوقها " عباد " بالباء، وكذلك هي في " سيرة ابن هشام "، و
" أسد الغابة " وسيرد قريبا في الترجمة، عن ابن اسحاق "
عباد ".
(*)
(1/262)
ولاه رسول الله، صلى الله عليه وسلم، البحرين، ثم وليها
لابي بكر وعمر.
وقيل: إن عمر بعثه على إمرة البصرة، فمات قبل أن يصل
إليها.
وولي بعده البحرين لعمر أبو هريرة.
له حديث: مكث المهاجر بعد قضاء نسكه بمكة ثلاثا (1).
رواه عنه السائب بن يزيد.
وروى عنه أيضا حيان الاعرج، وزياد بن حدير.
روى منصور بن زاذان، عن محمد بن سيرين [ عن ابن العلاء ]،
أن العلاء ابن الحضرمي كتب إلى النبي، صلى الله عليه وسلم،
فبدأ بنفسه (2).
قال ابن إسحاق: كان والدهم الحضرمي حلف حرب بن أمية، وهو
من بلاد حضر موت، واسمه عبد الله بن عباد بن الصدف.
__________
(1) أخرجه أحمد 5 / 52، والبخاري (3933) في مناقب الانصار:
باب إقامة المهاجر بمكة بعد قضاء نسكه، ومسلم (1352) في
الحج: باب الاقامة بمكة للمهاجر منها بعد فراغ الحج
والعمرة، وأبو داود (2022) في المناسك: باب الاقامة بمكة،
والترمذي (949) في الحج: باب ما جاء في أن يمكث المهاجر
بمكة بعد الصدر ثلاثا، والنسائي 3 / 122 في تقصير الصلاة
في السفر: باب المقام الذي يقصر بمثله الصلاة، وابن ماجه
(1073) في الاقامة: باب كم يقصر الصلاة المسافر، والدارمي
1 / 355 في الصلاة، باب فيمن أراد أن يقيم ببلده كم يقيم
حتى يقصر الصلاة، حدثنا عبد الله بن مسلمة بن قعنب، حدثنا
سليمان بن بلال، عن عبد الرحمن بن حميد، أنه سمع عمر بن
عبد العزيز يسأل السائب بن يزيد يقول: هل سمعت في الاقامة
بمكة شيئا ؟ فقال السائب: سمعت العلاء بن الحضرمي يقول:
سمعت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يقول: " للمهاجر
إقامة ثلاث بعد الصدر بمكة " كأنه يقول: لا يزيد عليها.
والنص لمسلم.
والمعنى: أن الذين هاجروا من مكة قبل الفتح إلى رسول الله،
صلى الله عليه وسلم، حرم عليهم استيطان مكة والاقامة بها.
ثم أبيح لهم، إذا وصلوها بحج أو عمرة أو غيرهما أن يقيموا
بعد فراغهم، ثلاثة أيام ولا يزيدوا على الثلاثة.
(2) أخرجه أبو داود (5135) في الادب: باب فيمن يبدأ بنفسه
في الكتابة، والحاكم 3 / 636 وابن العلاء مجهول.
وباقي رجاله ثقات.
وقد سقط من المطبوع عبارة: " فبدأ بنفسه ".
(*)
(1/263)
ابن لهيعة (1): عن أبي الاسود، عن عروة قال: بعثه - يعني
العلاء - أبو بكر الصديق في جيش قبل البحرين.
وكانوا قد ارتدوا.
فسار إليهم وبينه وبينهم البحر - يعني الرقراق - حتى مشوا
فيه بأرجلهم، فقطعوا كذلك مكانا كانت تجري فيه السفن، وهي
اليوم تجري فيه أيضا، فقاتلهم، وأظهره الله عليهم، وبذلوا
الزكاة.
توفي سنة إحدى وعشرين.
وروي عن أبي هريرة: بعثني رسول الله، صلى الله عليه وسلم،
مع العلاء بن الحضرمي ووصاه بي، فكنت أؤذن له (2).
وقال المسور بن مخرمة: بعث النبي، صلى الله عليه وسلم،
العلاء إلى البحرين، ثم عزله بأبان بن سعيد.
قال محمد بن سعد: بعث أبو بكر العلاء بن الحضرمي.
فخرج من المدينة في ستة عشر راكبا، وكتب له كتابا أن ينفر
معه كل من مربه من المسلمين إلى عدوهم.
فسار العلاء فيمن تبعه حتى لحق بحصن جواثى (3) فقاتلهم،
فلم يفلت منهم أحمد.
ثم أتى القطيف وبها جمع، فقاتلهم، فانهزموا، فانضمت
__________
(1) في الاصل " لهيف " وهو خطأ.
(2) أخرجه ابن سعد 4 / 2 / 77 من طريق الواقدي قال: حدثني
عبد الله بن يزيد، عن سالم مولى بني نصر قال: سمعت أبا
هريرة يقول: بعثني رسول الله، صلى الله عليه وسلم، مع
العلاء بن الحضرمي، وأوصاء بي خيرا، فلما فصلنا قال لي: إن
رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قد أوصاني بك خيرا فانظر
ماذا تحب ؟ قال: قلت: تجعلني أؤذن لك، ولا تسبقني بآمين.
فأعطاه ذلك " وإسناده ضعيف جدا لان الواقدي
متروك.
(3) جواثى: مدينة بالبحرين لعبد القيس.
وفي البخاري (892) عن ابن عباس قال: " إن أول جمعة جمعت
بعد جمعة في مسجد رسول الله، صلى الله عليه وسلم، في مسجد
عبد القيس بجوائى في البحرين ".
(*)
(1/264)
الاعاجم إلى الزارة، فأتاهم العلاء، فنزل الخط على ساحل
البحر، فقاتلهم، وحاصرهم إلى أن توفي الصديق.
فطلب أهل الزارة الصلح فصالحهم، ثم قاتل أهل دارين، فقتل
المقاتلة، وحوى الذراري.
وبعث عرفجة إلى ساحل فارس، فقطع السفن، وافتتح جزيرة بأرض
فارس واتخذ بها مسجدا (1).
مجالد: عن الشعبي أن عمر كتب إلى العلاء بن الحضرمي وهو
بالبحرين أن سر إلى عتبة بن غزوان، فقد وليتك عمله، وظننت
أنك أغنى منه، فاعرف له حقه.
فخرج العلاء في رهط، منهم أبو هريرة، وأبو بكرة، فلما
كانوا بنياس (2) مات العلاء.
وكان أبو هريرة يقول: رأيت من العلاء ثلاثة أشياء لا أزال
أحبه أبدا: قطع البحر على فرسه يوم دارين (3).
وقدم يريد البحرين، فدعا الله بالدهناء، فنبع لهم ماء
فارتووا.
ونسي رجل منهم بعض متاعه، فرد، فلقيه، ولم يجد الماء.
__________
(1) ابن سعد 4 / 2 / 77 - 78 وقد سقط من المطبوع لفظة "
أهل " قبل الزارة.
وانظر " تاريخ خليفة " ص: (116).
(2) كذا الاصل.
وفي ابن سعد 4 / 2 / 78 - 79 " فلما كانوا بلياس من
الصعاب.
والصعاب من أرض بني تميم، مات العلاء بن الحضرمي، فرجع أبو
هريرة إلى البحرين...".
(3) دارين هي فرضة بالبحرين يجلب إليها المسك من الهند.
والنسبة إليها داري.
وقال ياقوت
في " معجم البلدان ": وفي كتاب سيف: أن المسلمين اقتحموا
إلى دارين البحر مع العلاء بن الحضرمي، فأجازوا ذلك الخليج
بإذن الله جميعا يمشون على مثل رملة ميثاء فوقها ماء يغمر
أخفاف الابل، وإن ما بين دارين والساحل مسيرة يوم وليلة
لسفر البحر في بعض الحالات، فالتقوا وقتلوا، وسبوا فبلغ
منهم الفارس ستة آلاف، والراجل ألفين.
فقال في ذلك عفيف بن المنذر: ألم تر أن الله ذلل بحره
وأنزل بالكفار إحدى الجلائل ؟ دعونا الذي شق البحار،
فجاءنا بأعجب من فلق البحار الاوائل انظر معجم البلدان 2 /
432.
(*)
(1/265)
ومات ونحن على غير ماء، فأبدى الله لنا سحابة، فمطرنا،
فغسلناه، وحفر ناله بسيوفنا، ودفناه، ولم نلحد له.
52 - سعد بن خيثمة *
ابن الحارث بن مالك بن كعب بن النحاط بن كعب بن حارثة بن
غنم بن السلم أبو عبد الله الانصاري الاوسي البدري النقيب،
أخو أبي ضياح (1) النعمان بن ثابت لامه.
انقرض عقبه سنة مئتين.
وكان ابن الكلبي يخالف في النحاط، ويجعله الحناط بن كعب.
آخى النبي، صلى الله عليه وسلم، بينه وبين أبي سلمة بن عبد
الاسد.
قالوا: وكان أحد النقباء الاثني عشر.
ولما ندب النبي (2) صلى الله عليه وسلم، المسلمين يوم بدر،
فأسرعوا قال خيثمة لابنه سعد: آثرني بالخروج، وأقم مع
نسائك، فأبى، وقال: لو كان غير الجنة، آثرتك به.
فاقترعا، فخرج سهم سعد، فخرج، واستشهد ببدر، واستشهد أبوه
خيثمة يوم أحد.
__________
(*) طبقات ابن سعد: 3 / 2 / 47، طبقات خليفة: 83، تاريخ
خليفة: 60، التاريخ الكبير: 4 / 49، الجرح والتعديل: 4 /
82، الاستبصار: 265، الاستيعاب: 4 / 143، أسد الغابة: 2 /
346، الاصابة: 4 / 140، شذرات الذهب: 1 / 9.
(1) هو بالضاد المعجمة، وتشديد الياء.
وقال المستغفري: هو بتخفيفها، واسمه النعمان، وقيل: عمير.
شهد بدرا، وأحدا، والخندق، والحديبية.
وقتل يوم خيبر شهيدا.
انظر " أسد الغابة " 6 / 178.
(2) ذكره الحافظ في " الاصابة " 4 / 141 من طريق: موسى بن
عقبة، عن ابن شهاب وهو في " الاستيعاب " 4 / 143، وعند ابن
سعد 3 / 2 / 47 كلاهما بغير سند.
(*)
(1/266)
53 - البراء بن معرور
* ابن صخر بن خنساء بن سنان.
السيد النقيب أبو بشر الانصاري الخزرجي أحد النقباء ليلة
العقبة.
وهو ابن عمة سعد بن معاذ.
وكان نقيب قومه بني سلمة.
وكان أول من بايع ليلة العقبة الاولى.
وكان فاضلا، تقيا، فقيه النفس.
مات في صفر قبل قدوم رسول الله، صلى الله عليه وسلم،
المدينة بشهر.
محمد بن إسحاق: حدثني معبد بن كعب، عن أخيه عبد الله، عن
أبيه قال: خرجنا من المدينة نريد النبي صلى الله عليه
وسلم، بمكة وخرج معنا حجاج قومنا من أهل الشرك.
حتى إذا كنا بذي الحليفة قال لنا البراء بن معرور - وكان
سيدنا وذا سننا (1) - تعلمن والله لقد رأيت أن لا أجعل هذه
البنية (2) مني بظهر، وأن أصلي إليها.
فقلنا: والله لا نفعل، ما بلغنا أن نبينا يصلي إلا إلى
الشام، فما كنا لنخالف قبلته.
فلقد رأيته إذا حضرت الصلاة يصلي إلى الكعبة.
قال: فعبنا عليه وأبى إلا إلاقامة عليه.
حتى قدمنا مكة.
فقال لي: يا ابن أخي لقد صنعت
__________
(*) طبقات ابن سعد: 3 / 2 / 146، التاريخ الصغير: 1 / 20،
الجرح والتعديل: 2 / 399، الاستبصار: 142، الاستيعاب: 1 /
281، أسد الغابة: 1 / 207، العبر: 1 / 3، الاصابة: 1 /
238، كنز العمال: 13 / 294، شذرات الذهب: 1 / 9.
(1) تحرفت في المطبوع إلى " وكبيرنا ".
(2) البنية: وزان فعلية: الكعبة.
سميت بذلك لشرفها، إذ هي أشرف مبني، وكانت تدعى بنية
إبراهيم عليه الصلاة والسلام لانه بناها، وقد كثر قسمهم
برب هذه البنية.
(*)
(1/267)
في سفري شيئا ما أدري ما هو، فانطلق إلى رسول الله، صلى
الله عليه وسلم، فلنسأله عما صنعت.
وكنا لا نعرف رسول الله، فخرجنا نسأل عنه، فلقينا بالابطح
رجلا، فسألناه عنه.
فقال: هل تعرفانه ؟ قلنا: لا.
قال: فهل تعرفان العباس ؟ قلنا: نعم.
فكان العباس يختلف إلينا بالتجارة، فعرفناه.
فقال: هو الرجل الجالس معه الآن في المسجد، فأتينا هما
فسلمنا وجلسنا، فسألنا العباس: فقال رسول الله صلى الله
عليه وسلم (1): من هذان يا عم ؟ قال: هذ البراء بن معرور
سيد قومه، وهذا كعب بن مالك.
فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: " الشاعر " ؟ فقال
البراء: يا رسول الله ! والله لقد صنعت كذا وكذا.
فقال: قد كنت على قبلة لو صبرت عليها.
فرجع إلى قبلته.
ثم واعدنا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ليلة العقبة
الاوسط.
وذكر القصة بطولها (2).
وروى يحيى بن عبد الله بن أبي قتادة، عن أمه، عن أبيه أن
البراء بن معرور أوصى بثلثه للنبي، صلى الله عليه وسلم،
وكان أوصى بثلث في سبيل الله، وأوصى بثلث لولده.
فقيل للنبي، صلى الله عليه وسلم، فرده على الورثة.
فقدم النبي صلى الله عليه وسلم وقد مات.
فسأل عن قبره، فأتاه، فصف عليه، وكبر، وقال: " اللهم اغفر
له، وارحمه، وأدخله الجنة، وقد فعلت " (3).
وكان البراء ليلة العقبة هو أجل (4) السبعين، وهو أولهم
مبايعة لرسول الله
__________
(1) سقط من المطبوع " فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم
".
(2) إسناده صحيح.
وأخرجه ابن هشام 1 / 439 - 440، وأحمد 3 / 460، 462،
والطيالسي 2 / 93 من طريق ابن إسحاق، حدثني معبد بن كعب،
عن أخيه عبد الله بن كعب، أن كعب بن مالك...، وقوله: "
ليلة العقبة الاوسط " في السيرة والمسند: " وواعدنا رسول
الله، صلى الله عليه وسلم، بالعقبة من أوسط أيام التشريق
".
(3) ابن سعد 3 / 2 / 147 وفيه الواقدي وهو متروك.
(4) تحرفت في المطبوع إلى " أحد ".
(*)
(1/268)
صلى الله عليه وسلم، وكان ابنه:
54 - بشر بن البراء *
من أشراف قومه.
وقد روي من حديث أبي هريرة وجابر أن رسول الله، صلى الله
عليه وسلم، قال: " من سيدكم يا بني سلمة ".
قالوا: الجد بن قيس، على أن فيه بخلا.
فقال: " وأي داء أدوى من البخل ؟ بل سيدكم الابيض الجعد
بشر بن البراء " (1).
قلت: هو الذي أكل مع النبي، صلى الله عليه وسلم، من الشاة
المسمومة يوم خيبر فأصيب (2).
وهومن كبار البدريين.
__________
(*) طبقات ابن سعد: 3 / 2 / 111، تاريخ خليفة: 84،
الاستبصار: 143، الاستيعاب: 1 / 310، أسد الغابة: 1 / 218،
تهذيب الاسماء واللغات: 1 / 133 - 134، مجمع الزوائد: 9 /
315، الاصابة: 1 / 247، كنز العمال: 13 / 296.
(1) الخبر في " الاستيعاب " 1 / 311، و " أسد الغابة " 1 /
218، بدون سند، ونسباه إلى ابن إسحاق.
وأخرجه الحاكم 3 / 219، من طريق: سهل بن عمار العتكي، عن
محمد بن يعلى، عن
محمد بن عمرو بن علقمة، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة.
وصححه، ووافقه الذهبي.
وليس كما قالا فإن محمد بن يعلى السلمي لم يخرج له مسلم،
وهو ضعيف.
قال البخاري فيه: ذاهب الحديث.
وقال أبو حاتم: متروك الحديث.
وقال النسائي: ليس بثقة.
وضعفه العقيلي، والساجي.
وقال ابن عدي: لا يتابع على حديثه.
وقد استوفى الحافظ ابن حجر الكلام على هذا الحديث في "
الاصابة " 1 / 248 في ترجمة بشر ابن البراء فارجع إليه.
(2) أخرجه أحمد 2 / 451، والبخاري (3169) في الجزية: باب
إذا غدر المشركون بالمسلمين، هل يعفى عنهم.
و (4249) في المغازي: باب الشاة التي سمت النبي بخيبر، و
(5777) في الطب: باب ما يذكر في سم النبي، صلى الله عليه
وسلم، كلاهما من طريق: الليث، عن سعيد بن أبي سعيد، عن أبي
هريرة، أنه قال: " أهديت لرسول الله، صلى الله عليه وسلم،
شاة فيها سم فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم،: اجمعوا
لي من كان ها هنا من اليهود، فجمعوا له.
فقال لهم رسول الله، صلى الله عليه وسلم: إني سائلكم عن
شئ، فهل أنتم صادقوني عنه ؟ فقالوا: نعم يا أبا القاسم،
فقال لهم رسول الله، صلى الله عليه وسلم: من أبوكم ؟
قالوا: أبونا فلان، فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم:
كذبتم، بل أبوكم فلان، فقالوا: صدقت وبررت، فقال: هل أنتم
صادقوني عن شئ إن سألتكم عنه ؟ فقالوا نعم يا أبا القاسم،
وإن كذبناك عرفت كذبنا، كما عرفته في أبينا.
قال لهم رسول الله، صلى الله عليه وسلم: من أهل النار ؟
فقالوا: نكون فيها يسيرا ثم تخلفوننا فيها.
فقال لهم رسول الله، صلى الله عليه وسلم: اخسؤوا فيها،
والله لا نخلفكم فيها أبدا، ثم قال = (*)
(1/269)
55 - سعد بن عبادة
* ابن دليم بن حارثة بن أبي حزيمة (1) بن ثعلبة بن طريف بن
الخزرج بن ساعدة بن كعب بن الخزرج.
السيد الكبير الشريف، أبو قيس الانصاري الخزرجي الساعدي
المدني، النقيب سيد الخزرج.
له أحاديث يسيرة وهي عشرون بالمكرر.
مات قبل أوان الرواية، روى عنه سعيد بن المسيب، والحسن
البصري، مرسل.
له عند أبي داود، والنسائي حديثان (2).
قال أبو الأسود: عن عروة إنه شهد بدرا، وقال جماعة: ما
شهدها.
__________
= لهم: هل أنتم صادقوني عن شئ إن سألتكم عنه ؟ قالوا: نعم،
فقال: هل جعلتم في هذه الشاة سما ؟ فقالوا: نعم.
فقال: ما حملكم على ذلك ؟ فقالوا: أردنا - إن كنت كاذبا -
نستريح منك، وإن كنت نبيا لم يضرك " وأبو داود (4509) في
الديات: باب فيمن سقى رجلا سما وأطعمه فمات أيقاد به ؟
والدارمي 1 / 33، 34.
وانظر روايات هذا الخبر في " سيرة ابن كثير " 3 / 394 -
401 ففيها فائدة.
(*) مسند أحمد: 5 / 284، و 6 / 7، طبقات ابن سعد: 3 / 2 /
142، طبقات خليفة: 97، تاريخ خليفة: 117، 135، التاريخ
الكبير: 4 / 44، التاريخ الصغير: 1 / 39، المعارف: 259،
الجرح والتعديل: 4 / 88، مشاهير علماء الامصار: ت: 20،
الاستبصار: 93 - 97، الاستيعاب: 4 / 152، ابن عساكر: 7 /
56 / 1، أسد الغابة: 2 / 356، تهذيب الاسماء واللغات: 1 /
212 - 213، تهذيب الكمال: 474، دول الاسلام: 1 / 15، تاريخ
الاسلام: 1 / 379، العبر: 1 / 19، تهذيب التهذيب: 3 / 475،
الاصابة: 4 / 152، خلاصة تذهيب الكمال: 134، كنز العمال:
13 / 404، شذرات الذهب: 1 / 28، تهذيب تاريخ ابن عساكر: 6
/ 86 - 93.
(1) في الاصل " حرام " والتصحيح من ابن هشام، و " أسد
الغابة "، وابن سعد، و " القاموس ".
وأخرجه الحاكم 3 / 252 وهو عند ابن سعد 3 / 2 / 143.
(2) انظر " سنن أبي داود " (1474) و (1679) و (1681) وله
في " السنن الكبرى " في الوصايا.
(*)
(1/270)
قال ابن سعد: كان يتهيأ للخروج إلى بدر، ويأتي دور الانصار
يحضهم على الخروج، فنهش، فأقام، فقال النبي صلى الله عليه
وسلم: لئن كان سعد ما شهد بدرا،
لقد كان حريصا عليها (1).
قال: وكان عقبيا نقيبا سيدا جوادا.
ولما قدم النبي، صلى الله عليه وسلم، المدينة كان يبعث
إليه كل يوم جفنة من ثريد اللحم أو ثريد بلبن أو غيره.
فكانت جفنة سعد تدور مع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، في
بيوت أزواجه.
وقال البخاري في " تاريخه ": إنه شهد بدرا.
وتبعه ابن مندة.
وممن روى عنه أولادة: قيس وسعيد، وإسحاق، وابن عباس.
وسكن دمشق، فيما نقل ابن عساكر (2)، قال: ومات بحوران،
وقيل: قبره بالمنيحة (3).
روى ابن شهاب: عن عبيدالله، عن ابن عباس، عن سعد بن عبادة
أن أمه ماتت وعليها نذر.
فسألت النبي صلى الله عليه وسلم، فأمرني أن أقضيه عنها
(4).
__________
(1) الخبر عند ابن سعد 3 / 2 / 143، و " المستدرك " للحاكم
3 / 252 كلاهما من طريق الواقدي.
وهو متروك.
(2) 7 / 156 / آ وهو في المجلدة الاولى ص: (198).
(3) ورد هكذا بغير سند في " الاصابة " 4 / 153، و " أسد
الغابة " 2 / 358.
وقد نقل خبر موته بحوران ابن سعد، وابن عبد البر وابن
هشام، وابن حجر، وأخرجه الحاكم 3 / 252 من طريق: عبد الله
بن محمد الحموي، حدثنا محمد بن إبراهيم العبدي، سمعت يحيى
بن عبد الله بن بكير يقول: توفي سعد بن عبادة بحوران سنة
ست عشرة، ومن طريق: أبي بكر بن إسحاق، عن إسماعيل بن
قتيبة، عن محمد بن عبد الله بن نمير أيضا.
(4) أخرجه أحمد 6 / 7 من طريق: عفان، عن سليمان بن كثير
أبي داود، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن
عباس، عن سعد بن عبادة أنه أتى النبي، صلى الله عليه وسلم،
فقال: إن أمي ماتت وعليها = (*)
(1/271)
والاكثر جعلوه من مسند ابن عباس.
أحمد في " مسنده ": حدثنا يونس، حدثنا حماد، حدثنا عبد
الرحمن بن أبي شميلة، عن رجل رده إلى سعيد الصراف، عن
إسحاق بن سعد بن عبادة، عن أبيه، قال رسول الله، صلى الله
عليه وسلم: " إن هذا الحي من الانصار مجنة، حبهم إيمان،
وبغضهم نفاق " (1).
قال موسى بن عقبة والجماعة: إنه أحد النقباء ليلة العقبة.
وعن معروف بن خربوذ (2)، عن أبي الطفيل قال: جاء سعد بن
عبادة، والمنذر بن عمرو، يمتاران لاهل العقبة وقد خرج
القوم، فنذر بهما (3) أهل مكة.
فأخذ سعد، وأفلت المنذر.
قال سعد: فضربوني حتى تركوني كأني
__________
= نذر أفيجزئ عنها أن أعتق عنها ؟ قال: أعتق عن أمك.
وأخرجه البخاري (2761) في الوصايا: باب ما يستحب لمن توفي
فجاءة أن يتصدقوا عنه، وقضاء النذور عن الميت، و (6698) في
الايمان والنذور: باب من مات وعليه نذر، و (6959) في
الحيل: باب في الزكاة وألا يفرق بين مجتمع ولا يجمع بين
متفرق خشية الصدقة، ومسلم (1638) في النذر: باب الامر
بقضاء النذر، وأبو داود (3307) في الايمان والنذور: باب في
قضاء النذر عن الميت، والترمذي (1546) في النذور والايمان:
باب ما جاء في قضاء النذر عن الميت.
والنسائي 7 / 20 - 21 في الايمان والنذور: باب من مات
وعليه نذر، وابن ماجه (2132) في الكفارات: باب من مات
وعليه نذر.
ومالك ص 292 في النذور والايمان: باب ما يجب من النذور في
المشي ومع هذا فقد أخرجه الحاكم 3 / 254.
(1) أخرجه أحمد 5 / 285 وسنده ضعيف.
و عبد الرحمن بن أبي شميلة، وسعيد الصراف، وإسحاق بن سعد
بن عبادة ثلاثتهم لم يوثقهم غير ابن حبان.
ولكن في الباب، عن البراء بن عازب قال: سمعت رسول الله،
صلى الله عليه وسلم، يقول في الانصار: " لا يحبهم إلا
مؤمن، ولا يبغضهم إلا منافق " أخرجه البخاري 7 / 78، ومسلم
(75)، وعن أنس بن مالك مرفوعا: " آية الايمان حب الانصار،
وآية النفاق بغض الانصار " أخرجه البخاري 7 / 78، ومسلم
(74).
وفي الباب عن أبي سعيد الخدري عند مسلم (77)، وعن أبي
هريرة عنده أيضا (76).
(2) تحرفت في المطبوع إلى " جرموذ ".
(3) تحرفت في المطبوع إلى " فتدر بهما ".
(*)
(1/272)
نصب أحمر - يحمر النصب من دم الذبائح عليه - قال: فخلا (1)
رجل كأنه رحمني فقال: ويحك ! أما لك بمكة من تستجير به ؟
قلت: لا، إلا أن العاص ابن وائل قد كان يقدم علينا
المدينة، فنكرمه.
فقال رجل من القوم: ذكر ابن عمي، والله لا يصل إليه أحد
منكم.
فكفوا عني، وإذا هو عدي بن قيس السهمي (2).
حجاج بن أرطاة: عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس قال: كان
لواء رسول الله صلى الله عليه وسلم، مع علي، ولواء الانصار
مع سعد بن عبادة (3).
رواه أبو غسان النهدي، عن إبراهيم بن الزبرقان، عنه.
معمر: عن عثمان الجزري، عن مقسم - لا أعلمه إلا عن ابن
عباس -: إن راية رسول الله، صلى الله عليه وسلم، كانت تكون
مع علي، وراية الانصار مع سعد بن عبادة (4).
حماد بن سلمة: عن ثابت، عن أنس قال: لما بلغ رسول الله صلى
الله عليه وسلم إقفال (5) أبي سفيان قال: أشيروا علي.
فقام أبو بكر، فقال: اجلس.
فقام سعد بن
__________
(1) تحرفت في المطبوع إلى " فجاء ".
(2) الخبر عند ابن هشام 1 / 449 - 450 عن ابن إسحاق، عن
عبد الله بن أبي بكر بأطول مما هنا.
(3) ذكره الحافظ في " الاصابة " 4 / 152 عن مقسم، وانظر
كتاب " أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم "، لابي
الشيخ ص (145).
(4) أخرجه عبد الرزاق (9640) مرسلا، وأخرجه أحمد 1 / 368
من طريقه موصولا بذكر ابن عباس، وقوى سنده الحافظ في الفتح
6 / 89 مع أن عثمان الجزري لم يرو عنه إلا معمر والنعمان
بن راشد ولم يوثقه أحد.
بل نقل الاثرم عن الامام أحمد قوله: روى أحاديث مناكير.
زعموا أنه ذهب كتابه.
" الجرح والتعديل " 6 / 174.
(5) كذا الاصل.
وفي أحمد، ومسلم، والمستدرك " إقبال ".
(*)
(1/273)
عبادة.
فقال: لو أمرتنا يا رسول الله أن نخيضها البحر، لاخضناها،
ولو أمرتنا أن نضرب أكبادها إلى برك الغماد لفعلنا (1).
أبو حذيفة: حدثنا سفيان، عن الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن
عباس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر: " من جاء
بأسير فله سلبه " فجاء أبو السير بأسيرين.
فقال سعد بن عبادة: يا رسول الله ! حرسناك مخافة عليك.
فنزلت (يسألونك عن الانفال) (2).
ورواه عبد الرزاق، عن سفيان.
علي بن بحر: حدثنا عبدالمهيمن بن عباس بن سهل، حدثنا أبي
عن جدي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخطب المرأة
ويصدقها، ويشرط لها " صحفة سعد تدور معي إذا درت إليك ".
فكان يرسل إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم بصحفة كل
ليلة (3).
محمد بن إسحاق بن يسار، عن أبيه مرسلا نحوه.
__________
(1) أخرجه أحمد 3 / 220 ومسلم (1779) في الجهاد: باب غزوة
بدر، وصححه الحاكم 3 / 253 وسكت عنه الذهبي.
وقوله " أن نضرب أكبادها ": كناية عن ركضها، فإن الفارس
إذا أراد ركض مركوبه يحرك رجليه ضاربا بهما على موضع كبد
المركوب.
وبرك: بفتح الباء وإسكان
الراء.
والغماد: بالغين المعجمة مكسورة ومضمومة: هو موضع من وراء
مكة بخمس ليال، بناحية الساحل.
وقيل: بلدتان.
وقال القاضي وغيره: هو موضع بأقاصي هجر.
(2) إسناده ضعيف: الكلبي: هو محمد بن السائب أبو النضر
الكوفي، المفسر الاخباري.
تركه يحيى، وابن مهدي، وقال علي: حدثنا يحيى، عن سفيان قال
لي الكلبي: كل ما حدثتك عن أبي صالح فهو كذب.
وقال ابن معين: ليس بثقة.
وقال الدارقطني وجماعة: متروك.
وأخرجه عبد الرزاق (9483) من طريق الثوري، عن محمد بن
السائب الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس قال: لما كان يوم
بدر، قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم،: من قتل قتيلا
فله كذا وكذا.
فقتلوا سبعين وأسروا سبعين ".
وزاد السيوطي نسبه في " الدر المنثور " 3 / 160 إلى: عبد
بن حميد، وابن مردويه، وانظر ابن كثير في أسباب نزول هذه
الآية.
(3) إسناده ضعيف لضعف عبدالمهيمن بن عباس.
وهو في كتب التراجم بغير سند، وسند ابن إسحاق مرسل، كما
قال المصنف.
(*)
(1/274)
الاوزاعي: عن يحيى بن أبي كثير: كان للنبي صلى الله عليه
وسلم من سعد كل يوم جفنة تدور معه حيث دار، وكان سعد يقول:
اللهم ارزقني مالا، فلا تصلح الفعال إلا بالمال (1).
أحمد: حدثنا يزيد، حدثنا عباد بن منصور، عن عكرمة، عن ابن
عباس قال: لما نزلت [ والذين يرمون المحصنات ] [ النور: 14
].
قال سعد سيد الانصار: هكذا أنزلت يا رسول الله ؟ فقال
النبي، صلى الله عليه وسلم: يا معشر الانصار، ألا تسمعون
إلى ما يقول سيدكم ؟ قالوا: لا تلمه ! فإنه غيور، والله ما
تزوج امرأة قط إلا بكرا، ولا طلق امرأة قط، فاجترأ أحد
يتزوجها.
فقال سعد: يا رسول الله ! والله لاعلم أنها حق، وأنها من
الله، ولكني قد تعجبت أن لو وجدت لكاع قد تفخذها رجل لم
يكن لي أن أهيجه ولا أحركه حتى آتي بأربعة شهداء، فلا
آتي بهم حتى يقضي حاجته.
الحديث (2).
وفي حديث الافك: قالت عائشة: فقام سعد بن عبادة، وهو سيد
الخزرج، وكان قبل ذلك رجلا صالحا، ولكن احتملته الحمية
(3)، فقال: كلا والله لا تقتله ولا تقدر على ذلك (4).
__________
(1) ضعيف لارساله.
يحيى بن أبي كثير، على ثقته يدلس، ويرسل.
وسيأتي في الصفحة التالية عن عروة فانظره هناك.
(2) أخرجه أحمد 1 / 238، والطيالسي 1 / 319 - 320، والطبري
18 / 82، وعباد بن منصور ضعيف.
وأخرجه بنحوه، من طريق آخر، دون سبب النزول، مسلم (1498)
(16) في اللعان، من طريق سليمان بن بلال، عن سهيل، عن
أبيه، عن أبي هريرة قال: قال سعد بن عبادة: يا رسول الله
لو وجدت مع أهلي رجلا لم أمسه حتى آتي بأربعة شهداء ؟ قال
رسول الله، صلى الله عليه وسلم: نعم.
قال: كلا، والذي بعثك بالحق: إن كنت لاعاجله بالسيف قبل
ذلك.
قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: " اسمعوا إلى ما يقول
صاحبكم.
إنه لغيور، وأنا غير منه، والله أغير مني ".
(3) تحرفت في المطبوع إلى " الحملة " و " تقتله " إلى "
نقبله ".
(4) جزء من حديث أخرجه البخاري (4141) في المغازي: باب
حديث الافك، و (4750) في التفسير: باب لولا إذ سمعتموه
قلتم ما يكون لنا أن نتكلم بهذا.
(*)
(1/275)
يعني يرد على سعد بن معاذ سيد الاوس.
وهذا مشكل.
فإن ابن معاذ كان قد مات (1).
جرير بن حازم: عن ابن سيرين: كان سعد بن عبادة يرجع كل
ليلة إلى أهله بثمانين من أهل الصفة يعشيهم.
قال عروة: كان سعد بن عبادة يقول: اللهم هب لي حمدا ومجدا،
اللهم
لا يصلحني القليل، ولا أصلح عليه (2).
قلت: كان ملكا شريفا مطاعا.
وقد التفت عليه الانصار (3) يوم وفاة رسول الله صلى الله
عليه وسلم ليبايعوه، وكان موعوكا، حتى أقبل أبو بكر
والجماعة، فردوهم عن رأيهم، فما طاب لسعد.
الواقدي: حدثنا محمد بن صالح (4)، عن الزبير بن المنذر بن
أبي أسيد الساعدي أن الصديق بعث إلى سعد بن عبادة: أقبل
فبايع، فقد بايع الناس.
فقال: لا والله ! لا أبايعكم حتى أقاتلكم بمن معي.
فقال بشير بن سعد: يا خليفة رسول الله ! إنه قد أبى ولج،
فليس يبايعكم حتى يقتل، ولن
__________
(1) هذا الاشكال مبني على ان الخندق كانت قبل المريسيع،
لان سعد بن معاذ مات من الرمية التي رميها بالخندق، فدعا
الله فأبقاء حتى حكم في بني قريظة ثم انفجر جرحه فمات
منها.
وأما على قول من يقول - وهو الصحيح - أن المريسيع كانت قبل
الخندق في شعبان سنة خمس، وأن الخندق كانت في شوال من
السنة ذاتها، فلا يمتنع أن يشهدها سعد بن معاذ.
فلا يبقى إشكال.
انظر تفصيل ذلك في " الفتح " 8 / 471 - 472.
(2) أخرجه ابن سعد 3 / 2 / 143، والحاكم 3 / 253 من طريق:
أبي أسامة عن هشام بن عروة، عن أبيه، أن سعد بن عبادة كان
يدعو: اللهم هب لي حمدا، وهب لي مجدا.
لا مجد إلا بفعال، ولا فعال إلا بمال.
اللهم لا يصلحني القليل ولا أصلح عليه.
(3) مكان كلمة " الانصار " فارغ في المطبوع.
(4) ترك مكانها فارغا في المطبوع وقال في الحاشية: كلمة
مخرومة.
(*)
(1/276)
يقتل حتى يقتل معه ولده وعشيرته، فلا تحركوه ما استقام لكم
الامر، وإنما هو رجل وحده ما ترك.
فتركه أبو بكر.
فلما ولي عمر، لقيه فقال: إيه يا سعد ! فقال: إيه يا عمر !
فقال عمر: أنت صاحب ما أنت صاحبه ؟ قال: نعم.
وقد
أفضى إليك هذا الامر، وكان صاحبك والله أحب إلينا منك، وقد
أصبحت كارها لجوارك.
قال: من كره ذلك، تحول عنه.
فلم يلبث إلا قليلا حتى انتقل إلى الشام.
فمات بحوران (1).
إسنادها كما ترى (2).
ابن عون، عن ابن سيرين أن سعدا بال قائما، فمات.
فسمع قائل يقول: [ قد ] قتلنا سيد الخز * رج سعد بن عباده
[ و ] رميناه بسهمي * ن فلم نخط فؤاده (3).
وقال سعد بن عبد العزيز: أول ما فتحت بصرى، وفيها مات سعد
بن عبادة.
وقال أبو عبيد: مات سنة أربع عشرة بحوران (4).
وروى ابن أبي عروبة: عن ابن سيرين أن سعد بن عبادة بال
قائما، فمات، وقال: إني أجد دبيبا.
__________
(1) أخرجه ابن سعد 3 / 2 / 144 - 145.
وحوران: كورة واسعة جنوب دمشق.
وهي ذات قرى كثيرة ومزارع وحرار.
(2) أي: في غاية الضعف.
لان الواقدي متروك.
ومحمد بن صالح بن دينار التمار صدوق بخطئ.
والزبير بن المنذر مستور.
(3) هما عند ابن سعد 3 / 2 / 145، وفي " أسد الغابة " 2 /
358، و " الاستيعاب " 4 / 159.
(4) الخبر - كما هو هنا - في " الاصابة " 4 / 153 وفيه "
سعيد بن عبد العزيز " بدل " سعد ".
(*)
(1/277)
الاصمعي: حدثنا سلمة بن بلال (1)، عن أبي رجاء قال: قتل
سعد بن عبادة بالشام، رمته الجن بحوران.
الواقدي: حدثنا يحيى بن عبد العزيز، من ولد سعد، عن أبيه
قال: توفي سعد بحوران لسنتين ونصف من خلافة عمر.
فما علم بموته بالمدينة حتى
سمع غلمان قائلا من بئر يقول: [ قد ] قتلنا سيد الخز * رج
سعد بن عباده [ و ] رميناه بسهمي * ن فلم نخط فؤاده فذعر
الغلمان، فحفظ ذلك اليوم، فوجدوه اليوم الذي مات فيه (2).
وإنما جلس يبول في نفق، فمات من ساعته.
ووجدوه قد اخضر جلده.
وقال يحيى بن بكير وابن عائشة وغيرهما: مات بحوران سنة ست
عشرة.
وروى المدائني: عن يحيى بن عبد العزيز، عن أبيه قال: مات
في خلافة أبي بكر.
قال ابن سعد: كان سعد يكتب في الجاهلية، ويحسن العوم
والرمي.
__________
(1) ترك مكانها فارغا في المطبوع.
(2) ابن سعد 3 / 2 / 145.
(*)
(1/278)
وكان من أحسن ذلك، سمي الكامل.
وكان سعد، وعده آباء له قبله، ينادى على أطمهم: من أحب
الشحم واللحم، فليأت أطم دليم بن حارثة (1).
56 - سعد بن معاذ * ابن
النعمان بن امرئ القيس بن زيد بن عبد الاشهل.
السيد الكبير الشهيد، أبو عمرو الانصاري الاوسي الاشهلي،
البدري الذي اهتز العرش لموته.
ومناقبه مشهورة في الصحاح، وفي السيرة، وغير ذلك.
وقد أوردت جملة من ذلك في تاريخ الاسلام في سنة وفاته.
نقل ابن الكلبي، عن عبد الحميد بن أبي عيسى بن جبر، عن
أبيه أن قريشا سمعت هاتفا على أبي قبيس يقول: فإن يسلم (2)
السعدان يصبح محمد * بمكة لا يخشى خلاف المخالف فقال أبو
سفيان: من السعدان ؟ سعد بكر، سعد تميم ؟ فسمعوا في الليل
الهاتف يقول: أيا سعد سعد الاوس كن أنت ناصرا * ويا سعد
سعد الخزرجين الغطارف
__________
(1) ابن سعد 3 / 2 / 142.
(*) طبقات ابن سعد: 3 / 2 / 2 - 13، طبقات خليفة: 77،
التاريخ الكبير: 4 / 65، التاريخ الصغير: 1 / 22، الجرح
والتعديل: 4 / 93، الاستبصار: 205 - 211، الاستيعاب: 4 /
163 - 167، أسد الغابة: 2 / 373 - 377، تهذيب الاسماء
واللغات: 1 / 214 - 215، تهذيب الكمال: 477، العبر: 1 / 7،
مجمع الزوائد: 9 / 308 - 310، تهذيب التهذيب: 3 / 481،
الاصابة: 4 / 171 - 172، خلاصة تذهيب الكمال: 135، كنز
العمال: 13 / 406، شذرات الذهب: 1 / 11.
(2) تحرفت في المطبوع إلى " يصبح ".
(*)
(1/279)
أجيبا إلى داعي الهدى وتمنيا * على الله في الفردوس منية
عارف فإن ثواب الله للطالب الهدى * جنان من الفردوس ذات
رفارف فقال أبو سفيان: هو والله سعد بن معاذ وسعد بن عبادة
(1).
أسلم سعد بن معاذ على يد مصعب بن عمير.
فقال ابن إسحاق: لما أسلم وقف على قومه، فقال: يا بني عبد
الاشهل ! كيف تعلمون أمري فيكم ؟ قالوا: سيدنا فضلا،
وأيمننا نقيبة.
قال: فإن كلامكم علي حرام، رجالكم
ونساؤكم، حتى تؤمنوا بالله ورسوله.
قال: فوالله ما بقي في دار بني عبد الاشهل رجل ولا امرأة
إلا وأسلموا (2).
أبو إسحاق: عن عمرو بن ميمون، عن ابن مسعود قال: انطلق سعد
بن معاذ معتمرا، فنزل على أمية بن خلف وكان أمية إذا انطلق
إلى الشام يمر بالمدينة، فينزل عليه.
فقال أمية له: انتظر حتى إذا انتصف النهار وغفل الناس طفت.
فبينا سعد يطوف إذ أتاه أبو جهل، فقال: من الذي يطوف آمنا
؟ قال: أنا سعد.
فقال: أتطوف آمنا وقد آويتم محمدا وأصحابه ؟ قال: نعم.
فتلاحيا.
فقال أمية: لا ترفع صوتك على أبي الحكم، فإنه سيد أهل
الوادي.
فقال سعد: والله لو منعتني، لقطعت عليك متجرك بالشام.
قال: فجعل أمية يقول: لا ترفع صوتك.
فغضب وقال: دعنا منك، فإني سمعت محمدا صلى الله عليه وسلم
يقول: يزعم أنه قاتلك.
قال: إياي ؟ قال: نعم.
قال: والله ما يكذب محمد.
__________
(1) ذكره البخاري في " التاريخ الصغير " 1 / 25 - 26 وعند
" مسلم " وعدد الابيات اثنان.
وانظر " الاستيعاب " 4 / 155.
والبيت الاول في " الفتح " 7 / 123، والرواية فيه: فإن
يسلم السعدان...(2) ابن هشام 1 / 437.
(*)
(1/280)
فكاد يحدث (1)، فرجع إلى امرأته فقال: أما تعلمين ما قال
لي أخي اليثربي ؟ زعم أنه سمع محمدا يزعم أنه قاتلي.
قالت: والله ما يكذب محمد.
فلما خرجوا لبدر قالت امرأته: ما ذكرت ما قال لك أخوك
اليثربي ؟ فأراد أن لا يخرج.
فقال له أبو جهل: إنك من أشراف أهل الوادي، فسر معنا يوما
أو يومين.
فسار معهم، فقتله الله (2).
قال ابن شهاب: وشهد بدرا سعد بن معاذ.
ورمي يوم الخندق.
فعاش شهرا، ثم انتقض جرحه فمات.
ابن إسحاق: حدثني أبو ليلى عبد الله بن سهل أن عائشة كانت
في حصن بني حارثة يوم الخندق وأم سعد معها، فعبر سعد عليه
درع مقلصة قد خرجت منه ذراعه كلها وفي يده حربة يرفل بها
ويقول: لبث قليلا يشهد * الهيجا حمل لا بأس بالموت * إذا
حان الاجل يعني: حمل بن بدر.
فقالت له أمه: أي بني ! قد أخرت.
فقلت لها: يا أم سعد، لوددت أن درع سعد كانت أسبغ مما هي.
فرمي سعد بسهم قطع منه الاكحل، رماه ابن العرقة، فلما
أصابه قال: خذها مني وأنا ابن العرقة فقال: عرق الله وجهك
في النار.
اللهم إن كنت أبقيت من حرب قريش شيئا، فأبقني
__________
(1) بضم الياء وسكون الحار وكسر الدال من الحدث.
وهو خروج خارج من أحد السبيلين، والضمير لامية.
أي أنه كاد أن يخرج منه شئ لشدة فزعه وهذه رواية البيهقي.
أما رواية البخاري: " والله ما يكذب محمد إذا حدث " من
التحديث.
وعد الحافظ رواية البيهقي تصحيفا.
(2) أخرجه أحمد 1 / 400، والبخاري (3632) في المناقب: باب
علامات النبوة في الاسلام، كلاهما من طريق: إسرائيل، عن
أبي إسحاق، به.
وهو في الصحيح برقم (3950) في المغازي: باب ذكر النبي من
يقتل ببدر.
(*)
(1/281)
لها، فإنه لا قوم أحب إلى من أن أجاهدهم فيك من قوم آذوا
نبيك وكذبوه وأخرجوه.
اللهم إن كنت وضعت الحرب بيننا وبينهم، فاجعلها لي شهادة،
ولا تمتني حتى تقر عيني من بني قريظة (1).
هشام: عن أبيه، عن عائشة قالت: رمى سعدا رجل من قريش يقال
له: حبان بن العرقة.
فرماه في الاكحل، فضرب عليه رسول الله، صلى الله عليه
وسلم، خيمة في المسجد ليعوده من قريب.
قالت: ثم إن كلمه تحجر للبرء.
قالت: فدعا
سعد، فقال في ذلك: وإن كنت قد وضعت الحرب بيننا وبينهم،
فافجرها، واجعل موتتي فيها.
فانفجر من لبته، فلم يرعهم إلا والدم يسيل.
فقالوا: يا أهل الخيمة ! ما هذا ؟ فإذا جرحه يغذو.
فمات منها.
متفق عليه (2) بأطول من هذا.
الليث: عن أبي الزبير، عن جابر قال: رمي سعد يوم الاحزاب،
فقطعوا أكحله، فحسمه النبي صلى الله عليه وسلم بالنار،
فانتفخت يده، فتركه، فنزفه الدم، فحسمه
__________
(1) رجاله ثقات.
وهو في " سيرة ابن هشام " 2 / 226، وأخرجه أحمد 6 / 141 من
طريق: يزيد، عن محمد بن عمرو، عن أبيه، عن جده علقمة بن
وقاص...بنحوه أطول مما هنا - وهذا سند حسن في الشواهد.
وفي " الطبقات " لابن سعد 3 / 2 / 3 " يدرك " بدل " يشهد
"، وفي " أسد الغابة " 3 / 373 " يلحق " بدل " يشهد "،
وفيها: " جمل "، وهو تصحيف.
وفي " الاصابة " 4 / 171 " يلحق " بدل " يشهد ".
(2) أخرجه مسلم (1769) (67) في الجهاد: باب جواز قتال من
نقض العهد، والبخاري (463) و (3901) و (4117) و (4122) في
المغازي: باب مرجع النبي، صلى الله عليه وسلم، من غزوة
الاحزاب.
والترمذي (1582) في السير: باب ما جاء في النزول على
الحكم.
وابن سعد 3 / 2 / 6 - 7.
وأخرجه مختصرا، أحمد 6 / 56، وأبو داود (3101) في الجنائز:
باب في العيادة مرارا، والنسائي 2 / 45 في المساجد: باب
ضرب الخباء في المساجد.
ويغذو بغين وذال معجمتين: يسل.
والاكحل: عرق في وسط الذراع.
واللبة: النحر.
(*)
(1/282)
أخرى، فانتفخت يده.
فلما رأى ذلك، قال: اللهم لا تخرج نفسي حتى تقر عيني من
بني قريظة.
فاستمسك عرقه، فما قطرت منه قطرة.
حتى نزلوا على حكم سعد.
فأرسل إليه رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فحكم أن يقتل
رجالهم، وتسبى
نساؤهم وذراريهم، قال: وكانوا أربع مئة، فلما فرغ من
قتلهم، انفتق عرقه (1).
يزيد بن عبد الله بن الهاد: عن معاذ بن رفاعة، عن جابر
قال: جلس النبي، صلى الله عليه وسلم، على قبر سعد وهو يدفن
فقال: سبحان الله، مرتين.
فسبح القوم.
ثم قال: الله أكبر، الله أكبر.
فكبروا فقال: عجبت لهذا العبد الصالح، شدد عليه في قبره،
حتى كان هذا حين فرج له (2).
ابن إسحاق: حدثني من لا أتهم، عن الحسن البصري قال: كان
سعد بادنا، فلما حملوه، وجدوا له خفة.
فقال رجال من المنافقين: والله إن كان
__________
(1) أخرجه أحمد 3 / 350، والدارمي 2 / 238 في السير: باب
نزول أهل قريظة على حكم سعد ابن معاذ، وابن سعد 3 / 2 / 8.
وأخرجه أحمد 3 / 312، 386 من طريق زهير، عن أبي الزبير، عن
جابر مختصرا.
ومسلم (2208) في السلام: باب لكل داء دواء من طريق أبي
خيثمة، عن أبي الزبير، عن جابر، وعند أبي داود (3866) في
الطب: باب في الكي، " أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم،
كوى سعد بن معاذ من رميته ".
وعند الترمذي (2051) في الطب، عن أنس.
وإسناده حسن.
(2) معاذ بن رفاعة - وإن خرج له البخاري - ضعفه ابن معين،
وقال الاسدي: لا يحتج بحديثه.
وأخرجه أحمد 3 / 327 من طريق: محمد بن بشر، حدثنا محمد بن
عمرو، حدثني يزيد بن عبد الله ابن أسامة بن زيد الليثي
ويحيى بن سعيد، عن معاذ بن رفاعة الزرقي، عن جابر بن عبد
الله قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم،: لهذا العبد
الصالح، الذي تحرك له العرش، وفتحت له أبواب السماء، شدد
عليه، ففرج الله عنه.
وقال مرة: فتحت.
وقال مرة: ثم فرج الله عنه.
وقال مرة: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: لسعد يوم
مات وهو يدفن.
وأخرج أحمد أيضا 3 / 360، 377 من طريق أبي إسحاق، حدثني
معاذ بن رفاعة الانصاري الزرقي، عن محمد بن عبد الرحمن بن
عمرو بن الجموح، عن جابر قال: خرجنا مع رسول الله، = (*)
(1/283)
لبادنا، وما حملنا أخف منه.
فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقال: " إن له حملة غيركم.
والذي نفسي بيده لقد استبشرت الملائكة بروح سعد، واهتز له
العرش " (1).
يزيد بن هارون: أنبأنا محمد بن عمرو بن علقمة، عن أبيه، عن
جده، عن عائشة قالت: خرجت يوم الخندق أقفو آثار الناس،
فسمعت وئيد الارض ورائي، فإذا سعد ومعه ابن أخيه الحارث بن
أوس يحمل مجنه.
فجلست، فمر سعد وعليه درع قد خرجت منه أطرافه.
وكان من أطول الناس وأعظمهم، فاقتحمت حديقة، فإذا فيها نفر
فيهم عمر، فقال: ما جاء بك ؟ والله إنك لجريئة ! ما يؤمنك
أن يكون بلاء ؟ فما زال يلومني حتى تمنيت أن الارض اشتقت
ساعتئذ، فدخلت فيها وإذا رجل عليه مغفر، فيرفعه عن وجهه،
فإذا هو طلحة.
فقال: ويحك ! قد أكثرت، وأين التحوز والفرار إلا إلى الله
(2).
محمد بن عمرو: عن محمد بن إبراهيم، حدثني علقمة بن وقاص،
عن عائشة قالت: أقبلنا مع رسول الله، صلى الله عليه وسلم،
قافلين من مكة حتى إذا كنا بذي الحليفة وأسيد بن حضير بيني
وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فيلقى غلمان بني عبد الاشهل من الانصار.
فسألهم أسيد، فنعوا له امرأته.
فتقنع يبكي، قلت له: غفر الله لك، أتبكي على امرأة وأنت
صاحب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وقد قدم الله
__________
= صلى الله عليه وسلم، يوما إلى سعد بن معاذ حين توفي.
قال: فلما صلى عليه رسول الله، ووضع في قبره، وسوي عليه
سبح رسول الله، صلى الله عليه وسلم، تسبيحا طويلا.
ثم كبر فكبرنا.
فقيل: يا رسول الله، لم سبحت ثم كبرت ؟ قال: لقد تضايق على
هذا العبد الصالح قبره حتى فرجه الله عزوجل عنه.
وصححه الحاكم 3 / 206 مختصرا ووافقه الذهبي.
(1) فيه انقطاع وجهالة.
(2) إسناده محتمل للتحسين، وأخرجه ابن سعد 3 / 2 / 3
بنحوه.
(*)
(1/284)
لك من السابقة ما قدم ؟ فقال: ليحق لي أن لا أبكي على أحد
بعد سعد بن معاذ.
وقد سمعت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يقول ما يقول،
قال: قلت: وما سمعت ؟ قال: قال: " لقد اهتز العرش لوفاة
سعد بن معاذ " (1).
إسماعيل بن مسلم العبدي: حدثنا أبو المتوكل أن النبي صلى
الله عليه وسلم ذكر الحمى فقال: " من كانت به، فهو حظه من
النار " فسألها سعد بن معاذ ربه، فلزمته، فلم تفارقه حتى
مات (2).
أبو الزبير: عن جابر قال: رمي سعد بن معاذ يوم الاحزاب،
فقطعوا أكحله، فحسمه رسول الله، صلى الله عليه وسلم،
بالنار.
فانتفخت يده فنزفه، فحسمه أخرى (3).
أبو إسحاق: عن عمرو بن شرحبيل قال: لما انفجر جرح سعد، عجل
إليه رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فأسنده إلى صدره
والدماء تسيل عليه.
فجاء أبو بكر فقال: وانكسار ظهراه على سعد ! فقال رسول
الله، صلى الله عليه وسلم،: " مهلا أبا بكر " فجاء عمر
فقال: إنا لله وإنا إليه راجعون (4).
رواه شعبة عنه.
محمد بن عمرو: عن أبيه، عن جده، عن عائشة قالت: حضر رسول
الله، صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر وعمر، سعد بن معاذ،
وهو يموت في القبة التي ضربها عليه
__________
(1) إسناده حسن، وأخرجه أحمد 4 / 352، وابن سعد 3 / 2 /
12، والحاكم وصححه 3 / 207 من طريق محمد بن عمرو، عن أبيه،
عن جده، عن عائشة، بأوضح مما هنا.
(2) إسناده منقطع ولا يصح.
(3) أخرجه أحمد 3 / 312، 386، ومسلم (2208) في السلام: باب
لكل داء دواء واستحباب التداوي.
وانظر ص 283 التعليق رقم (1)
(4) رجاله ثقات، لكنه مرسل.
(*)
(1/285)
رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد.
قالت: والذي نفس محمد بيده إني لاعرف بكاء أبي بكر من بكاء
عمر، وإني لفي حجرتي، فكانا كما قال الله (رحماء بينهم).
قال علقمة فقلت: أي أمه ! كيف كان رسول الله، صلى الله
عليه وسلم، يصنع ؟ قالت: كان لا تدمع عينه على أحد، ولكنه
كان إذا وجد، فإنما هو آخذ بلحيته (1).
يزيد بن هارون: أنبأنا إسماعيل بن أبي خالد، عن رجل من
الانصار قال: لما قضى سعد في بني قريظة، ثم رجع، انفجر
جرحه، فبلغ ذلك رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فأتاه فوضع
رأسه في حجره، وسجي بثوب أبيض، وكان رجلا أبيض جسيما.
فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: " اللهم إن سعدا قد
جاهد (2) في سبيلك، وصدق رسولك، وقضى الذي عليه، فتقبل
روحه بخير ما تقبلت به روحا " فلما سمع سعد كلام رسول
الله، صلى الله عليه وسلم، فتح عينيه، ثم قال: السلام عليك
يا رسول الله، إني أشهد أنك رسول الله.
وقال النبي، صلى الله عليه وسلم، لاهل البيت: استأذن الله
من ملائكته عددكم في البيت ليشهدوا وفاة سعد.
قال: وأمه تبكي وتقول: ويل امك سعدا * حزامة وجدا فقيل
لها: أتقولين الشعر على سعد ؟ فقال رسول الله، صلى الله
عليه وسلم: " دعوها فغيرها من الشعراء أكذب ".
هذا مرسل (3).
الواقدي: أنبأنا معاد بن محمد، عن عطاء بن أبي مسلم، عن
عكرمة، عن
__________
(1) إسناده حسن.
وأخرجه أحمد 6 / 141 - 142.
(2) تصحفت في المطبوع إلى " جاء ".
(3) بل معضل لانه مرسل، وفيه من لم يسم على التوالي.
وأخرجه ابن سعد 3 / 2 / (*)
(1/286)
ابن عباس قال: لما انفجرت يد سعد بالدم، قام إليه رسول
الله، صلى الله عليه وسلم، فاعتنقه، والدم ينفح من وجه
رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ولحيته، حتى قضى (1).
عاصم بن عمر: عن محمود بن لبيد قال: لما أصيب أكحل سعد،
فثقل، حولوه عند امرأة يقال لها رفيدة تداوي الجرحى.
فكان النبي، صلى الله عليه وسلم، إذا مر به يقول: كيف
أمسيت، وكيف أصبحت ؟ فيخبره حتى كانت الليلة التي نقله
قومه فيها وثقل، فاحتملوه إلى بني عبد الاشهل إلى منازلهم،
وجاء رسول الله، فقيل: انطلقوا به.
فخرج وخرجنا معه، وأسرع حتى تقطعت شسوع نعالنا، وسقطت
أرديتنا، فشكا ذلك إليه أصحابه، فقال: " إني أخاف أن
تسبقنا إليه الملائكة فتغسله كما غسلت حنظلة " فانتهى إلى
البيت، وهو يغسل، وأمه تبكيه وتقول: ويل ام سعد سعدا *
حزامة وجدا فقال: " كل باكية تكذب إلا أم سعد " ثم خرج به.
قال: يقول له القوم: ما حملنا يا رسول الله ميتا أخف علينا
منه.
قال: " ما يمنعه أن يخف وقد هبط من الملائكة كذا وكذا لم
يهبطوا قط قبل يومهم، قد حملوه معكم " (2).
شعبة: عن سماك، سمع عبد الله بن شداد يقول: دخل رسول الله،
صلى الله عليه وسلم،
__________
(1) إسناده تالف لضعف الواقدي.
وهو في " الطبقات " لابن سعد 3 / 2 / 7.
(2) أخرجه ابن سعد 3 / 2 / 7 - 7 من طريق الفضل بن دكين
قال: حدثنا عبد الرحمن بن سليمان الغسيل، عن عاصم بن عمر
بن قتادة، عن محمود بن لبيد...، وإسناده حسن.
(*)
(1/287)
على سعد وهو يكيد نفسه فقال: " جزاك الله خيرا من سيد قوم،
فقد أنجزت ما وعدته.
ولينجزنك الله ما وعدك " (1).
حماد بن سلمة: عن محمد بن زياد، عن عبد الرحمن بن سعد بن
معاذ أن بني قريظة نزلوا على حكم رسول الله، صلى الله عليه
وسلم، فأرسل إلى سعد، فجئ به محمولا على حمار، وهو مضنى من
جرحه، فقال له: " أشر علي في هؤلاء " قال: إني أعلم أن
الله قد أمرك فيهم بأمر أنت فاعله.
قال: " أجل، ولكن أشر ".
قال: لو وليت أمرهم، لقتلت مقاتلتهم، وسبيت ذراريهم.
فقال: " والذي نفسي بيده لقد أشرت علي فيهم بالذي أمرني
الله به " (2).
محمد بن صالح التمار: عن سعد بن إبراهيم، عن عامر بن سعد،
عن أبيه قال: لما حكم سعد في بني قريظة أن يقتل من جرت
عليه المواسي (3) قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: "
لقد حكم فيهم بحكم الله الذي حكم به من فوق سبع
__________
(1) رجاله ثقات، وأخرجه ابن سعد في " الطبقات " 3 / 2 / 9.
(2) أخرجه ابن سعد 3 / 2 / 5 من طريق حماد بن سلمة، عن
محمد بن زياد، عن عبد الرحمن بن عمرو بن سعد بن معاذ.
وأخرجه أحمد 3 / 22، والبخاري (3043) في الجهاد، و (3804)
و (4121) و (6262)، ومسلم (1768) في الجهاد، كلهم من طريق
شعبة، عن سعد بن إبراهيم، عن أبي أمامة سهل بن حنيف، عن
أبي سعيد الخدري بنحوه.
(3) المواسي: جمع موسى وهي الآلة التي يحلق بها.
والمراد هنا من بلغ الحلم وطالت شعرته، وصار يحلقها.
يفسر ذلك حديث عطية القرظي قال: " عرضنا على النبي، صلى
الله عليه وسلم، يوم قريظة، فكان من أنبت قتل، ومن لم ينبت
خلي سبيله، فكنت ممن لم ينبت فخلي سبيلي ".
أخرجه أبو داود (4404)، والترمذي (1584)، وسنده حسن.
وقد
تحرفت في المطبوع لفظة " المواسي " إلى " المواثيق ".
(*)
(1/288)
سموات " (1).
إسرائيل: عن أبي إسحاق، عن أبي ميسرة قال: لم يرق دم سعد
حتى أخذ النبي، صلى الله عليه وسلم، بساعده، فارتفع الدم
إلى عضده.
فكان سعد يقول: اللهم لا تمتني حتى تشفيني من بني قريظة
(2).
الواقدي: حدثني سعيد بن محمد، عن ربيح بن عبد الرحمن بن
أبي سعيد، عن أبيه، عن جده قال: كنت ممن حفر لسعد قبره
بالبقيع، فكان يفوح علينا المسك كلما حفرنا، حتى انتهينا
إلى اللحد.
ثم قال ربيح: وأخبرني محمد بن المنكدر، عن محمد بن شرحبيل
بن حسنة قال: أخذ إنسان قبضة من تراب قبر سعد، فذهب بها،
ثم نظر فإذا هي مسك (3).
ورواها محمد بن عمرو بن علقمة، عن ابن المنكدر (4).
الواقدي: أنبأنا عبيد بن جبيرة، عن الحصين بن عبد الرحمن
بن عمرو [ بن سعد، بن معاذ قال: كان سعد بن معاذ رجلا
أبيض، طوالا، جميلا، حسن الوجه، أعين حسن اللحية، فرمي يوم
الخندق، سنة خمس من
__________
(1) أخرجه ابن سعد 3 / 2 / 6 من حديث خالد بن مخلد، عن
محمد بن صالح التمار، به..، وهذا سند حسن.
وذكره الحافظ في " الفتح " 7 / 412 ونسبه إلى النسائي،
وقال: ورواية شعبة أصح.
يريد رواية البخاري رقم (4121) في المغازي، وفيها قال:
قضيت بحكم الله.
وربما قال: بحكم الملك.
(2) أخرجه ابن سعد 3 / 2 / 5، ورجاله ثقات.
إلا أنه منقطع لان أبا ميسرة وهو عمرو بن شرحبيل الهمداني
السبيعي لم يدرك سعدا.
(3) إسناده تالف لضعف الواقدي.
وأخرجه ابن سعد 3 / 2 / 10.
(4) هذا إسناد حسن.
وأخرجه ابن سعد 3 / 2 / 10.
(*)
(1/289)
الهجرة، فمات من رميته تلك وهو يومئذ ابن سبع وثلاثين سنة.
فصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودفن بالبقيع ]
(1).
ابن سعد: أنبأنا محمد بن عمر، حدثني إبراهيم بن الحصين، عن
داود بن الحصين، عن عبد الرحمن بن جابر، عن أبيه قال: لما
انتهوا إلى قبر سعد، نزل فيه أربعة: الحارث بن أوس، وأسيد
بن الحضير، وأبو نائلة سلكان، وسلمة بن سلامة بن وقش،
ورسول الله صلى الله عليه وسلم واقف.
فلما وضع في قبره، تغير وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم،
وسبح ثلاثا، فسبح المسلمون حتى ارتج البقيع، ثم كبر ثلاثا،
وكبر المسلمون، فسئل عن ذلك، فقال: " تضايق على صاحبكم
القبر، وضم ضمة لو نجا منها أحد لنجا هو، ثم فرج الله عنه
" (2).
قلت: هذه الضمة ليست من عذاب القبر في شئ، بل هو أمر يجده
المؤمن كما يجد ألم فقد ولده وحميمه (3) في الدنيا، وكما
يجد من ألم مرضه، وألم خروج نفسه، وألم سؤاله في قبره
وامتحانه، وألم تأثره ببكاء أهله عليه، وألم قيامه من
قبره، وألم الموقف وهوله، وألم الورود على النار، ونحو
ذلك.
فهذه الاراجيف كلها قد تنال العبد وما هي من عذاب القبر،
ولا من عذاب جهنم قط، ولكن العبد التقي يرفق الله به في
بعض ذلك أو كله، ولا راحة للمؤمن دون لقاء ربه.
قال الله تعالى: (وأنذرهم يوم الحسرة) وقال: (وأنذرهم يوم
الآزفة إذ القلوب لدى الحناجر) فنسأل الله تعالى العفو
واللطف الخفي.
ومع هذه الهزات، فسعد ممن نعلم أنه من أهل الجنة، وأنه
__________
(1) ما بين حاصرتين سقط من الاصل.
واستدرك من " طبقات ابن سعد " 3 / 2 / 11.
(2) إسناده تالف لان محمد بن عمر الواقدي متروك.
وهو في " طبقات ابن سعد "
3 / 2 / 10.
(3) تحرفت في المطبوع إلى " صميمه ".
(*)
(1/290)
من أرفع الشهداء، رضي الله عنه.
كأنك يا هذا تظن أن الفائز لا يناله هول في الدارين، ولا
روع ولا ألم، ولا خوف.
سل ربك العافية، وأن يحشرنا في زمرة سعد.
شعبة: حدثنا سعد بن إبراهيم، عن نافع، عن عائشة، عن النبي
صلى الله عليه وسلم قال: " إن للقبر ضغطة، ولو كان أحد
ناجيا منها، نجا منها سعد بن معاذ " (1).
إسناده قوي.
عقبة بن مكرم: حدثنا ابن أبي عدي، عن شعبة، عن سعد بن
إبراهيم، عن نافع، عن صفية بنت أبي عبيد، عن عائشة، عن
النبي صلى الله عليه وسلم: " لو نجا أحد من ضمة القبر،
لنجا منها سعد " (2).
يزيد بن هارون: أنبأنا محمد بن عمرو، عن واقد بن عمرو بن
سعد قال: دخلت على أنس بن مالك - وكان واقد من أعظم الناس
وأطولهم - فقال لي: من أنت ؟ قلت: أنا واقد بن عمرو بن سعد
بن معاذ.
قال: إنك بسعد لشبيه، ثم بكي، فأكثر البكاء، ثم قال: يرحم
الله سعدا، كان من أعظم الناس وأطولهم.
بعث رسول الله جيشا إلى أكيدر (3) دومة، فبعث إلى رسول
الله صلى الله عليه وسلم، بجبة من ديباج منسوج فيها الذهب.
فلبسها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجعلوا يمسحونها
وينظرون إليها.
فقال: " أتعجبون من هذه الجبة " ؟ قالوا: يا رسول الله !
ما رأينا
__________
(1) وهو في " مسند أحمد " 6 / 55، 98 من طريق محمد بن
جعفر، عن شعبة، عن سعد بن إبراهيم، عن نافع، قال محمد بن
جعفر: عن إنسان، عن عائشة وانظر الرواية التالية.
(2) إسناده صحيح.
(3) هو أكيدر بن عبد الملك من كندة، وكان ملكا نصرانيا على
دومة - وهي دومة الجندل على عشر مراحل من المدينة من جهة
الشام - وقد افتتحت في سنة تسع من الهجرة على يد خالد بن
الوليد.
انظر " زاد المعاد " 3 / 538.
(*)
(1/291)
ثوبا قط أحسن منه.
قال: " فوالله لمناديل سعد بن معاذ في الجنة أحسن مما ترون
" (1).
قيل: كان سعد بن معاذ وأسعد بن زرارة ابني خالة.
وقال ابن إسحاق: آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين سعد
بن معاذ وأبي عبيدة بن الجراح، وقيل: آخى بينه وبين سعد بن
أبي وقاص.
وقد تواتر (2) قول النبي صلى الله عليه وسلم: " إن العرش
اهتز لموت سعد فرحا به ".
وثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في حلة تعجبوا من
حسنها: " لمناديل سعد بن معاذ في الجنة خير من هذه " (3).
وقال النضر بن شميل: حدثنا عوف، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد،
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اهتز العرش لموت سعد
بن معاذ " (4).
__________
(1) إسناده حسن وأخرجه ابن سعد 3 / 2 / 13، والترمذي
(1723) في اللباس، والنسائي 8 / 199 في الزينة.
ثلاثتهم من طريق محمد بن عمرو عن واقد بن عمرو..به.
وصححه الترمذي، وكان في الاصل " إنك كسعد الشبيه " وما
أثبتناه عند الترمذي، وابن سعد.
وأخرجه أحمد 3 / 234 ومسلم (2469) من حديث أنس.
(2) فقد ورد هذا الحديث عن جابر، وأنس، وحذيفة، وعاصم بن
عمر بن قتادة عن جدته رميئة.
وذكر ابن عبد البر أنه روي من وجوه كثيرة متواترة.
وفي " شرح المواهب " ثبت عن عشرة من الصحابة.
وانظر " نظم المتناثر في الحديث المتواتر " ص: (126).
وسيذكر المصنف رواية بعض هؤلاء فيما يلي.
(3) أخرجه أحمد 3 / 234، ومسلم (2469)، والبخاري (3248)،
وأبو نعيم 7 / 110، من حديث أنس قال: أهدي لرسول الله، صلى
الله عليه وسلم، جبة من سندس، وكان ينهى عن الحرير، فعجب
الناس منها، فقال: " والذي نفسي بيده إن مناديل سعد بن
معاذ في الجنة أحسن من هذا ".
(4) أخرجه أحمد 3 / 24، وابن سعد 3 / 2 / 12، والحاكم 3 /
206، وصححه ووافقه الذهبي.
(*)
(1/292)
ثم قال النضر، وهو إمام أهل اللغة: اهتز: فرح.
الاعمش: عن أبي سفيان، عن جابر مرفوعا: " اهتز عرش الرحمن
لموت سعد " (1).
يوسف بن الماجشون، عن أبيه، عن عاصم بن عمر بن قتادة، عن
جدته رميثة قالت: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول -
ولو أشاء أن اقبل الخاتم [ الذي بين كتفيه ] من قربي [ منه
] لفعلت - وهو يقول: " اهتز عرش الرحمن له " - أي: لسعد بن
معاذ (2).
إسناد صالح.
وخرج النسائي من طريق معاذ بن رفاعة، عن جابر قال: جاء
جبريل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: من هذا
العبد الصالح الذي مات ؟ فتحت له أبواب السماء، وتحرك له
العرش، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا سعد.
قال: فجلس على قبره.
الحديث (3).
إسماعيل بن أبي خالد: عن إسحاق بن راشد، عن أسماء بنت يزيد
قالت: لما توفي سعد بن معاذ، صاحت أمه، فقال النبي صلى
الله عليه وسلم: " ألا يرقأ دمعك ويذهب حزنك ؟ فإن ابنك
أول من ضحك الله إليه، واهتز له العرش ".
__________
(1) أخرجه أحمد 3 / 316، والبخاري (3803) في مناقب
الانصار: باب مناقب سعد، ومسلم (2466) (123) في فضائل
الصحابة: باب فضائل سعد بن معاذ، والترمذي (3748) في
المناقب: باب مناقب سعد، وابن ماجه في المقدمة (158): باب
فضل سعد، وابن عبد البر 2 / 376.
(2) أخرجه أحمد 3 / 329، وابن سعد 3 / 2 / 13 والزيادات
منه.
(3) أخرجه أحمد 3 / 327، والحاكم 1 / 206، وصححه ووافقه
الذهبي.
(*)
(1/293)
هذا مرسل.
ابن جريج: عن أبي الزبير، عن جابر أنه سمع رسول الله صلى
الله عليه وسلم يقول، وجنازة سعد بين أيديهم: " اهتز لها
عرش الرحمن " (1).
ابن أبي عروبة: عن قتادة، عن أنس قال رسول الله، صلى الله
عليه وسلم، وجنازة سعد موضوعة: " اهتز لها عرش الرحمن "
(2).
جماعة: عن عطاء بن السائب، عن مجاهد، عن ابن عمر يرفعه: "
اهتز العرش لحب لقاء الله سعدا " (3).
يونس: عن ابن إسحاق، عن معاذ بن رفاعة قال: حدثني من شئت
من رجال قومي أن جبريل أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم
حين قبض سعد معتجرا بعمامة من إستبرق.
فقال: يا محمد ! من هذا الميت الذي فتحت له أبواب السماء،
واهتز له العرش ؟ فقام سريعا يجر ثوبه إلى سعد، فوجده قد
مات (4).
قال ابن إسحاق: عن أمية بن عبد الله، عن بعض آل سعد، أن
رجلا قال: وما اهتز عرش الله من موت هالك * سمعنا به إلا
لسعد أبي عمرو عبد الله بن إدريس: حدثنا عبيدالله، عن
نافع، عن ابن عمر - ومنهم من
__________
(1) أخرجه أحمد 3 / 296، 349، ومسلم (2466) في الفضائل:
باب فضائل سعد،
والترمذي (3847) في المناقب: باب مناقب سعد.
(2) أخرجه أحمد 3 / 234، ومسلم (2467) في الفضائل: باب
فضائل سعد.
(3) أخرجه ابن سعد 3 / 2 / 12، والحاكم 3 / 206، وصححه
ووافقه الذهبي.
(4) في سنده إرسال.
وانظر التعليق رقم (3) في الصفحة السابقة.
والتعليق (1) في الصفحة 284.
(*)
(1/294)
أرسله - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " هذا
العبد الصالح الذي تحرك له العرش، وفتحت أبواب السماء،
وشهده سبعون ألفا من الملائكة لم ينزلوا إلى الارض قبل
ذلك، لقد ضم ضمة ثم أفرج عنه " يعني سعدا (1).
رواه محمد بن سعد، عن إسماعيل بن مسعود، عنه.
أبو معشر: عن سعيد المقبري أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم قال: " لو نجا أحد من ضغطة القبر، لنجا سعد، ولقد ضم
ضمة اختلف منها أضلاعه من أثر البول " (2).
هذا منقطع.
ويروى أن النبي صلى الله عليه وسلم حمل جنازة سعد خطوات.
ولم يصح.
الواقدي: حدثني سعيد بن محمد، عن ربيح بن عبد الرحمن، عن
أبيه، عن جده أبي سعيد قال: كنت ممن خفر لسعد قبره
بالبقيع.
وكان يفوح علينا المسك كلما حفرنا.
قال ربيح: فأخبرني محمد بن المنكدر عن رجل قال: أخذ إنسان
[ قبضة ] من تراب قبر سعد فذهب بها، ثم نظر إليها بعد فإذا
هي مسك (3).
وروى نحوه محمد بن عمرو بن علقمة، عن ابن المنكدر، عن محمد
بن شرحبيل بن حسنة.
محمد بن عمرو بن علقمة: عن أبيه، عن جده، عن عائشة قالت:
ما كان
__________
(1) إسناده صحيح، وأخرجه النسائي 4 / 100 في الجنائز: باب
ضمة القبر وضغطه، وابن سعد 3 / 2 / 9 (2) أخرجه ابن سعد 3
/ 2 / 9 وهو على انقطاعه ضعيف لضعف أبي معشر.
(3) أخرجه ابن سعد 3 / 2 / 10.
(*)
(1/295)
أحد أشد فقدا على المسلمين بعد النبي صلى الله عليه وسلم
وصاحبيه أو أحدهما من سعد بن معاذ (1).
الواقدي: أنبأنا عبيد بن جبيرة عن الحصين بن عبد الرحمن بن
عمرو بن سعد بن معاذ قال: كان سعد أبيض، طوالا، جميلا، حسن
الوجه، أعين، حسن اللحية، عاش سبعا وثلاثين سنة (2).
أبو إسحاق السبيعي: عن رجل، عن حذيفة قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم: " اهتز العرش لروح سعد بن معاذ " (3) وروى
سليمان التيمي، عن الحسن قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: " اهتز عرش الرحمن لوفاة سعد " (4) ابن سعد: أنبأنا
محمد بن فضيل، عن عطاء بن السائب، عن مجاهد، عن ابن عمر
قال: اهتز العرش لحب لقاء الله سعدا.
قال: إنما يعني السرير.
وقرأ [ ورفع أبويه على (5) العرش ] [ يوسف: 100 ] قال:
إنما تفسحت أعواده.
قال: ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم قبره، فاحتبس،
فلما خرج، قيل يا رسول الله ! ما حبسك ؟ قال: ضم سعد في
القبر ضمة، فدعوت الله أن يكشف عنه (6).
__________
(1) إسناده حسن، وأخرجه أبو نعيم في " المعرفة "، وابن أبي
شيبة، وهو عندهما حديث طويل يشمل معظم ما خرجنا من آثار
وأخبار.
وانظر " الكنز " 13 / 406 - 412، ففيه معظم ما مر ويمر
معنا عن سعد بن معاذ.
(2) انظر التعليق الاول في الصفحة 290.
(3) أخرجه ابن سعد 3 / 2 / 12.
(4) مرسل، وأخرجه ابن سعد 3 / 2 / 12.
(5) تصحفت في المطبوع " على " فصارت " إلى ".
(6) أخرجه ابن سعد 3 / 2 / 12، وابن أبي شيبة.
(*)
(1/296)
قلت: تفسيره بالسرير ما أدري أهو من قول ابن عمر، أو من
قول مجاهد.
وهذا تأويل لا يفيد.
فقد جاء ثابتا عرش الرحمن وعرش الله، والعرش خلق لله مسخر
إذا شاء أن يهتز اهتز بمشيئة الله، وجعل فيه شعورا لحب
سعد، كما جعل تعالى شعورا في جبل أحد بحبه النبي صلى الله
عليه وسلم.
وقال تعالى: (يا جبال أوبي معه) [ سبأ: 10 ] وقال (تسبح له
السموات السبع والارض) [ الاسراء: 44 ].
ثم عمم فقال: (وإن من شئ إلا يسبح بحمده).
وهذا حق.
وفي صحيح البخاري قول ابن مسعود: كنا نسمع تسبيح الطعام
وهو يؤكل (1).
وهذا باب واسع سبيله الايمان.
أبو نعيم: حدثنا إسماعيل بن مسلم العبدي، عن أبي المتوكل
أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر الحمي، فقال: " من كانت
به، فهي حظه من النار ".
فسألها سعد بن معاذ ربه، فلزمته حتى فارق الدنيا (2).
كان لسعد من الولد: عبد الله، وعمرو، فكان لعمرو تسعة
أولاد.
57 - زيد بن الخطاب *
ابن نفيل بن عبد، العزى بن رياح.
__________
(1) أخرجه البخاري (3579)، وأحمد 1 / 460، والدارمي 2 / 14
- 15.
(2) انظر التعليق (2) في الصفحة 285.
(*) طبقات ابن سعد: 3 / 1 / 274، نسب قريش: 347 - 348،
طبقات خليفة: 22، تاريخ خليفة: 108، 112.
التاريخ الصغير: 1 / 34، تاريخ الطبري: 3 / 290، الجرح
والتعديل: 3 / 562، مشاهير علماء الامصار: ت: 27، حلية
الاولياء: 1 / 367، الاستيعاب: 4 / 58 - 63، أسد الغابة: 2
/ 285 - 286، تهذيب الاسماء واللغات: 1 / 203 - 204، تهذيب
الكمال: 456، تاريخ الاسلام: 1 / 267، العبر: 1 / 14،
العقد الثمين: 4 / 473 - 476، تهذيب التهذيب: 3 / 411،
الاصابة: 4 / 52، خلاصة تذهيب الكمال: 128.
(*)
(1/297)
السيد الشهيد المجاهد التقي، أبو عبد الرحمن القرشي
العدوي، أخو أمير المؤمنين عمر.
وكان أسن من عمر، وأسلم قبله.
وكان أسمر طويلا جدا.
شهد بدرا والمشاهد.
وكان قد آخى النبي، صلى الله عليه وسلم، بينه، وبين معن بن
عدي العجلاني.
ولقد قال له عمر يوم بدر: البس درعي.
قال: إني أريد من الشهادة ما تريد.
قال: فتركاها جميعا.
وكانت راية المسلمين معه يوم اليمامة، فلم يزل يقدم بها في
نحر العدو، ثم قاتل حتى قتل، فوقعت الراية، فأخذها سالم
مولى أبي حذيفة.
وحزن عليه عمر، وكان يقول: أسلم قبلي، واستشهد قبلي.
وكان يقول: ما هبت الصبا إلا وأنا أجد ريح زيد.
حدث عنه ابن أخيه عبد الله بن عمر خبر النهي عن قتل عوامر
البيوت (1).
وروى عنه ولده عبد الرحمن بن زيد حديثين.
استشهد في ربيع الاول سنة اثنتي عشرة.
واستشهد يومئذ من أصحاب رسول الله، صلى الله عليه وسلم،
وغير هم نحو من ست مئة، منهم: أبو حذيفة بن عتبة العبشمي،
ومولاه سالم أحد القراء، وأبو مرثد كناز
__________
(1) أخرجه أحمد 3 / 452، وعلقه البخاري (3299) في بدء
الخلق: باب قوله تعالى:
(وبث فيها من كل دابة).
ومسلم (2233) في السلام: باب قتل الحيات وغيرها، وأبو داود
(5252) في الادب: باب في قتل الحيات، والترمذي (1483) في
الاحكام: باب ما جاء في قتل الحيات، كلهم من طريق الزهري،
عن سالم، عن أبيه، عن النبي، صلى الله عليه وسلم،: "
اقتلوا الحيات وذا الطفيتين والابتر، فإنهما يستسقطان
الحبل، ويلتمسان البصر " قال: فكان ابن عمر يقتل كل حية
وجدها، فأبصره أبو لبابة بن عبد المنذر، أو زيد بن الخطاب
وهو يطارد حية فقال: إنه قد نهي عن ذوات البيوت.
والابتر: صنف من الحيات أزرق مقطوع الذنب.
ويلتمسان البصر: أي يخطفان البصر ويطمسانه.
والعوامر: حيات البيوت.
والنص لمسلم.
(*)
(1/298)
ابن الحصين الغنوي، وثابت بن قيس بن شماس، و عبد الله بن
سهيل بن عمرو القرشي العامري، وعباد بن بشر الاشهلي الذي
أضاءت له عصاه (1)، ومعن ابن عدي بن الجد بن العجلان
الانصاري أخو عاصم، وأبو النعمان بشير بن سعد بن ثعلبة
الخزرجي، وأبو دجانة سماك بن خرشة الساعدي الانصاري، و عبد
الله بن عبد الله بن أبي ابن سلول الانصاري.
وعشرتهم بدريون.
ويقال: إن أبا دجانة هو الذي قتل يومئذ مسيلمة الكذاب.
58 - أسعد بن زرارة *
ابن عدس بن عبيد بن ثعلبة بن غنم بن مالك بن النجار.
السيد نقيب بني النجار، أبو أمامة الانصاري الخزرجي، من
كبراء الصحابة.
__________
(1) أخرجه البخاري (3085) في مناقب الانصار من طريق حبان
بن هلال، عن همام، عن قتادة، عن أنس، أن رجلين...ثم قال:
وقال حماد: أخبرنا ثابت عن أنس: كان أسيد بن حضير وعباد بن
بشر عند النبي صلى الله عليه وسلم...وقد وصله أحمد 3 /
138، 190،
272، وابن الاثير في " أسد الغابة " 3 / 151، كلاهما من
طريق: بهز بن أسد، عن حماد ابن سلمة، عن ثابت، عن أنس أن
أسيد بن حضير وعباد بن بشر كانا عند النبي، صلى الله عليه
وسلم، في ليلة مظلمة فخرجا من عنده، فأضاءت عصا أحدهما،
فكانا يمشيان بضوئها، فلما افترقا أضاءت عصا هذا وعصا هذا
".
وهو في " المستدرك " 3 / 288.
ورواه أحمد 3 / 272، عن عفان، عن حماد، عن ثابت، عن أنس، و
3 / 138، من طريق عبد الرزاق، عن معمر، عن ثابت، عن أنس.
(*) المسند لاحمد: 4 / 138، سيرة ابن هشام: 1 / 507،
الطبقات لابن سعد: 3 / 2 / 138، طبقات خليفة: 90 - 91،
تاريخ خليفة: 56، المعارف: 309، الجرح والتعديل: 2 / 344،
الاستبصار: 56 - 58، الاستيعاب: 1 / 153 - 156، أسد
الغابة: 1 / 86، العبر: 1 / 3، الاصابة: 1 / 50، شذرات
الذهب: 1 / 9.
(*)
(1/299)
توفي شهيدا بالذبحة (1)، فلم يجعل النبي، صلى الله عليه
وسلم، بعده نقيبا على بني النجار وقال: " أنا نقيبكم "
فكانوا يفخرون بذلك (2).
قال ابن إسحاق: توفي والنبي، صلى الله عليه وسلم، يبني
مسجده قبل بدر.
قال أبو العباس الدغولي: قيل: إنه لقي النبي صلى الله عليه
وسلم بمكة قبل العقبة الاولى بسنة مع خمسة نفر من الخزرج،
فآمنوا به.
فلما قدموا المدينة تكلموا بالاسلام في قومهم، فلما كان
العام المقبل، خرج منهم اثنا عشر رجلا، فهي العقبة الاولى،
فانصرفوا معهم، وبعث النبي صلى الله عليه وسلم، مصعب بن
عمير يقرئهم ويفقههم.
قال ابن إسحاق: حدثنا محمد بن أبي أمامة بن سهل، عن عبد
الرحمن بن كعب بن مالك قال: كنت قائد أبي حين عمي، فإذا
خرجت به إلى الجمعة، فسمع الاذان، صلى على أبي أمامة،
واستغفر له.
فقلت: يا أبة ! أرأيت
استغفارك لابي أمامة كلما سمعت أذان الجمعة ما هو ؟ قال:
أي بني ! كان أول من جمع بنا بالمدينة في هزم [ النبيت ]
من حرة بني بياضة يقال له: نقيع الخضمات (3)، قلت: فكم
كنتم يومئذ ؟ قال: أربعون رجلا.
فكان أسعد مقدم النقباء الاثني عشر، فهو نقيب بني النجار،
وأسيد بن الحضير نقيب بني
__________
(1) وجع الحلق، أو داء يأخذ بالحلق وربما قتل.
(2) أخرجه ابن سعد 3 / 2 / 141، والحاكم 3 / 186، من طريق
محمد بن عمر، حدثنا عبد الرحمن بن أبي الرجال، قال: مات
سعد..، ومحمد بن عمر هو الواقدي وهو متروك.
(3) الهزم: ما اطمأن من الارض.
والنبيت: بطن من الانصار.
وحرة بني بياضة: قرية على ميل من المدينة، والنقيع: بطن من
الارض يستنقع فيه الماء مدة، فإذا نضب الماء أنبت الكلا.
وبنو بياضة: بطن من الانصار، وقد تصحفت كلمة " النقيع "
عند المنجد إلى " البقيع ".
(*)
(1/300)
عبد الاشهل، وأبو الهيثم بن التيهان البلوي من حلفاء بني
عبد الاشهل، وسعد ابن خيثمة الاوسي أحد بني غنم بن سلم،
وسعد بن الربيع الخزرجي الحارثي قتل يوم أحد، و عبد الله
بن رواحة بن ثعلبة الخزرجي الحارثي قتل يوم (1) مؤتة، و
عبد الله بن عمرو بن حرام أبو جابر السلمي نقيب بني سلمة،
وسعد بن عبادة بن دليم الخزرجي الساعدي رئيس، نقيب،
والمنذر بن عمرو الساعدي النقيب قتل يوم بئر معونة،
والبراء بن معرور الخزرجي السلمي، وعبادة بن الصامت
الخزرجي من القواقلة (2)، ورافع بن مالك الخزرجي الزرقي
رضي الله عنهم (3).
وروى شعبة: عن محمد بن عبد الرحمن، أن جده أسعد بن زرارة
أصابه وجع الذبح في حلقه، فقال رسول الله، صلى الله عليه
وسلم،: " لابلغن أو لا بلين في أبي
أمامة عذرا " فكواه بيده فمات.
فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: " ميتة سوء لليهود.
يقولون: هلا دفع عن صاحبه، ولا أملك له ولا لنفسي من الله
شيئا " (4).
__________
(1) سقط من المطبوع من قوله: " أحد..." إلى قوله: " قتل
يوم ".
(2) في القاموس: القوقل: اسم أبي بطن من الانصار، لانه كان
إذا أتاه إنسان يستجير به أو بيثرب، قال له: قوقل في هذا
الجبل وقد أمنت.
أي: ارتق، وهم القواقل.
ونقل الزبيدي عن ابن هشام في سبب تسميتهم بذلك، أنهم كانوا
إذا أجاروا أحدا أعطوه سهما وقالوا: قوقل به حيث شئت، أي:
سر به حيث شئت.
(3) أخرجه أبو داود (1069) في الصلاة: باب الجمعة بالقرى،
والحاكم 1 / 281، والبيهقي 3 / 176، وسنده حسن، فقد صرح
ابن إسحاق بالتحديث هنا وعند كل من الحاكم والبيهقي،
فانتفت شبهة تدليسه.
(4) إسناده صحيح.
وأخرجه ابن ماجه (3492) في الطب: باب من اكتوى، وابن عبد
البر 5 / 469.
وأخرج أحمد 4 / 65 و 5 / 378، وابن سعد 3 / 2 / 140، من
طريق زهير، عن أبي الزبير، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن
بعض أصحاب النبئ، صلى الله عليه وسلم، قال: كوى رسول الله،
صلى الله عليه وسلم، أسعد أو سعد بن زرارة مرتين في حلقه
من الذبحة.
وقال: " لا أدع في = (*)
(1/301)
وقيل: إنه مات في السنة الاولى من الهجرة، رضي الله عنه،
وقد مات فيها ثلاثة أنفس من كبراء الجاهلية، ومشيخة قريش:
العاص بن وائل السهمي والد عمرو، والوليد بن المغيرة
المخزومي، والد خالد، وأبو أحيحة سعيد بن العاص الاموي.
الواقدي: حدثني معمر، عن الزهري، عن أبي أمامة بن سهل قال:
هم اثنا عشر نقيبا رأسهم أسعد بن زرارة (1).
وعن عمر: عن عائشة قالت: نقب النبي صلى الله عليه وسلم
أسعد على النقباء.
وعن خبيب بن عبد الرحمن قال: خرج أسعد بن زرارة وذكوان بن
عبد قيس إلى مكة إلى عتبة بن ربيعة، فسمعا برسول الله،
فأتياه، فعرض عليهما الاسلام، وقرأ عليهما القرآن، فأسلما،
فكانا أول من قدم المدينة بالاسلام (2).
وعن أم خارجة: أخبرتني النوار أم زيد بن ثابت أنها رأت
أسعد بن زرارة قبل مقدم النبي، صلى الله عليه وسلم، يصلي
بالناس الصلوات الخمس، يجمع بهم في مسجد بناه.
قالت: فأنظر إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم.
لما قدم صلى في ذلك المسجد وبناه، فهو مسجده اليوم (3).
إسرائيل: عن منصور، عن محمد بن عبد الرحمن قال: أخذت أسعد
بن
__________
= نفسي منه حرجاه "، وهو في الموطأ 2 / 944، عن يحيى بن
سعيد، قال: بلغني أن سعد بن زرارة اكتوى في زمن رسول الله،
صلى الله عليه وسلم، من الذبحة فمات.
(1) إسناده ضعيف، والواقدي متروك.
(2) ابن سعد 3 / 2 / 139، وفي سنده الواقدي.
(3) ابن سعد 3 / 2 / 139.
(*)
(1/302)
زرارة الذبحة.
فأتاه النبي، صلى الله عليه وسلم، فقال: " اكتو فإني لا
ألوم نفسي عليك (1) " زهير بن معاوية: عن أبي الزبير، عن
عمرو بن شعيب، عن بعض الصحابة قال: كوى رسول الله، صلى
الله عليه وسلم، أسعد مرتين في حلقه من الذبحة وقال: لا
أدع في نفسي منه حرجا (2).
الثوري: عن أبي الزبير، عن جابر قال: كواه رسول الله، صلى
الله عليه وسلم، في أكحله مرتين.
وقيل: كواه فحجر به حلقه يعني بالكي (3).
وقيل: أوصى أسعد ببناته إلى رسول الله، صلى الله عليه
وسلم، وكن ثلاثا.
فكن في عيال رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يدرن معه في
بيوت نسائه، وهن: فريعة، وكبشة، وحبيبة.
فقدم عليه حلي فيه ذهب ولؤلؤ، فحلاهن منه (4).
وعن ابن أبي الرجال قال: جاءت بنو النجار، فقالوا: مات
نقيبنا أسعد، فنقب علينا يا رسول الله.
قال: أنا نقيبكم (5).
قال الواقدي: الانصار يقولون: أول مدفون بالبقيع أسعد،
والمهاجرون يقولون: أول من دفن بن عثمان بن مظعون (6).
__________
(1) ابن سعد 3 / 2 / 140.
(2) انظر الصفحة (301) التعليق رقم (4).
(3) ابن سعد 3 / 2 / 140.
يقال: حجر عين البعير: إذا وسم حولها بميسم مستدير.
(4) ابن سعد 3 / 2 / 140.
(5) انظر التعليق (2) على الصفحة (300) (6) ابن سعد 3 / 2
/ 141.
(*)
(1/303)
وعن أبي أمامة بن سهل أن النبي، صلى الله عليه وسلم، عاد
أسعد، وأخذته الشوكة فأمر به فطوق عنقه بالكي طوقا، فلم
يلبث إلا يسيرا حتى توفي، رضي الله عنه (1).
59 - عتبة بن غزوان *
ابن جابر بن وهيب.
السيد الامير المجاهد أبو غزوان المازني، حليف بني عبد
شمس.
أسلم سابع سبعة في الاسلام، وهاجر إلى الحبشة، ثم شهد بدرا
والمشاهد.
وكان أحد الرماة المذكورين، ومن أمراء الغزاة، وهو الذي
اختط
البصرة وأنشأها.
حدث عنه خالد بن عمير العدوي، وقبيصة بن جابر، وهارون بن
رئاب، والحسن البصري، ولم يلحقاه، وغنيم بن قيس المازني.
وقيل: كنيته أبو عبد الله.
__________
(1) أخرجه ابن سعد 3 / 2 / 141، من طريق الواقدي، عن معمر
بن راشد، عن الزهري، عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف، بأطول
مما هنا.
وسنده تالف، لان الواقدي متروك.
(*) المسند لاحمد 5 / 61 و 4 / 174، طبقات ابن سعد: 3 / 1
/ 69، طبقات خليفة: 10، 182، تاريخ خليفة: 61، 128، 129،
التاريخ الكبير: 6 / 520 - 521، المعارف: 275، الجرح
والتعديل: 6 / 373، مشاهير علماء الامصار: ت: 217، حلية
الاولياء: 1 / 171 - 172، الاستيعاب: 8 / 9 - 14، تاريخ
بغداد: 1 / 155 - 157، أسد الغابة: 3 / 565، تهذيب الاسماء
واللغات: 1 / 319، تهذيب الكمال: 905، دول الاسلام: 1 /
15، العبر: 1 / 17، 21، مجمع الزوائد: 9 / 307، العقد
الثمين: 6 / 11 - 12، تهذيب التهذيب: 7 / 100، الاصابة: 6
/ 379، خلاصة تذهيب الكمال: 258، كنز العمال: 13 / 570،
شذرات الذهب: 1 / 27.
(*)
(1/304)
ابن سعد: أنبأنا محمد بن عمر، حدثنا جبير بن عبد الله،
وإبراهيم بن عبد الله من ولد عتبة بن غزوان.
قالا: استعمل عمر عتبة بن غزوان على البصرة [ فهو الذي مصر
البصرة ].
واختطها.
وكانت قبلها الابلة، وبنى المسجد بقصب، ولم يبن بها دارا
(1).
وقيل: كانت البصرة قبل تسمى أرض الهند.
فأول ما نزلها عتبة، كان في ثمان مئة.
وسميت البصرة بحجارة سود كانت هناك.
فلما كثروا، بنوا سبع
دساكر من لبن، اثنتين منها في الخريبة.
فكان أهلها يغزون جبال فارس.
قال ابن سعد: كان سعد يكتب إلى عتبة وهو عامله، فوجد من
ذلك، واستأذن عمر أن يقدم عليه، فأذن له.
فاستخلف على البصرة المغيرة، فشكا إلى عمر تسلط سعد عليه.
فسكت عمر.
فأعاد عليه عتبة وأكثر، قال: وما عليك يا عتبة أن تقر
بالامر لرجل من قريش ؟ قال: أو لست من قريش ؟ قال رسول
الله، صلى الله عليه وسلم: " حليف القوم منهم " (2)، ولي
صحبة قديمة.
قال: لا
__________
(1) ابن سعد 3 / 1 / 69، و " الاستيعاب " 8 / 11، و " أسد
الغابة " 3 / 365.
(2) أخرجه البخاري (6761) في الفرائض: باب مولى القوم من
أنفسهم، من حديث أنس بلفظ " مولى القوم من أنفسهم ".
وأخرجه أحمد 4 / 340، من حديث رفاعة بن رافع الزرقي.
وأخرجه الدارمي 2 / 243 - 244 من طريق سعيد بن المغيرة، عن
عيسى بن يونس، عن كثير بن عبد الله، عن أبيه، عن جده.
والخبر بطوله عند ابن سعد 7 / 5 - 8، والمولى: يكون مولى
عتاقة، أو مولى حلف ومناصرة، أو مولى إسلام بأن أسلم على
يد واحد من قبيلة.
كالبخاري مولى الجعفيين أسلم على يد أحدهم، فإن كان مولى
عتاقة، فالمعتق يرث العتيق بالعصوبة إذا فقد عصبة النسب.
(*)
(1/305)
ننكر ذلك من فضلك.
قال: أما إذ صار الامر إلى هذا، فوالله لا أرجع إلى البصرة
أبدا.
فأبى عمر ورده، فمات بالطريق، أصابه البطن.
وقدم سويد غلامه بتركته على عمر، وذلك سنة سبع عشرة، رضي
الله عنه.
توفي بطريق البصرة وافدا إلى المدينة سنة سبع عشرة.
وقيل: مات سنة خمس عشرة، وعاش سبعا وخمسين سنة، رضي الله
عنه.
له حديث في صحيح مسلم.
أبو نعامة السعدي: عن خالد بن عمير وشويس (1) قالا: خطبنا
عتبة بن غزوان فقال: ألا إن الدنيا قد آذنت بصرم وولت حذاء
(2)، ولم يبق منها إلا صبابة كصبابة الاناء، وإنكم في دار
تنتقلون عنها، فانتقلوا بخير ما بحضرتكم.
وذكر الحديث (3).
__________
(1) هو شويس بن جياش العدوي البصري، أبو الرقاد.
ذكره ابن حبان في الثقات.
وروى عنه غير واحد.
وقد تصحفت في المطبوع إلى " شويش ".
(2) أي: مسرعة.
وقد تصحفت في المطبوع إلى " حدا ".
(3) أخرجه مسلم (2967) في الزهد: باب في بدايته، من طريق:
حميد بن هلال، عن خالد بن عمير العدوي قال: خطبنا عتبة بن
غزوان، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أما بعد: فإن الدنيا
قد آذنت بصرم وولت حذاء، ولم يبق منها إلا صبابة كصبابة
الاناء يتصابها صاحبها، وإنكم منتقلون منها إلى دار لا
زوال لها.
فانتقلوا بخير ما بحضرتكم.
فإنه قد ذكر لنا أن الحجر يلقى من شفة جهنم فيهوي فيها
سبعين عاما لا يدرك لها قعرا.
ووالله لتملان.
أفعجبتم ؟ ولقد ذكر لنا أن ما بين مصراعين من مصاريع الجنة
مسيرة أربعين سنة.
وليأتين عليها يوم وهو كظيظ من الزحام.
ولقد رأيتني سابع سبعة مع رسول الله، صلى الله عليه وسلم،
مالنا طعام إلا ورق الشجر.
حتى قرحت أشداقنا.
فالتقطت بردة فشققتها بيني وبين سعد بن مالك فاتزرت بنصفها
واتزر سعد بنصفها.
فما أصبح اليوم منا أحد إلا أصبح أميرا على مصر من
الامصار.
وإني أعوذ بالله أن أكون في نفسي عظيما، وعند الله صغيرا.
وإنها لم تكن نبوة قط إلا تناسخت، حتى يكون آخر عاقبتها
ملكا.
فستخبرون وتجربون الامراء بعدنا " = (*)
(1/306)
60 - عكاشة بن محصن * السعيد الشهيد.
أبو محصن الاسدي حليف قريش.
من السابقين الاولين
البدريين أهل الجنة.
استعمله النبي، صلى الله عليه وسلم، على سرية الغمر (1)
فلم يلقوا كيدا.
وروي عن أم قيس بنت محصن قالت: توفي رسول الله، صلى الله
عليه وسلم، وعكاشة ابن أربع وأربعين سنة.
قال: وقتل بعد ذلك بسنة ببزاخة في خلافة أبي بكر الصديق
سنة اثنتي عشرة.
وكان من أجمل الرجال، رضي الله عنه (2).
__________
وآذنت: أعلمت.
بصرم: الصرم: الانقطاع والذهاب.
حذاء: مسرعة، وصبابة: البقية اليسيرة من الشراب تبقى في
أسفل الاناء.
يتصابها: في القاموس: تصاببت الماء: شربت صبابته.
وقعر الشئ: أسفله.
وكظيظ: ممتلئ.
قرحت: أي صار فيها قروح وجراح من خشونة الورق الذي يأكلون.
وانظر " الاستيعاب " 8 / 12، " وأسد الغابة " 3 / 566 -
567.
(*) طبقات ابن سعد: 13 / 1 / 64، طبقات خليفة: 35، تاريخ
خليفة: 102، 103، التاريخ الكبير، 7 / 86، التاريخ الصغير:
1 / 34، المعارف: 273 - 274، الجرح والتعديل: 7 / 39،
مشاهير علماء الامصار: ت: 50، حلية الاولياء: 1 / 12،
الاستيعاب: 8 / 112، أسد الغابة: 4 / 67، تهذيب الاسماء
واللغات: 1 / 338، العبر: 1 / 13، مجمع الزوائد: 9 / 304،
العقد الثمين: 6 / 116 - 117، الاصابة: 7 / 32، شذرات
الذهب: 1 / 36.
(1) كذا الاصل.
وفي " معجم البلدان " 4 / 212: " الغمرة " وكذلك هي في
السيرة 2 / 612.
وقال ياقوت: وهو منهل من مناهل طريق مكة، ومنزل من
منازلها.
وهو فصل ما بين تهامة ونجد.
وقال ابن الفقيه: غمرة من أعمال المدينة، على طريق نجد،
أغزاها النبي، صلى الله عليه وسلم، عكاشة بن محصن، في
أربعين رجلا فذهبوا إلى الغمر، فعلم القوم بمجيئه فهربوا،
ونزل على مياههم وأرسل عيونه، فعرفوا مكان ما ماشيتهم
فغزاها فوجد مئتي بعير، فساقها إلى المدينة.
انظر كتب السير، وتواريخ الحوليات، ومعجم البلدان.
(2) هو في الحاكم 3 / 228.
وبزاخة: ماء لبني أسد كانت فيه وقعة عظيمة في أيام أبي
بكر الصديق مع طليحة بن خويلد الاسدي.
(*)
(1/307)
كذا هذا القول، والصحيح أن مقتله كان في سنة إحدى عشرة،
قتله طليحة الاسدي الذي ارتد، ثم أسلم بعد، وحسن إسلامه.
وقد أبلى عكاشة يوم بدر بلاء حسنا، وانكسر سيفه في يده،
فأعطاه النبي، صلى الله عليه وسلم، عرجونا من نخل أو عودا،
فعاد بإذن الله في يده سيفا، فقاتل به وشهد به المشاهد
(1).
حدث عنه أبو هريرة، وابن عباس، وغيرهما.
وكان خالد بن الوليد قد جهزه مع ثابت بن أقرم الانصاري
العجلاني طليعة له على فرسين، فظفر بهما طليحة، فقتلهما،
وكان ثابت بدريا كبير القدر، ولم يرو شيئا.
وقيل: إن ابن رواحة الامير يوم مؤتة لما أصيب، دفع الراية
إلى ثابت بن أقرم، فلم يطق، فدفعها إلى خالد، وقال: أنت
أعلم بالحرب مني.
61 - ثابت بن قيس * ابن
شماس بن زهير بن مالك بن امرئ القيس بن مالك الاغر بن
ثعلبة بن
__________
(1) الخبر عند ابن هشام 1 / 637 بدون سند.
وقال الحافظ ابن كثير في " السيرة " 2 / 447: وقد روى
البيهقي، عن الحاكم، من طريق محمد بن عمر الواقدي، حدثني
عمر ابن عثمان الخشني، عن أبيه، عن عمته، قال عكاشة: "
انقطع سيفي يوم بدر فأعطاني رسول الله، صلى الله عليه
وسلم، عودا فإذا هو سيف أبيض طويل، فقاتلت به حتى هزم الله
المشركين، ولم يزل عنده حتى هلك " وهذا كما ترى إسناد تالف
فيه الواقدي.
(*) طبقات ابن سعد: 5 / 206، طبقات خليفة: 94، تاريخ
خليفة: 107، 108.
114، التاريخ الكبير: 2 / 167، التاريخ الصغير: 1 / 35،
38، الجرح والتعديل:
2 / 456، مشاهير علماء الامصار: ت: 41، الاستبصار: 117،
الاستيعاب: 2 / 72، أسد الغابة: 1 / 275، تهذيب الاسماء
واللغات: 1 / 139 - 140، تهذيب الكمال: 175، تاريخ = (*)
(1/308)
كعب بن الخزرج بن الحارث بن الخزرج، أبو محمد، وقيل: أبو
عبد الرحمن.
خطيب الانصار.
كان من نجباء أصحاب محمد، صلى الله عليه وسلم، ولم يشهد
بدرا، شهد أحدا، وبيعة الرضوان.
وأمه هند الطائية، وقيل: بل كبشة بنت واقد بن الاطنابة.
وإخوته لامه عبد الله بن رواحة، وعمرة بنت رواحة.
وكان زوج جميلة بنت عبد الله بن أبي ابن سلول، فولدت له
محمدا.
قال ابن إسحاق: قيل: آخى رسول الله، صلى الله عليه وسلم،
بينه وبين عمار، وقيل: بل المؤاخاة بين عمار وحذيفة.
وكان جهير الصوت، خطيبا، بليغا.
الانصاري: حدثني حميد، عن أنس قال: خطب ثابت بن قيس مقدم
رسول الله، صلى الله عليه وسلم، المدينة، فقال: نمنعك مما
نمنع منه أنفسنا وأولادنا، فما لنا ؟ قال: الجنة.
قالوا: رضينا (1).
مالك وغيره: عن ابن شهاب، عن إسماعيل بن محمد بن [ ثابت ]
بن قيس ان ثابت بن قيس قال: يا رسول الله ! إني أخشى أن
أكون قد هلكت، ينهانا الله أن نحب أن نحمد بما لا نفعل،
وأجدني أحب الحمد.
وينهانا الله عن
__________
= الاسلام: 1 / 371، العبر: 1 / 14، مجمع الزوائد: 9 / 321
- 323، تهذيب التهذيب: 2 / 12، الاصابة: 2 / 14، خلاصة
تذهيب الكمال: 57.
(1) أخرجه الحاكم 3 / 234 من طريق وهب بن بقية، عن خالد بن
عبد الله، عن حميد، عن أنس وصححه، ووافقه الذهبي.
وذكره الحافظ بن حجر 2 / 14 ونسبه إلى ابن السكن
من طريق عدي، عن حميد، عن أنس.
(*)
(1/309)
الخيلاء، وإني امرؤ أحب الجمال، وينهانا الله أن نرفع
أصواتنا فوق صوتك، وأنا رجل رفيع الصوت، فقال: " يا ثابت !
أما ترضى أن تعيش حميدا، وتقتل شهيدا، وتدخل الجنة " (1)
؟.
أيوب عن عكرمة قال: لما نزلت (لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت
النبي) الآية [ الحجرات: 2 ]، قال ثابت بن قيس: أنا كنت
أرفع صوتي فوق صوته، فأنا من أهل النار، فقعد في بيته،
فتفقده رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فذكر ما أقعده
فقال: بل هو من أهل الجنة، فلما كان يوم اليمامة، انهزم
الناس، فقال ثابت: أف لهؤلاء ولما يعبدون ! وأف لهؤلاء
ولما يصنعون ! يا معشر الانصار ! خلوا سنني لعلي أصلى
بحرها ساعة، ورجل قائم على ثلمة، فقتله وقتل (2).
__________
(1) إسناده قوي، لكنه مرسل كما قال الحافظ في الفتح 4 /
621، وأخرجه الحاكم 3 / 234 من طريق ابن شهاب، عن إسماعيل
بن محمد بن ثابت، عن أبيه، عن ثابت بن قيس.
وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه بهذه السياقة،
ووافقه الذهبي.
وفيه أن إسماعيل بن محمد لم يخرج له الشيخان ولا أحدهما.
وكذا أبوه محمد بن ثابت.
وأخرجه مسلم (119) من طريق حماد، عن ثابت البناني، عن أنس
بن مالك أنه قال: " لما نزلت هذه الآية: (يا أيها الذين
آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي...) إلى آخر الآية،
جلس ثابت بن قيس في بيته وقال: أنا من أهل النار.
واحتبس عن النبي، صلى الله عليه وسلم، فسأل النبي، صلى
الله عليه وسلم، سعد بن معاذ فقال: يا أبا عمرو ما شأن
ثابت ؟ أشتكى ؟ قال سعد: إنه لجاري، وما علمت له بشكوى.
قال: فأتاه سعد، فذكر له قول رسول الله، صلى الله عليه
وسلم، فقال ثابت: أنزلت هذه الآية، ولقد علمتم أني من
أرفعكم صوتا على رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فأنا من
أهل النار، فذكر ذلك سعد للنبي، صلى الله عليه وسلم، فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: بل هو من أهل الجنة ".
وانظر " مجمع الزوائد " 9 / 321 - 322، وانظر ابن كثير 4 /
206 - 207، وأخرجه عبد الرزاق (20425) من طريق معمر، عن
الزهري، عن ثابت بن قيس قال: يا رسول الله...(2) إسناده
صحيح، لكنه مرسل.
ونسبه الحافظ في " الفتح " 6 / 621 إلى ابن سعد.
= (*)
(1/310)
أيوب، عن ثمامة بن عبد الله، عن أنس قال: أتيت على ثابت بن
قيس يوم اليمامة هو يتحنظ، فقلت: أي عم ! ألا ترى ما لقي
الناس ؟ فقال: الآن يا ابن أخي.
ابن عون: حدثنا موسى بن أنس، عن أنس قال: جئته وهو يتحنط،
فقلت: ألا ترى ؟ فقال: الآن يا ابن أخي، ثم أقبل، فقال:
هكذا عن وجوهنا نقارع القوم، بئس ما عودتم أقرانكم، ما
هكذا كنا نقاتل مع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فقاتل
حتى قتل (1).
حماد بن سلمة: أبنأنا ثابت، عن أنس أن ثابت بن قيس جاء يوم
اليمامة، وقد تحنط، ولبس ثوبين أبيضين، فكفن فيهما، وقد
انهزم القوم، فقال: اللهم إني أبرأ إليك مما جاء به هؤلاء،
وأعتذر من صنيع هؤلاء، بئس ما عودتم أقرانكم ! خلوا بيننا
وبينهم ساعة، فحمل، فقاتل حتى قتل، وكانت درعه قد سرقت،
فرآه رجل في النوم، فقال له: إنها في قدر تحت إكاف،
__________
= وأخرجه أحمد بنحوه 3 / 137 من طريق هاشم، عن سليمان، عن
ثابت، عن أنس..، وأخرج بعضه مسلم (119) وقد تقدم بتمامه في
الحديث السابق.
وفي البخاري (3613) في المناقب: باب علامات النبوة في
الاسلام، من طريق علي بن عبد الله، عن أزهر بن سعد عن ابن
عون قال: أنبأني موسى بن أنس، عن أنس بن مالك، رضي الله
عنه، أن النبي، صلى الله عليه وسلم، افتقد ثابت بن قيس.
فقال رجل: يا رسول الله أنا أعلم لك علمه، فأتاه فوجده
جالسا في بيته، منكسا رأسه.
فقال: ما شأنك ؟ فقال: شر.
كان يرفع صوته فوق صوت النبي، صلى الله عليه وسلم، فقد حبط
عمله، وهو من أهل الارض، فأتى الرجل، فأخبره أنه قال كذا
وكذا.
فقال موسى بن أنس: فرجع المرة الآخرة ببشارة عظيمة.
فقال: " اذهب إليه فقل له: إنك لست من أهل النار، ولكن من
أهل الجنة ".
(1) أخرجه البخاري (2845) في الجهاد، باب: التحنط عند
القتال.
ومع هذا أخرجه الحاكم 3 / 234، وصححه ووافقه الذهبي.
(*)
(1/311)
بمكان كذا وكذا، وأوصاء بوصايا، فنظروا فوجدوا الدرع كما
قال.
وأنفذوا وصاياه (1).
سهيل: عن أبيه، عن أبي هريرة قال: قال النبي صلى الله عليه
وسلم: نعم الرجل ثابت بن قيس بن شماس (2).
وعن الزهري: أن وفد تميم قدموا، وافتخر خطيبهم بأمور، فقال
النبي، صلى الله عليه وسلم، لثابت بن قيس: " قم فأجب
خطيبهم "، فقام، فحمد الله وأبلغ، وسر رسول الله صلى الله
عليه وسلم والمسلمون بمقامه (3).
وهو الذي أتت زوجته جميلة تشكوه وتقول: يا رسول الله: لا
أنا ولا ثابت ابن قيس، قال: أتردين عليه حديقته ؟ قالت:
نعم، فاختلعت منه (4).
__________
(1) أخرجه الحاكم 3 / 234 - 235، وصححه ووافقه الذهبي.
وذكره الهيثمي في " المجمع " 9 / 322، وقال: هو في الصحيح
غير قصة الدرع.
ورواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح.
(2) أخرجه الترمذي (3797) في المناقب.
وقال: حديث حسن.
وهو كما قال.
والحاكم 3 / 233 وصححه، ووافقه الذهبي.
(3) انظر ابن هشام 2 / 562، والخطبتان المتبادلتان هناك.
(4) أخرجه البخاري (5273) و (5274) و (5275) و (5276) و
(5277) في الطلاق: باب الخلع وكيف الطلاق فيه، وابن ماجه
(2056) في الطلاق: باب المختلعة تأخذ ما أعطاها، وعند كل
منهما صرح بأن امرأة ثابت اسمها جميلة.
والنسائي 6 / 169 من طريق البخاري في الرواية الاولى مع
إغفال الاسم.
وأخرجه مالك ص (348) برقم (31) في الطلاق: باب ما جاء في
الخلع.
وأبو داود (2227) في الطلاق: باب في الخلع، والنسائي 6 /
169 في الطلاق: باب ما جاء في الخلع، وابن ماجه (2057) في
الطلاق، وعندهم جميعا حبيبة بنت سهل.
وكذلك اسمها عند أحمد 4 / 3 من طرق أخرى وفي الجمع بين هذه
الروايات، قال الحافظ ابن حجر: قال ابن عبد البر: اختلف في
امرأة ثابت ابن قيس.
فذكر البصريون أنها جميلة بنت أبي، وذكر المدنيون أنها
حبيبة بنت سهل.
قلت (القائل ابن حجر): والذي يظهر أنهما قصتان وقعتا
لامرأتين لشهرة الخبرين وصحة الطريقين، واختلاف السياقين.
انظر الفتح 9 / 399.
(*)
(1/312)
وقيل: ولدت محمدا بعد، فجعلته في لفيف وأرسلت به إلى ثابت.
فأتى به رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فحنكه وسماه
محمدا.
فاتخذ له مرضعا.
قال الحاكم: كان ثابت على الانصار يوم اليمامة، ثم روى في
ترجمته أحاديث منها لعبد الرحمن بن يزيد بن جابر، قال:
حدثني عطاء الخراساني قال: قدمت المدينة، فأتيت ابنة ثابت
بن قيس، فذكرت قصة أبيها، قالت: لما نزلت (لا ترفعوا
أصواتكم) جلس أبي يبكي.
فذكرت الحديث.
وفيه: فلما استشهد، رآه رجل: فقال: إني لما قتلت، انتزع
درعي رجل من المسلمين، وخبأه، فأكب عليه برمة، وجعل عليها
رحلا.
فائت الامير، فأخبره، وإياك أن تقول: هذا حلم، فتضيعه،
وإذا أتيت المدينة، فقل لخليفة رسول الله، صلى الله عليه
وسلم،: إن علي من الدين كذا وكذا، وغلامي فلان عتيق، وإياك
أن تقول: هذا حلم، فتضيعه، فأتاه، فأخبره الخبر، فنفذ
وصيته، فلا نعلم أحدا بعد (1) ما مات أنفذت وصيته غير ثابت
بن قيس رضي الله عنه (2).
وقد قتل محمد، ويحيى، و عبد الله بنو ثابت بن قيس يوم
الحرة.
ومن الاتفاق أن بني ثابت بن قيس بن الخطيم الاوسي الظفري
وهم: عمر، ومحمد، ويزيد، قتلوا أيضا يوم الحرة، وله أيضا
صحبة، ورواية في السنن وأبوه من فحول شعراء الاوس، مات قبل
فشو الاسلام بالمدينة، ومن
__________
(1) سقطت من المطبوع.
(2) أخرجه الحاكم 3 / 235 وذكره الهيثمي في " المجمع " 9 /
322 وقال: رواه الطبراني، وبنت ثابت بن قيس لم أعرفها،
وبقية رجاله ثقات.
والظاهر أن بنت ثابت صحابية لانها قالت: سمعت أبي.
والله أعلم.
وذكره الحافظ في المطالب العالية (4118) ونسبه إلى أبي
يعلى، وقال البوصيري: أصله في صحيح البخاري (3613) و
(4846)، ومسلم (119)، والترمذي من حديث أنس.
والبرمة: قدر من الحجارة.
(*)
(1/313)
ذريته عدي بن ثابت محدث الكوفة، وإنما هو عدي بن أبان بن
ثابت بن قيس ابن الخطيم بن عمرو بن يزيد بن سواد بن ظفر
الظفري.
نسب إلى جده.
شهداء أجنادين واليرموك وقعة أجنادين (1): كانت بين الرملة
وبيت جبرين في جمادى سنة ثلاث عشرة.
فاستشهد: نعيم بن النحام القرشي العدوي من المهاجرين.
وأبان بن سعيد بن العاص الاموي.
وقيل: قتل يوم اليرموك، وهو الذي أجار عثمان لما نفذه
النبي، صلى الله عليه وسلم، رسولا إلى قريش يوم الحديبية.
وهشام بن العاص بن وائل السهمي، أخو عمرو، يكنى أبا مطيع،
اللذان
قال فيهما النبي، صلى الله عليه وسلم،: " ابنا العاص
مؤمنان " (2).
وقيل: قتل يوم اليرموك.
__________
(1) كانت هذه الموقعة لاثنتي عشرة ليلة بقيت من جمادى
الاولى سنة ثلاث عشرة، قبل وفاة أبي بكر، رضي الله عنه،
بنحو شهر.
وقد من الله على المسلمين بالظفر، والغلب والنصر، فهزموا
الروم شر هزيمة.
وانتهى خبر هذه المعركة إلى هرقل فنخب قلبه وملئ رعبا،
فهرب من حمص إلى أنطاكية.
وفيها يقول زياد بن حنظلة: ونحن تركنا أرطبون مطردا * إلى
المسجد الاقصى وفيه حسور عشية أجنادين لما تتابعوا * وقامت
عليه، بالعراء نسور تولت جموع الروم تتبع إثره * تكاد من
الذعر الشديد تطير وغودر صرعى في المكر كثيرة * وعاد إليه
الفل وهو حسير (2) أخرجه أحمد 2 / 304، 327، 353، 354،
وابن سعد 4 / 191 وأخرجه الحاكم 3 / 452 من طرق، عن حماد
بن سلمة عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة،
وصححه ووافقه الذهبي، وذكره الهيثمي في " المجمع " 9 / 352
ونسبه إلى الطبراني في " الكبير " و " الاوسط ".
وأحمد، ثم قال: ورجال الكبير وأحمد رجال الصحيح، غير محمد
بن عمرو وهو حسن الحديث.
(*)
(1/314)
وكان أسلم وهاجر إلى الحبشة، ثم هاجر إلى المدينة سنة خمس.
وكان بطلا شجاعا يتمنى الشهادة فرزقها.
وضرار بن الازور الاسدي، أحد الابطال، له صحبة، وحديث
واحد.
وكان على ميسرة خالد يوم بصرى، وله مواقف مشهودة.
وقيل: مات بالجزيرة بعد.
وطليب بن عمير بن وهب بن كثير بن عبدالدار بن قصي بن كلاب
العبدري، أخو مصعب، وهو ابن عمة النبي، صلى الله عليه
وسلم، أروى.
بدري من السابقين.
هاجر أيضا إلى الحبشة الهجرة الثانية، قال الزبير بن بكار:
قيل كان أبو جهل يشتم رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فأخذ
طليب لحي جمل، فشجه به، قال غير الزبير: فأوثقوه، فخلصه
أبو لهب خاله.
و عبد الله بن الزبير بن عبد المطلب بن هاشم، ابن عم رسول
الله، صلى الله عليه وسلم، برز بطريق، فضربه عبد الله بعد
منازلة طويلة على عاتقه، فأثبته، وقطع الدرع، وأشرع في
منكبه، ولما التحم الحرب، وجد مقتولا، رضي الله عنه، قيل:
عاش ثلاثين سنة، ويقال: ثبت مع النبي، صلى الله عليه وسلم،
يوم حنين.
وهبار بن الاسود القرشي الاسدي له صحبة.
روى عنه ابناه: عبد الملك وأبو عبد الله، وعروة، وسليمان
بن يسار، واستشهد بأجنادين.
من الطلقاء.
وهبار بن سفيان بن عبد الاسد المخزومي، من مهاجرة الحبشة.
قتل يومئذ، وقيل يوم اليرموك.
وخالد بن سعيد بن العاص الاموي، من مهاجرة الحبشة.
كبير القدر، يقال: أصيب يوم أجنادين.
(1/315)
وسلمة بن هشام هو أخو أبي جهل، من السابقين، هاجر إلى
الحبشة، ثم رجع إلى مكة، فحبسه أخوه، وكان النبي، صلى الله
عليه وسلم، يدعو له ولعياش [ بن أبي ربيعة ] في القنوت، ثم
هرب مهاجرا بعد الخندق.
وعكرمة بن أبي جهل، استشهد يوم اليرموك سنة خمس عشرة.
وعياش بن أبي ربيعة بن المغيرة بن عياش المخزومي، المدعو
له في القنوت، وروى عنه ابنه عبد الله، وكان أخا أبي جهل
لامه.
و عبد الرحمن بن العوام بن خويلد الاسدي، أخو الزبير، حضر
بدرا على
الشرك، ثم أسلم، وجاهد، وحسن إسلامه.
وعامر بن أبي وقاص مالك بن أهيب، أخو سعد بن أبي وقاص
الزهري، أحد السابقين، ومن مهاجرة الحبشة.
قدم دمشق، وهم محاصروها بولاية أبي عبيدة.
استشهد باليرموك، وقيل (1) بأجنادين.
ونضير بن الحارث بن علقمة بن كلدة العبدري، من مسلمة
الفتح.
كان أحد الحلماء (2)، وهو ممن تألفه النبي، صلى الله عليه
وسلم، بمئة بعير.
قتل يومئذ.
62 - طليحة بن خويلد * ابن
نوفل الاسدي.
__________
(1) تحرفت في المطبوع إلى " قتل ".
(2) تصفحت في المطبوع إلى " الحكماء ".
(*) تاريخ خليفة: 102، 103، 104، الاستيعاب: 3 / 254، ابن
عساكر: 11 / 375 / 2، أسد الغابة: 3 / 95، تهذيب الاسماء
واللغات: 1 / 254 - 255، دول الاسلام: 1 / 17، تاريخ
الاسلام: 2 / 41، العبر: 1 / 26، الاصابة: 5 / 243، شذرات
الذهب: 1 / 32، تهذيب تاريخ ابن عساكر: 7 / 93 - 106.
(*)
(1/316)
البطل الكرار صاحب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ومن
يضرب بشجاعته المثل، أسلم سنة تسع، ثم ارتد وظلم نفسه،
وتنبأ بنجد، وتمت له حروب مع المسلمين، ثم انهزم، وخذل،
ولحق بآل جفنة الغسانيين بالشام، ثم ارعوى، وأسلم، وحسن
إسلامه لما توفي الصديق، وأحرم بالحج، فلما رآه عمر قال:
يا طليحة ! لا أحبك بعد قتلك عكاشة بن محصن وثابت بن أقرم،
وكانا طليعة لخالد (1) يوم بزاخة، فقتلهما طليحة وأخوه، ثم
شهد القادسية، ونهاوند، وكتب عمر إلى سعد بن أبي وقاص: أن
شاور طليحة في أمر الحرب،
ولا توله شيئا.
قال محمد بن سعد: كان طليحة يعد بألف فارس لشجاعته وشدته.
قلت: أبلى يوم نهاوند (2) ثم استشهد، رضي الله عنه،
وسامحه.
__________
(1) سقطت لفظة " لخالد " من المطبوع ووضع مكانها " في ".
(2) نهاوند: بفتح النون الاولى، وتكسر، وفتح الواو، ونون
ساكنة ودال مهملة: هي مدينة عظيمة في قبلة همذان بينهما
ثلاثة أيام.
جمع الفرس جموعهم فيها، وقيل: بلغت هذه الجموع مئة وخمسين
ألفا، وقدم عليهم الفيروزان.
وبلغ ذلك المسلمين فأنفذ عمر عليهم الجيوش وعليها النعمان
بن مقرن، فواقعهم فكان أول قتيل، فأخذ حذيفة بن اليمان
الراية، وتم الفتح والنصر للمسلمين.
وكان ذلك سنة (19) للهجرة وقيل سنة (21).
وقد ذكر الطبري هذه المعركة في هذه السنة، انظر تاريخه 4 /
114 وما بعدها.
وكذلك ذكرها ابن الاثير في كامله 3 / 5 وما بعدها.
وفيها يقول القعقاع بن عمرو المخزومي: رمى الله من ذم
العشيرة سادرا * بداهية تبيض منها المقادم فدع عنك لومي لا
تلمني فإنني * أحوط حريمي، والعدو الموائم فنحن وردنا في
نهاوند موردا * صدرنا به، والجمع حران واجم (*)
(1/317)
63 - سعد بن الربيع
* ابن عمرو بن أبي زهير بن مالك بن امرئ القيس بن مالك بن
ثعلبة بن كعب بن الخزرج بن الحارث بن الخزرج.
الانصاري الخزرجي الحارثي (1) البدري النقيب الشهيد الذي
آخى النبي، صلى الله عليه وسلم، بينه وبين عبد الرحمن (2)
بن عوف، فعزم على أن يعطي عبد
الرحمن شطر ماله، ويطلق إحدى زوجتيه، ليتزوج بها، فامتنع
عبد الرحمن من ذلك، ودعا له.
وكان أحد النقباء ليلة العقبة.
ابن إسحاق: عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة، أن رسول
الله، صلى الله عليه وسلم، قال: " من رجل ينظر لي ما فعل
سعد بن الربيع ؟ فقال رجل من الانصار: أنا، فخرج يطوف في
القتلى، حتى وجد سعدا جريحا مثبتا (3) بآخر رمق.
فقال: يا سعد ! إن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أمرني
أن أنظر في الاحياء أنت أم في الاموات ؟ قال: فإني في
الاموات، فأبلغ رسول الله، صلى الله عليه وسلم، السلام
وقل: إن سعدا يقول: جزاك الله عني خير ما جزى نبيا عن
أمته، وأبلغ قومك مني السلام،
__________
(*) طبقات ابن سعد: 3 / 2 / 77، تاريخ خليفة: 71، الجرح
والتعديل: 4 / 82 - 83، الاستبصار: 114، الاستيعاب: 4 /
145، أسد الغابة: 2 / 348، تهذيب الاسماء واللغات: 1 /
210، 211، العبر: 1 / 360، مجمع الزوائد: 9 / 310،
الاصابة: 4 / 144، كنز العمال: 13 / 420.
(1) سقطت لفظة " الحارثي " من المطبوع.
(2) انظر سيرة ابن هشام: 1 / 505 (3) أي: أثبته جرحه فلم
يتحرك.
وقد تصحفت عند المنجد إلى " مبهتا ".
(*)
(1/318)
وقل لهم: إن سعدا يقول لكم: إنه لا عذر لكم عند الله إن
خلص إلى نبيكم ومنكم عين تطرف " (1).
عبد الله بن محمد بن عقيل: عن جابر بن عبد الله قال: جاءت
امرأة سعد ابن الربيع بابنتيها من سعد فقالت: يا رسول الله
! هاتان بنتا سعد، قتل أبوهما معك يوم أحد شهيدا، وإن
عمهما أخذ مالهما، فلم يدع لهما مالا، ولا تنكحان إلا
ولهما مال، قال: " يقضي الله في ذلك " فأنزلت آية
المواريث،
فبعث إلى عمهما فقال: " أعط بنتي سعد الثلثين، وأعط أمهما
الثمن، وما بقي فهو لك " (2).
عن خارجة بن زيد بن ثابت، عن أبيه قال: بعثني النبي، صلى
الله عليه وسلم، يوم أحد أطلب سعد بن الربيع، فقال لي: إن
رأيته، فأقره مني السلام، وقل له: يقول لك رسول الله: كيف
تجدك ؟ فطفت بين القتلى، فأصبته وهو في آخر رمق، وبه سبعون
ضربة، فأخبرته، فقال: على رسول الله السلام وعليك، قل له:
يا رسول الله ! أجد ريح الجنة، وقل لقومي الانصار: لا عذر
لكم عند الله إن خلص إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم،
وفيكم شفر (3) يطرف، قال: وفاضت نفسه،
__________
(1) الخبر عند ابن هشام 2 / 94 - 95، وابن عبد البر في "
الاستيعاب " 4 / 145، وفي " أسد الغابة " 2 / 348، وفي "
الاصابة " 4 / 144.
(2) أخرجه أحمد 3 / 352 من طريق زكريا بن عدي، عن عبيدالله
بن عمر الرومي، عن عبد الله ابن محمد بن عقيل، عن
جابر...وابن سعد 3 / 2 / 78، وأبو داود (2891) في الفرائض:
باب ما جاء ما ميراث الصلب، والترمذي (2093) في الفرائض:
باب ما جاء في ميراث البنات، وابن ماجه (2720) في الفرائض:
باب فرائض الصلب من طرق عن عبد الله بن محمد بن عقيل، به.
وقال الترمذي: حديث صحيح.
ونقل المنذري تحسينه له، وهو الاصلح لان عبد الله بن محمد
بن عقيل لا يرقى حديثه إلى الصحة.
(3) شفر العين: ما نبت عليه الشعر، وأصل منبت الشعر في
الجفن.
(*)
(1/319)
رضي الله عنه.
أخرجه البيهقي، ثم ساقه بنحوه من طريق بن إسحاق، عن محمد
بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة نحو ما مر (1).
ونقل ابن عبد البر عن مالك بن أنس أن النبي، صلى الله عليه
وسلم، قال: من يأتينا بخبر
سعد ؟ فقال رجل: أنا، فذهب يطوف بين القتلى، فوجده، وبه
رمق، فقال بعثني رسول الله، صلى الله عليه وسلم، لآتيه
بخبرك، قال: فاذهب فأقره مني السلام، وأخبره أنني قد طعنت
اثنتي عشرة طعنة، وقد أنفذت مقاتلي (2).
64 - معن بن عدي * ابن
الجد بن العجلان الانصاري العجلاني العقبي البدري، من
حلفاء بني مالك بن عوف من سادة الانصار، كان يكتب العربية
قبل الاسلام.
قال ابن سعد: وله عقب اليوم.
وروى الزهري: عن عبيدالله بن عبد الله، عن ابن عباس: أن
معن بن عدي أحد الرجلين اللذين لقيا أبا بكر وعمر، وهما
يريدان سقيفة بني ساعدة،
__________
(1) هو في " دلائل النبوة " الورقة 160 / ب.
(2) وتمامه: " وأخبر قومك أنه لا عذر لهم عند الله إن قتل
رسول الله صلى الله عليه وسلم وواحد منهم حي ".
أخرجه مالك 2 / 21 في الجهاد: باب الترغيب في الجهاد، عن
يحيى بن سعيد.
ومن طريق مالك اخرجه ابن سعد 3 / 2 / 77، وهو في "
الاستيعاب " 4 / 145، 146، وقال ابن عبد البر: هكذا ذكر
مالك هذا الخبر، ولم يسم الرجل الذي ذهب ليأتي بخبر سعد بن
الربيع، وهو أبي بن كعب...(*) طبقات ابن سعد: 3 / 2 / 35،
طبقات خليفة: 87، تاريخ خليفة: 114، التاريخ الصغير: 1 /
34، الجرح والتعديل: 8 / 276، مشاهير علماء الامصار: ت:
131، الاستيعاب: 10 / 177، أسد الغابة: 5 / 238، العبر: 1
/ 53، الاصابة: 9 / 264.
(*)
(1/320)
فقالا لابي بكر وعمر: لا عليكم أن لا تقربوهم، واقضوا
أمركم.
قال عروة: بلغنا أن الناس بكوا على رسول الله، صلى الله
عليه وسلم، وقالوا: ليتنا متنا قبله، نخشى أن نفتتن بعده،
فقال معن: لكني والله ما أحب أني مت قبله حتى أصدقه ميتا
كما صدقته حيا (1).
قال ابن الاثير: معن بن عدي بن العجلان البلوي، حليف بني
عمرو بن عوف، عقبي بدري مشهور.
قلت: هو أخو عاصم، بن عدي بن الجد بن العجلان البلوي، حليف
بني عمرو بن عوف، وكان عاصم سيد بني العجلان، وهو والد أبي
البداح بن عاصم، شهد عاصم بدرا أيضا، وحديثه في السنن
الاربعة.
وكان معن ممن استشهد يوم اليمامة سنة اثنتي عشرة.
65 - عبد الله بن عبد الله بن
أبي * ابن مالك بن الحارث بن عبيد بن مالك بن سالم
- وسالم هو الذي يقال له الحبلى لعظم بطنه - بن غنم بن عوف
بن الخزرج، الانصاري الخزرجي، المعروف والده بابن سلول
المنافق المشهور، وسلول الخزاعية هي والدة أبي
__________
(1) أخرجه البخاري (6830) في الحدود، باب: رجم الحبلى من
الزنى إذا أحصنت.
مطولا.
وأخرجه ابن سعد 3 / 2 / 35 وقوله: " قال عروة: بلغنا "
مرسل.
وقد قال الحافظ في " الاصابة " 9 / 264: وهذا هو المحفوظ،
عن الزهري، عن عروة مرسلا.
وقد وصله سعيد بن هاشم المخزومي، عن مالك، عن الزهري فقال:
عن سالم بن عبد الله بن عمر، عن أبيه، أخرجه ابن أبي خيثمة
عنه.
وسعيد ضعيف.
والمحفوظ هو مرسل عروة.
(*) طبقات ابن سعد: 3 / 2 / 89 - 90، تاريخ خليفة: 114،
التاريخ الصغير: 1 / 35، الجرح والتعديل: 5 / 89 - 90،
مشاهير علماء الامصار: ت: 103، الاستيعاب: 6 / 273، أسد
الغابة: 3 / 296، تهذيب الاسماء واللغات: 1 / 276، مجمع
الزوائد: 9 / 317 - 318، الاصابة: 6 / 142 - 143.
(*)
(1/321)
المذكور.
وقد كان عبد الله بن عبد الله من سادة الصحابة وأخيارهم،
وكان اسمه الحباب، وبه كان أبوه يكنى، فغيره النبي، صلى
الله عليه وسلم، وسماه عبد الله.
شهد بدرا وما بعدها.
وذكر أبو عبد الله بن مندة أن أنفه أصيب يوم أحد، فأمره
النبي، صلى الله عليه وسلم أن يتخذ أنفا من ذهب (1).
والاشبه في ذلك ما روي عن عائشة، عن عبد الله بن عبد الله
بن أبي أنه قال: ندرت ثنيتي فأمرني رسول الله صلى الله
عليه وسلم أن أتخذ ثنية من ذهب (2).
استشهد عبد الله يوم القيامة، وقد مات أبوه سنة تسع،
فألبسه النبي، صلى الله عليه وسلم، قميصه وصلى عليه،
واستغفر له إكراما لولده، حتى نزلت: (ولا تصل على أحد منهم
مات أبدا ولا تقم على قبره) (3) الآية [ التوبة: 89 ].
__________
(1) هذا وهم من ابن مندة، كما قال ابن الاثير في " أسد
الغابة " 3 / 296، والحافظ في " الاصابة " 6 / 143.
والصحيح أن الذي أمره، صلى الله عليه وسلم، بأن يتخذ أنفا
من ذهب هو عرفجة التيمي، السعدي، وكان من الفرسان في
الجاهلية، وشهد الكلاب، فأصيب أنفه، ثم أسلم فأذن له
النبي، صلى الله عليه وسلم، أن يتخذ أنفا من ذهب.
أخرج حديثه أبو داود (4232) في الخاتم: باب في ربط الاسنان
بالذهب، والترمذي (1770) في اللباس: باب ما جاء في شد
الاسنان بالذهب، والنسائي 8 / 163 في الزينة: باب من أصيب
أنفه هل يتخذ أنفا من ذهب، وأحمد 5 / 23، وحسنه الترمذي،
وصححه ابن حبان (1466).
(2) قال الزيلعي في نصب الراية 4 / 237: رواه ابن قانع في
" معجم الصحابة ": حدثنا محمد ابن الفضل بن جابر، حدثنا
إسماعيل بن زرارة، حدثنا عاصم بن عمارة، عن هشام بن عروة،
عن أبيه، أن عبد الله بن عبد الله بن أبي بن سلول قال: "
اندقت ثنيتي يوم أحد، فأمرني النبي، صلى الله عليه وسلم،
أن أتخذ ثنية من ذهب " وانظر " الاصابة " 6 / 143، و " أسد
الغابة " 3 / 296 وندرت: أي سقطت.
وقد تصحفت في المطبوع إلى " بدرت ".
(3) أخرجه البخاري (1269) في الجنائز: باب الكفن في
القميص، و (4670) و (4672) و (5796)، ومسلم (2400) في
فضائل الصحابة: باب من فضائل عمر، و (2774) في صفات
المنافقين.
والنسائي 4 / 36 في الجنائز: باب القميص في الكفن.
والترمذي (3097) في التفسير:
باب ومن سورة التوبة، وابن ماجه (1523) في الجنائز: باب
الصلاة على أهل القبلة والذي في مسلم: حدثنا أبو بكر بن
أبي شيبة، عن أبي أسامة، عن عبيدالله عن نافع، عن ابن عمر،
قال: = (*)
(1/322)
وقد كان رئيسا مطاعا، عزم أهل المدينة قبل أن يهاجر النبي،
صلى الله عليه وسلم، على أن يملكوه عليهم، فانحل أمره، ولا
حصل دنيا ولا آخرة، نسأل الله العافية.
66 - عكرمة بن أبي جهل
* (ت) عمرو بن هشام بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن
مخزوم بن يقظة بن مرة ابن كعب بن لؤي، الشريف الرئيس
الشهيد، أبو عثمان القرشي المخزومي المكي.
لما قتل أبوه، تحولت رئاسة بني مخزوم إلى عكرمة، ثم إنه
أسلم وحسن إسلامه بالمرة (1).
قال ابن أبي مليكة: كان عكرمة إذا اجتهد في اليمين قال: لا
والذي نجاني يوم بدر.
ولما دخل رسول الله، صلى الله عليه وسلم، هرب منها عكرمة
وصفوان بن أمية بن خلف،
__________
= " لما توفي عبد الله بن أبي ابن سلول جاء ابنه عبد الله
بن عبد الله إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فسأله أن
بعطيه قميصه أن يكفن فيه أباه.
فأعطاه.
ثم سأله أن يصلي عليه.
فقام رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ليصلي عليه.
فقام عمر فأخذ بثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال:
يا رسول الله أتصلي عليه وقد نهاك الله أن تصلي عليه ؟
فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: " إنما خيرني الله
فقال: استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين
مرة [ التوبة: 80 ] وسأزيد على السبعين " قال: إنه منافق.
فصلى عليه رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وأنزل الله
عزوجل: (ولا تصل على أحد منهم مات أبدا، ولا تقم على قبره)
[ التوبة: 84 ].
(*) طبقات ابن سعد: 5 / 329، نسب قريش: 310 - 311، طبقات
خليفة: 20 / 299، تاريخ خليفة: 92، التاريخ الكبير: 7 /
48، التاريخ الصغير: 1 / 35، 39، 49، المعارف: 334،
الجرح والتعديل: 7 / 6 - 7، مشاهير علماء الامصار: ت: 174،
الاستيعاب: 8 / 116، ابن عساكر: 11 / 375 / 2، أسد الغابة:
4 / 70، تهذيب الاسماء واللغات: 1 / 338 - 340، تهذيب
الكمال: 950، العبر 1 / 18، العقد الثمين: 6 / 119 - 123،
تهذيب التهذيب: 7 / 257، الاصابة: 7 / 36، خلاصة تذهيب
الكمال: 270، كنز العمال: 13 / 540، شذرات الذهب: 1 / 27 -
28.
(1) سقطت هذه اللفظة " بالمرة " من المطبوع.
(*)
(1/323)
فبعث النبي، صلى الله عليه وسلم، يؤمنهما، وصفح عنهما،
فأقبلا إليه.
استوعب أخباره أبو القاسم ابن عساكر (1).
أخرجه الترمذي من طريق مصعب بن سعد، عن عكرمة - ولم يدركه
- أن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال له: مرحبا بالراكب
المهاجر، قال: فقلت: يا رسول الله ! والله لا أدع نفقة
أنفقتها عليك، إلا أنفقت مثلها في سبيل الله (2).
ولم يعقب عكرمة.
قال الشافعي: كان محمود البلاء في الاسلام، رضي الله عنه.
قال أبو إسحاق السبيعي: نزل عكرمة يوم اليرموك، فقاتل
قتالا شديدا، ثم استشهد، فوجدوا به بضعا وسبعين من طعنة
ورمية وضربة.
وقال عروة وابن سعد وطائفة: قتل يوم أجنادين.
67 - عبد الله بن عمرو بن حرام
* ابن ثعلبة بن حرام بن كعب بن غنم بن كعب بن سلمة بن سعد
بن علي بن
__________
(1) في تاريخه 11 / 375 / ب.
(2) أخرجه الترمذي (3736) في الاستئذان، باب: ما جاء في
مرحبا وقال: ليس إسناده بصحيح.
وموسى بن مسعود ضعيف.
والحاكم 3 / 242 وصححه، وتعقبه الذهبي بقوله: لكنه
منقطع.
(*) طبقات ابن سعد: 3 / 2 / 105، تاريخ خليفة: 73، الجرح
والتعديل: 5 / 116، الاستبصار: 150 - 151، الحلية: 2 / 4،
الاستيعاب: 6 / 329، أسد الغابة: 3 / 346، مجمع الزوائد: 9
/ 317، الاصابة: 6 / 176.
(*)
(1/324)
أسد بن ساردة بن تزيد (1) بن جشم بن الخزرج، الانصاري
السلمي، أبو جابر أحد النقباء ليلة العقبة، شهد بدرا
واستشهد يوم أحد.
شعبة: عن ابن المنكدر، عن جابر: لما قتل أبي يوم أحد، جعلت
أكشف عن وجهه، وأبكي، وجعل أصحاب رسول الله، صلى الله عليه
وسلم، ينهوني وهو لا ينهاني، وجعلت عمتي تبكيه، فقال
النبي، صلى الله عليه وسلم: " تبكيه أو لا تبكيه (2)، ما
زالت الملائكة تظلله بأجنحتها حتى رفعتموه " (3).
شريك: عن الاسود بن قيس، عن نبيح العنزي، عن جابر قال:
أصيب أبي وخالي يوم أحد، فجاءت أمي بهما قد عرضتهما على
ناقة، فأقبلت بهما إلى المدينة، فنادى مناد: ادفنوا القتلى
في مصارعهم، فردا حتى دفنا في مصارعهما (4).
__________
(1) تزيد: بالتاء المنقوطة باثنتين من فوق كما ضبطها ابن
حزم في " جمهرة أنساب العرب " ص: 356 وقد تصحفت في المطبوع
إلى " يزيد ".
(2) هذه رواية مسلم.
وللبخاري: " تبكين أو لا تبكين " وله أيضا: " تبكي أو لا
تبكي " وله ثالثة: " لا تبكه ".
(3) أخرجه أحمد 3 / 298، والبخاري (1244) في الجنائز: باب
الدخول على الميت بعد الموت، و (4080) في المغازي: باب من
قتل من المسلمين يوم أحد، ومسلم (2471) (130) في فضائل
الصحابة: باب من فضائل عبد الله بن عمرو بن حرام،
والنسائي 4 / 13 في الجنائز: باب: في البكاء على الميت
وأخرجه أحمد 3 / 307، والبخاري (1293) و (2816) في الجهاد
باب: ظل الملائكة على الشهيد، ومسلم (2471)، والنسائي 4 /
11 - 12 كلهم من طريق: سفيان، عن محمد ابن المنكدر،
به...(4) أخرجه ابن سعد 3 / 2 / 105، وأخرجه أحمد 3 / 308،
وأبو داود (3165) في الجنائز: باب: في الميت يحمل من أرض
إلى أرض، والنسائي 4 / 79 في الجنائز: باب أين يدفن
الشهيد، وابن ماجه (1516) في الجنائز: باب ما جاء في
الصلاة على الشهداء ودفنهم.
كلهم من طريق سفيان، عن الاسود بن قيس به، وسند قوي.
وأخرجه الترمذي (1717) في الجهاد من طريق شعبة، عن = (*)
(1/325)
قال مالك: كفن هو وعمرو بن الجموح في كفن واحد.
وقال الاوزاعي: عن الزهري، عن جابر أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم، لما خرج لدفن شهداء أحد، قال: " زملوهم
بجراحهم، فأنا شهيد عليهم " وكفن أبي في نمرة (1).
قال ابن سعد: قالوا: وكان عبد الله أول من قتل يوم أحد،
وكان أحمر أصلع ليس بالطويل، وكان عمرو بن الجموح طويلا،
فدفنا معا عند السيل، فحفر السيل عنهما، وعليهما نمرة، وقد
أصاب عبد الله جرح في وجهه فيده على جرحه، فأميطت يده،
فانبعث الدم، فردت، فسكن الدم.
قال جابر: فرأيت أبي في حفرته، كأنه نائم، وما تغير من
حاله شئ، وبين ذلك ست وأربعون سنة، فحولا إلى مكان آخر،
وأخرجوا رطابا يتثنون (2).
أبو الزبير: عن جابر قال: صرخ بنا إلى قتلانا، حين أجرى
معاوية العين، فاخرجناهم لينة أجسادهم، تتثنى أطرافهم (3).
ابن أبي نجيح: عن عطاء، عن جابر قال: دفن رجل مع أبي، فلم
تطب
نفسي، حتى أخرجته، ودفنته وحده (4).
__________
= الاسود، به، وقال: حديث حسن صحيح.
وأخرجه أحمد مطولا 3 / 397 -، 398 من طريق: أبي عوانة، عن
الاسود، به، والدارمي 1 / 22 في المقدمة.
وفيه معظم الآثار القادمة.
(1) أخرجه ابن سعد 3 / 2 / 105، وإسناده صحيح.
(2) أخرجه ابن سعد 3 / 2 / 106، وانظر الصفحة (255)
التعليق رقم (2).
(3) أخرجه ابن سعد 3 / 2 / 106.
(4) أخرجه ابن سعد 3 / 2 / 106، وهو في البخاري برقم
(1352) في الجنائز: باب هل يخرج الميت من القبر واللحد.
(*)
(1/326)
سعيد بن يزيد أبو مسلمة: عن أبي نضرة، عن جابر، قال أبي:
أرجو أن أكون في أول من يصاب غدا، فأوصيك ببناتي خيرا،
فأصيب، فدفنته مع آخر، فلم تدعني نفسي حتى استخرجته [
ودفنته وحده ] بعد ستة أشهر، فإذا الارض لم تأكل منه شيئا،
إلا بعض شحمة أذنه (1).
الشعبى: حدثني جابر، أن أباه توفي، وعليه دين، قال: فأيت
رسول الله فقلت: إن أبي ترك عليه دينا، وليس عندنا إلا ما
يخرج من نخله، فانطلق معي لئلا يفحش علي الغرماء، قال:
فمشى حول بيدر من بيادر التمر، ودعا، ثم جلس عليه، فأوفاهم
الذي لهم، وبقي مثل الذي أعطاهم (2).
وفي الصحيح أحاديث في ذلك.
وقال ابن المديني: حدثنا موسى بن إبراهيم، حدثنا طلحة بن
خراش، سمع جابرا يقول: قال لي رسول الله، صلى الله عليه
وسلم: " ألا أخبرك أن الله كلم أباك كفاحا، فقال: يا عبدي
! سلني أعطك، قال: أسألك أن تردني إلى الدنيا، فأقتل فيك
ثانيا، فقال: إنه قد سبق مني أنهم إليها لا يرجعون.
قال: يا رب !
فأبلغ من وراثي.
فأنزل الله: (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا
بل
__________
(1) أخرجه ابن سعد 3 / 2 / 106 وقد تحرفت في المطبوع " أبو
مسلمة " إلى " أبي سلمة "، وأخرجه الحاكم 3 / 203 وصححه،
ووافقه الذهبي، وأخرجه البخاري (1351) من طريق مسدد عن بشر
بن المفضل، عن حسين المعلم، عن عطاء، عن جابر.
(2) أخرجه ابن سعد 3 / 2 / 107 وأحمد 3 / 365، والبخاري
(3580) في المناقب: باب علامات النبوة في الاسلام،
والنسائي 6 / 245 في الوصايا باب: قضاء الدين قبل الميراث.
وأخرجه البخاري من طرق عن جابر، في الوصايا (2395) باب:
إذا قضى دون حقه أو حلله فهو جائز، و (2601) في الهبة: باب
إذا وهب دينا على رجل، و (2709) في الصلح: باب الصلح بين
الغرماء، وأصحاب الميراث.
(*)
(1/327)
أحياء عند ربهم يرزقون) [ آل عمران: 169 ] (1).
وروي نحوه من حديث عائشة.
ابن إسحاق: حدثنا عاصم بن عمر، عن عبد الرحمن بن جابر، عن
أبيه سمع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يقول إذا ذكر
أصحاب أحد: " والله لوددت أني غودرت مع أصحاب فحص الجبل "
(2).
يقول: قتلت معهم صلى الله عليه وسلم.
* (ق) ابن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي
الاموي
__________
(1) أخرجه الترمذي (3013) في التفسير: باب ومن سورة آل
عمران، وابن ماجه (190) في المقدمة: باب فيما أنكرت
الجهمية، و (2800) في الجهاد: باب فضل الشهادة في سبيل
الله.
وحسنه الترمذي وهو كما قال.
ونسبه ابن عبد البر في " الاستيعاب " 6 / 334 إلى بقي بن
مخلد من طريق دحيم، عن موسى بن إبراهيم، به.
وصححه الحاكم 3 / 204 ووافقه الذهبي.
وحديث عائشة أخرجه الحاكم 3 / 203 من طريق فيض بن وثيق عن
أبي عمارة الانصاري، عن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة
وصححه.
وتعقبه الذهبي بقوله: فيض كذاب، كذا قال، أما في " ميزان
الاعتدال " فقد قال بعد أن نقل قول ابن معين فيه " كذاب
خبيث ": روى عنه أبو زرعة، وأبو حاتم، وهو مقارب الحديث إن
شاء الله.
(2) سبق تخريجه في الصفحة (184) التعليق رقم (2).
وقد سقط من المطبوع " مع أصحاب ".
وفحص الجبل: سفحه وما انبسط منه، وانظر تاريخ ابن عساكر 18
/ 154 / آ.
(*) طبقات ابن سعد: 7 / 2 / 127، نسب قريش: 125 - 126،
طبقات خليفة: 10، تاريخ خليفة: 119، 138، التاريخ الكبير:
8 / 317، التاريخ الصغير: 1 / 41، 44، 45، 52، المعارف:
345، الاستيعاب: 11 / 69، ابن عساكر: 18 / 154 / 1، أسد
الغابة: 5 / 491، تهذيب الاسماء واللغات: 2 / 162، تهذيب
الكمال: 1533، دول الاسلام، 1 / 16، العبر: 1 / 15، 22،
23، مجمع الزوائد: 9 / 412، العقد الثمين: 7 / 462، 463،
تهذيب التهذيب: 11 / 332، الاصابة: 10 / 348، خلاصة تذهيب
الكمال: 432، شذرات الذهب: 1 / 24.
(*)
(1/328)
68 - يزيد بن أبي سفيان
أخو معاوية من أبيه، ويقال له يزيد الخير، وأمه هي زينب
بنت نوفل الكنانية، وهو أخو أم المؤمنين أم حبيبة.
كان من العقلاء الالباء، والشجعان المذكورين، أسلم يوم
الفتح، وحسن إسلامه، وشهد حنينا، فقيل: إن النبي، صلى الله
عليه وسلم، أعطاه من غنائم حنين مئة من الابل وأربعين
أوقية فضة، وهو أحد الامراء الاربعة الذين ندبهم أبو بكر
لغزو الروم، عقد له أبو بكر، ومشى معه تحت ركابه يسايره،
ويودعه، ويوصيه، وما ذاك إلا لشرفه وكمال دينه، ولما فتحت
دمشق، أمره عمر عليها (1).
له حديث في الوضوء رواه ابن ماجه (2)، وله عن أبي بكر.
حدث عنه أبو عبد الله الاشعري، وجنادة بن أبي أمية.
وله ترجمة طويلة في تاريخ الحافظ أبي القاسم.
وعلى يده كان فتح قيسارية (3) التي بالشام.
روى عوف الاعرابي، عن مهاجر أبي مخلد قال: حدثني أبو
العالية قال: غزا يزيد بن أبي سفيان بالناس، فوقعت جارية
نفيسة في سهم رجل، فاغتصبها يزيد، فأتاه أبو ذر، فقال: رد
على الرجل جاريته، فتلكأ، فقال: لئن
__________
(1) انظر ابن سعد 7 / 2 / 127، و " أسد الغابة " 5 / 491،
و " الاستيعاب " 11 / 70.
(2) أخرجه ابن ماجه (455) في الطهارة: باب غسل العراقيب،
من طريق الوليد بن مسلم، حدثنا شيبة بن الاحنف، عن أبي
سلام الاسود، عن أبي صالح الاشعري، حدثني أبو عبد الله
الاشعري، عن خالد بن الوليد ويزيد بن أبي سفيان، وشرحبيل
بن حسنة، وعمرو بن العاص، كل هؤلاء سمعوا من رسول الله،
صلى الله عليه وسلم، قال: " أتموا الوضوء، ويل للاعقاب من
النار ".
وقال البوصيري: إسناده حسن ما علمت في رجاله ضعفا.
وهو كما قال.
(3) فيسارية: بالفتح ثم سكون، وسين مهملة، بعد الالف راء
ثم ياء مشددة بلد على ساحل بحر الشام تعد في أعمال فلسطين،
قريبة من طبرية، طيبة البقعة، كثيرة الخير.
وانظر خبر فتحها في الطبري 3 / 603 - 604 وابن كثير، وابن
الاثير في تاريخيهما، و " تاريخ الاسلام " للمؤلف في أحداث
سنة (15) ه.
(*)
(1/329)
فعلت ذلك، لقد سمعت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يقول:
" أول من يبدل سنتي رجل من بني أمية يقال له يزيد ".
فقال: نشدتك الله، أنا منهم ؟ قال: لا.
فرد على الرجل جاريته (1).
أخرجه الروياني في " مسنده ".
قال إبراهيم بن سعد: كان يزيد بن أبي سفيان على ربع، وأبو
عبيدة على ربع، وعمرو بن العاص على ربع، وشرحبيل بن حسنة
على ربع، يعني يوم اليرموك.
ولم يكن يومئذ عليهم أمير.
توفي يزيد في الطاعون سنة ثماني عشرة، ولما احتضر، استعمل
أخاه معاوية على عمله، فأقره عمر على ذلك احتراما ليزيد،
وتنفيذا لتوليته.
ومات (2) هذه السنة في الطاعون أبو عبيدة أمين الامة،
ومعاذ بن جبل سيد العلماء، والامير المجاهد شرحبيل بن حسنة
حليف بني زهرة، وابن عم النبي، صلى الله عليه وسلم، الفضل
بن العباس وله بضع وعشرون سنة، والحارث بن هشام ابن
المغيرة المخزومي أبو عبد الرحمن من الصحابة الاشراف، وهو
أخو أبي جهل، وأبو جندل بن سهيل بن عمرو العامري، رضي الله
عنهم.
69 - أبو العاص بن الربيع
* ابن عبد العزى بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي بن كلاب
القرشي
__________
(1) هو مرسل.
ومهاجر أبو مخلد لينه أبو حاتم وقال: ليس بذاك.
ولذا قال الحافظ عنه، في التقريب: مقبول.
أبي حيث يتابع وإلا فلين.
(2) انظر " تاريخ الاسلام " 2 / 22 وما بعدها.
(*) نسب قريش: 230 - 231، تاريخ خليفة: 119، مشاهير علماء
الامصار: ت: 156، الاستيعاب: 12 / 24، ابن عساكر: 19 / 61
/ 1، أسد الغابة: 6 / 185، تهذيب الاسماء واللغات: 2 / 248
- 249، العبر: 1 / 15، مجمع الزوائد: 9 / 379، العقد
الثمين: 7 / 110، 8 / 61، الاصابة: 11 / 231.
(*)
(1/330)
العبشمي.
صهر رسول الله، صلى الله عليه وسلم، زوج بنته زينب، وهو
والد أمامة التي كان يحملها النبي، صلى الله عليه وسلم، في
صلاته (1).
واسمه لقيط، وقيل: اسم أبيه ربيعة، وهو ابن أخت أم
المؤمنين خديجة، أمه هي هالة بنت خويلد، وكان أبو العاص
يدعى جرو البطحاء.
أسلم قبل الحديبية بخمسة أشهر.
قال المسور بن مخرمة، أثنى النبي، صلى الله عليه وسلم، على
أبي العاص في مصاهرته خيرا وقال: " حدثني فصدقني، ووعدني،
فوفى لي " (2)، وكان قد وعد النبي، صلى الله عليه وسلم، أن
يرجع إلى مكة، بعد وقعة بدر، فيبعث إليه بزينب ابنته، فوفى
بوعده، وفارقها مع شدة حبه لها، وكان من تجار قريش
وأمنائهم، وما علمت له رواية.
__________
(1) أخرجه البخاري 1 / 487 في سترة المصلي: باب إذا حمل
جارية صغيرة على عنقه، وفي الادب: باب رحمة الولد وتقبيله،
ومسلم (543) في المساجد: باب جواز حمل الصبيان، ومالك 1 /
170 في قصر الصلاة: باب جامع الصلاة.
وأبو داود (917 - 918، 919، 920) في الصلاة: باب العمل في
الصلاة، والنسائي 2 / 45 في المساجد، و 3 / 10 في السهو.
ونص مسلم من طريق يحيى بن يحيى، قال: قلت لمالك: حدثك عامر
بن عبد الله بن الزبير، عن عمرو بن سليم الزرقي، عن أبي
قتادة، أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، كان يصلي وهو
حامل أمامة بنت زينب بنت رسول الله، صلى الله عليه وسلم،
ولابي العاص بن الربيع، فإذا قام حملها وإذا سجد وضعها ؟
قال يحيى: قال مالك: نعم ".
(2) أخرجه البخاري في الشروط: باب الشروط في المهر عند
عقدة النكاح و (3729) في فضائل الصحابة: باب ذكر أصهار
النبي، صلى الله عليه وسلم و (5230) في النكاح: باب ذب
الرجل عن ابنته في الغيرة، ومسلم (2449) (95) في فضائل
الصحابة: باب فضائل فاطمة، وأبو داود (2069) في النكاح:
باب ما يكره أن يجمع بينهم من النساء، وابن ماجه (1999) في
النكاح: باب الغيرة، ونص مسلم: حدثني أحمد بن حنبل، عن
يعقوب بن إبراهيم، عن أبي الوليد بن كثير، عن محمد ابن
عمرو بن حلحلة، أن ابن شهاب حدثه، أن علي بن الحسين حدثه،
أنهم حين قدموا المدينة، = (*)
(1/331)
ولما هاجر، رد عليه النبي، صلى الله عليه وسلم، زوجته زينب
بعد ستة أعوام على النكاح
الاول (1)، وجاء في رواية أنه ردها إليه بعقد جديد، وقد
كانت زوجته لما أسر نوبة بدر، بعثت قلادتها لتفتكه بها،
فقال النبي، صلى الله عليه وسلم.
" إن رأيتم أن تطلقوا لهذه أسيرها " فبادر الصحابة إلى
ذلك.
(2) ومن السيرة أنها بعثت في فدائه قلادة لها كانت لخديجة
أدخلتها بها، فلما رآها رسول الله، صلى الله عليه وسلم، رق
لها، وقال: " إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها، وتردوا عليها
" قالوا: نعم، وأطلقوه، فأخذ عليه النبي، صلى الله عليه
وسلم، أن يخلي سبيل زينب، وكانت من المستضعفين من النساء،
واستكتمه النبي، صلى الله عليه وسلم، ذلك، وبعث زيد
__________
من عند يزيد بن معاوية، مقتل الحسين بن علي، رضي الله عنه،
لقيه المسور بن مخرمة فقال له: هل لك إلي من حاجة تأمرني
بها ؟ قال: فقلت له: لا.
قال له: هل أنت معطي سيف رسول الله، صلى الله عليه وسلم ؟
فإني أخاف أن يغلبك القوم عليه، وايم الله لئن أعطيتنيه لا
يخلص إليه أبدا حتى تبلغ نفسي.
إن علي بن أبي طالب خطب بنت أبي جهل على فاطمة، فسمعت رسول
الله، صلى الله عليه وسلم، وهو يخطب الناس في ذلك، على
منبره هذا، وأنا يومئذ محتلم، فقال: " إن فاطمة مني وأنا
أتخوف أن تفتن في دينها " قال: ثم ذكر صهرا له من بني عبد
شمس فأثنى عليه في مصاهرته إياه فأحسن قال: " حدثني
فصدقني، ووعدني فأوفى لي.
وإني لست أحرم حلالا، ولا أحل حراما ولكن، والله ! لا
تجتمع بنت رسول الله وبنت عدو الله مكانا واحدا أبدا ".
وقوله: أن تفتن في دينها: أي بسبب الغيرة الناشئة من
البشرية.
وقوله: " ثم ذكر صهرا " هو أبو العاص بن الربيع، وانصهر
يطلق على الزوج وأقاربه، وأقارب المرأة.
وهو مشتق من صهرت الشئ وأصهرته: إذا قربته.
والمصاهرة: مقاربة بين الاجانب والمتباعدين.
(1) وهو الصحيح كما سيأتي.
(2) وأخرجه أحمد 6 / 276، وأبو داود (2692) من طريق ابن
إسحاق قال: حدثني يحيى بن عباد، عن أبيه عباد، عن عائشة،
قالت: " لما بعث أهل مكة في فداء أسراهم، بعثت زينب في
فداء أبي العاص بمال، وبعثت فيه بقلادة لها كانت عند خديجة
أدخلتها بها على أبي العاص.
قالت: فلما رآها رسول الله، صلى الله عليه وسلم، رق لها
رقة شديدة وقال: إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها وتردوا
عليها الذي لها ؟ فقالوا: نعم.
وكان رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أخذ عليه أو وعده أن
يخلي سبيل زينب إليه.
وبعث رسول الله، صلى الله عليه وسلم، زيد بن حارثة ورجلا
من الانصار فقال: كونا ببطن يأجج حتى تمر بكما زينب
فتصحبانها حتى تأتيا بها ".
وإسناده قوي، فقد صرح ابن اسحاق بالتحديث، وصححه الحاكم 3
/ 236 ووافقه الذهبي.
وانظر السيرة لابن هشام 1 / 653.
(*)
(1/332)
ابن حارثة ورجلا من الانصار، فقال: " كونا ببطن يأجج (1)،
حتى تمر بكما زينب، فتصحبانها " وذلك بعد بدر بشهر، فلما
قدم أبو العاص مكة، أمرها باللحوق بأبيها، فتجهزت، فقدم
أخو زوجها كنانة - قلت: وهو ابن خالتها - بعيرا، فركبت،
وأخذ قوسه وكنانته نهارا، فخرجوا في طلبها، فبرك كنانة،
ونثر كنانته بذي طوى، فروعها هبار بن الاسود بالرمح، فقال
كنانة: والله لا يدنو أحد إلا وضعت فيه سهما، فقال أبو
سفيان: كف أيها الرجل عنا نبلك حتى نكلمك، فكف، فوقف عليه،
فقال: إنك لم تصب، خرجت بالمرأة على رؤوس الناس علانية،
وقد عرفت مصيبتنا ونكبتنا، وما دخل علينا من محمد، فيظن
الناس أن ذلك عن ذل أصابنا، ولعمري ما بنا بحبسها عن أبيها
من حاجة، ارجع بها، حتى إذا هدت الاصوات، وتحدث الناس أنا
رددناها، فسلها سرا، وألحقها بأبيها، قال: ففعل، وخرج بها
بعد ليال، فسلمها إلى زيد وصاحبه، فقدما بها، فلما كان قبل
الفتح، خرج أبو العاص تاجرا إلى الشام بماله ومال كثير
لقريش، فلما رجع، لقيته سرية، فأصابوا ما معه، وأعجزهم
هربا، فقدموا بما أصابوا، وأقبل هو في الليل، حتى دخل على
زينب، فاستجار بها، فأجارته.
فلما كان النبي، صلى الله عليه وسلم، والناس في صلاة
الصبح، صرخت زينب من صفة النساء: أيها الناس، قد أجرت أبا
العاص بن
الربيع، وبعث النبي، صلى الله عليه وسلم، إلى السرية الذين
أصابوا ماله، فقال: إن هذا الرجل منا حيث قد علمتم، وقد
أصبتم له مالا، فإن تحسنوا وتردوه، فإنا نحب ذلك، وإن
أبيتم، فهو فئ الله، فأنتم أحق به " قالوا: بل نرده، فردوه
كله، ثم ذهب به إلى مكة، فأدى إلى كل ذي مال ماله، ثم قال:
يا معشر قريش ! هل
__________
(1) بفتح الياء وبعدها همزة، وجيم مكسورة: موضع على ثمانية
أميال من مكة.
كان ينزله عبد الله بن الزبير، فلما قتله الحجاج أنزله
المجذمين، وبنواحي مكة موضع آخر يقال له: يأجج، وهو
أبعدهما، بينه وبين مسجد التنعيم ميلان.
(*)
(1/333)
بقي لاحد منكم عندي شئ ؟ قالوا: لا، فجزاك الله خيرا، قال:
فإني أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله،
والله ما منعني من الاسلام عنده، إلا خوف أن تظنوا أني
إنما أردت أكل أموالكم.
ثم قدم على رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فعن ابن عباس
قال: رد عليه النبي، صلى الله عليه وسلم، زينب على النكاح
الاول، لم يحدث شيئا (1).
70 - زينب * زينب (2)
هذه كانت رضي الله عنها أكبر بنات رسول الله، صلى الله
عليه وسلم، وتوفيت سنة ثمان من الهجرة، وغسلتها أم عطية.
فأعطاهن حقوه، وقال: أشعرنها إياه " (3).
__________
(1) الخبر بطوله أخرجه ابن هشام 1 / 653 - 659، والحاكم 3
/ 236 - 237.
وحديث ابن عباس أخرجه أحمد (1876) و (2366) و (3290)، وأبو
داود (2240) في الطلاق: باب إلى متى ترد عليه زوجته إذا
أسلم، والترمذي (1143) في النكاح: باب ما جاء في الزوجين
المشركين يسلم أحدهما.
وابن ماجه (2009) في النكاح: باب الزوجين يسلم أحدهما قبل
الآخر، والدار قطني صفحة: 396، والحاكم 3 / 638 - 639 من
طريق ابن إسحاق، عن داود بن الحصين، عن عكرمة، عن ابن
عباس.
وداود فيه لين، وما رواه عن عكرمة منكر لكن للحديث شواهد
مرسلة
صحيحة، عن عامر، وقتادة، وعكرمة بن خالد أخرجها ابن سعد في
" طبقاته "، و عبد الرزاق في " المصنف " (12647) والطحاوي
في " شرح معاني الآثار " 2 / 149.
وأما حديث عمرو بن شعيب، عن أبيه عن جده، أن النبي، صلى
الله عليه وسلم، رد ابنته على أبي العاص بنكاح جديد فهو
حديث ضعيف، أخرجه أحمد (6938)، والترمذي (1142) وابن ماجه
(2010)، والدار قطني 396، والبيهقي 7 / 188 وفي سنده حجاج
بن أرطاة وهو مدلس لا يحتج به.
وقال الامام أحمد، عقب روايته: هذا حديث ضعيف، أو واه، ولم
يسمعه الحجاج من عمرو بن شعيب، وإنما سمعه من محمد بن عبيد
العرزمي.
والعرزمي لا يساوي حديثه شيئا.
وقال الترمذي: هذا حديث في إسناده مقال.
وقال الدارقطني: لا يثبت، وحجاج لا يحتج به.
* طبقات ابن سعد 8 / 30، نسب قريش: 22، 157، 158، 219،
231، تاريخ خليفة: 92، التاريخ الصغير: 1 / 7 - 8، 17،
الاستيعاب: 13 / 24، أسد الغابة: 7 / 130، تهذيب الاسماء
واللغات: 2 / 344، العبر: 1 / 10، مجمع الزوائد: 9 / 212 -
216، العقد الثمين: 8 / 222 - 223، الاصابة: 12 / 273.
(2) أورد المؤلف هنا شيئا من ترجمة زينب ضمن ترجمته زوجها
أبي العاص، وأثبت فوق كلمة " زينب " ما نصه " ستعاد "
وأفرد لها ترجمة مفصلة في كتابه هذا، وهي في الجزء الثاني
برقم (121) فانظرها هناك.
(3) أخرجه البخاري (1254) في الجنائز: باب ما يستحب أن
يغسل وترا عن أم عطية، رضي (*)
(1/334)
وكان النبي، صلى الله عليه وسلم، يحبها، ويثني عليها، رضي
الله عنها، عاشت نحو ثلاثين سنة.
ومات أبو العاص في شهر ذي الحجة سنة اثنتي عشرة في خلافة
الصديق.
71 - أمامة بنت أبي العاص
* التي كان رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يحملها في
صلاته (1) هي بنت بنته، تزوج بها علي بن أبي طالب في خلافة
عمر، وبقيت عنده مدة، وجاءته الاولاد منها،
وعاشت بعده حتى تزوج لها المغيرة بن نوفل بن الحارث بن عبد
المطلب الهاشمي، فتوفيت عنده بعد أن ولدت له يحيى بن
المغيرة، ماتت في دولة معاوية بن أبي سفيان، ولم ترو شيئا.
72 - أبو زيد * * هو من كبار
الصحابة، وممن حفظ القرآن كله في زمن النبي، صلى
الله عليه وسلم.
__________
الله عنها، قالت: " دخل علينا رسول الله، صلى الله عليه
وسلم، ونحن نغسل ابنته.
فقال: اغسلنها ثلاثا، أو خمسا، أو أكثر من ذلك بماء وسدر،
واجعلن في الآخرة كافورا، فإذا فرغتن فآذنني.
فلما فرغنا أذناه.
فألقى إلينا حقوه فقال: أشعرنها إياه ".
في الآخرة: أبي في الغسلة الاخيرة.
وآذنني: أي: أعلمتني، وحقوه بفتح الحاء، وكسرها: يعني:
إزاره، وأصل الحقو: معقد الازار، وسمي الازار به مجازا لان
الحقو يشد به.
وأخرجه أيضا البخاري (1257) و (1258) و (1261) فيه ومسلم
(939) في الجنائز: باب في غسل الميت، وأبو داود (3142) في
الجنائز: باب كيف غسل الميت، والترمذي (990) في الجنائز:
باب ما جاء في غسل الميت، والنسائي 4 / 28 - 33 في
الجنائز: باب غسل الميت بالماء والسدر، وابن ماجه (1458)
في الجنائز: باب ما جاء في غسل الميت.
(*) طبقات ابن سعد: 8 / 26، نسب قريش: 22، 86، الاستيعاب:
12 / 211، أسد الغابة: 7 / 22، تهذيب الاسماء واللغات: 2 /
331، العقد الثمين: 8 / 171 - 182.
(1) سبق تخريجه في الصفحة (331) تعليق رقم (1).
(* *) طبقات ابن سعد: 7 / 1 / 17، الجرح والتعديل: 2 /
451، الاستيعاب: 11 / 271، أسد الغابة: 1 / 269، الاصابة:
2 / 9.
(*)
(1/335)
قال ابن سعد: هو ثابت بن زيد بن قيس بن زيد بن النعمان بن
مالك بن ثعلبة بن كعب بن الخزرج بن الحارث بن الخزرج.
حدثنا أبو زيد النحوي سعيد بن أوس بن ثابت بن بشير بن أبي
زيد الانصاري ثابت بن زيد، قال النحوي: هو جدي.
شهد أحدا، وهو أحد الستة الذين جمعوا القرآن، نزل البصرة
واختط بها، ثم قدم المدينة فمات بها، فوقف عمر على قبره،
فقال: رحمك الله أبا زيد ! لقد دفن اليوم أعظم أهل الارض
أمانة (1).
وقتل ابنه بشير يوم الحرة (2).
العقدي: حدثنا علي بن المبارك، عن الحسن أبي محمد قال:
دخلنا على أبي زيد، وكانت رجله أصيبت يوم أحد، فأذن وأقام
قاعدا (3).
وقيل: اسم أبي زيد أوس، وقيل: معاذ، والاول أصح.
__________
(1) أخرجه ابن سعد 7 / 1 / 17.
(2) قال صاحب العين: الحرة: أرض ذات حجارة سوداء نخرة
كأنها أحرقت بالنار.
وقال الاصمعي: الحرة: الارض التي ألبستها الحجارة السود.
والحرار كثيرة.
والمقصود هنا حرة واقم التي كانت فيها وقعة الحرة المشهورة
في أيام يزيد بن معاوية سنة (63) هجرية.
وكان أمير جيشه مسلم بن عقبة المري، المسمى بالمسرف لقبح
صنيعه، فقد قتل بقايا المهاجرين والانصار في ذلك اليوم،
وهي من أكبر مصائب الاسلام وحروبه.
لم تصل الجماعة يومها في مسجد رسول الله، صلى الله عليه
وسلم، ولم يكن فيه أحد حاشا سعيد بن المسيب فإنه لم يفارق
المسجد.
فقد هتك مسرف - أو مجرم الاسلام - هتكأ، وأنهب المدينة
ثلاثا واستخف بأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومدت الايدي
إليهم ونهبت دورهم...انظر " معجم البلدان " 2 / 249 و "
الطبري " و " الكامل " و " البداية " و " تاريخ الاسلام "
في أحداث سنة (63) وانظر " جوامع السيرة " لابن حزم 357 -
358.
(3) أخرجه ابن سعد 7 / 1 / 17.
(*)
(1/336)
73 - عباد بن بشر
*
ابن وقش بن زغبة بن زعوراء بن عبد الاشهل.
الامام أبو الربيع الانصاري (1) الاشهلي، أحد البدريين.
كان من سادة الاوس، عاش خمسا وأربعين سنة، وهو الذي أضاءت
له عصاته ليلة انقلب إلى منزله من عند رسول الله، صلى الله
عليه وسلم (2)، أسلم على يد مصعب بن عمير، وكان أحد من قتل
كعب بن الاشرف اليهودي (3)، واستعمله النبي، صلى الله عليه
وسلم، على صدقات مزينة، وبني سليم، وجعله على حرسه في غزوة
تبوك، وكان كبير القدر، رضي الله عنه، أبلى يوم اليمامة
بلاء حسنا، وكان أحد الشجعان الموصوفين.
ابن إسحاق: عن يحيى بن عباد بن عبد الله (4)، عن أبيه،
قال: قالت عائشة: ثلاثة من الانصار لم يكن أحد يعتد عليهم
فضلا، كلهم من بني عبد الاشهل: سعد بن معاذ، وعباد بن بشر،
وأسيد بن
__________
(*) طبقات ابن سعد: 3 / 2 / 16، طبقات خليفة: 78، تاريخ
خليفة: 113، التاريخ الصغير: 36، الجرح والتعديل 6 / 77،
مشاهير علماء الامصار: ت: 113، الاستبصار: 220 - 222،
الاستيعاب: 5 / 310، أسد الغابة: 3 / 150، تاريخ الاسلام:
1 / 370، العبر: 1 / 15، الاصابة: 5 / 311.
