الدر المنثور في
التفسير بالمأثور الْآيَات 98 - 101
(2/278)
قُلْ يَا أَهْلَ
الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ
شَهِيدٌ عَلَى مَا تَعْمَلُونَ (98) قُلْ يَا أَهْلَ
الْكِتَابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ
تَبْغُونَهَا عِوَجًا وَأَنْتُمْ شُهَدَاءُ وَمَا اللَّهُ
بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (99) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا
الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ (100)
وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ
اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ
فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (101)
أخرج ابْن إِسْحَق وَابْن جرير وَابْن
الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن زيد بن أسلم
قَالَ: مر شَاس بن قيس وَكَانَ شَيخا قد عسا فِي
الْجَاهِلِيَّة عَظِيم الْكفْر شَدِيد الضغن على الْمُسلمين
شَدِيد الْحَسَد لَهُم على نفر من أَصْحَاب رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم من الْأَوْس والخزرج فِي مجْلِس قد جمعهم
يتحدثون فِيهِ فَغَاظَهُ مَا رأى من ألفتهم وجماعتهم وَصَلَاح
ذَات بَينهم على الْإِسْلَام بعد الَّذِي كَانَ بَينهم من
الْعَدَاوَة فِي الْجَاهِلِيَّة فَقَالَ: قد اجْتمع مَلأ بني
قيلة بِهَذِهِ الْبِلَاد
وَالله مَا لنا مَعَهم إِذا اجْتمع ملؤهم بهَا من قَرَار فَأمر
فَتى شَابًّا مَعَه من يهود فَقَالَ: اعمد إِلَيْهِم فاجلس
مَعَهم ثمَّ ذكرهم يَوْم بُعَاث وَمَا كَانَ قبله وأنشدهم بعض
مَا كَانُوا تقاولوا فِيهِ من الْأَشْعَار
وَكَانَ يَوْم بُعَاث يَوْمًا اقْتتلَتْ فِيهِ الْأَوْس
والخزرج وَكَانَ الظفر فِيهِ لِلْأَوْسِ على الْخَزْرَج
فَفعل فَتكلم الْقَوْم عِنْد ذَلِك وَتَنَازَعُوا
وَتَفَاخَرُوا حَتَّى توَاثب رجلَانِ من الْحَيَّيْنِ على
الركب أَوْس بن قيظي أحد بني حَارِثَة من الْأَوْس وجبار بن
صَخْر أحد بني سَلمَة من الْخَزْرَج فَتَقَاوَلَا ثمَّ قَالَ
أَحدهمَا لصَاحبه: إِن شِئْتُم - وَالله - رددناها الْآن
جَذَعَة
وَغَضب الْفَرِيقَانِ جَمِيعًا وَقَالُوا: قد فعلنَا
السِّلَاح السِّلَاح
مَوْعدكُمْ الظَّاهِرَة وَالظَّاهِرَة الْحرَّة
فَخَرجُوا إِلَيْهَا وانضمت الْأَوْس بَعْضهَا إِلَى بعض
والخزرج بَعْضهَا إِلَى بعض على دَعوَاهُم الَّتِي كَانُوا
عَلَيْهَا فِي الْجَاهِلِيَّة
فَبلغ ذَلِك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَخرج
إِلَيْهِم فِيمَن مَعَه من الْمُهَاجِرين من
(2/278)
أَصْحَابه حَتَّى جَاءَهُم فَقَالَ: يَا
معشر الْمُسلمين الله الله
أَبِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّة وَأَنا بَين أظْهركُم بعد إِذْ
هدَاكُمْ الله إِلَى الْإِسْلَام وأكرمكم بِهِ وَقطع بِهِ
عَنْكُم أَمر الْجَاهِلِيَّة واستنقذكم بِهِ من الْكفْر وَألف
بِهِ بَيْنكُم ترجعون إِلَى مَا كُنْتُم عَلَيْهِ كفَّارًا
فَعرف الْقَوْم أَنَّهَا نزغة من الشَّيْطَان وَكيد من عدوه
لَهُم
فَألْقوا السِّلَاح وَبكوا وَعَانَقَ الرِّجَال بَعضهم بَعْضًا
ثمَّ انصرفوا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
سَامِعين مُطِيعِينَ قد أطفأ الله عَنْهُم كيد عَدو الله شَاس
وَأنزل الله فِي شَأْن شَاس بن قيس وَمَا صنع {قل يَا أهل
الْكتاب لمَ تكفرون بآيَات الله وَالله شَهِيد على مَا
تَعْمَلُونَ} إِلَى قَوْله {وَمَا الله بغافل عَمَّا
تَعْمَلُونَ} وَأنزل فِي أَوْس بن قيظي وجبار ابْن صَخْر وَمن
كَانَ مَعَهُمَا من قومهما الَّذين صَنَعُوا مَا صَنَعُوا {يَا
أَيهَا الَّذين آمنُوا إِن تطيعوا فريقاً من الَّذين أُوتُوا
الْكتاب يردوكم بعد إيمَانكُمْ كَافِرين} إِلَى قَوْله
{وَأُولَئِكَ لَهُم عَذَاب عَظِيم}
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي
حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ من طَرِيق أبي نعيم عَن ابْن عَبَّاس
قَالَ: كَانَت الْأَوْس والخزرج فِي الْجَاهِلِيَّة بَينهم
شَرّ فَبَيْنَمَا هم يَوْمًا جُلُوس ذكرُوا مَا بَينهم حَتَّى
غضبوا وَقَامَ بَعضهم إِلَى بعض بِالسِّلَاحِ فَأتى النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَذكر لَهُ ذَلِك فَركب إِلَيْهِم
فَنزلت {وَكَيف تكفرون} الْآيَة
والآيتان بعْدهَا
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن عِكْرِمَة قَالَ: كَانَ بَين هذَيْن
الْحَيَّيْنِ من الْأَوْس والخزرج قتال فِي الْجَاهِلِيَّة
فَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَام اصْطَلحُوا وَألف الله بَين
قُلُوبهم فَجَلَسَ يَهُودِيّ فِي مجْلِس فِيهِ نفر من الْأَوْس
والخزرج فَأَنْشد شعرًا قَالَه أحد الْحَيَّيْنِ فِي حربهم
فكأنهم دخلهم من ذَلِك فَقَالَ الْآخرُونَ: قد قَالَ شَاعِرنَا
كَذَا وَكَذَا
فَاجْتمعُوا وَأخذُوا السِّلَاح وَاصْطَفُّوا لِلْقِتَالِ
فَنزلت هَذِه الْآيَة {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِن تطيعوا
فريقاً من الَّذين أُوتُوا الْكتاب} إِلَى قَوْله {لَعَلَّكُمْ
تهتدون} فجَاء النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى قَامَ
بَين الصفين فقرأهن وَرفع صَوته فَلَمَّا سمعُوا صَوت رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْقُرْآنِ أَنْصتُوا لَهُ
وَجعلُوا يَسْتَمِعُون فَلَمَّا فرغ ألقوا السِّلَاح وَعَانَقَ
بَعضهم بَعْضًا وجثوا يَبْكُونَ
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد قَالَ: كَانَ