(1) سقطت كلمة " الانصاري " من المطبوع.
(2) سبق تخريج هذا الحديث على الصفحة (299) تعليق رقم (1).
(3) أخرجه البخاري (4037) في المغازي، باب: قتل كعب من
الاشرف، وانظر ما كتبه الحافظ في " الفتح " في شرح هذا
الحديث.
وانظر تحريضه في شعره على المسلمين عند ابن هشام 2 / 51 -
58.
قال ابن إسحاق وغيره من الاشرف: كان عربيا من بني نبهان،
وهم بطن من طئ، وكان أبوه أصاب دما في الجاهلية، فأتى
المدينة وحالف بني النضير فشرف بهم، وتزوج عقيلة بنت أبي
الحقيق فولدت له كعبا.
(4) " بن عبد الله " سقطت من المطبوع.
(*)
(1/337)
حضير (1).
آخى النبي، صلى الله عليه وسلم، بنيه وبين أبي حذيفة بن
عتبة بن ربيعة.
وروي بإسناد ضعيف عن أبي سعيد الخدري: سمع عباد بن بشر
يقول: رأيت الليلة كأن السماء فرجت لي، ثم أطبقت علي، فهي
إن شاء الله الشهادة.
نظر يوم اليمامة وهو يصيح: احطموا جفون السيوف.
وقاتل حتى قتل بضربات في وجهه، رضي الله عنه.
ابن إسحاق: عن محمد بن جعفر بن الزبير، عن عباد بن عبد
الله بن الزبير، عن عائشة قالت: تهجد رسول الله، صلى الله
عليه وسلم، في بيتي، فسمع صوت عباد بن بشر، فقال: " يا
عائشة ! هذا صوت عباد بن بشر " قلت: نعم.
قال: " اللهم اغفر له " (2) حماد بن سلمة: عن محمد بن
إسحاق، عن حصين بن عبد الرحمن الخطمي، عن عبد الرحمن بن
ثابت الانصاري، عن عباد بن بشر أن النبي صلى الله عليه
وسلم قال: " يا معشر الانصار ! أنتم الشعار والناس الدثار
" (3).
__________
(1) أخرجه الحاكم 3 / 229 وصححه ووافقه الذهبي.
وذكره الحافظ في " الاصابة " 1 / 76 عن ابن إسحاق وصرح فيه
بالتحديث.
(2) أخرجه البخاري معلقا (2655) بقوله: وزاد عباد...وقال
الحافظ في " الفتح " 5 / 265: وصله أبو يعلى من طريق محمد
بن إسحاق عن يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير، عن أبيه،
عن عائشة.
(3) رجاله ثقات وأخرجه ابن عبد البر في " الاستيعاب " 3 /
316 وذكره الهيثمي في " المجمع "
10 / 31 ونسبه إلى الطبراني.
وقد تحرف عنده " بشر " إلى " بشير ".
وأخرجه البخاري (4330) في المغازي: باب غزوة الطائف، ومسلم
(1061) في الزكاة: باب إعطاء المؤلفة قلوبهم، وأحمد = (*)
(1/338)
قال على بن (1) المديني: لا أحفظ لعباد سواه.
عباد بن بشر بن قيظي الاشهلي ! قال ابن الاثير: وقع تخبيط
في اسم جده.
قال: وإنما هو عباد بن بشر بن وقش بن زغبة بن زعوراء بن
عبد الاشهل بن جشم بن الحارث بن الخزرج بن الاوس الاوسي.
استشهد، رضي الله عنه، يوم اليمامة.
أما عباد بن بشر بن قيظي، فهو أنصاري من بني حارثة، أم
قومه في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، له حديث في
الاستدارة في الصلاة إلى الكعبة (2).
والله أعلم.
قال عباد بن عبد الله بن الزبير: ما سماني أبي عبادا إلا
به (3)، يعني بالاشهلي، ومن شعره: صرخت له فلم يعرض لصوتي
* ووافي طالعا من رأس جذر فعدت له فقال من المنادي * فقلت
أخوك عباد بن بشر
__________
= 4 / 42 من طريق عمرو بن يحيى، عن عباد بن تميم، عن عبد
الله بن زيد بن عاصم وعندهم جميعا " الانصار شعار والناس
دثار ".
وأخرجه أحمد من حديث أبي هريرة 2 / 419، وعن أبي قتادة 5 /
307، وأخرجه ابن ماجه (164) في المقدمة من طريق:
عبدالمهيمن بن عباس، عن أبيه، عن جده.
(1) سقطت لفظة " بن " من المطبوع.
(2) أخرجه ابن مندة فيما ذكره ابن الاثير في " أسد الغابة
" 3 / 149، والحافظ في " الاصابة " 5 / 310 من طريق
إبراهيم بن جعفر بن محمود بن محمد بن مسلمة، حدثني أبي عن
جدته تويلة بنت أسلم بن عميرة قالت: صلينا في بني حارثة
الظهر أو العصر - فصلينا سجدتين إلى بيت
المقدس.
فجاء رجل فأخبرهم أن القبلة قد صرفت إلى المسجد الحرام.
قالت: فتحولنا.
فتحول الرجال مكان النساء والنساء مكان الرجال.
قال: هذا الرجل الذي أخبرهم أن القبلة صرفت، هو " عباد بن
بشر ".
ورجاله ثقات.
وأورده الحافظ في " الاصابة " في ترجمة تويلة، ونسبه إلى
الطبراني.
وقد ذكره الهيثمي في " المجمع " 3 / 14 ونسبه إلى الطبراني
في " الكبير " وقال: ورجاله موثقون.
(3) أخرجه ابن عبد البر في " الاستيعاب " 5 / 312، والحاكم
3 / 229.
(*)
(1/339)
وهذي درعنا رهنا فخذها * لشهر، إن وفى، أو نصف شهر فقال:
معاشر سغبوا وجاعوا * وما عدموا الغنى من غير فقر فأقبل
نحونا يهوي سريعا * وقال لنا لقد جئتم لامر وفي أيماننا
بيض حداد * مجربة، بها الكفار نفري فعانقه ابن مسلمة
المردي * به الكفار كالليث الهزبر وشد بسيفه صلتا عليه *
فقطره أبو عبس بن جبر (1).
وكان الله سادسنا فأبنا * بأنعم نعمة وأعز نصر (2) لعباد
حديث واحد مر، وهو لا بن إسحاق، عن حصين بن عبد الرحمن
الانصاري، عن عبد الرحمن بن ثابت بن الصامت، عن عباد بن
بشر أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال: " يا معشر
الانصار ! أنتم الشعار والناس الدثار، فلا أوتين من قبلكم
" (3).
74 - أسيد بن الحضير *
ابن سماك بن عتيك بن نافع بن امرئ القيس بن زيد بن عبد
الاشهل.
__________
(1) تحرفت في المطبوع " صلتا " إلى " صلبا " و " عبس " إلى
" عيسى ".
(2) الابيات في الاستيعاب 5 / 313 - 314 وفيه بيت - زيادة
عما هنا - هو:
وجاء برأسه نفر كرام * هم ناهيك من صدق وبر (3) سبق تخريجه
في الصفحة (338) تعليق رقم (3).
(*) مسند أحمد: 4 / 226، 351 - 352، طبقات ابن سعد: 3 / 2
/ 135، طبقات خليفة: 77، تاريخ خليفة: 149، التاريخ
الكبير: 2 / 47، التاريخ الصغير: 1 / 46، الجرح والتعديل:
2 / 310، مشاهير علماء الامصار: ت: 36، الاستبصار: 213 -
216، الاستيعاب: 1 / 175 - 179، ابن عساكر: 3 / 7 / 1، أسد
الغابة: 1 / 111 - 113، تهذيب الكمال: 115، تاريخ الاسلام:
2 / 33، العبر: 1 / 24، مجمع الزوائد، 9 / 310، تهذيب
التهذيب: 1 / 347، الاصابة: 1 / 75 - 76، خلاصة تذهيب
الكمال: 38، كنز العمال: 13 / 277 - 280، شذرات الذهب: 1 /
31، تهذيب تاريخ ابن عساكر: 3 / 53 - 61.
(*)
(1/340)
الامام أبويحيى، وقيل أبو عتيك الانصاري، الاوسي الاشهلي.
أحد النقباء الاثني عشر ليلة العقبة، أسلم قديما، وقال: ما
شهد بدرا، وكان أبوه شريفا مطاعا يدعى حضير الكتائب، وكان
رئيس الاوس يوم بعاث (1)، فقتل يومئذ قبل عام الهجرة بست
سنين، وكان أسيد يعد من عقلاء الاشراف وذوي الرأي.
قال محمد بن سعد: آخى النبي، صلى الله عليه وسلم، بينه
وبين زيد بن حارثة، وله رواية أحاديث، روت عنه عائشة، وكعب
بن مالك، و عبد الرحمن بن أبي ليلى، ولم يلحقه.
وذكر الواقدي أنه قدم الجابية مع عمر، وكان مقدما على ربع
الانصار، وأنه ممن أسلم على يد مصعب بن عمير، هو وسعد بن
معاذ (2).
قال أبو هريرة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " نعم
الرجل أبو بكر.
نعم الرجل عمر، نعم الرجل أسيد بن حضير ".
أخرجه الترمذي (3)، وإسناده جيد.
وروي أن أسيدا كان من أحسن الناس صوتا بالقرآن.
__________
(1) بضم الموحدة، والعين المهملة آخره ثاء مثلثة: موضع في
نواحي المدينة كانت به وقائع بين الاوس والخزرج في
الجاهلية، وكان الظفر فيه يومئذ للاوس على الخزرج.
وكان على الاوس يومئذ حضير والد الصحابي الجليل المترجم
وكان على الخزرج عمر بن النعمان البياضي فقتلا جميعا، فقال
خفاف بن ندبة يرثي حضير الكتائب: فلو كان حي ناجيا من
حمامه * لكان حضير يوم أغلق واقما أطاف به حتى إذا الليل
جنه * تبوأ منه منزلا متناعما وانظر " معجم البلدان " 1 /
451، وابن سعد 3 / 2 / 135 - 136.
(2) عبارة " وهو وسعد بن معاذ " سقطت من المطبوع.
(3) (3797) في المناقب: باب مناقب معاذ، وزيد، وسنده حسن.
وصححه الحاكم 3 / 289 ووافقه الذهبي، وانظر ابن سعد 3 / 2
/ 137 و " الاصابة " 1 / 76.
(*)
(1/341)
ابن إسحاق: عن يحيى بن عباد بن عبد الله، عن عائشة قالت:
ثلاثة من الانصار من بني عبد الاشهل لم يكن أحد يعتد عليهم
فضلا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم: سعد بن معاذ،
وأسيد بن حضير، وعباد بن بشر رضي الله عنهم (1).
قال ابن إسحاق: أسيد بن حضير، نقيب لم يشهد بدرا، يكنى أبا
يحيى.
ويقال: فان في أسيد مزاح وطيب أخلاق.
روى حصين، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن أسيد بن حضير -
وكان فيه مزاح - أنه كان عند النبي صلى الله عليه وسلم،
فطعنه النبي صلى الله عليه وسلم بعود كان معه، فقال:
أصبرني، فقال: اصطبر، قال: إن عليك قميصا وليس علي قميص،
قال: فكشف النبي صلى الله عليه وسلم قميصه، قال: فجعل يقبل
كشحه ويقول: إنما أردت هذا يا
رسول الله (2).
أبو صالح كاتب الليث: حدثنا يحيى بن عبد الله بن سالم، عن
نافع، عن ابن عمر قال: لما هلك أسيد بن الحضير، وقام
غرماؤه بمالهم، سأل عمر في كم يؤدى ثمرها ليوفى ما عليه من
الدين.
فقيل له: في أربع سنين، فقال لغرمائه: ما عليكم أن لا
تباع، قالوا: احتكم، وإنما نقتص في أربع سنين، فرضوا بذلك،
فأقر المال لهم، قال: ولم يكن باع نخل أسيد أربع سنين من
__________
(1) سبق تخريجه في الصفحة (338) التعليق رقم (1).
(2) إسناده قوي.
حصين هو ابن عبد الرحمن السلمي.
أخرجه أبو داود (5224) في الادب: باب في قبلة الجسد، وصححه
الحاكم 3 / 288 ووافقه الذهبي، من طريق: جرير، عن حصين، عن
عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن أبيه، عن أسيد.
وأصبرني: أقدني.
واصطبر: استقد.
وقال هدبة من خشرم: فإن يك في أموالنا نضق بها * ذراعا وإن
صبرا فنصبر للدهر يريد بالبصر: القود.
(*)
(1/342)
عبد الرحمن بن عوف، ولكنه وضعه على يدي عبد الرحمن للغرماء
(1).
عبد الله بن عمر: عن نافع، عن ابن عمر قال: هلك أسيد، وترك
عليه أربعة آلاف، وكانت أرضه تغل في العام ألفا، فأرادوا
بيعها، فبعث عمر إلى غرمائه: هل لكم أن تقبضوا كل عام ألفا
؟ قالوا: نعم (2).
قال يحيى بن بكير: مات أسيد سنة عشرين، وجمله عمر بين
العمودين عمودي السرير حتى وضعه بالبقيع (3)، ثم صلى عليه،
وفيها أرخ موته الواقدي وأبو عبيد وجماعة.
وندم على تخلفه عن بدر، وقال: ظننت أنها العير، ولو ظننت
أنه غزو ما تخلفت (4).
وقد جرح يوم أحد (5) سبع جراحات.
__________
(1) إسناده ضعيف لضعف أبي صالح، كاتب الليث، وهو عبد الله
بن صالح بن محمد بن مسلم الجهني.
قال الحافظ: صدوق كثير الغلط، ثبت في كتابه وكانت فيه
غفلة.
(2) سنده ضعيف فيه عبد الله بن عمر العمري.
وأخرجه ابن سعد 3 / 2 / 137 والبخاري في " التاريخ الصغير
" 1 / 46 وقد تحرف فيه " عبيد الله بن عمر " بدل " عبد
الله " وانظر " أسد الغابة " 1 / 111.
(3) أخرجه الطبراني برقم (548) من طريق أبي الزنباع روح بن
الفرج المصري، عن يحيى بن بكير، قال...وأخرجه ابن سعد 3 /
2 / 137 وفي سنده الواقدي، وهو متروك.
وذكره الهيثمي في " المجمع " 9 / 330 وقال: رواه الطبراني،
وروي عن الواقدي بعضه، وإسنادهما منقطع وانظر " أسد الغابة
" 1 / 111.
(4) أخرجه ابن سعد 3 / 2 / 136 من طريق الواقدي، حدثنا أبو
بكر بن عبد الله بن أبي سبرة، عن عبد الله بن أبي سفيان
مولى ابن أبي أحمد قال...وسنده تالف.
(5) في الاصل " بدر " وهو خطأ لانه لم يشهد بدرا كما تقدم،
وما أثبتناه من " الاستيعاب " (*)
(1/343)
75 - الطفيل بن عمرو الدوسي
* صاحب النبي، صلى الله عليه وسلم، كان سيدا مطاعا من
أشراف العرب، ودوس بطن من الازد، وكان الطفيل يلقب ذا
النور (1)، أسلم قبل الهجرة بمكة.
قال هشام بن الكلبي: سمي الطفيل بن عمرو بن طريف ذا النور،
لانه قال: يا رسول الله ! إن دوسا قد غلب عليهم الزنى فادع
الله عليهم.
قال: " اللهم اهد دوسا "، ثم قال: يا رسول الله ! ابعث بي
إليهم، واجعل لي آية، فقال: " اللهم نور له ".
وذكر الحديث (2).
وفي مغازي يحيى بن سعيد الاموي: حدثنا الكلبي، عن أبي
صالح، عن ابن عباس، عن الطفيل الدوسي (3).
__________
(*) طبقات ابن سعد: 4 / 1 / 175، طبقات خليفة: 13، 114،
تاريخ خليفة: 111، الجرح والتعديل: 4 / 489، الاستيعاب: 5
/ 220، ابن عساكر: 8 / 275 / 2، أسد الغابة: 3 / 78،
العبر: 1 / 14، الاصابة: 5 / 223، تهذيب تاريخ ابن عساكر:
7 / 62 - 67.
(1) في الاصل " ذو الطفيتين " والتصحيح مما بعده ومن "
الاستيعاب "، و " أسد الغابة " والاصابة.
(2) أخرجه ابن عبد البر في " الاستيعاب " 5 / 223 من طريق
أحمد بن محمد، عن أحمد بن الفضل، عن محمد بن جبير، عن
الحارث بن أبي أسامة، عن محمد بن عمران الاسدي، عن هشام بن
الكلبي، قال: إنما سمي الطفيل بن عمرو بن طريف بن العاص بن
ثعلبة، بن سليم، بن فهم " ذا النور " لانه وفد على النبي،
صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله إن دوسا قد غلب
عليهم الزنى فادع الله عليهم، فقال رسول الله " صلى الله
عليه وسلم: اللهم اهد دوسا " ثم قال: يا رسول الله ابعثني
إليهم واجعل لي آية يهتدون بها.
فقال: " اللهم نور له " فسطع نور بين عينيه.
فقال: يا رب إني أخاف أن يقولوا: مثلة.
فتحولت إلى طرف سوطه.
فكانت تضئ في الليلة المظلمة فسمي ذا النور.
وروى البخاري (4392) في المغازي: باب قصة دوس، والطفيل بن
عمرو الدوسي، و (6397) في الدعوات، ومسلم (2524) في
الفضائل، وأحمد 2 / 243، 448 من طريق سفيان، عن ابن ذكوان،
عن عبد الرحمن الاعرج، عن أبي هريرة قال: جاء الطفيل بن
عمرو إلى النبي، صلى الله عليه وسلم، فقال: إن دوسا قد
هلكت، عصت وأبت، فادع الله عليهم.
فقال: " اللهم اهد دوسا وائت بهم ".
(3) إسناده ضعيف جدا لضعف الكبي.
وهو محمد بن السائب، وشيخه أبي صالح باذام.
وانظر " الاستيعاب " 5 / 224.
(*)
(1/344)
وذكره ابن إسحاق عن عثمان بن الحويرث، عن صالح بن كيسان أن
الطفيل بن عمرو قال: كنت رجلا شاعرا سيدا في قومي، فقدمت
مكة، فمشيت إلى رجالات قريش، فقالوا: إنك امرؤ شاعر سيد،
وإنا قد خشينا أن يلقاك هذا الرجل، فيصيبك ببعض حديثه،
فإنما حديثه كالسحر، فاحذره أن يدخل عليك وعلى قومك ما
أدخل علينا، فإنه فرق بين المرء وأخيه، وبين المرء وزوجته،
وبين المرء وابنه، فوالله ما زالوا يحدثوني شأنه، وينهوني
أن أسمع منه حتى قلت: والله لا أدخل المسجد إلا وأنا ساد
أذني، قال: فعمدت إلى أذني، فحشوتها كرسفا (1)، ثم غدوت
إلى المسجد، فإذا برسول الله، صلى الله عليه وسلم، قائما
في المسجد، فقمت قريبا منه، وأبى الله إلا أن يسمعني بعض
قوله، فقلت في نفسي: والله إن هذا للعجز، وإني امرؤ ثبت،
ما تخفى علي الامور حسنها وقبيحها، والله لا تسمعن منه،
فإن كان أمره رشدا أخذت منه، وإلا اجتنبته، فنزعت الكرسفة،
فلم أسمع قط كلاما أحسن من كلام يتكلم به، فقلت: يا سبحان
الله ! ما سمعت كاليوم لفظا أحسن ولا أجمل منه، فلما انصرف
تبعته، فدخلت معه بيته، فقلت: يا محمد ! إن قومك جاؤوني
فقالوا لي كذا وكذا، فأخبرته بما قالوا، وقد أبى الله إلا
أن أسمعني منك ما تقول، وقد وقع في نفسي أنه حق، فاعرض علي
دينك، فعرض علي الاسلام فأسلمت، ثم قلت: إني أرجع إلى دوس،
وأنا فيهم مطاع، وأدعوهم إلى الاسلام لعل الله أن يهديهم،
فادع الله أن يجعل لي آية قال: " اللهم اجعل له آية تعينه
"، فخرجت حتى أشرفت على ثنية قومي، وأبي هناك شيخ كبير،
وامرأتي وولدي.
فلما علوت الثنية، وضع الله بين عيني نورا كالشهاب يتراءاه
الحاضر في ظلمة الليل، وأنا منهبط من الثنية، فقلت: اللهم
في غير وجهي،
__________
(1) الكرسف: القطن.
(*)
(1/345)
فإني أخشى أن يظنوا أنها مثلة لفراق دينهم، فتحول فوقع في
رأس سوطي، فلقد رأيتني أسير على بعيري إليهم، وإنه على رأس
سوطي كأنه قنديل معلق، قال: فأتاني أبي فقلت: إليك عني،
فلست منك ولست مني، قال: وما ذاك ؟ قلت: إني أسلمت واتبعت
دين محمد، فقال: أي بني ! ديني دينك، وكذلك أمي، فأسلما،
ثم دعوت دوسا إلى الاسلام، فأبت علي، وتعاصت، ثم قدمت على
رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فقلت: غلب على دوس الزنى
والربا فادع عليهم، فقال: " اللهم اهد دوسا "، ثم رجعت
إليهم، وهاجر رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فأقمت بين
ظهرانيهم أدعوهم إلى الاسلام، حتى استجاب منهم عن استجاب،
وسبقتني بدر وأحد والخندق، ثم قدمت بثمانين أو تسعين أهل
بيت من دوس، فكنت مع النبي، صلى الله عليه وسلم، حتى فتح
مكة.
فقلت: يا رسول الله ! ابعثني إلى ذي الكفين، صنم عمرو بن
حممة، حتى أحرقه.
قال: " أجل، فاخرج إليه " فأتيت، فجعلت أوقد عليه النار،
ثم قدمت على رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فأقمت معه حتى
قبض، ثم خرجت إلى بعث مسيلمة ومعي ابني عمرو، حتى إذا كنت
ببعض الطريق رأيت رؤيا، رأيت كأن رأسي حلق، وخرج من فمي
طائر، وكأن امرأة أدخلتني في فرجها، وكأن ابني يطلبني طلبا
حثيثا، فحيل بيني وبينه، فحدثت بها قومي، فقالوا: خيرا،
فقلت: أما أنا فقد أولتها: أما حلق رأسي فقطعه، وأما
الطائر فروحي، والمرأة الارض أدفن فيها، فقد روعت أن أقتل
شهيدا، وأما طلب ابني إياي، فما أراه إلا سيعذر في طلب
الشهادة، ولا أراه يلحق في سفره هذا.
قال: فقتل الطفيل يوم اليمامة، وجرح ابنه، ثم قتل يوم
اليرموك بعد (1).
__________
(1) ابن هشام 1 / 382 عن ابن إسحاق بلا سند.
وذكره ابن عبد البر 5 / 224 عن ابن إسحاق، عن عثمان بن
الحويرث، عن صالح بن كيسان، وأخرجه ابن سعد 4 / 1 / 175 من
طريق الواقدي.
= (*)
(1/346)
قلت: وقد عد ولده عمرو في الصحابة، وكذا أبوه ينبغي أن يعد
في الصحابة فقد أسلم فيما ذكرنا، لكن ما بلغنا أنه هاجر
ولا رأى النبي، صلى الله عليه وسلم.
76 - بلال بن رباح *
(ع) مولى أبي بكر الصديق وأمه حمامة، وهو مؤذن رسول الله،
صلى الله عليه وسلم، من السابقين الاولين الذين عذبوا في
الله، شهدا بدرا، وشهد له النبي، صلى الله عليه وسلم، على
التعيين بالجنة، وحديثه في الكتب.
حدث عنه ابن عمر، وأبو عثمان النهدي، والاسود، و عبد
الرحمن بن أبي ليلى، وجماعة.
ومناقبه جمة استوفاها الحافظ ابن عساكر، وعاش بضعا وستين
سنة.
يقال: إنه حبشي، وقيل: من مولدي الحجاز.
وفي وفاته أقوال: أحدها بداريا في سنة عشرين.
عاصم: عن زر، عن عبد الله، أول من أظهر إسلامه سبعة: رسول
الله صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر، وعمار، وأمه سمية،
وبلال، وصهيب، والمقداد.
فاما النبي، صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر فمنعهما الله
بقومهما، و [ أما ] سائرهم فأخذهم المشركون،
__________
= وانظر شرح المواهب 4 / 37.
وقد تصحفت كلمة " فروحي " في المطبوع إلى " فزوجي ".
(*) مسند أحمد: 6 / 12 - 15، الطبقات: 3 / 1 / 165، نسب
قريش: 208، طبقات خليفة: 19، 298، تاريخ خليفة: 99، 149،
التاريخ الكبير: 2 / 106، التاريخ الصغير: 1 / 53، الجرح
والتعديل: 2 / 395، مشاهير علماء الامصار: ت: 323،
الاغاني: 3 / 120 - 121، حلية الاولياء: 1 / 147 - 151،
الاستيعاب: 2 / 26، تاريخ دمشق: 10 / 353، ابن عساكر: 3 /
223 / 1، أسد الغابة: 1 / 243، تهذيب الاسماء واللغات: 1 /
136 - 137، تهذيب الكمال: 167، دول الاسلام: 1 / 16، تاريخ
الاسلام: 2 / 31، العبر: 1 / 24، مجمع الزوائد: 9 / 299 -
300، العقد الثمين: 3 / 378 - 380، تهذيب التهذيب: 1 /
502، الاصابة: 1 / 273، خلاصة تذهيب الكمال:
53، كنز العمال: 13 / 305 - 308، شذرات الذهب: 1 / 31،
تهذيب تاريخ ابن عساكر: 3 / 304 - 318.
(*)
(1/347)
فألبسوهم أدراع الحديد، وصهروهم في الشمس، فما منهم أحد
إلا واتاهم على ما أرادوا إلا بلال، فإنه هانت عليه نفسه
في الله، وهان على قومه، فأعطوه الولدان، فجعلوا يطوفون به
في شعاب مكة، وهو يقول: أحد، أحد (1).
وله إسناد آخر صحيح.
أبو حيان التيمي: عن أبي زرعة، عن أبي هريرة قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم لبلال عند صلاة الصبح: " حدثني بأرجى
عمل عملته في الاسلام، فإني قد سمعت الليلة خشفة نعليك بين
يدي في الجنة " قال: ما عملت عملا أرجى من أني لم أتطهر
طهورا تاما في ساعة من ليل ولانهار إلا صليت لربي ما كتب
لي أن أصلي (2).
حسين بن واقد: حدثنا ابن بريدة، سمعت أبي يقول: أصبح رسول
الله صلى الله عليه وسلم، فدعا بلالا، فقال: " بم سبقتني
إلى الجنة ؟ ما دخلت الجنة قط إلا سمعت خشخشتك أمامي، إني
دخلت الجنة البارحة، فسمعت خشخشتك أمامي، وأتيت على قصر من
ذهب، فقلت: لمن هذا ؟ قالوا: لعمر " فقال بلال: ما أذنت قط
إلا صليت ركعتين، وما أصابني حدث إلا توضأت، ورأيت أن لله
علي ركعتين أركعهما، فقال: " بها (3) "
__________
(1) إسناده حسن.
وأخرجه أبو نعيم في " الحلية " 1 / 149 من طريق: عثمان بن
أبي شيبة، وأبي بكر بن أبي شيبة، عن ابن أبي بكير، عن
زائدة، عن عاصم، عن زر، عن عبد الله...، وأخرجه ابن سعد 3
/ 1 / 166، وابن عبد البر في " الاستيعاب " 3 / 48 من
طريق: جرير بن عبد الحميد، عن منصور، عن مجاهد قال...،
بأطول مما هنا، وهذا سند صحيح لكنه مرسل، صححه الحاكم 3 /
248 ووافقه الذهبي.
وانظر " الاصابة " 12 / 316.
(2) أخرجه البخاري (1149) في التهجد: باب فضل الطهور
بالليل والنهار.
ومسلم (2428) في الفضائل: باب فضائل بلال.
والخشفة: الحركة وزنا ومعنى.
وقال أبو عبيد: الخشفة: الصوت ليس بالشديد.
(3) أخرجه أحمد 5 / 354، 360، والترمذي (3690) في المناقب:
باب قصر عظيم لعمر في الجنة.
والطبراني (1012) في " الكبير "، وأبو نعيم في " الحلية "
1 / 150 وصححه الحاكم 3 / 285 ووافقه الذهبي.
انظر ما قبله.
(*)
(1/348)
حماد بن سلمة: عن ثابت، عن أنس مرفوعا: دخلت الجنة، فسمعت
خشفة فقلت: ما هذه ؟ قيل: بلال (1).
عمارة بن زاذان: عن ثابت، عن أنس أن النبي، صلى الله عليه
وسلم، قال: السباق أربعة: أنا سابق العرب، وسلمان سابق
الفرس، وبلال سابق الحبشة، وصهيب سابق الروم (2).
المسعودي: عن القاسم بن عبد الرحمن، قال: أول من أذن بلال
(3).
ابن المنكدر: عن جابر، قال عمر: أبو بكر سيدنا أعتق بلالا
سيدنا (4).
عمر بن حمزة: عن سالم: أن شاعرا مدح بلال بن عبد الله بن
عمر، فقال: وبلال عبد الله خير بلال فقال ابن عمر: كذبت،
بل وبلال رسول الله خير بلال.
__________
(1) أخرجه أحمد 3 / 179، 263 من طرق عن حميد عن أنس..،
وأخرجه أحمد 3 / 372، 390، وأبو نعيم 1 / 150 من طريق عبد
العزيز والبخاري (3679) في فضائل الصحابة: باب مناقب عمر
بن الخطاب، و (5226) و (7024) كلهم من طريق محمد بن
المنكدر، عن جابر بن عبد الله، قال: قال النبي، صلى الله
عليه وسلم: " رأيتني دخلت الجنة.
فإذا أنا بالرميصاء امرأة أبي طلحة.
وسمعت خشفة، فقلت: من هذا ؟ فقال: هذا بلال، ورأيت قصرا
بفنائه جارية، فقلت: لمن هذا ؟ فقال لعمر.
فأردت أن أدخله فانظر إليه، فذكرت غيرتك.
فقال عمر: أعليك أغار " ؟.
وانظر ما قبله أيضا.
(2) إسناده ضعيف لسوء حفظ عمارة بن زاذان.
وأخرجه أبو نعيم في " الحلية " 1 / 149 و 185، والحاكم 3 /
285، وقال: تفرد به عمارة بن زاذان، وأقره الذهبي.
(3) أخرجه ابن سعد 3 / 1 / 167.
(4) أخرجه البخاري (3754) في المناقب: باب مناقب بلال،
وابن سعد 3 / 1 / 166 وأبو نعيم في " الحلية " 1 / 147،
وصححه الحاكم 3 / 284 ووافقه الذهبي، وهو في الطبراني
(1015).
(*)
(1/349)
وفي حديث عمرو بن عبسة (1): فقلت من اتبعك، قال: " حر وعبد
".
فإذا معه أبو بكر وبلال (2).
وفي كنية بلال ثلاثة أقوال: أبو عبد الكريم، وأبو عبد
الله، وأبو عمرو، نقلها الحافظ أبو القاسم.
__________
(1) عبسة تحرفت في المطبوع إلى عنبسة ".
(2) هو قطعة من حديث أخرجه مسلم (832) في صلاة المسافرين:
باب إسلام عمرو بن عبسة، عن أبي أمامة قال: قال عمرو بن
عبسة السلمي: " كنت، وأنا في الجاهلية، أظن أن الناس على
ضلالة، وأنهم ليسوا علي شئ وهم يعبدون الاوثان.
فسمعت برجل، بمكة، يخبر أخبارا، فقعدت على راحلتي فقدمت
عليه.
فإذا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، مستخفيا، جزءاء عليه
قومه، فتلطفت حتى دخلت عليه بمكة.
فقلت له: ما أنت ؟ قال: أنا نبي.
فقلت: وما نبي ؟ قال: أرسلني الله.
فقلت: وبأي شئ أرسلك ؟ قال: أرسلني بصلة الارحام، وكسر
الاوثان، وأن يوحد الله لا يشرك به شئ.
قلت له: فمن معك على هذا ؟ قال: حر وعبد (وقال: ومعه يومئذ
أبو بكر وبلال ممن آمن به).
فقلت: إني متبعك.
قال: إنك لا تستطيع ذلك يومك هذا، ألا ترى حالي وحال الناس
؟
ولكن ارجع إلى أهلك، فإذا سمعت بي قد ظهرت، فائتني.
قال: فذهبت إلى أهلي.
وقدم رسول الله، صلى الله عليه وسلم، المدينة، وكنت في
أهلي: فجعلت أتخبر الاخبار، وأسأل الناس حين قدم المدينة،
حتى قدم علي نفر من أهل يثرب، من أهل المدينة.
فقلت: ما فعل هذا الرجل الذي قدم المدينة ؟ فقالوا: الناس
إليه سراع، وقد أراد قومه قتله فلم يستطيعوا ذلك.
فقدمت المدينة، فدخلت عليه، فقلت: يا رسول الله أتعرفني ؟
قال: نعم أنت الذي لقيتني بمكة.
قال: فقلت: بلي.
فقلت: يا نبي الله، أخبرني عما علمك الله، وأجهله ؟ أخبرني
عن الصلاة ؟ قال: صل صلاة الصبح.
ثم أقصر عن الصلاة حتى تطلع الشمس، حتى ترتفع، فإنها تطلع،
حين تطلع، بين قرني شيطان.
حينئذ يسجد لها الكفار.
ثم صل فإن الصلاة مشهودة محضورة، حتى يستقل الضل بالرمح،
ثم أقصر عن الصلاة، فإن حينئذ تسجر جهنم.
فإذا أقبل الفئ فصل فإن الصلاة مشهودة محضورة حتى تصلي
العصر، ثم أقصر عن الصلاة حتى تغرب الشمس.
فإنها تغرب بين قرني شيطان وحينئذ يسجد لها الكفار.
قال: فقلت يا نبي الله: فالوضوء ؟ حدثني عنه.
قال: ما منكم رجل يقرب وضوءه فيتمضمض ويستنشق فينتثر إلا
خرت خطايا وجهه وفيه وخياشيمه.
ثم إذا غسل وجهه كما أمره الله إلا خرت خطايا وجهه من
أطراف لحيته مع الماء.
ثم يغسل يديه إلى المرفقين إلا خرت خطايا يديه من أنامله
مع الماء.
ثم يمسح رأسه إلا خرت خطايا رأسه من أطراف شعره مع الماء.
ثم يغسل قدميه إلى الكعبين إلا خرت خطايا رجليه من أنامله
مع الماء.
فإن قام فصلى، فحمد الله، وأثنى عليه، ومجده بالذي هو له
أهل، وفرغ قلبه لله إلا انصرف من خطيئته كهيئته يوم ولدته
أمه ".
وجرءاء مفردها جرئ.
والجرأة: الاقدام والتسلط.
وأتخبر الاخبار: أسألها.
ومشهودة: أي تشهدها = (*)
(1/350)
وقال: حدث عنه أبو بكر، وعمر، وأسامة بن زيد، وابن عمر،
وكعب بن عجرة، والصنابحي، والاسود، وأبو إدريس الخولاني،
وسعيد بن المسيب، وابن أبي ليلى، والحكم بن مينا، وأبو
عثمان النهدي.
قال أيوب بن سيار أحد التلفى، عن محمد بن المنكدر، عن
جابر، عن
أبي بكر، عن بلال، قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: "
أصبحوا بالصبح، فإنه أعظم للاجر " (1).
وقال محمد بن سعد: بلال بن عبد الله من مولدي السراة، كانت
أمه حمامة لبني جمح (2).
وقال البخاري: بلال، أخو خالد وغفرة (3)، مؤذن النبي، صلى
الله عليه وسلم، مات بالشام، وذكر الكنى الثلاثة.
__________
= الملائكة.
ومحضورة: أي يحضرها أهل الطاعات.
ويستقل الظل بالرمح: أي في حالة الاستواء حيث لا يميل الظل
لا إلى المشرق ولا إلى المغرب.
(1) أيوب: تركة النسائي، وقال يحيى: كذاب، وأخرجه الطبراني
(1016) في " الكبير " وذكره الهيثمي في " المجمع " 1 / 315
ونسبه إلى البزار، وقال: حديث غريب، وأيوب متروك.
لكن الحديث صحيح من طريق آخر.
فقد أخرجه أحمد 3 / 465 و 4 / 140، 142، 143، وأبو داود
(424) في الصلاة: باب وقت الصبح، والترمذي (154) في
الصلاة: باب ما جاء في الاسفار بالفجر، والنسائي 1 / 272
في الصلاة: باب الاسفار، وابن ماجه (672) في الصلاة: باب
وقت صلاة الفجر، والطحاوي 1 / 105، والبيهقي 1 / 277 كلهم
من طريق عاصم بن عمر بن قتادة، عن محمود بن لبيد، عن رافع
بن خديج، قال...، وهذا سند صحيح.
وقال الترمذي: حديث حسن صحيح، وصححه ابن حبان (262) (263)
وغير واحد من العلماء.
ومعنى الحديث كما قال الطحاوي: أن يدخل في الفجر وقت
التغليس ويطول القراءة، حتى ينصرف عنها مسفرا.
وقال: وهذا قول أبي حنيفة، وأبي يوسف، والحسن.
وانظر " إعلام الموقعين ".
(2) في " الطبقات " لابن سعد 3 / 1 / 165.
(3) كذا في الاصل.
وفي أسد الغابة، والاصابة " غفيرة " وكذلك هي في " التاريخ
الصغير " للبخاري 1 / 53.
(*)
(1/351)
قال عطاء الخراساني: كنت عند ابن المسيب فذكر بلالا، فقال:
كان شحيحا على دينه، وكان يعذب في الله، فلقي النبي، صلى
الله عليه وسلم، فقال: لو كان عندنا شئ، ابتعنا بلالا،
فلقي أبو بكر العباس، فقال اشتر لي بلالا، فاشتراه العباس،
وبعث به إلى أبي بكر، فأعتقه (1).
محمد بن خالد الطحان: أنبأنا أبي، عن داود، عن الشعبي قال:
كان موالي بلال يضجعونه على بطنه، ويعصرونه، ويقولون: دينك
اللات والعزى، فيقول: ربي الله أحد أحد، ولو أعلم كلمة
أحفظ لكم منها لقلتها ! فمر أبو بكر بهم، فقالوا: اشتر
أخاك في دينك، فاشتراه بأربعين أوقية، فأعتقه، فقالوا: لو
أبي إلا أوقية لبعناه، فقال: وأقسم بالله لو أبيتم إلا
بكذا وكذا - لشئ كثير - لا شتريته (2).
وفي السيرة أن أبا بكر اشتراه بعبد أسود مشرك من أمية بن
خلف (3).
هشام بن عروة: عن أبيه قال: مر ورقة بن نوفل ببلال، وهو
يعذب على الاسلام، يلصق ظهره بالرمضاء، وهو يقول: أحد أحد،
فقال: يا بلال صبرا، والذي نفسي بيده لئن قتلتموه لاتخذنه
حنانا (4).
هذا مرسل.
ولم يعش ورقة إلى ذلك الوقت.
هشام: عن ابن سيرين أن بلالا لما ظهر مواليه على إسلامه
مطوه في
__________
(1) أخرجه ابن عبد البر في " الاستيعاب " 2 / 32 من طريق:
عبد الرزاق، عن معمر عن عطاء، وهو في " أسد الغابة " 1 /
243.
(2) محمد بن خالد الطحان ضعيف.
(3) ابن هشام 1 / 318.
(4) ابن هشام 1 / 318، و " الحلية " 1 / 148، و " أسد
الغابة " 1 / 243.
(*)
(1/352)
الشمس، وعذبوه، وجعلوا يقولون: إلهك اللات والعزى، وهو
يقول: أحد أحد.
قبلغ أبا بكر، فأتاهم، فقال: علام تقتلونه ؟ فإنه غير
مطيعكم، قالوا: اشتره.
فاشتراه بسبع أواق، فأعتقه (1).
وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: الشركة يا أبا بكر،
قال: قد أعتقته (2) ابن عيينة: عن إسماعيل، عن قيس قال:
اشترى أبو بكر بلالا وهو مدفون في الحجارة بخمس أواق ذهبا،
فقالوا: لو أبيت إلا أوقية لبعناكه، قال: لو أبيتم إلا مئة
أوقية لاخذته (3).
إسناده قوي.
إسرائيل (4): عن المقدام بن شريح، عن أبيه، عن سعد، قال:
كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ستة نفر، فقال
المشركون: اطرد هؤلاء عنك فلا يجترؤون علينا، وكنت أنا
وابن مسعود وبلال ورجل من هذيل وآخران، فأنزل الله (ولا
تطرد الذين يدعون ربهم) الآيتين [ الانعام: 52، 53 ] (5).
__________
(1) ابن سعد 3 / 1 / 165، ومط الشئ يمطه مطأ إذا مده.
وقد تحرفت " مطوه " في المطبوع إلى " حطوه ".
(2) أخرجه ابن سعد 3 / 1 / 165 من طريق: عارم بن الفضل، عن
حماد بن زيد، عن أيوب، عن محمد بن سيرين.
ورجاله ثقات لكنه منقطع.
(3) أخرجه أبو نعيم في " حلية الاولياء " 1 / 150.
(4) تحرفت في المطبوع إلى " إسماعيل ".
وإسرائيل هو ابن يونس بن أبي إسحاق السبيعي، الهمداني،
الثقة.
(5) أخرجه مسلم (2413) (46) في فضائل الصحابة: باب فضائل
سعد بن أبي وقاص.
والطبري (13263) في التفسير، وابن ماجه (4128) في الزهد:
باب مجالسة الفقراء، من طريق: قيس بن الربيع عن المقدام بن
شريح به.
وذكره السيوطي في " الدر المنثور " 3 / 13 ونسبه إلى أحمد
والفريابي، وعبد بن حميد، والنسائي، وابن المنذر، وابن أبي
حاتم، وابن حبان، وأبي
الشيخ، وابن مردويه، والبيهقي في دلائل النبوة، والحاكم،
وأبي نعيم.
(*)
(1/353)
ابن علية: عن يونس عن الحسن قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: " بلال سابق الحبشة " (1).
قالت عائشة: لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة،
وعك أبو بكر وبلال، فكان أبو بكر إذا أخذته الحمى يقول: كل
امرئ مصبح في أهله * والموت أدنى من شراك نعله وكان بلال
إذا أقلع عنه يرفع عقيرته ويقول: ألا ليت شعري هل أبيتن
ليلة * بواد وحلي إذخر وجليل وهل أردن يوما مياه مجنة *
وهل يبدون لي شامة وطفيل اللهم العن عتبة، وشيبة، وأمية بن
خلف، كما أخرجانا من أرضنا إلى أرض الوباء (2).
الحسن بن صالح: عن أبي ربيعة، عن الحسن، عن أنس قال: قال
رسول
__________
(1) أخرجه ابن سعد 3 / 1 / 59 وهو منقطع.
وقد تقدم من طريق آخر قبل قليل.
(2) أخرجه البخاري (1889) في فضائل المدينة: باب (12)،
(3926) في مناقب الانصار: باب مقدم النبي، صلى الله عليه
وسلم، وأصحابه المدينة، و (5654) في المرضى: باب عيادة
الرجال النساء، و (5677) فيه: باب من دعا برفع الوباء
والحمى.
وأحمد 6 / 260، وابن سعد 3 / 1 / 165 كلهم من طريق: هشام،
عن أبيه، عن عائشة...وتمامه، ثم قال رسول الله، صلى الله
عليه وسلم،: " اللهم حبب إلينا المدينة كحبنا مكة أو أشد،
اللهم بارك لنا في صاعنا، وفي مدنا، وصححها لنا.
وانقل حماها إلى الجفحة " قالت: وقدمت المدينة وهي أوبأ
أرض الله.
قالت: وكان بطحان يجري نجلا - تعني: ماء آجنا ".
ووعك: بضم أوله، أصابه الوعك وهو الحمى.
ومصبح: بوزن محمد: أي مصاب بالموت صباحا.
شراك نعله: اليسر الذي يكون في وجه النعل.
ويرفع عقيرته: أي يرفع صوته بغناء
أو بكاء.
ومجنة: موضع على أميال من مكة وكان به سوق.
شامة وطفيل: جبلان بقرب مكة.
وقال الخطابي: كنت أحسبهما جبلين حتى ثبت عندي أنهما
عينان.
وقد تحرفت في المطبوع " عنه " في قوله " أقلع عنه " إلى "
عن مجنة ".
والابيات في " معجم البلدان " 3 / 315 وفيه: " بفخ " بدل "
بواد ".
(*)
(1/354)
الله صلى الله عليه وسلم: " اشتاقت الجنة إلى ثلاثة: علي،
وعمار، وبلال " (1).
أبو ربيعة عمر بن ربيعة الايادي ضعيف.
حسام بن مصك (2): عن قتادة، عن القاسم بن ربيعة، عن زيد بن
أرقم يرفعه: " نعم المرء بلال سيد المؤذنين يوم القيامة،
والمؤذنون أطول الناس أعناقا يوم القيامة " (3).
وله طرق أخر ضعيفة.
ويروى بإسناده واه من مراسيل كثير بن مرة: " يؤتى (4) بلال
بناقة من نوق الجنة فيركبها ".
ابن المبارك، عن عبد الرحمن بن يزيد (5) بن جابر، قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: " سادة السودان: لقمان والنجاشي
وبلال ومهجع " (6).
__________
(1) أخرجه الترمذي (3798) في المناقب: باب مناقب سلمان،
وقال: هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث الحسن بن
صالح، وصححه الحاكم 3 / 137 ووافقه الذهبي.
وفيهما " سلمان " بدل " بلال " وأبو نعيم في " الحلية " 1
/ 190 وفيه رابع لهم وهو المقداد.
وذكره الهيثمي في " المجمع " 9 / 344 وقال: رواه الطبراني
ورجاله رجال الصحيح، غير أبي ربيعة الايادي.
وقد حسن الترمذي حديثه.
وانظر " المجمع " أيضا 9 / 307.
(2) حسام بن مصك قال الحافظ في " التقريب ": ضعيف يكاد أن
يترك وقد تحرفت " مصك " في المطبوع إلى " معيك ".
(3) إسناده ضعيف لضعف حسام بن مصك، وأخرجه أبو نعيم في "
الحلية " 1 / 147.
وصححه الحاكم 3 / 285 وقال: تفرد به حسام.
ونسبه صاحب الكنز (33164) إلى ابن عدي، والطبراني.
لكن قوله: " المؤذنون أطول الناس أعناقا " صحيح بشاهده عند
مسلم (387) في الصلاة: باب فضل الاذان، من حديث معاوية.
(4) تحرفت في المطبوع إلى " تولى ".
(5) تحرفت في المطبوع إلى " زيد " وهو عبد الرحمن بن يزيد
بن جابر الازدي، الداراني، (6) إسناده ضعيف لارساله،
وأخرجه الحاكم 3 / 284 من طريق آخر عن واثلة بن الاسقع
بلفظ: " خير السودان ثلاثة: لقمان وبلال ومهجع مولى رسول
الله صلى الله عليه وسلم " ومهجع لا يعرف في موالي النبي
صلى الله عليه وسلم، وليس هو من السودان، وإنما هو عربي من
عك، أصابه سباء، فمن عليه عمر، فأعتقه.
انظر " الاصابة " 9 / 297.
(*)
(1/355)
رواه معاوية بن صالح، عن الاوزاعي معضلا (1).
هشام بن عروة عن أبيه قال: أمر رسول الله صلى الله عليه
وسلم بلالا وقت الفتح، فأذن فوق الكعبة (2).
وقال ابن سعد: حدثنا إسماعيل بن أبي أويس، حدثنا عبد
الرحمن بن سعد بن عمار المؤذن، حدثني ابن عمي عبد الله (3)
بن محمد، وعمار بن حفص، وأخوه عمر، عن آبائهم، عن أجدادهم:
أن النجاشي بعث بثلاث عنزات إلى رسول الله صلى الله عليه
وسلم، فأعطى عليا واحدة، وعمر واحدة، وأمسك واحدة، فكان
بلال يمشي بها بين يديه في العيدين حتى يأتي المصلى،
فيركزها بين يديه، فيصلي إليها، ثم كان يمشي بها بين يدي
أبي بكر، ثم كان سعد القرظ يمشي بها بين يدي عمر وعثمان.
قالوا: ولما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، جاء بلال
يريد الجهاد (4) [ إلى أبي بكر الصديق، فقال له: يا خليفة
رسول الله ! إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو
يقول: " أفضل عمل المؤمن الجهاد في سبيل الله ".
فقال أبو بكر: فما تشاء يا بلال ؟
قال: أردت أن أرابط في سبيل الله حتى أموت ].
قال أبو بكر: أنشدك بالله يا بلال ! وحرمتي وحقي، فقد
كبرت، وضعفت، واقترب أجلي، فأقام معه حتى توفي، ثم أتى
عمر، فرد عليه، فأبى بلال،
__________
(1) الحديث المعضل هو الذي سقط من إسناده اثنان على
التوالي، وهو من أقسام الضعيف لا نقطاعه.
(2) مرسل.
وأخرجه ابن سعد 3 / 1 / 167 من طريق: عارم بن الفضل، عن
حماد بن زيد، عن أيوب، عن ابن أبي مليكة وغيره.
ورجاله ثقات لكنه مرسل أيضا.
وانظر ابن هشام 2 / 413.
(3) تحرفت في المطبوع إلى " عبد الرحمن ".
(4) سقط من المطبوع " يريد الجهاد ".
(*)
(1/356)
فقال: إلى من ترى [ أن أجعل ] النداء ؟ قال: إلى سعد فقد
أذن لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فجعله عمر إلى سعد
وعقبه (1).
حماد بن سلمة: عن علي بن زيد، عن سعيد بن المسيب، أن أبا
بكر لما قعد على المنبر يوم الجمعة، قال له بلال: أعتقتني
لله أو لنفسك ؟ [ قال: لله ] قال: فائذن لي في الغزو.
فأذن له.
فذهب إلى الشام، فمات ثم (2).
محمد بن نصر المروزي: حدثنا أحمد بن عبد الرحمن القرشي،
حدثنا الوليد بن مسلم، أخبرني سعيد بن عبد العزيز، وابن
جابر وغيرهما أن بلالالم يؤذن لاحد بعد رسول الله صلى الله
عليه وسلم، وأراد الجهاد، فأراد أبو بكر منعه، فقال: إن
كنت أعتقتني لله، فخل سبيلي.
قال: فكان بالشام حتى قدم عنمر الجابية، فسأل المسلمون عمر
أن يسأل لهم بلالا يؤذن لهم، فسأله، فأذن يوما، فلم ير
يوما كان أكثر باكيا من يومئذ، ذكرا منهم للنبي، صلى الله
عليه وسلم.
قال الوليد: فنحن نرى أن أذان أهل الشام عن أذانه يومئذ
(3).
هشام بن سعد: عن زيد بن أسلم، عن أبيه، قال: قدمنا الشام
مع عمر، فأذن بلال، فذكر الناس النبي، صلى الله عليه وسلم،
فلم أر يوما أكثر باكيا منه.
أبو أحمد الحاكم (4): أنبأنا محمد بن الفيض بدمشق، حدثنا
أبو إسحاق
__________
(1) أخرجه ابن سعد 3 / 1 / 168 والطبراني (1013)، وأخرجه
الطبراني مختصرا أيضا (1076).
وذكر بعضه الهيثمي في " المجمع " 5 / 274 وقال: رواه
الطبراني وفيه عبد الرحمن بن سعد، وهو ضعيف.
(2) سنده منقطع، وعلي بن زيد ضعيف.
وأخرجه ابن سعد 3 / 1 / 169.
(3) رجاله ثقات لكنه منقطع.
(4) هو محدث خراسان، الامام الحافظ محمد بن محمد بن أحمد
بن إسحاق، النيسابوري الكرابيسي.
مؤلف كتاب " الكنى " وصفه تلميذه الحاكم صاحب " المستدرك "
بقوله: هو إمام عصره في هذه الصنعة، كثير التصنيف، مقدم في
معرفة شوارد الصحيح، والاسامي والكنى، توفي سنة 378 ه.
انظر " تذكرة الحفاظ " 3 / 976 - 977.
(*)
(1/357)
إبراهيم بن محمد بن سليمان بن أبي الدرداء، حدثني أبي عن
جدي سليمان، عن أم الدرداء، عن أبي الدرداء قال: لما دخل
عمر الشام، سأل بلال أن يقره به، ففعل، قال: وأخي أبو
رويحة الذي آخى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بيني
وبينه، فنزل بداريا في خولان، فأقبل هو وأخوه إلى قوم من
خولان، فقالوا: إنا قد أتيناكم خاطبين، وقد كنا كافرين
فهدانا الله، ومملوكين فأعتقنا الله، وفقيرين، فأغنانا
الله، فإن تزوجونا، فالحمد لله، وإن تردونا، فلا حول ولا
قوة إلا بالله.
فزوجوهما.
ثم إن بلالا رأى النبي، صلى الله عليه وسلم، في منامه وهو
يقول: ما هذه الجفوة يا بلال ؟ أما آن لك أن تزورني.
فانتبه حزينا، وركب راحلته، وقصد المدينة، فأتى قبر
النبي، صلى الله عليه وسلم، فجعل يبكي عنده، ويمرغ وجهه
عليه، فأقبل الحسن والحسين، فجعل يضمهما ويقبلهما، فقالا
له: يا بلال ! نشتهي أن نسمع أذانك.
ففعل، وعلا السطح، ووقف، فلما أن قال: الله أكبر، الله
أكبر ارتجت المدينة، فلما أن قال: أشهد أن لا إله إلا
الله، ازداد رجتها، فلما قال: أشهد أن محمدا رسول الله،
خرجت العواتق من خدورهن، وقالوا: بعث رسول الله، فما رؤي
يوم أكثر باكيا ولا باكية بالمدينة بعد رسول الله، صلى
الله عليه وسلم، من ذلك اليوم (1).
إسناده لين وهو منكر.
قتيبة: حدثنا الليث، عن يحيى بن سعيد (2) قال: ذكر عمر فضل
أبي بكر،
__________
(1) أورده بطوله ابن الاثير في " أسد الغابة " 1 / 244 -
245 بغير سند.
(2) في الاصل " سعد " وما اثبتناه هو الصواب.
وهو يحيى بن سعيد بن قيس بن عمرو الانصاري، النجاري، أبو
سعيد القاضي.
(*)
(1/358)
فجعل (1) يصف مناقبه، ثم قال: وهذا سيدنا بلال حسنة من
حسناته.
أبو هشام الرفاعي: حدثنا ابن فضيل، حدثنا إسماعيل، عن قيس،
قال: بلغ بلالا أن ناسا يفضلونه على أبي بكر، فقال: كيف
يفضلوني عليه وإنما أنا حسنة من حسناته.
الواقدي: حدثنا سعيد بن عبد العزيز، عن مكحول قال: حدثني
من رأى بلالا رجلا آدم، شديد الادمة، نحيفا، طوالا، أجنا
(2)، له شعر كثير، وخفيف العارضين، به شمط كثير، وكان لا
يغير (3).
وقيل: كان بلال ترب أبي بكر.
قال سعيد بن عبد العزيز: لما احتضر بلال قال: غدا نلقى
الاحبة محمدا
وحزبه، قال: تقول امرأته: واويلاه ! فقال: وافرحاه !.
قال محمد بن (4) إبراهيم التيمي، وابن إسحاق، وأبو عمر
الضرير، وجماعة: توفي بلال سنة عشرين بدمشق.
قال الواقدي: ودفن بباب الصغير وهو ابن بضع وستين سنة.
وقال علي بن عبد الله التميمي: دفن بباب كيسان (5).
وقال ابن زيد: حمل من داريا، فدفن بباب كيسان.
وقيل: مات سنة
__________
(1) سقطت لفظة " فجعل " من المطبوع.
(2) أجنأ: أحدب الظهر.
(3) في سنده جهالة، والواقدي متروك.
وأخرجه ابن سعد 3 / 1 / 170 (4) سقطت لفظة " بن " من
المطبوع.
(5) منسوب إلى كيسان مولى معاوية.
وهو بالقرب من الباب الشرقي، وانظر " تاريخ دمشق " لابن
عساكر 1 / 185.
(*)
(1/359)
إحدى وعشرين.
وقال مروان بن محمد الطاطري: مات بلال في داريا وحمل فقبر
في باب الصغير.
وقال عبد الجبار بن محمد في " تاريخ داريا ": سمعت جماعة
من خولان يقولون: إن قبره بداريا، بمقبرة خولان.
وأما عثمان بن خرزاذ (1) فقال: حدثنا محمد بن أبي أسامة
الحلبي، حدثنا أبو سعد الانصاري عن علي بن عبد الرحمن: قال
مات بلال بحلب، ودفن بباب الاربعين.
جاء عنه أربعة وأربعون حديثا، منها في " الصحيحين " أربعة،
المتفق عليها
واحد.
وانفرد البخاري بحديثين ومسلم بحديث موقوف.
77 - ابن أم مكتوم *
مختلف في اسمه، فأهل المدينة يقولون: عبد الله بن قيس بن
زائدة بن الاصم بن رواحة القرشي العامري.
وأما أهل العراق، فسموه عمرا.
وأمه أم مكتوم: هي عاتكة بنت عبد الله بن عنكثة بن عامر بن
مخزوم بن يقظة المخزومية.
من السابقين المهاجرين.
وكان ضريرا مؤذنا لرسول الله، صلى الله عليه وسلم مع بلال،
وسعد القرظ، وأبي محذورة،
__________
(1) هو عثمان بن عبد الله، بن محمد بن خرزاذ بضم الخاء
وتشديد الراء بعدهما زاي.
ثقة، مات سنة 281 ه وقد تحرفت في المطبوع إلى " جرزاد ".
(*) طبقات ابن سعد: 4 / 1 / 150، المعارف: 290، مشاهير
علماء الامصار: ت: 53، حلية الاولياء: 2 / 4، الاستيعاب: 7
/ 41، تهذيب الاسماء واللغات: 2 / 295 - 296، العبر: 1 /
19، الاصابة: 7 / 83، شذرات الذهب، 1 / 28، أسد الغابة 4 /
263، الاصابة ت (5764).
(*)
(1/360)
مؤذن مكة.
هاجر بعد وقعة بدر بيسير، قاله ابن سعد، وقد كان النبي،
صلى الله عليه وسلم يحترمه، ويستخلفه على المدينة، فيصلي
ببقايا الناس.
قال الشعبي: استخلف النبي صلى الله عليه وسلم عمرو بن أم
مكتوم يوم الناس، وكان ضريرا (1) وذلك في غزوة تبوك.
كذا قال، والمحفوظ أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما
استعمل على المدينة عامئذ علي بن أبي طالب (2).
وقال قتادة: استخلف النبي، صلى الله عليه وسلم، ابن أم
مكتوم مرتين على المدينة وكان أعمى (3).
وروى مجالد (4)، عن الشعبي أن النبي صلى الله عليه وسلم
استخلف ابن أم مكتوم على
المدينة في غزوة بدر (5).
فهذا يبطل ما تقدم، ويبطله أيضا حديث أبي إسحاق عن البراء
قال: أول من قدم علينا مصعب بن عمير، ثم أتانا بعده عمرو
بن أم مكتوم، فقالوا له: ما فعل من وراءك ؟ قال: هم أولاء
على أثري (6).
شعبة: عن أبي إسحاق، سمع البراء يقول: أول من قدم علينا
مصعب بن عمير، وابن أم مكتوم، فجعلا يقرئان الناس القرآن
(7).
__________
(1) أخرجه ابن سعد 4 / 1 / 51.
(2) يشير إلى الحديث الذي أخرجه البخاري (4416) في
المغازي، باب: غزوة تبوك، من حديث مصعب بن سعد عن أبيه "
أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، خرج إلى تبوك واستخلف
عليا.
قال: أتخلفني في الصبيان والنساء ؟ قال: ألا ترضى أن تكون
مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه لا نبي بعدي ".
(3) أخرجه هكذا مرسلا ابن سعد 4 / 1 / 151 ووصله أحمد 3 /
132، 192 وأبو داود (595) في الصلاة: باب إمامة الاعمى و
(2931) في الخراج والامارة: باب في الضرير يولى، كلاهما من
طريق ابن مهدي عن عمران القطان، عن قتادة، عن أنس.
(4) هو مجالد بن سعيد بن عمير الهمداني.
ليس بالقوي، وقد تغير بأخرة، وقد تصحف في المطبوع إلى "
مجاهد ".
(5) أخرجه ابن سعد 4 / 1 / 151.
(6) أخرجه ابن سعد 4 / 1 / 151.
(7) أخرجه ابن سعد 4 / 1 / 151، والحاكم 3 / 634 ورجاله
ثقات.
(*)
(1/361)
حماد بن سلمة: حدثنا أبو ظلال، قال: كنت عند أنس، قال: متى
ذهبت عينك ؟ قلت: وأنا صغير.
فقال: إن جبريل أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده
ابن أم مكتوم، فقال: متى ذهب بصرك ؟ قال: وأنا غلام، فقال:
قال الله تعالى:
" إذا أخذت كريمة عبدي لم أجد له جزاء إلا الجنة " (1).
قالت عائشة: كان ابن أم مكتوم مؤذنا لرسول الله صلى الله
عليه وسلم وهو أعمى (2).
وروى حجاج بن أرطاة، عن شيخ عن بعض مؤذني رسول الله صلى
الله عليه وسلم، قال: كان بلال يؤذن، ويقيم ابن أم مكتوم،
وربما أذن ابن أم مكتوم، وأقام بلال (3).
إسناده واه.
وقال ابن عمر: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن
بلالا يؤذن بليل، فكلوا واشربوا حتى ينادي ابن أم مكتوم "
وكان أعمى لا ينادي حتى يقال له: أصبحت أصبحت (4).
قال عروة: كان النبي، صلى الله عليه وسلم، مع رجال من قريش
منهم عتبة بن ربيعة، فجاء ابن أم مكتوم يسأل عن شئ، فأعرض
عنه، فأنزلت (عبس وتولى أن
__________
(1) أخرجه ابن سعد 4 / 1 / 151، والترمذي (2402) في الزهد:
باب ما جاء في ذهاب البصر.
وحسنه مع أن أبا ظلال، واسمه هلال بن أبي هلال، ضعيف، لكن
أخرجه البخاري 10 / 100 في المرضى: باب فضل من ذهب بصره،
من طريق، عبد الله بن يوسف، عن الليث، عن ابن الهاد، عن
عمر مولى المطلب، عن أنس قال: سمعت النبي، صلى الله عليه
وسلم، يقول: " إن الله تعالى قال: إذا ابتليت عبدي
بحبيبتيه فصبر عوضته منهما الجنة " وفي الباب عن أبي أمامة
عند أحمد 5 / 258.
(2) أخرجه ابن سعد 4 / 1 / 152.
(3) أخرجه ابن سعد 4 / 1 / 152.
(4) أخرجه أحمد 2 / 123، والبخاري (617) في الاذان، باب:
أذان الاعمى إذا كان له من يخبره، و (620) فيه: باب الاذان
بعد الفجر، و (1918) و (2656) و (7248)، ومسلم (1092) في
الصيام: باب بيان أن الدخول في الصوم يحصل بطلوع الفجر،
وانظر ابن سعد 4 / 1 / 152.
(*)
(1/362)
جاءه الاعمى) (1) [ عبس: 1 ].
الواقدي: حدثني عبيدالله بن نوح، عن محمد بن سهل بن أبي
حثمة، قال: استخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم ابن أم
مكتوم على المدينة، فكان يجمع بهم، ويخطب إلى جنب المنبر
يجعله على يساره (2).
يونس بن أبي إسحاق، عن أبيه عن عبد الله بن معقل، قال: نزل
ابن أم مكتوم على يهودية بالمدينة كانت ترفقه، وتؤذيه في
النبي، صلى الله عليه وسلم، فتناولها فضربها، فقتلها، فرفع
ذلك إلى النبي، صلى الله عليه وسلم، فقال هو: أما والله إن
كانت لترفقني، ولكن آذتني في الله ورسوله.
فقال النبي، صلى الله عليه وسلم: " أبعدها الله، قد أبطلت
دمها " (3).
أبو إسحاق: عن البراء قال: لما نزلت: (لا يستوي القاعدون)
دعا النبي صلى الله عليه وسلم زيدا، وأمره، فجاء بكتف
وكتبها، فجاء ابن أم مكتوم، فشكا ضرارته، فنزلت (غير أولي
الضرر) [ النساء: 95 ] (4).
__________
(1) هو في الطبقات 4 / 1 / 153 ورجاله ثقات، إلا أنه
منقطع.
وذكره السيوطي في الدر المنثور 6 / 314 عن عائشة، ونسبه
إلى ابن المنذر، وابن مردويه.
(2) إسناده ضعيف، لضعف الواقدي.
وأخرجه ابن سعد 4 / 1 / 153.
(3) رجاله ثقات.
وأخرجه أبو داود (4362) في الحدود من طريق جرير، عن
المغيرة، عن الشعبي، عن علي، رضي الله عنه، أن يهودية كانت
تشتم النبي، صلى الله عليه وسلم، وتقع فيه.
فخنقها رجل حتى ماتت، فأبطل رسول الله، صلى الله عليه
وسلم، دمها ".
ورجاله ثقات.
وانظر ما كتبه شيخ الاسلام ابن تيمية عن هذا الحديث في "
الصارم المسلول " ص: 60.
وأخرجه ابن سعد 4 / 1 / 154 من طريق قبيصة بن عقبة، عن
يونس بن أبي إسحاق، عن أبي إسحاق، عن عبد الله بن
معقل..ورجاله ثقات.
وقد سقطت لفظة " أبي " من المطبوع.
(4) أخرجه البخاري (4593) و (4594) والترمذي (3034) كلاهما
في التفسير.
وقوله: " غير " ضبط في الاصل بفتح الراء وهي قراءة نافع
وابن عامر والكسائي، وقرأ الباقون برفع الراء.
(*)
(1/363)
ثابت البناني: عن ابن أبي ليلى، أن ابن أم مكتوم قال: أي
رب ! أنزل عذري.
فأنزلت (غير أولي الضرر) فكان بعد يغزو ويقول: ادفعوا إلي
اللواء، فإني أعمى لا أستطيع أن أفر، وأقيموني بين الصفين
(1).
عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن أبيه، عن خارجة بن زيد، عن
أبيه، قال: كنت إلى جانب النبي: صلى الله عليه وسلم،
فغشيته السكينة، فوقعت فخذه على فخذي، فما وجدت شيئا أثقل
منها، ثم سري عنه، فقال لي: اكتب فكتبت في كتف (لا يستوي
القاعدون من المؤمنين والمجاهدون).
فقام عمرو بن أم مكتوم، فقال: فكيف بمن لا يستطيع، فما
انقضى كلامه حتى غشيت رسول الله صلى الله عليه وسلم
السكينة، ثم سري عنه، فقال: اكتب (غير أولي الضرر).
قال زيد: أنزلها الله وحدها، فكأني أنظر إلى ملحقها عند
صدع الكتف (2).
ابن أبي عروبة: عن قتادة، عن أنس: أن عبد الله بن أم مكتوم
يوم القادسية كانت معه راية سوداء، عليه درع له (3).
__________
(1) أخرجه ابن سعد 4 / 1 / 154 من طريق عفان بن مسلم، عن
حماد بن سلمة، عن ثابت، به.
(2) أخرجه ابن سعد 4 / 1 / 155 من طريق: سعيد بن منصور، عن
عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن أبيه، عن خارجة بن زيد، عن
زيد بن ثابت قال...، وأخرجه البخاري (4592) في التفسير:
باب لا يستوي القاعدون من المؤمنين والمجاهدون في سبيل
الله، والترمذي (3036) في التفسير: باب ومن سورة النساء
كلاهما من طريق: صالح بن كيسان، عن ابن شهاب، عن سهل بن
سعد، أنه رأى مروان بن الحكم في المسجد، فأقبلت حتى جلست
إلى جنبه، فأخبرنا أن زيد بن ثابت أخبره " أن رسول الله،
صلى الله عليه وسلم، أملى عليه (لا يستوي القاعدون من
المؤمنين والمجاهدون في سبيل الله) فجاءه ابن أم مكتوم،
وهي يملها علي، قال: يا رسول الله لو أستطيع الجهاد لجاهدت
- وكان
أعمى - فأنزل الله على رسوله، صلى الله عليه وسلم، وفخذه
على فخذي، فثقلت علي، حتى خفت أن ترض فخذي، ثم سري عنه.
فأنزل الله (غير أولي الضرر).
(3) أخرجه ابن سعد 4 / 1 / 155.
(*)
(1/364)
أبو هلال: عن قتادة، عن أنس: أن عبد الله بن زائدة وهو ابن
أم مكتوم، كان يقاتل يوم القادسية وعليه درع له حصينة
سابغة (1).
قال الواقدي: شهد القادسية معه الراية، ثم رجع إلى
المدينة، فمات بها، ولم نسمع له بذكر بعد عمر.
قلت: ويقال استشهد يوم القادسية.
حدث عنه عبد الرحمن بن أبي ليلى مرسل، وأبو رزين الاسدي
وغيرهما.
والقادسية ملحمة كبرى (2) تمت بالعراق، وعلى المسلمين سعد
بن أبي وقاص، وعلى المشركين رستم، وذو الحاجب، والجالينوس.
قال أبو وائل: كان المسلمون أزيد من سبعة آلاف، وكان العدو
أربعين وقيل: ستين ألفا معهم سبعون فيلا.
قال المدائني: اقتتلوا ثلاثة أيام في آخر شوال سنة خمس
عشرة، فقتل رستم وانهزموا.
__________
(1) أخرجه ابن سعد 4 / 1 / 154.
(2) القادسية: موضع في العراق غربي النجف بينها وبين
الكوفة خمسة عشر فرسخا، وهناك آراء في سبب تسميتها تراجع
في " معجم البلدان " 4 / 291 - 293.
وفيها حدثت المعركة الفاصلة التي قصمت ظهر فارس، وجعلتها
أثرا بعد عين، فلم تقم لها قائمة بعد هذه الوقعة المظفرة.
وفيها يقول بشر بن ربيعة: تذكر، هداك الله، وقع سيوفنا *
بباب قديس، والمكر ضرير
عشية ود القوم لو أن بعضهم * يعار جناحي طائر فيطير إذا
برزت منهم إلينا كتيبة * أتونا بأخرى كالجبال تمور
فضاربتهم حتى تفرق جمعهم * وطاعنت، إني بالطعان مهير وانظر
خبر هذه المعركة في " الطبري "، وابن الاثير في " كامله "،
و " البداية " لابن كثير و " تاريخ الاسلام " للمؤلف في
أحداث سنة (16) ه.
(*)
(1/365)
78 - خالد بن الوليد
* (خ، م، د، س، ق) ابن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن
مخزوم بن يقظة بن كعب.
سيف الله تعالى، وفارس الاسلام، وليث المشاهد، السيد
الامام الامير الكبير، قائد المجاهدين، أبو سليمان القرشي
المخزومي المكي، وابن أخت أم (1) المؤمنين ميمونة بنت
الحارث.
هاجر مسلما في صفر سنة ثمان، ثم سار غازيا، فشهد غزوة
مؤتة، واستشهد أمراء رسول الله صلى الله عليه وسلم
الثلاثة: مولاه زيد، وابن عمه جعفر ذو الجناحين، وابن
رواحة، وبقي الجيش بلا أمير، فتأمر عليهم في الحال خالد،
وأخذ الراية، وحمل على العدو، فكان النصر.
وسماه النبي صلى الله عليه وسلم، سيف الله، فقال: " إن
خالدا سيف سله الله على المشركين ".
وشهد الفتح وحنينا، وتأمر في أيام النبي صلى الله عليه
وسلم، واحتبس أدراعه ولامته في سبيل الله، وحارب أهل
الردة، ومسيلمة، وغزا العراق، واستظهر، ثم اخترق البرية
السماوية بحيث إنه قطع المفازة من حد العراق إلى أول الشام
في خمس ليال في عسكر معه، وشهد حروب الشام، ولم يبق في
جسده قيد شبر إلا وعليه
__________
(*) المسند لاحمد: 4 / 88، ابن هشام: 2 / 276 - 279، طبقات
ابن سعد: 4 / 2 / 1، 7 / 2 / 118، نسب قريش: 320 - 322،
طبقات خليفة: 19 - 20، 299، تاريخ خليفة:
86، 88، 92، 150، التاريخ الصغير: 1 / 23، 40، المعارف:
267، الجرح والتعديل: 3 / 356، مشاهير علماء الامصار: ت:
157، الاستيعاب: 3 / 163، ابن عساكر: 5 / 264 / 2، أسد
الغابة: 2 / 109، تهذيب الاسماء واللغات: 1 / 172 - 174،
تهذيب الكمال: 370، دول الاسلام: 1 / 16، العبر: 1 / 25،
ابن كثير: 7 / 113 - 118، مجمع الزوائد: 9 / 348 - 350،
العقد الثمين: 4 / 289 - 297، تهذيب التهذيب: 3 / 142،
الاصابة: 3 / 70، خلاصة تذهيب الكمال: 103، كنز العمال: 13
/ 366 - 375، شذرات الذهب: 1 / 232، تهذيب تاريخ ابن
عساكر: 5 / 95 - 117.
(1) تحرفت في المطبوع إلى " أمير ".
(*)
(1/366)
طابع الشهداء.
ومناقبه غزيرة، أمره الصديق على سائر أمراء الاجناد، وحاصر
دمشق فافتتحها هو، وأبو عبيدة.
عاش ستين سنة وقتل جماعة من الابطال، ومات على فراشه، فلا
قرت أعين الجبناء.
توفي بحمص (1) سنة إحدى وعشرين.
ومشهده على باب بحمص عليه جلالة.
__________
(1) لقد اضطربت كتب التراجم في تحديد مكان وفاة خالد بن
الوليد، رضي الله عنه، أكانت الوفاة بحمص أم بالمدينة.
ولعل تقليب النظر، وإمعانه في الآثار الواردة يقود إلى شئ
تطمئن إليه النفس.
آ - قال ابن المبارك في كتاب الجهاد، عن حماد بن زيد، عن
عبد الله بن المختار، عن عاصم بن بهدلة، عن أبي وائل - ثم
شك حماد في أبي وائل - قال:...إلى قوله: " فلما توفي خرج
عمر في جنازته فقال: ما على نساء آل الوليد أن يسفحن على
خالد دموعهن ما لم يكن نقعا أو
لقلقة ".
ب - وروى يحيى القطان، عن سفيان، عن حبيب بن أبي ثابت، عن
أبي وائل قال: وذكر نحوه.
ج - وذكر أبو حذيفة في " المبتدأ والفتوح " عن محمد بن
إسحاق: لما مات خالد بن الوليد، خرج عمر في جنازته، فإذا
أمه تندبه وتقول: أنت خير من ألف ألف من القوم * إذا ما
كبت وجوه الرجال وذكر سيف بن عمر في " الردة والفتوح "
بسند له، فيه ضعف، ونحو الحديث الذي رواه ابن المبارك.
د - وروى ابن سعد، عن كثير بن هشام، عن جعفر بن برقان، عن
يزيد بن الاصم: " لما توفي خالد ابن الوليد بكت عليه أمه
فقال عمر: يا أم خالد أخالدا وأجره ترزثين ؟ عزمت عليك إلا
تثبت حتى تسود يدك من الخضاب " وهذا سند صحيح.
كما قال الحافظ في " الاصابة ".
ه - وقد علق البخاري في صحيحه، قال عمر، رضي الله عنه: "
دعهن يبكين على أبي سليمان، ما لم يكن نقع أو لقلقة " وقال
الحافظ في " الفتح " 3 / 161: وصله المصنف في " تاريخه
الاوسط "، من طريق الاعمش، عن شقيق، قال: لما مات خالد
اجتمع نسوة بني المغيرة يبكين عليه، فقيل لعمر: أرسل إليهن
فانههن.
فذكره.
و - وأخرج البخاري في تاريخه 1 / 46 من طريق: عمر بن حفص،
عن أبيه عن الاعمش، عن = (*)
(1/367)
حدث عنه ابن خالته عبد الله بن عباس، وقيس بن أبي حازم،
والمقدام بن معدي كرب، وجبير بن نفير، وشقيق بن سلمة،
وآخرون.
له أحاديث قليلة.
مسلم: من طريق ابن شهاب، عن أبي أمامة بن سهل أن ابن عباس
أخبره أن خالد بن الوليد الذي كان يقال له: سيف الله أخبره
أنه دخل على خالته ميمونة مع رسول الله صلى الله عليه
وسلم، فوجد عندها ضبا محنوذا قدمت به أختها حفيدة بنت
الحارث من نجد، فقدمته لرسول الله صلى الله عليه وسلم،
فرفع يده، فقال خالد: أحرام
هو يا رسول الله ؟ قال: " لا، ولكنه لم يكن بأرض قومي
فأجدني أعافه " فاجتررته (1)، فأكلته ورسول الله، صلى الله
عليه وسلم، ينظر ولم ينه (2).
هشام بن حسان: عن حفصة بنت سيرين، عن أبي العالية: أن خالد
بن الوليد قال يا رسول الله إن كائدا من الجن يكيدني، قال:
" قل: أعوذ بكلمات الله التامات التي لا يجاوزهن بر ولا
فاجر من شر ما ذرأ في الارض، وما يخرج
__________
= شقيق: قال: قيل لعمر: إن نسوة بني المغيرة اجتمعن في دار
خالد، فقال عمر: ما عليهن أن يرقن من أعينهن على أبي
سليمان ؟ ز - وقال ابن كثير بعد أن أورد عدة أخبار: وهذا
كله مما يقتضي موته بالمدينة النبوية.
ولكن المشهور عن الجمهور أن مات بحمص.
انظر " الاصابة " ت (1477) وت (940) من قسم النساء، و "
فتح الباري " 3 / 160، و " البداية والنهاية " لابن كثير.
و " تاريخ دمشق " لابن عساكر 5 / 264 / ب.
(1) تحرفت في المطبوع إلى " فأخذته ".
(2) أخرجه مسلم (1946) (44 و 45) في الصيد: باب إباحة الضب
ومالك ص: 599 في الاستئذان: باب ما جاء في أكل الضب، برقم
(10)، وأحمد 1 / 332، و 4 / 88، 89، والبخاري (5391) في
الاطعمة: باب ما كان النبي، صلى الله عليه وسلم، يأكل، و
(5400) فيه باب: الشواء، و (5537) في الذبائح: باب الضب.
وأبو داود (3794) في الاطعمة: باب في أكل الضب، والنسائي 7
/ 198 في الصيد: باب الضب، وابن ماجه (3241) في الصيد: باب
الضب، والدارمي 2 / 93 في الصيد: باب في أكل الضب.
(*)
(1/368)
منها، ومن شر ما يعرج في السماء وما ينزل منها، ومن شر كل
طارق إلا طارقا (1) يطرق، بخير يا رحمن " ففعلت فأذهبه
الله عني (2).
وعن حيان بن أبي جبلة، عن عمرو بن العاص، قال: ما عدل بي
رسول
الله، صلى الله عليه وسلم، وبخالد أحدا في حربه منذ أسلمنا
(3).
يونس بن أبي إسحاق، عن العيزار بن حريث أن خالد بن الوليد
أتى على اللات والعزى فقال: [ يا عز ] كفرانك لا سبحانك *
إني رأيت الله قد أهانك وروى زكريا بن أبي زائدة، عن أبي
إسحاق، عن أبي عبد الرحمن السلمي أن خالدا قال مثله.
قال قتادة: مشى خالد إلى العزى، فكسر أنفها بالفأس.
وروى سفيان بن حسين، عن قتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم
بعث خالدا إلى العزى، وكانت لهوازن، وسدنتها بنو سليم،
فقال: انطلق، فإنه يخرج عليك امرأة
__________
(1) " إلا طارقا " سقطت من المطبوع.
(2) رجاله ثقات لكنه مرسل.
وأخرجه أحمد 3 / 419 من طريق: سيار بن حاتم، عن جعفر بن
سليمان، عن أبي التياح قال: قلت لعبد الرحمن بن خنيش
التميمي - وكان كبيرا -: أدركت رسول الله، صلى الله عليه
وسلم ؟ قال: نعم.
قال: قلت: كيف صنع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ليلة
كادته الشياطين ؟ فقال: إن الشياطين تحدرت تلك الليلة على
رسول الله، صلى الله عليه وسلم، من الاودية والشعاب.
وفيهم شيطان بيده شعلة نار يريد أن يحرق بها وجه رسول
الله، صلى الله عليه وسلم، فهبط إليه جبريل عليه السلام
فقال: يا محمد قل.
قال: ما أقول ؟ قال: قل: أعوذ بكلمات الله التامة من شر ما
خلق، وذرأ وبرأ.
ومن شر ما ينزل من السماء، ومن شر ما يعرج فيها، ومن شر
فتن الليل والنهار، ومن شر كل طارق، إلا طارقا يطرق بخير
يا رحمان.
قال: فطفئت نارهم وهزمهم الله تبارك وتعالى.
وإسناده صحيح.
(3) ذكره الهيثمي في " المجمع " 9 / 350 وقال: رواه
الطبراني في الاوسط، والكبير ورجاله ثقات (*)
(1/369)
شديدة السواد، لويلة الشعر، عظيمة الثديين، قصيرة.
فقالوا يحرضونها:
يا عز شدي شدة لا سواكها (1) * على خالد ألقي الخمار وشمري
فإنك إن لا تقتلي المرء خالدا * تبوئي بذنب عاجل وتقصري
فشد عليها خالد، فقتلها، وقال: ذهبت العزى فلا عزى بعد
اليوم (2).
الزهري: عن عبد الرحمن بن أزهر: رأيت رسول الله صلى الله
عليه وسلم يوم حنين يتخلل الناس، يسأل عن رحل خالد، فدل
عليه، فنظر إلى جرحه، وحسبت أنه نفث فيه (3).
وقال ابن عمر: بعث النبي صلى الله عليه وسلم خالدا إلى بني
جذيمة، فقتل وأسر، فرفع النبي، صلى الله عليه وسلم، يديه
وقال: " اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد " مرتين (4).
الواقدي: عن رجل، عن إياس بن سلمة عن أبيه قال: لما قدم
خالد بعد صنيعه ببني جذيمة، عاب عليه ابن عوف ما صنع،
وقال: أخذت بأمر الجاهلية، قتلتهم بعمك الفاكه، قاتلك
الله.
__________
(1) أي ليس غيرك لها.
وحذف من الهاء لامها، كما في قوله تعالى: (وإذا كالوهم أو
وزنوهم يخسرون) والتقدير: كالوا لهم، ووزنوا لهم.
وفي السيرة " لا شوى لها " وكذلك في " الطبري " 3 / 65.
(2) انظر شرح المواهب اللدنية 2 / 348، وابن هشام 2 / 436
- 437 و " الطبري " في تاريخه 3 / 65.
(3) أخرجه أحمد 4 / 88، 351 من طريق: عبد الرزاق، عن معمر،
عن الزهري، عن عبد الرحمن بن أزهر...وإسناده صحيح.
(4) أخرجه أحمد 2 / 151، والبخاري (4339) في المغازي: باب
بعث النبي، صلى الله عليه وسلم، خالدا إلى بني جذيمة، و
(7189) في الاحكام: باب إذا قضى الحاكم بجور أو خلاف أهل
العلم فهو رد، والنسائي 8 / 236 في القضاء: باب إذا قضى
الحاكم بغير حق، كلهم من طريق الزهري، عن سالم، عن
أبيه...(*)
(1/370)
قال: وأعابه عمر، فقال خالد: أخذتهم بقتل أبيك، فقال عبد
الرحمن: كذبت، لقد قتلت قاتل أبي بيدي، ولو لم أقتله، لكنت
تقتل قوما مسلمين بأبي في الجاهلية، قال: ومن أخبرك أنهم
أسلموا ؟ فقال: أهل السرية كلهم.
قال: جاءني رسول رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أن أغير
عليهم، فأغرت، قال: كذبت على رسول الله، وأعرض رسول الله
صلى الله عليه وسلم، عن خالد وغضب وقال: " يا خالد ! ذروا
لي أصحابي متى ينكأ إلف المرء ينكأ المرء " (1).
الواقدي: حدثنا يحيى بن عبد الله بن أبي قتادة، عن أهله،
عن أبي قتادة قال: لما نادى خالد في السحر: من كان معه
أسير، فليدافه، أرسلت أسيري، وقلت لخالد: اتق الله، فإنك
ميت، وإن هؤلاء قوم مسلمون، قال: إنه لا علم لك بهؤلاء.
إسناده فيه الواقدي، ولخالد اجتهاده، ولذلك ما طالبه النبي
صلى الله عليه وسلم بدياتهم.
الواقدي: حدثنا يوسف بن يعقوب بن عتبة، عن عثمان الاخنسي،
عن عبد الملك بن أبي بكر، قال: بعث النبي صلى الله عليه
وسلم خالدا إلى الحارث بن كعب أميرا وداعيا، وخرج مع رسول
الله، صلى الله عليه وسلم، في حجة الوداع، فلما خلق رأسه،
أعطاه ناصيته، فعملت في مقدمة قلنسوة خالد، فكان لا يلقى
عدوا إلا هزمه (2).
وأخبرني من غسله بحمص، ونظر إلى ما تحت ثيابه قال: ما فيه
مصح ما بين ضربة بسيف، أو طعنة برمح، أو رمية بسهم.
__________
(1) الواقدي متروك، والراوي عن إياس مجهول فالخبر لا يصح.
وهو عند ابن هشام 2 / 431.
(2) سيأتي في الصفحة (375) التعليق رقم (1) فانظره هناك.
(*)
(1/371)
الوليد بن مسلم: حدثنا وحشي بن حرب، عن أبيه، عن جده وحشي:
أن أبا بكر عقد لخالد على قتال أهل الردة وقال: إني سمعت
رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يقول: " خالد بن الوليد
سيف من سيوف الله سله الله على الكفار والمنافقين ".
رواه أحمد في " مسنده " (1).
هشام بن عروة: عن أبيه قال: كان في بني سليم ردة، فبعث أبو
بكر إليهم خالد بن الوليد فجمع رجالا منهم في الحظائر، ثم
أحرقهم، فقال عمر لابي بكر: أتدع رجلا يعذب بعذاب الله ؟
قال: والله لا أشيم (2) سيفا سله الله على عدوه، ثم أمره،
فمضى إلى مسيلمة (3).
ضمرة بن ربيعة: أخبرني السيباني (4)، عن أبي العجماء،
وإنما هو أبو العجفاء السلمي، قال: قيل لعمر: لو عهدت يا
أمير المؤمنين، قال: لو أدركت أبا عبيدة ثم وليته ثم قدمت
على ربي، فقال لي: لم استخلفته ؟ لقلت: سمعت عبدك وخليلك
يقول: " لكل أمة أمين، وإن أمين هذه الامة أبو عبيدة، "
ولو أدركت خالد بن الوليد ثم وليته فقدمت على ربي لقلت:
سمعت عبدك وخليلك يقول: " خالد سيف من سيوف الله سله الله
على
__________
(1) 1 / 8، والحاكم 3 / 298 وذكره الهيثمي في " المجمع " 9
/ 348، وقال: رواه أحمد والطبراني بنحوه ورجالهما ثقات.
كذا قال.
مع أن حرب بن وحشي لم يوثقه إلا ابن حبان.
وقال البزار: مجهول.
ووالده لم يوثقه أيضا إلا العجلي وابن حبان، وقال صالح بن
محمد: لا يشتغل به ولا بأبيه.
لكن متن الحديث صحيح.
له طرق يصح بها، وسيذكرها الذهبي رحمه الله.
(2) أشيم: أغمد.
وقد تصحفت في المطبوع إلى " أشتم ".
(3) أخرجه ابن سعد 7 / 2 / 120 من طريق: أبي معاوية
الضرير، عن هشام بن عروة، عن أبيه، قال...ورجاله ثقات،
لكنه مرسل.
(4) السيباني: بفتح السين المهملة، وتشديدها، وسكون الياء
بعدها باء.
وهو يحيى بن أبي عمرو السيباني، الحمصي، أحد الثقات.
وقد تصفحت في المطبوع إلى " الشيباني ".
(*)
(1/372)
المشركين (1) ".
رواه الشاشي (2) في " مسنده ".
أحمد في " المسند ": حدثنا حسين الجعفي، عن زائدة، عن عبد
الملك ابن عمير، قال: استعمل عمر أبا عبيدة على الشام وعزل
خالدا، فقال أبو عبيدة: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول: " خالد سيف من سيوف الله، نعم فتى العشيرة (3) ".
حميد بن هلال: عن أنس: نعى النبي صلى الله عليه وسلم أمراء
(4) يوم مؤتة فقال: " أصيبوا جميعا ثم أخذ الراية بعد سيف
من سيوف الله خالد " وجعل يحدث الناس وعيناه تذرفان (5).
إسماعيل بن أبي خالد: عن قيس، قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: " إنما خالد سيف
__________
(1) رجاله ثقات خلا آبا العجماء فإنه مختلف فيه.
وثقه ابن معين، والدارقطني وابن حبان.
وقال البخاري: في حديثه نظر.
وقال الحاكم أبو أحمد: ليس حديثه بالقائم.
(2) هو الهيثم بن كليب الشاشي، أبو سعيد الحافظ، المحدث،
الثقة، مؤلف المسند الكبير، أصله من مرو.
وممن سمع منهم أبو عيسى الترمذي، توفي سنة 335 ه.
انظر ترجمته في " تذكرة الحفاظ " 848 - 849.
(3) أخرجه أحمد 4 / 90 وذكره الهيثمي في " المجمع " 9 /
348 - 349، وقال: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح.
إلا أن عبد الملك بن عمير لم يدرك أبا عبيدة.
(4) تحرفت في المطبوع إلى " امرءا ".
(5) أخرجه البخاري (3757) في فضائل الصحابة، باب: مناقب
خالد بن الوليد، من طريق: حماد بن زيد، عن أيوب، عن حميد
بن هلال، عن أنس...، وأخرجه الحاكم 3 / 298، من طريق: عبد
الرزاق عن معمر، عن أيوب، عن أنس بن مالك قال: " نعى رسول
الله، صلى الله عليه وسلم، أهل
مؤتة، على المنبر، ثم قال: فأخذ اللواء خالد بن الوليد وهو
سيف من سيوف الله " وقال: هذا حديث عال صحيح غريب من حديث
أيوب ولم يخرجاه.
وتعقبه الذهبي بقوله: قلت: لم يسمع أيوب من أنس.
(*)
(1/373)
من سيوف الله صبه على الكفار " (1).
أبو إسماعيل المؤدب: عن إسماعيل بن أبي خالد، عن الشعبي،
عن ابن أبي أوفى، مرفوعا بمعناه.
وجاء من طرق عن أبي هريرة نحوه.
أبو المسكين الطائي: حدثنا عمران بن زحر، حدثني حميد بن
منيب قال: قال جدي أوس، لم يكن أحد أعدى للعرب من هرمز،
فلما فرغنا من مسيلمة أتينا ناحية البصرة، فلقينا هرمز
بكاظمة، فبارزه خالد، فقتله، فنفله الصديق سلبه، فبلغت
قلنسوته مئة ألف درهم، وكانت الفرس من عظم فيهم، جعلت
قلنسوته بمئة ألف.
قال أبو وائل: كتب خالد إلى الفرس: إن معي جندا يحبون
القتل كما تحب فارس الخمر.
هشيم: حدثنا عبد الحميد بن جعفر، عن أبيه، أن خالد بن
الوليد فقد قلنسوة له يوم اليرموك، فقال: اطلبوها.
فلم يجدوها.
ثم وجدت فإذا هي قلنسوة خلقة.
فقال خالد: اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلحق
رأسه، فابتدر الناس شعره، فسبقتهم إلى ناصيته، فجعلتها في
هذه القلنسوة، فلم أشهد قتالا وهي
__________
(1) رجاله ثقات، لكنه مرسل.
وأخرجه ابن سعد 7 / 2 / 120، وذكره الهيثمي في " المجمع "
9 / 349 وقال: رواه أبو يعلى ولم يسم الصحابي ورجاله رجال
الصحيح.
وحديث أبي إسماعيل المؤدب عن ابن أبي أوفى أخرجه الحاكم 3
/ 298 وصححه، وتعقبه
الذهبي بقوله: رواه ابن إدريس، عن ابن أبي خالد، عن الشعبي
مرسلا وهو أشبه.
وذكره الهيثمي في " المجمع " 9 / 349 ونسبه إلى الطبراني
في " الصغير " و " الكبير " باختصار، والبزار بنحوه.
وقال: ورجال الطبراني ثقات.
وأما حديث أبي هريرة فقد أخرجه الترمذي (3845) في المناقب:
باب مناقب خالد، من طريق: الليث، عن هشام بن سعد، عن زيد
بن أسلم، عن أبي هريرة وقال: هذا حديث حسن غريب.
ولا نعرف لزيد بن أسلم سماعا من أبي هريرة وهو مرسل عندي.
(*)
(1/374)
معي إلا رزقت النصر (1).
ابن وهب: عن عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن عبد الرحمن بن
الحارث: أخبرني الثقة أن الناس يوم حلق رسول الله صلى الله
عليه وسلم ابتدروا شعره، فبدرهم خالد إلى ناصيته، فجعلها
في قلنسوته (2).
ابن أبي خالد: عن قيس، سمعت خالدا يقول: لقد رأيتني يوم
مؤتة اندق في يدي تسعة أسياف، فصبرت في يدي صفيحة يمانية
(3).
ابن عيينة: عن ابن أبي خالد، عن مولى لآل خالد ابن الوليد،
أن خالدا قال: ما من ليلة يهدى إلي فيها عروس أنا لها محب
أحب إلي من ليلة شديدة البرد، كثيرة الجليد في سرية أصبح
فيها العدو (4).
يونس بن أبي إسحاق: عن العيزار بن حريث قال: قال خالد: ما
أدري من أي يومي أفر: يوم أراد الله أن يهدي لي فيه شهادة،
أو يوم أراد الله أن يهدي لي فيه كرامة.
قال قيس بن أبي حازم: سمعت خالدا يقول: منعني الجهاد كثيرا
من
__________
(1) أخرجه الحاكم 3 / 299، وذكره ابن عبد البر في "
الاستيعاب " 2 / 111، والحافظ في " الاصابة " 3 / 72 من
طريق: هشيم به، وذكره الحافظ الهيثمي 9 / 349 ونسبه إلى
الطبراني، وأبي يعلى، وقال: ورجالهما رجال الصحيح.
وجعفر سمع من جماعة من الصحابة، فلا أدري سمع من
خالد أم لا.
ونسبه الحافظ في " المطالب العالية " (4045) لابي يعلى.
وقال البوصيري: رواه أبو يعلى بسند صحيح.
(2) رجاله ثقات.
(3) أخرجه البخاري (4265) و (4266) في المغازي: باب غزوة
مؤتة من أرض الشام.
وابن سعد 7 / 2 / 120 من طريق محمد بن عبيد الطنافسي عن
إسماعيل بن أبي خالد، به...(4) ذكره الهيثمي في " المجمع "
9 / 350 عن قيس أيضا، ونسبه إلى أبي يعلى، وقال: ورجاله
رجال الصحيح.
وذكره الحافظ في " المطالب العالية " (4039) عن قيس بن أبي
حازم، به.
(*)
(1/375)
القراءة (1) ورأيته أتي بسم، فقالوا: ما هذا ؟ قالوا: سم،
قال: باسم الله.
وشربه.
قلت: هذه والله الكرامة، وهذه الشجاعة.
يونس بن أبي إسحاق: عن أبي السفر قال: نزل خالد بن الوليد
الحيرة على أم بني المرازبة، فقالوا: احذر السم لا تسقك
الاعاجم، فقال: ائتوني به، فأتي به، فاقتحمه وقال: باسم
الله، فلم يضره (2).
أبو بكر بن عياش: عن الاعمش، عن خيثمة، قال أتي خالد بن
الوليد برجل معه زق خمر، فقال: اللهم اجعله عسلا، فصار
عسلا (3).
رواه يحيى بن آدم، عن أبي بكر، وقال: خلا بدل العسل، وهذا
أشبه، ويرويه عطاء بن السائب عن محارب بن دثار مرسلا.
ابن أبي خالد: عن قيس، قال طلق خالد بن الوليد امرأة،
فكلموه فقال: لم يصبها عندي مصيبة، ولا بلاء، ولا مرض،
فرابني ذلك منها (4).
المدائني، عن ابن أبي ذئب، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه،
قال: قدم أبو قتادة على أبي بكر، فأخبره بقتل مالك بن
نويرة وأصحابه.
فجزع،
__________
(1) ذكره الحافظ في " المطالب العالية " (4041) بلفظ: "
قال خالد بن الوليد: لقد منعني كثيرا
من قراءة القرآن، الجهاد في سبيل الله ".
ونسبه الهيثمي 9 / 350 إلى أبي يعلى، ورجاله رجال الصحيح.
وقد تصحفت كلمة " القراءة " في المطبوع إلى " الغزاة "
فأفسد المعنى.
(2) ذكره الحافظ في " المطالب العالية " (4043) ونسبه إلى
أبي يعلى.
وذكره الهيثمي في " المجمع " 9 / 350 وقال: رواه أبو يعلى،
والطبراني بنحوه، وأحد إسنادي الطبراني رجاله رجال الصحيح،
وهو مرسل.
ورجالهما ثقات إلا أن أبا السفر لم يسمع من خالد والله
أعلم.
(3) نسبه الحافظ في " الاصابة " 3 / 73 إلى ابن سعد من
طريقين، وإلى ابن أبي الدنيا، وقال: رواه ابن أبي الدنيا
بإسناد صحيح، عن خيثمة قال..." وانظر " الاصابة " 3 / 73
ففيها الروايتان.
(4) ابن كثير في " البداية " 7 / 115.
(*)
(1/376)
وكتب إلى خالد، فقدم عليه، فقال أبو بكر: هل تزيدون على أن
يكون تأول، فأخطأ ؟ ثم رده، وودى مالكا، ورد السبي والمال
(1).
وعن ابن إسحاق قال: دخل خالد على أبي بكر، فأخبره، واعتذر،
فعذره.
قال سيف في " الردة ": عن هشام بن عروة، عن أبيه قال: شهد
قوم من السرية أنهم أذنوا وأقاموا وصلوا، ففعلوا مثل ذلك،
وشهد آخرون بنفي ذلك، فقتلوا.
وقدم أخوه متمم بن نويرة ينشد الصديق دمه، ويطلب السبي،
فكتب إليه برد السبي، وألح عليه عمر في أن يعزل خالدا،
وقال: إن في سيفه رهقا، فقال: لا يا عمر، لم أكن لاشيم (2)
سيفا سله الله على الكافرين (3).
سيف: عن ابن إسحاق، عن محمد بن جعفر بن الزبير وغيره أن
خالدا بث السرايا، فأتي بمالك.
فاختلف قول الناس فيهم وفي إسلامهم، وجاءت أم تميم كاشفة
وجهها، فأكبت على مالك، وكانت أجمل الناس، فقال لها: إليك
عني، فقد والله قتلتني.
فأمر بهم خالد، فضربت أعناقهم.
فقام أبو
قتادة، فناشده فيهم، فلم يلتفت إليه، فركب أبو قتادة فرسه،
ولحق بأبي بكر وحلف: لا أسير في جيش وهو تحت لواء خالد.
وقال: ترك قولي، وأخذ بشهادة الاعراب الذين فتنتهم الغنائم
(4).
(1) المدائني: هو علي بن محمد، الاخباري، ضعيف، وباقي
رجاله ثقات.
(2) تحرفت في المطبوع إلى " لاشتم ".
(3) لا يصح لضعف سيف.
وهو ابن عمر، الضبي، الاسيدي.
قال عباس بن يحيى: ضعيف.
وروى مطين عن يحيى: فلس خير منه.
وقال أبو داود: ليس بشئ.
وقال أبو حاتم: متروك.
وقال ابن عدي: عامة حديثه منكر.
ومات سيف في زمن الرشيد.
(4) إسناده كسابقه وهو في " أسد الغابة " 2 / 111.
(*)
(1/377)
ابن سعد: أنبأنا محمد بن عمر، حدثني عتبة بن جبيرة، عن
عاصم بن عمر بن قتادة.
قال: وحدثني محمد بن عبد الله، عن الزهري، وحدثنا أسامة
ابن زيد عن الزهري، عن حنظلة بن علي الاسلمي في حديث
الردة: فأوقع بهم خالد، وقتل مالكا، ثم أوقع بأهل بزاخة
(1) وحرقهم، لكونه بلغه عنهم مقالة سيئة، شتموا النبي، صلى
الله عليه وسلم، ومضى إلى اليمامة، فقتل مسيلمة، إلى أن
قال: وقدم خالد المدينة بالسبي ومعه سبعة عشر من وفد بني
حنيفة، فدخل المسجد وعليه قباء عليه صدأ الحديد، متقلدا
السيف، في عمامته أسهم.
فمر بعمر، فلم يكلمه، ودخل على أبي بكر، فرأى منه كل ما
يحب، وعلم عمر، فأمسك.
وإنما وجد عمر عليه لقتله مالك بن نويرة، وتزوج بامرأته.
جويرية بن أسماء: قال: كان خالد بن الوليد من أمد الناس
بصرا، فرأى راكبا وإذا هو قد قدم بموت الصديق وبعزل خالد.
قال ابن عون: ولي عمر، فقال: لانزعن (2) خالدا حتى يعلم أن
الله إنما
ينصر دينه، يعني بغير خالد.
وقال هشام بن عروة عن أبيه، قال: لما استخلف عمر، كتب إلى
أبي عبيدة: إني قد استعملتك، وعزلت خالدا.
وقال خليفة: ولى عمر أبا عبيدة على الشام، فاستعمل يزيد
على فلسطين، وشرحبيل بن حسنة على الاردن، وخالد بن الوليد
على دمشق، وحبيبب بن
__________
(1) بزاخة: بالضم، والخاء معجمة.
قال الاصمعي: ماء لطئ بأرض نجد.
وقال أبو عمرو الشيباني: ماء لبني أسد، كانت فيه وقعة
عظيمة في أيام أبي بكر مع طليحة بن خويلد الاسدي، الذي
تنبأ بعد النبي، صلى الله عليه وسلم، فظهر المسلمون.
وهرب طليحة، ثم أهل بعمرة، ومضى إلى مكة مسلما.
(2) تحرفت في المطبوع إلى " لا يرمي ".
(*)
(1/378)
مسلمة على حمص.
الزبير بن بكار: حدثني محمد بن مسلمة، عن مالك قال: قال
عمر لابي بكر: اكتب إلى خالد: ألا يعطي شاة ولا بعيرا إلا
بأمرك، فكتب أبو بكر بذلك، قال: فكتب إليه خالد: إما أن
تدعني وعملي، وإلا فشأنك بعملك، فأشار عمر بعزله، فقال:
ومن يجزئ عنه ؟ قال عمر: أنا، قال: فأنت.
قال مالك: قال زيد بن أسلم: فتجهز عمر حتى أنيخت الظهر في
الدار.
وحضر الخروج، فمشى جماعة إلى أبي بكر، فقالوا: ما شأنك
تخرج عمر من المدينة وأنت إليه محتاج، وعزلت خالدا وقد
كفاك ؟ قال: فما أصنع ؟ قالوا: تعزم على عمر ليجلس، وتكتب
إلى خالد، فيقيم على عمله، ففعل (1).
هشام بن سعد: عن زيد بن أسلم، عن أبيه، قال عمر لابي بكر:
تدع
خالدا بالشام ينفق مال الله ؟ قال فلما توفي أبو بكر، قال
أسلم: سمعت عمر يقول: كذبت الله إن كنت أمرت أبا بكر بشئ
لا أفعله، فكتب إلى خالد.
فكتب خالد إليه: لا حاجة لي بعملك.
فولى أبا عبيدة.
الحارث بن يزيد: عن علي بن رباح، عن ناشرة اليزني: سمعت
عمر بالجابية، واعتذر من عزل خالد، قال: وأمرت أبا عبيدة.
فقال أبو عمرو بن حفص بن المغيرة (2): والله ما أعذرت،
نزعت عاملا استعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووضعت
لواء رفعه رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: إنك قريب
القرابة، حديث السن، مغضب في ابن عمك (3).
__________
(1) انظر " الاصابة " 3 / 73 - 74.
(2) لقد تصحفت في المطبوع إلى " أبو حفص بن الغابرة ".
(3) أخرجه أحمد 3 / 475، والبخاري في " التاريخ الصغير " 1
/ 57، ومسنده صحيح.
(*)
(1/379)
ومن كتاب سيف عن رجاله قال: كان عمر لا يخفى عليه شئ من
عمله، وإن خالدا أجاز الاشعث بعشرة آلاف، فدعا البريد،
وكتب إلى أبي عبيدة أن تقيم خالدا وتعقله بعمامته، وتنزع
قلنسوته حتى يعلمكم من أين أجاز الاشعث ؟ أمن مال الله أم
من ماله ؟ فإن زعم أنه من إصابة أصابها، فقد أقر بخيانة،
وإن زعم أنها من ماله، فقد أسرف، واعزله على كل حال، واضمم
إليك عمله.
ففعل ذلك، فقدم خالد على عمر فشكاه وقال: لقد شكوتك إلى
المسلمين، وبالله يا عمر إنك في أمري غير مجمل، فقال عمر:
من أين هذا الثراء ؟ قال: من الانفال والسهمان، ما زاد على
الستين ألفا فلك تقوم عروضه، قال: فخرجت عليه عشرون ألفا،
فأدخلها بيت المال.
ثم قال: يا خالد والله إنك لكريم علي وإنك لحبيب إلي، ولن
تعاتبني بعد اليوم على
شي (1).
وعن زيد بن أسلم عن أبيه: عزل عمر خالدا فلم يعلمه أبو
عبيدة حتى علم من الغير.
فقال: يرحمك الله ! ما دعاك إلى أن لا تعلمني ؟ قال: كرهت
أن أروعك.
جويرية بن أسماء: عن نافع قال: قدم خالد من الشام وفي
عمامته أسهم ملطخة بالدم، فنهاه عمر.
الاصمعي: عن ابن عون، عن ابن سيرين، أن خالد بن الوليد دخل
وعليه قميص حرير، فقال عمر: ما هذا ؟ قال: وما بأسه ! قد
لبسه ابن عوف (2).
__________
(1) لا يصح لضعف سيف، وجهالة الرجال الدين روى عنهم.
(2) ابن عوف: هو عبد الرحمن.
وخبر ترخيص النبي، صلى الله عليه وسلم، له بلبس الحرير
أخرجه أحمد 3 / 122، 127، 180، 192، 252، 273، والبخاري
(2919) و (2920) و (2921) و (2922) في الجهاد: باب الحرير
في الحرب.
و (5839) في اللباس: باب ما يرخص للرجال من الحرير = (*)
(1/380)
قال: وأنت مثله ؟ ! عزمت على من في البيت إلا أخذ كل واحد
منه قطعة، فمزقوه.
روى عاصم بن بهدلة: عن أبي وائل أظن قال: لما حضرت خالدا
الوفاة، قال: لقد طلبت القتل مظانه فلم يقدر لي إلا أن
أموت على فراشي.
وما من عملي شئ أرجى عندي بعد التوحيد من ليلة بتها وأنا
متترس، والسماء تهلني ننتظر الصبح حتى نغير على الكفار.
ثم قال: إذا مت، فانظروا إلى سلاحي وفرسي، فاجعلوه عدة في
سبيل الله.
فلما توفي، خرج عمر على جنازته، فذكر قوله: ما على آل
الوليد أن يسفحن على خالد من دموعهن ما لم يكن نقعا أو
لقلقة (1).
النقع: التراب على الرؤوس، واللقلقة: الصراخ.
ويروى بإسناد ساقط أن عمر خرج في جنازة خالد بالمدينة وإذا
أمه تندبه وتقول: أنت خير من ألف ألف من القو * م إذا ما
كبت وجوه الرجال
__________
= للحكة، ومسلم (2076) في اللباس: باب إباحة لبس الحرير
للرجل.
وأبو داود (4056) في اللباس: باب في لبس الحرير لعذر،
والترمذي (1722) في اللباس: باب الرخصة في لبس الحرير في
الحرب، وابن ماجه (3592) في اللباس: باب من رخص له النبي،
صلى الله عليه وسلم، في لبس الحرير، كلهم من حديث أنس قال:
" رخص النبي، صلى الله عليه وسلم، للزبير، و عبد الرحمن في
لبس الحرير لحكة بهما ".
وهذا هو لفظ البخاري، فالترحيص في لبس الحرير إنما هو لعلة
وليس ترخيصا مطلقا.
فهو مستثنى من عموم التحريم الثابت منه صلى الله عليه
وسلم.
وقد تحرف في المطبوع " ابن عوف " إلى " ابن عون ".
(1) ذكره الحافظ في " الاصابة " 3 / 74 ونسبه إلى ابن
المبارك في الجهاد من طريق: حماد بن زيد، عن عبد الله بن
المختار، عن عاصم، عن أبي وائل...وإسناده حسن.
وانظر الصفحة 383 تعليق (3).
(*)
(1/381)
فقال عمر: صدقت إن كان لكذلك (1).
الواقدي: حدثنا عمرو بن (2) عبد الله بن عنبسة، سمعت محمد
بن عبد الله الديباج يقول: لم يزل خالد مع أبي عبيدة حتى
توفي أبو عبيدة، واستخلف عياض بن غنم.
فلم يزل خالد مع عياض حتى مات، فانعزل خالد إلى حمص، فكان
ثم، وحبس خيلا وسلاحا، فلم يزل مرابطا بحمص حتى نزل به،
فعاده أبو الدرداء، فذكر له أن خيلة التي حبست بالثغر تعلف
من مالي، وداري بالمدينة صدقة، وقد كنت أشهدت عليها عمر.
والله يا أبا الدرداء لئن
مات عمر، لترين أمورا تنكرها.
وروى إسحاق بن يحيى بن طلحة، عن عمه موسى قال: خرجت مع أبي
طلحة إلى مكة مع عمر، فبينا نحن نحط عن رواحلنا إذ أتى
الخبر بوفاة خالد، فصاح عمر: يا أبا محمد، يا طلحة هلك أبو
سليمان، هلك خالد بن الوليد.
فقال طلحة: لا أعرفنك بعد الموت تندبني * وفي حياتي ما
زودتني زادا (3) وعن أبي الزناد: أن خالد بن الوليد لما
احتضر بكى وقال: لقيت كذا وكذا زحفا، وما في جسدي شبر إلا
وفيه ضربة بسيف، أورمية بسهم، وها أنا أموت على فراشي حتف
أنفي كما يموت العير (4) فلا نامت أعين الجبناء.
قال مصعب بن عبد الله: لم يزل خالد بالشام حتى عزله عمر.
وهلك بالشام، وولي عمر وصيته.
__________
(1) انظر " الاصابة " 13 / 112.
(2) " عمرو بن " سقطت من المطبوع.
(3) البيت في الاصابة، والخبر بغير هذا السياق 3 / 47.
(4) العير: الحمار.
وتصفحت في المطبوع إلى " البعير ".
وانظر " الاستيعاب " 3 / 169.
(*)
(1/382)
وقال ابن أبي الزناد: مات بحمص سنة إحدى وعشرين وكان قدم
قبل ذلك معتمرا ورجع.
الواقدي: حدثنا عمر بن عبد الله بن رياح، عن خالد بن رياح،
سمع ثعلبة ابن أبي مالك يقول: رأيت عمر يقباء، وإذا حجاج
من الشام، قال: من القوم ؟ قالوا: من اليمن ممن نزل حمص،
ويوم رحلنا منها مات خالد بن الوليد.
فاسترجع عمر مرارا، ونكس، وأكثر الترحم عليه، وقال: كان
والله
سدادا لنحر العدو، ميمون النقيبة.
فقال له علي: فلم عزلته ؟ قال: عزلته لبذله المال لاهل
الشرف وذوي اللسان، قال: فكنت عزلته عن المال، وتتركه على
الجند، قال: لم يكن ليرضى، قال فهلا بلوته ؟ (1).
وروى جويرية: عن نافع قال: لما مات خالد لم يدع إلا فرسه
وسلاحه وغلامه، فقال عمر: رحم الله أبا سليمان، كان على ما
ظنناه به (2).
الاعمش: عن أبي وائل قال: اجتمع نسوة بني المغيرة في دار
خالد يبكينه، فقال عمر: ما عليهن أن يرقن من دموعهن ما لم
يكن نقعا أو لقلقة (3).
قال محمد بن عبد الله بن نمير، وإبراهيم بن المنذر، وأبو
عبيد: مات خالد بحمص سنة إحدى وعشرين.
وقال دحيم: مات بالمدينة.
__________
(1) الواقدي متروك.
وقد ذكره ابن كثير في " البداية " 7 / 117 عن ابن سعد، عن
الواقدي.
(2) أخرجه ابن سعد 7 / 1 / 121.
(3) أخرجه الحاكم 3 / 297 من طريق، عبد الرزاق، عن معمر،
عن الاعمش، عن أبي وائل.
وابن عبد البر 3 / 169 من طريق يحيى القطان، عن سفيان بن
حبيب بن أبي ثابت، عن أبي وائل، وعلقه البخاري 3 / 160
وقال ابن حجر في " الفتح " 3 / 161 وصله المصنف في "
التاريخ الاوسط ".
وقد ذكره البخاري في " التاريخ الصغير " 1 / 46، 47 من
طريق عمر بن حفص، عن أبيه، عن الاعمش، عن شقيق وقد تصحف
فيه " الاعمش إلى الاعشى ".
(*)
(1/383)
قلت: الصحيح موته بحمص، وله مشهد يزار.
وله في " الصحيحين " حديثان، وفي مسند بقي واحد وسبعون.
79 - صفوان ابن بيضاء * وهي
أمه.
اسمها دعد (1) بنت جحدم الفهرية.
وأبوه هو وهب بن ربيعة بن
هلال بن مالك بن ضبة بن الحارث بن فهر بن مالك.
أبو عمرو القرشي الفهري.
من المهاجرين، شهد بدرا.
فروى الواقدي، عن محرز (2) بن جعفر عن جعفر بن عمرو قال:
قتل صفوان بن بيضاء طعيمة بن عدي.
ثم قال الواقدي: هذه رواية.
وقد روي لنا أن صفوان بن بيضاء لم يقتل يوم بدر، وأنه شهد
المشاهد، وتوفي في رمضان سنة ثمان وثلاثين، ولم يعقب (3).
80 - أخوه سهيل ابن بيضاء
الفهري * * من المهاجرين، يكنى أبا موسى، هاجر
الهجرتين إلى الحبشة، في رواية ابن إسحاق والواقدي.
__________
(*) طبقات ابن سعد: 3 / 1 / 303، تاريخ خليفة: 60، الجرح
والتعديل: 4 / 421، حلية الاولياء: 1 / 373، الاستيعاب: 5
/ 138، أسد الغابة: 3 / 31، الاصابة: 5 / 147، شذرات
الذهب: 1 / 9.
(1) تصحفت في المطبوع إلى " رعد ".
(2) تحرفت في المطبوع إلى " محمد ".
(3) انظر ابن سعد 3 / 1 / 303.
(* *) المسند لاحمد: 3 / 466، طبقات ابن سعد: 3 / 1 / 302،
التاريخ الكبير: 4 / 103، التاريخ الصغير، 1 / 25، الجرح
والتعديل: 4 / 245، الاستيعاب: 4 / 283، أسد الغابة: 2 /
477، تهذيب الاسماء واللغات: 1 / 239، الاصابة: 4 / 283،
شذرات الذهب: 1 / 13.
(*)
(1/384)
وعن عاصم بن عمر بن قتادة قال: لما هاجر سهيل وصفوان ابنا
بيضاء من مكة نزلا على كلثوم بن الهدم (1).
قال ابن سعد: قالوا: وشهد سهيل بدرا وهو ابن أربع وثلاثين
سنة، وشهد
أحدا.
إلى أن قال: ومات بعد رجوع رسول الله صلى الله عليه وسلم
من تبوك بالمدينة سنة تسع، ولم يعقب (2).
قلت: وهو الذي صلى عليه النبي، صلى الله عليه وسلم، في
المسجد (3).
ولهما أخ اسمه سهل ابن بيضاء الفهري، وشهد بدرا وشهد أحدا.
81 - المقداد بن عمرو *
(ع) صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السابقين
الاولين، وهو المقداد بن عمرو بن ثعلبة بن مالك بن ربيعة
القضاعي الكندي البهراني.
ويقال له: المقداد بن الاسود، لانه ربي في حجر الاسود بن
عبد يغوث
__________
(1) ابن سعد 3 / 1 / 302.
(2) ابن سعد 3 / 1 / 302.
(3) أخرجه مالك ص 159 في الجنائز: باب الصلاة على الجنائز
بعد الصبح إلى الاسفار مقطعا، وقد وصله أحمد 6 / 79، 133،
ومسلم (973) في الجنائز: باب الصلاة على الجنازة في
المسجد، أن عائشة أمرت أن يمر بجنازة سعد بن أبي وقاص في
المسجد فتصلي عليه.
فأنكر الناس ذلك عليها، فقالت: " ما أسرع ما نسي الناس.
ما صلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، على سهيل بن
البيضاء إلا في المسجد ".
(*) طبقات ابن سعد: 3 / 1 / 144، طبقات خليفة: 16 / 120،
تاريخ خليفة: 61، 67، 168، التاريخ الكبير: 8 / 54،
التاريخ الصغير: 60، 61، المعارف: 263، الجرح والتعديل: 8
/ 426، مشاهير علماء الامصار: ت: 105، المستدرك للحاكم: 3
/ 348 - 350، حلية الاولياء: 1 / 172 - 176، الاستيعاب: 10
/ 262، ابن عساكر: 17 / 66 / 1، أسد الغابة: 5 / 251،
تهذيب الاسماء واللغات: 2 / 111 - 112، معالم الايمان: 1 /
71 - 76، تهذيب الكمال: 1367، دول الاسلام: 1 / 27، العقد
الثمين: 7 / 268 - 272، تهذيب التهذيب: 10 / 285، الاصابة:
9 / 273، شذرات الذهب: 1 / 39.
(*)
(1/385)
الزهري فتبناه، وقيل: بل كان عبدا له أسود اللون فتبناه،
ويقال: بل أصاب دما في كندة، فهرب إلى مكة، وحالف الاسود.
شهد بدرا والمشاهد، وثبت أنه كان يوم بدر فارسا، واختلف
يومئذ في الزبير.
له جماعة أحاديث.
حدث عنه علي، وابن مسعود، وابن عباس، وجبير بن نفير، وابن
أبي ليلى، وهمام بن الحارث، وعبيد الله بن عدي بن الخيار،
وجماعة.
وقيل: كان آدم طوالا، ذا بطن، أشعر الرأس، أعين، مقرون
الحاجبين، مهيبا.
عاش نحوا من سبعين سنة.
مات في سنة ثلاث وثلاثين، وصلى عليه عثمان بن عفان، وقبره
بالبقيع رضي الله عنه (1).
حديثه في الستة، له حديث في " الصحيحين " (2).
وانفرد له مسلم بأربعة أحاديث (3).
__________
(1) انظر ابن سعد 3 / 1 / 155، والحاكم 3 / 348.
(2) البخاري (4019) في المغازي: باب (12)، ومسلم (95) في
الايمان: باب تحريم قتل الكافر بعد أن قال: لا إله إلا
الله، من طريق الليث، عن ابن شهاب، عن عطاء بن يزيد
الليثي، عن عبيدالله بن عدي بن الخيار، عن المقداد بن
الاسود، أنه أخبره أنه قال: يا رسول الله ! أرأيت إن لقيت
رجلا من الكفار فقاتلني، فضرب إحدى يدي بالسيف، فقطعها، ثم
لاذ مني بشجرة، فقال: أسلمت لله.
أفأقتله يا رسول الله، بعد أن قالها ؟ قال رسول الله، صلى
الله عليه وسلم،: لا تقتله.
قال: فقلت يا رسول الله إنه قد قطع يدي، ثم قال ذلك بعد أن
قطعها.
أفأقتله ؟ قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: " لا تقتله،
فإن قتلته فإنه بمنزلتك قبل أن تقتله، وإنك بمنزلته قبل أن
يقول كلمته التي قال " واللفظ لمسلم ولاذ مني بشجرة: أي:
اعتصم مني بها.
(3) هي (2055) في الاشربة، باب: إكرام الضيف وفضل إيثاره،
من طريق أبي بكر بن أبي شيبة، عن شبابة بن سوار، عن سليمان
بن المغيرة، عن ثابت، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن
المقداد قال: أقبلت أنا وصاحبان لي.
وقد ذهبت أسماعنا وأبصارنا من الجهد، فجعلنا نعرض (*)
(1/386)
أخبرنا إسحاق الاسدي: أنبأنا ابن خليل، أنبأنا اللبان،
أنبأنا أبو علي الحداد، أنبأنا أبو نعيم، أنبأنا أحمد بن
المسندي، حدثنا موسى بن هارون، حدثنا عباس بن الوليد،
حدثنا بشر بن المفضل، حدثنا ابن عون، عن عمير ابن إسحاق،
عن المقداد بن الاسود قال: استعملني رسول الله، صلى الله
عليه وسلم، على
__________
أنفسنا على أصحاب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فليس أحد
منهم يقبلنا.
فأتينا النبي، صلى الله عليه وسلم، فانطلق بنا إلى أهله،
فإذا ثلاثة أعنز.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " احتلبوا هذا اللبن بيننا
" قال: فكنا نحتلب فيشرب كل إنسان منا نصيبه، ونرفع للنبي
صلى الله عليه وسلم نصيبه.
قال: فيجئ من الليل فيسلم تسليما لا يوقظ نائما، ويسمع
اليقظان.
قال: ثم يأتي المسجد فيصلي، ثم يأتي شرابه فيشرب.
فأتاني الشيطان ذات ليلة، وقد شربت نصيبي.
فقال: محمد يأتي الانصار فيتحفونه ويصيب عندهم، ما به حاجة
إلى هذه الجرعة.
فأتيتها فشربتها.
فلما أن وغلت في بطني، وعلمت أنه ليس إليها سبيل، ندمني
الشيطان، فقال: ويحك ما صنعت ؟ أشربت شراب محمد، فيجئ فلا
يجده، فيدعو عليك، فتهلك، فتذهب دنياك وآخرتك ؟ وعلي شملة،
إذا وضعتها على قدمي خرج رأسي، وإذا وضعتها على رأسي خرج
قدماي.
وجعل لا يجيئني النوم.
وأما صاحباي فناما، ولم يصنعا ما صنعت.
قال: فجاء النبي، صلى الله عليه وسلم، فسلم كما كان يسلم.
ثم أتى المسجد فصلى، ثم أتى شرابه، فكشف عنه فلم يجد فيه
شيئا.
فرفع رأسه إلى السماء فقلت: الآن يدعو علي فأهلك فقال: "
اللهم أطعم من أطعمني، وأسق من أسقاني ".
قال: فعمدت إلى الشملة، فشددتها علي، وأخذت الشفرة،
فانطلقت إلى الاعنز أيها أسمن، فأذبحها لرسول الله، صلى
الله عليه وسلم، فإذا هي حافلة، وإذا هن حفل كلهن.
فعمدت إلى إناه لآل محمد، صلى الله عليه وسلم، ما كانوا
يطمعون أن يحتلبوا فيه.
قال: فحلبت فيه، حتى علته
رغوة، فجئت إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فقال:
أشربتم شرابكم الليلة ؟ قال: قلت يا رسول الله: اشرب.
فشرب ثم ناولني فقلت: يا رسول الله، اشرب.
فشرب ثم ناولني: فلما عرفت أن النبي، صلى الله عليه وسلم،
قد روي، وأصبت دعوته، ضحكت حتى ألقيت إلى الارض.
قال: فقال النبي، صلى الله عليه وسلم: " إحدى سوأتك يا
مقداد ".
فقلت: يا رسول الله، كان من أمري كذا وكذا، وفعلت كذا.
فقال النبي، صلى الله عليه وسلم: " ما هذه إلا رحمة من
الله، افلا كنت آذنتني فنوقظ صاحبينا فيصيبان منها ؟ "
قال: فقلت: والذي بعثك بالحق، ما أبالي إذا أصبتها،
وأصبتها معك، من أصابها من الناس.
و (2864) في الجنة: باب في صفة يوم القيامة، من طريق عبد
الرحمن بن جابر، عن سليم بن عامر، عن المقداد بن الاسود،
قال: سمعت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يقول: " تدنى
الشمس يوم القيامة من الخلق، حتى تكون منهم كمقدار ميل،
قال سليم بن عامر: فوالله ما أدري ما يعني بالميل: أمسافة
الارض، أم الميل الذي تكتحل به العين ؟.
قال: فيكون الناس على قدر أعمالهم في العرق، فمنهم من يكون
إلى كعبيه، ومنهم من يكون إلى ركبتيه، ومنهم من يكون إلى
حقويه، ومنهم من يلجمه العرق إلجاما ".
قال: وأشار رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بيده إلى فيه،
و (3002) في الزهد: باب النهي عن المدح، إذا كان فيه إفراط
من طريق (*)
(1/387)
عمل، فلما رجعت، قال: " كيف وجدت الامارة " ؟ قلت: يا رسول
الله ! ما ظننت إلا أن الناس كلهم خول لي.
والله لا ألي على عمل ما دمت حيا (1).
بقية: حدثنا حريز بن عثمان، حدثني عبد الرحمن بن ميسرة،
حدثني أبو راشد الحبراني قال: وافيت المقداد فارس رسول
الله صلى الله عليه وسلم بحمص على تابوت من توابيت
الصيارفة، قد أفضل عليها من عظمه، يريد الغزو، فقلت له: قد
أعذر الله إليك.
فقال: أبت علينا سورة البحوث (انفروا خفافا وثقالا) [
التوبة: 41 ] (2).
يحيى الحماني: حدثنا ابن المبارك، عن صفوان بن عمرو، حدثنا
عبد
الرحمن بن جبير بن نفير، عن أبيه قال: جلسنا إلى المقداد
يوما، فمر به رجل، فقال: طوبى لهاتين العينين اللتين رأتا
رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله لوددنا أنا رأينا ما
رأيت، فاستمعت، فجعلت أعجب، ما قال إلا خيرا، ثم أقبل
عليه، فقال: ما يحمل أحدكم على أن يتمنى محضرا غيبه الله
عنه، لا يدري لو شهده كيف كان يكون فيه.
والله لقد حضر رسول الله صلى الله عليه وسلم أقوام كبهم
الله على مناخرهم في جهنم، لم يجيبوه (3)، ولم يصدقوه،
أولا تحمدون الله، لا
__________
= شعبة، عن منصور، عن إبراهيم، عن همام بن الحارث، أن رجلا
جعل يمدح عثمان، فعمد المقداد فجثا على ركبتيه، وكان رجلا
ضخما، فجعل يحثو في وجهه الحصباء، فقال له عثمان: ما شأنك
؟ فقال: إن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال: " إذا
رأيتم المداحين، فاحثوا في وجوههم التراب ".
ولم أجد عند مسلم غير هذه.
ولعله عد هذا الحديث الاخير بحديثين لانه ورد من طريقين مع
اختلاف في بعض الالفاظ.
(1) هو في " الحلية " 1 / 174، وأخرجه الحاكم 3 / 349،
350، وصححه، ووافقه الذهبي.
(2) أخرجه ابن سعد 3 / 1 / 115، وأبو نعيم في " الحلية " 1
/ 176، والحاكم 3 / 349، وصححه، وابن جرير 10 / 139.
وسورة البحوث: هي التوبة سميت بذلك لما فيها من البحث عن
المنافقين، وكشف أسرارهم.
وأعذر الله إليك: أي عذرك لثقل بدنك فأسقط عنك الجهاد،
ورخص لك في تركه.
(3) سقط من المطبوع " لم " وتحرفت " يجيبوه " إلى " يجيئوه
".
(*)
(1/388)
تعرفون إلا ربكم مصدقين بما جاء به نبيكم، وقد كفيتم
البلاء بغيركم ؟ والله لقد بعث النبي، صلى الله عليه وسلم،
على أشد حال بعث عليه نبي في فترة وجاهلية، ما يرون دينا
أفضل من عبادة الاوثان، فجاء بفرقان حتى إن الرجل ليرى
والده، أو ولده، أو أخاه كافرا، وقد فتح الله قفل قلبه
للايمان، ليعلم أنه قد هلك من
دخل النار، فلا تقر عينه وهو يعلم أن حميمه في النار،
وأنها للتي قال الله تعالى (ربنا هب لنا من أزواجنا
وذرياتنا قرة أعين) [ الفرقان: 74 ] (1).
وفي " مسند أحمد " لبريدة: قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: " عليكم بحب أربعة: علي، وأبي ذر، وسلمان، والمقداد
" (2).
وعن كريمة بنت المقداد، أن المقداد أوصى للحسن والحسين
بستة وثلاثين ألفا، ولامهات المؤمنين لكل واحدة بسبعة آلاف
درهم، وقيل: إنه شرب دهن الخروع، فمات.
82 - أبي بن كعب * (ع)
ابن قيس بن عبيد بن زيد بن معاوية بن عمرو بن مالك بن
النجار.
__________
(1) أخرجه أبو نعيم في " الحلية " 1 / 175 - 176.
(2) أخرجه أحمد 5 / 351 و 356، والترمذي (3720) في
المناقب.
وابن ماجه (149) في المقدمة، وأبو نعيم في " الحلية " 1 /
172، وفي سنده عندهم: شريك بن عبد الله القاضي، وهو ضعيف.
وقد تفرد به.
وشيخه أبو ربيعة الايادي لم يوثق.
(*) مسند أحمد: 5 / 113 - 144، الطبقات لابن سعد: 3 / 2 /
59، طبقات خليفة: 88 - 89، تاريخ خليفة: 167، التاريخ
الكبير: 2 / 39 - 40، المعارف: 261، الجرح والتعديل: 2 /
290، الاستبصار: 48، حلية الاولياء: 1 / 250 - 256،
الاستيعاب: 1 / 126، ابن عساكر: 2 / 292 / 2، أسد الغابة:
1 / 61، تهذيب الاسماء واللغات: 1 / 108 - 110، تهذيب
الكمال: 70، تاريخ الاسلام: 2 / 27، دول الاسلام: 1 / 16،
العبر: 1 / 23، مجمع الزوائد: 9 / 311 - 312، طبقات
القراء: 1 / 31، تهذيب التهذيب: 1 / 187، الاصابة: 1 / 26،
طبقات الحفاظ: 5، خلاصة تذهيب الكمال: 24، شذرات الذهب: 1
/ 32 - 33، كنز العمال: 13 / 261 - 268، تهذيب تاريخ ابن
عساكر: 2 / 325 - 334.
(*)
(1/389)
سيد القراء، أبو منذر الانصاري النجاري المدني المقرئ
البدري ويكنى أيضا أبا الطفيل.
شهد العقبة، وبدرا، وجمع القرآن في حياة النبي صلى الله
عليه وسلم، وعرض على النبي، عليه السلام، وحفظ عنه علما
مباركا، وكان رأسا في العلم والعمل، رضي الله عنه.
حدث عنه بنوه محمد، والطفيل، و عبد الله، وأنس بن مالك،
وابن عباس، وسويد بن غفلة، وزر بن حبيش، وأبو العالية
الرياحي (1)، وأبو عثمان النهدي، وسليمان بن صرد، وسهل بن
سعد، وأبو إدريس الخولاني، و عبد الله بن الحارث بن نوفل،
و عبد الرحمن بن أبزى، و عبد الرحمن بن أبي ليلى، وعبيد بن
عمير، وعتي (2) السعدي، وابن الحوتكية، وسعيد بن المسيب،
وكأنه مرسل، وآخرون.
فعن عيسى بن طلحة بن عبيد الله قال: كان أبي رجلا دحداحا،
يعني ربعة، ليس بالطويل ولا بالقصير.
وعن ابن عباس بن سهل، قال: كان أبي أبيض الرأس (3)
واللحية.
وقال أنس: قال النبي صلى الله عليه وسلم لابي بن كعب: " إن
الله أمرني أن أقرأ عليك القرآن " وفي لفظ: " أمرني أن
أقرتك القرآن ".
قال: الله سماني لك ؟ قال: نعم " قال: وذكرت عند رب
العالمين ؟ قال: " نعم ".
فذرفت عيناه (4).
__________
(1) تحرفت في المطبوع إلى " الرفاعي ".
(2) تحرفت في المطبوع إلى " عبي ".
(3) تحرفت في المطبوع إلى " اللون ".
(4) أخرجه أحمد 3 / 130، 137، 185، 218، 233، 273، 284،
والبخاري في المناقب: باب مناقب أبي، (4959) و (4960) و
(4961) في التفسير: باب سورة لم يكن،
ومسلم (799) في صلاة المسافرين، و (245) (246): باب
استحباب قراءة القرآن على أهل الفضل، و (799) (121، 122)
في فضائل الصحابة: باب فضائل أبي، والترمذي (3795) في
المناقب، و عبد الرزاق (20411)، وابن سعد 3 / 2 / 60.
(*)
(1/390)
ولما سأل النبي، صلى الله عليه وسلم أبيا عن أي آية في
القرآن أعظم، فقال أبي (الله لا إله إلا هو الحي القيوم) [
البقرة: 255 ] (1).
ضرب النبي، صلى الله عليه وسلم، في صدره وقال: ليهنك العلم
أبا المنذر.
قال أنس بن مالك: جمع القرآن على عهد رسول الله صلى الله
عليه وسلم أربعة كلهم من الانصار: أبي بن كعب، ومعاذ بن
جبل، وزيد بن ثابت، وأبو زيد أحد عمومتي (2).
وقال ابن عباس: قال أبي لعمر بن الخطاب: إني تلقيت القرآن
ممن تلقاه من جبريل عليه السلام وهو رطب (3).
وقال ابن عباس: قال عمر: أقضانا علي، وأقرأنا أبي، وإنا
لندع من قراءة أبي، وهو يقول: لا أدع شيئا سمعته من رسول
الله، صلى الله عليه وسلم، وقد قال الله تعالى: (ما ننسخ
من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها) [ البقرة: 106 ]
(4).
__________
(1) أخرجه أحمد 5 / 142، ومسلم (810) في صلاة المسافرين:
باب فضل سورة الكهف وآية الكرسي، وأبو داود (1460) في
الوتر: باب ما جاء في آية الكرسي، وأشار الترمذي في كتاب
فضائل القرآن: في آخر باب: قصة في فضل آية الكرسي إلى حديث
أبي بن كعب، والحاكم 3 / 304 وصححه، ووافقه الذهبي، وزاد
السيوطي نسبته في " الدر المنثور " إلى ابن الضريس
والهروي.
ومعناه: ليكن العلم هنيئا لك.
(2) أخرجه البخاري (5003) في فضائل القرآن: باب القراء من
أصحاب النبي، ومسلم
(2465) في فضائل الصحابة: باب فضائل أبي، والترمذي (3796)
في المناقب: باب مناقب معاذ وزيد وأبي.
(3) أخرجه أحمد 5 / 117.
(4) أخرجه أحمد 5 / 113، والبخاري (4481) في التفسير: باب
قوله تعالى: ما ننسخ من آية أو ننسها، و (5005) في فضائل
القرآن: باب القراء من أصحاب النبي، والحاكم 3 / 305،
والفسوي 2 / 481 في " المعرفة والتاريخ ".
وقوله: ننسها: من النسيان.
وهي قراءة ما سوى ابن كثير، وأبي عمرو من السبعة وفي رواية
البخاري " أو ننسأها " أي نؤخرها، وهي قراءة ابن كثير وأبي
عمرو.
(*)
(1/391)
وروى أبو قلابة، عن أنس قال: قال رسول الله، صلى الله عليه
وسلم: أقرأ أمتي أبي (1).
وعن أبي سعيد قال: قال أبي: يا رسول الله صلى الله عليه
وسلم ! ما جزاء الحمى ؟ قال: " تجري الحسنات على صاحبها ".
فقال: اللهم إني أسألك حمى لا تمنعني خروجا في سبيلك.
فلم يمس أبي قط إلا وبه الحمى (2).
قلت: ملازمة الحمى له حرفت خلقه يسيرا، ومن ثم يقول زر بن
جبيش: كان أبي فيه شراسة.
قال أبو نضرة العبدي: قال رجل منا يقال له جابر أو جويبر
طلبت حاجة إلى عمر وإلى جنبه رجل أبيض الثياب والشعر،
فقال: إن الدنيا فيها بلاغنا، وزادنا إلى الآخرة، وفيها
أعمالنا التي نجزى بها في الآخرة.
فقلت: من هذا يا أمير المؤمنين ؟ قال: هذا سيد المسلمين
أبي بن كعب (3).
قال مغيرة بن مسلم، عن الربيع، عن أنس، عن أبي العالية
قال: قال رجل لابي بن كعب: أوصني، قال: اتخذ كتاب الله
إماما، وارض به قاضيا وحكما،
__________
(1) أخرجه الترمذي (3793) في المناقب: باب مناقب أهل
البيت، وابن ماجه (154) في
المقدمة: الباب رقم (11)، وابن سعد 3 / 2 / 60 كلهم من
طريق: عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي، عن خالد الحذاء،
عن أبي قلابة، عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله، صلى
الله عليه وسلم: " أرحم أمتي بأمتي أبو بكر، وأشدهم في أمر
الله عمر، وأصدقهم حياء عثمان، وأقرؤ هم لكتاب الله أبي بن
كعب، وأفرضهم زيد بن ثابت، وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ
بن جبل.
ألا وإن لكل أمة أمينا، وإن أمين هذه الامة أبو عبيدة بن
الجراح "، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
(2) أخرجه أحمد 3 / 23، من طريق يحيى، عن سعد بن إسحاق، عن
زينب ابنة كعب بن عجرة، عن أبي سعيد الخدري، وصححه ابن
حبان (692)، وانظر " مجمع الزوائد " 2 / 302، وأخرجه
الطبراني (540) وأبو نعيم في " الحلية " 1 / 255، من طريق
سليمان بن أحمد، حدثنا أحمد بن خليد، عن محمد بن عيسى بن
الطباع، عن معاذ بن محمد بن معاذ بن أبي بن كعب، عن أبيه
عن جده، عن أبي بن كعب.
وانظر " المجمع " 2 / 305، و " فتح الباري " 10 / 103 -
110.
(3) أخرجه ابن سعد 3 / 2 / 60.
(*)
(1/392)
فإنه الذي استخلف فيكم رسولكم، شفيع، مطاع، وشاهد لا يتهم،
فيه ذكركم وذكر من قبلكم، وحكم ما بينكم، وخبركم وخبر ما
بعدكم (1).
الثوري، وأبو جعفر الرازي، واللفظ له: عن الربيع بن أنس،
عن أبي العالية، عن أبي (قل هو القادر على أن يبعث عليكم
عذابا من فوقكم) قال: هن أربع، كلهن عذاب، وكلهن واقع لا
محالة، فمضت اثنتان بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم بخمس
وعشرين سنة، فالبسوا شيعا، وذاق بعضهم بأس بعض، وبقي ثنتان
واقعتان لا محالة: الخسف والرجم (2).
أخبرنا إسحاق الاسدي، أنبأنا يوسف الحافظ، أنبأنا أحمد بن
محمد، أنبأنا أبو علي المقرئ: أنبأنا أبو نعيم، حدثنا محمد
بن إسحاق بن أيوب، حدثنا إبراهيم بن سعدان، حدثنا بكر بن
بكار، حدثنا عبد الحميد بن جعفر،
حدثني أبي، عن سليمان بن يسار، عن عبد الله بن الحارث بن
نوفل قال: كنت واقفا مع أبي بن كعب في ظل أطم حسان، والسوق
سوق الفاكهة اليوم، فقال أبي: ألا ترى الناس مختلفة
أعناقهم في طلب الدنيا ؟ قلت بلى، قال: سمعت رسول الله صلى
الله عليه وسلم يقول: " يوشك أن يحسر الفرات عن جبل من
ذهب، فإذا سمع به الناس، ساروا إليه، فيقول من عنده: لئن
تركنا الناس يأخذون منه لا يدعون منه شيئا، فيقتل (3)
الناس من كل مئة تسعة وتسعون " (4).
__________
(1) أخرجه أبو نعيم في " الحلية " 1 / 253.
(2) أخرجه أحمد 5 / 135، والطبري 7 / 226، وأبو نعيم في "
الحلية " 1 / 253 عن وكيع، عن أبي جعفر بن الربيع، عن أبي
العالية، عن أبي بن كعب، وزاد السيوطي نسبته في " الدر
المنثور " 3 / 17 إلى ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن
المنذر، وابن أبي حاتم، وأبي الشيخ، وابن مردويه.
(3) تصفحت في المطبوع إلى " فيقبل ".
(4) أخرجه أحمد 5 / 139، و 5 / 140 مختصرا، ومسلم (2895)
في الفتن: باب: لا تقوم الساعة حتى يحسر الفرات عن جبل من
ذهب، وأبو نعيم في " الحلية " 1 / 255.
(*)
(1/393)
أخرجه مسلم من طريق عبد الحميد، وله إسناد آخر وهو
الزبيدي، عن الزهري، عن إسحاق مولى المغيرة عن أبي (1).
أبو صالح الكاتب: حدثنا موسى بن علي، عن أبيه أن عمر خطب
بالجابية، فقال: من أراد أن يسأل عن القرآن، فليأت أبي بن
كعب، ومن أراد أن يسأل عن الفرائض، فليأت زيدا، ومن أراد
أن يسأل عن الفقه، فليأت معاذا، ومن أراد أن يسأل عن
المال، فليأتني، فإن الله جعلني خازنا وقاسما (2).
ورواه الواقدي عن موسى أيضا.
أبو بكر بن عياش: عن عاصم عن زر قال: أتيت المدينة، فأتيت
أبيا فقلت: يرحمك الله ! اخفض لي جناحك - وكان امرءا فيه
شراسة - فسألته عن ليلة القدر، فقال: ليلة سبع وعشرين (3).
سفيان الثوري: عن أسلم المنقري، عن عبد الله بن عبد الرحمن
بن أبزى، عن أبيه قال: قال أبي بن كعب: قال لي رسول الله،
صلى الله عليه وسلم: " أمرت أن أقرأ عليك القرآن " قلت: يا
رسول الله ! وسميت لك ؟ قال: " نعم " قلت لابي: فرحت بذلك
؟ قال: وما يمنعني وهو تعالى يقول: (قل بفضل الله وبرحمته
فبذلك فليفرحوا) [ يونس: 58 ] (4).
__________
(1) أخرجه الطبراني (537) وتمامه: ابن كعب الانصاري، رضي
الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: " لا
تقوم الساعة حتى يحسر الفرات عن جبل من ذهب يقتتل عليه
الناس فيقتل تسعة أعشارهم ".
(2) أبو صالح، هو عبد الله بن صالح، كاتب الليث.
سيئ الحفظ.
وباقي رجاله ثقات.
(3) أخرجه عبد الله بن الامام أحمد في " زوائد المسند " 5
/ 132، وسنده حسن.
(4) أخرجه أحمد 5 / 122، 123، وأبو نعيم في " الحلية " 1 /
251.
(*)
(1/394)
تابعه الاجلح، عن عبد الله، عن أبيه.
محمد بن عيسى بن الطباع: حدثنا معاذ بن محمد بن محمد بن
أبي بن كعب، عن أبيه، عن جده، عن أبي، قال رسول الله، صلى
الله عليه وسلم: " يا أبا المنذر ! إني أمرت أن أعرض عليك
القرآن " فقلت: بالله آمنت، وعلى يدك أسلمت، ومنك تعلمت.
فرد القول، فقلت: يا رسول الله ! وذكرت هناك ؟ قال: " نعم
باسمك ونسبك في الملا الاعلى " قلت: اقرأ إذن يا رسول الله
(1).
وقد رواه أبو حاتم الرازي، عن ابن الطباع، فقال: حدثنا
معاذ بن محمد ابن معاذ بن أبي.
سفيان عن الاعمش، عن أبي وائل، عن مسروق، عن عبد الله بن
عمرو مرفوعا: استقرئوا القرآن من أربعة: من ابن مسعود،
وأبي، ومعاذ، وسالم مولى أبي حذيفة (2) وأخرج أبو داود من
حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى صلاة، فلبس
عليه، فلما انصرف، قال لابي: " أصليت معنا ؟ " قال: نعم.
قال: " فما منعك (3) ".
__________
(1) معاذ وأبوه لم يوثقهما غير ابن حبان، وأخرجه أبو نعيم
في " الحلية " 1 / 252، والطبراني في " الكبير " (539)،
وذكره الهيثمي في " المجمع " 9 / 312، ونسبه إلى الطبراني
في " الاوسط " بأسانيد،...ولم ينسبه إلى الطبراني في "
الكبير ".
(2) أخرجه البخاري (3758) في الفضائل: باب مناقب سالم مولى
أبي حذيفة و (3760) (3806) و (3808) في مناقب الانصار، و
(4999) في فضائل القرآن: باب القراء من أصحاب النبي، صلى
الله عليه وسلم، والحاكم 3 / 225 وصححه، ووافقه الذهبي،
وأبو نعيم في " الحلية " 1 / 176، والفسوي في " المعرفة
والتاريخ " 2 / 537، 538 من طريقين، وانظر " المجمع " 9 /
311.
(3) أخرجه أبو داود (907) في الصلاة: باب الفتح على
الامام، وإسناده صحيح، قال الخطابي: أراد: ما منعك أن تفتح
علي إذ رأيتني قد لبس علي ؟ وفيه دليل على جواز تلقين
الامام.
(*)
(1/395)
شعبة: عن أبي جمرة (1)، حدثنا إياس بن قتادة، عن قيس بن
عباد، قال: أتيت المدينة للقاء أصحاب محمد صلى الله عليه
وسلم، ولم يكن فيهم رجل ألقاه أحب إلي من أبي، فأقيمت
الصلاة، وخرج فقمت في الصف الاول.
فجاء رجل فنظر في وجوه القوم، فعرفهم غيري، فنحاني، وقام
في مقامي.
فما عقلت صلاتي.
فلما صلى، قال: يا بني ! لا يسوؤك الله، فإني لم آت الذي
أتيت بجهالة، ولكن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال
لنا: " كونوا في الصف الذي يليني " وإني نظرت في وجوه
القوم، فعرفتهم غيرك، وإذا هو أبي رضي الله عنه (2).
الدارمي (3): حدثنا يحيى بن حسان، حدثنا عكرمة بن إبراهيم،
أخبرنا يزيد بن شداد، حدثني معاوية بن قرة، حدثني عتبة بن
عبد الله بن عمرو بن العاص، حدثني أبي، عن جدي قال: كنت
عند رسول الله، صلى الله عليه وسلم، في يوم عيد، فقال: "
ادعوا لي سيد الانصار " فدعوا أبي بن كعب، فقال: " يا أبي
! ائت بقيع المصلى، فأمر بكنسه " الحديث (4).
__________
(1) أبو جمرة: هو نصر بن عمران بن عصام الضبعي البصري،
نزيل خراسان ثقة، ثبت، روى له الجماعة.
وقد تحرف في " المسند "، و " تعجيل المنفعة " إلى " أبي
حمزة ".
وتحرف في المطبوع إلى أبي " ضمرة ".
(2) إسناده صحيح، وهو في " المسند " 5 / 140، و " الحلية "
1 / 252 وأخرجه النسائي 2 / 88، وأبو نعيم في " الحلية "
أيضا 1 / 252، كلاهما: من طريق يوسف بن يعقوب، عن التيمي،
عن أبي مجلز، عن قيس بن عباد بنحوه.
(3) هو أبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن صاحب السنن.
وقد تحرف في المطبوع إلى " الواقدي ".
(4) إسناده ضعيف لضعف عكرمة بن إبراهيم، وجهالة يزيد بن
شداد وعتبة بن عبد الله بن عمرو آبن العاص.
وذكره الهيثمي في " المجمع " 2 / 200، وتمامه: " وأمر
الناس أن يخرجوا.
فلما بلغ الباب رجع.
قال: يا رسول الله، والنساء ؟ فقال: والعواتق، والحيض، يكن
في الناس يشهدن الدعوة "، وقال: رواه الطبراني في " الكبير
"، وفيه يزيد بن شداد الهنائي مجهول.
(*)
(1/396)
الوليد بن مسلم: حدثنا عبد الله بن العلاء، عن عطية بن
قيس، عن أبي
إدريس الخولاني أن أبا الدرداء (1) ركب إلى المدينة في نفر
من أهل دمشق، فقرؤوا يوما على عمر: (إذ جعل الذين كفروا في
قلوبهم الحمية حمية الجاهلية) [ الفتح: 26 ]، ولو حميتم
كما حموا، لفسد المسجد الحرام.
فقال عمر: من أقرأكم هذا ؟ قالوا: أبي بن كعب.
فدعا به، فلما أتى (2) قال: اقرؤوا.
فقرؤوا كذلك.
فقال أبي: والله يا عمر إنك لتعلم أني كنت أحضر ويغيبون،
وأدنى ويحجبون، ويصنع بي ويصنع بي، ووالله لئن أحببت،
لالزمن بيتي، فلا أحدث شيئا، ولا أقرئ أحدا حتى أموت.
فقال عمر: اللهم غفرا ! إنا لنعلم أن الله قد جعل عندك
علما فعلم الناس ما علمت (3).
ابن عيينة: عن عمرو، عن بجالة أو غيره قال: مر عمر بن
الخطاب بغلام يقرأ في المصحف (النبي أولى بالمؤمنين من
أنفسهم، وأزواجه أمهاتهم) [ الاحزاب 61 ] " هو أب لهم "
فقال: يا غلام حكها.
قال: هذا مصحف أبي.
فذهب إليه فسأله فقال: إنه كان يلهيني القرآن، ويلهيك
الصفق بالاسواق (4).
عوف: عن الحسن: حدثني عتي بن ضمرة قال: رأيت أهل المدينة
__________
(1) تحرفت في المطبوع إلى " العلاء ".
(2) تصحفت في المطبوع إلى " أبي ".
(3) رجاله ثقات، وأخرجه الحاكم 2 / 225 من طريق محمد بن
شعيب، عن عبد الله بن العلاء، عن بشر بن عبد الله، عن أبي،
وأورده ابن كثير 4 / 194 في " تفسيره " عن النسائي، من
طريق إبراهيم بن سعيد، عن شبابة بن سوار، عن أبي رزين، عن
عبد الله بن العلاء، عن بشر بن عبد الله، عن أبي...، وذكره
السيوطي في " الدر المنثور " 6 / 79، ونسبه إلى النسائي
والحاكم.
(4) عمرو: هو ابن دينار المكي، ثقة ثبت.
وبجالة: - وقد تحرف في المطبوع إلى " مجالد " هو ابن عبدة
التميمي البصري، ثقة أيضا وقد ذكره السيوطي في " الدر
المنثور " 5 / 183 ونسبه إلى عبد
الرزاق، وسعيد بن منصور، وإسحاق بن راهويه، وابن المنذر،
والبيهقي.
(*)
(1/397)
يموجون في سككهم.
فقلت: ما شأن هؤلاء ؟ فقال بعضهم: ما أنت من أهل البلد ؟
قلت: لا.
قال: فإنه قد مات اليوم سيد المسلمين، أبي بن كعب (1).
أيوب: عن أبي قلابة، عن أبي المهلب، عن أبي قال: إنا
لنقرؤه في ثمان ليال، يعني القرآن (2).
سلام بن مسكين: حدثنا عمران بن عبد الله، قال أبي بن كعب
لعمر بن الخطاب: مالك لا تستعملني ؟ قال: أكره أن يدنس
دينك (3).
الاعمش: عن حبيب بن أبي (4) ثابت، عن سعيد (5) بن جبير، عن
ابن عباس، قال عمر: اخرجوا بنا إلى أرض قومنا.
فكنت في مؤخر الناس مع أبي ابن كعب.
فهاجت سحابة، فقال: اللهم اصرف عنا أذاها، قال: فلحقناهم
وقد ابتلت رحالهم، فقال عمر: ما أصابكم الذي أصابنا، قلت:
إن أبا المنذر قال: اللهم اصرف عنا أذاها، قال: فهلا دعوتم
لنا معكم (6).
قال معمر: عامة علم ابن عباس من ثلاثة: عمر، وعلي، وأبي.
قال مسروق: سألت أبيا عن شئ، فقال: أكان بعد ؟ قلت: لا.
قال:
__________
(1) رجاله ثقات.
وعوف هو ابن أبي جميلة.
وانظر الخبر في " الطبقات " 3 / 2 / 61، من طريق عفان، عن
جعفر بن سليمان، عن أبي عمران الجوني، عن جندب بن عبد الله
البجلي...وقد تحرفت " عتي " في المطبوع إلى " غني ".
(2) أخرجه ابن سعد 3 / 2 / 60، وإسناده صحيح، وأبو المهلب
هو الجرمي، عم أبي قلابة.
واسمه: عمرو أو عبد الرحمن.
من رجال مسلم.
(3) أخرجه ابن سعد 3 / 2 / 60 (4) سقطت من المطبوع لفظة "
أبي ".
(5) تصحفت في المطبوع إلى " سعد ".
(6) رجاله ثقات.
إلا أن حبيب بن أبي ثابت مدلس، وقد عنعن.
(*)
(1/398)
فاحمنا حتى يكون، فإذا كان، اجتهدنا لك رأينا.
الجريري: عن أبي نضرة قال: قال رجل منا يقال له: جابر أو
جويبر، قال: أتيت عمر وقد أعطيت منطقا فأخذت في الدنيا،
فصغرتها، فتركتها لا تسوى شيئا، وإلى جنبه رجل أبيض الرأس
واللحية والثياب، فقال: كل قولك مقارب إلا وقوعك في
الدنيا، هل تدري ما الدنيا ؟ فيها بلاغنا أو قال: زادنا
إلى الآخرة، وفيها أعمالنا التي نجزى بها.
قلت: من هذا يا أمير المؤنين قال: هذا سيد المسلمين أبي بن
كعب (1).
أصرم بن حوشب: عن أبي جعفر الرازي، عن الربيع بن أنس، عن
أبي العالية قال: كان أبي صاحب عبادة، فلما احتاج الناس
إليه، ترك العبادة، وجلس للقوم (2).
عوف: عن الحسن، عن عتي بن ضمرة، قلت لابي بن كعب: ما شأنكم
يا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم نأتيكم من الغربة
نرجو عندكم الخير فتهاونون بنا ؟ قال: والله لئن عشت إلى
هذه الجمعة لاقولن قولا لا أبالي استحييتموني أو قتلتموني،
فلما كان يوم الجمعة، خرجت، فإذا أهل المدينة يموجون في
سككها، فقلت: ما الخبر ؟ قالوا: مات سيد المسلمين أبي بن
كعب (3).
قد ذكرت أخبار أبي بن كعب في " طبقات القراء "، وأن ابن
عباس وأبا العالية، و عبد الله بن السائب قرؤوا عليه، وأن
عبد الله بن عياش المخزومي قرأ
__________
(1) أخرجه ابن سعد 3 / 2 / 60.
(2) أصرم بن حوشب هالك.
قال يحيى: كذاب خبيث.
وقال البخاري، ومسلم، والنسائي:
متروك.
وقال ابن حبان: كان يضع الحديث على الثقات.
وشيخه أبو جعفر الرازي سيئ الحفظ.
(3) تقدم تخريجه في الصفحة (398) تعليق رقم (1).
(*)
(1/399)
عليه أيضا، وكان عمر يجل أبيا، ويتأدب معه، ويتحاكم إليه.
قال محمد بن عمر الواقدي: تدل أحاديث على وفاة أبي بن كعب
في خلافة عمر.
ورأيت أهله وغيرهم يقولون: مات في سنة اثنتين وعشرين
بالمدينة، وأن عمر قال: اليوم مات سيد المسلمين.
قال: وقد سمعنا من يقول: مات في خلافة عثمان سنة ثلاثين.
قال: وهو أثبت الاقاويل عندنا، وذلك أن عثمان أمره أن يجمع
القرآن.
وقال محمد بن سعد: حدثنا عارم، حدثنا حماد، عن أيوب، عن
ابن سيرين أن عثمان جمع اثني عشر رجلا من قريش والانصار
فيهم أبي بن كعب، وزيد بن ثابت في جمع القرآن (1).
قلت: هذا إسناد قوي، لكنه مرسل.
وما أحسب أن عثمان ندب للمصحف أبيا، ولو كان كذلك، لاشتهر،
ولكان الذكر لابي لا لزيد، والظاهر وفاة أبي في زمن عمر
حتى إن الهيثم بن عدي وغيره ذكرا موته سنة تسع عشرة.
وقال محمد بن عبد الله بن نمير، وأبو عبيد، وأبو عمر
الضرير: مات سنة اثنتين وعشرين، فالنفس إلى هذا أميل، وأما
خليفة بن خياط، وأبو حفص الفلاس فقالا: مات في خلافة
عثمان.
وقال خليفة مرة: مات سنة اثنتين وثلاثين.
وفي سنن أبي داود: يونس بن عبيد، عن الحسن أن عمر بن
الخطاب جمع الناس على أبي بن كعب في قيام رمضان، فكان يصلي
بهم عشرين
__________
(1) أخرجه الفسوي 2 / 487 في " المعرفة والتاريخ ".
(*)
(1/400)
ركعة (1).
وقد كان أبي التقط صرة فيها مئة دينار، فعرفها حولا
وتملكها، وذلك في " الصحيحين " (2).
__________
(1) سنده منقطع، أخرجه أبو داود (1429) في الصلاة: باب
القنوت في الوتر، من طريق شجاع بن مخلد، عن هشيم، عن يونس
بن عبيد، عن الحسن، " أن عمر بن الخطاب جمع الناس على أبي
بن كعب، فكان يصلي لهم عشرين ركعة.
ولا يقنت بهم إلا في النصف الباقي، فإذا كانت العشر
الاواخر تخلف، فصلى في بيته، فكانوا يقولون: أين أبي ".
وأخرج ابن أبي شيبة من حديث عبد العزيز بن رفيع قال: كان
أبي بن كعب، رضي الله عنه، يصلي بالمدينة عشرين ركعة،
ويوتر بثلاث.
وهذا مرسل قوي السند.
وأخرج أيضا عن يحيى بن سعيد، أن عمر بن الخطاب أمر رجلا
يصلي بهم عشرين ركعة.
وأخرج عبد الرزاق في " المصنف " (7730)، من طريق داود بن
قيس وغيره، عن محمد بن يوسف، عن السائب بن يزيد، أن عمر
جمع الناس في رمضان على أبي بن كعب - على تميم الداري -
على إحدى وعشرين ركعة يقرؤون بالمئين، وينصرفون عند فروع
الفجر "، وهذا سند قوي.
وأخرج البيهقي في " سننه " 2 / 496 من طريق علي بن الجعد،
عن ابن أبي ذئب، عن يزيد ابن خصيفة، عن السائب بن يزيد، قا
ل: كانوا يقومون على عهد عمر بن الخطاب، رضي الله عنه،
بعشرين ركعة.
قال: وكانوا يقرؤون بالمئين، وكانوا يتوكؤون على عصيهم في
عهد عثمان، رضي الله عنه، من شدة القيام، وهذا إسناد صحيح،
رجاله كلهم عدول ثقات.
(2) أخرجه أحمد 5 / 126، والبخاري (2426) في اللقطة: باب
إذا أخبره رب اللقطة بالعلامة دفع إليه، و (2437) فيه: باب
هل يأخذ اللقطة ولا يدعها تضيع حتى لا يأخذها من لا يستحق،
ومسلم (1723) في اللقطة، وأبو داود (1701) في اللقطة: باب
التعريف باللقطة، والترمذي (1374) في الاحكام: باب ما جاء
في اللقطة وضالة الابل: كلهم من طريق شعبة، عن سلمة بن
كهيل، عن سويد بن غفلة قال: خرجت أنا، وزيد بن صوحان،
وسلمان بن ربيعة، غازين.
فوجدت سوطا فأخذته.
فقالا لي: دعه.
فقلت: لا.
ولكني أعرفه.
فإن جاء صاحبه وإلا استمتعت به.
قال: فأبيت عليهما.
فلما رجعنا من غزاتنا قضي لي أني حججت فأتبت المدينة،
فلقيت أبي ابن كعب، فأخبرته بشأن السوط وبقولهما، فقال:
إني وجدت صرة فيها مئة دينار، على عهد رسول الله، صلى الله
عليه وسلم، فأتبت بها رسول الله، صلى الله عليه وسلم،
فقال: " عرفها حولا ".
قال: فعرفتها فلم أجد من يعرفها.
ثم أتيته فقال: " عرفها حولا " فعرفتها فلم أجد من يعرفها.
ثم أتيته فقال " عرفها حولا " فعرفتها فلم أجد من يعرفها.
فقال: " احفظ عددها ووعاءها ووكاءها، فإن جاء صاحبها، والا
فاستمتع بها فاستمتعت بها ".
فلقيته بعد ذلك بمكة فقال: لا أدري بثلاثة أحوال، أو حول
واحد.
واللفظ لمسلم.
وقوله: لقيته: هو قول شعبة.
يعني لقي سلمة بن كهيل.
وفاعل قال التي بعدها: هو سلمة.
أي هل قال سويد بن غفلة: ثلاثة أعوام أو قال: عاما واحدا.
(*)
(1/401)
وروى عنه ابن عباس قصة موسى والخضر وذلك في " الصحيحين "
(1) أيضا.
ولابي في الكتب الستة نيف وستون حديثا.
وأنبأني بنسبه الحافظ أبو محمد النوني، وقال مالك بن
النجار: هو أخو عدي ودينار ومازن، واسم النجار والدهم تيم
الله (2) بن ثعلبة بن عمرو بن الخزرج.
قال: وأبي بن كعب هو ابن عمة أبي طلحة الانصاري.
وكان أبي نحيفا، قصيرا، أبيض الرأس واللحية.
قال الواقدي: رأيت أهله وغير واحد يقولون: مات في سنة
اثنتين وعشرين بالمدينة.
وقد سمعت من يقول: مات: في خلافة عثمان سنة ثلاثين.
وهو أثبت الاقاويل عندنا.
قال: لان عثمان أمره أن يجمع القرآن.
روى حماد بن زيد: عن أيوب وهشام، عن ابن سيرين: أن عثمان
جمع
اثني عشر رجلا من قريش والانصار فيهم أبي وزيد بن ثابت في
جمع القرآن (3).
له عند بقي بن مخلد مئة وأربعة وستون حديثا، منها في
البخاري ومسلم ثلاثة أحاديث، وانفرد البخاري بثلاثة، ومسلم
بسبعة.
__________
(1) أخرجه أحمد 5 / 117، 118، 120، والبخاري (122) في
العلم،: باب ما يستحب للعالم إذا سئل أي الناس أعلم، و
(3401) في الانبياء: باب حديث الخضر مع موسى عليه السلام،
و (4725) في التفسير: باب وإذ قال موسى لفتاه لا أبرح حتى
أبلغ مجمع البحرين، ومسلم (2380) في الفضائل: باب من فضائل
الخضر - وهو حديث مطول فارجع إليه (2) سقطت من المطبوع
لفظة " الله ".
(3) سبق تعليق المصنف عليه في الصفحة (400).
(*)
(1/402)
83 - النعمان بن مقرن
* هو النعمان بن عمرو بن مقرن بن عائذ بن ميجا (1) بن هجير
بن نصر بن حبشية بن كعب بن ثور بن هذمة بن لاطم بن عثمان
بن مزينة.
أبو عمرو المزني الامير، أول مشاهده الاحزاب، وشهد بيعة
الرضوان، ونزل الكوفة، ولي كسكر لعمر، ثم صرفه، وبعثه على
المسلمين يوم وقعة نهاوند، فكان يومئذ أول شهيد.
أخبرنا سنقر الحلبي بها: أنبأنا عبد اللطيف اللغوي، أنبأنا
عبد الحق اليوسفي، أنبأنا علي بن محمد، أنبأنا أبو الحسن
الحمامي، أنبأنا ابن قانع، حدثنا الحسن بن علي بن كامل،
حدثنا عفان (2)، حدثنا حماد، عن أبي عمران الجوني، عن
علقمة بن عبد الله المزني، عن معقل بن يسار، عن النعمان بن
مقرن أنه قال: شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا لم
يقاتل أول النهار،
انتظر حتى تزول الشمس (3).
صححه الترمذي.
وروي نحوه عن
__________
(*) مسند أحمد: 5 / 444، طبقات خليفة: 38، 128، 177، 190،
تاريخ خليفة: 149، التاريخ الكبير: 8 / 75، التاريخ
الصغير: 1 / 47، 56، 216، المعارف: 299، الجرح والتعديل: 8
/ 444، مشاهير علماء الامصار: ت: 268، الاستيعاب: 10 /
319، أسد الغابة: 5 / 342، تهذيب الكمال: 1418، دول
الاسلام: 1 / 17، العبر: 1 / 25، تهذيب التهذيب: 10 / 456،
الاصابة: 10 / 170، خلاصة تذهيب الكمال: 403.
(1) بكسر الميم، وياء تحتها نقطتان.
قال ابن ماكولا في " الاكمال " 7 / 299: هو في نسب النعمان
بن مقرن، بن عائذ، بن ميجا المزني.
له ولاخوته صحبة.
ذكره الدار قطني.
ونقل ابن الاثير في " أسد الغابة " 5 / 343 ضبط ابن ماكولا
وأقره.
وأما أصلنا فقد جاء فيه " منجا ".
(2) في الاصل " غفار ".
وعفان هذا هو ابن مسلم.
(3) إسناده صحيح وأخرجه أحمد 5 / 445، وأبو داود (2655) في
الجهاد: باب في أي وقت يستحب اللقاء، والترمذي (1613) في
السير: باب ما جاء في الساعة التي يستحب فيها القتال، =
(*)
(1/403)
زياد (1) بن جبير، عن أبيه عن النعمان.
شعبة: أخبرني إياس بن معاوية قال لي ابن المسيب: ممن أنت ؟
قلت: من مزينة، قال: إني لاذكر يوم نعى عمر النعمان بن
مقرن على المنبر.
قال الواقدي: وكانت نهاوند في سنة إحدى وعشرين.
قلت: حفظ سعيد ذلك، وله سبع سنين.
وللنعمان إخوة: سويد أبو عدي، وسنان ممن شهد الخندق، ومعقل
والد عبد الله المحدث، وعقيل أبو حكيم، و عبد الرحمن.
وروي عن مجاهد قال: البكاؤون بنو مقرن سبعة.
قال الواقدي: سمعت أنهم شهدوا الخندق.
وقيل: كنية النعمان أبو حكيم، وكان إليه لواء مزينة يوم
الفتح.
يروي عنه ولده معاوية، ومسلم بن هيصم، وجماعة.
قال ابن إسحاق: قتل وهو أمير الناس سنة إحدى وعشرين.
شعبة: عن علي بن زيد، عن أبي عثمان قال: أتيت عمر بنعي
النعمان بن مقرن، فوضع يده على وجهه يبكي.
__________
= وقال: هذا حديث حسن صحيح.
وعلقه البخاري في الجهاد: باب (112)، وأخرجه موصولا (3160)
في الجزية والموادعة، من طريق المعتمر بن سليمان، حدثنا
سعيد بن عبيدالله الثقفي، حدثنا بكر بن عبد الله المزني،
وزياد بن جبير، عن جبير بن حية، قال..فقال النعمان: ربما
أشهدك الله مثلها مع النبي صلى الله عليه وسلم، فلم يندمك،
ولم يحزنك، ولكني شهدت القتال مع رسول الله، صلى الله عليه
وسلم، كان إذا لم يقاتل في أول النهار انتظر حتى تهب
الارواح، وتحضر الصلوات ".
والارواح: جمع ريح، وانظر ما قاله ابن حجر في " شرح هذا
الحديث " 6 / 265 - 266.
(1) تحرفت " زياد " في المطبوع إلى " زناد ".
(*)
(1/404)
أبوعمران الجوني، عن علقمة بن عبد الله المزني، عن معقل بن
يسار: أن عمر شاور الهرمزان في أصبهان وفارس وأذربيجان
فقال: أصبهان: الرأس، وفارس وأذربيجان: الجناحان، فإذا
قطعت جناحا فاء الرأس وجناح (1)، وإن قطعت الرأس، وقع
الجناحان.
فقال عمر للنعمان بن مقرن: إني مستعملك، فقال: أما جابيا،
فلا، وأما غازيا، فنعم، قال: فإنك غاز.
فسرحه، وبعث إلى أهل الكوفة ليمدوه وفيهم حذيفة، والزبير،
والمغيرة، والاشعث، وعمرو بن معدي كرب.
فذكر الحديث بطوله.
وهو في " مستدرك الحاكم " وفيه: فقال: اللهم ارزق النعمان
الشهادة بنصر المسلمين، وافتح عليهم.
فأمنوا، وهز لواءه ثلاثا.
ثم حمل، فكان أول صريع رضي الله عنه.
ووقع ذو الحاجبين من بغلته الشهباء، فانشق بطنه، وفتح
الله، ثم أتيت النعمان وبه رمق، فأتيته بماء، فصببت على
وجهه أغسل التراب، فقال: من ذا ؟ قلت: معقل قال: ما فعل
الناس ؟ قلت: فتح الله.
فقال: الحمد لله.
اكتبوا إلى عمر بذلك، وفاضت نفسه رضي الله عنه (2).
__________
(1) اضطربت هذه العبارة في المطبوع وتحرفت إلى ما يلي: "
فإذا قطعت جناحاها فاء الرأس وجنح ".
(2) أخرجه الحاكم 3 / 293، وإسناده صحيح.
وأخرجه البخاري (3159) في الجزية: باب الجزية والموادعة،
من طريق المعتمر بن سليمان عن سعيد بن عبيدالله الثقفي، عن
بكر بن عبد الله المزني وزياد بن جبير، عن جبير بن حية،
قال: بعث عمر الناس في أفناء الامصار يقاتلون المشركين.
فأسلم الهرمزان، فقال: إني مستشيرك في مغازي هذه، قال:
نعم.
مثلها ومثل من فيها من الناس، من عدو المسلمين، مثل طائر
له رأس، وله جناحان وله رجلان، فإن كسر أحد الجناحين نهضت
الرجلان بجناح والرأس، فإن كسر الجناح الآخر نهضت الرجلان
والرأس.
وإن شدخ الرأس ذهبت الرجلان والجناحان والرأس.
فالرأس كسرى، والجناح قيصر، والجناح الآخر فارس.
فمر المسلمين فلينفروا إلى كسرى.
وقال بكر وزياد جميعا عن جبير بن حية، قال: فندبنا عمر،
واستعمل علينا النعمان بن مقرن، حتى إذا كنا بأرض العدو،
وخرج علينا عامل كسرى في أربعين ألفا، فقام ترجمان فقال:
ليكلمني رجل منكم.
فقال المغيرة: سل عما شئت.
قال: ما أنتم.
قال: " نحن أناس من العرب، كنا في = (*)
(1/405)
84 - عمار بن ياسر
* (ع) ابن عامر بن مالك بن كنانة بن قيس بن الوذيم، وقيل
بين قيس والوذيم حصين بن الوذيم بن ثعلبة بن عوف بن حارثة
بن عامر الاكبر بن يام بن عنس، وعنس: هو زيد بن مالك بن
أدد بن زيد بن يشجب بن عريب بن زيد بن
كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان.
وبنو مالك بن أدد من مذحج.
قرأت هذا النسب على شيخنا الدمياطي، ونقلته من خطه، قال:
قرأته على يحيى بن قميرة، عن شهدة، عن ابن طلحة، عن أبي
عمر بن مهدي، عن محمد بن أحمد بن يعقوب بن شيبة، حدثنا
جدي، فذكره وفيه قيس بن الحصين بن الوذيم، ولم يشك.
وعنس نقطه بنون.
الامام الكبير أبو اليقظان العنسي المكي مولى بني مخزوم،
أحد السابقين الاولين، والاعيان البدريين.
وأمه: هي سمية مولاة بني مخزوم، من كبار الصحابيات أيضا.
__________
= شقاء شديد وبلاء شديد، نمص الجلد والنوى من الجوع، ونلبس
الوبر والشعر، ونعبد الشجر والحجر.
فبينا نحن كذلك إذ بعث رب السماوات ورب الارضين - تعالى
ذكره وجلت عظمته - إلينا نبيا من أنفسنا، نعرف أباه وأمه.
فأمرنا نبينا، رسول ربنا، صلى الله عليه وسلم، أن نقاتلكم
حتى تعبدو الله وحده، أو تؤدوا الجزية.
وأخبرنا نبينا، صلى الله عليه وسلم، عن رسالة ربنا أنه من
قتل منا صار إلى الجنة في نعيم لم ير مثلها قط، ومن بقي
منا ملك رقابكم " كما أخرجه (7530).
ارجع إلى ما قاله في شرحه الحافظ ابن حجر في " الفتح " 6 /
259 وما بعدها.
(*) مسند أحمد: 4 / 262، 319، طبقات ابن سعد: 3 / 1 / 176،
طبقات خليفة: 21، 75، 126، تاريخ خليفة: 144، 145، 149،
189، 191، التاريخ الكبير: 7 / 25، التاريخ الصغير: 1 /
79، 84، 85، المعارف: 256 - 258، الجرح والتعديل: 6 / 389،
مشاهير علماء الامصار: ت: 266، حلية الاولياء: 1 / 139 -
143، الاستيعاب: 8 / 225، تاريخ بغداد: 1 / 150.
153، ابن عساكر: 12 / 300 / 2، أسد الغابة: 4 / 129، تهذيب
الاسماء واللغات: 2 / 37 - 38، تهذيب الكمال: 1000، دول
الاسلام: 1 / 28، العبر: 1 / 25، 38، 40، مجمع الزوائد: 9
/ 291 - 298، العقد الثمين: 6 / 279 - 281، تهذيب التهذيب:
7 / 408، الاصابة: 7 / 64، خلاصة تذهيب الكمال: 279، كنز
العمال: 13 / 526، شذرات الذهب: 1 / 45.
(*)
(1/406)
له عدة أحاديث: ففي مسند بقي له اثنان وستون حديثا، ومنها
في " الصحيحين " خمسة.
روى عنه علي، وابن عباس، وأبو موسى الاشعري، وأبو أمامة
الباهلي، وجابر بن عبد الله، ومحمد بن الحنفية، وعلقمة،
وزر، وأبو وائل، وهمام بن الحارث، ونعيم بن حنظلة، و عبد
الرحمن بن أبزى، وناجية بن كعب، وأبو لاس الخزاعي، و عبد
الله بن سلمة المرادي، وابن الحوتكية، وثروان (1) بن
ملحان، ويحيى بن جعدة، والسائب والد عطاء، وقيس بن عباد،
وصلة بن زفر، ومخارق بن سليم، وعامر بن سعد بن أبي وقاص،
وأبو البختري، وعدة.
قال ابن سعد: قدم والد عمار ياسر بن عامر وأخواه الحارث
ومالك من اليمن إلى مكة يطلبون أخا لهم، فرجع أخواه، وأقام
ياسر وحالف أبا حذيفة ابن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن
مخزوم، فزوجه أمة له اسمها سمية بنت خباط فولدت له عمارا،
فأعتقه أبو حذيفة، ثم مات أبو حذيفة، فلما جاء الله
بالاسلام، أسلم عمار وأبواه وأخوه عبد الله، وتزوج بسمية
بعد ياسر الازرق الرومي (2) غلام الحارث بن كلدة الثقفي
وله صحبة، وهو والد سلمة بن الازرق (3).
ويقال: إن لعمار من الرواية بضعة وعشرين حديثا.
ويروى عن عمار قال: كنت تربا لرسول الله صلى الله عليه
وسلم لسنه (4).
__________
(1) مترجم في " تعجيل المنفعة ".
وقد تصحف في المطبوع إلى " مروان ".
(2) وكذا قال ابن قتيبة في " المعارف " 256، وتعقبه ابن
عبد البر في " الاستيعاب " 4 / 330، فقال: وهذا غلط من ابن
قتيبة فاحش، وإنما خلف الازرق على سمية أم زياد، زوجه
مولاه الحارث بن
كلدة منها، لانه كان مولى لهما، فسلمة بن الازرق أخو زياد
لامه، لا أخو عمار، وليس بين سمية أم عمار وسمية أم زياد
نسب ولا سبب.
(3) ابن سعد 3 / 1 / 176.
(4) أخرجه الحاكم 3 / 385.
(*)
(1/407)
وروى عمرو بن مرة، عن عبد الله بن سلمة قال: رأيت عمارا
يوم صفين شيخا آدم، طوالا، وإن الحربة في يده لترعد، فقال:
والذي نفسي بيده ! لقد قاتلت بها مع رسول الله، صلى الله
عليه وسلم، ثلاث مرات وهذه الرابعة، ولو قاتلونا حتى
يبلغوا بنا سعفات هجر، لعرفت أننا على الحق، وأنهم على
الباطل (1).
وعن الواقدي: عن عبد الله بن أبي عبيدة، عن أبيه عن لؤلؤة
مولاة أم الحكم بنت عمار أنها وصفت لهم عمارا: آدم، طوالا،
مضطربا، أشهل العين، بعيد ما بين المنكبين، لا يغير شيبه
(2).
وعن كليب بن منفعة، عن أبيه قال: رأيت عمارا بالكناسة أسود
جعدا وهو يقرأ.
رواه الحاكم في " المستدرك " (3).
وقال عروة: عمار من حلفاء بني مخزوم.
وروى الواقدي عن بعض بني عمار أن عمارا وصهيبا أسلما معا
بعد بضعة وثلاثين رجلا.
وهذا منقطع.
زائدة: عن عاصم، عن زر، عن عبد الله قال: أول من أظهر
إسلامه
__________
(1) أخرجه ابن سعد 3 / 1 / 183، والحاكم 3 / 384، كلاهما
من طريق شعبة، عن عمرو بن مرة، عن عبد الله بن سلمة،
قال...، ورجاله ثقات إلا أن عبد الله بن سلمة وهو المرادي
صدوق قد تغير حفظه، وأخرجه الحاكم أيضا 3 / 392، وصححه،
وسكت عنه الذهبي.
(2) أخرجه ابن سعد 3 / 1 / 189.
(3) 3 / 384 وتمامه: " هذه الآية: ومن آياته أن خلقكم من
تراب ثم إذا أنتم بشر تنتشرون "، وذكره الحافظ الهيثمي في
" المجمع " 9 / 292، وقال: رواه الطبراني، وفيه يحيى
الحماني وهو ضعيف.
(*)
(1/408)
سبعة: رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر، وعمار،
وأمه سمية، وصهيب، وبلال، والمقداد.
فأما رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فمنعه الله بعمه،
وأما أبو بكر، فمنعه الله بقومه، وأما سائرهم، فألبسهم
المشركون أدراع الحديد، وصفدوهم في الشمس، وما فيهم أحد
إلا وقد واتاهم على ما أرادوا إلا بلال، فإنه هانت عليه
نفسه في الله، وهان على قومه، فأعطوه الولدان يطوفون به في
شعاب مكة وهو يقول: أحد أحد (1).
وروى منصور: عن مجاهد: أول من أظهر إسلامه سبعة، فذكرهم،
زاد فجاء أبو جهل يشتم سمية، وجعل يطعن بحربته في قبلها
حتى قتلها، فكانت أول شهيدة في الاسلام (2).
وعن عمر بن الحكم: قال: كان عمار يعذب حتى لا يدري ما
يقول، وكذا صهيب وفيهم نزلت: (والذين هاجروا في الله من
بعد ما ظلموا) [ النحل: 41 ] (3).
منصور بن أبي الاسود: عن الاعمش، عن عمرو بن مرة، عن سالم
بن أبي الجعد، عن عثمان قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" صبرا آل ياسر، فإن موعدكم
__________
(1) سنده حسن.
وقد سبق تخريجه على الصفحة (348) تعليق رقم (1).
(2) " الاستيعاب " 13 / 49 وفيه قلبها.
وكذلك في " الاصابة "، في ترجمة سمية، لكنه بغير سند.
وقد تحرفت " قبلها " في المطبوع إلى " قلبها " وقال الامام
أحمد: حدثني وكيع، عن سفيان، عن
منصور، عن مجاهد، قال: " أول شهيد كان في أول الاسلام
استشهد أم عمار سمية، طعنها أبو جهل بحربة في قبلها " وهذا
مرسل.
(3) ابن سعد 3 / 1 / 177 من طريق الواقدي، عن عثمان بن
محمد، عن عبد الحكيم بن صهيب، عن عمر بن الحكم...وفيه " ما
فتنوا ".
والوقدي متروك.
وانظر " الدر المنثور " 4 / 118.
(*)
(1/409)
الجنة " (1).
قيل: لم يسلم أبوا أحد من السابقين المهاجرين سوى عمار
وأبي بكر.
مسلم بن إبراهيم والتبوذكي: عن القاسم بن الفضل، حدثنا
عمرو بن مرة، عن سالم بن أبي الجعد قال: دعا عثمان نفرا
منهم عمار.
فقال عثمان: أما إني سأحدثكم حديثا عن عمار: أقبلت أنا
والنبي، صلى الله عليه وسلم، في البطحاء حتى أتينا على
عمار وأمه وأبيه وهم يعذبون، فقال ياسر للنبي، صلى الله
عليه وسلم: الدهر هكذا، فقال له النبي، صلى الله عليه
وسلم: " اصبر " ثم قال: " اللهم اغفر لآل ياسر وقد فعلت "
(2).
هذا مرسل، ورواه جعثم بن سليمان، عن القاسم الحداني، عن
عمرو بن مرة فقال: عن أبي البختري بدل سالم، عن سلمان بدل
عثمان.
وله إسناد آخر لين وآخر غريب.
وروى أبو بلج (3): عن عمرو بن ميمون قال: عذب المشركون
عمارا بالنار.
فكان النبي صلى الله عليه وسلم يمر به، فيمر يده على رأسه،
ويقول: (يا نار كوني بردا وسلاما) [ الانبياء: 69 ]، على
عمار كما كنت على إبراهيم.
تقتلك الفئة
__________
(1) رجاله ثقات، لكنه منقطع، وذكره الهيثمي في " المجمع "
9 / 293، وقال: رواه الطبراني، ورجاله ثقات.
وفي الباب: عن جابر عند الحاكم 3 / 388، وصححه ووافقه
الذهبي، وذكره الهيثمي في " المجمع " 9 / 293، ونسبه
للطبراني، وقال: رجاله رجال الصحيح غير إبراهيم بن عبد
العزيز المقوم.
وذكر الحافظ ابن حجر في " الاصابة "، في ترجمة عمار بن
ياسر، أن أبا أحمد الحاكم أخرجه من طريق عقيل، عن الزهري،
عن إسماعيل بن عبد الله بن جعفر، عن أبيه.
(2) أخرجه أحمد 1 / 62، وقد ذكره الهيثمي في " المجمع " 9
/ 293، وقال: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح، وأخرجه ابن
سعد 3 / 1 / 177، من طريق مسلم بن إبراهيم، وعمرو بن
الهيثم أبو قطن قالا: حدثنا القاسم بن الفضل...، وذكره
الهيثمي 7 / 227، وقال: رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح،
إلا أنه منقطع، وهذا هو الاصح.
(3) هو أبو بلج الفزاري، الكوفي، الواسطي، الحافظ.
وفي التقريب: صدوق وربما أخطأ.
وقد تصحف في المطبوع إلى " مليح ".
(*)
(1/410)
الباغية " (1).
ابن عون: عن محمد أن النبي صلى الله عليه وسلم لقي عمارا
وهو يبكي فجعل يمسح عن عينيه، ويقول: " أخذك الكفار، فغطوك
في النار، فقلت كذا وكذا، فإن عادوا فقل لهم ذلك " (2).
روى عبد الكريم الجزري: عن أبي عبيدة بن محمد بن عمار بن
ياسر قال: أخذ المشركون عمارا، فلم يتركوه حتى نال من رسول
الله صلى الله عليه وسلم.
وذكر آلهتهم بخير، فلما أتى النبي صلى الله عليه وسلم،
قال: ما وراءك ؟ قال: شر يا رسول الله.
والله ما تركت حتى نلت منك، وذكرت آلهتهم بخير، قال: "
فكيف تجد قلبك " ؟ قال: مطمئن بالايمان.
قال: " فإن عادوا فعد " (3).
ورواه الجزري (4) مرة عن أبي عبيدة، فقال: عن أبيه.
وعن قتادة (إلا من أكره) نزلت في عمار (5).
المسعودي عن القاسم بن عبد الرحمن: أول من بنى مسجدا يصلى
فيه
__________
(1) أخرجه ابن سعد 3 / 1 / 177 من طريق: يحيى بن حماد، عن
أبي عوانة عن أبي بلج، عن عمرو بن ميمون...(2) أخرجه ابن
سعد 3 / 1 / 178، من طريق إسماعيل بن إبراهيم، عن ابن عون،
عن محمد - وهو ابن سيرين - أن النبي..(3) أخرجه ابن سعد 3
/ 1 / 178، وأبو نعيم في " الحلية " 1 / 140، والطبري 14 /
182 ثلاثتهم من طريق عبد الكريم الجزري، عن أبي عبيدة بن
محمد، قال...، وأخرجه الحاكم 2 / 357، من طريق الجزري، عن
أبي عبيدة عن أبيه، وصححه، ووافقه الذهبي، ورواية الحاكم
هذه هي التي سيذكرها المؤلف رحمه الله.
وقد تحرف لفظ " الجرزي " في المطبوع إلى " الجريري ".
(4) في الاصل: " الجزري بن مرة "، والصواب ما أثبتناه.
(5) قال الحافظ ابن حجر في " الاصابة "، في ترجمة عمار بن
ياسر -: واتفقوا على أنه نزلت فيه هذه الآية.
وانظر ابن سعد 3 / 1 / 179.
(*)
(1/411)
عمار (1).
أبو إسحاق: عن أبي عبيدة، عن عبد الله قال: اشتركت أنا
وعمار وسعد يوم بدر فيما نأتي به، فلم أجئ أنا ولا عمار
بشئ، وجاء سعد برجلين (2).
جرير بن حازم: عن الحسن، عن عمار قال: قاتلت مع رسول الله
صلى الله عليه وسلم الجن والانس، قيل: وكيف ؟ قال: كنا مع
النبي صلى الله عليه وسلم، فنزلنا منزلا، فأخذت قربتي
ودلوي لاستقي، فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: " أما
إنه سيأتيك على الماء آت يمنعك منه " فلما كنت على رأس
البئر إذا برجل أسود كأنه مرسل، فقال: والله لا تستقي
اليوم منها، فأخذني وأخذته فصرعته، ثم أخذت حجرا فكسرت
وجهه وأنفه، ثم ملات قربتي وأتيت رسول الله، صلى الله عليه
وسلم، فقال: هل أتاك على الماء أحد ؟ قلت: نعم (3)، فقصصت
عليه القصة، فقال: " أتدري
من هو ؟ " قلت: لا، قال: " ذاك الشيطان " (4).
فطر بن خليفة: عن كثير النواء، سمعت عبد الله بن مليل (5)
سمعت عليا يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لم
يكن نبي قط إلا وقد أعطي سبعة رفقاء نجباء وزراء، وإني
أعطيت أربعة عشر: حمزة، وأبو بكر، وعمر، وعلي، وجعفر،
وحسن، وحسين، وابن مسعود، وأبو ذر، والمقداد، وحذيفة،
وعمار،
__________
(1) أخرجه ابن سعد 3 / 1 / 178، والحاكم 3 / 358.
(2) أخرجه أبو داود (3388) في البيوع والاجارات: باب
الشركة على غير رأس مال، والنسائي 7 / 57 في البيوع: باب
الشركة بغير مال، وابن ماجه (2288) في التجارات: باب
الشركة والمضاربة، وقال المنذري: وهو منقطع، فإن أبا عبيدة
لم يسمع من أبيه.
(3) سقطت لفظة " نعم " من المطبوع.
(4) أخرجه ابن سعد 3 / 1 / 179، ورجاله ثقات إلا أن فيه
عنعنة الحسن، وانظر الفتح 7 / 92.
(5) هو عبد الله بن مليل.
روى عنه كثير النواء، والاعمش، وسالم بن أبي الجعد، وذكره
ابن حبان في " الثقات "، وقال: عداده في أهل الكوفة.
وقد تصحفت في المطبوع إلى " عبد الله بن مالك " انظر "
تعجيل المنفعة ".
(*)
(1/412)
وبلال، وسلمان " (1).
تابعه جعفر الاحمر عن كثير.
الحسن بن صالح: عن أبي ربيعة، عن الحسن عن أنس، مرفوعا،
قال: " ثلاثة تشتاق إليهم الجنة: علي، وسلمان، وعمار "
(2).
أبو إسحاق: عن هانئ بن هانئ، عن علي قال: استأذن عمار على
النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: " من هذا ؟ " قال: عمار،
قال: " مرحبا بالطيب المطيب " (3) أخرجه الترمذي.
وروى عثام بن علي: عن الاعمش، عن أبي إسحاق، عن هانئ بن
هانئ قال: كنا جلوسا عند علي، فدخل عمار فقال: مرحبا
بالطيب المطيب، سمعت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يقول:
" إن عمارا ملئ إيمانا إلى مشاشه " (4).
سفيان: عن الاعمش، عن أبي عمار الهمداني، عن عمرو بن
شرحبيل قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم،: " عمار ملئ
إيمانا إلى مشاشه " (5).
__________
(1) أخرجه أحمد 1 / 88، 142، 148، 149، والترمذي (3787)،
(3791) في المناقب، وقال: حديث حسن غريب.
كذا قال: مع أن كثير النواء ضعيف.
(2) سبق تخريجه في الصفحة (355) التعليق رقم (1) (3)
إسناده قوي.
وأخرجه الترمذي (3799) في المناقب: باب مناقب عمار بن
ياسر.
وابن ماجه (146) في المقدمة: باب فضائل أصحاب رسول الله،
صلى الله عليه وسلم، وأبو نعيم في " الحلية " 1 / 140 و 7
/ 135، والحاكم في " المستدرك " 3 / 388 وصححه، ووافقه
الذهبي.
والطيب هنا: معناه الظاهر.
(4) أخرجه ابن ماجه (147) في المقدمة: باب فضل عمار بن
ياسر، وأبو نعيم في " الحلية "، 1 / 139، وذكره الهيثمي في
" المجمع " 9 / 395 بأطول مما هنا: رواه البزار ورجاله
رجال الصحيح.
وسنده قابل للتحسين.
(5) رجاله ثقات.
وأخرجه النسائي 8 / 111 في الايمان: باب تفاضل أهل
الايمان، والحاكم 3 / 392، وقال الحافظ في " الفتح " 7 /
92: روى البزار من حديث عائشة: سمعت رسول الله، صلى الله
عليه وسلم، = (*)
(1/413)
عمرو بن مرة: عن أبي البختري: سئل علي عن عمار، فقال: نسي
(1) وإن ذكرته ذكر، قد دخل الايمان في سمعه وبصره، وذكر ما
شاء الله من جسده (2).
جماعة: عن الثوري، عن عبد الملك بن عمير، عن مولى لربعي،
عن ربعي، عن حذيفة، مرفوعا: " اقتدوا باللذين من بعدي: أبي
بكر وعمر، واهتدوا بهدي عمار، وتمسكوا بعهد ابن أم عبد "
(3).
رواه طائفة عن الثوري بإسقاط مولى ربعي، وكذا رواه زائدة
وغيره عن عبد الملك، وروي عن عمرو بن هرم، عن ربعي، عن
حذيفة.
ابن عون: عن الحسن، قال عمرو بن العاص: إني لارجو أن لا
يكون رسول الله، صلى الله عليه وسلم، مات يوم مات وهو يحب
رجلا فيدخله الله النار.
قالوا: قد كنا نراه يحبك ويستعملك.
فقال: الله أعلم أحبني أو تألفني، ولكنا كنا نراه يحب رجلا
عمار بن ياسر.
قالوا: فذلك قتيلكم يوم صفين، قال: قد والله قتلناه (4).
__________
= يقول: " ملئ إيمانا إلى مشاشه " يعني عمارا.
وإسناده صحيح.
والمشاش: جمع مشاشة وهي رؤوس العظام اللينة.
(1) ترك في المطبوع مكانها فارغا، وكتب في هامشه " كلمتان
غير واضحتين ".
(2) رجاله ثقات.
وسيذكره المصنف بطوله ص (541).
وأخرجه الفسوي في " المعرفة والتاريخ " 2 / 540 مطولا من
طريق عمر بن حفص بن غياث، حدثنا أبي، عن الاعمش، عن عمرو
ابن مرة، عن أبي البختري، قال: سئل علي...، ورجاله ثقات،
والطبراني (6041)، وأبو نعيم في " الحلية " 1 / 187 وانظر
" المطالب العالية ".
(3) حديث حسن، وهو في " المسند " 5 / 385، 402، وصححه ابن
حبان (2193) والحاكم 3 / 75، ووافقه الذهبي.
وانظر تمام الكلام على هذا الحديث على الصفحة (478)
التعليق رقم (3).
(4) أخرجه ابن سعد 3 / 1 / 188، والحاكم 3 / 392، وصححه
وتعقبه الذهبي فقال: مرسل واخرجه احمد 4 / 199 من طريق
عفان، عن الاسود بن شيبان، عن أبي نوفل بن أبي عقرب، عن
عمرو بن العاص بنحوه، وذكره الهيثمي في " المجمع " 9 /
294، وقال: رجال أحمد رجال الصحيح.
(*)
(1/414)
العوام بن حوشب: عن سلمة بن كهيل، عن علقمة، عن خالد بن
الوليد قال: كان بيني وبين عمار كلام، فأغلظت له، فشكاني
إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم.
فقال: " من عادى عمارا عاداه الله، ومن أبغض عمارا أبغضه
الله " فخرجت، فما شئ أحب إلي من رضى عمار، فلقيته فرضي
(1).
أخرجه أحمد والنسائي.
شعبة: عن سملة بن كهيل، عن محمد بن عبد الرحمن بن يزيد، عن
أبيه، عن الاسود قال: كان بين خالد وعمار كلام، فشكاه خالد
إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله: " من يعاد
عمارا يعاده الله، ومن يبغض عمارا يبغضه الله (2) ".
عطاء بن مسلم الخفاف: عن سفيان، عن أبي إسحاق، عن أوس بن
أوس قال: كنت عند علي فسمعته يقول: سمعت رسول الله، صلى
الله عليه وسلم، يقول: " دم عمار ولحمه حرام على النار (3)
" هذا غريب.
سفيان: عن سلمة بن كهيل، عن مجاهد، قال النبي صلى الله
عليه وسلم: " ما لهم وما لعمار ! يدعوهم إلى الجنة ويدعونه
إلى النار، وذلك دأب الاشقياء الفجار (4) ".
عمار بن رزيق: عن عمار الدهني، عن سالم بن أبي الجعد: جاء
رجل إلى ابن مسعود فقال: إن الله قد أمننا من أن يظلمنا
ولم يؤمنا من أن يفتننا،
__________
(1) أخرجه أحمد 1 / 89، والحاكم 3 / 391 وذكره الهيثمي في
" المجمع " 9 / 293، وقال: رواه أحمد والطبراني، ورجاله
رجال الصحيح.
وعلقمة هو ابن قيس بن عبد الله، النخعي، الكوفي.
(2) رجاله ثقات.
والاسود هو ابن يزيد، وأخرجه أحمد 4 / 90، وأخرجه الحاكم 3
/ 389 وصححه، ووافقه الذهبي.
وعندهما " الاشتر " بدل " الاسود " والاشتر هو مالك بن
الحارث النخعي.
(3) إسناده ضعيف من أجل عطاء بن مسلم الخفاف، فإنه كثير
الخطأ.
وذكره الهيثمي في " المجمع " 9 / 295 وقال: رواه البزار،
ورجاله ثقات، وفي بعضهم ضعف لا يضر.
(4) رجاله ثقات.
لكنه مرسل.
(*)
(1/415)
أرأيت إن أدركت فتنة ؟ قال: عليك بكتاب الله، قال: أرأيت
إن كان كلهم يدعو إلى كتاب الله: قال: سمعت رسول الله، صلى
الله عليه وسلم، يقول: " إذا اختلف الناس كان ابن سمية مع
الحق " (1).
إسناده منقطع.
قال عمار الدهني: عن سالم بن أبي الجعد، عن ابن مسعود:
سمعت النبي، صلى الله عليه وسلم، يقول: " ما خير ابن سمية
بين أمرين إلا اختار أيسرهما " (2).
رواه الثوري وغيره عنه، وبعضهم رواه عن الدهني، عن سالم،
عن علي ابن علقمة، عن ابن مسعود.
عبد العزيز بن سياه: عن حبيب بن أبي ثابت، عن عطاء بن
يسار، عن عائشة: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: عمار
ما عرض عليه أمران إلا اختار الارشد منهما " (3).
رواه عبد الله بن حبيب بن أبي ثابت عن أبيه قال: قالت
عائشة.
وقد كان عمار ينكر على عثمان أمورا لو كف عنها لاحسن فرضي
الله عنهما.
__________
(1) رجاله ثقات، لكنه منقطع كما قال المصنف، وأخرجه الحاكم
بنحوه 3 / 391 من طريق أبي البختري، عن عبيدالله بن محمد
بن شاكر، عن أبي أسامة، عن مسلم بن عبد الله الاعور، عن
حبة العرني قال: دخلنا مع أبي مسعود الانصاري على حذيفة بن
اليمان، أسأله عن الفتن...، وصححه، ووافقه الذهبي.
(2) أخرجه أحمد 1 / 389، وصححه الحاكم 3 / 388، ووافقه
الذهبي، وأما طريق الثوري، فأخرجه أحمد 1 / 445، وله شاهد
من حديث عائشة، وهو الحديث الذي يلي.
(3) رجاله ثقات.
وأخرجه أحمد 6 / 113، والترمذي (3800) في المناقب: باب
مناقب عمار، وابن ماجه (148) في المقدمة: باب فضل عمار،
وصححه الحاكم 3 / 388، ووافقه الذهبي.
(*)
(1/416)
أبو نعيم: حدثنا سعد بن أوس عن بلال بن يحيى، أن حذيفة أتي
وهو ثقيل بالموت، فقيل له: قتل عثمان فما تأمرنا ؟ فقال:
سمعت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يقول: " أبو اليقظان
على الفطرة " ثلاث مرات، " لن يدعها حتى يموت أو يلبسه
الهرم " (1).
البغوي: حدثنا ابن حميد، حدثنا هارون بن المغيرة، حدثنا
عمرو بن أبي قيس، عن عمار الدهني، عن سالم بن أبي الجعد،
عن مسروق، عن عائشة قالت: انظروا عمارا فإنه يموت على
الفطرة إلا أن تدركه هفوة من كبر (2).
فيه من تضعف، ويروى عن سعد بن أبي وقاص مرفوعا نحوه.
قال علقمة: قال لي أبو الدرداء: أليس فيكم الذي أعاذه الله
على لسان نبيه من الشيطان ؟ - يعني عمارا...الحديث (3).
__________
(1) أخرجه ابن سعد 3 / 1 / 188، وذكره الهيثمي في " المجمع
" 9 / 295، وقال: رواه الطبراني، والبزار باختصار،
ورجالهما ثقات.
(2) رجاله ثقات.
وفي عمرو بن أبي قيس قال الحافظ في التقريب: صدوق له
أوهام.
فحديثه حسن.
وهذا ما عناه الذهبي بقوله: فيه من تضعف، وأخرجه الحاكم 3
/ 393 - 394 وصححه، ووافقه الذهبي.
(3) أخرجه أحمد 6 / 445، 451، والبخاري (3742) و (3761) في
فضائل الصحابة، في بابي، فضائل عمار، ومناقب عبد الله بن
مسعود، من طريق موسى بن أبي عوانة، عن مغيرة، عن
إبراهيم، عن علقمة: دخلت الشام فصليت ركعتين فقلت: اللهم
يسر لي جليسا.
فرأيت شيخا مقبلا، فلما دنا قلت: أرجو أن يكون استجاب
الله.
قال: من أين أنت ؟ قلت: من أهل الكوفة قال: أفلم يكن فيكم
صاحب النعلين والوساد والمطهرة ؟ أولم يكن فيكم الذي أجير
من الشيطان ؟ أولم يكن فيكم صاحب السر الذي لا يعلمه غيره
؟ كيف قرأ ابن أم عبد (والليل) ؟ فقرأت: (والليل إذا يغشى،
والنهار إذا تجلى والذكر والانثى).
قال: أقرأنيها النبي، صلى الله عليه وسلم، فاه إلى في.
فما زال هؤلاء حتى كادوا يردونني ".
وهذه رواية البخاري.
وأخرجه الطبري 30 / 217 - 218، من طرق، منها هذه، وعند
مسلم بنحوه (824)، وانظر ابن كثير 4 / 517 وما بعدها.
وقال الحافظ ابن حجر في " الفتح " 8 / 707 بعد أن شرح
الحديث (4944) = (*)
(1/417)
حماد بن سلمة: أنبأنا أبو حمزة، عن إبراهيم، عن خيثمة بن
عبد الرحمن: قلت لابي هريرة: حدثني، فقال: تسألني وفيكم
علماء أصحاب محمد، والمجار من الشيطان عمار بن ياسر ؟ (1).
داود بن أبي هند: عن أبي نضرة، عن أبي سعيد قال: أمرنا
رسول الله صلى الله عليه وسلم
__________
= وبين رواياته: باب وما خلق الذكر والانثى: ثم إن هذه
القراءة - يعني قراءة ابن مسعود - لم تنقل إلا عمن ذكر هنا
ومن عداهم قرؤوا (وما خلق الذكر والانثى).
وعليها استقر الامر مع قوة إسناد ذلك إلى أبي الدرداء ومن
ذكر معه.
ولعل هذا مما نسخت تلاوته ولم يبلغ النسخ أبا الدرداء ومن
ذكر معه.
والعجب من نقل الحفاظ من الكوفيين هذه القراءة عن علقمة،
وعن ابن مسعود، وإليهما تنتهي القراءة بالكوفة، ثم لم يقرأ
بها أحد منهم.
وكذا أهل الشام حملوا القراءة عن أبي الدرداء ولم يقرأ أحد
منهم بهذا.
فهذا مما يقوي أن التلاوة بها نسخت.
وقال النووي في " شرح صحيح مسلم " 2 / 475: قال القاضي:
قال المازري: يجب أن يعتقد في هذا الخبر وما في معناه أن
ذلك كان قرآنا ثم نسخ، ولم يعلم من خالف النسخ، فبقي على
النسخ، ولعل هذا وقع من بعضهم قبل أن يبلغهم مصحف عثمان
المجمع عليه، المحذوف منه كل
منسوخ.
وأما بعد ظهور مصحف عثمان فلا يظن بأحد منهم أنه خالف فيه.
وأما ابن مسعود فرويت عنه روايات كثيرة منها ما ليس بثابت
عند أهل النقل.
وما ثبت منها مخالفا لما قلناه فهو محمول على أنه كان يكتب
في مصحفه بعض الاحكام والتفاسير مما يعتقد أنه ليس بقرآن
وكان لا يعتقد تحريم ذلك.
وكان يراه كصحيفة يثبت فيها ما يشاء.
وكان رأي عثمان والجماعة منع ذلك لئلا يتطاول الزمان فيظن
ذلك قرآنا.
وقال الابي في شرحه لمسلم 2 / 434 - 435: " هذا الخبر
وأمثاله مما يطعن به الملحدة، في نقل القرآن متواترا، فيجب
أن يحمل على أن ذلك كان قرآنا ونسخ، ولم يعلم بالنسخ بعض
من خالف فبقي على الاول.
ولعل هذا إنما وقع من بعضهم قبل أن يبلغه مصحف عثمان
المجمع عليه، المحذوف منه كل منسوخ، وأما بعد بلوغه، فلا
يظن بأحد منهم أنه خالف فيه ".
(1) وأخرجه الترمذي (3813) في المناقب: باب مناقب عبد الله
بن مسعود من طريق الجراح ابن مخلد، عن معاذ بن هشام، عن
أبيه، عن قتادة، عن خيثمة بن أبي سيرة، قال: أتيت المدينة
فسألت الله أن ييسر لي جليسا صالحا فيسر لي أبا هريرة،
فجلست إليه فقلت له: إني سألت الله أن ييسر لي جليسا صالحا
فوفقت لي.
فقال لي: من أين أنت ؟ قلت: من أهل الكوفة جئت ألتمس الخير
وأطلبه.
فقال: أليس فيكم سعد بن مالك مجاب الدعوة، وابن مسعود صاحب
طهور رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ونعليه، وحذيفة صاحب
سر رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وعمار الذي أجاره الله
من الشيطان على لسان نبيه.
وسلمان صاحب الكتابين.
قال قتادة: والكتابان: الانجيل والقرآن " وقال: حسن غريب
صحيح.
وصححه الحاكم 3 / 392، ووافقه الذهبي.
وانظر " فتح الباري " 7 / 92.
(*)
(1/418)
ببناء المسجد، فجعلنا ننقل لبنة لبنة، وعمار ينقل لبنتين
لبنتين، فترب رأسه، فحدثني أصحابي ولم أسمعه من رسول الله
أنه جعل ينفض رأسه ويقول: " ويحك يا ابن سمية ! تقتلك
الفئة الباغية " (1).
خالد الحذاء: عن عكرمة سمع أبا سعيد بهذا ولفظه: " ويح ابن
سمية !
تقتله الفئة الباغية، يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار
" فجعل يقول: أعوذ بالله من الفتن (2).
ورقاء: عن عمرو بن دينار، عن زياد مولى عمرو بن العاص (3)،
عن عمرو: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " تقتل
عمارا الفئة الباغية " (4).
رواه شعبة عن عمرو فقال: عن رجل من أهل مصر، عن عمرو.
ابن عون: عن الحسن، عن أمه، عن أم سلمة مرفوعا: " تقتل
عمارا الفئة الباغية " (5).
معمر: عن ابن (6) طاووس، عن أبي بكر بن حزم، عن أبيه قال:
لما قتل عمار دخل عمرو بن حزم على عمرو بن العاص فقال: قتل
عمار، وقد قال
__________
(1) أخرجه مسلم (2915) في الفتن: باب لا تقوم الساعة حتى
تعبد دوس ذا الخلصة...وأحمد 3 / 5، وابن سعد 3 / 1 / 180.
(2) أخرجه أحمد 3 / 91، والبخاري (447) في الصلاة: باب
التعاون في بناء المسجد، و (2812) في الجهاد: باب مسح
الغبار عن الرأس.
(3) زياد مولى عمرو بن العاص: ذكره ابن حبان في " الثقات "
3 / 75 وقد تحرفت في المطبوع إلى " زناد ".
(4) أخرجه أحمد 4 / 197 من طريق شعبة، عن عمرو بن دينار،
عن رجل من أهل مصر، عن عمرو بن العاص، وقال الهيثمي في "
المجمع " 9 / 297 رواه الطبراني مطولا ومختصرا.
ورجال المختصر رجال الصحيح غير زياد مولى عمرو وقد وثقه
ابن حبان.
(5) أخرجه أحمد 6 / 289، 300، 311، 315، ومسلم (2916) في
الفتن: باب لا تقوم الساعة حتى تعبد دوس ذا الخلصة...(6)
تحرفت " ابن " في المطبوع إلى " أبي ".
(*)
(1/419)
رسول الله، صلى الله عليه وسلم: " تقتله الفئة الباغية "
فدخل عمرو على معاوية فقال: " قتل عمار، فقال: قتل عمار
فماذا ؟ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "
تقتله الفئة الباغية ".
قال دحضت في بولك أو نحن قتلناه ؟ إنما قتله علي وأصحابه
الذين ألقوه بين رماحنا، أو قال: بين سيوفنا (1).
شعبة: عن أبي مسلمة، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد، عن أبي
قتادة أن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال لعمار: " تقتلك
الفئة الباغية (2) ".
أبو عوانة في " مسنده " وأبو يعلى من حديث أحمد بن محمد
الباهلي: حدثنا يحيى بن عيسى، حدثنا الاعمش، حدثنا زيد بن
وهب أن عمارا قال لعثمان: حملت قريشا على رقاب الناس.
عدوا علي، فضربوني، فغضب عثمان ثم قال: مالي ولقريش ؟ عدوا
على رجل من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فضربوه، سمعت
النبي صلى الله عليه وسلم يقول لعمار: " تقتلك الفئة
الباغية، وقاتله في
__________
(1) إسناده صحيح، وأخرجه عبد الرزاق (20427)، ومن طريقه
أخرجه أحمد 4 / 199، وانظر " مجمع الزوائد " 7 / 242، و 9
/ 297.
ودحضت في بولك: أي زللت وزلقت.
وهذه مغالطة من معاوية، غفر الله له.
وقد رد عليه علي، رضي الله عنه، بأن محمدا، صلى الله عليه
وسلم، إذا قتل حمزة حين أخرجه.
قال ابن دحية: هذا من علي إلزام مفحم لا جواب عنه، وحجة لا
اعتراض عليها.
ونقل المناوي في " فيض القدير " 6 / 336، قول عبدالقاهر
الجرجاني في كتاب " الامامة ": أجمع فقهاء الحجاز، والعراق
من فريقي الحديث والرأي منهم مالك، والشافعي، وأبو حنيفة،
والاوزاعي، والجمهور الاعظم من المتكلمين والمسلمين أن
عليا مصيب في قتاله لاهل صفين.
كما هو مصيب في أهل الجمل.
وأن الذين قاتلوه بغاة ظالمون له، ولكن لا يكفرون ببغيهم.
وقال القرطبي ص: (6138):...فتقرر عند علماء المسلمين، وثبت
بدليل الدين، أن عليا رضي الله عنه كان إماما، وأن كل من
خرج عليه باغ، وأن قتاله - يعني الخارج - واجب حتى يفئ إلى
الحق، وينقاد إلى
الصلح.
(2) انظر تخريجه في الصفحة (419) التعليق رقم (1).
(*)
(1/420)
النار (1) ".
وأخرج أبو عوانة أيضا مثله من القاسم الحداني، عن قتادة،
عن سالم بن أبي الجعد، عن عبد الله بن محمد بن الحنفية، عن
أبيه، عن عثمان.
وأخرج أبو عوانة من طريق حماد بن سلمة، عن أبي التياح، عن
عبد الله ابن أبي الهذيل، عن عمار: قال لي رسول الله صلى
الله عليه وسلم: " تقتلك الفئة الباغية " (2).
وفي الباب عن عدة من الصحابة، فهو متواتر (3).
قال يعقوب بن شيبة: سمعت أحمد بن حنبل سئل عن هذا فقال:
فيه غير حديث صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وكره أن يتكلم في هذا بأكثر من هذا.
الثوري: عن أبي إسحاق عن أبي ليلى الكندي قال: جاء خباب
إلى عمر فقال: ادن فما أحد أحق بهذا المجلس منك إلا عمار.
الثوري: عن أبي إسحاق، عن حارثة بن مضرب قال: قرى علينا
كتاب
__________
(1) ذكره الهيثمي في " المجمع " 3 / 242 ونسبه إلى أبي
يعلى، والطبراني في الثلاثة باختصار القصة.
وقال الحافظ في " الفتح " 1 / 543: روى حديث عمار " تقتل
عمارا الفئة الباغية " جماعة من الصحابة.
منهم قتادة بن النعمان كما تقدم، وأم سلمة عند مسلم، وأبو
هريرة عند الترمذي، وعبد الله بن عمرو بن العاص عند
النسائي، وعثمان بن عفان، وحذيفة وأيو أيوب، وأبو رافع،
وخزيمة ابن ثابت، ومعاوية، وعمرو بن العاص، وأبو اليسر،
وعمار نفسه.
وكلها عند الطبراني وغيره.
وغالب طرقها صحيحة أو حسنة.
وفيه عن جماعة آخرين يطول ذكرهم.
(2) ذكره الهيثمي في " المجمع " 9 / 295 وقال: رواه أبو
يعلى، والطبراني بنحوه، ورواه البزار
باختصار، وإسناده حسن.
(3) انظر طرقه الكثيرة عند ابن سعد 3 / 1 / 180، و " مجمع
الزوائد " 7 / 242 وما بعدها، و 9 / 295 - 297.
و " نظم المتناثر في الحديث المتواتر " ص: (126) حيث ذكره
عن واحد وثلاثين صحابيا.
وانظر " فتح الباري " 1 / 543.
(*)
(1/421)
عمر: أما بعد، فإني بعثت إليكم عمار بن ياسر أميرا، وابن
مسعود معلما وزيرا، وإنهما لمن النجباء من أصحاب محمد صلى
الله عليه وسلم من أهل بدر، فاسمعوا لهما وأطيعوا، واقتدوا
بهما، وقد آثرتكم بابن أم عبد على نفسي.
رواه شريك فقال: آثرتكم بهما على نفسي (1).
ويروى أن عمر جعل عطاء عمار ستة آلاف.
مغيرة: عن إبراهيم أن عمارا كان يقرأ يوم الجمعة على
المنبر بياسين (2).
وقال زر: رأيت عمارا قرأ (إذا السماء انشقت) وهو على
المنبر فنزل فسجد.
شعبة، عن قيس سمع طارق بن شهاب يقول: إن أهل البصرة غزوا
نهاوند، فأمدهم أهل الكوفة وعليهم عمار، فظفروا، فأراد أهل
البصرة أن لا يقسموا لاهل الكوفة شيئا.
فقال رجل تميمي: أيها الاجداع ! تريد أن تشاركنا في
غنائمنا ؟ فقال عمار: خير أذني سببت، فإنها أصيبت مع رسول
الله، صلى الله عليه وسلم.
قال: فكتب في ذلك إلى عمر، فكتب عمر: إن الغنيمة لمن شهد
الوقعة (3).
قال الواقدي: حدثنا عبد الله بن نافع، عن أبيه، عن ابن
عمر، قال: رأيت عمارا يوم اليمامة على صخرة وقد أشرف يصيح:
يا معشر المسلمين، أمن الجنة تفرون ؟ أنا عمار بن ياسر،
هلموا إلي ! وأنا أنظر إلى أذنه قد قطعت، فهي تذبذب وهو
يقاتل أشد القتال (4).
__________
(1) أخرجه ابن سعد 3 / 1 / 182.
(2) أخرجه ابن سعد 3 / 1 / 182.
(3) إسناده صحيح، وأخرجه ابن سعد 3 / 1 / 181 - 182، و عبد
الرزاق في " المصنف " (9689)، والبيهقي في سننه 9 / 50
وانظر " شرح السنة " للبغوي 11 / 97 - 100 بتحقيقنا.
(4) أخرجه ابن سعد 3 / 1 / 181 (*)
(1/422)
قال الشعبي: سئل عمار عن مسألة فقال: هل كان هذا بعد ؟
قالوا: لا.
قال: فدعونا حتى يكون، فإذا كان تجشمناه لكم (1).
قال عبد الله بن أبي الهذيل: رأيت عمارا اشترى قتا بدرهم،
وحمله على ظهره وهو أمير الكوفة (2).
الاعمش: عن إبراهيم التيمي، عن الحارث بن سويد: أن رجلا من
الكوفة وشى بعمار إلى عمر، فقال له عمار: إن كنت كاذبا،
فأكثر الله مالك وولدك، وجعلك موطأ العقبين (3).
ويقال: سعوا بعمار إلى عمر في أشياء كرهها له، فعزله، ولم
يؤنبه.
وقيل: إن جريرا سأله عمر عن عمار فقال: هو غير كاف ولا
عالم بالسياسة.
الاعمش: عن حبيب بن أبي ثابت، قال: سألهم عمر عن عمار،
فأثنوا عليه، وقالوا: والله ما أنت أمرته علينا، ولكن الله
أمره، فقال عمر: اتقوا الله وقولوا كما يقال، فوالله لانا
أمرته عليكم، فإن كان صوابا، فمن قبل الله، وإن كان خطأ
إنه من قبلي.
داود بن أبي هند (4)، عن الشعبي، قال عمر لعمار: أساءك
عزلنا إياك ؟ قال: لئن قلت ذاك لقد ساءني حين استعملتني
وساءني حين عزلتني (5).
__________
(1) أخرجه ابن سعد 3 / 1 / 183.
(2) أخرجه ابن سعد 3 / 1 / 182، والقت: الفصفصة، وهي
الرطبة من علف الدواب.
(3) أخرجه ابن سعد 3 / 1 / 183، وأبو نعيم في " الحلية " 1
/ 142.
وقد تحرف التيمي في المطبوع إلى " التميمي ".
(4) نقل " داود بن أبي هند " في المطبوع إلى نهاية الخبر
وحرف إلى " داود عن أبي هند ".
(5) أخرجه ابن سعد 3 / 1 / 183، وفيه: الشعبي، عن عامر،
قال عمر:...(*)
(1/423)
روى البهي: عن ابن عمر، قال: ما أعلم أحدا خرج في الفتنة
يريد الله إلا عمارا، وما أدري ما صنع (1).
الاسود بن شيبان: حدثنا أبو نوفل بن أبي عقرب، قال: كان
عمار بن ياسر قليل الكلام، طويل السكوت، وكان عامة قوله:
عائذ بالرحمن من فتنة، عائذ بالرحمن من فتنة، فعرضت له
فتنة عظيمة (2).
الاعمش: عن عبد الله بن زياد، قال عمار: إن أمنا، يعني
عائشة، قد مضت لسبيلها، وإنها لزوجته في الدنيا والآخرة،
ولكن الله ابتلانا بها ليعلم إياه نطيع أو إياها (3).
وأخرج نحوه البخاري من حديث أبي وائل.
قال أبو إسحاق السبيعي: قال عمار لعلي: ما تقول في أبناء
من قتلنا ؟ قال لا سبيل عليهم، قال: لو قلت غير ذا
خالفناك.
الاعمش: عن أبي إسحاق، عن سعيد بن حميد، قال عمار لعلي يوم
الجمل: ما تريد أن تصنع بهؤلاء ؟ فقال له علي: حتى ننظر
لمن تصير عائشة، فقال عمار، ونقسم عائشة ؟ قال: فكيف نقسم
هؤلاء ؟ قال: لو قلت غير ذا ما بايعناك.
__________
(1) أخرجه أبو نعيم في " الحلية " 1 / 142 من طريق: سفيان،
عن السدي، عن عبد الله البهي، عن ابن عمر:...(2) أخرجه ابن
سعد 3 / 1 / 183، وأبو نعيم في " الحلية " 1 / 145.
(3) أخرجه أحمد 4 / 265، والبخاري (3772) في فضائل
الصحابة: باب فضل عائشة، عن شعبة، عن الحاكم: سمعت أبا
وائل قال: لما بعث علي عمارا والحسن إلى الكوفة ليستنفرهم،
خطب عمار فقال: إني لا علم أنها زوجته في الدنيا والآخرة،
ولكن الله ابتلاكم لتتبعوه أو إياها " و (7100) و (7101)
في الفتن، وطريق الرواية (7100) عن عبد الله بن زياد
الازدي، به.
وقد تصحف " زياد " في المطبوع إلى " زناد ".
(*)
(1/424)
الثوري: عن حبيب بن أبي ثابت، عن أبي البختري قال: قال
عمار يوم صفين: ائتوني بشربة لبن، قال: فشرب، ثم قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن آخر شربة تشربها من
الدنيا شربة لبن " ثم تقدم فقتل (1).
سعد بن إبراهيم الزهري: عن أبيه، عمن حدثه: سمع عمارا
بصفين يقول: أزفت الجنان، وزوجت الحور العين، اليوم نلقى
حبيبنا محمدا صلى الله عليه وسلم.
مسلم بن إبراهيم: حدثنا ربيعة بن كلثوم، حدثنا أبي قال:
كنت بواسط، فجاء أبو الغادية عليه مقطعات، وهو طوال، فلما
قعد، قال: كنا نعد عمارا من خيارنا، فإني لفي مسجد قباء إذ
هو يقول وذكر كلمة لو وجدت عليه أعوانا لوطئته، فلما كان
يوم صفين، أقبل يمشي أول الكتيبة، فطعنه رجل فانكشف المغفر
عنه فأضربه، فإذا رأس عمار.
قال: يقول مولى لنا: لم أر أبين ضلالة منه (2).
عفان: حدثنا حماد، حدثنا كلثوم بن جبر، عن أبي الغادية،
قال سمعت عمارا يقع في عثمان يشتمه.
فتوعدته بالقتل، فلما كان يوم صفين، جعل
عمار يحمل على الناس، فقيل: هذا عمار، فطعنته في ركبته،
فوقع فقتلته، فقيل: قتل عمار.
وأخبر عمرو بن العاص، فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه
وسلم يقول: " إن قاتله وسالبه في النار " (3).
__________
(1) أخرجه أحمد 4 / 319، وابن سعد 3 / 1 / 184، والحاكم 3
/ 389.
(2) أخرجه ابن سعد 3 / 1 / 185 - 186 ورجاله ثقات.
وأبو الغادية هذا مترجم في " الاصابة " ت (873) في الكنى.
وفي " تعجيل المنفعة " (334) قال الحافظ: اسمه يسار بن
سبع، سكن الشام، ونزل واسط، وأدرك النبي، صلى الله عليه
وسلم، وسمع منه قوله: " لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم
رقاب بعض " وكان محبا لعثمان، وهو الذي قتل عمار بن ياسر.
وكان إذا استأذن على معاوية وغيره يقول: قاتل عمار بالباب.
يتبجح بذلك.
وانظر إلى العجب ! يروي عن النبي، صلى الله عليه وسلم،
النهي عن القتل ثم يقتل مثل عمار ! ! (3) إسناده حسن
وأخرجه أحمد 4 / 198، وابن سعد 3 / 1 / 186.
(*)
(1/425)
ليث بن أبي سليم: عن مجاهد، عن عبد الله بن عمرو، مرفوعا:
" قاتل عمار وسالبه في النار " (1).
قال ابن أبي خالد: عن قيس أو غيره، قال عمار: ادفنوني في
ثيابي، فإني رجل مخاصم (2).
وعن عاصم بن ضمرة أن عليا صلى على عمار، ولم يغسله (3).
قال أبو عاصم: عاش عمار ثلاثا وتسعين سنة، وكان لا يركب
على سرج، ويركب راحلته.
عبد الله بن طاووس، عن أبي بكر بن حزم قال: لما قتل عمار،
دخل عمرو ابن حزم على عمرو بن العاص فقال: قتل عمار.
وقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " تقتله
الفئة الباغية " فقام عمرو فزعا إلى معاوية فقال: ما شأنك
؟ قال:
قتل عمار.
قال: قتل عمار، فكان ماذا ؟ قال: سمعت رسول الله صلى الله
عليه وسلم يقول: " تقتله الفئة الباغية "، قال: أنحن
قتلناه ؟ وإنما قتله علي وأصحابه، جاؤوا به حتى ألقوه بين
رماحنا، أو قال: بين سيوفنا (4).
قلت: كانت صفين في صفر وبعض ربيع الاول سنة سبع وثلاثين.
قرأت على الحافظ عبد المؤمن بن خلف، أخبركم يحيى بن أبي
السعود، أخبرتنا شهدة، أنبأنا ابن طلحة، أخبرنا أبو عمر
الفارسي، حدثنا محمد بن
__________
(1) ذكره الهيثمي في " المجمع " 9 / 297 وقال: رواه
الطبراني.
(2) أخرجه ابن سعد 3 / 1 / 187 من طريق: وكيع، عن إسماعيل
بن أبي خالد، عن يحيى بن عابس، قال: قال عمار:...(3) أخرجه
ابن سعد 3 / 1 / 188.
(4) سبق تخريجه في الصفحة (420) التعليق رقم (1).
(*)
(1/426)
أحمد بن يعقوب، حدثنا جدي، حدثنا خلف بن سالم، حدثنا وهب
بن جرير، حدثنا جويرية، حدثنا يحيى بن سعيد، عن عمه قال:
لما كان اليوم الذي أصيب فيه عمار إذا رجل قد برز بين
الصفين جسيم على فرس جسيم، ضخم على ضخم، ينادي، يا عباد
الله، بصوت موجع، روحوا إلى الجنة، ثلاث مرار، الجنة تحت
ظلال الاسل، فثار الناس، فإذا هو عمار، فلم يلبث أن قتل.
وبه: حدثنا جدي يعقوب، حدثنا علي بن عاصم، حدثنا عطاء بن
السائب، عن أبي البختري الطائي قال: قاول عمار رجلا،
فاستطال الرجل عليه فقال عمار: أنا إذا كمن لا يغتسل يوم
الجمعة، فعاد الرجل، فاستطال عليه (1)، فقال له عمار: إن
كنت كاذبا، فأكثر الله مالك وولدك وجعلك يوطأ
عقبك.
وبه: حدثنا جدي، حدثنا وهيب بن جرير، حدثنا شعبة، عن أبي
إسحاق، عن صلة بن زفر، عن عمار أنه قال: ثلاثة من كن فيه،
فقد استكمل الايمان، أو قال: من كمال الايمان: الانفاق من
الاقتار، والانصاف من نفسك، وبذل السلام للعالم (2).
فرأت على أحمد بن إسحاق، أنبأنا أحمد بن أبي الفتح، والفتح
بن عبد الله، قالا: أنبأنا محمد بن عمر الارموي، أنبأنا
أحمد بن محمد، أنبأنا علي ابن عمر السكري، حدثنا أحمد بن
الحسن الصوفي، حدثنا يحيى بن معين،
__________
(1) سقط من المطبوع من قوله: (فقال عمار...إلى: فاستطال
عليه ".
(2) علقه البخاري في الايمان: باب إفشاء السلام من
الاسلام، وقد وصله غير واحد.
انظر " الفتح " 1 / 82، ووصله عبد الرزاق في " المصنف "
(19439) والامام أحمد في كتاب " الايمان "، ويعقوب بن أبي
شيبة، في " مسنده " ثلاثتهم من طريق: أبي إسحاق السبيعي،
عن صلة بن زفر، عن عمار...(*)
(1/427)
حدثنا إسماعيل بن مجالد، عن بيان (1)، عن وبرة عن همام
قال: قال عمار: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وما معه
إلا خمسة أعبد وامرأتان وأبو بكر (2).
أخرجه البخاري عن عبد الله شيخ له يقال: هو ابن حماد
الآملي، وقيل عبد الله بن أبي الخوارزمي، عن يحيى بن معين.
وهو فرد غريب ما أعلم رواه عن بيان بن بشر سوى إسماعيل،
ولم يخرجه سوى البخاري.
الاعمش وغيره، عن أبي وائل قال: رأى أبو ميسرة عمرو بن
شرحبيل ذا الكلاع وعمارا في قباب بيض بفناء الجنة فقال:
ألم يقتل بعضكم بعضا ؟ قال: بلى، ولكن وجدنا الله واسع
المغفرة (3) - آخر الترجمة والحمد لله.
85 - أخبار النجاشي * واسمه
أصحمة ملك الحبشة.
معدود في الصحابة رضي الله عنهم، وكان ممن حسن (4) إسلامه
ولم يهاجر، ولا له رؤية، فهو تابعي من وجه، صاحب من وجه،
وقد توفي في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، فصلى عليه
بالناس صلاة الغائب (5)،
__________
(1) تحرفت في الموضعين إلى " بنان "، في المطبوعة.
(2) أخرجه البخاري (3660) في فضائل الصحابة: باب قول
النبي، صلى الله عليه وسلم، لو كنت متخذا خليلا، و (3857)
في المناقب: باب إسلام أبي بكر.
(3) أخرجه ابن سعد 3 / 1 / 188 - 189.
(*) نسب قريش: 81، 123، 124، 251، 322، تاريخ خليفة: 93،
التاريخ الصغير: 1 / 3، أسد الغابة: 1 / 119، تهذيب
الاسماء واللغات: 2 / 287، العبر: 1 / 10، مجمع الزوائد: 9
/ 419 - 420، الاصابة: 1 / 177، كنز العمال: 14 / 33.
(4) تحرفت في المطبوع إلى " حبس ".
(5) أخرج البخاري (1334) في الجنائز: باب التكبير على
الجنائز أربعا، و (3877) و (3878) و (3879) في المناقب:
باب موت النجاشي، والنسائي 4 / 69 في الجنائز: باب الصفوف
على الجنازة عن جابر، قال: قال رسول الله، صلى الله عليه
وسلم، حين مات النجاشي: " مات اليوم رجل صالح فقوموا فصلوا
على أخيكم أصحمة " هذا لفظ البخاري في المناقب (3877) =
(*)
(1/428)
ولم يثبت أنه صلى صلى الله عليه وسلم على غائب سواه، وسبب
ذلك أنه مات بين قوم نصارى، ولم يكن عنده من يصلي عليه،
لان الصحابة الذين كانوا مهاجرين عنده خرجوا من عنده
مهاجرين إلى المدينة عام خيبر.
ابن إسحاق: عن الزهري قال: حدثت عروة بن الزبير بحديث أبي
بكر بن عبد الرحمن عن أم سلمة بقصة النجاشي وقوله لعمرو بن
العاص: فوالله ما
أخذ الله مني الرشوة حين رد علي ملكي، وما أطاع الناس في
فأطيع الناس فيه، فقال عروة: أتدري ما معناه ؟ قلت: لا،
قال: إن عائشة حدثتني أن أباه كان ملك قومه، ولم يكن له
ولد إلا النجاشي، وكان للنجاشي عم، له من صلبه اثنا عشر
رجلا، وكانوا أهل بيت مملكة الحبشة.
فقالت الحبشة بينها: لو أنا قتلنا أبا النجاشي، وملكنا
أخاه، فإنه لا ولد له غير هذا الغلام، وإن لاخيه اثني عشرة
ولدا، فتوارثوا ملكه من بعده، فبقيت الحبشة بعده دهرا.
فعدوا على أبي النجاشي، فقتلوه وملكوا أخاه.
فمكثوا على ذلك، ونشأ النجاشي مع عمه، وكان لبيبا حازما من
الرجال، فغلب على أمر عمه، ونزل منه بكل منزلة، فلما رأت
الحبشة مكانه منه، قالت بينها: والله إنا لنتخوف أن يملكه،
ولئن ملكه علينا ليقتلنا أجمعين، لقد عرف أنا نحن قتلنا
أباه.
فمشوا إلى
__________
= ورواه البخاري 3 / 163، ومسلم (951)، وأبو داود (3204)،
والطيالسي (2300)، وابن ماجه (1534) والنسائي 4 / 70،
والترمذي (1022) من حديث أبي هريرة.
وأخرجه مسلم (953)، والنسائي 4 / 70، وابن ماجه (1535)،
والطيالسي (749)، وأحمد 4 / 431، 433، والترمذي (1039) من
حديث عمران بن حصين.
ورواه الطيالسي (1068)، وابن ماجه (1537)، وأحمد 4 / 7 عن
حذيفة بن أسيد.
ورواه أحمد 4 / 64، وابن ماجه (1536)، وأحمد 5 / 376 من
حديث مجمع بن حارثة الانصاري.
وأخرجه ابن ماجه (1538) من حديث عبد الله بن عمر.
وأخرجه أحمد 4 / 260، 263 من حديث جرير بن عبد الله.
(*)
(1/429)
عمه، فقالوا له: إما أن تقتل هذا الفتى، وإما أن تخرجه من
بين أظهرنا، فإنا قد خفنا على أنفسنا منه.
قال: ويلكم ! قتلتم أباه بالامس وأقتله اليوم ! بل
أخرجوه من بلادكم.
فخرجوا به، فباعوه من رجل تاجر بست مئة درهم، ثم قذفه في
سفينة، فانطلق به حتى إذا المساء من ذلك اليوم، هاجت سحابة
من سحاب الخريف، فخرج عمه يستمطر تحتها، فأصابته صاعقة
فقتلته.
ففزعت الحبشة إلى ولده.
فإذا هم حمقى ليس في ولده خير، فمرج على الحبشة أمرهم،
فلما ضاق عليهم ما هم فيه من ذلك قال بعضهم لبعض: تعلمون
والله أن ملككم الذي لا يقيم أمركم غيره الذي بعتموه غدوة،
فإن كان لكم بأمر الحبشة حاجة، فأدركوه، قال: فخرجوا في
طلبه.
حتى أدركوه فأخذوه من التاجر، ثم جاؤوا به، فعقدوا عليه
التاج، وأقعدوه على سرير الملك، وملكوه.
فجاءهم التاجر، فقال: إما أن تعطوني مالي، وإما أن أكلمه
في ذلك، فقالوا: لا نعطيك شيئا، قال إذن والله لاكلمنه،
قالوا: فدونك، فجاءه فجلس بين يديه، فقال: أيها الملك !
ابتعت غلاما من قوم بالسوق بست مئة درهم، فأسلموه إلي،
وأخذوا دراهمي، حتى إذا سرت بغلامي أدركوني، فأخذوا غلامي
ومنعوني دراهمي.
فقال لهم النجاشي: لتعطنه دراهمه، أو ليسلمن غلامه في
يديه، فليذهبن به حيث يشاء، قالوا: بل نعطيه دراهمه، قالت:
فلذلك يقول: ما أخذ الله مني الرشوة حين رد علي ملكي، فآخذ
الرشوة فيه.
وكان ذلك أول ما خبر من صلابته في دينه وعدله في حكمه، ثم
قالت: لما مات النجاشي، كنا نتحدث أنه لا يزال يرى على
قبره نور (1).
" المسند " لاحمد بن حنبل: حدثنا يعقوب بن إبراهيم، حدثنا
أبي، عن ابن إسحاق، حدثني ابن شهاب عن أبي بكر بن عبد
الرحمن بن الحارث بن
__________
(1) رجاله ثقات، إلا أن فيه عنعنة ابن إسحاق، وأخرجه ابن
هشام في " السيرة " 1 / 339 - 340.
(*)
(1/430)
هشام، عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، قالت: لما
نزلنا أرض الحبشة جاورنا بها
خير جار النجاشي، أمنا على ديننا، وعبدنا الله تعالى لا
نؤذى ولا نسمع شيئا نكرهه، فلما بلغ ذلك قريشا، ائتمروا أن
يبعثوا إلى النجاشي فينا (1) رجلين جلدين، وأن يهدوا
للنجاشي هدايا مما يستطرف من متاع مكة، وكان من أعجب ما
يأتيه منها إليه الادم، فجمعوا له أدما كثيرا، ولم يتركوا
من بطارقته بطريقا إلا أهدوا إليه هدية، ثم بعثوا بذلك عبد
الله بن أبي ربيعة بن المغيرة المخزومي، وعمرو بن العاص
السهمي، وأمروهما أمرهم، وقالوا لها: ادفعوا إلى كل بطريق
هديته قبل أن تكلموا النجاشي فيهم، ثم قدموا له هداياه، ثم
سلوه أن يسلمهم إليكم قبل أن يكلمهم.
قالت: فخرجا، فقد ما على النجاشي، ونحن عنده بخير دار عند
خير جار.
فلم يبق من بطارقته بطريق إلا دفعا إليه هديته، وقالا له:
إنه قد ضوى (2) إلى بلد الملك منا غلمان سفهاء فارقوا دين
قومهم، ولم يدخلوا في دينكم، وجاؤوا بدين مبتدع لا نعرفه
نحن ولا أنتم، وقد بعثنا إلى الملك فيهم أشراف قومهم
ليردهم إليهم، فإذا كلمنا الملك فيهم، فأشيروا عليه بأن
يسلمهم إلينا ولا يكلمهم، فإن قومهم أعلى بهم عينا (3)
وأعلم بما عابوا عليهم، فقالوا لهم: نعم.
ثم إنهما قربا هدايا النجاشي، فقبلها منهم، ثم كلماه،
فقالا له: أيها الملك إنه ضوى إلى بلدك منا غلمان سفهاء،
فارقوا دين قومهم ولم يدخلوا في دينك، وجاؤوا بدين مبتدع
لا نعرفه نحن ولا أنت، وقد بعثنا إليك أشراف قومهم من
آبائهم وأعمامهم وعشائرهم لتردهم إليه، فهم أعلى بهم عينا،
وأعلم بما عابوا
__________
(1) سقطت لفظة " فينا " من المطبوع.
(2) وقال السهيلي في " الروض الانف ": ضوى إليك فتية: أي
أووا إليك ولا ذوا بك.
(3) قال السهيلي: أي: أبصر بهم، أي: عينهم وإبصارهم فوق
عيون غيرهم في أمرهم.
(*)
(1/431)
عليهم فيه.
قالت: ولم يكن شئ أبغض إلى عبد الله، وعمرو من أن يسمع
النجاشي كلامهم.
فقالت بطارقته حوله صدقوا أيها الملك.
فأسلمهم إليهما.
فغضب النجاشي، ثم قال: لا ها الله إذا لا أسلمهم إليهما،
ولا أكاد (1) قوما جاوروني، ونزلوا بلادي، واختاروني على
من سواي حتى أدعوهم فأسألهم.
ثم أرسل إلى أصحاب رسول الله فدعاهم، فلما جاءهم رسوله،
اجتمعوا، ثم قال بعضهم لبعض: ما تقولون للرجل إذا جئتموه ؟
قالوا: نقول والله ما علمنا، وما أمرنا به نبينا صلى الله
عليه وسلم كائنا في ذلك ما كان.
فلما جاؤوه، وقد دعا النجاشي أساقفته، فنشروا مصاحفهم
حوله، سألهم فقال: ما هذا الدين الذي فارقتم فيه قومكم ولم
تدخلوا في ديني ولا في دين أحد من هذه الامم ؟ قالت: وكان
الذي يكلمه جعفر بن أبي طالب، فقال له: أيها الملك، إنا
كنا قوما أهل جاهلية: نعبد الاصنام، ونأكل الميتة، ونأتي
الفواحش، ونقطع الارحام، ونسئ الجوار، ويأكل القوي منا
الضعيف.
فكنا (2) على ذلك حتى بعث الله إلينا رسولا منا، نعرف نسبه
وصدقه وأمانته وعفافه، فدعانا إلى الله لنوحده ونعبده،
ونخلع ما كنا نعبد وآباؤنا من دونه من الحجارة والاوثان،
وأمرنا بصدق الحديث، وأداء الامانة، وصلة الرحم، وحسن
الجوار، والكف عن المحارم والدماء، ونهانا عن الفواحش،
وقول الزور، وأكل مال اليتيم، وقذف المحصنة، وأمرنا أن
نعبد الله لا نشرك به شيئا، وأمرنا بالصلاة والزكاة
والصيام.
قالت: فعدد له أمور الاسلام - فصدقناه وآمنا به واتبعناه،
فعدا علينا قومنا فعذبونا (3) وفتنونا عن ديننا ليردونا
إلى عبادة الاوثان، وأن نستحل ما كنا
__________
(1) ولا أكاد: بضم الهمزة، فعل مبني للمجهول: أي: ولا
يكيدني أحد قال في اللسان: يقولون - إذا حمل أحدهم على ما
يكره -: لا والله لا كيدا ولا هما: يريد: لا أكاد ولا أهم.
(2) تحرفت في المطبوع إلى " فعشنا ".
(3) سقطت من المطبوع لفظة " فعذبونا ".
(*)
(1/432)
نستحل من الخبائث، فلما قهرونا وظلمونا وشقوا (1) علينا،
وحالوا بيننا وبين ديننا، خرجنا إلى بلدك، واخترناك على من
سواك، ورغبنا في جوارك، ورجونا أن لا نظلم عندك أيها
الملك.
قالت: فقال: هل معك مما جاء به عن الله من شئ ؟ قال: نعم ؟
قال: فاقرأه علي، فقرأ عليه صدرا من (كهيعص).
فبكى والله النجاشي حتى أخضل لحيته، وبكت أساقفته حتى
أخضلوا مصاحفهم حين سمعوا ما تلي عليهم، ثم قال النجاشي:
إن هذا والذي جاء به موسى ليخرج من مشكاة واحدة.
انطلقا، فوالله لا أسلمهم إليكم أبدا ولا أكاد.
فلما خرجا قال عمرو: والله لانبئنه غدا عيبهم ثم (2)
أستأصل خضراءهم.
فقال له عبد الله بن أبي ربيعة، وكان أتقى الرجلين فينا:
لا تفعل، فإن لهم أرحاما وإن كان قد خالفونا.
قال: والله لاخبرنه أنهم يزعمون أن عيسى عبد.
ثم غدا عليه، فقال: أيها الملك ! إنهم يقولون في عيسى بن
مريم قولا عظيما، فأرسل إليهم، فسلهم عما يقولون فيه.
فأرسل يسألهم.
قالت.
ولم ينزل بنا مثلها، فاجتمع القوم، ثم قالوا: نقول والله
فيه ما قال الله تعالى كائنا ما كان.
فلما دخلوا عليه قال لهم: ما تقولون في عيسى ؟ فقال له
جعفر: نقول فيه الذي جاء به نبينا (3).
هو عبد الله ورسوله وروحه وكلمته ألقاها إلى مريم العذراء
البتول.
فضرب النجاشي يده إلى الارض، فأخذ عودا، ثم قال: ما عدا
عيسى ما قلت هذا العود.
فتناخرت بطارقته حوله،
__________
(1) تحرفت في المطبوع إلى " ضيقوا ".
(2) تحرفت في المطبوع إلى " عنهم بما ".
(3) تحرفت في المطبوع إلى " ديننا ".
(*)
(1/433)
فقال: وإن نخرتم والله، اذهبوا فأنتم سيوم بأرضي - والسيوم
الآمنون - من سبكم غرم، ثم من سبكم غرم، ما أحب أن لي دبرى
(1) ذهبا وأني آذيت رجلا منكم.
- والدبر بلسانهم الجبل - ردوا عليهما هدايا هما، فوالله
ما أخذ الله مني الرشوة حين رد علي ملكي، فآخذ الرشوة فيه،
وما أطاع الناس في، فأطيعهم فيه.
فخرجا مقبوحين، مردودا عليهما ما جاءا به، وأقمنا عنده
بخير دار مع خير جار.
فوالله إنا على ذلك، إذ نزل به، يعني من ينازعه في ملكه،
فوالله ما علمنا حربا قط كان أشد من حرب حربناه (2)، تخوفا
أن يظهر ذلك على النجاشي، فيأتي رجل لا يعرف من حقنا ما
كان النجاشي يعرف منه، وسار النجاشي وبينهما عرض النيل.
فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: من رجل يخرج حتى
يحضر وقعة القوم ثم يأتينا بالخبر ؟ فقال الزبير: أنا،
وكان من أحدث القوم سنا.
فنفخوا له قربة، فجعلها في صدره، ثم سبح عليها حتى خرج إلى
مكان الملتقى، وحضر، فدعونا الله للنجاشي بالظهور على عدوه
والتمكين له في بلاده، واستوسق (3) له أمر الحبشة، فكنا
عنده في خير منزل حتى قدمنا على رسول الله صلى الله عليه
وسلم وهو بمكة (4).
سليمان بن بنت شرحبيل: عن عبد الرحمن بن بشير، و عبد الملك
بن
__________
(1) قال ابن الاثير: هو بالقصر، اسم جبل.
وفي رواية: ما أحب أن يكون لي دبرا من ذهب والدبر في
لسانهم: الجبل.
هكذا فسر.
وهو في الاولى معرفة، وفي الثانية نكرة.
(2) كذا الاصل.
وفي " السيرة النبوية "، بخط المؤلف - ورقة 48 - و "
المسند " " حزنا قط كان أشد من حزن حزناه ".
وسيشير إليها المصنف فيما بعد.
والحرب: الغضب، والنزاع، والخصومة.
(3) استوسق له أمر الحبشة: أي اجتمعوا على طاعته، فاستقر
له الملك فيهم.
تحرفت في
المطبوع إلى " استوثق ".
(4) إسناده قوي، وأخرجه أحمد 1 / 201 و 5 / 290، وابن هشام
1 / 334 - 338، وذكره الهيثمي في " المجمع " 6 / 24 - 27
وقال: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح.
وابن إسحاق صرح بالسماع، وذكره الحافظ ابن كثير في "
البداية " 3 / 72 - 75 بأطول مما هنا.
(*)
(1/434)
هشام، عن زياد البكالي، وأحمد بن محمد بن أيوب، عن إبراهيم
بن سعد جميعا: عن ابن إسحاق، عن الزهري، عن أبي بكر بن عبد
الرحمن، عن أم سلمة، عن جعفر بن أبي طالب: أن النجاشي
سأله: ما دينكم ؟ قال: بعث [ الله ] فينا رسولا، وذكر بعض
ما تقدم.
تفرد بوصله ابن إسحاق، وأما (1) عقيل، ويونس، وغيرهما،
فأرسلوه.
ورواه ابن إدريس عن ابن إسحاق فقال: عن الزهري، عن أبي بكر
بن عبد الرحمن وعروة، وعبيدالله، عن أم سلمة.
ويروى هذا الخبر عن أبي بردة بن أبي موسى، عن أبيه، وعن
عبد الله بن جعفر بن أبي طالب عن أبيه (2).
ورواه ابن شابور، عن عثمان بن عطاء، عن عكرمة، عن ابن عباس
بطوله.
أعلى بهم عينا: أبصر بهم.
لاها الله: قسم، وأهل العربية يقولون: لاها الله ذا.
والهاء بدل من واو القسم، أي: لا والله لا يكون ذا.
وقيل: بل حذفت واو القسم، وفصلت " ها " من هذا فتوسطت
الجلالة ونصب (3) لاجل حذف واو القسم.
وتناخرت فالنخير: صوت من الانف، وقيل: النخير ضرب (4) من
الكلام، وجاء في رواية: من حزن حزناه.
وقولها: حتى قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة
عنت نفسها وزوجها.
وكذا قدم الزبير وابن مسعود وطائفة من مهاجرة الحبشة مكة،
وملوا من سكنى الحبشة، ثم قدم طائفة على رسول الله صلى
الله عليه وسلم لما عرفوا بأنه هاجر إلى
__________
(1) تحرفت في المطبوع إلى " أبا ".
(2) حديث أبي موسى هذا أخرجه البخاري (4230) في المغازي:
باب غزوة خيبر، ومسلم (2502) في فضائل الصحابة: باب من
فضائل جعفر.
وأما حديث جعفر فسيأتي بعد قليل.
(3) تحرفت في المطبوع إلى " وقعت ".
(4) تحرفت في المطبوع إلى " صوت ".
(*)
(1/435)
المدينة، ثم قدم جعفر بمن بقي ليالي خيبر.
قال أبو موسى الاصبهاني الحافظ: اسم النجاشي أصحمة، وقيل:
أصحم ابن بجرى.
كان له ولد يسمى أرمى، فبعثه إلى رسول الله صلى الله عليه
وسلم، فمات في الطريق.
وقيل: إن الذي كان رفيق عمرو بن العاص عمارة بن الوليد بن
المغيرة المخزومي.
فقال أبو كريب ومحمد بن آدم (1) المصيصي: حدثنا أسد بن
عمرو، حدثنا مجالد (2)، عن الشعبي، عن عبد الله بن جعفر،
عن أبيه قال: بعثت قريش عمرو بن العاص، وعمارة بن الوليد
بهدية من أبي سفيان إلى النجاشي.
فقالوا له ونحن عنده: قد جاء إليك ناس من سفلتنا وسفهائنا،
فادفعهم إلينا.
قال: لا، حتى أسمع كلامهم، وذكر نحوه إلى أن قال: فأمر
مناديا، فنادى: من آذى أحدا منهم، فأغرموه أربعة دراهم، ثم
قال: يكفيكم ؟ قلنا: لا، فأضعفها.
فلما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وظهر
بها، قلنا له: إن صاحبنا قد خرج إلى المدينة وهاجر وقتل
(3) الذي كنا حدثناك عنهم، وقد أردنا الرحيل إليه فزودنا،
قال: نعم، فحملنا وزودنا وأعطانا، ثم قال: أخبر صاحبك بما
صنعت إليكم، وهذا رسولي معك، وأنا أشهد أن لا إله إلا الله
وأنه رسول
الله، فقل له يستغفر لي.
قال جعفر: فخرجنا حتى أتينا المدينة: فتلقاني رسول الله
صلى الله عليه وسلم فاعتنقني (4)
__________
(1) ترك في المطبوع مكان لفظة " آدم " فراغا ولم يشر إلى
ذلك في الهامش.
(2) تحرفت في المطبوع إلى " مجاهد ".
(3) في " مجمع الزوائد " " قبل " بدل " وقتل ".
(4) تحرفت في المطبوع إلى " فاحتفى ".
(*)
(1/436)
فقال: " ما أدري أنا بفتح خيبر أفرح أو بقدوم جعفر " ثم
جلس، فقام رسول النجاشي، فقال: هو ذا جعفر، فسله ما صنع به
صاحبنا، فقلت: نعم، يعني ذكرته له، فقام رسول الله، فتوضأ،
ثم دعا ثلاث مرات: " اللهم اغفر للنجاشي " فقال المسلمون:
آمين.
فقلت للرسول: انطلق، فأخبر صاحبك ما رأيت (1).
ابن أبي عدي ومعاذ: عن ابن عون (2)، عن عمير بن إسحاق أن
جعفرا قال: يا رسول الله ائذن لي حتى أصير إلى أرض أ عبد
الله فيها، فأذن له، فأتى النجاشي.
فحدثنا عمرو بن العاص قال: لما رأيت جعفرا آمنا بها هو
وأصحابه حسدته، فأتيت النجاشي، فقلت: إن بأرضك رجلا ابن
عمه بأرضنا يزعم أنه ليس للناس إلا إله واحد، وإنك إن لم
تقتله وأصحابه لا أقطع إليك هذه النطفة أبدا ولا أحد من
أصحابي.
قال: اذهب إليه، فادعه.
قلت: إنه لا يجئ معي، فأرسل معي رسولا.
فأتيناه وهو بين ظهري أصحابه يحدثهم.
قال له: أجب.
فلما أتينا الباب ناديت: ائذن لعمرو بن العاص، ونادى جعفر:
ائذن لحزب الله.
فسمع صوته، فأذن له قبلي.
الحديث (3).
إسرائيل: عن أبي إسحاق، عن أبي بردة، عن أبيه، قال: أمرنا
رسول الله
صلى الله عليه وسلم أن ننطلق مع جعفر إلى أرض النجاشي،
فبلغ ذلك قريشا، فبعثوا عمرا وعمارة بن الوليد، وجمعوا
للنجاشي هدية.
فقدما عليه، وأتياه بالهدية، *
__________
ذكره الهيثمي في " المجمع " 6 / 29 - 30 وقال: رواه
الطبراني من طريق أسد بن عمرو، عن مجالد.
وكلاهما ضعيف وقد وثقا.
(2) تحرفت في المطبوع إلى " عوف ".
(3) ذكره الهيثمي في " المجمع " 6 / 29، وقال: رواه
الطبراني والبزار.
وعمير بن إسحاق وثقه ابن حبان وغيره، وفيه كلام لا يضر،
وبقية رجاله رجال الصحيح.
(*)
(1/437)
فقبلها وسجدا له، ثم قال عمرو: إن ناسا من أرضنا رغبوا عن
ديننا وهم في أرضك.
قال: في أرضي ؟ قال: نعم.
فبعث إلينا، فقال لنا جعفر: لا يتكلم منكم أحد أنا خطيبكم
اليوم.
فانتهينا إلى النجاشي وهو جالس في مجلس عظيم، وعمرو عن
يمينه، وعمارة عن يساره، والقسيسون والرهبان جلوس سماطين،
وقد قال له عمرو: إنهم لا يسجدون لك.
فلما انتهينا، بدرنا من عنده أن اسجدوا، قلنا: لا نسجد إلا
لله عزوجل، فلما انتهينا إلى النجاشي، قال: ما منعك أن
تسجد ؟ قال: لا نسجد إلا لله.
قال: وما ذاك ؟ قال: إن الله بعث فينا رسولا وهو الذي بشر
به عيسى، فقال: يأتي من بعدي اسمه أحمد، فأمرنا أن نعبد
الله ولا نشرك به شيئا، ونقيم الصلاة، ونؤتي الزكاة،
وأمرنا بالمعروف، ونهانا عن المنكر.
فأعجب النجاشي قوله، فلما رأى ذلك عمرو، قال: أصلح الله
الملك، إنهم يخالفونك في ابن مريم.
فقال النجاشي لجعفر: ما يقول صاحبكم في ابن مريم ؟ قال:
يقول فيه قول الله: هو روح الله وكلمته، أخرجه من البتول
العذراء
التي لم يقربها بشر، ولم يفرضها ولد (1).
فتناول عودا، فرفعه فقال: يا معشر القسيسين والرهبان ! ما
يزيد على ما تقولون في ابن مريم ما تزن هذه.
مرحبا بكم وبمن جئتم من عنده، فأنا أشهد أنه رسول الله،
وأنه الذي بشر به عيسى، ولو لا ما أنا فيه من الملك لاتيته
حتى
__________
(1) كذا الاصل، وهي كذلك بخط المصنف الذهبي في " تاريخ
الاسلام " ورقة (47) وفي " مجمع الزوائد ": " يفترضها "
وقال ابن الاثير في " النهاية ": وفي صفة مريم عليها
السلام، ولم يفترضها ولد: أي لم يؤثر فيها ولم يحزها -
يعني قبل المسيح عليه السلام.
(*)
(1/438)
أقبل نعله، امكثوا في أرضي ما شئتم.
وأمر لنا بطعام وكسوة، وقال: ردوا على هذين هديتهما.
وكان عمرو رجلا قصيرا (1)، وكان عمارة رجلا جميلا، وكانا
أقبلا في البحر إلى النجاشي، فشرب مع عمرو وامرأته، فلما
شربوا من الخمر قال عمارة: لعمرو: مر امرأتك فلتقبلني.
قال: ألا تستحي ؟ فأخذ عمارة عمرا يرمي به في البحر، فجعل
عمرو يناشدة حتى تركه، فحقد عليه عمرو، فقال للنجاشي: إنك
إذا خرجت، خلفك عمارة في أهلك.
فدعا بعمارة، فنفخ في إحليله، فطار مع الوحش (2).
وعن موسى بن عقبة، عن ابن شهاب، قال: مكر عمرو بعمارة
فقال: يا عمارة إنك رجل جميل، فاذهب إلى امرأة النجاشي،
فتحدث عندها إذا خرج زوجها، فإن ذلك عون لنا في حاجتنا.
فراسلها عمارة حتى دخل عليها.
فانطلق عمرو إلى النجاشي فقال: إن صاحبي صاحب نساء، وإنه
يريد أهلك.
فبعث النجاشي إلى بيته، فإذا هو عند أهله.
فأمر به، فنفخ في إحليله، سحره، ثم ألقاه في جزيرة من
جزائر البحر، فجن، واستوحش مع
الوحش.
ابن إسحاق: عن يزيد بن رومان، عن عروة (3)، عن عائشة قالت:
لما مات
__________
(1) تحرفت في المطبوع إلى " فقيرا ".
(2) رجاله ثقات.
وذكره الهيثمي في " المجمع " 6 / 30 - 31 وقال: رواه
الطبراني ورجاله رجال الصحيح.
وأخرج بنحوه الطيالسي في " مسنده " من طريق خديج بن
معاوية، عن أبي إسحاق، عن عبد الله بن عتبة، عن ابن مسعود.
وقد أعل المؤلف رحمه الله، الرواية الاولى في تاريخه 2 /
117 فقال: ويظهر لي أن إسرائيل وهم فيه، ودخل عليه حديث في
حديث.
وإلا أين كان أبو موسى الاشعري ذلك الوقت ؟.
(3) تحرفت في المطبوع إلى " عمرو ".
(*)
(1/439)
النجاشي كنا نتحدث أنه لا يزال يرى على قبره نور (1).
فأما عمارة، فإنه بقي إلى خلافة عمر مع الوحوش، فدل عليه
أخوه، فسار إليه وتحين وقت وروده الماء، فلما رأى أخاه،
فر، فوثب وأمسكه، فبقي يصيح: أرسلني يا أخي ! فلم يرسله،
فخارت قوته من الخوف، ومات في الحال.
فعداده في المجانين الذين يبعثون على ما كانوا عليه قبل
ذهاب العقل، فيبعث هذا المعثر (2) على الكفر والعداوة
لرسول الله صلى الله عليه وسلم، نسأل الله المغفرة.
وحدثني جعفر بن محمد، عن أبيه قال: اجتمعت الحبشة فقالوا
للنجاشي: فارقت ديننا.
وخرجوا عليه، فأرسل إلى جعفر وأصحابه، فهيأ لهم سفنا،
وقال: اركبوا، فإن هزمت، فامضوا، وإن ظفرت فاثبتوا.
ثم عمد إلى كتاب، فكتب فيه: هو يشهد أن لا إله إلا الله،
وأن محمدا عبده ورسوله، ويشهد أن عيسى عبده ورسوله وروحه
وكلمته ألقاها إلى مريم.
ثم جعله في
قبائه، وخرج إلى الحبشة، وصفوا له، فقال: يا معشر الحبشة:
ألست أحق الناس بكم ؟ قالوا: بلى.
قال: فكيف رأيتم سيرتي فيكم ؟ قالوا: خير سيرة، قال فما
بالكم ؟ قالوا: فارقت ديننا، وزعمت أن عيسى عبد.
قال: فما تقولون فيه ؟ قالوا: هو ابن الله، فقال - ووضع
يده على صدره على قبائه - هو يشهد أن عيسى، لم يزد على هذا
شيئا، وإنما عنى على ما كتب، فرضوا، وانصرفوا.
فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فلما مات النجاشي صلى
عليه، واستغفر
__________
(1) رجاله ثقات إلا أن فيه عنعنة ابن إسحاق.
وقد تقدم الخبر مطولا في الصفحة (430) التعليق رقم (1).
(2) تصحفت في المطبوع إلى " المغتر ".
والمعثر: هو التعس.
ويقال: للزلة عثرة: لانها سقوط في الاثم.
(*)
(1/440)
له (1).
ومن محاسن النجاشي أن أم حبيبة رملة بنت أبي سفيان بن حرب
الاموية أم المؤمنين أسلمت مع زوجها عبيد (2) الله بن جحش
الاسدي قديما، فهاجر بها زوجها، فانملس بها إلى أرض
الحبشة، فولدت له حبيبة ربيبة النبي صلى الله عليه وسلم.
ثم إنه أدركه الشقاء فأعجبه دين النصرانية فتنصر، فلم ينشب
(3) أن مات بالحبشة، فلما وفت العدة، بعث رسول الله صلى
الله عليه وسلم، يخطبها، فأجابت، فنهض في ذلك النجاشي،
وشهد زواجها بالنبي صلى الله عليه وسلم، وأعطاها الصداق عن
النبي صلى الله عليه وسلم من عنده أربع مئة دينار، فحصل
لها شئ لم يحصل لغيرها من أمهات المؤمنين، ثم جهزها
النجاشي (4).
وكان الذي وفد على النجاشي بخطبتها عمرو بن أمية الضمري،
فيما نقله الواقدي بإسناد مرسل، ثم قال: وحدثني محمد بن
صالح، عن عاصم بن
عمر بن قتادة، وحدثني عبد الرحمن بن عبد العزيز، عن عبد
الله بن أبي بكر قالا: كان الذي زوجها، وخطب إليه النجاشي
خالد بن سعيد بن العاص الاموي، وكان عمرها لما قدمت
المدينة بضعا وثلاثين سنة (5).
معمر: عن الزهري، عن عروة، عن أم حبيبة أنها كانت تحت
عبيدالله ابن جحش، وكان رحل إلى النجاشي، وأن رسول الله
صلى الله عليه وسلم تزوجها بالحبشة،
__________
(1) سبق تخريجه في بداية ترجمة النجاشي.
(2) تحرفت في المطبوع إلى " عبد " في الموضعين.
(3) تحرفت في المطبوع إلى " يلبث ".
(4) انظر ابن هشام 1 / 224 و 2 / 362، وانظر " طبقات ابن
سعد " 8 / 70 وسيذكر المؤلف قريبا حديث أبي داود في تزويج
النجاشي أم حبيبة من رسول الله، صلى الله عليه وسلم.
(5) انظر ابن هشام 1 / 224 و 2 / 645، وابن سعد 8 / 70.
(*)
(1/441)
زوجه إياها النجاشي، ومهرها أربعة آلاف درهم من عنده، وبعث
بها مع شرحبيل بن حسنة، وجهازها كله من عند النجاشي (1).
وأما ابن لهيعة، فنقل عن أبي الاسود، عن عروة قال: أنكحه
إياها بالحبشة عثمان رضي الله عنه.
وهذا خطأ فإن عثمان كان بالمدينة مع النبي صلى الله عليه
وسلم، ولم يغب عنه إلا يوم بدر، أمره النبي صلى الله عليه
وسلم أن يقيم، فيمرض زوجته بنت رسول الله صلى الله عليه
وسلم.
قال ابن سعد: أنبأنا محمد بن عمر، أنبأنا عبد الله بن عمرو
بن زهير، عن إسماعيل بن عمرو بن سعيد بن العاص قال: قالت
أم حبيبة: رأيت في النوم كأن عبيدالله بن جحش بأسوإ صورة
وأشوهه، ففزعت.
فإذا هو يقول: حين أصبح: يا أم حبيبة ! إني نظرت في الدين،
فلم أردينا خيرا من النصرانية وكنت
قد دنت بها، ثم دخلت في دين محمد، فقد رجعت إليها.
فأخبرته بالرؤيا، فلم يحفل بها، وأكب على الخمر حتى مات.
فأرى في النوم كأن آتيا يقول لي: يا أم المؤمنين ! ففزعت
فأولتها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم [ يتزوجني ]، فما
هو إلا أن انقضت عدتي.
فما شعرت إلا ورسول النجاشي على بابي يستأذن ! فإذا جارية
له يقال لها: أبرهة كانت تقوم على ثيابه ودهنه، فدخلت علي،
فقالت: إن الملك يقول لك: إن رسول الله كتب إلي أن أزوجكه.
فقلت: بشرك الله بخير، قالت: يقول الملك: وكلي من يزوجك.
فأرسلت إلى خالد بن سعيد فوكلته، وأعطت أبرهة سوارين من
فضة، وخواتيم كانت في أصابع رجليها، وخدمتين كانتا في
رجليها، فلما كان العشي، أمر النجاشي جعفر بن أبي طالب ومن
هناك من المسلمين، فحضروا، فخطب النجاشي، فقال: الحمد
__________
(1) أخرجه أبو داود (2107) في النكاح: باب الصداق،
والنسائي 6 / 119 في النكاح: باب القسط في الاصدقة.
وإسناده صحيح.
(*)
(1/442)
لله الملك القدوس السلام.
أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله، وأنه
الذي بشر به عيسى صلى الله عليه وسلم.
ثم خطب خالد بن سعيد، وزوجها وقبض أربع مئة دينار، ثم دعا
بطعام، فأكلوا.
قالت: فلما وصل إلي المال، عزلت خمسين دينارا لابرهة،
فأبت، وأخرجت حقا فيه كل ما أعطيتها فردته، وقالت: عزم علي
الملك أن لا أرزأك شيئا، وقد أسلمت لله، وحاجتي إليك أن
تقرئي رسول الله صلى الله عليه وسلم مني السلام، ثم جاءتني
من عند نساء الملك بعود وعنبر وزباد كثير (1).
فقيل: بني بها رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة ست.
وقال خليفة: دخل بها سنة سبع من الهجرة.
وأصحمة بالعربي: عطية.
ولما توفي، قال النبي صلى الله عليه وسلم للناس: " إن
أخالكم قد مات بأرض الحبشة " فخرج بهم إلى الصحراء وصفهم
صفوفا، ثم صلى عليه (2).
فنقل بعض العلماء أن ذلك كان في شهر رجب سنة تسع من
الهجرة.
86 - معاذ بن جبل * (ع)
ابن عمرو بن أوس بن عائذ بن عدي بن كعب بن عمرو بن أدي بن
سعد بن
__________
(1) أخرجه ابن سعد 8 / 68 - 69 بأطول مما هنا.
والواقدي متروك لا يحتج به.
(2) سبق تخريجه في أول الترجمة.
(*) مسند أحمد: 5 / 227 - 248، طبقات ابن سعد: 3 / 2 /
120، طبقات خليفة: 103، 303، تاريخ خليفة: 97، 138، 155،
التاريخ الكبير: 7 / 359 - 360، التاريخ الصغير: 1 / 41،
47، 49، 52، 53، المعارف: 254، الجرح والتعديل: 8 / 244 -
245، مشاهير علماء الامصار: ت: 321، الاستبصار: 136 - 141،
حلية الاولياء: 1 / 228 - 244، الاستيعاب: 10 / 104، طبقات
الشيرازي: 45، ابن عساكر: 16 / 304 / 2، أسد الغابة: 5 /
194، تهذيب = (*)
(1/443)
علي بن أسد بن ساردة بن يزيد بن جشم بن الخزرج.
السيد الامام أبو عبد الرحمن الانصاري الخزرجي المدني
البدري.
شهد العقبة شابا أمرد، وله عدة أحاديث.
روى عنه ابن عمر، وابن عباس، وجابر، وأنس، وأبو أمامة،
وأبو ثعلبة الخشني، ومالك بن يخامر، وأبو مسلم الخولاني، و
عبد الرحمن بن غنم، وجنادة بن أبي أمية، وأبو بحرية عبد
الله بن قيس، ويزيد بن عميرة، وأبو الاسود الديلي، وكثير
بن مرة، وأبو وائل، وابن أبي ليلى، وعمرو بن ميمون الاودي،
والاسود بن هلال، ومسروق، وأبو ظبية الكلاعي، وآخرون.
روى أبو إسحاق السبيعي: عن عمرو بن ميمون، عن معاذ بن جبل
قال: كنت رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم على حمار يقال
له عفير (1).
قال شباب: أمه هي هند بنت سهل من بني رفاعة، ثم من جهينة،
ولامه ولد من الجد بن قيس.
وروى الواقدي عن رجاله أن معاذا شهد بدرا وله عشرون سنة أو
إحدى وعشرون.
قال ابن سعد: شهد العقبة في روايتهم جميعا مع السبعين (2).
__________
= الاسماء واللغات: 2 / 98 - 100، تهذيب الكمال: 1337، دول
الاسلام: 1 / 15، تاريخ الاسلام: 2 / 319، العبر: 1 / 22،
تذكرة الحفاظ: 1 / 19، مجمع الزوائد: 9 / 311، طبقات
القراء: 2 / 301، تهذيب التهذيب: 10 / 186، الاصابة: 9 /
219، طبقات الحفاظ: 6، خلاصة تذهيب الكمال: 379، كنز
العمال: 13 / 583، شذرات الذهب: 1 / 29.
(1) أخرجه البخاري 6 / 44 في الجهاد: باب اسم الفرس
والحمار وتمامه: " فقال: يا معاذ ! وهل تدري حق الله على
عباده، وما حق العباد على الله ؟ قلت: الله ورسوله أعلم.
قال: فإن حق الله على العباد: أن يعبدوه ولا يشركوا به
شيئا، وحق العباد على الله ألا يعذب من لا يشرك به شيئا.
فقلت: يا رسول الله ! ألا أبشر به الناس ؟ قال: لا تبشرهم
فيتكلوا ".
(2) تحرفت في المطبوع إلى " السبيعي ".
(*)
(1/444)
وقال عبد الصمد بن سعيد: نزل حمص، وكان طويلا، حسنا،
جميلا.
وقال الجماعة: كنيته أبو عبد الرحمن، إلا أبا أحمد الحاكم،
فقال: كنيته أبو عبد الله.
قال علي بن محمد المدائني: معاذ لم يولد له قط، طوال، حسن
الثغر، عظيم العينين، أبيض، جعد، قطط.
وأما ابن سعد، فقال: له ابنان عبد الرحمن وآخر.
قال عطاء: أسلم معاذ وله ثمان عشرة سنة.
وقال ابن إسحاق: ومن السبعين (1) من بني جشم بن الخزرج
معاذ بن جبل.
وروى قتادة عن أنس قال: جمع القرآن على عهد رسول الله صلى
الله عليه وسلم أربعة كلهم من الانصار.
أبي بن كعب، وزيد، ومعاذ بن جبل، وأبو زيد أحد عمومتي (2).
قال أحمد: حدثنا أبو معاوية، حدثنا الاعمش، عن شقيق، عن
مسروق، عن عبد الله بن عمرو، قال: قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم: " خذوا القرآن من أربعة: من ابن مسعود، وأبي،
ومعاذ بن جبل، وسالم مولى أبي حذيفة " (3).
__________
(1) أي الذين شهدوا العقبة من الانصار.
(2) سبق تخريجه في الصفحة (391) التعليق (2).
(3) أخرجه البخاري (4999) في فضائل القرآن: باب القراء من
أصحاب النبي، صلى الله عليه وسلم، و (3758) في الفضائل:
باب مناقب سالم، و (3760): باب مناقب عبد الله، و (3806):
باب مناقب معاذ، و (3808): باب مناقب أبي بن كعب، ومسلم
(2464) في الفضائل: باب من فضائل عبد الله، والترمذي
(3812) في المناقب: باب مناقب عبد الله، وأبو نعيم في "
الحلية " 1 / 229.
(*)
(1/445)
تابعه إبراهيم النخعي عن مسروق.
الثوري: عن خالد وعاصم، عن أبي قلابة، عن أنس مرفوعا: "
أرحم أمتي بأمتي أبو بكر، وأشدها في دين الله عمر، وأصدقها
حياء عثمان، وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ، وأفرضهم زيد،
ولكل أمة أمين وأمين هذه الامة أبو عبيدة " (1).
ورواه وهيب عن خالد الحداء.
وفي " فوائد سمويه ": حدثنا أحمد بن يونس، حدثنا سلام بن
سليمان، حدثنا زيد العمي، عن أبي الصديق، عن أبي سعيد:
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " معاذ بن جبل
أعلم الناس بحرام الله وحلاله " (2) إسناده واه.
روى ضمرة: عن يحيى السيباني، عن أبي العجفاء قال: قال عمر:
لو أدركت معاذا، ثم وليته، ثم لقيت ربي، فقال: من استخلفت
على أمة محمد ؟ لقت: سمعت نبيك وعبدك يقول: " يأتي معاذ بن
جبل بين يدي العلماء، برتوة " (3).
__________
(1) إسناده صحيح.
وأخرجه أحمد 3 / 184، 281، والترمذي (3793) في المناقب:
باب مناقب أهل البيت، و (3794)، وابن ماجه (154) في
المقدمة: باب فضائل خباب، وابن سعد 3 / 2 / 122 وأبو نعيم
في " الحلية " 1 / 228، وانظر الصفحة (9) والصفحة (11).
(2) إسناده ضعيف لضعف زيد العمي، وهو زيد بن الحواري
البصري قاضي هراة.
وأخرجه أبو نعيم في " الحلية " 1 / 228.
(3) أخرجه أبو نعيم في " الحلية " 1 / 229، وليس فيه "
برتوة " وأخرجه أبو نعيم 1 / 228، وابن سعد 3 / 2 / 126 من
طريق سعيد بن أبي عروبة، عن شهر بن حوشب، عن عمر.
وأخرجه أبو نعيم 1 / 229 من طريق قتيبة بن سعيد، عن عبد
العزيز بن محمد، عن عمارة بن غزية، عن محمد بن كعب قال،
قال رسول الله...وانظر " المجمع " 9 / 311، وأخرجه أحمد 1
/ 18 من طريق صفوان عن شريح بن عبيدة وراشد بن سعد وغيرهما
قالوا: لما بلغ عمر...والنص أطول.
والرتوة: رمية سهم.
وقيل: مد البصر.
(*)
(1/446)
وروى ابن أبي عروبة، عن شهر (1) بن حوشب، قال: قال عمر:
فذكر نحوه وذكر معه أبا عبيدة وسالما مولى أبي حذيفة.
وروى أبو إسحاق الشيباني، عن محمد بن عبيدالله الثقفي، قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يجئ معاذ يوم القيامة
أمام العلماء بين يدي العلماء ".
وله إسناد أخر ضعيف.
هشام: عن الحسن مرفوعا: معاذ له نبذة بين يدي العلماء يوم
القيامة ".
تابعه ثابت عن الحسن.
ابن سعد: أنبأنا محمد بن عمر، حدثنا إسحاق بن يحيى، عن
مجاهد قال: لما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة،
استخلف، عليها عتاب بن أسيد يصلي بهم، وخلف معاذا يقرئهم،
ويفقههم (2).
أبو أسامة: عن داود بن يزيد، عن المغيرة بن شبيل، عن قيس
بن أبي حازم، عن معاذ: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم
إلى اليمن، فلما سرت، أرسل في إثري فرددت، فقال: " أتدري
لم بعثت إليك ؟ لا تصيبن شيئا بغير علم، فإنه غلول (ومن
يغلل يأت بما غل يوم القيامة) [ آل عمران: 161 ] لقد
أذعرت، فامض لعملك (3) ".
رواه الروياني في " مسنده ".
__________
(1) في الاصل " بشر " وهو خطأ.
(2) الواقدي متروك.
وهو مرسل أيضا.
وأخرجه ابن سعد 5 / 330 وليس فيه الخبر تاما، وإنما الذي
فيه هو الجزء الاول.
والخبر هذا هو عند ابن هشام 2 / 500 بلاغا عن زيد بن أسلم.
وأخرج الحاكم 3 / 270 خبر معاذ بأطول مما هنا.
من طريق: أبي جعفر البغدادي عن أبي علاثة، عن ابن لهيعة،
عن أبي الاسود، عن عروة، قال: وهو ضعيف ومنقطع.
وانظر الصفحة (459) تعليق (2).
(3) إسناده ضعيف لضعف داود بن يزيد وهو الاودي، وأخرجه
الترمذي (1335) في الاحكام: باب ما جاء في هدايا الامراء،
من طريق أبي أسامة، عن داود، به وقال: حديث حسن غريب.
وفي الباب أحاديث أوردها ابن كثير في " تفسيره " 1 / 421 -
424، فراجعها.
وأذعرت: أي: أخفت.
وفي الترمذي " لهذا دعوتك ".
(*)
(1/447)
شعبة: عن محمد بن عبيدالله، عن الحارث بن عمرو الثقفي قال:
أخبرنا أصحابنا، عن معاذ قال: لما بعثني النبي، صلى الله
عليه وسلم، إلى اليمن، قال لي: كيف تقضي إن عرض قضاء ؟
قال: قلت: أقضي (1) بما في كتاب الله، فإن لم يكن، فبما
قضى به رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال: فإن لم يكن
فيما قضى به الرسول ؟ قال: أجتهد رأيي ولا آلو، فضرب صدري،
وقال: الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله، صلى الله عليه
وسلم، لما يرضي رسول الله (2).
أبو اليمان: حدثنا صفوان بن عمرو، عن راشد بن سعد، عن عاصم
بن حميد السكوني أن معاذ بن جبل لما بعثه النبي، صلى الله
عليه وسلم، إلى اليمن خرج يوصيه، ومعاذ راكب، ورسول الله
صلى الله عليه وسلم، يمشي تحت راحلته، فلما فرغ، قال: " يا
معاذ ! إنك عسى أن لا تلقاني بعد عامي هذا، ولعلك أن تمر
بمسجدي وقبري " (3).
فبكى معاذ جشعا لفراق رسول الله، قال: " لا تبك يا معاذ،
أو إن البكاء من الشيطان " (4).
قال سيف بن عمر: حدثنا سهل بن يوسف، عن أبيه عن عبيد بن
صخر أن النبي، صلى الله عليه وسلم، حين ودعه معاذ، قال: "
حفظك الله من بين يديك ومن خلفك، ودرأ
__________
(1) سقطت من المطبوع.
(2) أخرجه أحمد 5 / 236، 242، وأبو داود (3592) و (3593)
في الاقضية: باب اجتهاد الرأي في القضاء، والترمذي (1327)
و (1328) في الاحكام: باب ما جاء في القاضي كيف يقضي، وابن
سعد 3 / 2 / 121، وانظر شرح السنة للبغوي بتحقيقنا 10 /
116 و " إعلام الموقعين " 1 / 202 وما بعدها.
(3) تحرفت في المطبوع إلى " مقامي ".
(4) رجاله ثقات وهو في " المسند " 5 / 235 من طريق أبي
اليمان، به، وانظر " سيرة ابن كثير " 4 / 193.
والجشع: الجزع لفراق الالف.
وفي حديث جابر رضي الله عنه: ثم أقبل علينا، فقال: أيكم
يحب أن يعرض الله عنه ؟ قال: فجشعنا.
(*)
(1/448)
عنك شر الانس والجن " فسار فقال رسول الله، صلى الله عليه
وسلم: " يبعث له رتوة فوق العلماء " (1).
وقال سيف: حدثنا جابر بن يزيد الجعفي، عن أبي بردة، عن أبي
موسى بعثني النبي، صلى الله عليه وسلم، خامس خمسة على
أصناف اليمن: أنا، ومعاذ، وخالد بن سعيد، وطاهر بن أبي
هالة، وعكاشة بن ثور، وأمرنا أن نيسر ولا نعسر (2).
شعبة: عن سعيد بن أبي بردة، عن أبيه، عن أبي موسى أن
النبي، صلى الله عليه وسلم، لما بعثه ومعاذا إلى اليمن،
قال لهما: " يسرا ولا تعسرا وتطاوعا ولا تنفرا "، فقال له
أبو موسى: إن لنا بأرضنا شرابا، يصنع من العسل يقال له:
البتع، ومن الشعير يقال له: المزر، قال: " كل مسكر حرام "
فقال لي معاذ: كيف تقرأ القرآن ؟ قلت: أقرأه في صلاتي،
وعلى راحلتي، وقائما وقاعدا، أتفوقه تفوقا، يعني شيئا بعد
شئ، قال: فقال معاذ: لكني أنام ثم أقوم، فأحتسب نومتي كما
أحتسب قومتي، قال: وكأن معاذا فضل عليه (3).
سيف: حدثنا جابر الجعفي، عن أم جهيش خالته قالت: بينا نحن
بدثينة بين الجند وعدن، إذ قيل: هذا رسول رسول (4) الله،
صلى الله عليه وسلم، فوافينا القرية، فإذا رجل متوكئ على
رمحه، متقلد السيف، متعلق جحفة، متنكب قوسا
__________
(1) سيف بن عمر ضعيف.
وانظر " الاصابة " 9 / 219).
(2) إسناده ضعيف لضعف سيف.
وفي الاصل " النخعي " بدل " الجعفي " وهو تحريف.
(3) أخرجه أحمد 4 / 410، 416، 417، والبخاري (4344) و
(4345) في المغازي: باب
بعث أبي موسى ومعاذ إلى اليمن، و (6124) في الادب: باب
يسروا ولا تعسروا، و (7172) في الاحكام، ومسلم (1733) في
الاشربة، وابن ماجه (3391) في الاشربة، والدارمي (2 / 113
في الاشربة: باب ما قيل في المسكر.
والبتع: نبيذ العسل.
والمزر: نبيذ الشعير.
(4) سقطت لفظة " رسول " من المطبوع.
(*)
(1/449)
وجعبة، فتكلم، وقال: إني رسول رسول الله صلى الله عليه
وسلم إليكم: اتقوا الله واعملوا فإنما هي الجنة والنار،
خلود فلا موت، وإقامة فلا ظعن، كل امرئ عمل به عامل فعليه
ولا له، إلا ما ابتغي به وجه الله، وكل صاحب استصحبه أحد
خاذله وخائنه إلا العمل الصالح، انظروا لانفسكم واصبروا
لها بكل شئ فإذا رجل موفر الرأس، أدعج، أبيض، براق، وضاح
(1).
قال الواقدي: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعامله
على الجند معاذ.
وروى سهيل، عن أبيه، عن أبي هريرة قال رسول الله، صلى الله
عليه وسلم: " نعم الرجل أبو بكر، نعم الرجل عمر، نعم الرجل
معاذ بن جبل (2) ".
وروى نحوه ابن عيينة عن ابن المنكدر مرسلا.
حيوة بن شريح: عن عقبة (3) بن مسلم، عن أبي عبد الرحمن
الحبلي، عن الصنابحي، عن معاذ قال: لقيني النبي، صلى الله
عليه وسلم، فقال: " يا معاذ ! إني لاحبك في الله " قلت:
وأنا والله يا رسول الله ! أحبك في الله.
قال: " أفلا أعلمك كلمات تقولهن دبر كل صلاة: رب أعني على
ذكرك وشكرك وحسن عبادتك " (4).
مروان بن معاوية: عن عطاء، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد أن
معاذا دخل
__________
(1) ضعيف لضعف زيد وجابر.
وأم جهيش لم نقف لها على ترجمة.
(2) أخرجه الترمذي (3797) في المناقب: باب مناقب معاذ،
وقال: هذا حديث حسن، إنما
نعرفه من حديث سهيل.
وقد تحرفت في المطبوع إلى " سهل " وإسناده حسن، وصححه ابن
حبان (2217).
(3) تحرفت في المطبوع إلى " عيينة ".
(4) أخرجه أبو داود (1522) في الصلاة: باب الاستغفار،
والنسائي 3 / 53 في السهو: باب نوع آخر من الدعاء، وإسناده
صحيح، وصححه الحاكم 3 / 273، ووافقه الذهبي.
(*)
(1/450)
المسجد ورسول الله ساجد، فسجد معه، فلما سلم، قضى معاذ ما
سبقه، فقال له رجل: كيف صنعت ؟ سجدت ولم تعتد (1) بالركعة،
قال: لم أكن لارى رسول الله صلى الله عليه وسلم على حال
إلا أحببت أن أكون معه فيها، فذكر ذلك للنبي، صلى الله
عليه وسلم، فسره، وقال: " هذه سنة لكم " (2).
ابن عيينة: عن زكريا، عن الشعبي قال: قرأ عبد الله: إن
معاذا كان أمة قانتا لله حنيفا.
فقال له فروة بن نوفل: إن إبراهيم، فأعادها، ثم قال: إن
الامة معلم الخير، والقانت المطيع، وإن معاذا، رضي الله
عنه، كان كذلك (3).
وروى حيان، عن الشعبي، نحوها.
فقيل له: يا أبا عبد الرحمن ! نسيتها.
قال: لا، ولكنا كنا نشبهه بإبراهيم.
ورواه ابن علية: عن منصور بن عبد الرحمن، عن الشعبي، حدثني
فروة بن نوفل الاشجعي بنحوه.
ورواه فراس ومجالد وغيرهما، عن الشعبي، عن مسروق عن عبد
الله.
ورواه عبد الملك ابن عمير: عن أبي الاحوص قال: بينما عبد
الله يحدثهم إذ قال: إن معاذا كان أمة قانتا لله حنيفا ولم
يك من المشركين (4).
وعن محمد بن سهل بن أبي حثمة (5): عن أبيه قال: كان الذين
يفتون على
__________
(1) تحرفت في المطبوع إلى " تقتد ".
(2) إسناده ضعيف جدا، بل موضوع.
عطاء هو ابن العجلان الحنفي.
قال الحافظ في
" التقريب ": متروك.
بل أطلق عليه ابن معين، والفلاس وغيرهما: الكذاب.
(3) انظر الخبر التالي.
(4) أخرجه أبو نعيم في " الحلية " 1 / 230، والحاكم 3 /
271 - 272 من معظم هذه الطرق، وصححه ووافقه الذهبي.
وعلق بعضه البخاري في تفسير سورة النمل 8 / 384 وانظر شرح
الحافظ وتعليقه على هذا الاثر.
(5) " ابن أبي حثمة " تحرفت في المطبوع إلى " عن أبي خيثمة
".
ومحمد بن سهل هذا روى عنه غير واحد.
وذكره البخاري ولم يذكر فيه جرحا.
وذكره ابن حبان في " الثقات ".
وأبوه سهل صحابي صغير أخرج حديثه الجماعة.
(*)
(1/451)
عهد رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ثلاثة من المهاجرين:
عمر، وعثمان، وعلي.
وثلاثة من الانصار: أبي بن كعب، ومعاذ، وزيد.
وعن نيار الاسلمي: أن عمر كان يستشير هؤلاء، فذكر منهم
معاذا.
وروى موسى بن علي بن رباح، عن أبيه، قال: خطب عمر الناس
بالجابية فقال: من أراد الفقه فليأت معاذ بن جبل (1).
وروى الاعمش عن أبي سفيان، قال: حدثني أشياخ منا أن رجلا
غاب عن امرأته سنتين، فجاء وهي حبلى، فأتى عمر، فهم
برجمها، فقال له معاذ: إن يك لك عليها سبيل فليس لك على ما
في بطنها سبيل، فتركها، فوضعت غلاما بان أنه يشبه أباه قد
خرجت ثنيتاه، فقال الرجل: هذا ابني ! فقال عمر: عجزت
النساء أن يلدن مثل معاذ، لولا معاذ لهلك عمر (2).
الواقدي: حدثنا أيوب بن النعمان بن عبد الله بن كعب بن
مالك، عن أبيه، عن جده قال: كان عمر يقول حين خرج معاذ إلى
الشام: لقد أخل خروجه بالمدينة وأهلها في الفقه، وفيما كان
يفتيهم به، ولقد كنت كلمت أبا
بكر أن يحبسه لحاجة الناس إليه، فأبى علي وقال: رجل أراد
وجها، يعني الشهادة، فلا أحبسه (3).
قلت: إن الرجل ليرزق الشهادة وهو على فراشه.
الاعمش: عن شمر بن عطية، عن شهر بن حوشب، قال: كان أصحاب
__________
(1) أخرجه الحاكم 3 / 271 - 272، وصححه ووافقه الذهبي.
وقال الحافظ في " الفتح " 7 / 126 لقد صح عن عمر
قوله:...وذكره.
(2) نسبه صاحب الكنز (37499) إلى عبد الرزاق، وابن أبي
شيبة والبيهقي في " الدلائل ".
(3) سنده تالف، الواقدي متروك.
(*)
(1/452)
محمد صلى الله عليه وسلم إذا تحدثوا وفيهم معاذ، نظروا
إليه هيبة له (1).
جعفر بن برقان: حدثنا حبيب بن أبي مرزوق، عن عطاء بن أبي
رباح، عن أبي سلمة الخولاني قال: دخلت مسجد حمص، فإذا فيه
نحو من ثلاثين كهلا من الصحابة، فإذا فيهم شاب أكحل
العينين، براق الثنايا ساكت، فإذا امترى القوم، أقبلوا
عليه، فسألوه، فقلت: من هذا ؟ قيل: معاذ بن جبل.
فوقعت محبته في قلبي (2).
معمر: عن الزهري، عن عبد الرحمن بن كعب قال: كان معاذ شابا
جميلا سمحا من خير شباب قومه، لا يسأل شيئا إلا أعطاه، حتى
كان عليه دين أغلق ماله كله، فسأل رسول الله، صلى الله
عليه وسلم، أن يكلم له غرماءه ففعل، فلم يضعوا له شيئا،
فلو ترك أحد (3) لكلام أحد، لترك لمعاذ لكلام رسول الله،
صلى الله عليه وسلم، فدعاه النبي، صلى الله عليه وسلم، فلم
يبرح حتى باع ماله، وقسمه بينهم، فقام معاذ ولا مال له، ثم
بعثه على اليمن ليجبره، فكان أول من تجر في هذا المال،
فقدم على أبي بكر، فقال له عمر: هل لك يا معاذ أن تطيعني ؟
تدفع هذا المال إلى أبي بكر،
فإن أعطاكه فاقبله، فقال: لا أدفعه إليه، وإنما بعثني نبي
الله ليجبرني، فانطلق عمر إلى أبي بكر، فقال: خذ منه ودع
له، قال: ما كنت لافعل، وإنما بعثه رسول الله، صلى الله
عليه وسلم، ليجبره، فلما أصبح معاذ، انطلق إلى عمر، فقال:
ما أراني إلا فاعل الذي قلت، لقد رأيتني البارحة، أظنه
قال: أجر إلى النار، وأنت آخذ بحجزتي.
فانطلق إلى أبي بكر بكل ما جاء به، حتى جاءه بسوطه،
__________
(1) أخرجه أبو نعيم في " الحلية " 1 / 231.
(2) أخرجه الحاكم 3 / 269، وابن سعد 3 / 2 / 125، وأبو
نعيم في " الحلية " 1 / 230.
(3) تحرفت في المطبوع إلى " شئ ".
(*)
(1/453)
قال أبو بكر: هو لك لا آخذ منه شيئا، وفي لفظ: قد وهبته
لك، فقال عمر: هذا حين حل وطاب، وخرج معاذ عند ذلك إلى
الشام (1).
ورواه الذهلي: عن عبد الرزاق عن معمر: فقال: بدل " أجر إلى
النار ": كأني في ماء قد خشيت الغرق فخلصتني.
الواقدي: حدثنا عيسى بن النعمان، عن معاذ (2) بن رفاعة، عن
جابر بن عبد الله قال: كان معاذ بن أحسن الناس وجها،
وأحسنه خلقا، وأسمحه كفا، فادان، فلزم غر ماؤه، حتى تغيب
أياما...وذكر الحديث وقال فيه: فقدم بغلمان (3).
الاعمش: عن شقيق قدم معاذ من اليمن برقيق، فلقي عمر بمكة،
فقال: ما هؤلاء ؟ قال: أهدوا لي، قال: ادفعهم إلى أبي بكر،
فأبي، فبات، فرأى كأنه يجر إلى النار وأن عمر يجذبه، فلما
أصبح، قال: يا ابن الخطاب ما أراني إلا مطيعك.
إلى أن قال: فدفعهم أبو بكر إليه، ثم أصبح فرآهم يصلون،
قال: لمن تصلون ؟ قالوا: لله، قال: فأنتم لله (4).
ابن جريج: أنبأنا ابن أبي الابيض، عن أبي حازم، عن سعيد بن
المسيب أن عمر بعث معاذا ساعيا على بني كلاب أو غيرهم،
فقسم فيهم فيئهم حتى لم يدع شيئا، حتى جاء بحلسه الذي خرج
به على رقبته.
__________
(1) أخرجه بطوله أبو نعيم في " الحلية " 1 / 231، وأخرجه
الحاكم مختصرا في " المستدرك " 3 / 273.
(2) في الاصل " معان " وهو خطأ.
والتصحيح من تهذيب الكمال، والمستدرك.
(3) أخرجه الحاكم 3 / 274، وابن سعد 3 / 2 / 121، 124، من
طريق الواقدي وهو متروك.
(4) أخرجه ابن سعد 3 / 2 / 122، وأبو نعيم 1 / 232 في "
الحلية "، مرسلا ووصله الحاكم 3 / 2 / 272 من طريق:
الاعمش، عن أبي وائل، عن عبد الله وصححه ووافقه الذهبي.
(*)
(1/454)
وعن نافع قال: كتب إلى أبي عبيدة ومعاذ: انظروا رجالا
صالحين، فاستعملوهم على القضاء وارزقوهم.
روى أيوب: عن أبي قلابة وغيره أن فلانا مر به أصحاب النبي،
صلى الله عليه وسلم، فقال: أوصوني، فجعلوا يوصونه، وكان
معاذ بن جبل في آخر القوم، فقال: أوصني يرحمك الله، قال:
قد أوصوك فلم يألوا، وإني سأجمع لك أمرك: اعلم أنه لا غنى
بك عن نصيبك من الدنيا، وأنت إلى نصيبك إلى الآخرة أفقر،
فابدأ بنصيبك من الآخرة، فإنه سيمر بك على نصيبك من الدنيا
فينتظمه، ثم يزول معك أينما زلت (1).
روى حميد بن (2) هلال عن عبد الله بن الصامت [ عن معاذ ]
قال: ما بزقت على يميني منذ أسلمت (3).
قال أيوب بن سيار: عن يعقوب بن زيد، عن أبي بحرية قال:
دخلت مسجد حمص فإذا بفتى حوله الناس، جعد، قطط، إذا تكلم
كأنما يخرج من
فيه نور ولؤلؤ، فقلت: من هذا ؟ قالوا: معاذ بن جبل (4).
حريز بن عثمان: عن المشيخة، عن أبي بحرية، عن معاذ قال: ما
عمل آدمي عملا أنجى له من عذاب الله من ذكر الله.
قالوا: يا أبا عبد الرحمن ! ولا الجهاد في سبيل الله ؟
قال: ولا، إلا أن يضرب بسيفه حتى ينقطع، لان الله
__________
(1) وأخرجه احمد في الزهد: (182) من طريق: الحسن بن عبد
العزيز الجروي عن أيوب بن سويد، عن ابن جابر (عبد الرحمن
بن يزيد بن جابر) قال: قال أبو سعيد بن العمان: مربي الركب
وأوصوني...(2) تحرفت في المطبوع إلى " عن ".
(3) أخرجه ابن سعد 3 / 2 / 122، والحاكم 3 / 271، وذكره
الهيثمي في " المجمع " 9 / 311، ونسبه إلى الطبراني، وقال:
رجاله رجال الصحيح.
(4) أخرجه أبو نعيم في " الحلية " 1 / 231، وأيوب بن سيار
لا يحتج به.
(*)
(1/455)
تعالى يقول في كتابه: (ولذكر الله أكبر) [ العنكبوت: 45 ]
(1).
نعيم بن حماد: حدثنا ابن المبارك، حدثنا محمد بن مطرف،
حدثنا أبو حازم، عن عبد الرحمن بن سعيد بن يربوع، عن مالك
الدار أن عمر رضي الله عنه أخذ أربع مئة دينار، فقال
لغلام: اذهب بها إلى أبي عبيدة، ثم تله ساعة في البيت حتى
تنظر ما يصنع، قال: فذهب بها الغلام فقال: يقول لك أمير
المؤمنين: خذ هذه، فقال: وصله الله ورحمه، ثم قال: تعالي
يا جارية ! اذهبي بهذه السبعة إلى فلان، وبهذه الخمسة إلى
فلان، حتى أنفذها، فرجع الغلام إلى عمر، وأخبره، فوجده قد
أعد مثلها لمعاذ بن جبل.
فأرسله بها إليه، فقال معاذ: وصله الله يا جارية ! اذهبي
إلى بيت فلان بكذا، ولبيت فلان بكذا.
فاطلعت امرأة معاذ، فقالت: ونحن والله مساكين، فأعطنا، ولم
يبق
في الخرقة إلا ديناران، فدحا بهما (2) إليها.
ورجع الغلام، فأخبر عمر، فسر بذلك، وقال: إنهم إخوة بعضهم
من بعض (3).
قرأت على إسحاق بن أبي بكر، أخبرك يوسف الحافظ، أنبأنا أبو
المكارم اللبان، أخبرنا أبو علي الحداد، أنبأنا أبو نعيم،
حدثنا محمد بن علي، حدثنا ابن قتيبة (ح) وأنبأنا أبو
المعالي الغرافي، أنبأنا الفتح بن عبد الله، أنبأنا
الارموي، وابن الداية، والطرائفي، قالوا: أنبأنا محمد بن
أحمد، أنبأنا عبد الله بن عبد الرحمن، حدثنا جعفر بن محمد،
قالا: حدثنا يزيد بن موهب،
__________
(1) أخرجه أحمد في الزهد 184 من طريق: حجاج، حدثنا حريز بن
عثمان، عن المشيخة، عن أبي بحرية، عن معاذ بن جبل، وأبو
نعيم 1 / 235، وأخرجه أحمد في " الزهد " (180)، وأبو نعيم
1 / 234 - 235 من طريق عبد الله بن جندل، عن فضيل بن عياض،
عن يحيى بن سعيد، عن أبي الزبير، قال: أخبرني من سمع معاذا
وهو يقول...(2) تحرفت في المطبوع إلى " دينارين قد جاء
بهما ".
(3) أخرجه ابن سعد 3 / 1 / 300 - 301، وقد مر هذا الخبر في
ترجمة أبي عبيدة بن الجراح.
وأخرجه أبو نعيم في " الحلية " 1 / 237.
(*)
(1/456)
حدثنا الليث، عن عقيل، عن ابن شهاب أن أبا إدريس الخولاني
أخبره أن يزيد بن عميرة، وكان من أصحاب معاذ بن جبل، قال:
كان لا يجلس مجلسا إلا قال: الله حكم قسط تبارك اسمه، هلك
المرتابون.
فذكر الحديث، وفيه: فقلت لمعاذ: ما يدريني أن الحكيم يقول
كلمة الضلالة ؟ قال: بلى، اجتنب من كلام الحكيم المشتهرات
التي يقال ما هذه، ولا يثنيك ذلك عنه، فإنه لعله يرجع
ويتبع الحق إذا سمعه، فإن على الحق نورا (1).
اللفظ لا بن قتيبة.
سليمان بن بلال: عن موسى بن عبيدة (2)، عن أيوب بن خالد،
عن عبد الله بن رافع (3)، عن أم سلمة أن أبا عبيدة لما
أصيب، استخلف معاذ بن جبل، يعني في طاعون عمواس، اشتد
الوجع، فصرخ الناس إلى معاذ: ادع الله أن يرفع عنا هذا
الرجز، قال: إنه ليس برجز ولكن دعوة نبيكم، وموت الصالحين
قبلكم، وشهادة يخص الله [ بها ] من يشاء منكم، أيها الناس
! أربع خلال من استطاع أن لا تدركه، قالوا: ما هي ؟ قال:
يأتي زمان يظهر فيه الباطل.
ويأتي زمان يقول الرجل: والله ما أدري ما أنا، لا يعيش على
بصيرة، ولا يموت على بصيرة (4).
أحمد بن حنبل في " مسنده " حدثنا أبو أحمد الزبيري، حدثنا
مسرة (5) بن
__________
(1) أخرجه أبو نعيم في " الحلية " 1 / 233، و " الفسوي " 2
/ 321 في " المعرفة والتاريخ ".
(2) تحرفت في المطبوع إلى " عبدة ".
وموسى بن عبيدة هذا هو الربذي وهو ضعيف.
وشيخه أيوب بن خالد فيه لين.
(3) في الاصل " نافع " وهو تحريف.
و عبد الله بن رافع هذا، هو مولى أم سلمة، ثقة.
(4) أخرجه ابن سعد في " طبقاته " 3 / 2 / 124.
(5) تحرفت " مسرة " في المطبوع إلى " ميسرة ".
(*)
(1/457)
معبد، عن إسماعيل بن عبيدالله قال: قال معاذ بن جبل: سمعت
رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يقول: " ستهاجرون إلى
الشام، فيفتح لكم، ويكون فيه داء، كالدمل أو كالوخزة يأخذ
بمراق الرجل، فيشهد أو فيستشهد الله بكم أنفسكم، ويزكي بها
أعمالكم ".
اللهم إن كنت تعلم أن معاذا سمعه من رسول الله، صلى الله
عليه وسلم، فأعطه هو وأهل بيته الحظ الاوفر منه، فأصابهم
الطاعون، فلم يبق منهم أحد، فطعن في أصبعه السبابة، فكان
يقول: ما يسرني أن لي بها حمر النعم (1).
همام: حدثنا قتادة، ومطر، عن شهر عن (2) عبد الرحمن بن
غنم، قال: وقع الطاعون بالشام، فخطب الناس عمرو بن العاص،
فقال: هذا الطاعون رجز، ففروا منه في الاودية والشعاب،
فبلغ ذلك شرحبيل بن حسنة، فغضب، وجاء يجر ثوبه، ونعلاه في
يده، فقال: صحبت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ولكنه
رحمة ربكم، ودعوة نبيكم، ووفاة الصالحين قبلكم.
فبلغ ذلك معاذا فقال: اللهم اجعل نصيب آل معاذ الاوفر،
فماتت ابنتاه، فدفنهما في قبر واحد.
وطعن ابنه عبد الرحمن، فقال، يعني لابنه، لما سأله: كيف
تجدك ؟ قال: (الحق من ربك فلا تكن من الممترين) [ آل
عمران: 60 ] قال: (ستجدني إن شاء الله من الصابرين) [
الصافات: 102 ] قال: وطعن معاذ في كفه، فجعل يقلبها،
ويقول: هي أحب إلي من حمر النعم.
فإذا سري عنه، قال: رب ! غم غمك، فإنك تعلم أني أحبك.
ورأى رجلا يبكي، قال: ما يبكيك ؟ قال: ما أبكي على دينا
كنت أصبتها منك، ولكن أبكي على العلم الذي كنت أصيبه منك،
قال: ولا تبكه، فإن
__________
(1) أخرجه أحمد 5 / 241، وذكره الهيثمي في " المجمع " 2 /
311، ونسبه إلى أحمد وقال: وإسماعيل بن عبيدالله لم يدرك
معاذا.
(2) تحرفت في المطبوع إلى " بن ".
(*)
(1/458)
إبراهيم صلوات الله عليه كان في الارض وليس بها علم، فآتاه
الله علما، فإن أنا مت، فاطلب العلم عند أربعة: عبد الله
بن مسعود، وسلمان الفارسي، و عبد الله بن سلام، وعويمر أبي
الدرداء (1).
ابن لهيعة: عن أبي الاسود، عن عروة قال: كان رسول الله،
صلى الله عليه وسلم، استخلف معاذا على مكة حين خرج إلى
حنين، وأمره أن يعلمهم القرآن
والدين (2).
أبو قحذم النضر بن معبد: عن أبي قلابة، وعن ابن معمر قال:
مر عمر بمعاذ وهو يبكي، فقال: ما يبكيك ؟ قال: حديث سمعته
من رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يقول: " إن أدنى الرياء
(3) شرك، وأحب العبيد إلى الله الاتقياء الاخفياء، الذين
إذا غابوا لم يفتقدوا، وإذا شهدوا لم يعرفوا، أولئك مصابيح
العلم وأئمة الهدى (4) ".
أخرجه الحاكم وصححه، وخولف فإن النسائي قال: أبو قحذم ليس
بثقة.
يوسف بن مسلم: حدثنا عبيد بن تميم، حدثنا الاوزاعي، عن
عبادة بن
__________
(1) أخرجه البخاري في " التاريخ الصغير " 1 / 73 - 74،
وذكره عبد الرزاق في " المصنف " (20164) بنحوه عن قتادة،
وانظر " مجمع الزوائد " 2 / 311، وشهر بن حوشب ضعيف، وانظر
الصفحة (22).
(2) هو على انقطاعة ضعيف لضعف ابن لهيعة.
وأخرجه الحاكم 3 / 270، وانظر الصفحة (477).
(3) تحرفت في المطبوع إلى " الزنى ".
(4) أخرجه الحاكم 3 / 270 وصححه، وتعقبه الذهبي بقوله: أبو
قحذم: قال أبو حاتم: لا يكتب حديثه، وقال النسائي: ليس
بثقة.
وأورده المؤلف في ترجمة أبي قحذم في ميزانه، في جملة
منكراته، وذكره العقيلي في " الضعفاء " وقال: لا يتابع
عليه.
وقال ابن عدي: ومقدار ما يرويه لا يتابع عليه.
(*)
(1/459)
نسي، عن ابن غنم قال: سمعت أبا عبيدة وعبادة بن الصامت
يقولان: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: " معاذ بن جبل
أعلم الاولين والآخرين بعد النبيين والمرسلين، وإن الله
يباهي به الملائكة ".
قد أخرجه الحاكم في " صحيحه " (1)، فأخطأ، وعبيد لا يعرف،
فلعله افتعله.
الاعمش: عن شهر بن حوشب، عن الحارث بن عميرة، قال: إني
لجالس عند معاذ، وهو يموت، وهو يغمى عليه ويفيق، فقال:
اخنق خنقك فوعزتك إني لاحبك (2).
قال يحيى بن بكير: سمعت مالكا يقول: هو أمام العلماء رتوة
(3).
هلك ابن ثمان وعشرين، وقيل: ابن اثنتين وثلاثين.
هشيم: أنبأنا علي بن زيد، عن سعيد بن المسيب قال: قبض معاذ
وهو ابن ثلاث أو أربع وثلاثين سنة.
المدائني: عن أبي سفيان الغداني (4)، عن ثور، عن خالد بن
معدان أن عبد الله بن قرط قال: حضرت وفاة معاذ بن جبل،
فقال: روحوني ألقى الله مثل سن عيسى ابن مريم ابن ثلاث أو
أربع وثلاثين سنة.
__________
(1) 3 / 271 وصححه، وتعقبه الذهبي بقوله: أحسبه موضوعا،
ولا أعرف عبيدا هذا.
وإطلاق الصحة على " المستدرك " تساهل من المؤلف.
(2) أخرجه ابن سعد 3 / 2 / 125.
(3) أخرجه الحاكم 3 / 268 - 269، وذكره الهيثمي في "
المجمع " 9 / 311 وقال: رواه الطبراني، ورواه أيضا منقطع
الاسناد.
(4) الغداني: بالغين المعجمة، واسمه عبيدالله بن سفيان قال
المؤلف في " ميزانه ": كذبه ابن معين، ووهى ابن حبان
حديثه.
(*)
(1/460)
قلت: يعني عندما رفع عيسى إلى السماء، قال ضمرة بن ربيعة:
توفي معاذ بقصير خالد من الاردن، قال يزيد بن عبيدة: توفي
معاذ سنة سبع عشرة،
وقال المدائني وجماعة: سنة سبع أو ثمان عشرة، وقال ابن
إسحاق والفلاس: سنة ثمان عشرة، وقال أبو عمر الضرير: وهو
ابن ثمان وثلاثين سنة، وكذا قال الواقدي في سنه، وقال:
توفي سنة ثمان عشرة رضي الله عنه.
87 - عبد الله بن مسعود
* (ع) عبد الله بن مسعود بن غافل بن حبيب بن شمخ بن فار بن
مخزوم بن صاهلة بن كاهل بن الحارث بن تميم بن سعد بن هذيل
بن مدركة بن إلياس ابن مضر بن نزار.
الامام الحبر، فقيه الامة، أبو عبد الرحمن الهذلي المكي
المهاجري البدري، حليف بني زهرة.
كان من السابقين الاولين، ومن النجباء العالمين، شهد بدرا،
وهاجر الهجرتين، وكان يوم اليرموك على النفل، ومناقبه
غزيرة، روى علما كثيرا.
حدث عنه أبو موسى، وأبو هريرة، وابن عباس، وابن عمر،
وعمران بن حصين، وجابر، وأنس، وأبو أمامة، في طائفة من
الصحابة، وعلقمة.
__________
(*) المسند لاحمد: 1 / 374 - 384، طبقات ابن سعد: 3 / 1 /
106، طبقات خليفة: 16، 126، تاريخ خليفة: 101، 166،
التاريخ الصغير: 60، المعارف: 249، الجرح والتعديل: 5 /
149، مشاهير علماء الامصار: ت: 21، حلية الاولياء: 1 / 124
- 139، الاستيعاب: 7 / 20، تاريخ بغداد: 1 / 147 - 150،
طبقات الشيرازي: 43، أسد الغابة: 3 / 384، تهذيب الاسماء
واللغات: 1 / 288 - 290، تهذيب الكمال: 740، دول الاسلام:
1 / 54، تاريخ الاسلام: 2 / 24، تذكرة الحفاظ: 1 / 31،
العبر: 1 / 33، طبقات القراء للذهبي: 1 / 33، مجمع
الزوائد: 9 / 286 - 291، العقد الثمين: 5 / 283 - 284،
طبقات القراء: 1 / 458، تهذيب التهذيب: 6 / 27 - 28،
الاصابة: 7 / 209، النجوم الزاهرة: 1 / 89، طبقات الحفاظ:
5، خلاصة تذهيب الكمال: 214، كنز العمال: 13 / 460 - 469،
شذرات الذهب: 1 / 38.
(*)
(1/461)
والاسود، ومسروق، وعبيدة، وأبو وائلة، وقيس بن أبي حازم،
وزر بن حبيش، والربيع، بن خثيم، وطارق بن شهاب، وزيد بن
وهب، وولداه أبو عبيدة و عبد الرحمن، وأبو الاحوص عوف بن
مالك، وأبو عمرو الشيباني، وخلق كثير.
وروى عنه القراءة أبو عبد الرحمن السلمي، وعبيد بن نضيلة،
وطائفة.
اتفقا له في الصحيحين على أربعة وستين، وانفرد له البخاري
بإخراج أحد وعشرين حديثا، ومسلم بإخراج خمسة وثلاثين
حديثا، وله عند بقي بالمكرر ثماني مئة وأربعون حديثا.
قال قيس بن أبي حازم: رأيته آدم خفيف اللحم، وعن عبيدالله
بن عبد الله ابن عتبة قال: كان عبد الله رجلا نحيفا،
قصيرا، شديد الادمة، وكان لا يغير شيبه.
وروى الاعمش، عن إبراهيم قال: كان عبد الله لطيفا، فطنا.
قلت: كان معدودا في أذكياء العلماء.
وعن ابن المسيب قال: رأيت ابن مسعود عظيم البطن، أحمش
الساقين.
قلت: رآه سعيد لما قدم المدينة عام توفي سنة اثنتين
وثلاثين، وكان يعرف أيضا بأمه، فيقال له: ابن أم عبد.
قال محمد بن سعد: أمه هي أم عبد بنت عبدود بن سوي (1)، من
بني زهرة.
وروي عن علقمة: عن عبد الله قال: كناني النبي، صلى الله
عليه وسلم، أبا عبد الرحمن
__________
(1) كذا الاصل، وعند ابن سعد، و " الاستيعاب " " سواء "
وفي " الاصابة ": " سواءة ".
(*)
(1/462)
قبل أن يولد لي (1).
وروى المسعودي: عن سليمان بن مينا، عن نويفع مولى ابن
مسعود، قال: كان عبد الله من أجود الناس ثوبا أبيض، وأطيب
الناس ريحا.
يعقوب بن شيبة: حدثني بشر بن مهران، حدثنا شريك، عن عثمان
بن المغيرة، عن زيد بن وهب قال: قال عبد الله: إن أول شئ
علمته من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم: قدمت مكة مع
عمومة لي أو أناس من قومي، نبتاع منها متاعا، وكان في
بغيتنا شراء عطر، فأرشدونا على العباس، فانتهينا إليه، وهو
جالس إلى زمزم، فجلسنا إليه، فبينا نحن عنده، إذ أقبل رجل
من باب الصفا، أبيض، تعلوه حمرة، له وفرة جعدة، إلى أنصاف
أذنيه، أشم، أقنى، أذلف، أدعج العينين، براق الثنايا، دقيق
المسربة، شثن الكفين والقدمين، كث اللحية، عليه ثوبان
أبيضان، كأنه القمر ليلة البدر، يمشي على يمينه غلام حسن
الوجه، مراهق أو محتلم، تقفوهم امرأة قد سترت محاسنها، حتى
قصد نحو الحجر، فاستلم، ثم استلم الغلام، واستلمت المرأة،
ثم طاف بالبيت سبعا، وهما يطوفان معه، ثم استقبل الركن،
فرفع يده وكبر، وقام ثم ركع، ثم سجد ثم قام.
فرأينا (2) شيئا أنكرناه، لم نكن نعرفه بمكة، فأقبلنا على
العباس، فقلنا: يا أبا الفضل ! إن هذا الذين حدث فيكم، أو
أمر لم نكن نعرفه ؟ قال: أجل والله ما تعرفون هذا، هذا ابن
أخي محمد بن عبد الله، والغلام علي بن أبي طالب، والمرأة
خديجة بنت خويلد امرأته، أما والله ما على وجه الارض أحد
نعلمه يعبد الله بهذا الدين إلا هؤلاء الثلاثة.
__________
(1) الخبر في " المستدرك " 3 / 313.
(2) تحرفت في المطبوع إلى " فرابنا ".
(*)
(1/463)
قال ابن شيبة لا نعلم روى هذا إلا بشر الخصاف وهو رجل صالح
(1).
محمد بن أبي عبيدة بن معن المسعودي: عن أبيه، عن الاعمش،
عن القاسم بن عبد الرحمن، عن أبيه قال: قال عبد الله: لقد
رأيتني سادس ستة وما على ظهر الارض مسلم غيرنا (2).
وقال ابن إسحاق: أسلم ابن مسعود بعد اثنين وعشرين نفسا،
وعن يزيد ابن رومان قال: أسلم عبد الله قبل دخول النبي،
صلى الله عليه وسلم، دار الارقم (3).
أخبرنا أحمد بن سلامة وأحمد بن عبد السلام، إجازة، عن عبد
المنعم بن كليب، أنبأنا علي بن بيان، أنبأنا محمد بن محمد،
أنبأنا إسماعيل بن محمد (ح) وقرأت على أحمد بن إسحاق، وعبد
الحافظ بن بدران، أخبركما أبو البركات الحسن بن محمد،
أنبأنا محمد بن الخليل بن فارس، في سنة ثمان وأربعين وخمس
مئة، وأنا في الخامسة (ح) وأنبأنا علي بن محمد، وعمر بن
عبد المنعم، وعبد المنعم بن عساكر، وأبو علي بن الجلال،
وابن مؤمن قالوا: أنبأنا محمد بن هبة الله القاضي، أنبأنا
حمزة بن علي الثعلبي (ح) وأنبأنا أبو جعفر محمد بن علي،
وأحمد بن عبد الرحمن قالا: أنبأنا أبو القاسم
__________
(1) كذا قال.
مع أن ابن أبي حاتم نقل عن أبيه أنه ترك حديثه.
وشيخه شريك سيئ الحفظ.
وذكره صاحب " الكنز " (37215)، ونسبه إلى يعقوب بن أبي
شيبة.
ونقل قوله: لا نعلم رواه أحد عن شريك غير بشر بن مهران
الخصاف وهو صالح.
وذكره ابن كثير في " شمائل الرسول " ص (20) وقال: قال
الحافظ أبو نعيم الاصبهاني، حدثنا أبو محمد عبد الله بن
جعفر بن أحمد بن فارس، عن يحيى بن حاتم العسكر، عن بشر بن
مهران، عن شريك، عن عثمان بن المغيرة، عن زيد بن وهب، عن
عبد الله بن مسعود قال: وذكره.
(2) أخرجه أبو نعيم في " الحلية " 1 / 126، والحاكم 3 /
313 وصححه، ووافقه الذهبي.
وهو كما قالا.
(3) أخرجه ابن سعد 3 / 1 / 107.
(*)
(1/464)
ابن صصرى، أنبأنا أبو القاسم الحسين بن الحسن الاسدي، وأبو
يعلى بن الحبوبي (ح) وأنبأنا إبراهيم بن أحمد الطائي،
ومحمد بن الحسن الارموي، والحسن بن علي الدمشقي، وإسماعيل
بن عبد الرحمن المرداوي، وأحمد ابن مؤمن، وست الفخر بنت
عبد الرحمن قالوا: أخبرتنا كريمة بنت عبد الوهاب القرشية،
أنبأنا أبو يعلى حمزة بن الحبوبي قالوا: أنبأنا علي بن
محمد ابن علي الفقيه، أنبأنا عبد الرحمن بن عثمان التميمي،
أنبأنا إبراهيم بن أبي ثابت قالا: أنبأنا الحسن بن عرفة
العبدي (ح) وأنبأنا عبد الرحمن بن محمد، والمسلم بن محمد،
وعلي بن أحمد قالوا: أنبأنا حنبل، أنبأنا ابن الحصين،
أنبأنا ابن المذهب، أنبأنا أبو بكر القطيعي، أنبأنا عبد
الله بن أحمد الشيباني، حدثني أبي قالا: أنبأنا أبو بكر بن
عياش، حدثني عاصم، عن زر، عن ابن مسعود قال: كنت أرعى غنما
لعقبة بن أبي معيط، فمر بي رسول الله صلى الله عليه وسلم
وأبو بكر، فقال: يا غلام ! هل من لبن ؟ قلت: نعم، ولكني
مؤتمن، قال: فهل من شاة لم ينز عليها الفحل ؟ فأتيته بشاة،
فمسح ضرعها، فنزل لبن، فحلب في إناء، فشرب، وسقى أبا بكر،
ثم قال للضرع: اقلص، فقلص.
زاد أحمد قال: ثم أتيته بعد هذا، ثم اتفقا - فقلت: يا رسول
الله ! علمني من هذا القول، فمسح رأسي، وقال: يرحمك الله
إنك غليم معلم.
هذا حديث صحيح الاسناد (1)، ورواه أبو عوانة عن عاصم بن
بهدلة، وفيه زيادة منها: فلقد أخذت من فيه صلى الله عليه
وسلم سبعين سورة ما نازعني فيها بشر، ورواه
__________
(1) بل حسن.
لان عاصما وهو ابن بهدلة لا يرتقي حديثه إلى درجة الصحيح
كما هو معلوم من كتب الرجال، وأخرجه أحمد 1 / 379، والفسوي
في " المعرفة والتاريخ " 2 / 537.
(*)
(1/465)
إبراهيم بن الحجاج السامي (1)، عن سلام أبي المنذر، عن
عاصم، وفيه: قال: فأتيته بصخرة منقعرة، فحلب فيها، قال:
فأسلمت وأتيته (2).
عبيدالله بن موسى، وغيره: حدثنا إسرائيل، عن المقدام بن
شريح عن أبيه، عن سعد قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه
وسلم، ونحن ستة، فقال المشركون: اطرد هؤلاء عنك فلا
يجترئون علينا، وكنت أنا، وابن مسعود، ورجل من هذيل،
ورجلان نسيت اسمهما، فوقع في نفس النبي، صلى الله عليه
وسلم، ما شاء الله، وحدث به نفسه، فأنزل الله تعالى: (ولا
تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي) [ الانعام: 52، 53
] (3).
رواة قبيصة، عن الثوري، عن المقدام.
ابن إسحاق: حدثني يحيى بن عروة بن الزبير، عن أبيه قال:
أول من جهر بالقرآن بمكة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم
عبد الله بن مسعود (4).
أبو بكر: عن عاصم، عن زر قال: أول من قرأ آية عن ظهر قلبه
عبد الله بن مسعود (5).
__________
(1) تحرفت في المطبوع إلى " الشامي ".
(2) أخرجه أحمد 1 / 462 مع هاتين الزيادتين.
وزيادة: " أخذت من في رسول الله، بضعا وسبعين سورة "،
أخرجها البخاري (5000) في فضائل القرآن: باب القراء من
أصحاب النبي، صلى الله عليه وسلم.
من طريق عمر بن حفص، عن أبيه، عن الاعمش، عن شقيق بن سلمة،
قال: خطبنا عبد الله ابن مسعود، فقال: والله لقد أخذت من
في رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بضعا وسبعين سورة.
والله لقد علم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، أني من
أعلمهم لكتاب الله، وما أنا بخير هم.
قال شقيق: فجلست في الحلق أسمع ما يقولون.
فما سمعت رادا يقول غير ذلك ".
(3) إسناده صحيح، وقد سبق تخريجه في الصفحة (353) تعليق
رقم (5).
(4) أخرجه ابن هشام 1 / 314 مطولا، وابن حجر في " الاصابة
" 6 / 215 ورجاله ثقات.
(5) ذكره صاحب الكنز (37222) عن زر، عن علي، ولم ينسبه
لاحد.
(*)
(1/466)
قلت: هذا مؤول، فقد صلى قبل عبد الله جماعة بالقرآن.
أبو داود في " سننه ": حدثنا أبو سلمة، حدثنا حماد بن
سلمة، عن ثابت، عن أنس: أن النبي صلى الله عليه وسلم آخى
بين الزبير وابن مسعود (1).
وروى مثله سفيان بن حسين، عن يعلى بن مسلم، عن أبي
الشعثاء، عن ابن عباس، رواه الحاكم في " مستدركه " (2).
وفيه لمجاهد، عن عبد الله بن سخبرة (3): قال: رأيت ابن
مسعود آدم، لطيف الجسم، ضعيف اللحم.
قلت: أكثر من آخى النبي صلى الله عليه وسلم بينهم مهاجري
وأنصاري.
قال موسى بن عقبة: وممن قدم من مهاجرة الحبشة، الهجرة
الاولى إلى مكة، على رسول الله، صلى الله عليه وسلم، عبد
الله بن مسعود، ثم هاجر إلى المدينة.
يحيى الحماني: حدثنا يحيى بن سلمة بن كهيل، عن أبيه، عن
عكرمة، قال ابن عباس: ما بقي مع رسول الله، صلى الله عليه
وسلم، يوم أحد إلا أربعة، أحدهم ابن مسعود (4).
شعبة: عن أبي إسحاق، عن أبي الاحوص سمعت أبا مسعود وأبا
موسى
__________
(1) إسناده صحيح.
وأبو سلمة هو موسى بن إسماعيل التبوذكي البصري، ولم نجده
في المطبوع من " سنن أبي داود "، وأخرجه الحاكم 3 / 314 من
طريق: يحيى بن منصور، عن علي بن عبد العزيز، عن سعيد بن
سليمان الواسطي، عن عباد بن العوام، عن سفيان بن حسين، عن
يعلى ابن مسلم، عن جابر بن زيد، عن ابن عباس...، وصححه
ووافقه الذهبي.
(2) 3 / 314 وصححه ووافقه الذهبي.
(3) تحرفت " سخبرة " في المطبوع إلى " بحينة ".
(4) إسناده شديد الضعف.
يحيى بن سلمة بن كهيل قال الحافظ في " التقريب ": متروك
(*)
(1/467)
حين مات عبد الله بن مسعود، وأحدهما يقول لصاحبه: أتراه
ترك بعده مثله ؟ قال: لئن قلت ذاك، لقد كان يؤذن له إذا
حجبنا ويشهد إذا غبنا.
يحيى، عن قطبة، عن الاعمش، عن مالك بن الحارث، عن أبي
الاحوص بنحوه (1).
وأخرج البخاري والنسائي من حديث أبي موسى قال: قدمت أنا
وأخي من اليمن، فمكثنا حينا، وما نحسب ابن مسعود وأمه إلا
من أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، لكثرة دخولهم
وخروجهم عليه (2).
الاعمش: عن أبي عمرو الشيباني، عن أبي موسى قال: والله لقد
رأيت عبد الله وما أراه إلا عبد آل محمد صلى الله عليه
وسلم (3).
حدثنا السلفي (4): حدثنا الثقفي أنبأنا ابن بشران، أنبأنا
محمد بن عمرو، حدثنا محمد بن عبد الجبار، حدثنا حفص بن
غياث، عن الحسن بن عبيدالله، عن إبراهيم بن سويد، عن عبد
الرحمن بن يزيد، عن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم: " يا عبد الله، إذنك علي أن ترفع الحجاب، وتسمع
سوادي
__________
(1) أخرجه مسلم (2461) و (2463) في فضائل الصحابة: باب من
فضائل عبد الله بن مسعود وأمه، ويحيى هو ابن آدم، وتحرفت "
عن " في الاصل إلى: " بن " ولم يفطن لها محقق المطبوع،
وصحف " قطبة " إلى " فطنة " وسيأتي الحديث من طريق الاعمش
في ص (490) وأخرجه الفسوي في " المعرفة والتاريخ " 2 /
541.
(2) أخرجه البخاري (3763) في الفضائل: باب فضائل عبد الله
بن مسعود و (4384) في المغازي: باب قدوم الاشعريين وأهل
اليمن، ومسلم (2460) في الفضائل: باب من فضائل عبد
الله بن مسعود وأمه.
والترمذي (3808) في المناقب: باب مناقب عبد الله.
(3) رجاله ثقات.
وأخرجه الفسوي 2 / 541 - 542 في " المعرفة والتاريخ ".
(4) لم يتبين محقق المطبوع هذه اللفظة فأسقطها.
(*)
(1/468)
حتى أنهاك " (1).
رواه الثوري، وزائدة، عن الحسن بن عبيدالله.
وفي لفظ: " أن ترفع الستر، وأن تستمع سوادي ".
ورواه سفيان بن عيينة عن عمرو، عن رجل سماه، عن إبراهيم بن
سويد، عن عبد الله.
وهذا منقطع.
وكذا رواه ابن مهدي، عن سفيان، عن الحسن.
والسواد: السرار، وقيل: المحادثة.
وفي " مسند أحمد " من طريق ابن عون، عن عمرو بن سعيد، عن
حميد بن عبد الرحمن قال: قال ابن مسعود: كنت لا أحبس عن
النجوى وعن كذا، وعن كذا (2).
وعن عبيدالله بن عبد الله بن عتبة قال: كان ابن مسعود صاحب
سواد رسو ل الله - يعني سره ووساده - يعني فراشه -،
وسواكه، ونعليه، وطهوره.
وهذا يكون في السفر (3).
ابن سعد: حدثنا أبو نعيم، حدثنا المسعودي، عن القاسم بن
عبد الرحمن قال: كان عبد الله يلبس رسول الله صلى الله
عليه وسلم نعليه، ثم يمشي أمامه بالعصا، حتى إذا أتى
مجلسه، نزع نعليه، فأدخلهما في ذراعه، وأعطاه العصا، وكان
يدخل
__________
(1) أخرجه مسلم (2169) في السلام: باب جواز جعل الاذن رفع
حجاب، وأخرجه ابن ماجه (139) في المقدمة: باب فضائل عبد
الله بن مسعود، وابن سعد 3 / 1 / 108 - 109، وأبو نعيم في
" الحلية " 1 / 126.
وحديث زائدة عن الحسن بن عبيدالله 1 / 126 في " الحلية "
والفسوي 2 / 536
في " المعرفة والتاريخ ".
(2) أخرجه أحمد 1 / 385.
(3) أخرجه ابن سعد 3 / 1 / 108 من طريق الواقدي، عن عبد
الرحمن بن محمد بن عبيدالله بن عبد الله بن عتبة.
(*)
(1/469)
الحجرة أمامه بالعصا (1).
المسعودي: عن عياش (2) العامري، عن عبد الله بن شداد قال:
كان عبد الله صاحب الوساد والسواك والنعلين (3).
الاعمش: عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله قال: لما نزلت
(ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح) الآية، قال
رسول الله، صلى الله عليه وسلم: " قيل لي: أنت منهم ".
رواه مسلم (4).
منصور والاعمش: عن أبي وائل قال: كنت مع حذيفة، فجاء ابن
مسعود، فقال حذيفة: إن أشبه الناس هديا ودلا وقضاء (5)
وخطبة برسول الله صلى الله عليه وسلم، من حين يخرج من
بيته، إلى أن يرجع، لا أدري ما يصنع في أهله لعبد الله بن
مسعود، ولقد علم المتهجدون من أصحاب محمد صلى الله عليه
وسلم أن عبد الله من أقربهم عند الله وسيلة يوم القيامة
(6).
لفظ منصور، كذا قال المتهجدون ولعله المجتهدون.
الاعمش: عن إبراهيم، عن علقمة قال: كنا عند عبد الله، فجاء
خباب بن
__________
(1) أخرجه ابن سعد 3 / 1 / 108.
(2) عياش العامري هو ابن عمرو، ثقة من رجال مسلم.
وقد تصحف في المطبوع إلى " عباس ".
(3) أخرجه ابن سعد 3 / 1 / 108 وأبو نعيم في " الحلية " 1
/ 126، والفسوي في " المعرفة
والتاريخ " 2 / 550.
(4) (2459) في الفضائل: باب من فضائل عبد الله.
وأخرجه الترمذي (3056) في التفسير: باب ومن سورة المائدة.
(5) تحرفت في المطبوع إلى " سمتا ".
(6) أخرجه البخاري بنحوه (3762) في فضائل الصحابة: باب
مناقب عبد الله بن مسعود، و (6097) في الادب: باب الهدي
الصالح، والترمذي (3809) في المناقب: باب مناقب عبد الله
ابن مسعود، والحاكم 3 / 315، وصححه ووافقه الذهبي، وابن
سعد 3 / 1 / 109.
(*)
(1/470)
الارت حتى قام علينا، في يده خاتم من ذهب، فقال: أكل هؤلاء
يقرؤون كما تقرأ ؟ فقال عبد الله: إن شئت أمرت بعضهم يقرأ،
قال: أجل، فقال: اقرأ يا علقمة ! فقال فلان: أتأمره أن
يقرأ وليس بأقرئنا ؟ قال عبد الله: إن شئت حدثتك بما قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم في قومه وقومك.
قال علقمة: فقرأت خمسين آية من سورة مريم، فقال عبد الله:
ما قرأ إلا كما أقرأ.
ثم قال عبد الله: ألم يأن لهذا الخاتم أن يطرح ؟ فنزعه،
ورمى به، وقال: والله لا تراه علي أبدا (1).
شيبان: عن الاعمش، عن مالك بن الحارث، عن أبي الاحوص قال:
أتيت أبا موسى وعنده عبد الله وأبو مسعود الانصاري (2) وهم
ينظرون إلى مصحف، فتحدثنا ساعة، ثم خرج عبد الله، وذهب،
فقال أبو مسعود: والله ما أعلم النبي صلى الله عليه وسلم،
ترك أحدا أعلم بكتاب الله من هذا القائم (3).
الاعمش: عن أبي الضحى، عن مسروق قال عبد الله: والذي لا
إله غيره لقد قرأت من في رسول الله صلى الله عليه وسلم
بضعا وسبعين سورة، ولو أعلم أحدا أعلم بكتاب الله مني
تبلغنيه الابل لاتيته (4).
__________
(1) رجاله ثقات وانظر الفتح: 10 / 267.
(2) في الاصل " عبد الله بن مسعود الانصاري " وهو خطأ،
والتصويب عن الرواية التي سترد في الصفحة (490)، ومن "
تاريخ الفسوي " 2 / 544 وصحيح مسلم.
(3) أخرجه مسلم (2461) (113) في فضائل الصحابة: باب من
فضائل عبد الله بن مسعود، والفسوي 2 / 544 في " المعرفة
والتاريخ ".
(4) إسناده صحيح، وأخرجه البخاري (5002) في فضائل القرآن:
باب القراء من أصحاب النبي، صلى الله عليه وسلم، من طريق
عمر بن حفص، عن أبيه، عن الاعمش، عن مسلم أبي الضحى، عن
مسروق قال: قال عبد الله، رضي الله عنه: " والله الذي لا
إله غيره، ما أنزلت سورة من كتاب الله إلا أنا أعلم أين
أنزلت، ولا أنزلت آية من كتاب الله إلا أنا أعلم فيمن
أنزلت، ولو أعلم أحدا أعلم مني بكتاب الله تبلغه الابل
لركبت إليه ".
= (*)
(1/471)
جامع بن شداد: حدثنا عبد الله بن مرداس: كان عبد الله
يخطبنا كل خمس على رجليه، فنشتهي أن يزيد (1).
الاعمش: عن إبراهيم التيمي، عن أبيه، قال ابن مسعود: لو
تعلمون ذنوبي ما وطئ عقبي رجلان (2).
جابر بن نوح: عن الاعمش، عن أبي الضحى، عن مسروق، عن عبد
الله قال: ما نزلت آية من كتاب الله إلا وأنا أعلم أين
نزلت وفيما نزلت.
الحديث (3).
الثوري: عن أبي إسحاق، عن خمير بن مالك قال: قال عبد الله:
لقد قرأت من في رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعين سورة،
وزيد له ذؤابة يلعب مع الغلمان (4).
__________
= وأخرجه مسلم 2463 في فضائل الصحابة: باب من فضائل عبد
الله بن مسعود وأمه، من طريق الاعمش، عن شقيق، عن عبد الله
بلفظ: ولقد قرأت على رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بضعا
وسبعين سورة،
ولقد علم أصحاب رسول الله، أني أعلمهم بكتاب الله، ولو
أعلم أن أحدا أعلم مني لرحلت إليه "، وأخرجه البخاري أيضا
برقم (5000) من طريق الاعمش، عن شقيق، عن عبد
الله...والخطيب البغدادي في " الرحلة في طلب الحديث " برقم
(25).
(1) أخرجه الحاكم 3 / 315.
(2) أخرجه الحاكم 3 / 316.
(3) جابر بن نوح ضعيف.
وباقي رجاله ثقات.
وفي الاصل " خالد بن نوح " وهو خطأ.
فليس في الرواة من اسمه خالد بن نوح.
اما الاثر فهو صحيح انظر التعليق رقم (4) من الصفحة
السابقة.
(4) أخرجه أحمد 1 / 389، 405، 414، 442، وأبو نعيم في "
الحلية " 1 / 125، والطيالسي 2 / 151، وانظر ابن كثير في "
السيرة " 2 / 149 كلهم من طريق أبي إسحاق السبيعي، عن خمير
بن مالك، عن ابن مسعود، وإسناده حسن.
فإن خمير بن مالك، روى عن علي وابن مسعود وعنه أبو اسحاق،
و عبد الله بن قيس.
وقد وثقه ابن حبان، وهو مترجم في " تعجيل المنفعة ".
وكذلك أخرجه ابن أبي داود في " المصاحف " ص (14، 15)
وأخرجه النسائي 8 / 134 في الزينة: باب الذؤابة، = (*)
(1/472)
عبدة بن سليمان: عن الاعمش، عن شقيق، قال عبد الله: (ومن
يغلل يأت بما غل يوم القيامة) [ آل عمران: 161 ] على قراءة
من تأمروني أن أقرأ ؟ لقد قرأت على رسول الله صلى الله
عليه وسلم سبعين سورة، ولقد علم أصحاب محمد أني أعلمهم
بكتاب الله، ولو أعلم أحدا أعلم بكتاب الله مني، لرحلت
إليه.
قال شقيق: فجلست في حلق من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم،
فما سمعت أحدا منهم يعيب عليه شيئا مما قال ولا يرد عليه
(1).
__________
= من طريق عبدة بن سليمان، عن الاعمش، عن أبي اسحاق، عن
هبيرة بن مريم، عن ابن مسعود...، ومن طريق أبي شهاب، عن
الاعمش، عن أبي وائل، قال: " خطبنا ابن مسعود، فقال: كيف
تأمروني أقرأ على قراءة زيد بن ثابت بعد ما قرأت من في
رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بضعا
وسبعين سورة، وإن زيدا مع الغلمان له ذؤابتان ".
وأخرجه أحمد 1 / 411 من طريق الاعمش، عن شقيق بن سلمة، عن
عبد الله بن مسعود.
(1) أخرجه مسلم (2462) في فضائل الصحابة: باب من فضائل عبد
الله بن مسعود وأمه.
وقال النووي 5 / 325 في " شرح مسلم ": معناه أن ابن مسعود
كان مصحفه يخالف مصحف الجماعة.
وكانت مصاحف أصحابه كمصحفه، فأنكر عليه الناس وأمروه بترك
مصحفه، وبموافقة مصحف الجمهور.
وطلبوا مصحفه أن يحرقوه كما فعلوا بغيره، فامتنع، وقال
لاصحابه: غلوا مصاحفكم أي: اكتموها.
(ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة) يعني: فإذا غللتموها
جئتم بها يوم القيامة وكفى لكم بذلك شرفا.
ثم قال على سبيل الانكار: من هو الذي تأمرونني أن آخذ
بقراءته، وأترك مصحفي، الذي أخذته من في رسول الله، صلى
الله عليه وسلم ؟.
وقال القرطبي في " المفهم " 4 / 39 / 2: " لما رأى عثمان
حرق المصاحف ما عدا المصحف الذي بعث نسخته إلى الآفاق،
ووافقه على ذلك الصحابة لما رأوا من أن بقاءها يدخل اللبس
والاختلاف في القرآن، ذكر ابن مسعود الغلول وتلا الآية، ثم
قال: إني غال مصحفي فمن استطاع منكم أن يغل مصحفه فليفعل،
فإن الله يقول: (ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة)، على
قراءة من تأمروني أقرأ ؟ على قراءة زيد ! لقد أخذت من في
رسول الله بضعا وسبعين سورة، وزيد له ذؤابتان يلعب مع
الغلمان ".
ومعنى قوله: غلوا مصاحفكم، أي: اكتموها ولا تسلموها
والتزموها إلى أن تلقوا الله بها، كما يفعل من غل شيئا
فإنه يأتي به يوم القيامة يحمله.
وكان هذا منه رأيا انفرد به عن الصحابة، فإنه كتم مصحفه
ولم يقدر عثمان ولا غيره على أن يظهره.
وانتشرت المصاحف التي كتب بها عثمان إلى الآفاق، ووافقه
عليها الصحابة، وقرأ المسلمون عليها، وترك مصحف عبد الله
وخفي، إلى أن وجد في خزائن بني عبيد بمصر عند انقراض
دولتهم، وابتداء دولة الغز.
فأمر صدر الدين قاضي الجماعة بإحراقه على ما سمعنا من
شيوخنا.
وقوله: على قراءة من تأمروني أقرأ، قاله، إنكارا على من
أمره بترك قراءته ورجوعه إلى قراءة زيد، مع أنه سابق له
إلى حفظ القرآن، = (*)
(1/473)
شعبة: عن الاعمش، عن أبي وائل، عن عبد الله أنهم ذكروا
قراءته، فكأنهم عابوه، فقال: لقد علم أصحاب رسول الله أني
أقروهم لكتاب الله، ثم كأنه ندم، فقال: ولست بخيرهم (1).
سويد بن سعيد: حدثنا علي بن مسهر، عن الاعمش، عن أبي وائل
قال: لما أمر عثمان بتشقيق المصاحف، قام عبد الله خطيبا
فقال: لقد علم
__________
= وإلى أخذه عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فصعب عليه
أن يترك قراءة قرأها على رسول الله، صلى الله عليه وسلم،
ويقرأ بقراءة زيد أو غيره.
وتمسك بمصحفة وقراءته، وخفي عليه الوجه الذي ظهر لجميع
الصحابة من المصلحة التي هي من أعظم ما حفظ الله به القرآن
عن الاختلاف المخل به، والتغيير بالزيادة والنقص.
وكان من أعظم الامور على عبد الله أن الصحابة لما عزموا
على كتب المصحف بلغة قريش عينوا لذلك أربعة، لم يكن منهم
ابن مسعود، وكتبوه على لغة قريش.
ولم يعرجوا على ابن مسعود لانه كان هذليا، وكانت قراءته
على لغتهم.
وبينها وبين لغة قريش تباين عظيم، فلذلك لم يدخلوه معهم.
وقال المحدث أحمد شاكر رحمه الله: وكان هذا من ابن مسعود
حين أمر عثمان بجمع الناس على المصحف الامام خشية
اختلافهم، فغضب ابن مسعود، وهذا رأيه ولكنه رضي الله عنه،
أخطأ خطأ شديدا في تأويل الآية على ما أول.
فإن الغلول هو الخيانة.
والآية واضحة المعنى في الوعيد لمن خان أو اختلس من
المغانم.
وقال ابن العربي في " أحكام القرآن " 4 / 1942 بعد إيراده
هذا الحديث: " هذا مما لا يلتفت إليه بشئ "، إنما المعول
عليه ما في المصحف فلا تجوز مخالفته لاحد.
ثم بعد ذلك يقع النظر فيما يوافق خطه مما لم يثبت ضبطه حسب
ما بيناه في موضعه.
فإن القرآن لا يثبت بنقل الواحد، وإن كان عدلا، وإنما يثبت
بالتواتر الذي يقع به العلم، وينقطع معه العذر، وتقوم به
الحجة على الخلق ".
ونقل القرطبي، عن أبي بكر الانباري، بعد إيراده الحديث
هذا، وحديث " إني أنا الرازق ذو القوة المتين " عن ابن
مسعود، قوله: " كل من هذين الحديثين مردود بخلاف الاجماع
له، وإن
حمزة وعاصما يرويان عن عبد الله بن مسعود ما عليه جماعة
المسلمين.
والبناء على سندين يوافقان الاجماع أولى من الاخذ بواحد
يخالفه الاجماع والامة وما يبنى على رواية واحد إذا حاذاه
رواية جماعة تخالفه أخذ برواية الجماعة وأبطل نقل الواحد
كما يجوز عليه من النسيان والاغفال.
ولو صح الحديث عن أبي الدرداء، وكان إسناده مقبولا معروفا،
ثم كان أبو بكر وعمر وعثمان وعلي، وسائر الصحابة رضي الله
عنهم يخالفونه، لكان الحكم العمل بما روته الجماعة، ورفض
ما يحكيه الواحد المنفرد الذي يسرع إليه من النسيان ما لا
يسرع إلى الجماعة وجميع أهل الملة.
(1) رجاله ثقات، وأخرجه بنحوه البخاري رقم (5000) من طريق
عمر بن حفص، عن أبيه، عن الاعمش...(*)
(1/474)
أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أني أعلمهم بكتاب الله.
ثم قال: وما أنا بخيرهم (1).
زائدة وأبو بكر بن عياش: عن عاصم، عن زر، عن عبد الله أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بين أبي بكر وعمر، و عبد
الله قائم يصلي، فافتتح سورة النساء يسجلها، فقال صلى الله
عليه وسلم: " من أحب أن يقرأ القرآن غضا كما أنزل فليقرأ
قراءة ابن أم عبد " [ فأخذ ] عبد الله في الدعاء.
فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " سل تعط ".
[ فكان ] فيما سأل: اللهم إني أسألك إيمانا لا يرتد،
ونعيما لا ينفد، ومرافقة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم في
أعلى جنان الخلد.
فأتى عمر عبد الله يبشره، فوجد أبا بكر خارجا قد سبقه،
فقال: إنك لسباق بالخير (2).
رواه يزيد بن هارون، عن عبيدة، عن أبي وائل، عن عبد الله
(3).
أبو معاوية وغيره: عن الاعمش، عن إبراهيم، عن علقمة قال:
جاء رجل إلى عمر وهو بعرفة (ح) والاعمش عن خيثمة، عن قيس
بن مروان أنه أتى عمر فقال: جئت يا أمير المؤمنين من
الكوفة، وتركت بها رجلا يملي المصاحف عن ظهر قلب، فغضب
عمر، وانتفخ حتى كاد يملا ما بين شعبتي الرجل،
فقال: ومن هو ويحك ؟ فقال ابن مسعود.
فما زال يطفئ غضبه، ويتسرى عنه حتى عاد إلى حاله، ثم قال:
ويحك ! والله ما أعلم بقي من الناس أحد هو
__________
(1) سويد بن سعيد صدوق، إلا أنه عمي فصار يتلفن ما ليس من
حديثه.
وباقي رجاله ثقات.
وهو بمعنى الذي قبله.
(2) إسناده حسن، وهو في " المسند " 1 / 445، 454، وأخرجه
الحاكم بنحوه 3 / 317 من طريق جرير بن عبد الله بن يزيد
الصهباني، عن كميل بن زياد، عن علي، وصححه، ووافقه الذهبي.
وانظر " الحلية " 1 / 124 وما بعدها.
وقوله: يسجلها: أي: يقرؤها قراءة مفصلة: من السجل وهو
الصب.
يقال: سجلت الماء سجلا: إذا صببته صبا متصلا.
(3) عبيدة هو ابن معتب الضبي وهو ضعيف، لكنه يتقوى بالطريق
السابق.
(*)
(1/475)
أحق بذلك منه، وسأحدثك: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم
لا يزال يسمر عند أبي بكر الليلة كذلك في الامر من أمر
المسلمين، وإنه سمر عنده ذات ليلة وأنا معه، فخرج رسول
الله صلى الله عليه وسلم، وخرجنا معه، فإذا رجل قائم يصلي
في المسجد، فقام رسول الله يسمع قراءته، فلما كدنا أن
نعرفه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من سره أن
يقرأ القرآن رطبا كما أنزل فليقرأه على قراءة ابن أم عبد
".
قال: ثم جلس يدعوا، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول له: " سل تعطه ".
فقلت: والله لاغدون إليه فلا بشره، قال: فغدوت فوجدت أبا
بكر قد سبقني.
رواه أحمد في " مسنده " (1) عن أبي معاوية، وروى نحوه يحيى
بن سعيد الاموي، عن مالك بن مغول، عن حبيب بن أبي ثابت، عن
خيثمة فذكر القصة.
محمد بن جعفر بن أبي كثير: عن إسماعيل بن صخر الايلي، عن
أبي عبيدة بن محمد بن عمار، عن أبيه، عن جده أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم مر بابن مسعود
وهو يقرأ حرفا حرفا، فقال: " من سره أن يقرأ القرآن غضا
كما أنزل فليسمعه من ابن مسعود " (2).
أحمد بن حنبل في " المسند ": حدثنا وكيع، عن عيسى بن
دينار، عن أبيه، عن عمرو بن الحارث المصطلقي عن النبي صلى
الله عليه وسلم بنحو ما قبله (3)، وروى
__________
(1) إسناده ضعيف، وهو في المسند 1 / 25 - 26، وأخرجه أبو
نعيم في الحلية 1 / 124 والفسوي في المعرفة والتاريخ 2 /
538 من طريق: الاعمش، عن إبراهيم، عن علقمة.
(2) ذكره صاحب الكنز (33461) عن أبي عبيدة بن محمد بن عمار
عن أبيه، عن جده، ونسبه إلى ابن عساكر.
وانظر طريقيه التاليين مباشرة.
(3) إسناده صحيح.
وأخرجه أحمد 4 / 278 - 279، وحديث أبي هريرة أخرجه أحمد 2
/ 446، وذكره الهيثمي في " المجمع " 9 / 288، وقال: رواه
أحمد والبزار وأبو يعلى، وفيه جرير بن أيوب البجلي وهو
متروك.
(*)
(1/476)
جرير بن أيوب البجلي، عن أبي زرعة، عن أبي هريرة، عن النبي
صلى الله عليه وسلم بنحوه.
زهير بن معاوية: عن منصور، عن أبي إسحاق، عن الحارث عن
علي، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لو كنت مؤمرا
أحدا عن غير مشورة لامرت عليهم ابن أم عبد " (1).
رواه وكيع، عن سفيان، عن أبي إسحاق، ورواه أبو سعيد مولى
بني هاشم، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، وقد رواه القاسم بن
معن، عن منصور، فقال: عاصم بن ضمرة بدل الحارث.
ولفظ وكيع: لو كنت مستخلفا من غير مشورة لا ستخلفت ابن أم
عبد.
ابن فضيل: حدثنا مغيرة عن أم موسى: سمعت عليا يقول: أمر
رسول الله
صلى الله عليه وسلم ابن مسعود، فصعد شجرة يأتيه منها بشئ،
فنظر أصحابه إلى ساق عبد الله، فضحكوا من حموشة ساقيه،
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما تضحكون ؟ لرجل
__________
(1) إسناده ضعيف لضعف الحارث، وهو ابن عبد الله الاعور،
الهمداني.
وأخرجه أحمد 1 / 76، 95، 107، 108، والترمذي (3810) في
المناقب: باب مناقب عبد الله بن مسعود.
والخطيب في " تاريخ بغداد " 1 / 148، وحديث وكيع، عن سفيان
أخرجه الترمذي (3811) في المناقب، وابن ماجه (137) في
المقدمة: باب فضل عبد الله بن مسعود، والفسوي في " المعرفة
والتاريخ " 2 / 534، وحديث إسرائيل عن أبي إسحاق أخرجه ابن
سعد 3 / 1 / 109.
وطريق عاصم ابن ضمرة أخرجه الفسوي 2 / 534 في " المعرفة
والتاريخ "، وصححه الحاكم 3 / 318 وتعقبه الذهبي بقوله:
عاصم ضعيف.
كذا قال، مع أنه وثقه علي بن المديني، والعجلي، وابن سعد،
والبزار.
وقال أحمد: هو أعلى من الحارث الاعور وهو عندي حجة، وقال
النسائي: ليس به بأس، ولم يضعفه الجوزجاني، وهو معروف
بتعصبه على أصحاب علي.
وقد تبعه في تضعيفه ابن عدي.
وقال ابن حبان: كان ردئ الحفظ، فاحش الخطأ، على أنه أحسن
حالا من الحارث، فمثله يكون حسن الحديث.
فالحديث يتقوى بالطريقين.
(*)
(1/477)
عبد الله أثقل في الميزان يوم القيامة من أحد " (1).
ورواه جرير، عن مغيرة، وروى حماد بن سلمة عن عاصم، عن زر،
عن عبد الله نحوه، ورواه أبو عتاب (2) الدلال عن شعبة، عن
معاوية بن قرة بن إياس المزني، عن أبيه، عن النبي صلى الله
عليه وسلم نحوه.
الثوري: عن عبد الملك بن عمير، عن مولى لربعي، عن ربعي، عن
حذيفة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اقتدوا
باللذين من بعدي أبي بكر وعمر، واهتدوا بهدي عمار، وتمسكوا
بعهد ابن أم عبد " (3).
رواه جماعة هكذا عنه.
ورواه أسباط، عن الثوري فأسقط منه مولى
ربعي، ورواه مسعر عن عبد الملك بن عمير، عن ربعي.
ورواه سالم المرادي عن عمرو بن هرم (4) عن ربعي، عن حذيفة
وقال: وكيع عن سالم المرادي فقال عن عمرو بن مرة، والاول
(5) أشبه.
ورواه يحيى بن سلمة بن
__________
(1) حديث صحيح.
وأخرجه أحمد 1 / 114.
وحديث حماد بن سلمة، عن عاصم أخرجه أحمد 1 / 420، 421،
وابن سعد 3 / 1 / 110، وأبو نعيم في " الحلية " 1 / 127،
وذكره الهيثمي في " المجمع " 9 / 288 وقال: رواه أحمد وأبو
يعلي، والطبراني، ورجالهم رجال الصحيح، غير أم موسى وهي
ثقة.
وحديث معاوية بن قرة سيأتي في الصفحة التالية.
(2) تحرفت في المطبوع إلى " غياث ".
(3) أخرجه أحمد 5 / 385، 402، والترمذي (3810) في المناقب،
وأخرجه ابن ماجه مختصرا (97) في المقدمة: باب فضل أبي بكر
الصديق، والحاكم 3 / 75 وصححه، ووافقه الذهبي.
والفسوي في " المعرفة والتاريخ " 1 / 480.
وأما طريق أسباط فسيأتي بعد قليل.
وطريق مسعر عن عبد الملك أخرجه الحاكم 3 / 75، وحديث سالم
المرادي، عن عمرو بن هرم أخرجه أحمد 5 / 399.
وحديث يحيى بن سلمة بن كهيل أخرجه الترمذي (3807).
والحاكم 3 / 75، وأبو نعيم في " الحلية " 1 / 128.
(4) تحرفت في المطبوع إلى " مرة ".
(5) تحرفت في المطبوع إلى " القول ".
(*)
(1/478)
كهيل، عن أبيه، عن أبي الزعراء، عن ابن مسعود أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال فذكره.
وقال يحيى بن يعلى: حدثنا زائدة، عن منصور، عن زيد بن وهب،
عن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "
رضيت لامتي ما رضي لها ابن أم عبد " (1).
رواه الثوري وإسرائيل، عن منصور فقال عن القاسم بن عبد
الرحمن
مرسلا.
وكذا قال ابن عيينة، عن أبي العميس، عن القاسم مرسلا (2).
وقال أبو أحمد محمد بن عبد الوهاب الفراء: حدثنا جعفر بن
عون، عن المسعودي، عن جعفر بن عمرو بن حريث: عن أبيه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " قد رضيت لكم ما رضي
لكم ابن أم عبد (3) ".
أخبرنا إسماعيل بن عبد الرحمن، حدثنا عبد الله بن أحمد
الفقيه، حدثنا هبة الله بن الحسن الدقاق، حدثنا أبو الفضل
عبد الله بن علي، سنة أربع وثمانين وأربع مئة، أنبأنا أبو
الحسين بن بشران، أنبأنا محمد بن عمرو، حدثنا عباس بن
محمد، حدثنا أبو عتاب سهل بن حماد، حدثنا شعبة، عن معاوية
ابن قرة، عن أبيه قال: صعد ابن مسعود شجرة فجعلوا يضحكون
من دقة
__________
(1) أخرجه الحاكم 3 / 317، وقال: هذا إسناد صحيح ولم
يخرجاه، وله علة.
ووضح الذهبي العلة - هنا وفي " المستدرك " - وهي أن سفيان
وإسرائيل روياه عن منصور، عن القاسم بن عبد الرحمن مرسلا.
ولا تعل الرواية المسندة بالمرسلة.
لان المسندة زيادة من ثقة، فيجب الاخذ بها.
على أن للحديث شاهدا من حديث عمرو بن حريث.
انظر التعليق رقم (3) التالي.
(2) أخرجه الحاكم 3 / 318 وهذا هو المرسل.
والفسوي 2 / 549 في " المعرفة والتاريخ ".
(3) أخرجه الحاكم مطولا 3 / 319 وصححه ووافقه الذهبي.
والمسعودي هو معن بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود
الهذلي المسعودي، الكوفي.
(*)
(1/479)
ساقيه، فقال النبي، صلى الله عليه وسلم: " لهما في الميزان
أثقل من أحد " (1).
حاتم بن الليث: حدثنا يعقوب بن محمد، حدثنا ابن أبي فديك،
عن موسى بن يعقوب، عن ابن أبي حرملة، حدثتني سارة بنت عبد
الله بن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: "
والذي نفسي بيده إن عبد الله أثقل في الميزان يوم
القيامة من أحد " (2).
علي بن مسهر: عن الاعمش، عن إبراهيم، عن عبيدة، عن عبد
الله قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اقرأ
علي القرآن.
قلت: يا رسول الله أقرأ عليك وعليك أنزل ؟ قال: إني أشتهي
أن أسمعه من غيري.
فقرأت عليه سورة النساء حتى بلغت: (فكيف إذا جئنا من كل
أمة بشهيد، وجئنا بك على هؤلاء شهيدا) [ النساء: 41 ]
فغمزني برجله، فإذا عيناه تذرفان (3) " رواه أبو الأحوص،
عن الاعمش، فقال: علقمة بدل عبيدة.
ورواه شعبة والثوري عن الاعمش، عن إبراهيم، عن عبد الله
منقطعا.
البزار صاحب " المسند ": حدثنا أحمد بن مالك، حدثنا مفضل
بن محمد الكوفي، حدثنا الاعمش، ومغيرة، وابن مهاجر، عن
إبراهيم، عن علقمة،
__________
(1) أخرجه الفسوي 2 / 546 في " المعرفة والتاريخ "،
والحاكم 3 / 317 وصححه، ووافقه الذهبي.
وذكره الهيثمي في " المجمع " 9 / 289 وقال: رواه البزار
والطبراني ورجالهما رجال الصحيح.
وانظر الصفحة (478) تعليق رقم (1).
(2) إسناده ضعيف لضعف موسى بن يعقوب الزمعي، وسارة بنت عبد
الله بن مسعود لا تعرف.
ترجمها ابن نقطة في " الاستدراك ".
(3) أخرجه مسلم (800) في المسافرين: باب فضل استماع
القرآن، والبخاري (4049) في فضائل القرآن: باب من أحب أن
يستمع القرآن من غيره، و (5050) فيه: باب قول المقرئ
للقارئ حسبك، و (5055) و (5056) فيه: باب البكاء عند قراءة
القرآن، والترمذي (3028) في التفسير: باب ومن سورة النساء.
(*)
(1/480)
عن عبد الله قال: استقرأني النبي صلى الله عليه وسلم وهو
قائم على المنبر سورة النساء، فقرأت حتى بلغت: (فكيف إذا
جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء
شهيدا) فاغر ورقت عينا النبي صلى الله عليه وسلم وقال: "
من سره أن يقرأ القرآن غضا كما أنزل فليقرأ على قراءة ابن
أم عبد " (1).
مفضل تركه أبو حاتم، ومشاه (2) غيره.
الحميدي في " مسنده " حدثنا سفيان (3)، حدثنا المسعودي، عن
القاسم، قال النبي صلى الله عليه وسلم لا بن مسعود: " اقرأ
" فقال: أقرأ وعليك أنزل ؟.
الحديث (4) أخبرنا سنقر القضائي، حدثنا عبد اللطيف بن
يوسف، وعبد اللطيف بن محمد القبيطي، وجماعة، قالوا: حدثنا
محمد بن عبد الباقي، حدثنا مالك ابن أحمد، حدثنا أحمد بن
محمد بن الصلت، حدثنا إبراهيم بن عبد الصمد، حدثنا عبيد بن
أسباط، حدثني أبي، حدثنا سفيان، عن عبد الملك بن عمير، عن
ربعي، عن حذيفة قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: "
اقتدوا باللذين من بعدي: أبي بكر وعمر، واهتدوا بهدي عمار،
وتمسكوا بعهد ابن أم عبد " (5).
__________
(1) إسناده ضعيف لضعف المفضل كما ذكر المصنف، وأخرجه
الترمذي (3027) في التفسير: باب ومن سورة النساء.
(2) تحرفت " مشاه " في المطبوع إلى " منشأ ".
والمفضل هذا، هو المفضل الضبي، الكوفي، المقرئ، صاحب
المفضليات، ترجمه المؤلف في الميزان، فقال: قال الخطيب:
كان أخباريا، علامة، موثقا.
وأما أبو حاتم، فقال: متروك القراءة والحديث.
وقال أبو حاتم السجستاني: هو ثقة في الاشعار غير ثقة في
الحروف.
(3) تحرفت في المطبوع إلى " شعبان ".
(4) أخرجه الحميدي 1 / 55 برقم (101)، وتمامه " قال: إني
أحب أن أسمعه من غيري.
قال: فقرأت سورة النساء حتى إذا بلغ: (فكيف إذا جئنا من كل
أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا) استعبر رسول الله،
صلى الله عليه وسلم، فكف عبد الله ".
وأخرجه البخاري من طريق عبيدة، وأبي الضحى عن ابن مسعود في
مواضع منها 9 / 78.
(5) انظر تخريجه في الصفحة (378) تعليق رقم (3).
(*)
(1/481)
عفان: حدثنا الاسود بن شيبان، حدثنا أبو نوفل بن أبي عقرب
قال: قال عمرو بن العاص في مرضه، وقد جزع، فقيل له: قد كان
رسول الله صلى الله عليه وسلم يدنيك ويستعملك، قال: والله
ما أدري ما كان ذاك منه، أحب أو كان يتألفني، ولكن أشهد
على رجلين أنه مات وهو يحبهما: ابن أم عبد وابن سمية (1).
أبو نعيم: حدثنا فطر بن خليفة، عن كثير النواء، سمعت عبد
الله بن مليل (2)، سمعت عليا يقول: قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم: " إنه لم يكن نبي إلا وقد أعطي سبعة نجباء
رفقاء وزراء، وإني أعطيت أربعة عشر: حمزة، وأبو بكر، وعمر،
وعلي، وجعفر، وحسن، وحسين، وابن مسعود، وأبو ذر، والمقداد
وحذيفة، وعمار، وسلمان " (3).
رواه علي بن هاشم بن البريد عن كثير فوقفه على علي رضي
الله عنه وهو أشبه.
أنبئت عن الخشوعي وغيره أن مرشد بن يحيى أنبأهم قال:
أنبأنا أبو الحسن الطفال، أنبأنا أبو الطاهر الذهلي،
أنبأنا أبو أحمد محمد بن عبدوس، حدثنا عبد الله بن عمر،
حدثنا وكيع، عن أبيه وإسرائيل، عن أبي إسحاق، عن أبي
عبيدة، قال: قال عبد الله: انتهيت إلى أبي جهل، وهو صريع،
وهو
__________
(1) أخرجه أحمد 4 / 199 وذكره الهيثمي في " المجمع " 9 /
294، وقال: رجال أحمد رجال الصحيح.
وانظر الصفحة (414) تعليق رقم (4).
(2) مليل باللام تصحفت في المطبوع إلى " مليك " وقد روى
عنه كثير النواء والاعمش، وسالم ابن أبي حفصة.
وذكره ابن حبان في الثقات ص: (138)، وكثير النواء ضعيف.
(3) إسناده ضعيف، لضعف كثير النواء، وأخرجه الترمذي (3787)
في المناقب: باب مناقب الحسن والحسين، وأبو نعيم في "
الحلية " 1 / 128، وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب من هذا
الوجه.
وقد روي هذا الحديث عن علي موقوفا.
(*)
(1/482)
يذب الناس بسيفه، فقلت: الحمد لله الذي أخزاك يا عدو الله
! قال: هل هو إلا رجل قتله قومه، فجعلت أتناوله بسيف لي،
فأصبت يده، فندر سيفه، فأخذته، فضربته به، حتى برد، ثم
خرجت حتى أتيت النبي، صلى الله عليه وسلم، وكأنما أقل من
الارض، فأخبرته، فقال: " الله الذي لا إله إلا هو "، قال:
فقام معي حتى خرج يمشي معي حتى قام عليه، فقال: " الحمد
لله الذي أخزاك يا عدو الله، هذا كان فرعون هذه الامة "
(1).
قال وكيع: وزاد فيه أبي عن أبي عبيدة: قال عبد الله،
فنفلني رسول الله، صلى الله عليه وسلم، سيفه.
أحمد بن يونس: حدثنا أبو شهاب الحناط، عن محتسب البصري، عن
محمد بن واسع، عن ابن خثيم، عن أبي الدرداء قال: خطب رسول
الله، صلى الله عليه وسلم، خطبة خفيفة، فلما فرغ من خطبته
قال: يا أبا بكر ! قم فاخطب، فقام أبو بكر، فخطب، فقصر دون
النبي، صلى الله عليه وسلم، ثم قال: يا عمر " قم فاخطب،
فقام عمر، فقصر دون أبي بكر، ثم قال: يا فلان ! قم فاخطب،
فشقق القول، فقال له رسول الله، صلى الله عليه وسلم: اسكت
أو اجلس، فإن التشقيق من الشيطان، وإن البيان من السحر.
وقال: يا أبن أم عبد ! قم فاخطب، فقام، فحمد الله وأثنى
عليه،
__________
(1) رجاله ثقات، إلا أن أبا عبيدة لم يسمع من أبيه.
وأخرجه أحمد 1 / 444، وأبو داود مختصرا (2709) في الجهاد:
باب الرخصة في السلاح يقاتل به في المعركة، وأصله في
البخاري (3961)، ومسلم (1800) في الجهاد، وروى البخاري
نحوه (3962) و (3963) و (4020)،
وأحمد 3 / 115، 129، 236 عن أنس بن مالك قال: قال رسول
الله، صلى الله عليه وسلم: " من ينظر لنا ما صنع أبو جهل ؟
فانطلق ابن مسعود فوجده قد ضربه ابنا عفراء حتى برك قال:
فأخذ بلحيته، فقال: أنت أبو جهل ؟ فقال: وهل فوق رجل
قتلتموه ؟ أو قال: قتله قومه.
قال: وقال أبو مجلز: قال أبو جهل: فلو غير أكار قتلني ؟ !
".
واللفظ لمسلم.
وقوله " وهل فوق رجل قتلتموه: أي لا عار علي في قتلكم
إياي.
وقوله " فلو غير أكار قتلني " الاكار: الزراع والفلاح.
والمعنى: لو كان الذي قتلني غير أكار لكان أحب إلى وأعظم
لشأني، ولم يكن علي نقص في ذلك.
(*)
(1/483)
ثم قال: أيها الناس، إن الله عزوجل ربنا، وإن الاسلام
ديننا، وإن القرآن إمامنا، وإن البيت قبلتنا، وإن هذا
نبينا - وأومأ إلى النبي، صلى الله عليه وسلم، - رضينا ما
رضي الله لنا ورسوله، وكرهنا ما كره الله لنا ورسوله،
والسلام عليكم.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أصاب ابن أم عبد
وصدق، رضيت بما رضي الله لامتي وابن أم عبد، وكرهت ما كره
الله لامتي وابن أم عبد " (1).
إسناده منقطع، رواه الطبراني في معجمه، ونقلته من خط
الحافظ عبد الغني هكذا ابن خثيم (2) وإنما هو سعيد (3) بن
جبير، عن أبي الدرداء هكذا هو في " تاريخ دمشق "، ورواه
محمد بن جعفر الوركاني عن أبي شهاب نحوه.
وسعيد لم يدرك أبا الدرداء، ولا أدري من هو محتسب.
إسرائيل: عن أبي إسحاق، سمعت عبد الرحمن بن يزيد قال: قلنا
لحذيفة: أخبرنا برجل قريب السمت والدل برسول الله صلى الله
عليه وسلم حتى نلزمه، قال: ما أعلم أحدا أقرب سمتا ولا
هديا ولا دلا من رسول الله، صلى الله عليه وسلم، حتى
يواريه جدار بيته من ابن أم عبد.
ولقد علم المحفوظون من أصحاب محمد أن ابن أم عبد من أقربهم
إلى الله زلفة (4).
__________
(1) ذكره الهيثمي في " المجمع " 9 / 290، وقال: رواه
الطبراني ورجاله ثقات، إلا أن عبد الله
ابن عثمان بن خيثم لم يسمع من أبي الدرداء، وقد تحرفت خثيم
في المطبوع.
إلى " خيثمة ".
(2) في الاصل " ابن خيثمة " والصواب ابن خثيم كما تقدم،
وذكر الحديث الهيثمي في " المجمع " 9 / 290 وأعله
بالانقطاع.
وفاته أن محتسبا مجهول كما قال المؤلف.
هذا إذا كان سند الطبراني هو الذي ساقه المؤلف.
(3) تحرفت في المطبوع إلى " سعد ".
(4) أخرجه الترمذي (3809) في المناقب: باب عبد الله بن
مسعود، وقال: حديث حسن صحيح.
وهو كما قال.
وأخرجه البخاري في الفضائل (3762): باب مناقب عبد الله بن
مسعود، وأحمد 5 / 401، 402، وابن سعد 3 / 1 / 109 كلهم من
طريق: شعبة، عن أبي إسحاق، عن عبد = (*)
(1/484)
قوله: ولقد علم...الخ رواه غندر عن شعبة، عن أبي إسحاق،
قال: حدثني الاعمش، عن أبي وائل، عن حذيفة.
نعيم (1): حدثنا ابن المبارك، عن الاعمش، عن أبي وائل أن
عبد الله ذكر عثمان فقال: أهلكه الشح وبطانة السوء (2).
الفسوي: حدثنا ابن نمير، حدثنا أبو معاوية، حدثنا الاعمش،
عن إبراهيم، عن علقمة قال: كان عبد الله يشبه النبي، صلى
الله عليه وسلم، في هديه ودله وسمته، وكان علقمة يشبه بعبد
الله (3).
الثوري: عن أبي إسحاق، عن حارثة بن مضرب قال: كتب عمر بن
__________
= الرحمن بن يزيد، عن حذيفة إلى قوله " من ابن أم عبد ".
وأخرجه البخاري (6097) في الادب: باب الهدي الصالح، وابن
سعد 3 / 1 / 109، والفسوي في " المعرفة والتاريخ " 2 /
540، 542 كلهم من طريق الاعمش، عن شقيق، عن حذيفة.
(1) هو نعيم بن حماد بن حارث الخزاعي، وهو ضعيف يخطئ
كثيرا.
(2) إسناده ضعيف لضعف نعيم بن حماد كما تقدم.
وأما متنه فمنكر ولا يصح.
لان عثمان،
رضي الله عنه، قد عرف بالسخاء والبذل في سبيل الله.
فالكرم سجية من سجاياه تميزه عمن سواه.
فهو الذي نثر في حجر النبي، صلى الله عليه وسلم، ألف دينار
لتجهيز جيش العسرة كما روى أحمد 5 / 63 بسند حسن، والترمذي
(3702) وحسنه أيضا.
وفيه " أن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: " ما ضر ابن
عفان ما عمل بعد اليوم، يرددها مرارا ".
وعبارة " أهلكه الشح " افتراء على رجل شهد له النبي، صلى
الله عليه وسلم، بالشهادة والجنة - كما روى البخاري،
والترمذي، والنسائي - ولا يمكن أن يصدر مثل هذا القول عن
صحابي جليل كابن مسعود، يعلم مكانة عثمان في الاسلام،
وتقدير النبي، صلى الله عليه وسلم، له وقوله فيه، و عبد
الله بن مسعود هو الذي قال: " أمرنا خير من بقي ولم نأله "
ولحظة الانفعال التي مر بها عبد الله حينما أمر عثمان ومعه
كل الصحابة بحرق المصاحف، ليجمعهم - المسلمين في كل
الامصار - على مصحف حفصة ولهجة قريش، هذا الانفعال سرعان
ما زال، فقد روى حمزة وعاصم عنه عودته إلى رأي الصحابة
الكرام وإجماعهم على ذلك، انظر " تفسير القرطبي " 10 /
7171، ومن أراد أن يقف على دراسة صحيحة، جادة، متأنية،
وافيه فليرجع إلى كتاب: " عثمان بن عفان الخليفة المفترى
عليه " للاستاذ الفاضل: محمد الصادق عرجون.
(3) أخرجه الفسوي في " المعرفة والتاريخ " 2 / 545 وإسناده
صحيح.
وهو عند ابن سعد 3 / 1 / 109.
(*)
(1/485)
الخطاب إلى أهل الكوفة: إنني قد بعثت إليكم عمارا أميرا،
وابن مسعود معلما ووزيرا، وهما من النجباء من أصحاب محمد،
صلى الله عليه وسلم، من أهل بدر، فاسمعوا لهما واقتدوا
بهما، وقد آثرتكم بعبد الله على نفسي (1).
الاعمش: عن خيثمة قال: كنت جالسا عند عبد الله بن عمرو،
فذكر ابن مسعود، فقال: لا أزال أحبه بعد إذ سمعت رسول
الله، صلى الله عليه وسلم، يقول: " استقرؤوا القرآن من
أربعة: من عبد الله بن مسعود، فبدأ به، وأبي بن كعب،
ومعاذ بن جبل، وسالم مولى أبي حذيفة " (2).
أخرجه النسائي.
وقد رواة شعبة، ووكيع، وسفيان، وأبو معاوية، ويعلى عن
الاعمش، عن أبي وائل، عن مسروق، عن عبد الله بن عمرو،
فلعله عند الاعمش بالاسنادين.
وقد رواه شعبة أيضا عن عمرو بن مرة، عن إبراهيم، عن مسروق،
ورواه زيد بن أبي أنيسة، عن طلحة بن مصرف، عن مسروق.
أخبرنا ابن علان وغيره كتابة أن حنبل بن عبد الله أخبرهم
قال: أنبأنا ابن الحصين، حدثنا ابن المذهب، أنبأنا
القطيعي، حدثنا عبد الله بن أحمد، حدثني أبي، حدثنا الاسود
بن عامر، أنبأنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن خمير بن مالك،
قال: أمر بالمصاحف أن تغير، فقال ابن مسعود: من استطاع
منكم أن يغل مصحفه فليغله فإنه من غل شيئا جاء به يوم
القيامة.
ثم قال: لقد قرأت من فم رسول الله، صلى الله عليه وسلم،
سبعين سورة أفأترك ما أخذت من في رسول
__________
(1) أخرجه ابن سعد 3 / 1 / 182، والحاكم 3 / 388 وصححه،
ووافقه الذهبي، والفسوي في " المعرفة والتاريخ " 2 / 533.
(2) انظر الصفحة (395) تعليق رقم (2).
(*)
(1/486)
الله، صلى الله عليه وسلم ؟ ! (1).
أخرجه أبو داود الطيالسي في " مسنده " عن عمرو بن ثابت، عن
أبي إسحاق، عن خمير: سمعت ابن مسعود: إني غال مصحفي، وذكر
الحديث (2).
الواقدي: أنبأنا الثوري، عن أبي إسحاق، عن زيد بن وهب قال:
قدم علينا عبد الله، فدخلنا إليه، فقلنا: اقرأ علينا سورة
البقرة، قال: لا أحفظها.
تفرد به الواقدي وهو متروك (3).
إبراهيم بن سعد: عن الزهري قال: أخبرني عبيدالله بن عبد
الله أن ابن مسعود كره لزيد بن ثابت نسخ المصاحف، وقال: يا
معشر المسلمين ! أعزل عن نسخ المصاحف، ويولاها رجل والله
لقد أسلمت وإنه لفي صلب أبيه كافر، يريد زيد بن ثابت،
ولذاك يقول عبد الله: يا أهل الكوفة ! اكتموا المصاحف التي
عندكم وغلوها، فإن الله قال: (ومن يغلل يأت بما غل يوم
القيامة) فالقوا الله بالمصاحف (4).
قال الزهري: فبلغني أن ذلك كره من مقالة ابن مسعود، كرهه
رجال من
__________
(1) إسناده حسن، وهو في " المسند " 1 / 414، و " الحلية "
1 / 125، وقد تقدم في الصفحة (472) تعليق رقم (4).
(2) أخرجه أبو نعيم في " الحلية " 1 / 125، والطيالسي 1 /
151، وتمامه: " فمن استطاع أن يغل مصحفه فليفعل، فإن الله
تعالى يقول: (ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة) ولقد أخذت
من في رسول الله، صلى الله عليه وسلم، سبعين سورة، وإن زيد
بن ثابت لصبي من الصبيان.
فأنا أوعى ما أخذت من في رسول الله، صلى الله عليه وسلم، "
وانظر ما سبقه.
(3) سقط من المطبوع عبارة " تفرد به الواقدي وهو متروك ".
(4) رجاله ثقات.
لكنه منقطع.
عبيدالله بن عبد الله أرسل عن عم أبيه عبد الله بن مسعود.
وأخرجه الترمذي ضمن الحديث (3104) في التفسير: باب ومن
سورة التوبة.
وابن أبي داود في " المصاحف " ص (17) وانظر " فتح الباري "
9 / 17: باب جمع القرآن.
(*)
(1/487)
الصحابة.
أبو يعلى الموصلي: حدثنا سعيد بن أشعث، حدثنا الهيصم بن
شداخ، سمعت الاعمش، عن يحيى بن وثاب، عن علقمة، عن عبد
الله قال: عجب
للناس وتركهم قراءتي وأخذهم قراءة زيد، وقد أخذت من في
رسول الله، صلى الله عليه وسلم، سبعين سورة، وزيد صاحب
ذؤابة يجئ ويذهب في المدينة (1).
سعدويه: حدثنا أبو شهاب، عن الاعمش، عن أبي وائل قال: خطب
ابن مسعود على المنبر، فقال: غلوا مصاحفكم، كيف تأمروني أن
أقرأ على قراءة زيد، وقد قرأت من في رسول الله، صلى الله
عليه وسلم، بضعا وسبعين سورة، وإن زيدا ليأتي مع الغلمان
له ذؤابتان (2).
قلت: إنما شق على ابن مسعود، لكون عثمان ما قدمه على كتابة
المصحف، وقدم في ذلك من يصلح أن يكون ولده، وإنما عدل عنه
عثمان لغيبته عند بالكوفة، ولان زيدا كان يكتب الوحي لرسول
الله، صلى الله عليه وسلم، فهو إمام في الرسم، وابن مسعود
فإمام في الاداء، ثم إن زيدا هو الذي ندبه الصديق لكتابة
المصحف وجمع القرآن، فهلا عتب على أبي بكر ؟ وقد ورد أن
ابن مسعود رضي وتابع عثمان ولله الحمد.
وفي مصحف ابن مسعود أشياء أظنها نسخت، وأما زيد فكان أحدث
القوم بالعرضة الاخيرة التي عرضها النبي، صلى الله عليه
وسلم، عام توفي، على جبريل.
__________
(1) إسناده لا يصح.
فقد قال ابن حبان في هيصم بن شداخ، شيخ يروي عن الاعمش
الطامات في الروايات، لا يجوز الاحتجاج به.
ووقع في الاصل " هيثم " بدل هيصم وهو تحريف.
وأخرجه أبو نعيم في " الحلية " 1 / 125 وقد تصحف فيها "
هيصم " إلى " هيصم " و " شداخ " إلى " شراخ ".
(2) الفسوي في " المعرفة والتاريخ " 2 / 537، وابن أبي
داود في " المصاحف " ص (15، 16) من طريق سعدويه (سعيد بن
سليمان) وأيوب بن مسلمة كلاهما عن أبي شهاب (موسى بن نافع)
عن الاعمش، عن أبي وائل...(*)
(1/488)
قال عبد السلام بن حرب: عن الاعمش، عن إبراهيم، عن علقمة
قال:
قدمت الشام، فلقيت أبا الدرداء، فقال: كنا نعد عبد الله
حنانا فما باله يواثب الامراء ؟.
رواه ابن أبي داود في " المصاحف " (1).
وبإسنادين في " مسند أحمد ": حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا
شعبة، عن عبد الرحمن بن عابس، قال: حدثنا رجل من همدان من
أصحاب عبد الله، قال: لما أراد عبد الله أن يأتي المدينة،
جمع أصحابه، فقال: والله إني لارجو أن يكون قد أصبح اليوم
فيكم من أفضل ما أصبح في أجناد المسلمين من الدين والعلم
بالقرآن والفقه، إن هذا القرآن أنزل على حروف، والله إن
كان الرجلان ليختصمان أشد ما اختصما في شئ قط، فإذا قال
القارئ: هذا أقرأني، قال: أحسنت.
وإنما هو كقول أحدكم لصاحبه: أعجل وحي هلا (2).
أبو معاوية: عن الاعمش، عن زيد بن وهب قال: لما بعث عثمان
إلى ابن مسعود يأمره بالمجئ إلى المدينة، اجتمع إليه
الناس، فقالوا: أقم فلا تخرج، ونحن نمنعك أن يصل إليك شئ
تكرهه.
فقال: إن له علي طاعة، وإنها ستكون أمور وفتن لا أحب أن
أكون أول من فتحها.
فرد الناس وخرج إليه (3).
محمد بن سنجر (4) في " مسنده ": حدثنا سعيد بن سليمان،
حدثنا عباد،
__________
(1) أخرجه ابن أبي داود في " المصاحف " ص (18).
وقوله " كنا نعد عبد الله حنانا " إنما هو وصف له بالعطف
والرحمة ولين الجانب.
(2) أخرجه أحمد 1 / 405 بأطول مما هنا.
والرجل من همدان مجهول، وباقي رجاله ثقات.
(3) رجاله ثقات.
وذكره الحافظ في " الفتح " 6 / 217 ونسبه إلى ابن سعد من
طريق الاعمش قال: قال زيد بن وهب:...(4) مترجم في " تذكرة
الحفاظ " للمؤلف ص (578).
(*)
(1/489)
عن سفيان بن حسين، عن يعلى بن مسلم، عن جابر بن زيد، عن
ابن عباس قال: آخى النبي، صلى الله عليه وسلم، بين الزبير
وابن مسعود.
قد مر مثل هذا من وجه آخر قوي (1).
شريك: عن عطاء بن السائب، عن أبي عبد الرحمن السلمي، عن
عبد الله قال: كنا إذا تعلمنا من النبي، صلى الله عليه
وسلم، عشر آيات لم نتعلم من العشر التي نزلت بعدها حتى
نعلم ما فيها، يعني من العلم (2).
مسعر: عن عمرو بن مرة، عن أبي البختري قال: سئل علي عن ابن
مسعود، فقال: قرأ القرآن، ثم وقف عنده، وكفي به (3).
وروي نحوه من وجه آخر عن علي وزاد: وعلم السنة (4).
وأخرج مسلم من حديث الاعمش، عن مالك بن الحارث، عن أبي
الاحوص، قال: أتينا أبا موسى، فوجدت عنده عبد الله وأبا
مسعود، وهم ينظرون في مصحف، فتحدثنا ساعة، ثم راح عبد
الله، فقال أبو مسعود: لا والله، لا أعلم رسول الله، صلى
الله عليه وسلم، ترك أحدا أعلم بكتاب الله من هذا القائم
(5).
__________
(1) إسناده صحيح، وقد تقدم في الصفحة (467)، تعليق رقم
(1).
(2) شريك سيئ الحفظ، وعطاء بن السائب اختلط.
وأخرجه الطبري في " تفسيره " 1 / 36 من طريق جرير، عن
عطاء، عن أبي عبد الرحمن، قال: حدثنا الذين كانوا يقرئوننا
أنهم كانوا يستقرثون من النبي، صلى الله عليه وسلم، فكانوا
إذا تعلموا عشر آيات لم يخلفوها حتى يعملوا بما فيها من
العمل.
فتعلمنا القرآن والعمل جميعا ".
وجرير روى عن عطاء بعد الاختلاط.
وأخرج الطبري 1 / 35 في " تفسيره " من طريق الحسين بن
واقد، عن الاعمش عن شقيق، عن ابن مسعود قال: كان الرجل منا
إذا تعلم عشر آيات لم يجاوزهن حتى يعرف معانيهن، والعمل
بهن " وإسناده حسن.
(3) أخرجه الحاكم 3 / 318 وصححه، ووافقه الذهبي، وأبو نعيم
في " الحلية " 1 / 129.
(4) أخرجه الحاكم 3 / 315.
(5) أخرجه مسلم (2461) (113) والفسوي في " المعرفة
والتاريخ " 2 / 414 وانظر الصفحة (468)، التعليق رقم (1).
(*)
(1/490)
الاعمش: عن زيد بن وهب قال: إني لجالس مع عمر بن الخطاب،
إذ جاء ابن مسعود، فكاد الجلوس يوارونه من قصره، فضحك عمر
حين رآه، فجعل عمر يكلمه، ويتهلل وجهه، ويضاحكه، وهو قائم
عليه، ثم ولى، فأتبعه عمر بصره حتى توارى، فقال: كنيف ملئ
علما (1).
معن بن عيسى: حدثنا معاوية بن صالح، عن أسد بن وداعة أن
عمر ذكر ابن مسعود فقال: كنيف ملئ علما آثرت به أهل
القادسية.
عفان: حدثنا وهيب (2)، عن داود، عن عامر أن مهاجر عبد الله
كان بحمص.
فجلاه (3) عمر إلى الكوفة، وكتب إليهم: إني والله الذي لا
إله إلا هو آثرتكم به على نفسي، فخذوا منه (4).
عبيدالله بن موسى: عن مسعر، عن عمرو بن مرة، عن أبي عبيدة
قال: سافر عبد الله سفرا يذكرون أن العطش قتله وأصحابه،
فذكر ذلك لعمر، فقال: لهو أن يفجر الله له عينا يسقيه منها
وأصحابه أظن عندي من أن يقتله عطشا (5).
هشيم: حدثنا سيار، عن أبي وائل أن ابن مسعود رأى رجلا قد
أسبل،
__________
(1) أخرجه ابن سعد 3 / 1 / 110 وأبو نعيم في " الحلية " 1
/ 129، وأخرجه الفسوي 2 / 543 في " المعرفة والتاريخ "، من
طريق: عبد الرزاق عن الثوري، عن الاعمش، عن زيد بن
وهب،...وإسناده صحيح.
وكنيف: تصغير كنف، وهو الوعاء، وهو تصغير تعظيم كقول
الحباب بن المنذر: أنا جذيلها المحكك، وعذيقها المرجب...".
(2) تحرفت في المطبوع إلى " وهب ".
(3) تحرفت في المطبوع إلى " فحمله ".
(4) أخرجه ابن سعد 3 / 1 / 111 ورجاله ثقات، لكنه منقطع.
وعامر هو الشعبي.
(5) أخرجه الفسوي 2 / 543 في " المعرفة والتاريخ ".
ورجاله ثقات إلا أن أبا عبيدة لم يسمع من أبيه فهو منقطع.
(*)
(1/491)
فقال: ارفع إزارك، فقال: وأنت يا ابن مسعود فارفع إزارك،
قال: إن بساقي حموشة وأنا أوم الناس.
فبلغ ذلك عمر، فجعل يضرب الرجل، ويقول: أترد على ابن مسعود
؟ (1).
معمر: عن زيد بن رفيع، عن أبي عبيدة قال: أرسل عثمان إلى
أبي عبد الله بن مسعود يسأله عن رجل طلق امرأته، ثم راجعها
حين دخلت في الحيضة الثالثة، فقال أبي: وكيف يفتي منافق ؟
فقال عثمان: نعيذك بالله أن تكون هكذا، قال: هو أحق بها ما
لم تغتسل من الحيضة الثالثة (2).
قبيصة: حدثنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن حبة بن جوين قال:
لما قدم علي الكوفة، أتاه نفر من أصحاب عبد الله، فسألهم
عنه حتى رأوا أنه يمتحنهم، فقال: وأنا أقول فيه مثل الذي
قالوا وأفضل، قرأ القرآن، وأحل حلاله، وحرم حرامه، فقيه في
الدين، عالم بالسنة (3).
وفي " مستدرك الحاكم " من رواية الاعمش، عن عمرو بن مرة،
عن أبي البختري، عن علي وقيل له: أخبرنا عن عبد الله،
فقال: علم الكتاب والسنة، ثم انتهى (4).
وقال الاعمش: عن أبي عمرو الشيباني: إن أبا موسى استفتي في
شئ من الفرائض، فغلط، وخالفه ابن مسعود، فقال أبو موسى: لا
تسألوني عن شئ
__________
(1) رجاله ثقات، وهشيم صرح بالتحديث فانتفت شبهة تدليسه،
وقد ذكره الحافظ ابن حجر في " الاصابة " 6 / 217 ونسبه إلى
البغوي، من طريق: سيار، عن أبي وائل، عن ابن مسعود.
(2) رجاله ثقات، لكنه منقطع.
(3) سنده حسن، وأخرجه ابن سعد 3 / 1 / 110.
(4) أخرجه الحاكم 3 / 318 وصححه، ووافقه الذهبي.
وهو كما قالا.
وأخرجه أبو نعيم في " الحلية " 1 / 129، والفسوي 2 / 540
في " المعرفة والتاريخ "، بأطول مما هنا.
(*)
(1/492)
ما دام هذا الحبر بين أظهركم (1).
وروى نحوه أبو بكر بن عياش، عن أبي حصين، عن أبي عطية.
وروى غندر عن شعبة، عن أبي قيس، عن هزيل بن شرحبيل بنحو
ذلك.
يعلى بن عبيد: عن الاعمش، عن أبي إسحاق، عن أبي عبيدة قال:
سمعت أبا موسى يقول: مجلس كنت أجالسه ابن مسعود أوثق في
نفسي من عمل سنة (2).
الثوري: [ عن الاعمش ] عن عمارة بن عمير، عن حريث بن ظهير
قال: جاء نعي عبد الله إلى أبي الدرداء، فقال: ما ترك بعده
مثله (3).
سمعها يحيى القطان من سفيان.
أبو حفص الابار: عن منصور، عن مسلم، عن مسروق قال: شاممت
أصحاب محمد، صلى الله عليه وسلم، فوجدت علمهم انتهى إلى
ستة: علي، وعمر، وعبد الله، وزيد، وأبي الدرداء، وأبي.
ثم شاممت الستة، فوجدت علمهم انتهى
__________
(1) أخرجه أحمد 1 / 463، والبخاري 12 / 13، 14 في الفرائض:
باب ميراث ابنة ابن مع ابنة من طريق شعبة، عن أبي قيس، عن
هزيل بن شرحبيل.
وأخرجه أبو داود (2890) في الفرائض: باب ما جاء في ميراث
الصلب من طريق الاعمش، عن أبي قيس الاودي، عن هزيل بن
شرحبيل.
وأخرجه الدارمي 2 / 348، والترمذي (2093) وابن ماجه (2721)
ثلاثتهم في الفرائض، من طريق سفيان الثوري، عن أبي قيس
الاودي، عن هزيل بن شرحبيل، قال: " سئل أبو موسى الاشعري
عن ابنة، وابنة ابن، وأخت، فقال: للابنة النصف وللاخت
النصف، وإن ابن مسعود سيتابعني.
فسئل ابن مسعود، وأخبر بقول أبي موسى، فقال: لقد ضللت إذا،
وما أنا من المهتدين.
أقضي فيها بما قضى النبي، صلى الله عليه وسلم: للابنة
النصف، ولا بنة الابن السدس تكملة الثلثين، وما بقي
فللاخت.
فأتينا أبا موسى وأخبرناه بقول ابن مسعود فقال: لا تسألوني
ما دام هذا الحبر فيكم ".
(2) رجاله ثقات، لكنه منقطع.
وأخرجه الفسوي 2 / 545 في " المعرفة والتاريخ ".
(3) أخرجه البخاري في " التاريخ الصغير " 1 / 60 من طريق
مسدد، عن يحيى القطان عن سفيان حدثني الاعمش، عن عمارة، عن
حريث بن ظهير، وحريث بن ظهير هذا مجهول كما في التقريب.
وباقي رجاله ثقات وسقط " عن الاعمش " من الاصل فاستدركناه
من " التاريخ ".
(*)
(1/493)
إلى علي، و عبد الله (1).
وبعضهم يرويه عن منصور فقال: عن الشعبي، عن مسروق، وقيل
غير ذلك.
وقال أبو وائل: ما أعدل بابن مسعود أحدا.
عبد الله بن إدريس: عن مالك بن مغول، قال: قال الشعبي: ما
دخل الكوفة أحد من الصحابة أنفع علما ولا أفقه صاحبا من
عبد الله.
وبإسناد " مسند أحمد ": حدثنا يحيى بن أبي بكير، حدثنا
إسرائيل، عن أبي حصين، عن يحيى بن وثاب، عن مسروق قال:
حدثنا عبد الله يوما فقال: قال رسول الله، صلى الله عليه
وسلم، فرعد حتى رعدت ثيابه، ثم قال نحو ذا أو شبيها بذا
(2).
رواه عبيدالله بن موسى عن إسرائيل فأبدل ابن وثاب بالشعبي.
وروى نحوه مسلم البطين وغيره عن عمرو بن ميمون فقال
القعنبي: حدثنا
سفيان، عن عمار الدهني، عن مسلم، عن عمرو بن ميمون قال:
صحبت عبد الله ثمانية عشر شهرا فما سمعته يحدث عن رسول
الله، صلى الله عليه وسلم، إلا حديثا واحدا.
فرأيته يفرق، ثم غشيه بهر، ثم قال نحوه أو شبهه (3).
مسعر: عن معن بن عبد الرحمن، عن عون بن عبد الله، عن أخيه
عبيدالله قال: كان عبد الله إذا هدأت العيون، قام فسمعت له
دويا كدوي النحل (4).
__________
(1) رجاله ثقات.
ومسلم هو ابن صبيح أبو الضحى.
وأخرجه الفسوي في " المعرفة والتاريخ " 1 / 444 - 445 من
طريق زياد البكائي، وجرير الضبي، عن منصور، عن الشعبي، عن
مسروق...ومن طريق: سفيان، عن منصور، عن مالك بن الحارث -
أو بعض أصحابه - عن مسروق...وعن أبي إسحاق الشيباني، عن
عامر الشعبي...ومن طريق: جعفر بن زياد، عن منصور، عن
مسروق.
(2) رجاله ثقات، وأخرجه أحمد 1 / 423، وابن سعد 3 / 1 /
111.
(3) أخرجه الحاكم 3 / 314 وابن سعد 3 / 1 / 110، والفسوي 2
/ 548 في " المعرفة والتاريخ ".
(4) أخرجه الفسوي في " المعرفة والتاريخ " 2 / 548، وابن
سعد 3 / 1 / 110.
(*)
(1/494)
ابن إسحاق قال: حدثني زياد مولى ابن عياش قال: كان ابن
مسعود حسن الصوت بالقرآن.
حميد بن الربيع: حدثنا أبو أسامة، حدثنا مسعر، عن عبد
الملك بن عمير، عن زيد بن وهب قال: رأيت بعيني عبد الله
أثرين أسودين من البكاء (1).
الاعمش: عن إبراهيم التيمي، عن الحارث بن سويد قال: أكثروا
على عبد الله يوما، فقال: والله الذي لا إله غيره لو
تعلمون علمي، لحثيتم التراب على رأسي (2).
روي من غير وجه.
وفي " مستدرك الحاكم " للثوري، عن الاعمش، عن إبراهيم
التيمي، عن أبيه قال: قال عبد الله: لو تعلمون ذنوبي، ما
وطئ عقبي اثنان، ولحثيتم التراب على رأسي، ولوددت أن الله
غفر لي ذنبا من ذنوبي، وأني دعيت عبد الله بن روثة (3).
قال علقمة: جلست إلى أبي الدرداء، فقال: ممن أنت ؟ قلت: من
الكوفة.
فقال: أو ليس عندكم ابن أم عبد، صاحب النعلين، والوساد،
والمطهرة، وفيكم صاحب السر، وفيكم الذي أجاره الله من
الشيطان على
__________
(1) حميد بن الربيع لا يحتج به.
(2) أخرجه الحاكم 3 / 315، وأبو نعيم في " الحلية " 1 /
133، والفسوي 2 / 546 في " المعرفة والتاريخ ".
(3) أخرجه الحاكم 3 / 316، والفسوي 2 / 548 في " المعرفة
والتاريخ "، وقد تحرفت " روثة " إلى " رؤبة " في المطبوع.
(*)
(1/495)
لسان نبيه ؟ (1).
عن القاسم بن عبد الرحمن أن ابن مسعود كان يقول في دعائه:
خائف مستجير، تائب، مستغفر، راغب، راهب.
الاعمش: عمن حدثه قال: قال عبد الله بن مسعود: لو سخرت من
كلب، لخشيت أن أكون كلبا، وإني لاكره أن أرى الرجل فارغا
ليس في عمل آخرة ولا دنيا (2) وكيع: حدثنا المسعودي، عن
علي بن بذيمة، عن قيس بن حبتر قال: قال عبد الله بن مسعود:
حبذا المكروهان الموت والفقر.
وايم الله ما هو إلا الغنى
والفقر ما أبالي بأيهما ابتدئت: إن كان الفقر إن فيه
للصبر، وإن كان الغنى إن فيه للعطف، لان حق الله في كل
واحد منهما واجب (3).
الثوري: عن أبي قيس، عن هزيل بن شرحبيل، عن عبد الله قال:
من أراد الآخرة أضر بالدنيا، ومن أراد الدنيا، أضر
بالآخرة، يا قوم فأضروا (4) بالفاني للباقي (5).
أبو عبد الرحمن المقرى: حدثنا ابن أبي أيوب سعيد، حدثني
عبد الله
__________
(1) أخرجه البخاري 7 / 71، 73 في فضائل أصحاب النبي، صلى
الله عليه وسلم: باب مناقب عمار وحذيفة ومناقب عبد الله بن
مسعود، وفي بدء الخلق: باب صفة إبليس وجنوده، وفي
الاستئذان: باب من ألقي له وسادة، وهو في " المسند " 6 /
448، 449، 451، وأخرجه الحاكم 3 / 316، وصححه، ووافقه
الذهبي، وهو في " الحلية " 1 / 126، وفي " المعرفة
والتاريخ " 2 / 534، وصاحب السر هو حذيفة، والذي أجاره
الله من الشيطان هو عمار بن ياسر.
(2) أخرجه أبو نعيم في " الحلية " 1 / 130 من طريق الاعمش،
عن ابن وثاب عن ابن مسعود...ومن طريق الاعمش، عن المسيب بن
رافع، عن ابن مسعود.
(3) أخرجه أبو نعيم في " الحلية " 1 / 132.
(4) تحرفت في المطبوع إلى " فأخروا ".
(5) رجاله ثقات.
(*)
(1/496)
ابن الوليد، سمعت عبد الرحمن بن حجيرة يحدث عن ابن مسعود
أنه كان يقول إذا قعد: إنكم في ممر الليل والنهار في آجال
منقوصة، وأعمال محفوظة، والموت يأتي بغتة، من زرع خيرا
يوشك أن يحصد رغبة، ومن زرع شرا يوشك أن يحصد ندامة، ولكل
زارع مثل ما زرع، لا يسبق بطئ بحظه، ولا يدرك حريص ما لم
يقدر له، فمن أعطي خيرا، فالله أعطاه، ومن
وقي شرا، فالله وقاه، المتقون سادة، والفقهاء قادة،
ومجالستهم زيادة (1).
العلاء بن خالد: عن أبي وائل، عن عبد الله قال: ارض بما
قسم الله تكن من أغنى الناس، واجتنب المحارم تكن من أورع
الناس، وأد ما افترض عليك تكن من أعبد الناس.
علي بن الاقمر: عن عمرو بن جندب، عن ابن مسعود قال: جاهدوا
المنافقين بأيديكم، فإن لم تستطيعوا، فبألسنتكم، فإن لم
تستطيعوا إلا أن تكفهروا في وجوههم، فافعلوا.
سيف بن عمر: عن عطية، عن أبي سيف أن ابن مسعود ترك عطاءه
حين مات عمر.
وفعل ذلك رجال من أهل الكوفة أغنياء، واتخذ لنفسه ضيعة
براذان (2) فمات عن تسعين ألف مثقال، سوى رقيق وعروض
وماشية رضي الله عنه.
وكيع: عن أبي عميس، عن عامر بن عبد الله بن الزبير قال:
أوصى ابن مسعود وكتب: إن وصيتي إلى الله وإلى الزبير بن
العوام، وإلى ابنه عبد الله بن
__________
(1) أخرجه أبو نعيم في " الحلية " 1 / 133 - 134.
(2) بعد الالف ذال معجمة، وآخره نون، راذان الاسفل، وراذان
الاعلى: كورتان بسواد بغداد تشتملان على قرى
كثيرة...انظرها في " معجم البلدان ".
(*)
(1/497)
الزبير، وإنهما في حل وبل (1) مما قضيا في تركني، وإنه لا
تزوج امرأة من نسائي إلا بإذنهما (2).
قلت: كان قد قدم على عثمان وشهد في طريقه بالربذة (3) أبا
ذر، وصلى عليه.
السري بن يحيى: عن أبي شجاع، عن أبي ظبية قال: مرض عبد
الله،
فعاده عثمان، وقال: ما تشتكي ؟ قال: ذنوبي، قال: فما تشتهي
؟ قال: رحمة ربي، قال: ألا آمر لك بطبيب ؟ قال: الطبيب
أمرضني، قال: ألا آمر لك بعطاء ؟ قال: لا حاجة لي فيه.
كذا رواه سعيد بن مريم وعمرو بن الربيع.
ورواه ابن وهب، فقال: عن شجاع.
ورواه عثمان بن يمان وحجاج بن نصير عن السري، عن شجاع، عن
أبي فاطمة.
الفسوي: حدثنا ابن نمير، حدثنا يزيد، عن إسماعيل بن أبي
خالد، عن قيس قال: دخل الزبير على عثمان رضي الله عنه بعد
وفاة عبد الله فقال: أعطني عطاء عبد الله، فعيال عبد الله
أحق به من بيت المال.
فأعطاه خمسة عشر ألفا (4).
__________
(1) تحرفت في المطبوع إلى " ومل ".
وفي " اللسان ": هو لك حل وبل.
فبل: شفاء.
وهي من قولهم: بل فلان من مرضه وأبل إذا برأ.
ويقال: بل: مباح مطلق، وهي يمانية حميرية.
ويقال: بل إتباعا لحل.
(2) أخرجه ابن سعد 3 / 1 / 112.
(3) الربذة: قرية من قرى المدينة، على ثلاثة أيام، قريبة
من ذات عرق على طريق الحجاز.
وبها قبر الصحابي الجليل أبي ذر الغفاري.
(4) أخرجه ابن سعد 3 / 1 / 113، من طريق يزيد بن هارون بن،
ورجاله ثقات.
(*)
(1/498)
حفص بن غياث: عن هشام بن عروة، عن أبيه قال: وكان عثمان
حرمه عطاءه سنتين (1).
يحيى الحماني: عن شريك، عن أبي إسحاق أن ابن مسعود أوصى
إلى الزبير أن يصلي عليه.
وعن عبيد الله بن عبد الله قال: مات ابن مسعود بالمدينة،
ودفن بالبقيع سنة اثنتين وثلاثين، وكان نحيفا، قصيرا شديد
الادمة.
وكذا أرخه فيها جماعة.
وعن عون بن عبد الله وغيره: أنه عاش بضعا وستين سنة.
وقال يحيى بن أبي عتبة: عاش ثلاثا وستين سنة، وقال هو
ويحيى بن بكير: مات سنة ثلاث وثلاثين.
قلت لعله مات في أولها.
وقال بعضهم: مات قبل عثمان بثلاث سنين (2).
أنبأنا أحمد بن سلامة وجماعة، عن أبي جعفر الصيدلاني،
أخبرتنا فاطمة بنت عبد الله، أنبأنا ابن ريذة، أنبأنا
الطبراني، حدثنا علي بن عبد العزيز، وبشر قالا: حدثنا أبو
نعيم، حدثنا الاعمش، عن إبراهيم، عن علقمة قال: جاء رجل
إلى عمر، فقال: إني جئتك من عند رجل يملي المصاحف عن ظهر
قلب.
ففزع عمر، فقال: ويحك انظر ما تقول.
وغضب، فقال: ما جئتك إلا بالحق.
قال: من هو ؟ قال: عبد الله بن مسعود.
فقال: ما أعلم أحدا أحق بذلك منه، وسأحدثك عن عبد الله:
إنا سمرنا ليلة في بيت أبي بكر في بعض ما يكون من حاجة
النبي، صلى الله عليه وسلم، ثم خرجنا ورسول الله، صلى الله
عليه وسلم، بيني وبين أبي بكر، فلما انتهينا إلى المسجد
إذا رجل يقرأ، فقام النبي، صلى الله عليه وسلم، يستمع
إليه، فقلت: يا رسول الله ! أعتمت، فغمزني بيده: اسكت،
قال: فقرأ وركع
__________
(1) أخرجه ابن سعد 3 / 1 / 113، ورجاله ثقات إلا أنه
منقطع.
(2) للاطلاع على مزيد من هذه الروايات، انظر " تاريخ بغداد
" 1 / 150.
(*)
(1/499)
وسجد، وجلس يدعو ويستغفر، فقال النبي، صلى الله عليه وسلم:
" سل تعطه " ثم قال: " من سره أن يقرأ القرآن رطبا كما
أنزل، فليقرأ قراءة ابن أم عبد ".
فعلمت أنا وصاحبي أنه عبد الله.
فلما أصبحت غدوت إليه لابشره، فقال: سبقك بها أبو بكر، وما
سابقته إلى خير قط إلا سبقني إليه (1).
وكذلك رواه زائدة وغيره عن الاعمش، عن إبراهيم.
88 - عتبة بن مسعود الهذلي
* هاجر إلى الحبشة، قال ابنه عبد الله: لما مات أبي، بكى
ابن مسعود وقال: أخي وصاحبي مع رسول الله، صلى الله عليه
وسلم، وأحب الناس إلي إلا ما كان من عمر (2).
وقيل: لما توفي، انتظر عمر أم عبد، فجاءت، فصلت عليه (3).
قال الزهري: ما ابن مسعود بأعلى عندنا من أخيه عتبة (4).
قلت: ولولده عبد الله بن عتبة إدراك وصحبة ورواية حديث،
وهو والد أحد الفقهاء السبعة عبيدالله بن عبد الله بن
عتبة.
__________
(1) إسناده صحيح، وأخرجه أبو نعيم في " الحلية " 1 / 124
والفسوي 2 / 538 في " المعرفة والتاريخ ".
(*) طبقات ابن سعد: 4 / 1 / 93، التاريخ الكبير: 6 / 522،
التاريخ الصغير: 1 / 47، 213، المعارف: 250 - 251، الجرح
والتعديل: 6 / 373، مشاهير علماء الامصار: ت: 307،
الاستيعاب: 8 / 16، أسد الغابة: 3 / 569، تهذيب الاسماء
واللغات: 1 / 319 - 320، مجمع الزوائد: 9 / 291، العقد
الثمين: 6 / 13 - 14، الاصابة: 6 / 380.
(2) أخرجه الحاكم في " المستدرك " 3 / 257.
(3) أخرجه الحاكم في " المستدرك " 3 / 258.
(4) أخرجه الحاكم في " المستدرك " 3 / 258.
(*)
(1/500)
89 - خبيب بن يساف
*
ابن عنبة (1) بن عمرو بن خديج بن عامر بن جشم بن الحارث بن
الخزرج الانصاري الخزرجي.
وكان له أولاد: أبو كثير عبد الله، و عبد الرحمن، وأنيسة،
وكانت تحته جميلة ابنة عبد الله بن أبي ابن (2) سلول، وقد
انقرض عقبه.
ابن سعد: أنبأنا يزيد بن هارون، أنبأنا مستلم (3) بن سعيد،
حدثنا خبيب بن عبد الرحمن بن خبيب بن يساف، عن أبيه، عن
جده قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يريد
غزوا، أنا ورجل من قومي لم نسلم، فقلنا: إنا نستحيي أن
يشهد قومنا مشهدا لا نشهده، قال: " أسلمتما ؟ قلنا: لا،
قال: إنا (4) لا نستعين بالمشركين على المشركين " قال:
فأسلمنا، وشهدنا معه.
فقتلت رجلا، وضربني ضربة، وتزوجت ابنته بعد ذلك، فكانت
تقول لي: لا عدمت رجلا وشحك هذا الوشاح، فأقول لها: لا
عدمت رجلا عجل أباك إلى النار (5).
معن: حدثنا مالك، عن الفضيل بن أبي عبد الله، عن عبد الله
بن نيار، عن عروة، عن عائشة قالت: خرج رسول الله، صلى الله
عليه وسلم، إلى بدر، فلما كان بحرة الوبرة أدركه رجل كان
يذكر منه جرأة ونجدة، ففرحوا به، قالت: فقال: جئت
__________
(*) طبقات ابن سعد: 3 / 2 / 85، التاريخ الكبير: 3 / 209،
الجرح والتعديل: 3 / 387، حلية الاولياء: 1 / 364،
الاستيعاب: 3 / 188، أسد الغابة: 2 / 118، الاصابة: 3 /
79.
(1) في الاصل " عتبة " وهو تصحيف والتصويب من " مشتبه "
المؤلف وغيره.
(2) سقطت لفظة " بن " من المطبوع.
(3) تحرفت في المطبوع إلى " مسلم ".
(4) تحرفت في المطبوع إلى " ألا ".
(5) أخرجه ابن سعد 3 / 2 / 58 وأحمد 3 / 454.
(*)
(1/501)
لاتبعك وأصيب معك، فقال له النبي، صلى الله عليه وسلم: "
أتؤمن بالله ورسوله " ؟ قال: لا، قال: " فارجع، فلن نستعين
بمشرك " ثم أدركه بالشجرة، فقال مثل مقالته، ثم أدركه
بالبيداء فقال: " أتؤمن بالله ورسوله ؟ " قال: نعم، قال: "
انطلق " (1).
قال الواقدي: هو خبيب بن يساف تأخر إسلامه حتى خرج رسول
الله صلى الله عليه وسلم إلى بدر، فلحقه، فأسلم، وشهد
بدرا، وأحدا، قال: وتوفي في خلافة عثمان، وقد انقرض ولده
(2).
ويقال في أبيه: إساف بن عدي، كذا سماه ابن أبي حاتم.
وقال شيخنا الدمياطي (3): هو الذي قتل أبا عقبة الحارث بن
عامر.
كذا قال شيخنا، وخطأ ما في صحيح البخاري في مصرع خبيب بن
عدي الشهيد من أنه قتل الحارث يوم بدر، فقتله آل الحارث
لما أسروه به، وهو خبيب بن عدي بن مالك من الاوس، ولم أجده
مذكورا في البدريين رضي الله عنه.
__________
(1) أخرجه أحمد 6 / 67، 149، ومسلم (1817) في الجهاد: باب
كراهية الاستعانة في الغزو بكافر، وأبو داود (2732) في
الجهاد: باب في المشرك يسهم له، والترمذي (1858) في السير:
باب في أهل الذمة يغزون مع المسلمين هل يسهم لهم ؟، وابن
ماجه (2832) في الجهاد: باب: الاستعانة بالمشركين،
والدارمي 2 / 233: باب قوله صلى الله عليه وسلم: إنا لا
نستعين بمشرك.
(2) أخرجه ابن سعد 3 / 2 / 86.
(3) ترجمه المؤلف في مشيخته، ورقة 87 فقال: عبد المؤمن بن
خلف بن أبي الحسن بن شرف.
العلامة، الحجة، شرف الدين أبو محمد الدمياطي، الشافعي،
أحد الائمة الاعلام، وبقية نقاد الحديث.
ولد سنة (613) واشتغل بدمياط، وأتقن الفقه، ثم طلب الحديث،
ورحل وسمع من عدة أشياخ بدمشق، وبحران، والموصل، والحرمين.
وله تصانيف متقنة في الحديث والعوالي، والفقه، توفي سنة
(705) بالقاهرة.
(*)
(1/502)
90 - عويم بن ساعدة
* ابن عائش بن قيس بن النعمان بن زيد بن أمية أبو عبد
الرحمن الانصاري من بني عمرو بن عوف.
بدري كبير، شهد العقبتين في قول الواقدي، وشهد الثانية بلا
نزاع، وآخى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بينه وبين عمر
بن الخطاب، وقال ابن إسحاق: بل بينه وبين حاطب بن أبي
بلتعة (1).
موسى بن يعقوب الزمعي: عن السري بن عبد الرحمن، عن عباد بن
حمزة سمع جابرا سمع النبي، صلى الله عليه وسلم، يقول: "
نعم العبد من عباد الله والرجل من أهل الجنة عويم بن ساعدة
" (2).
وقيل: كان أول من استنجى بالماء.
صالح بن كيسان: عن ابن شهاب، عن عبيدالله بن عبد الله، عن
ابن عباس: إن الرجلين الصالحين اللذين لقيا أبا بكر وعمر
وهما يريدان سقيفة
__________
(*) مسند أحمد: 3 / 422، طبقات ابن سعد: 3 / 2 / 30،
التاريخ الصغير: 1 / 44، 74، مشاهير علماء الامصار: ت:
107، حلية الاولياء: 2 / 11، الاستيعاب: 9 / 95، أسد
الغابة: 4 / 315، تهذيب الاسماء واللغات: 2 / 41، تهذيب
الكمال: 1068، تهذيب التهذيب: 8 / 174 الاصابة: 7 / 181،
خلاصة تذهيب الكمال: 306.
(1) أخرجه ابن سعد 3 / 2 / 31.
(2) إسناده ضعيف لضعف موسى بن يعقوب، وجهالة السري بن عبد
الرحمن وأخرجه ابن سعد 3 / 2 / 31.
(*)
(1/503)
بني ساعدة، فذكرا ما تمالا عليه القوم، وقالا: أين تريدان
؟ قالا: نريد إخواننا
من الانصار.
فقالا: لا عليكم أن لا تقربوهم، اقضوا أمركم، قال ابن
شهاب: فأخبرني عروة أنهما عويم بن ساعدة ومعن بن عدي (1).
وقيل: عويم ممن نزلت فيه (فيه رجال يحبون أن يتطهروا) (2)
[ التوبة: 108 ].
قال ابن سعد: توفي عويم بن ساعدة في خلافة عمر، وهو ابن
خمس وستين سنة (3).
قلت: وقيل أصله بلوي.
__________
(1) إسناده صحيح، وأخرجه ابن سعد 3 / 2 / 31.
(2) أخرج أحمد 3 / 422 من طريق حسين بن محمد، عن أبي أويس،
عن شرحبيل، عن عويم ابن ساعدة أنه حدثه، أن النبي، صلى
الله عليه وسلم، أتاهم في مسجد قباء، فقال: " إن الله
تبارك وتعالى قد أحسن عليكم الثناء في الطهور، في قصة
مسجدكم، فما الطهور الذي تطهرون به ؟ قالوا: والله يا رسول
الله ما نعلم شيئا إلا أنه كان لنا جيران من اليهود،
وكانوا يغسلون أدبارهم من الغائط فغسلنا كما غسلوا "،
وصححه، ابن خزيمة 1 / 45، مع العلم أن شرحبيل بن سعد قد
ضعفه مالك، وابن معين، وأبو زرعة، ولم يوثقه غير ابن حبان.
وأخرج الحاكم 1 / 155 من طريق محمد بن شعيب بن شابور، عن
عتبة بن أبي حكيم، عن طلحة بن نافع، أنه حدث قال: حدثني
أبو أيوب، وجابر بن عبد الله، وأنس بن مالك الانصاريون عن
رسول الله، صلى الله عليه وسلم، في هذه الآية (فيه رجال
يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين) فقال رسول الله، صلى
الله عليه وسلم، " يا معشر الانصار إن الله قد أثنى عليكم
خيرا في الطهور.
فما طهوركم هذا ؟ قالوا يا رسول الله، نتوضأ للصلاة،
والغسل من الجنابة.
فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم،: هل مع ذلك غيره
قالوا: لا.
غير أن أحدنا إذا خرج من الغائط أحب أن يستنجي بالماء.
قال: " هو ذاك ".
وصححه، ووافقه الذهبي، وهو شاهد لما قبله.
وانظر " الدر المنثور " 3 / 278، وابن سعد 3 / 2 / 31 و "
مجمع الزوائد " 1 / 212.
(3) ابن سعد 3 / 2 / 31.
(*)
(1/504)
91 - قصة سلمان الفارسي
* (ع) قال الحافظ أبو القاسم بن عساكر: هو سلمان ابن
الاسلام، أبو عبد الله الفارسي سابق الفرس إلى الاسلام،
صحب النبي، صلى الله عليه وسلم وخدمه وحدث عنه.
وروى عنه ابن عباس، وأنس بن مالك، وأبو الطفيل، وأبو عثمان
النهدي، وشرحبيل بن السمط، وأبو قرة سلمة بن معاوية
الكندي، وعبد الرحمن بن يزيد النخعي، وأبو عمر زاذان، وأبو
ظبيان حصين بن جندب الجنبي، وقرثع الضبي الكوفيون.
له في مسند بقي ستون حديثا، وأخرج له البخاري أربعة
أحاديث، ومسلم ثلاثة أحاديث.
وكان لبيبا حازما، من عقلاء الرجال وعبادهم ونبلائهم.
قال يحيى بن حمزة القاضي: عن عروة بن رويم، عن القاسم أبي
عبد الرحمن حدثه قال: زارنا سلمان الفارسي فصلى الامام
الظهر، ثم خرج وخرج الناس، يتلقونه كما يتلقى الخليفة،
فلقيناه وقد صلى بأصحابه العصر، وهو يمشي، فوقفنا نسلم
عليه، فلم يبق فينا شريف إلا عرض عليه أن ينزل به، فقال:
جعلت على نفسي مرتي هذه أن أنزل على بشير بن سعد.
فلما قدم، سأل عن أبي الدرداء، فقالوا: هو مرابط، فقال:
أين مرابطكم ؟ قالوا: بيروت.
فتوجه قبله، قال: فقال سلمان: يا أهل بيروت ! ألا أحدثكم
حديثا يذهب الله به عنكم عرض الرباط.
سمعت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يقول: " رباط يوم
__________
(*) مسند أحمد: 5 / 437 - 444، طبقات ابن سعد: 4 / 54،
طبقات خليفة: 7 / 189، تاريخ خليفة: 90، التاريخ الكبير: 4
/ 135 - 136، المعارف: 270 - 271، الجرح والتعديل: 4 / 296
- 297، مشاهير علماء الامصار: ت: 274، حلية الاولياء: 1 /
185 - 208، تاريخ أصبهان: 1 / 48 -
57، الاستيعاب: 4 / 221، تاريخ بغداد: 1 / 163 - 171، ابن
عساكر: 7 / 194 / 1 أسد الغابة: 2 / 417، تهذيب الاسماء
واللغات: 1 / 226 - 228، تهذيب الكمال: 523، دول الاسلام:
1 / 31، مجمع الزوائد: 9 / 332 - 334، تهذيب التهذيب: 4 /
137، الاصابة: 4 / 223، و 5 / 33، خلاصة تذهيب الكمال:
147، كنز العمال: 13 / 421، شذرات الذهب: 1 / 44، تهذيب
تاريخ ابن عساكر: 6 / 190 - 211.
(*)
(1/505)
وليلة كصيام شهر وقيامه، ومن مات مرابطا أجير من فتنة
القبر، وجرى له صالح عمله إلى يوم القيامة " (1).
أخبرنا أبو المعالي أحمد بن إسحاق، أنبأنا عبد القوي بن
عبد العزيز الاغلبي، أنبأنا عبد الله بن رفاعة، أنبأنا أبو
الحسن الخلعي، أنبأنا أبو محمد ابن النحاس، أنبأنا أبو
محمد بن الورد، أنبأنا أبو سعيد بن عبد الرحيم، أنبأنا عبد
الملك بن هشام، حدثنا زياد بن عبد الله، عن ابن إسحاق (ح).
وأنبأنا أبو محمد بن قدامة، وأبو الغنائم بن علان، إجازة،
أن حنبل بن عبد الله أخبرهم: أنبأنا أبو القاسم الشيباني،
أنبأنا أبو علي الواعظ، أنبأنا أبو بكر المالكي، حدثنا عبد
الله بن أحمد، حدثني أبي، حدثنا يعقوب بن إبراهيم، حدثنا
أبي (ح) ومحمد بن عبد الله بن نمير وغيره، عن يونس بن بكير
(ح) وسهل بن عثمان، حدثنا يحيى بن أبي زائدة (ح) وعن يحيى
بن آدم، عن عبد الله بن إدريس (ح) وحجاج بن قتيبة، حدثنا
زفر بن قرة، جميعهم عن ابن إسحاق، عن عاصم بن عمر بن
قتادة، عن محمود بن لبيد، عن ابن عباس قال: حدثني سلمان
الفارسي قال: كنت رجلا فارسيا من أهل أصبهان، من أهل قرية
منها يقال لها جي (2).
وكان أبي دهقانها.
وكنت أحب خلق الله إليه، فلم يزل بي حبه إياي حتى حبسني في
بيته كما تحبس الجارية، فاجتهدت في
المجوسية حتى كنت قاطن النار الذي يوقدها لا يتركها تخبو
ساعة.
وكانت
__________
(1) إسناده حسن، ولكنه مرسل، وأخرجه مسلم (1913) في
الامارة: باب فضل الرباط في سبيل الله، والنسائي 6 / 39 في
الجهاد: باب فضل الرباط كلاهما من طريق أيوب بن موسى، عن
مكحول، عن شرحبيل بن السمط، عن سلمان.
وأخرجاه من طريق آخر عن سلمان، وأخرجه الترمذي (1665) في
الجهاد: باب ما جاء في فضل الرباط، من طريق سفيان بن
عيينة، عن محمد بن المنكدر، عن سلمان.
(2) بالفتح وبالتشديد، مدينة ناحية أصبهان القديمة " معجم
البلدان " 2 / 202.
(*)
(1/506)
لابي ضيعة عظيمة، فشغل في بنيان له يوما، فقال لي: يا بني
! إني قد شغلت في بنياني هذا اليوم عن ضيعتي، فاذهب
فاطلعها، وأمرني ببعض ما يريد.
فخرجت، ثم قال: لا تحتبس علي، فإنك إن احتبست علي كنت أهم
إلي من ضيعتي، وشغلتني عن كل شئ من أمري.
فخرجت أريد ضيعته، فمررت بكنيسة من كنائس النصارى، فسمعت
أصواتهم فيها وهم يصلون، وكنت لا أدري ما أمر الناس بحبس
أبي إياي في بيته، فلما مررت بهم، وسمعت أصواتهم، دخلت
إليهم أنظر ما يصنعون، فلما رأيتهم أعجبتني صلواتهم، ورغبت
في أمرهم، وقلت: هذا والله خير من الدين الذي نحن عليه،
فوالله ما تركتهم حتى غربت الشمس، وتركت ضيعة أبي ولم
آتها، فقلت لهم: أين أصل هذا الدين ؟ قالوا: بالشام.
قال: ثم رجعت إلى أبي وقد بعث في طلبي وشغلته عن عمله كله،
فلما جئته قال: أي بني ! أين كنت ؟ ألم أكن عهدت إليك ما
عهدت ؟ قلت: يا أبة ! مررت بناس يصلون في كنيسة لهم،
فأعجبني ما رأيت من دينهم، فوالله ما زلت عندهم حتى غربت
الشمس.
قال: أي (1) بني ! ليس في ذلك الدين خير، دينك ودين آبائك
خير منه.
قلت: كلا والله !
إنه لخير من ديننا.
قال: فخافني، فجعل في رجلي قيدا، ثم حبسني في بيته.
قال: وبعثت إلى النصارى فقلت: إذا قدم عليكم ركب من الشام
تجار من النصارى، فأخبروني بهم.
فقدم عليهم ركب من الشام.
قال: فأخبروني بهم، فقلت: إذا قضوا حوائجهم، وأرادوا
الرجعة، فأخبروني.
قال: ففعلوا.
فألقيت الحديد من رجلي، ثم خرجت معهم حتى قدمت الشام.
فلما قدمتها، قلت: من أفضل أهل هذا الدين ؟ قالوا: الاسقف
في الكنيسة.
فجئته، فقلت: إني قد رغبت في هذا الدين، وأحببت أن أكون
معك أخدمك
__________
(1) تحرفت في المطبوع إلى " أبي ".
(*)
(1/507)
في كنيستك، وأتعلم منك، وأصلي معك.
قال: فادخل، فدخلت معه، فكان رجل سوء يأمرهم بالصدقة
ويرغبهم فيها، فإذا جمعوا إليه منها شيئا، اكتنزه لنفسه،
ولم يعطه المساكين حتى جمع سبع قلال من ذهب وورق، فأبغضته
بغضا شديدا لما رأيته يصنع.
ثم مات، فاجتمعت إليه النصارى ليدفنوه، فقلت لهم: إن هذا
رجل سوء، يأمركم بالصدقة، ويرغبكم فيها، فإذا جئتم بها،
كنزها لنفسه، ولم يعط المساكين، وأريتهم موضع كنزه سبع
قلال مملوءة، فلما رأوها قالوا: والله لا ندفنه أبدا.
فصلبوه ثم رموه بالحجارة.
ثم جاؤوا برجل جعلوه مكانه، فما رأيت رجلا - يعني لا يصلي
الخمس - أرى أنه أفضل منه، أزهد في الدنيا، ولا أرغب في
الآخرة، ولا أدأب ليلا ونهارا، ما أعلمني أحببت شيئا قط
قبله حبه، فلم أزل معه حتى حضرته الوفاة، فقلت: يا فلان !
قد حضرك ما ترى من أمر الله، وإني والله ما أحببت شيئا قط
حبك، فماذا تأمرني وإلى من توصيني ؟
قال لي: يا بني والله ما أعلمه إلا رجلا بالموصل، فائته،
فإنك ستجده على مثل حالي.
فلما مات وغيب، لحقت بالموصل، فأتيت صاحبها، فوجدته على
مثل حاله من الاجتهاد والزهد.
فقلت له: إن فلانا أوصاني إليك أن آتيك وأكون معك.
قال: فأقم أي بني.
فأقمت عنده على مثل أمر صاحبه حتى حضرته الوفاة.
فقلت له: إن فلانا أوصى بي إليك وقد حضرك من أمر الله ما
ترى، فإلى من توصي بي ؟ وما تأمرني به ؟ قال: والله ما
أعلم، أي بني، إلا رجلا بنصيبين.
فلما دفناه، لحقت بالآخر، فأقمت عنده على مثل حالهم حتى
حضره
(1/508)
الموت، فأوصى بي إلى رجل من أهل عمورية بالروم، فأتيته
فوجدته على مثل حالهم، واكتسبت حتى كان لي غنيمة وبقيرات.
ثم احتضر فكلمته إلى من يوصي بي ؟ قال: أي بني ! والله ما
أعلمه بقي أحد على مثل ما كنا عليه آمرك أن تأتيه، ولكن قد
أظلك زمان نبي يبعث من الحرم، مهاجره بين حرتين إلى أرض
سبخة ذات نخل، وإن فيه علامات لا تخفى، بين كتفيه خاتم
النبوه، يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة، فإن استطعت أن تخلص
إلى تلك البلاد فافعل، فإنه قد أظلك زمانه.
فلما واريناه، أقمت حتى مربي رجال من تجار العرب من كلب،
فقلت لهم: تحملوني إلى أرض العرب، وأعطيكم غنيمتي وبقراتي
هذه ؟ قالوا: نعم.
فأعطيتهم إياها وحملوني، حتى إذا جاؤوا بي وادي القرى،
ظلموني، فباعوني عبدا من رجل يهودي بوادي القرى.
فو الله لقد رأيت النخل، وطمعت أن يكون البلد الذي نعت لي
صاحبي.
وما حقت عندي حتى قدم رجل من بني قريظة وادي القرى،
فابتاعني من صاحبي، فخرج بي حتى قدمنا المدينة.
فوالله ما هو إلا أن رأيتها، فعرفت نعتها.
فأقمت في رقي، وبعث الله نبيه، صلى الله عليه وسلم، بمكة
لا يذكر لي شئ من أمره مع ما أنا فيه من الرق، حتى قدم
رسول الله صلى الله عليه وسلم قباء، وأنا أعمل لصاحبي في
نخلة له، فوالله إني لفيها إذ جاءه ابن عم له، فقال يا
فلان ! قاتل الله بني قيلة، والله إنهم الآن لفي قباء
مجتمعون على رجل جاء من مكة يزعمون أنه نبي.
فوالله ما هو إلا أن سمعتها فأخذتني العرواء - يقول الرعدة
- حتى ظننت لاسقطن على صاحبي.
ونزلت أقول: ما هذا الخبر ؟.
(1/509)
فرفع مولاي يده فلكمني لكمة شديدة، وقال: مالك ولهذا، أقبل
على عملك.
فقلت: لا شئ، إنما سمعت خبرا، فأحببت أن أعلمه.
فلما أمسيت، وكان عندي شئ من طعام، فحملته وذهبت إلى رسول
الله صلى الله عليه وسلم وهو بقباء، فقلت له: بلغني أنك
رجل صالح، وأن معك أصحابا لك غرباء، وقد كان عندي شئ من
الصدقة فرأيتكم أحق من بهذه البلاد، فهاك هذا، فكل منه.
قال: فأمسك، وقال لاصحابه: كلوا.
فقلت في نفسي: هذه خلة مما وصف لي صاحبي.
ثم رجعت، وتحول رسول الله إلى المدينة، فجمعت شيئا كان
عندي ثم جئته به فقلت: إني قد رأيتك لا تأكل الصدقة، وهذه
هدية.
فأكل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأكل أصحابه، فقلت: هذه
خلتان.
ثم جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يتبع جنازة وعلي
شملتان لي وهو في
أصحابه، فاستدرت أنظر إلى ظهره هل أرى الخاتم الذي وصف.
فلما رآني استدبرته عرف أني أستثبت في شئ وصف لي، فألقى
رداءه عن ظهره، فنظرت إلى الخاتم فعرفته، فانكببت عليه
أقبله وأبكي.
فقال لي: تحول.
فتحولت، فقصصت عليه حديثي كما حدثتك يا ابن عباس، فأعجب
رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يسمع ذلك أصحابه.
ثم شغل سلمان الرق حتى فاته مع رسول الله صلى الله عليه
وسلم بدر وأحد.
ثم قال رسول الله: كاتب يا سلمان.
فكاتبت صاحبي على ثلاث مئة نخلة
(1/510)
أحييها له بالفقير وبأربعين أوقية.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لاصحابه: " أعينوا
أخاكم "، فأعانوني بالنخل الرجل بثلاثين ودية (1)، والرجل
بعشرين، والرجل بخمس عشرة، حتى اجتمعت ثلاث مئة ودية.
فقال: " اذهب يا سلمان ففقر لها، فإذا فرغت فائتني أكون
أنا أضعها بيدي " ففقرت لها وأعانني أصحابي، حتى إذا فرغت
منها، جئته وأخبرته، فخرج معي إليها نقرب له الودي، ويضعه
بيده.
فوالذي نفس سلمان بيده ما ماتت منها ودية واحدة.
فأديت النخل، وبقي علي المال.
فأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثل بيضة دجاجة من ذهب
من بعض المغازي.
فقال: " ما فعل الفارسي المكاتب " ؟ فدعيت له، فقال: "
خذها فأد بها ما عليك " قلت: وأين تقع هذه يا رسول الله
مما علي ؟ قال: خذها فإن الله سيؤدي بها عنك.
فأخذتها فوزنت لهم منها أربعين أوقية، وأوفيتهم حقهم
وعتقت، فشهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الخندق حرا،
ثم لم يفتني معه مشهد (2).
زاد إبراهيم بن سعد، عن ابن إسحاق، فقال عن يزيد بن أبي
حبيب، عن رجل من عبد القيس، عن سلمان: قال: لما قلت له:
وأين تقع هذه من الذي
علي ؟ أخذها فقلبها على لسانه، ثم قال: " خذها " (3).
وفي رواية ابن إدريس، عن ابن إسحاق، عن عاصم بن عمر، عن
رجل
__________
(1) الودية: جمع ودي: صغار الفسيل.
(2) رجاله ثقات.
وإسناده قوي فقد صرح ابن إسحاق بالتحديث عند أحمد وابن
هشام وابن سعد، وأخرجه أحمد 5 / 441 - 444، وابن سعد 4 / 1
/ 53 - 57، والجزري في " أسد الغابة " 2 / 417 - 419، وابن
هشام 1 / 214 - 221 والطبراني في " الكبير " برقم (6065)
والخطيب البغدادي في " تاريخ بغداد " 1 / 164 - 169، وانظر
" مجمع الزوائد " 9 / 336.
(3) أخرجه أحمد 5 / 444، وابن هشام 1 / 221، وانظر "
المجمع " 9 / 336 وفي سنده جهالة.
(*)
(1/511)
من عبد القيس أنه سمع عمر بن عبد العزيز يقول: حدثني من
حدثه سلمان، أنه كان في حديثه حين ساقه لرسول الله أن صاحب
عمورية قال له: إذا رأيت رجلا كذا وكذا من أرض الشام بين
غيضتين، يخرج من هذه الغيضة إلى هذه الغيضة في كل سنة مرة،
يتعرضه الناس، ويداوي الاسقام، يدعو لهم، فيشفون، فائته،
فسله عن الدين الذي يلتمس.
فجئت حتى أقمت مع الناس بين تينك الغيضتين.
فلما كان الليلة التي يخرج فيها من الغيضة خرج وغلبني
الناس عليه حتى دخل الغيضة الاخرى، وتوارى مني إلا منكبيه،
فتناولته، فأخذت بمنكبيه، فلم يلتفت إلي، وقال: ما لك ؟
قلت: أسأل عن دين إبراهيم الحنيفية.
قال: إنك لتسأل (1) عن شئ ما يسأل الناس عنه اليوم.
وقد أظلك نبي يخرج من عند هذا البيت الذي بمكة يأتي بهذا
الدين الذي تسأل عنه، فالحق به.
ثم انصرف.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لئن كنت صدقتني لقد
لقيت وصي عيسى ابن مريم (2).
تفرد به ابن إسحاق.
وقاطن النار: ملازمها، وبنو قيلة، الانصار، والفقير:
الحفرة، والودي: النصبة.
وقال يونس: عن ابن إسحاق، حدثني عاصم، حدثني من سمع عمر بن
عبد العزيز بنحو مما مر، وفيه: وقد أظلك نبي يخرج عند أهل
هذا البيت،
__________
(1) تحرفت في المطبوع إلى " الضال ".
(2) أخرجه ابن سعد 4 / 1 / 57، وابن هشام 1 / 221، وهذه
الرواية كسابقتها فيها جهالة.
(*)
(1/512)
ويبعث بسفك الدم.
فلما ذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: " لئن
كنت صدقتني يا سلمان لقد رأيت حواري عيسى " (1).
عبيدالله بن موسى، وعمرو العنقزي قالا: حدثنا إسرائيل، عن
أبي إسحاق، عن أبي (2) قرة الكندي، عن سلمان قال: كان أبي
من الاساورة، فأسلمني في الكتاب، فكنت أختلف وكان معي
غلامان، فكانا إذا رجعا، دخلا على قس أو راهب، فأدخل
معهما، فقال لهما: ألم أنهكما أن تدخلا علي أحدا، أو تعلما
بي أحدا ؟ فكنت أختلف حتى كنت أحب إليه منهما.
فقال لي: يا سلمان ! إني أحب أن أخرج من هذه الارض.
قلت: فأنا معك.
فأتى قرية فنزلها، وكانت امرأة تختلف إليه، فلما حضر، قال:
احفر عند رأسي، فاستخرجت جرة من دراهم، فقال: ضعها على
صدري.
قال: فجعل يضرب بيده على صدره، ويقول: ويل للقنائين، قال:
ومات فاجتمع القسيسون والرهبان، وهممت أن أحتمل المال، ثم
إن الله عصمني، فقلت لهم: إنه قد ترك مالا.
فوثب شبان من أهل القرية فقالوا: هذا مال أبينا، كانت
سريته تختلف إليه.
فقلت: يا معشر القسيسين والرهبان، دلوني على عالم أكون
معه.
قالوا: ما نعلم أحدا أعلم من راهب بحمص.
فأتيته فقصصت عليه.
فقال: ما جاء بك إلا طلب العلم ؟ قلت: نعم.
قال: فإني لا أعلم أحدا في الارض أعلم من رجل يأتي بيت
المقدس كل سنة في هذا الشهر، وإن انطلقت وجدت حماره واقفا.
فانطلقت فوجدت حماره واقفا على باب بيت المقدس، فجلست حتى
خرج.
فقصصت عليه، فقال: اجلس حتى أرجع إليك.
__________
(1) انظر ما قبله.
(2) سقطت من المطبوع لفظة " أبي ".
(*)
(1/513)
فذهب فلم يرجع إلى العام المقبل، فقلت: ما صنعت ؟ قال:
وإنك لها هنا بعد ؟ قلت: نعم.
قال: فإني لا أعلم أحدا في الارض (1) أعلم من رجل يخرج
بأرض تيماء، وهو نبي وهذا زمانه، وإن انطلقت الآن وافقته،
وفيه ثلاث: خاتم النبوة، ولا يأكل الصدقة، ويأكل الهدية.
خاتم النبوة عند غرضوف كتفه، كأنها بيضة حمامة، لونها لون
جلده.
فانطلقت، فأصابني قوم من الاعراب، فاستعبدوني فباعوني، حتى
وقعت إلى المدينة، فسمعتهم يذكرون النبي صلى الله عليه
وسلم، فسألت أهلي أن يهبوا لي يوما ففعلوا.
فخرجت، فاحتطبت، فبعته بشئ يسير، ثم جئت بطعام اشتريته،
فوضعته بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقال: ما هذا ؟ فقلت: صدقة.
فأبى أن يأكل، وأمر أصحابه فأكلوا، وكان العيش يومئذ
عزيزا، فقلت: هذه واحدة.
ثم أمكث ما شاء الله أن أمكث.
ثم قلت لاهلي: هبوا لي يوما.
فوهبوا لي يوما، فخرجت، فاحتطبت فبعته بأفضل مما كنت بعث
به، يعني الاول، فاشتريت به طعاما، ثم جئت، فوضعته بين يدي
رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقال: ما
هذا ؟ قلت: هدية.
قال: كلوا.
وأكل.
قلت: هذه أخرى.
ثم قمت خلفه، فوضع رداءه، فرأيت عند غرضوف كتفه خاتم
النبوة.
فقلت: أشهد أنك رسول الله.
فقال: ما هذا ؟ فحدثته.
وقلت: يا رسول الله ! هذا الراهب أفي الجنة هو، وهو يزعم
أنك نبي الله ؟ قال: إنه لن يدخل الجنة إلا نفس مسلمة ".
فقلت: إنه أخبرني أنك نبي.
فقال: " إنه لن يدخل الجنة إلا نفس مسلمة " (2).
__________
(1) سقط من المطبوع عبارة " في الارض ".
(2) أخرجه بطوله ابن سعد 4 / 1 / 58، وأخرج أحمد 5 / 438
والطبراني في " الكبير " (6155) = (*)
(1/514)
رواه الامام أحمد في " مسنده " عن أبي كامل، ورواه أبو
قلابة الرقاشي عن عبد الله بن رجاء، كلاهما عن إسرائيل.
سعيد بن أبي مريم: حدثنا ابن لهيعة، حدثنا يزيد بن أبي
حبيب، حدثني السلم بن الصلت العبدي، عن أبي الطفيل البكري
أن سلمان الخير حدثه قال: كنت رجلا من أهل جي، مدينة
أصبهان، فأتيت رجلا يتحرج من كلام الناس فسألته: أي الدين
أفضل ؟ قال: ما أعلم أحدا غير راهب بالموصل.
فذهبت إليه، فكنت عنده، إلى أن قال: فأتيت حجازيا، فقلت:
تحملني إلى المدينة وأنا لك عبد ؟ فلما قدمت، جعلني في
نخله، فكنت أستقي كما يستقي البعير، حتى دبر ظهري ولا أجد
من يفقه كلامي، حتى جاءت عجوز فارسية تستقي، فكلمتها فقلت:
أين هذا الذي خرج ؟ قالت: سيمر عليك بكرة.
فجمعت تمرا، ثم جئته وقربت إليه التمر.
فقال: أصدقة أم هدية ؟ (1).
أبو إسماعيل الترمذي، وإسحاق بن إبراهيم بن جميل وغيرهما،
قالوا: أنبأنا عبد الله بن أبي زياد القطواني (2)، حدثنا
سيار بن حاتم، حدثنا موسى بن
سعيد الراسبي، حدثنا أبو معاذ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن،
عن سلمان الفارسي، قال: كنت ممن ولد برامهرمز وبها نشأت،
وأما أبي فمن أصبهان.
__________
= الجزء الاخير منه.
وانظر " مجمع الزوائد " 9 / 336، والحلية 1 / 195، وأبو
قرة لا يعرف.
وباقي رجاله ثقات.
وقوله: الغرضوف: هو لغة في الغضروف.
وغضروف الكتف رأس لوحه.
(1) ابن لهيعة ضعيف، وسلم وأبو الطفيل لا يعرفان.
وأخرجه الطبراني في " الكبير " 6076، وأبو نعيم في "
الحلية " 1 / 193.
وذكره الهيثمي في " المجمع " 9 / 339 - 340، وقال: رواه
الطبراني وفيه من لم أعرفه.
وانظر ابن عساكر 7 / 199 / آ.
(2) تحرفت في المطبوع إلى " العطواني ".
(*)
(1/515)
وكانت أمي لها غنى، فأسلمتني إلى الكتاب، وكنت أنطلق مع
غلمان من أهل قريتنا إلى أن دنا مني فراغ من الكتابة، ولم
يكن في الغلمان أكبر مني ولا أطول، وكان ثم جبل فيه كهف في
طريقنا، فمررت ذات يوم وحدي، فإذا أنا فيه برجل عليه ثياب
شعر، ونعلاه شعر، فأشار إلي، فدنوت منه.
فقال: يا غلام ! أتعرف عيسى ابن مريم ؟ قلت: لا.
قال: هو رسول الله.
آمن بعيسى وبرسول يأتي من بعده اسمه أحمد، أخرجه الله من
غم الدنيا إلى روح الآخرة ونعيمها.
قلت: ما نعيم الآخرة ؟ قال: نعيم لا يفنى.
فرأيت الحلاوة والنور يخرج من شفتيه، فعلقه فؤادي وفارقت
أصحابي، وجعلت لا أذهب ولا أجئ إلا وحدي.
وكانت أمي ترسلني إلى الكتاب، فانقطع دونه، فعلمني شهادة
أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن عيسى رسول الله،
ومحمدا بعده رسول الله، والايمان بالبعث، وعلمني القيام في
الصلاة، وكان يقول لي: إذا قمت في الصلاة فاستقبلت القبلة،
فاحتوشتك النار، فلا تلتفت، وإن دعتك أمك و أبوك، فلا
تلتفت، إلا أن يدعوك رسول من رسل الله، وإن دعاك وأنت في
فريضة، فاقطعها، فإنه لا يدعوك إلا بوحي.
وأمرني بطول القنوت، وزعم أن عيسى عليه السلام قال: طول
القنوت أمان على الصراط، وطول السجود أمان من عذاب القبر،
وقال: لا تكذبن مازحا ولا جادا حتى يسلم عليك ملائكة الله،
ولا تعصين (1) الله في طمع ولا غضب، لا تحجب عن الجنة طرفة
عين.
ثم قال لي: إن أدركت محمد بن عبد الله الذي يخرج من جبال
تهامة فآمن به، واقرأ عليه السلام مني، فإنه بلغني أن عيسى
ابن مريم عليه السلام
__________
(1) تصحفت في المطبوع إلى " ولا تغضبن ".
(*)
(1/516)
قال: من سلم على محمد رآه أو لم يره، كان له محمد شافعا
ومصافحا.
فدخل حلاوة الانجيل في صدري.
قال: فأقام في مقامه حولا، ثم قال: أي بني ! إنك قد
أحببتني وأحببتك، وإنما قدمت بلادكم هذه: إنه كان لي قريب،
فمات، فأحببت أن أكون قريبا من قبره أصلي عليه وأسلم عليه،
لما عظم الله علينا في الانجيل من حق القرابة، يقول الله:
من وصل قرابته، وصلني، ومن قطع قرابته، فقد قطعني، وإنه قد
بدا لي الشخوص من هذا المكان، فإن كنت تريد صحبتي فأنا طوع
يديك.
قلت: عظمت حق القرابة وهنا أمي وقرابتي.
قال: إن كنت تريد أن تهاجر مهاجر إبراهيم عليه السلام فدع
الوالدة والقرابة، ثم قال: إن الله يصلح بينك وبينهم حتى
لا تدعو عليك الوالدة.
فخرجت معه، فأتينا نصيبين، فاستقبله اثنا عشر من الرهبان
يبتدرونه ويبسطون له أرديتهم، وقالوا: مرحبا بسيدنا وواعي
كتاب ربنا.
فحمد الله، ودمعت عيناه وقال: إن كنتم تعظموني لتعظيم جلال
الله، فأبشروا بالنظر إلى الله.
ثم قال: إني أريد أن أتعبد في محرابكم هذا شهرا، فاستوصوا
بهذا
الغلام فإني رأيته رقيقا، سريع الاجابة.
فمكث شهرا لا يلتفت إلي ويجتمع الرهبان خلفه يرجون أن
ينصرف ولا ينصرف، فقالوا: لو تعرضت له، فقلت: أنتم أعظم
عليه حقا مني، قالوا: أنت ضعيف، غريب، ابن سبيل، وهو نازل
علينا، فلا نقطع عليه صلاته مخافة أن يرى أنا نستثقله.
فعرضت له فارتعد، ثم جثا على ركبتيه، ثم قال: مالك يا بني
؟ جائع أنت ؟ عطشان أنت ؟ مقرور أنت ؟ اشتقت إلى أهلك ؟
قلت: بل أطعت هؤلاء العلماء.
قال: أتدري ما يقول الانجيل ؟ قلت: لا، قال: يقول من أطاع
العلماء فاسدا كان أو مصلحا، فمات فهو صديق، وقد بدا لي أن
أتوجه إلى بيت المقدس.
فجاء العلماء،
(1/517)
فقالوا: يا سيدنا امكث يومك تحدثنا وتكلمنا، قال: إن
الانجيل حدثني أنه من هم بخير فلا يؤخره.
فقام فجعل العلماء يقبلون كفيه وثيابه، كل ذلك يقول:
أوصيكم ألا تحتقروا معصية الله، ولا تعجبوا بحسنة
تعملونها.
فمشى ما بين نصيبين والارض المقدسة شهرا يمشي نهاره، ويقوم
ليله حتى دخل بيت المقدس، فقام شهرا يصلي الليل والنهار.
فاجتمع إليه علماء بيت المقدس، فطلبوا إلي أن أتعرض له.
ففعلت.
فانصرف إلي، فقال لي كما قال في المرة الاولى، فلما تكلم،
اجتمع حوله علماء بيت المقدس، فحالوا بيني وبينه يومهم
وليلتهم حتى أصبحوا، فملوا وتفرقوا، فقال لي: أي بني ! إني
أريد أن أضع رأسي قليلا، فإذا بلغت الشمس قدمي فأيقظني.
قال: وبينه وبين الشمس ذراعان.
فبلغته الشمس، فرحمته لطول عنائه وتعبه في العبادة، فلما
بلغت الشمس سرته استيقظ بحرها.
فقال: مالك لم توقظني ؟ قلت: رحمتك لطول عنائك.
قال: إني لا أحب
أن تأتي علي ساعة لا أذكر الله فيها ولا أعبده، أفلا
رحمتني من طول الموقف ؟ أي بني ! إني أريد الشخوص إلى جبل
فيه خمسون ومئة رجل أشرهم خير مني.
أتصحبني ؟ قلت: نعم.
فقام فتعلق به أعمى على الباب.
فقال: يا أبا الفضل تخرج ولم أصب منك خيرا، فمسح يده على
وجهه، فصار بصيرا.
فوثب مقعد إلى جنب الاعمى، فتعلق به فقال: من علي من الله
عليك بالجنة.
فمسح يده عليه.
فقام فمضى.
يعني الراهب.
فقمت أنظر يمينا وشمالا لا أرى أحدا.
فدخلت بيت المقدس فإذا أنا برجل في زاوية عليه المسوح،
فجلست حتى انصرف.
فقلت: يا عبد الله ما
(1/518)
اسمك ؟ قال: فذكر اسمه، فقلت: أتعرف أبا الفضل ؟ قال: نعم،
وودت أني لا أموت حتى أراه، أما (1) إنه هو الذي من علي
بهذا الدين، فأنا أنتظر نبي الرحمة الذي وصفه لي يخرج من
جبال تهامة، يقال له: محمد بن عبد الله، يركب الجمل
والحمار والفرس والبغلة، ويكون الحر والمملوك عنده سواء،
وتكون الرحمة في قلبه وجوارحه، لو قسمت بين الدنيا كلها لم
يكن لها مكان، بين كتفيه كبيضة الحمامة عليها مكتوب
باطنها: الله وحده لا شريك له، محمد رسول الله، وظاهرها:
توجه حيث شئت فإنك المنصور، يأكل الهدية، ولا يأكل الصدقة،
ليس بحقود ولا حسود، ولا يظلم معاهدا ولا مسلما.
فقمت من عنده فقلت: لعلي أقدر على صاحبي، فمشيت غير بعيد،
فالتفت يمينا وشمالا لا أرى شيئا.
فمر بي أعراب من كلب، فاحتملوني حتى أتوا بي يثرب، وسموني
ميسرة.
فجعلت أناشدهم، فلا يفقهون كلامي، فاشترتني امرأة يقال
لها: خليسة بثلاث مئة درهم.
فقالت: ما تحسن ؟ قلت: أصلي لربي وأعبده، وأسف
الخوص.
قالت: ومن ربك ؟ قلت: رب محمد.
قالت: ويحك ! ذاك بمكة، ولكن عليك بهذه النخلة، وصل لربك
لا أمنعك، وسف الخوص، واسع على بناتي، فإن ربك يعني إن
تناصحه في العبادة يعطك سؤلك.
فمكثت عندها ستة عشر شهرا حتى قدم رسول الله صلى الله عليه
وسلم المدينة، فبلغني ذلك وأنا في أقصى المدينة في زمن
الخلال (2).
فانتقيت شيئا من الخلال، فجعلته في ثوبي، وأقبلت أسأل عنه،
حتى دخلت عليه وهو في منزل أبي
__________
(1) سقطت " أما " من المطبوع.
(2) الخلال: عود يخلل به الثوب والاسنان، والحب: الخابية.
فارسي معرب (*)
(1/519)
أيوب، وقد وقع حب لهم فانكسر، وانصب الماء، فقام أبو أيوب
وامرأته يلتقطان الماء بقطيفة لهما لا يكف على النبي صلى
الله عليه وسلم.
فخرج رسول الله فقال: ما تصنع يا أبا أيوب ؟ فأخبره.
فقال: لك ولزوجتك الجنة.
فقلت: هذا والله محمد رسول الرحمة.
فسلمت عليه، ثم أخذت الخلال فوضعته بين يديه.
فقال: ما هذا يا بني ؟ قلت: صدقة.
قال: إنا لا نأكل الصدقة.
فأخذته وتناولت إزاري وفيه شئ آخر، فقلت: هذه هدية.
فأكل وأطعم من حوله، ثم نظر إلي، فقال: أحر أنت أم مملوك ؟
قلت: مملوك.
قال: ولم وصلتني بهذه الهدية ؟.
قلت: كان لي صاحب من أمره كذا، وصاحب من أمره كذا، فأخبرته
بأمرهما.
قال: أما إن صاحبيك من الذين قال الله (الذين آتيناهم
الكتاب من قبله هم به يؤمنون، وإذا يتلى عليهم...) الآية،
ما رأيت في ما خبرك ؟ قلت: نعم، إلا شيئا (1) بين كتفيك.
فألقى ثوبه، فإذا الخاتم، فقبلته،
وقلت: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله.
فقال: يا بني ! أنت سلمان، ودعا عليا، فقال: اذهب إلى
خليسة، فقل لها: يقول لك محمد إما أن تعتقي هذا، وإما أن
أعتقه فإن الحكمة تحرم عليك خدمته.
قلت: يا رسول الله.
أشهد أنها لم تسلم.
قال: يا سلمان، أولا تدري ما حدث بعدك ؟ دخل عليها ابن
عمها فعرض عليها الاسلام فأسلمت.
فانطلق علي، وإذا هي تذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم،
فأخبرها علي،
__________
(1) تحرفت " إلا شيئا " في المطبوع إلى " الانباء ".
(*)
(1/520)
فقالت: انطلق إلى أخي، تعني النبي صلى الله عليه وسلم، فقل
له: إن شئت فأعتقه، وإن شئت فهو لك.
قال: فكنت أغدو وأروح إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
وتعولني خليسة.
فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم: انطلق بنا
نكافئ خليسة.
فكنت معه خمسة عشرة يوما في حائطها يعلمني وأعينه، حتى
غرسنا لها ثلاث مئة فسيلة، فكان رسول الله صلى الله عليه
وسلم إذا اشتد عليه حر الشمس وضع على رأسه مظلة لي من صوف،
فعرق فيها مرارا، فما وضعتها بعد على رأسي إعظاما له،
وإبقاء على ريحه، وما زلت أخبأها وينجاب منها حتى بقي منها
أربع أصابع، فغزوت مرة، فسقطت مني.
هذا الحديث شبه موضوع، وأبو معاذ مجهول وموسى.
إسماعيل بن عيسى العطار: حدثنا إسحاق بن بشر، حدثني أبو
عبيد الله التيمي، عن ابن لهيعة، عن أبي قبيل قال: قيل
لسلمان: أخبرنا عن إسلامك.
قال: كنت مجوسيا، فرأيت كأن القيامة قد قامت، وحشر الناس
على صورهم، وحشر المجوس على صور الكلاب، ففزعت.
فرأيت من القابلة أيضا أن الناس حشروا على صورهم، وأن
المجوس حشروا على صور
الخنازير.
فتركت ديني، وهربت وأتيت الشام.
فوجدت يهودا، فدخلت في دينهم، وقرأت كتبهم، ورضيت بدينهم
وكنت عندهم حججا.
فرأيت فيما يرى النائم أنا الناس حشروا، وأن اليهود أتي
بهم، فسلخوا، ثم ألقوا في النار فشووا، ثم أخرجوا، فبدلت
جلودهم، ثم أعيدوا في النار.
فانتبهت وهربت من اليهودية.
فأتيت قوما نصارى، فدخلت في دينهم، وكنت معهم في شركهم،
فكنت عندهم حججا.
فرأيت كأن ملكا أخذني فجاء بي على الصراط على النار فقال:
اعبر هذا، فقال صاحب الصراط: انظروا، فإن كان دينه
النصرانية، فألقوه في النار.
فانتبهت وفزعت.
ثم استعبرت راهبا كان
(1/521)
صديقا لي، فقال: إن الذي أنت عليه دين الملك، ولكن عليك
باليعقوبية.
فرفضت ذلك، ولحقت بالجزيرة، فلزمت راهبا بنصيبين يرى رأي
اليعقوبية، فكنت عندهم حججا، فرأيت فيما يرى النائم أن
إبراهيم خليل الرحمن قائم عند العرش يميز من كان على ملته،
فيدخله الجنة، ومن كان على غير ملته، ذهبوا به إلى النار.
فهربت من ذلك الراهب، وأتيت راهبا له خمسون ومئة سنة
وأخبرته بقصتي، فقال: إن الذي تطلبه ليس هو اليوم على ظهر
الارض، ذاك دين الحنفية وهو دين أهل الجنة، وقد اقترب،
وأظلك زمانه، نبي يثرب يدعو إلى هذا الدين.
قلت: ما اسم هذا الرجل ؟ قال: له خمسة أسماء: مكتوب في
العرش محمد، وفي الانجيل أحمد، ويوم القيامة محمود، وعلى
الصراط حماد، وعلى باب الجنة حامد ! وهو من ولد إسماعيل،
وهو قرشي، فسرد كثيرا من صفته صلى الله عليه وسلم.
قال: فسرت في البرية، فسبتني العرب، واستخدمتني سنين،
فهربت منهم، إلى أن قال: فلما أسلمت قبل علي رأسي، وكساني
أبو بكر ما كان
عليه، إلى أن قال: " يا سلمان أنت مولى الله ورسوله ".
وهو منكر، في إسناده كذاب وهو إسحاق مع إرساله ووهن (1)
ابن لهيعة والتيمي.
سمويه (2): حدثنا عمرو بن حماد القناد (3) حدثنا أسباط بن
نصر، عن السدي، عن أبي مالك، وعن أبي صالح، عن ابن عباس،
وعن مرة عن ابن مسعود، وعن ناس من أصحاب رسول الله صلى
الله عليه وسلم في قوله: (إن الذين آمنوا والذين هادوا...)
الآية في أصحاب سلمان نزلت، وكان من أهل جند
__________
(1) تحرفت في المطبوع إلى " ووهنه ".
(2) في المطبوع " وبه ".
(3) تحرفت " قناد " في المطبوع إلى " هناد ".
(*)
(1/522)
سابور، وكان من أشرافهم، وكان ابن الملك صديقا له ومواخيا،
وكانا يركبان إلى الصيد، فبينما هما في الصيد إذ رفع لهما
بيت من عباء، فأتياه، فإذا هما برجل بين يديه مصحف يقرأ
فيه، ويبكي، فسألاه: ما هذا ؟ قال: الذي يريد أن يعلم هذا
لا يقف موقفكما، فانزلا.
فنزلا إليه، فقال: هذا كتاب جاء من عند الله أمر فيه
بطاعته، ونهى عن معصيته، فيه: أن لا تزني ولا تسرق، ولا
تأخذ أموال الناس بالباطل، فقص عليهما ما فيه، وهو
الانجيل.
فتابعاه فأسلما، وقال: إن ذبيحة قومكما عليكما حرام.
ولم يزل معهما يتعلمان منه حتى كان عيد للملك فجعل طعاما،
ثم جمع الناس والاشراف، وأرسل إلى ابن الملك، فدعاه ليأكل.
فأبى، وقال: إني عنك مشغول.
فلما أكثر عليه، أخبر أنه لا يأكل من طعامهم.
فقال له الملك: من أخبرك بهذا ؟ فذكر له الراهب.
فطلب الراهب وسأله، فقال: صدق ابنك.
فقال: لولا أن الدم
عظيم لقتلتك.
اخرج من أرضنا، فأجله أجلا.
فقمنا نبكي عليه، فقال: إن كنتما صادقين، فأنا في بيعة في
الموصل مع ستين رجلا نعبد الله، فائتونا.
فخرج، وبقي سلمان وابن الملك.
فجعل سلمان يقول لابن الملك: انطلق بنا، وابن الملك يقول:
نعم.
فجعل يبيع متاعه يريد الجهاز، وأبطأ، فخرج سلمان حتى
أتاهم، فنزل على صاحبه وهو رب البيعة.
فكان سلمان معه يجتهد في العبادة، فقال له الشيخ: إنك غلام
حدث (1)، وأنا خائف أن تفتر، فارفق بنفسك، قال: خل عني.
ثم إن صاحب البيعة دعاه، فقال: تعلم أن هذه البيعة لي، ولو
شئت أن
__________
(1) تصحفت في المطبوع إلى " حديث ".
(*)
(1/523)
أخرج هؤلاء، لفعلت، ولكني رجل أضعف عن عبادة هؤلاء، وأنا
أريد أن أتحول إلى بيعة أهلها أهون عبادة، فإن شئت أن تقيم
ها هنا، فأقم.
فأقام بها يتعبد معهم، ثم إن شيخه أراد أن يأتي بيت
المقدس، فدعا سلمان، وأعلمه، فانطلق معه، فمروا بمقعد على
الطريق، فنادى: يا سيد الرهبان ارحمني.
فلم يكلمه حتى أتى بيت المقدس، فقال لسلمان: اخرج فاطلب
العلم، فإنه يحضر المسجد علماء أهل الارض.
فخرج سلمان يسمع منهم، فخرج يوما حزينا، فقال له الشيخ:
مالك ؟ قال: أرى الخير كله قد ذهب به من كان قبلنا من
الانبياء وأتباعهم.
قال: أجل، لا تحزن فإنه قد بقي نبي ليس من نبي بأفضل تبعا
(1) منه، وهذا زمانه، ولا أراني أدركه، ولعلك تدركه.
وهو يخرج في أرض العرب، فإن أدركته فآمن به.
قال: فأخبرني عن علامته.
قال: مختوم في ظهره بخاتم
النبوة، يأكل الهدية، ولا يأكل الصدقة.
ثم رجعا حتى بلغا مكان المقعد.
فناداهما: يا سيد الرهبان، ارحمني يرحمك الله، فعطف إليه
حماره (2)، فأخذ بيده، ثم رفعه، فضرب به الارض ودعا له،
فقال: قم بإذن الله، فقام صحيحا يشتد (3)، وسار الراهب،
فتغيب عن سلمان وتطلبه سلمان.
فلقيه رجلان من كلب (4)، فقال: هل رأيتما الراهب ؟ فأناخ
أحدهما راحلته وقال: نعم، راعي الصرمة (5) هذا فانطلق به
إلى المدينة.
__________
(1) تحرفت في المطبوع إلى " نبيا ".
(2) تحرفت " حماره " في المطبوع إلى " جاره ".
(3) تحرفت في المطبوع إلى " يسير ".
(4) تحرفت في المطبوع إلى " كليب ".
(5) والصرمة: القطعة من الابل ما بين العشرة إلى الاربعين.
والجمع صرم، وقد ترك محقق المطبوع مكانها فارغا.
(*)
(1/524)
قال سلمان: فأصابني من الحزن شئ لم يصبني قط.
فاشترته امرأة من جهينة، فكان يرعى عليها هو وغلام لها
يتراوحان الغنم، وكان سلمان يجمع الدراهم ينتظر خروج محمد
صلى الله عليه وسلم.
فبينما هو يرعى إذ أتاه صاحبه، فقال: أشعرت أنه قدم
المدينة رجل يزعم أنه نبي ؟ فقال: أقم في الغنم حتى آتي،
فهبط إلى المدينة، فنظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم،
ورأى خاتم النبوة، ثم انطلق فاشترى بدينار بنصفه شاة
فشواها، وبنصفه خبزا وأتى به، فقال النبي صلى الله عليه
وسلم: ما هذا ؟ قال: صدقة، قال " لا حاجة لي بها "
أخرجها يأكلها المسلمون.
ثم انطلق فاشترى بدينار آخر خبزا ولحما، فأتى به (1)،
فقال: هذا هدية، فأكلا جميعا.
وأخبره سلمان خبر أصحابه، فقال: كانوا يصومون ويصلون،
ويشهدون أنك ستبعث.
فقال: " يا سلمان ! هم من أهل النار "، فاشتد ذلك على
سلمان.
وقد كان قال: لو أدركوك صدقوك واتبعوك.
فأنزل الله: (إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى
والصابئين) (2) الآية [ البقرة: 62 ].
الحسن بن يعقوب البخاري، والاصم: قالا: حدثنا يحيى بن
جعفر، حدثنا علي بن عاصم، حدثنا حاتم بن أبي صغيرة، عن
سماك بن حرب، عن زيد بن صوحان أن رجلين من أهل الكوفة كانا
له صديقين، فأتياه ليكلم لهما
__________
(1) " فأتى به " سقطت من المطبوع.
(2) انظر ابن عساكر 7 / 194 / آ.
وما بعدها.
وأخرجه الطبراني 1 / 321 من طريق موسى بن هارون، عن عمرو،
عن أسباط بن نصر، عن السدي: نزلت هذه...(*)
(1/525)
سلمان، ليحدثهما حديثه، فأقبلا معه، فلقوا سلمان بالمدائن
أميرا، وإذا هو على كرسي، وإذا خوص بين يديه وهو يرتقه.
قالا: فسلمنا عليه وقعدنا، فقال له زيد: يا أبا عبد الله،
كيف كان بدء إسلامك ؟ قال: كنت يتيما من رامهرمز، وكان ابن
دهقانها يختلف إلى معلم يعلمه، فلزمته لاكون في كنفه، وكان
لي أخ أكبر مني، وكان مستغنيا بنفسه، وكنت غلاما، وكان إذا
قام من مجلسه تفرق من يحفظهم، فإذا تفرقوا، خرج فقنع رأسه
بثوبه ثم صعد الجبل، كان يفعل ذلك غير مرة متنكرا.
فقلت له: إنك تفعل كذا وكذا، فلم لا تذهب بي معك ؟ قال:
أنت غلام، وأخاف أن يظهر منك شئ.
قلت: لا تخفف.
قال:
فإن في هذا الجبل قوما في برطيل (1) لهم عبادة وصلاح،
يزعمون أنا عبدة النيران وعبدة الاوثان، وأنا على غير
دينهم.
قلت: فاذهب بي معك إليهم، قال: لا أقدر على ذلك حتى
أستأمرهم، أخاف أن يظهر منك شئ، فيعلم، أو فيقتل القوم،
فيكون هلاكهم على يدي، قلت: لن يظهر مني ذلك، فاستأمرهم،
فقال: غلام عندي يتيم أحب أن يأتيكم ويسمع كلامكم.
قالوا: إن كنت تثق به، قال: أرجو، قال: فقال لي: ائتني في
الساعة التي رأيتني أخرج فيها، ولا يعلم بك أحد.
فلما كانت الساعة تبعته، فصعد الجبل، فانتهينا إليهم، قال
علي بن عاصم: أراه قال: وهم ستة أو سبعة، قال: وكأن الروح
قد خرج منهم من العبادة، يصومون النهار، ويقومون الليل،
ويأكلون عند السحر ما وجدوا.
فقعدنا إليهم، فتكلموا، فحمدوا الله، وذكروا من مضى من
الانبياء والرسل حتى خلصوا إلى ذكر عيسى.
فقالوا: بعث الله عيسى رسولا، وسخر له ما كان يفعل من
إحياء الموتى، وخلق الطير، وإبراء الاكمه والابرص، وكفر به
قوم، وتبعه قوم، وإنما كان عبد الله ورسوله ابتلى به
__________
(1) البرطيل: القلة والصومعة، وهي سريانية معربة.
(*)
(1/526)
خلقه.
وقالوا قبل ذلك: يا غلام إن لك لربا، وإن لك لمعادا، وإن
بين يديك جنة ونارا إليها تصير، وإن هؤلاء الذين يعبدون
النيران أهل كفر وضلالة ليسوا على دين.
فلما حضرت الساعة التي ينصرف فيها الغلام، انصرفت معه، ثم
غدونا إليهم، فقالوا مثل ذلك وأحسن، ولزمتهم.
فقالوا لي: يا سلمان ! إنك غلام، وإنك لا تستطيع أن تصنع
كما نصنع، فصل ونم وكل واشرب.
فاطلع الملك على صنيع ابنه، فركب في الخيل حتى أتاهم في
برطيلهم فقال: يا هؤلاء ! قد
جاورتموني، فأحسنت جواركم، ولم تروا مني سوءا، فعمدتم إلى
ابني، فأفسد تموه علي، قد أجلتكم ثلاثا، فإن قدرت بعدها
عليكم، أحرقت عليكم برطيلكم.
قالوا: نعم، وكف ابنه عن إتيانهم.
فقلت له: اتق الله ! فإنك تعرف أن هذا الدين دين الله، وأن
أباك على غير دين، فلا تبع آخرتك بدنيا غيرك.
قال: هو كما تقول، وإنما أتخلف عن القوم بقيا (1) عليهم.
قال: فأتيتهم في اليوم الذي أرادوا أن يرتحلوا، فقالوا: يا
سلمان، قد كنا نحذر ما رأيت، فاتق الله، واعلم أن الدين
مان أوصيناك به.
فلا يخدعنك أحد عن دينك.
قلت ما أنا بمفارقكم.
قالوا: فخذ شيئا تأكله فإنك لا تستطيع ما نستطيع نحن.
ففعلت.
ولقيت أخي، فعرضت عليه بأني أمشي معهم، فرزق الله السلامة
حتى قدمنا الموصل، فأتينا بيعة، فلما دخلوا أحفوا بهم
وقالوا: أين كنتم ؟ قالوا: " كنا في بلاد لا يذكرون الله
تعالى، بها عبدة النيران، فطردنا، فقدمنا عليكم.
فلما كان بعد، قالوا: يا سلمان ! إن ها هنا قوما في هذه
الجبال هم أهل
__________
(1) ترك مكانها فارغا في المطبوع، وقال في الهامش: كلمة
غير ظاهرة.
(*)
(1/527)
دين، وإنا نريد لقاءهم، فكن أنت ها هنا.
قلت: ما أنا بمفارقكم.
فخرجوا وأنا معهم، فأصبحوا بين جبال، وإذا ماء كثير وخبز
كثير، وإذا صخرة، فقعدنا عندها.
فلما طلعت الشمس، خرجوا من بين تلك الجبال، يخرج رجل رجل
من مكانه كأن الارواح قد انتزعت منهم، حتى كثروا فرحبوا
بهم وحفوا، وقالوا: أين كنتم ؟ قالوا: كنا في بلاد فيها
عبدة نيران.
فقالوا: ما هذا الغلام ؟ وطفقوا يثنون علي، وقالوا: صحبنا
من تلك البلاد.
فوالله إنهم لكذلك إذ طلع عليهم رجل من كهف، فجاء فسلم،
فحفوا به، وعظمه أصحابي،
وقال: أين كنتم ؟ فأخبروه، فقال: ما هذا الغلام ؟ فأثنوا
علي.
فحمد الله وأثنى عليه، وذكر رسله، وذكر مولد عيسى ابن
مريم، وأنه ولد بغير ذكر، فبعثه الله رسولا، وأجرى على
يديه إحياء الموتى، وأنه يخلق من الطين كهيئة الطير، فينفخ
فيه، فيكون طيرا بإذن الله، وأنزل عليه الانجيل، وعلمه
التوراة، وبعثه رسولا إلى بني إسرائيل، فكفر به قوم، وآمن
به قوم، إلى أن قال: فالزموا ما جاء به عيسى، ولا تخالفوا،
فيخالف بكم.
ثم قال: من أراد أن يأخذ من هذا شيئا، فليأخذ.
فجعل الرجل يقوم فيأخذ الجرة من الماء والطعام والشئ، فقام
إليه أصحابي الذين جئت معهم، فسلموا عليه، وعظموه، وقال
لهم: الزموا هذا الدين وإياكم أن تفرقوا، واستوصوا بهذا
الغلام خيرا، وقال لي: يا غلام ! هذا دين الله الذي تسمعني
أقوله، وما سواه الكفر.
قلت: ما أنا بمفارقك.
قال: إنك لا تستطيع أن تكون معي، إني ما أخرج من كهفي هذا
إلا كل يوم أحد.
قلت: ما أنا بمفارقك.
قال له أصحابه: يا أبا فلان إن هذا لغلام ويخاف عليه.
قال لي: أنت أعلم.
قلت: فإني لا أفارقك.
فبكى أصحابي لفراقي، فقال: يا غلام ! خذ من هذا الطعام ما
يكفيك للاحد الآخر، وخذ من الماء ما تكتفي به، ففعلته، فما
رأيته نائما ولا طاعما إلا راكعا (*)
(1/528)
وساجدا إلى الاحد الآخر.
فلما أصبحنا قال: خذ جرتك هذه وانطلق.
فخرجت أتبعه حتى انتهينا إلى الصخرة، وإذا هم قد خرجوا من
تلك الجبال ينتظرون خروجه، فعدوا، وعاد في حديثه وقال:
الزموا هذا الدين، ولا تفرقوا، واذكروا الله، واعلموا أن
عيسى كان عبد الله أنعم على، فقالوا: كيف وجدت هذا الغلام
؟ فأثنى علي.
وإذا خبز كثير وماء كثير، فأخذوا ما يكفيهم وفعلت.
فتفرقوا في تلك الجبال، ورجعنا إلى الكهف.
فلبثنا ما شاء الله يخرج كل أحد
ويحفون به.
فخرج يوما فحمد الله تعالى ووعظهم، ثم قال: يا هؤلاء ! إنه
قد كبر سني، ورق عظمي، واقترب أجلي، وإنه لا عهد لي بهذا
البيت مذ كذا وكذا، ولا بد من إتيانه، فاستوصوا بهذا
الغلام خيرا، فإني رأيته لا بأس به.
فجزع القوم، وقالوا: أنت كبير، وأنت وحدك، فلا نأمن أن
يصيبك الشئ ولسنا عندك، ما أحوج ما كنا إليك.
قال: لا تراجعوني، فقلت: ما أنا بمفارقك.
قال: يا سلمان ! قد رأيت حالي وما كنت عليه، وليس هذا
كذلك، أنا أمشي أصوم النهار، وأقوم الليل، ولا أستطيع أن
أحمل معي زادا ولا غيره، وأنت لا تقدر على هذا.
قلت: ما أنا بمفارقك.
قال: أنت أعلم.
وبكوا وودعوه، واتبعته يذكر الله ولا يلتفت، ولا يقف على
شئ، حتى إذا أمسينا قال: صل أنت، ونم، وقم، وكل، واشرب.
ثم قام يصلي حتى إذا انتهينا إلى بيت المقدس، وكان لا يرفع
طرفه إلى السماء، فإذا على باب المسجد مقعد، فقال: يا عبد
الله ! قد ترى حالي، فتصدق علي بشئ فلم يلتفت إليه، ودخل
المسجد.
فجعل يتبع أمكنة يصلي فيها.
ثم قال: يا سلمان ! لم أنم مذ كذا وكذا، فإن أنت جلعت أن
توقظني إذا بلغ الظل مكان كذا وكذا نمت، فإني أحب أن أنام
في هذا المسجد، وإلا لم أنم.
قلت: فإني أفعل.
فنام، فقلت في نفسي: هذا لم ينم منذ كذا وكذا لادعنه ينام.
(*)
(1/529)
وكان لما يمشي وأنا معه يقبل علي فيعظني ويخبرني أن لي
ربا، وأن بين يدي جنة ونارا وحسابا، ويذكرني نحو ما كان
يذكر القوم يوم الاحد حتى قال: يا سلمان ! إن الله سوف
يبعث رسولا اسمه أحمد يخرج بتهامة، وكان رجلا أعجميا لا
يحسن أن يقول محمد، علامته أنه يأكل الهدية، ولا يأكل
الصدقة، بين كتفيه خاتم النبوة، وهذا زمانه الذي يخرج فيه
قد تقارب، فأما أنا فإني
شيخ كبير ولا أحسبني أدركه، فإن أنت أدركته، فصدقه واتبعه.
قلت: وإن أمرني بترك دينك وما أنت عليه، قال: نعم.
فإن رضى الرحمن فيما قال.
فلم يمض إلا يسير حتى استيقظ فزعا يذكر الله تعالى، فقال:
يا سلمان ! مضى الفئ من هذا المكان ولم أذكر الله، أين ما
كنت جعلت على نفسك ؟ قلت: لانك لم تنم منذ كذا وكذا،
فأحببت أن تستوفي من النوم.
فحمد الله وقام.
وخرج فتبعته، فمر بالمقعد، فقال: يا عبد الله ! دخلت
وسألتك فلم تعطني وخرجت فسألتك (1) فلم تعطني، فقام ينظر
هل يرى أحدا فلم ير، فدنا منه، وقال له: ناولني يدك،
فناوله، فقال: باسم الله، فقام كأنه نشط من عقال، صحيحا لا
عيب فيه.
فانطلق ذاهبا، فكان لا يلوي على أحد، ولا يقوم عليه.
فقال لي المقعد: يا غلام ! احمل علي ثيابي حتى أنطلق وأبشر
أهلي.
فحملت عليه ثيابه، وانطلق لا يلوي علي.
فخرجت في أثره أطلبه، فكلما سألت عنه، قالوا أمامك.
حتى لقيني ركب من كلب فسألتهم،
__________
(1) سقطت " فسألتك " من المطبوع.
(*)
(1/530)
فلما سمعوا لغتي (1) أناخ رجل منهم بعيره، فجعلني خلفه حتى
أتوا بي بلادهم، فباعوني، واشترتني امرأة من الانصار
فجعلتني في حائط لها.
وقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرت به، فأخذت شيئا
من تمر حائطي وأتيته فوجدت عنده ناسا، وإذا أبو بكر أقرب
الناس إليه، فوضعته بين يديه، فقال: ما هذا ؟ قلت: صدقة،
فقال: كلوا، ولم يأكل.
ثم لبثت ما شاء الله، ثم أخذت مثل ذلك وأتيته به.
فوجدت عنده ناسا، فوضعته بين يديه، فقال: ما هذا ؟ قلت:
هدية.
فقال: باسم الله، وأكل وأكل القوم.
فقلت في نفسي: هذه من
آياته.
كان صاحبي رجلا أعجميا لم يحسن أن يقول تهامة فقال: تهمة.
قال: فدرت من خلفه، ففطن لي فأرخى ثوبه، فإذا الخاتم في
ناحية كتفه الايسر، فتبينته، ثم درت حتى جلست بين يديه،
فقلت، أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله، قال: من
أنت ؟ قلت: مملوك، وحدثته حديثي، وحديث الذي كنت معه، وما
أمرني به.
قال: لمن أنت قلت: لا مرأة من الانصار جعلتني في حائط لها،
قال: يا أبا بكر ! قال: لبيك.
قال: اشتره.
فاشتراني أبو بكر، فأعتقني.
فلبثت ما شاء الله، ثم أتيته، فسلمت عليه، وقعدت بين يديه
فقلت: يا رسول الله ! ما تقول في دين النصارى ؟ قال: " لا
خير فيهم ولا في دينهم ".
فدخلني أمر عظيم.
وقلت في نفسي: الذي أقام المقعد لا خير في هؤلاء ولا في
دينهم.
فانصرفت وفي نفسي ما شاء الله، وأنزل الله على نبيه (ذلك
بأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لا يستكبرون) [ المائدة: 82
].
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: علي بسلمان.
فأتاني الرسول وأنا خائف،
__________
(1) تحرفت في المطبوع إلى " نعتي ".
(*)
(1/531)
فجئته فقرأ: (بسم الله الرحمن الرحيم.
ذلك بأن منهم قسيسين) ثم قال: " يا سلمان، إن الذين كنت
معهم وصاحبك لم يكونوا نصارى، إنما كانوا مسلمين " فقلت:
والذي بعثك بالحق لهو الذي أمرني باتباعك، فقلت له: وإن
أمرني بترك دينك وما أنت عليه ؟ قال: نعم فاتركه فإنه الحق
(1).
هذا حديث جيد الاسناد حكم الحاكم بصحته.
سعدويه الواسطي، وأحمد بن حاتم الطويل، وجماعة قالوا:
حدثنا عبد الله بن عبد القدوس الرازي، حدثنا عبيد المكتب،
حدثني أبو الطفيل عامر بن
واثلة، حدثني سلمان الفارسي قال: كنت رجلا من أهل جي.
وكان أهل قريتي يعبدون الخيل البلق، وكنت أعرف أنهم ليسوا
على شئ.
فقيل لي: إن الذي ترومه إنما هو بالمغرب، فأتيت الموصل،
فسألت عن أفضل رجل فيها.
فدللت على رجل في صومعة، فأتيته، فقلت له: إني رجل من أهل
جي، وإني جئت أطلب العلم، فضمني إليك أخدمك وأصحبك،
وتعلمني مما علمك الله.
قال: نعم.
فأجرى علي مثل ما كان يجرى عليه، وكان يجرى عليه الخل
والزيت والحبوب.
فلم أزل معه حتى نزل به الموت، فجلست عند رأسه أبكيه،
فقال: ما يبكيك ؟ قلت: يبكيني أني خرجت من بلادي أطلب
الخير، فرزقني الله فصحبتك، فعلمتني، وأحسنت صحبتي، فنزل
بك الموت، فلا أدري أين أذهب.
قال: لي أخ بالجزيرة مكان كذا
__________
(1) أخرجه الحاكم 3 / 599 - 602، وقال: حديث صحيح عال في
ذكر إسلام سلمان.
ولم يخرجاه، وأخرجه الفسوي 2 / 272 في " المعرفة والتاريخ
" من طريق: زكريا من الارسوفي، عن السري بن يحيى عن سليمان
التيمي، عن أبي عثمان النهدي قال:...، وكذلك هو عند الذهبي
في " تاريخ الاسلام " 2 / 158 وقال: إسناده جيد.
وزكريا الارسوفي صدوق إن شاء الله.
(*)
(1/532)
وكذا، فهو على الحق، فائته، فأقرئه مني السلام، وأخبره أني
أوصيت إليه، وأوصيتك بصحبته.
فلما قبض أتيت الرجل الذي وصف لي، فأخبرته، فضمني إليه،
فصحبته ما شاء الله، ثم نزل به الموت، فأوصى بي إلى رجل
بقرب الروم، فلما قبض، أتيته فضمني إليه، فلما احتضر،
بكيت، فقال: ما بقي أحد على دين عيسى أعلمه، ولكن هذا أوان
يخرج نبي، أو قد خرج بتهامة، وأنت على الطريق لا يمر بك
أحد إلا سألته عنه، وإذا بلغك أنه قد خرج، فائته، فإنه
النبي الذي بشر به عيسى، وآية (1) ذلك، فذكر الخاتم
والهدية
والصدقة.
قال: فمات، ومر بي ناس من أهل مكة فسألتهم فقالوا: نعم قد
ظهر فينا رجل يزعم أنه نبي.
فقلت لبعضهم: هل لكم أن أكون لكم عبدا على أن تحملوني
عقبة، وتطعموني من الكسر ؟ فقال رجل: أنا.
فصرت له عبدا حتى قدم بي مكة، فجعلني في بستان له مع حبشان
كانوا فيه، فخرجت، وسألت، فلقيت امرأة من أهل بلادي،
فسألتها، فإذا أهل بيتها قد أسلموا.
فقالت لي: إن النبي صلى الله عليه وسلم يجلس في الحجر هو
وأصحابه إذا صاح عصفور مكة، حتى إذا أضاء لهم الفجر
تفرقوا.
فانطلقت إلى البستان، وكنت أختلف ليلتي.
فقال لي الحبشان: ما لك ؟ قلت: أشتكي بطني.
وإنما صنعت ذلك لئلا يفقدوني.
فلما كانت الساعة التي أخبرتني، خرجت أمشي حتى رأيت النبي
صلى الله عليه وسلم، فإذا هو محتب وأصحابه حوله، فأتيته من
ورائه، فأرسل حبوته، فنظرت إلى خاتم النبوة بين كتفيه.
فقلت: الله أكبر هذه واحدة.
ثم انصرفت.
فلما كانت الليلة المقبلة، لقطت تمرا جيدا فأتيت به النبي
صلى الله عليه وسلم، فوضعته بين يديه.
فقال: ما هذا ؟ فقلت: صدقة.
إلى أن قال: فاذهب فاشتر نفسك.
فانطلقت إلى صاحبي فقلت: بعني نفسي.
قال: نعم على أن تنبت
__________
(1) في الاصل " وإنه " وهو خطأ.
(*)
(1/533)
لي مئة نخلة، فإذا أنبتت جئني بوزن نواة من ذهب.
فأتيت رسول الله فأخبرته فقال: اشتر نفسك بذلك، وائتني
بدلو من ماء البئر الذي كنت تسقي منها ذلك النخل.
فدعا لي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها، ثم سقيتها،
فوالله لقد غرست مئة نخلة، فما غادرت منها نخلة إلا نبتت.
فأخبرت النبي صلى الله عليه وسلم، فأعطاني قطعة من ذهب،
فانطلقت بها فوضعتها في كفة الميزان، ووضع في الجانب الآخر
نواة.
فوالله ما استقلت القطعة الذهب من الارض، وجئت رسول الله
وأخبرته، فأعتقني (1).
هذا حديث منكر غير صحيح، و عبد الله بن عبد القدوس متروك،
وقد تابعه في بعض الحديث الثوري، وشريك، وأما هو، فسمن
الحديث فأفسده، وذكر مكة والحجر وأن هناك بساتين، وخبط في
مواضع.
وروى منه أبو أحمد الزبيري، عن سفيان، عن العلاء، عن أبي
الطفيل.
ورواه المبارك أخو الثوري، عن أبيه، عن عبيد المكتب، فقال:
عن أبي البختري، عن سلمان، وفي هذه الروايات كلها: كنت من
أهل جي.
وقال الفريابي وغيره: عن سفيان، عن عوف، عن أبي عثمان، عن
سلمان، قال: كنت رجلا من رامهرمز.
والفارسية سماها ابن مندة: أمة الله.
الطبراني في " معجمه الكبير ": حدثنا أحمد بن داود المكي،
حدثنا قيس ابن حفص الدارمي، حدثنا مسلمة (2) بن علقمة،
حدثنا داود بن أبي هند، عن
__________
(1) أخرجه أبو نعيم في " الحلية " 1 / 190، والحاكم 3 /
603، وقال: حديث صحيح الاسناد والمعاني قريبة من الاسناد
الاول، وتعقبه الذهبي بقوله: ابن عبد القدوس ساقط، وأخرجه
الطبراني (6073)، وذكره الهيثمي في " المجمع " 9 / 337،
وقال: رواه الطبراني، وفيه عبد الله بن عبد القدوس
التميمي.
ضعفه أحمد والمجمهور، ووثقه ابن حيان، وقال: ربما أغرب.
وبقية رجاله ثقات.
وانظر ابن عساكر 7 / 195 / ب.
(2) تحرفت في المطبوع إلى " سلمة ".
(*)
(1/534)
سماك بن حرب، عن سلامة العجلي قال: جاء ابن أخت لي من
البادية يقال له: قدامة، فقال: أحب أن ألقى سلمان: فخرجنا
إليه، فسلمنا عليه، وجدناه بالمدائن وهو يومئذ على عشرين
ألفا، ووجدناه على سرير ليف يسف خوصا.
فقلت: يا أبا عبد الله ! هذا ابن أخت لي قدم، فأحب أن يسلم
عليك.
قال:
وعليه السلام ورحمة الله وبركاته.
قلت: يزعم أنه يحبك.
قال: أحبه الله.
فتحدثنا وقلنا: ألا تحدثنا عن أصلك (1) ؟ قال: أنا من أهل
رامهرمز، كنا قوما مجوسا، فأتاني نصراني من الجزيرة كانت
أمه منا، فنزل فينا واتخذ ديرا، وكنت في مكتب الفارسية،
فكان لا يزال غلام معي في الكتاب يجئ مضروبا يبكي، فقلت له
يوما، ما يبكيك ؟ قال: يضربني أبواي، قلت: ولم ؟ قال: آتي
هذا الدير، فإذا علما ذلك، ضرباني، وأنت لو أتيته سمعت منه
حديثا عجبا.
قلت: فاذهب بي معك.
فأتيناه، فحدثنا عن بدء الخلق، وعن الجنة والنار.
وكنت أختلف إليه معه، ففظن لنا غلمان من الكتاب، فجعلوا
يجيئون معنا، فلما رأى ذلك أهل القرية قالوا له: يا هناة
(2) ! إنك قد جاورتنا فلم تر منا إلا الحسن، وإنا نرى
غلماننا يختلفون إليك، ونحن نخاف أن تفسدهم، اخرج عنا.
قال: نعم.
فقال لذلك الغلام: اخرج معي.
قال: لا أستطيع، قد علمت شدة أبوي علي.
قلت: أنا أخرج معك، وكنت يتيما لا أب لي.
فخرجت، فأخذنا جبل رامهرمز نمشي ونتوكل، ونأكل من ثمر
الشجر، حتى قدمنا الجزيرة، فقدمنا نصيبين.
قال: هنا قوم عباد أهل الارض، فجئنا إليهم يوم الاحد وقد
اجتمعوا، فسلم عليهم، فحيوه، وبشوا به وقالوا: أين كانت
غيبتك ؟ قال: كنت في إخوان لي من قبل فارس.
ثم قال صاحبي: قم يا
__________
(1) تحرفت في المطبوع إلى " أهلك ".
(2) تحرفت في المطبوع إلى " يا هذا ".
(*)
(1/535)
سلمان قال: قلت: لا، دعني مع هؤلاء.
قال: إنك لا تطيق ما يطيق هؤلاء، يصرمون الاحد إلى الاحد،
ولا ينامون هذا الليل.
وإذا فيهم رجل من أبناء الملوك ترك الملك، ودخل في
العبادة، فكنت فيهم حتى أمسينا، فجعلوا
يذهبون واحدا واحدا إلى غاره الذي يكون فيه.
فقال لي: يا سلمان ! هذا خبز وهذا أدم، كل إذا غرثت، وصم
إذا نشطت، وصل ما بدا لك، ثم قام في صلاته، فلم يكلمني،
ولم ينظر إلي، فأخذني الغم تلك الايام السبعة حتى كان يوم
الاحد، فذهبنا إلى مجمعهم، إلى أن قال صاحبي: إني أريد
الخروج إلى بيت المقدس.
ففرحت، وقلت: نسافر، ونلقى الناس.
فخرجنا، فكان يصوم من الاحد إلى الاحد، ويصلي الليل كله،
ويمشي بالنهار.
فلم يزل ذاك دأبه حتى انتهينا إلى بيت المقدس، وعلى بابه
مقعد يسأل الناس.
فقال: أعطني، قال: ما معي شئ.
فدخلنا بيت المقدس، فبشوا به واستبشروا، فقال لهم: غلامي
هذا استوصوا به، فأطعموني خبزا ولحما.
ودخل في الصلاة، فلم ينصرف حتى كان يوم الاحد، فقال لي: يا
سلمان ! إني أريد أن أنام، فإذا بلغ الظل مكان كذا وكذا
فأيقظني.
فنام فلم أوقظه ماوية له مما دأب.
فاستيقظ مذعورا، فقال: ألم أكن قلت لك ؟ ثم قال لي: اعلم
أن أفضل الدين اليوم النصرانية، قلت: ويكون بعد اليوم دين
أفضل منه كلمة ألقيت على لساني ؟ قال: نعم يوشك أن يبعث
نبي..إلى أن قال: فتلقاني رفقة من كلب.
فسبوني، فاشتراني بالمدينة رجل من الانصار، فجعلني في نخل،
ومن ثم تعلمت عمل الخوص، أشتري خوصا بدرهم، فأعمله فأبيعه
بدرهمين، فأرد درهما في الخوص، وأستنفق درهما أحب أن كان
من عمل يدي.
قال: فبلغنا أن رجلا قد خرج بمكة يزعم أن الله أرسله.
قال: فهاجر إلينا،
(1/536)
إلى أن قال: فقلت يا رسول الله ! أي قوم النصارى ؟ قال: "
لا خير فيهم ولا فيمن يحبهم " قلت في نفسي: أنا والله
أحبهم.
قال: وذاك حين بعث السرايا،
وجرد السيف، فسرية تدخل، وسرية تخرج، والسيف يقطر، قلت:
يحدث بي أني أحبهم، فيبعث إلي فيضرب عنقي.
فقعدت في البيت، فجاءني الرسول: أجب رسول الله، فخفت،
وقلت: اذهب حتى ألحقك، قال: لا والله حتى تجئ.
فانطلقت، فلما رآني، تبسم، وقال: يا سلمان أبشر، فقد فرج
الله عنك، ثم تلا علي (الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به
يؤمنون، وإذا يتلى عليهم قالوا آمنا به..) إلى قوله (لا
نبتغي الجاهلين) [ القصص: 52 ].
قلت: والذي بعثك بالحق لقد سمعته يقول: يعني صاحبه: لو
أدركته، فأمرني أن أقع في النار، لوقعت فيها، إنه نبي لا
يقول إلا حقا، ولا يأمر إلا بحق (1).
غريب جدا وسلامة لا يعرف.
قال بقي بن مخلد في " مسنده ": حدثنا يحيى الحماني، حدثنا
شريك، عن عبيد المكتب، عن أبي الطفيل، عن سلمان قال: خرجت
في طلب العلم إلى الشام.
فقالوا لي: إن نبيا قد ظهر بتهامة، فخرجت إلى المدينة،
فبعثت إلبه بقباع من تمر، فقال: " أهدية أم صدقة " ؟ قلت:
صدقة.
فقبض يده، وأشار إلى أصحابه أن يأكلوا.
ثم أتبعته بقباع من تمر، وقلت: هذا هدية، فأكل وأكلوا.
فقمت على رأسه، ففطن فقال بردائه عن ظهره فإذا في ظهره
خاتم النبوة، فأكببت عليه، وتشهدت (2).
__________
(1) أخرجه الطبراني (6110)، وذكره الهيثمي في " المجمع " 9
/ 340، وقال رواه الطبراني، ورجاله رجال الصحيح، غير سلامة
العجلي، وقد وثقه ابن حبان على عادته في توثيق المجاهيل.
(2) رجاله ثقات غير شريك، وهو ابن عبد الله فإنه سيئ
الحفظ.
وأخرجه الطبراني (6071) = (*)
(1/537)
إسناده صالح.
أخرج البخاري من حديث سليمان (1) التيمي، عن أبي عثمان
النهدي، عن سلمان الفارسي قال: تداولني بضعة عشر من رب إلى
رب (2).
يحيى الحماني: حدثنا شريك، عن عبيد المكتب، عن أبي الطفيل،
عن سلمان قال: كاتبت، فأعانني النبي صلى الله عليه وسلم
ببضة من ذهب، فلو وزنت بأحد كانت أثقل منه (3).
حماد بن سلمة: أنبأنا علي بن زيد، عن أبي عثمان، عن سلمان
قال: كاتبت أهلي على أن أغرس لهم خمس مئة فسيلة، فإذا
علقت، فأنا حر، فقال النبي، صلى الله عليه وسلم: إذا أردت
أن تغرس فآذني.
فأذنته، فغرس بيده إلا واحدة [ غرستها ] فيعلق الجميع إلا
الواحدة التي غرست (4).
قيس بن الربيع: حدثنا أبو هاشم، عن زاذان، عن سلمان قال:
قرأت في التوراة أن البركة تنزل في الوضوء قبل الطعام.
فذكرت ذلك النبي، صلى الله عليه وسلم، فقال: " تنزل قبل
الطعام في الوضوء، وفي الوضوء بعده " (5).
__________
= من طريق علي بن عبد العزيز، عن ابن الاصبهاني، عن شريك،
به مختصرا.
والقباع بضم القاف: مكيال واسع أحدثه رجل اسمه قباع، فسمي
به.
(1) تحرف " سليمان " في المطبوع إلى " سلمان ".
(2) أخرجه البخاري (3946) في مناقب الانصار: باب إسلام
سلمان، وأبو نعيم في " الحلية " 1 / 195، وابن عبد البر في
" الاستيعاب " 4 / 221.
(3) إسناده ضعيف لضعف شريك.
وأخرجه الطبراني في " الكبير " (6072).
(4) إسناده ضعيف لضعف علي بن زيد بن جدعان، وأخرجه أحمد 5
/ 440 وابن سعد 4 / 1 / 57.
(5) إسناده ضعيف لضعف قيس بن الربيع، وأخرجه أحمد 5 / 441،
وأبو داود (3761) في الاطعمة: باب في غسل اليد قبل الطعام،
والترمذي (1847) في الاطعمة: باب ما جاء في الوضوء
قبل الطعام وبعده، والحاكم في " المستدرك " 3 / 604 كلهم
من طريق قيس بن الربيع، عن أبي هاشم الزماني، عن زاذان، عن
سلمان..، والطيالسي (1674)، وضعفه أبو داود، والترمذي،
والذهبي، والعراقي، وانظر الحاكم 4 / 106 - 107.
وقد تصحف أبو هاشم في المطبوع إلى " هشام ".
(*)
(1/538)
أبو بدر (1) السكوني: عن قابوس بن أبي ظبيان، عن أبيه، عن
سلمان: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يا سلمان !
لا تبغضني فتفارق دينك " قلت: بأبي وأمي كيف أبغضك (2) وبك
هداني الله ! قال: " تبغض العرب فتبغضني " (3).
قابوس بن حسنة: قال الترمذي: يحيى بن عقبة بن أبي العيزار
من الضعفاء، عن محمد بن جحادة، عن أنس قال: قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: " أنا سابق ولد آدم وسلمان سابق الفرس
" (4).
ابن علية: عن يونس بن عبيد، عن الحسن، قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم: " سلمان سابق الفرس " (5).
هذا مرسل ومعناه صحيح.
ابن أبي فديك: عن كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف (6)، عن
أبيه، عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم خط الخندق عام
الاحزاب.
فاحتج المهاجرون والانصار في
__________
(1) هو أبو بدر شجاع بن الوليد السكوني.
وقد تحرفت في المطبوع إلى " بدار ".
(2) سقطت من المطبوع.
(3) أخرجه أحمد 5 / 440، والطبراني (6093)، والترمذي
(3923) في المناقب: باب في فضل العرب.
وقال: حديث حسن غريب لا يعرف إلا من حديث أبي بدر شجاع بن
الوليد، كذا قال، مع أن قابوس بن أبي ظبيان فيه لبن، وأبوه
واسمه حصين بن جندب لم يسمع من سلمان.
(4) سبق تخريجه في الصفحة (349) تعليق (2).
(5) أخرجه ابن سعد 4 / 1 / 59.
(6) تحرفت الجلمة في المطبوع إلى كثير بن عبد الله عن عوف.
(*)
(1/539)
سلمان الفارسي، وكان رجلا قويا، فقال المهاجرون: منا
سلمان.
وقالت الانصار: سلمان منا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:
" سلمان منا أهل البيت " (1).
كثير متروك.
حماد بن سلمة: عن ثابت، عن معاوية بن قرة، عن عائذ بن عمرو
أن أبا سفيان مر على سلمان وبلال وصهيب في نفر فقالوا: ما
أخذت سيوف الله من عنق عدو الله مأخذها.
فقال أبو بكر: تقولون هذا لشيخ قريش وسيدها ! ثم أتى النبي
صلى الله عليه وسلم، فأخبره، فقال: " يا أبا بكر ! لعلك
أغضبتهم، لئن كنت أغضبتهم لقد أغضبت ربك " فأتاهم أبو بكر
فقال: يا إخوتاه أغضبتكم ؟ قالوا: لا يا أبا بكر يغفر الله
لك (2).
قال الواقدي: أول مغازي سلمان الفارسي الخندق.
أحمد في " مسنده " حدثنا ابن نمير حدثنا شريك، حدثنا أبو
ربيعة، عن ابن بريدة عن أبيه مرفوعا: " إن الله يحب من
أصحابي أربعة، وأمرني أن أحبهم: علي، وأبو ذر، وسلمان،
والمقداد " (3).
تفرد به أبو ربيعة.
__________
(1) أخرجه ابن سعد 4 / 1 / 59، والحاكم 3 / 598 كلاهما من
طريق: ابن أبي فديك، عن كثير ابن عبد الله، عن أبيه، عن
جده، وقال الذهبي: سنده ضعيف.
(2) أخرجه أحمد 5 / 64، ومسلم (2504) في الفضائل: باب من
فضائل سلمان، وهو في " الاستيعاب " 4 / 224.
(3) شريك بن عبد الله سيئ الحفظ، وأبو ربيعة: هو عمرو بن
ربيعة.
قال أبو حاتم: منكر الحديث.
ووثقه ابن معين ومال المؤلف في " الميزان " إلى تضعيفه،
ومع ذلك فقد حسنه
الترمذي.
وأخرجه أحمد 5 / 351، والترمذي (3720) في المناقب: باب
مناقب علي، وقال: هذا حديث حسن غريب، وابن ماجه (149) في
المقدمة: باب فضل سلمان وأبي ذر، وأبو نعيم 1 / 190،
والحاكم 3 / 130، وقال: صجيع على شرط مسلم، وتعقبه الذهبي،
فقال: ما خرج مسلم لابي ربيعة، وهو في " الاستيعاب " 4 /
223، و " الاصابة " 4 / 224.
(*)
(1/540)
الحسن بن صالح بن حي: عن أبي ربيعة البصري، عن الحسن، عن
أنس قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الجنة تشتاق
إلى ثلاثة: علي وعمار وسلمان (1).
يعلي بن عبيد: حدثنا الاعمش، عن عمرو بن مرة، عن أبي
البختري قال: قيل لعلي: أخبرنا عن أصحاب محمد، صلى الله
عليه وسلم، قال: عن أيهم تسألون ؟ قيل: عن عبد الله، قال:
علم القرآن والسنة، ثم انتهى وكفى به علما.
قالوا: عمار ؟ قال: مؤمن نسي فإن ذكرته، ذكر.
قالوا: أبو ذر ؟ قال: وعى علما عجز عنه.
قالوا: أبو موسى ؟ قال: صبغ في العلم صبغة، ثم خرج منه.
قالوا: حذيفة ؟ قال: أعلم أصحاب محمد بالمنافقين.
قالوا: سلمان ؟ قال: أدرك العلم الاول، والعلم الآخر، بحر
لا يدرك قعره، وهو منا أهل البيت.
قالوا: فأنت يا أمير المؤمنين ؟ قال: كنت إذا سألت أعطيت،
وإذا سكت ابتديت (2).
مسلم بن خالد الزنجي وغيره، عن العلاء بن عبد الرحمن (3)،
عن أبيه، عن أبي هريرة أن النبي، صلى الله عليه وسلم، تلا
هذه الآية: (وإن تتولوا يستبدل قوما
__________
(1) إسناده ضعيف لضعف أبي ربيعة كما مر في التعليق السابق،
ولعنعنة الحسن، وأخرجه الترمذي (3798) في المناقب، وقال:
حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث الحسن بن صالح.
وأبو نعيم في " الحلية " 1 / 190، وأضاف إليهم رابعا هو
المقداد، وذكره الهيثمي في
" المجمع " 9 / 307، 344، وقال: رواه الطبراني ورجاله رجال
الصحيح، غير أبي ربيعة الايادي، وقد حسن الترمذي حديثه.
وأخرجه الطبراني (6045) من طريق: حسين بن إسحاق التستري،
عن علي بن بحر، عن سلمة بن فضل الابرش، عن عمران الطائي،
عن أنس: أن الجنة تشتاق إلى أربعة: وزاد إليهم المقداد.
وقد تقدم هذا الحديث في الصفحة (355) والصفحة (413) (2)
رجاله ثقات.
وقد سبق تخريجه في الصفحة (414) رقم (2).
(3) تحرفت في المطبوع إلى " عبد العزيز ".
(*)
(1/541)
غيركم) قالوا: يا رسول الله ! من هؤلاء ؟ قال: فضرب على
فخذ سلمان الفارسي ثم قال: " هذا وقومه، لو كان الدين عند
الثريا لتناوله رجال من الفرس (1) ".
إسناده وسط.
وكيع: عن الاعمش، عن أبي صالح قال: بلغ النبي، صلى الله
عليه وسلم، قول سلمان لابي الدرداء: إن لاهلك عليك حقا.
فقال: " ثكلت سلمان أمه، لقدا تسع من العلم (2) " شيبان:
عن قتادة في قوله: (ومن عنده علم الكتاب) قال: سلمان وعبد
الله بن سلام (3).
__________
(1) أخرجه أبو نعيم في " تاريخ أصبهان " 1 / 2، 3 من طريق
مسلم بن خالد الزنجي، ومن طريق عبد الله بن جعفر المديني:
كلاهما عن العلاء بن عبد الرحمن الحرقي به، وأخرجه البخاري
(4897) و (4898) في التفسير: باب قوله: وآخرين منهم لما
يلحقوا بهم، من طريق سليمان بن بلال، عن ثور، عن أبي
الغيث، عن أبي هريرة، قال: كنا جلوسا، عند النبي، صلى الله
عليه وسلم، فأنزلت عليه سورة الجمعة (وآخرين منهم لما
يلحقوا بهم)، قال: قلت من هم يا رسول الله ؟ فلم يراجعه
حتى
سأل ثلاثا - وفينا سلمان الفارسي.
وضع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يده على سلمان - ثم
قال: لو كان الايمان عند الثريا، لناله رجال من هؤلاء "،
وأخرجه مسلم (2546) في الفضائل: باب فضائل الفرس، مجردا عن
السبب من رواية يزيد بن الاصم، عن أبي هريرة رفعه " لو كان
الدين عند الثريا لذهب به رجل من فارس حتى يتناوله "،
والترمذي (3307) في التفسير: باب ومن سورة الجمعة.
(2) ذكره الهيثمي في " المجمع " 9 / 343 - 344 مطولا،
ونسبه إلى الطبراني في " الاوسط "، وأخرجه ابن سعد 4 / 1 /
60 - 61 من طريق عبد الله بن نمير، عن الاعمش، به.
(3) أخرجه الطبري في " تفسيره " 13 / 177، وانظر " الدر
المنثور " تفسير [ الرعد: 42 ].
(*)
(1/542)
إسحاق الازرق: عن ابن (1) عون، عن ابن سيرين أن النبي، صلى
الله عليه وسلم، قال لابي الدرداء: " يا عويمر ! سلمان
أعلم منك.
لا تخص ليلة الجمعة بقيام ولا يومها بصيام (2) ".
مسعر: عن عمرو بن مرة، عن أبي البختري، عن علي قال: سلمان
تابع العلم الاول والعلم الآخر، ولا يدرك ما عنده (3).
حبان بن علي: حدثنا ابن جريج، عن أبي حرب بن أبي الاسود،
عن أبيه، وعن رجل، عن زاذان قالا: كنا عند علي، قلنا:
حدثنا عن سلمان، قال: من لكم بمثل لقمان الحكيم، ذاك امرؤ
منا وإلينا أهل البيت، أدرك العلم الاول والعلم الآخر، بحر
لا ينزف (4).
__________
(1) تحرفت في المطبوع إلى " أبي ".
(2) أخرجه أحمد 6 / 444 وليس فيه " سلمان أعلم منك ".
وابن سعد 4 / 1 / 61 مطولا.
وأخرج البخاري نحوه (1968) في الصوم: باب من أقسم على أخيه
ليفطر، و (6139) في الادب: باب صنع الطعام والتكلف للضيف،
والترمذي (2415) في الزهد: باب أعط كل ذي حق حقه، كلاهما
من طريق: أبي العميس، عن عون بن أبي جحيفة، عن أبيه قال: "
آخى النبي، صلى الله عليه وسلم، بين
سلمان وأبي الدرداء، فزار سلمان أبا الدرداء، فرأى أم
الدرداء متبذلة.
فقال لها: ما شأنك ؟ قالت: أخوك أبو الدرداء ليس له حاجة
في الدنيا، فجاء أبو الدرداء، فصنع له طعاما، فقال له: كل،
قال: فإني صائم.
قال: ما أنا بآكل حتى تأكل، قال: فأكل.
فلما كان الليل ذهب أبو الدرداء يقوم.
قال: نم.
فنام، ثم ذهب يقوم، فقال: نم.
فلما كان من آخر الليل.
قال سلمان: قم الآن، فصليا، فقال له سلمان: إن لربك عليك
حقا، ولنفسك عليك حقا ولاهلك عليك حقا، فأعط كل ذي حق حقه.
فأتى النبي، صلى الله عليه وسلم، فذكر ذلك له النبي، صلى
الله عليه وسلم: صدق سلمان ".
(3) أخرجه ابن سعد 4 / 1 / 61، وأبو نعيم في " الحلية " 1
/ 187، وانظر " الاستيعاب " 4 / 223.
(4) أخرجه ابن سعد 4 / 1 / 61، وأبو نعيم في " الحلية " 1
/ 187، وانظر " الاستيعاب " 4 / 224، و " أسد الغابة " 2 /
420.
(*)
(1/543)
معاوية بن صالح: عن ربيعة بن يزيد (1)، عن أبي إدريس
الخولاني، عن يزيد بن عميرة (2) قال: لما حضر معاذا الموت
قلنا: أوصنا، قال: أجلسوني.
ثم قال: إن الايمان والعلم مكانهما، من ابتغاهما وجدهما.
قالها ثلاثا، فالتمسوا العلم عند أربعة: أبي الدرداء،
وسلمان، وابن مسعود، و عبد الله بن سلام الذي كان يهوديا
فأسلم.
فإني سمعت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يقول: إنه عاشر
عشرة في الجنة " (3).
رواه الليث وكاتبه عنه.
وعن المدائني أن سلمان الفارسي قال: لو حدثتهم بكل ما
أعلم، لقالوا: رحم الله قاتل سلمان (4).
معمر، عن قتاده: كان بين سعد بن أبي وقاص وبين سلمان شئ،
فقال: انتسب يا سلمان، قال: ما أعرف لي أبا في الاسلام،
ولكني سلمان ابن الاسلام ! فنمي ذلك إلى عمر، فلقي سعدا،
فقال: انتسب يا سعد، فقال: أنشدك بالله يا أمير المؤمنين،
قال: وكأنه عرف، فأبى أن يدعه حتى انتسب.
ثم قال: لقد علمت قريش أن الخطاب كان أعزهم في الجاهلية،
وأنا عمر ابن الاسلام أخو سلمان ابن الاسلام، أما والله
لولا شئ، لعاقبتك، أو ما علمت أن رجلا انتمى إلى تسعة آباء
في الجاهلية فكان عاشرهم في النار ؟ (5).
__________
(1) تحرفت في المطبوع إلى " زيد ".
(2) في الاصل " خمير " وهو تحريف، ولم يفطن لذلك في
المطبوع (3) أخرجه الترمذي (3806) في المناقب: باب مناقب
عبد الله بن سلام، وقال: هذا حديث حسن غريب، والحاكم 3 /
416، وصححه ووافقه الذهبي، والبخاري في " التاريخ الصغير "
1 / 73، والفسوي 1 / 468 في " المعرفة والتاريخ ".
(4) لم نقف عليه.
والمدائني أخباري، وبينه وبين سلمان مفاوز.
(5) أخرجه عبد الرزاق (20942) من طريق معمر، عن قتادة،
وعلي بن زيد بن جدعان، قالا:...، وهو منقطع.
(*)
(1/544)
عفان: حدثنا جعفر بن سليمان، عن ثابت قال: كتب عمر إلى
سلمان: أن زرني.
فخرج سلمان إليه.
فلما بلغ عمر قدومه قال: انطلقوا بنا نتلقاه، فلقيه عمر،
فالتزمه وساءله (1) ورجعا، ثم قال له عمر: يا أخي ! أبلغك
عني شئ تكرهه ؟ قال: بلغني أنك تجمع على مائدتك السمن
واللحم، وبلغني أن لك حلتين حلة (2) تلبسها في أهلك، وأخرى
تخرج فيها، قال: هل غير هذا ؟ قال: لا، قال: كفيت هذا (3).
الحسن بن سفيان في " مسنده ": حدثنا محمد بن بكار الصيرفي
(4)، حدثنا حجاج بن فروخ (5)، حدثنا ابن جريج، عن عطاء، عن
ابن عباس قال: قدم سلمان من غيبة له، فتلقاه عمر، فقال:
أرضاك لله عبدا.
قال: فزوجني.
فسكت عنه، قال: ترضاني لله عبدا، ولا ترضاني لنفسك ؟ فلما
أصبح أتاه قوم
عمر ليضرب عن خطبة عمر، فقال: والله ما حملني على هذا أمره
ولا سلطانه، ولكن قلت: رجل صالح عسى الله أن يخرج من بيننا
نسمة صالحة (6).
حجاج: واه (7).
سعيد بن سليمان الواسطي: حدثنا عقبة بن أبي الصهباء، حدثنا
ابن سيرين، حدثنا عبيدة السلماني أن سلمان مر بحجر المدائن
غازيا وهو أمير الجيش وهو ردف رجل من كندة على بغل موكوف.
فقال أصحابه: أعطنا
__________
(1) تحرفت في المطبوع إلى " سابله ".
(2) سقطت من المطبوع.
(3) رجاله ثقات لكنه منقطع.
(4) تحرفت في المطبوع إلى الكوفي.
(5) تحرفت في المطبوع إلى " فروج ".
(6) أخرجه أبو نعيم في " الحلية " 1 / 186، والطبراني
(6067)، وذكره الهيثمي في " المجمع " 4 / 291، وقال: رواه
البزار، وفي إسناده الحجاج بن فروخ، وهو ضعيف.
(7) سقطت هذه العبارة من المطبوع.
(*)
(1/545)
اللواء أيها الامير نحمله، فيأبى حتى قضى غزاته ورجع وهو
ردف الرجل (1).
أبو المليح الرقي: عن حبيب، عن هزيم أو هذيم قال: رأيت
سلمان الفارسي على حمار عري وعليه قميص سنبلاني ضيق
الاسفل، وكان طويل الساقين، يتبعه الصبيان، فقلت لهم:
تنحوا عن الامير، فقال: دعهم، فإن الخير والشر فيما بعد
اليوم (2).
حماد بن سلمة: عن عطاء بن السائب، عن ميسرة أن سلمان كان
إذا سجدت له العجم، طأطأ رأسه، وقال: خشعت لله، خشعت لله
(3).
أبو نعيم: حدثنا يزيد بن مردانبة، عن خليفة بن سعيد
المرادي، عن عمه قال: رأيت سلمان في بعض طرق المدائن زحمته
حملة قصب فأوجعته، فأخذ بعضد صاحبها فحركه، ثم قال: لا مت
حتى تدرك إمارة الشباب (4).
جرير بن حازم: سمعت شيخا من بني عبس يذكر عن أبيه قال:
أتيت السوق، فاشتريت علفا بدرهم، فرأيت سلمان ولا أعرفه،
فسخرته، فحملت عليه العلف، فمر بقوم، فقالوا: نحمل عنك يا
أبا عبد الله، فقلت: من ذا ؟ قالوا: هذا سلمان صاحب رسول
الله.
فقلت له: لم أعرفك، ضعه.
فأبى حتى أتى المنزل (5).
__________
(1) رجاله ثقات.
(2) أخرجه ابن سعد 4 / 1 / 63 والسنبلاني: السابغ الطويل.
(3) عطاء بن السائب اختلط.
وحماد سمع منه قبل الاختلاط وبعده.
وباقي رجاله ثقات.
وأخرجه ابن سعد 4 / 1 / 62.
(4) أخرجه ابن سعد 4 / 87.
(5) أخرجه ابن سعد 4 / 1 / 63.
(*)
(1/546)
وروى ثابت البناني نحوها، وفيها: فحسبته علجا، وفيها: قال
له: فلا تسخر بعدي أحدا.
جعفر بن سليمان: عن هشام (1) بن حسان، عن الحسن قال: كان
عطاء سلمان خمسة آلاف، وكان على ثلاثين ألفا من الناس،
يخطب في عباءة يفرش نصفها، ويلبس نصفها.
وكان إذا خرج عطاؤه أمضاه، ويأكل من سفيف يده رضي الله عنه
(2).
شعبة: عن سماك بن حرب، سمع النعمان بن حميد يقول: دخلت مع
خالي على سلمان بالمدائن وهو يعمل الخوص فسمعته يقول:
أشتري خوصا بدرهم، فأعمله، فأبيعه بثلاثة دراهم فأعيد
درهما فيه، وأنفق درهما على عيالي، وأتصدق بدرهم، ولو أن
عمر نهاني عنه ما انتهيت (3).
وروى نحوها عن سماك، عن عمه وفيها: فقلت له: فلم تعمل ؟
قال: إن عمر أكرهني، فكتبت إليه، فأبى علي مرتين، وكتبت
إليه، فأوعدني.
معن عن مالك أن سلمان كان يستظل بالفئ حيث ما دار، ولم يكن
له بيت، فقيل: ألا نبني لك بيتا تستكن به ؟ قال: نعم.
فلما أدبر القائل سأله سلمان: كيف تبنيه ؟ قال: إن قمت فيه
أصاب رأسك، وإن نمت أصاب رجلك (4).
__________
(1) تحرفت في المطبوع إلى " هاشم ".
(2) أخرجه ابن سعد 4 / 1 / 62، وأبو نعيم في " الحلية "
198، وانظر " الاستيعاب " 4 / 222، و " الاصابة " 4 / 225،
و " أسد الغابة " 2 / 420.
(3) أخرجه ابن سعد 4 / 1 / 64، وأبو نعيم في " الحلية " 1
/ 197، من طريق مسلمة بن علقمة المازني، عن داود بن أبي
هند، عن سماك بن حرب، عن سلامة العجلي قال: جاء ابن أخت لي
من البادية...، وكذلك الطبراني (6110)، وانظر " المجمع " 9
/ 343.
(4) أخرجه عبد الرزاق (20631)، وابن سعد 4 / 1 / 63، وأبو
نعيم 1 / 202، وانظر " الاستيعاب " 4 / 222، و " أسد
الغابة " 2 / 420.
(*)
(1/547)
زائدة: عن عبد العزيز بن رفيع، عن أبي ظبيان، عن جرير بن
عبد الله قال: نزلت بالصفاح في يوم شديد الحر، فإذا رجل
نائم في حر الشمس يستظل بشجرة، معه شئ من الطعام، ومزودة
تحت رأسه، ملتف بعباءة، فأمرته أن يظلل عليه، ونزلنا
فانتبه، فإذا هو سلمان.
فقلت له: ظللنا عليك وما
عرفناك.
قال: يا جرير ! تواضع في الدنيا فإنه من تواضع يرفعه الله
يوم القيامة، ومن يتعظم في الدنيا يضعه الله يوم القيامة،
لو حرصت على أن تجد عودا يابسا في الجنة لم تجده.
قلت: وكيف ؟ قال: أصول الشجر ذهب وفضة، وأعلاها الثمار، يا
جرير ! تدري ما ظلمة النار ؟ قلت: لا، قال: ظلم الناس (1).
شعبة: حدثنا حبيب بن الشهيد، عن عبد الله بن بريدة أن
سلمان كان يعمل بيده، فإذا أصاب شيئا اشترى به لحما أو
سمكا ثم يدعو المجذمين، فيأكلون معه (2).
سليمان بن المغيرة: عن حميد بن هلال قال: أوخي بين سلمان
وأبي الدرداء، فسكن أبو الدرداء الشام، وسكن سلمان الكوفة،
وكتب أبو الدرداء إليه: سلام عليك، أما بعد، فإن الله
رزقني بعدك ما لا وولدا، ونزلت الارض المقدسة.
فكتب إليه سلمان: اعلم أن الخير ليس بكثرة المال والولد،
ولكن الخير أن يعظم حلمك، وأن ينفعك علمك، وإن الارض لا
تعمل لاحد، اعمل كأنك ترى، واعدد نفسك من الموتى (3).
__________
(1) أخرجه أبو نعيم في " الحلية " 1 / 202، والصفاح: موضع
بين حنين وأنصاب الحرم، على يسرة الداخل إلى مكة من مشاش.
(2) أخرجه ابن سعد 4 / 1 / 64، وأبو نعيم في " الحلية " 1
/ 200.
(3) رجاله ثقات، لكنه منقطع.
(*)
(1/548)
مالك في " الموطأ ": عن يحيى بن سعيد أن أبا الدرداء كتب
إلى سلمان: هلم إلى الارض المقدسة.
فكتب إليه: إن الارض لا تقدس أحدا، وإنما يقدس المرء عمله.
وقد بلغني أنك جعلت طبيبا، فإن كنت تبرئ، فنعما
لك، وإن كنت متطببا فاحذر أن تقتل إنسانا، فتدخل النار.
فكان أبو الدرداء إذا قضى بين اثنين، ثم أدبرا عنه، نظر
إليهما، وقال: متطبب والله، ارجعا أعيدا علي قصتكما (1).
أبو عبيدة بن معن: عن الاعمش، عن أبي البختري قال: جاء
الاشعث بن قيس وجرير بن عبد الله، فدخلا على سلمان في خص،
فسلما وحيياه، ثم قالا: أنت صاحب رسول الله صلى الله عليه
وسلم ؟ قال: لا أدري.
فارتابا قال: إنما صاحبه من دخل معة الجنة.
قالا: جئنا من عند أبي الدرداء، قال: فأين هديته ؟ قالا:
ما معنا هدية.
قال: اتقيا الله، وأديا الامانة، ما أتاني أحد من عنده إلا
بهدية، قالا: لا ترفع علينا هذا، إن لنا أموالا فاحتكم،
قال: ما أريد إلا الهدية، قالا: والله ما بعث معنا بشئ إلا
أنه قال: إن فيكم رجلا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم
إذا خلا به، لم يبغ غيره، فإذا أتيتماه، فأقرئاه مني
السلام.
قال: فأي هدية كنت أريد منكما غير هذه ؟ وأي هدية أفضل
منها (2) ؟ وكيع: عن الاعمش، عن سليمان بن ميسرة، والمغيرة
بن شبل، عن طارق بن شهاب، عن سلمان قال: إذا كان الليل،
كان الناس منه على ثلاث
__________
(1) أخرجه مالك في " الموطأ " ص (480) في الوصية: باب جامع
القضاء برقم (7).
وأبو نعيم في الحلية " 1 / 205.
(2) أخرجه أبو نعيم في " الحلية " 1 / 201، والطبراني
(6058).
وذكره الهيثمي في " المجمع " 8 / 41، وقال: رجاله رجال
الصحيح.
غير يحيى بن إبراهيم المسعودي، وهو ثقة.
(*)
(1/549)
منازل: فمنهم من له ولا عليه، ومنهم من عليه ولا له، ومنهم
من لا عليه ولا له ! فقلت: وكيف ذاك ؟ قال: أما من له ولا
عليه، فرجل اغتنم غفلة الناس وظلمة الليل، فتوضأ وصلى،
فذاك له ولا عليه، ورجل اغتنم غفلة الناس،
وظلمة الليل، فمشى في معاصي الله، فذاك عليه ولا له، ورجل
نام حتى أصبح، فذاك لا له ولا عليه.
قال طارق: فقلت: لاصحبن هذا.
فضرب (1) على الناس بعث، فخرج فيهم، فصحبته وكنت لا أفضله
في عمل، إن أنا عجنت خبز وإن خبزت طبخ، فنزلنا منزلا فبتنا
فيه، وكانت لطارق ساعة من الليل يقومها، فكنت أتيقظ لها
فأجده نائما، فأقول: صاحب رسول الله خير مني نائم، فأنام
ثم أقوم فاجده نائما فأنام، إلا أنه كان إذا تعار من الليل
قال وهو مضطجع: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله،
والله أكبر، لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك
وله الحمد، وهو على كل شئ قدير.
حتى إذا كان قبيل الصبح قام فتوضأ ثم ركع أربع ركعات.
فلما صلينا الفجر قلت: يا أبا عبد الله ! كانت لي ساعة من
الليل أقومها وكنت أتيقظ لها فأجدك نائما، قال: يا ابن أخي
! فإيش كنت تسمعني أقول ؟ فأخبرته، فقال: يا ابن أخي تلك
الصلاة، إن الصلوات الخمس كفارات لما بينهن، ما اجتنبت
المقتلة، يا ابن أخي عليك بالقصد فإنه أبلغ (2).
شعبة: عن عمرو بن مرة، سمعت أبا البختري يحدث أن سلمان دعا
رجلا إلى طعامه.
قال: فجاء مسكين (3) فأخذ الرجل كسرة فناوله، فقال سلمان:
__________
(1) تحرفت في المطبوع إلى " فندب ".
(2) أخرجه عبد الرزاق " 148) و (4737)، وأخرجه أبو نعيم في
" الحلية " 1 / 190، والطبراني (6051)، وذكره الهيثمي في "
المجمع " 1 / 300، وقال: ورجاله موثقون.
(3) تحرفت في المطبوع إلى " بسكين ".
(*)
(1/550)
ضعها، فإنما دعوناك لتأكل فما رغبتك أن يكون الاجر لغيرك
والوزر
عليك (1).
سليمان بن قرم: عن الاعمش، عن أبي وائل قال: ذهبت أنا
وصاحب لي إلى سلمان، فقال: لولا أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم نهانا عن التكلف، لتكلفت لكم.
فجاءنا بخبز وملح.
فقال صاحبي: لو كان في ملحنا صعتر.
فبعث سلمان بمطهرته، فرهنها فجاء بصعتر، فلما أكلنا، قال
صاحبي: الحمد لله الذي قنعنا بما رزقنا، فقال سلمان: لو
قنعت لم تكن مطهرتي مرهونة (2).
الاعمش: عن عبيد بن أبي الجعد، عن رجل أشجعي قال: سمعوا
بالمدائن أن سلمان بالمسجد، فأتوه يثوبون إليه حتى اجتمع
نحو من ألف، فقام، فافتتح سورة يوسف، فجعلوا يتصدعون
ويذهبون، حتى بقي نحو مئة، فغضب، وقال: الزخرف يريدون ؟
آية من سورة كذا، وآية من سورة كذا (3).
وروى حبيب بن أبي ثابت: عن نافع بن جبير أن سلمان التمس
مكانا يصلي فيه، فقالت له علجة: التمس قلبا طاهرا، وصل حيث
شئت.
فقال: فقهت (4).
سليمان التيمي: عن أبي عثمان، عن سلمان قال: كانت امرأة
فرعون تعذب، فإذا انصرفوا، أظلتها الملائكة بأجنحتها، وترى
بيتها في الجنة وهي
__________
(1) أخرجه أبو نعيم في " الحلية " 1 / 200.
(2) أخرجه الطبراني (6085)، وذكره الهيثمي في " المجمع " 8
/ 179، وقال: رجاله رجال الصحيح، غير محمد بن منصور
الطوسي، وهو ثقة.
(3) أخرجه أبو نعيم في " الحلية " 1 / 203.
(4) أخرجه أبو نعيم في " الحلية " 1 / 206.
(*)
(1/551)
تعذب، قال: وجوع لابراهيم أسدان ثم أرسلا عليه، فجعلا
يلحسانه،
ويسجدان له (1).
معتمر (2) بن سليمان: عن أبيه، عن أبي عثمان النهدي أن
سلمان كان لا يفقه كلامه من شدة عجمته، قال: وكان يسمي
الخشب خشبان (3).
تفرد به الثقة يعقوب الدورقي عنه.
وأنكره أبو محمد بن قتيبة - أعني عجمته - ولم يصنع شيئا
فقال: له كلام يضارع كلام فصحاء العرب.
قلت: وجود الفصاحة لا ينافي وجود العجمة في النطق، كما أن
وجود فصاحة النطق من كثير العلماء غير محصل للاعراب.
قال: وأما خشبان فجمع الجمع، أو هو خشب زيد فيه الالف
والنون كسود وسودان.
عبد الرزاق عن جعفر بن سليمان، عن ثابت، عن أنس قال: دخل
سعد وابن مسعود على سلمان عند الموت، فبكى.
فقيل له: ما يبكيك ؟ قال: عهد عهده إلينا رسول الله صلى
الله عليه وسلم لم نحفظه.
قال: " ليكن بلاغ أحدكم من الدنيا كزاد الراكب ".
وأما أنت يا سعد فاتق الله في حكمك إذا حكمت، وفي قسمك إذا
قسمت، وعند همك إذا هممت.
__________
(1) أخرجه أبو نعيم في " الحلية " 1 / 206.
(2) تحرفت في المطبوع إلى " معمر ".
(3) أخرجه أبو نعيم في " تاريخ أصبهان " 1 / 55.
(*)
(1/552)
قال ثابت: فبلغني أنه ما ترك إلا بضعة وعشرين درهما نفيقة
كانت عنده (1).
شيبان: عن فراس، عن الشعبي، عن الحارث، عن بقيرة (2) امرأة
سلمان
أنها قالت لما حضره الموت: دعاني وهو في علية له لها أربعة
أبواب، فقال: افتحي هذه الابواب فإن لي اليوم زوارا لا
أدري من أي هذه الابواب يدخلون علي، ثم دعا بمسك فقال:
أديفيه في تور ثم انضحيه حول فراشي، فاطلعت عليه فإذا هو
قد أخذ روحه فكأنه نائم على فراشه (3).
بقي بن مخلد: حدثنا ابن أبي شيبة، حدثنا أبو معاوية، عن
عاصم، عن
__________
(1) حديث صحيح.
وأخرجه ابن ماجه (4104) في الزهد: باب الزهد في الدنيا.
وأبو نعيم في " الحلية " 1 / 196 - 197، والطبراني (6069)
وأخرجه الطبراني أيضا (6160) من طريق حماد ابن سلمة، عن
علي بن زيد، عن سعيد بن المسيب وحميد بن مورق العجلي، أن
سعد بن مالك، وابن مسعود دخلا على سلمان يعودانه، فبكى
فقالا: ما يبكيك يا أبا عبد الله ؟ قال: عهد عهده إلينا
رسول الله، صلى الله عليه وسلم، لم يحفظه أحد منا.
قال: " ليكن بلاغ أحدكم كزاد الراكب " قال مورق: " فنظروا
في بيته، فإذا إكاف كذا وكذا ".
وأخرجه أحمخد 5 / 438 من طريق هشيم، عن منصور، عن الحسن
قال: لما احتضر سلمان بكى، وقال: " إن رسول الله، صلى الله
عليه وسلم، عهد إلينا عهدا، فتركنا ما عهد إلينا: أن يكون
بلغة أحدنا من الدنيا، كزاد الراكب قال: ثم نظرنا فيما
ترك، فإذا قيمة ما ترك، بضعة وعشرون درهما، أو بضعة
وثلاثون درهما ".
وصححه ابن حبان (2480) من طريق ابن واهب، عن أبي هانئ،
أخبرني أبو عبد الرحمن الحبلي، عن عامر بن عبد الله أن
سلمان الخير...وأخرجه الحاكم 4 / 317 من طريق الاعمش، عن
أبي سفيان، عن أشياخه قال: دخل سعد..وصححه، ووافقه الذهبي،
وقد تحرفت " نفيقة " عند المنجد إلى " بليقة ".
(2) تحرفت في المطبوع إلى " نفيرة ".
(3) أخرجه أبو نعيم في " الحلية " 1 / 208 وذكره الهيثمي
في " المجمع " 9 / 344 وقال: رواه الطبراني من طريق: الجزل
عن بقيرة، ولم أعرفهما، وباقي رجاله ثقات، وكذلك أخرجه ابن
سعد 4 / 1 / 66.
وقوله: أديفيه: أي اخلطيه، والتور: إناء من صفر أو حجارة،
يوضع فيه الماء.
وجاء في الاصل: أودفيه، وما أثبتناه من " غريب الحديث "
لابن الاثير، و " الحلية " و " المجمع ".
(*)
(1/553)
أبي عثمان، عن سلمان قال: يأتون محمدا صلى الله عليه وسلم
فيقولون: يا نبي الله أنت الذي فتح الله بك وختم بك، وغفر
لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، وجئت (1) في هذا اليوم آمنا
(2) فقد ترى ما نحن فيه، فقم فاشفع (3) لنا إلى ربنا.
فيقول: أنا صاحبكم.
فيقوم فيخرج يحوش الناس حتى ينتهي إلى باب الجنة، فيأخذ
بحلقة في الباب من ذهب، فيقرع الباب، فيقال: من هذا ؟
فيقول: محمد.
فيفتح له، فيجئ حتى يقوم بين يدي الله، فيستأذن في السجود،
فيؤذن له، فينادى: يا محمد ارفع رأسك، سل تعطه، واشفع
تشفع، وادع تجب، فيفتح الله له من الثناء عليه والتحميد
والتمجيد ما لم يفتح لاحد من الخلائق فيقول: رب أمتي أمتي،
ثم يستأذن في السجود.
قال سلمان: فيشفع في كل من كل في قلبه مثقال حنطة من إيمان
(4) أو قال: مثقال شعيرة، أو قال: مثقال حبة من خردل من
إيمان (5).
أبو عوانة: عن عاصم، عن أبي عثمان النهدي، عن سلمان، قال:
فترة ما بين عيسى ومحمد صلى الله عليه وسلم ست مئة سنة
(6).
قال الواقدي: مات سلمان في خلافة عثمان بالمدائن.
وكذا قال ابن زنجويه.
وقال أبو عبيد (7) وشباب في رواية عنه، وغيرهما: توفي سنة
ست وثلاثين
__________
(1) تحرفت في المطبوع إلى " وخيب ".
(2) تحرفت في المطبوع إلى " أملنا ".
(3) تحرفت في المطبوع إلى " واسع ".
(4) تحرفت في المطبوع إلى " الحمد ".
(5) إسناده صحيح.
وعاصم هو ابن سليمان الاحوال.
(6) أخرجه البخاري (3948) في المناقب: باب إسلام سلمان.
(7) أبو عبيد: هو القاسم بن سلام، وقد تحرف في المطبوع إلى
" أبو عبيدة ".
(*)
(1/554)
بالمدائن.
وقال شباب في رواية أخرى: سنة سبع.
وهو وهم، فما أدرك سلمان الجمل ولا صفين.
قال العباس بن يزيد البحراني: يقول أهل العلم: عاش سلمان
ثلاث مئة وخمسين سنة، فأما مئتان وخمسون، فلا يشكون فيه.
قال أبو نعيم الاصبهاني: يقال: اسم سلمان: ما هويه، وقيل:
ماية، وقيل بهبود بن بذخشان بن آذر جشيش من ولد منوجهر
الملك (1)، وقيل: من ولد آب الملك.
يقال: توفي سنة ثلاث وثلاثين بالمدائن.
قال: وتاريخ كتاب عتقه يوم الاثنين في جمادى الاولى مهاجر
رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ومولاه الذي باعه عثمان بن أشهل القرظي اليهودي، وقيل: إنه
عاد إلى أصبهان زمن عمر.
وقيل: كان له أخ اسمه بشير (2) وبنت بأصبهان لها نسل
وبنتان بمصر، وقيل: كان له ابن اسمه كثير، فمن قول
البحراني إلى هنا منقول من كتاب الطوالات لابي موسى
الحافظ.
وقد فتشت، فما ظفرت في سنه بشئ سوى قول البحراني، وذلك
منقطع لا إسناد له.
ومجموع أمره وأحواله، وغزوه، وهمته، وتصرفه، وسفه للجريد،
وأشياء مما تقدم ينبئ بأنه ليس بمعمر ولا هرم.
فقد فارق وطنه وهو حدث، ولعله قدم الحجاز وله أربعون سنة
أو أقل، فلم ينشب أن سمع بمبعث النبي صلى الله عليه وسلم
ثم
__________
(1) في تاريخ أصبهان لابي نعيم " يقال: إن اسمه ما هويه "
وقيل ما به ابن بدخشان ابن آزر جشنس من ولد منو شهر الملك.
وقيل: كان اسمه، بهبود بن خشان.
(2) تحرفت في المطبوع إلى " بشر ".
(*)
(1/555)
هاجر، فلعله عاش بضعا وسبعين سنة.
وما أراه بلغ المئة.
فمن كان عنده علم، فليفدنا.
وقد نقل طول عمره أبو الفرج بن الجوزي وغيره.
وما علمت في ذلك شيئا يركن إليه.
روى جعفر بن سليمان: عن ثابت البناني، وذلك في " العلل "
(1) لابن أبي حاتم، قال: لما مرض سلمان، خرج سعد من الكوفة
يعوده، فقدم، فوافقه وهو في الموت يبكي، فسلم وجلس، وقال:
ما يبكيك يا أخي ؟ ألا تذكر صحبة رسول الله ؟ ألا تذكر
المشاهد الصالحة ؟.
قال: والله ما يبكيني واحدة من ثنتين: ما أبكي حبا بالدنيا
ولا كراهية للقاء الله.
قال سعد: فما يبكيك بعد ثمانين ؟ قال: يبكيني أن خليلي عهد
إلي عهدا قال: " ليكن بلاغ أحدكم من الدنيا كزاد الراكب "
وإنا قد خشينا أنا قد تعدينا (2).
رواه بعضهم عن ثابت، فقال: عن أبي عثمان، وإرساله أشبه
قاله أبو حاتم، وهذا يوضح لك أنه من أبناء الثمانين.
وقد ذكرت في تاريخي الكبير أنه عاش مئتين وخمسين سنة، وأنا
الساعة لا أرتضي ذلك ولا أصححه.
أبو صالح: حدثنا الليث، حدثني يحيى بن سعيد، عن سعيد بن
المسيب قال: التقى سلمان و عبد الله بن سلام، فقال أحد هما
لصاحبه: إن لقيت ربك
__________
(1) 2 / 140 139، وقد تقدم تخريج الحديث.
(2) تقدم في الصفحة (553) تعليق رقم (1).
(*)
(1/556)
قبلي فأخبرني ماذا لقيت منه.
فتوفي أحدهما فلقي الحي في المنام فكأنه سأله فقال: توكل
وأبشر، فلم أر مثل التوكل قط (1).
قلت: سلمان مات قبل عبد الله بسنوات.
أخبرنا سنقر الزينبي: أنبأنا علي بن محمد الجزري، ويعيش بن
علي، قالا: أنبأنا عبد الله بن أحمد الخطيب (ح)، وقد أنبئت
عن عبد المؤمن بن خلف الحافظ، أنبأنا الاعز بن فضائل،
أخبرتنا شهدة قالا: أنبأنا جعفر بن أحمد السراج، أنبأنا
الحسن بن عيسى بن المقتدر، أنبأنا أحمد بن منصور اليشكري،
حدثنا أبو عبد الله بن عرفة، حدثني محمد بن موسى السامي،
أنبأنا روح بن أسلم، أنبأنا حماد بن سلمة، عن عطاء بن
السائب، عن أبي البختري، عن سلمان قال: كان في بني إسرائيل
امرأة ذات جمال، وكانت عند رجل يعمل بالمسحاة، فكانت إذا
جاء الليل، قدمت له طعامه، وفرشت له فراشه.
فبلغ خبرها ملك ذلك العصر، فبعث إليها عجوزا من بني
إسرائيل.
فقالت لها: تصنعين بهذا الذي يعمل بالمسحاة ! لو كنت عند
الملك، لكساك الحرير، وفرش لك الديباج.
فلما وقع الكلام في مسامعها، جاء زوجها بالليل، فلم تقدم
له طعامه، ولم تفرش له فراشه.
فقال لها: ما هذا الخلق يا هنتاه ؟ قالت: هو ما ترى.
فقال: أطلقك ؟ قالت: نعم.
فطلقها، فتزوجها ذلك الملك، فلما زفت إليه، نظر إليها
فعمي، ومد يده إليها، فجفت، فرفع نبي ذلك العصر خبر هما
إلى الله، فأوحى الله إليه: أعلمهما أني غير غافر لهما،
أما علما أن بعيني ما عملا
__________
(1) أخرجه ابن سعد 4 / 1 / 67، وأبو نعيم في " الحلية " 1
/ 205 (*)
(1/557)
اليشكري، حدثنا أبو عبد الله بن عرفة، حدثني محمد بن موسى
السامي، أنبأنا روح بن أسلم، أنبأنا حماد بن سلمة، عن عطاء
بن السائب، عن أبي البختري، عن سلمان قال: كان في بني
إسرائيل امرأة ذات جمال، وكانت عند رجل يعمل بالمسحاة،
فكانت إذا جاء الليل، قدمت له طعامه، وفرشت له فراشه.
فبلغ خبرها ملك ذلك العصر، فبعث إليها عجوزا من بني
إسرائيل.
فقالت لها: تصنعين بهذا الذي يعمل بالمسحاة ! لو كنت عند
الملك، لكساك الحرير، وفرش لك الديباج.
فلما وقع الكلام في مسامعها، جاء زوجها بالليل، فلم تقدم
له طعامه، ولم تفرش له فراشه.
فقال لها: ما هذا الخلق يا هنتاه ؟ قالت: هو ما ترى.
فقال: أطلقك ؟ قالت: نعم.
فطلقها، فتزوجها ذلك الملك، فلما زفت إليه، نظر إليها
فعمي، ومد يده إليها، فجفت، فرفع نبي ذلك العصر خبر هما
إلى الله، فأوحى الله إليه: أعلمهما أني غير غافر لهما،
أما علما أن بعيني ما عملا
__________
(1) أخرجه ابن سعد 4 / 1 / 67، وأبو نعيم في " الحلية " 1
/ 205 (*)
(1/558)
بصاحب المسحاة (1).
بعونه تعالى وتوفيقه نجز الجزء الاول سير أعلام النبلاء
ويليه الجزء الثاني وأوله ترجمة عبادة بن الصامت
__________
(1) الحديث لا يصح.
روح بن أسلم: قال عفان: روح بن أسلم، كذاب، وقال ابن معين:
ليس بذاك، لم يكن من أهل الكذب، وقال أبو حاتم: لين الحديث
يتكلم فيه، وقال البخاري: يتكلمون فيه، وقال الدار قطني:
ضعيف متروك، وقال ابن الجارود: عنده مناكير.
(1/558)
|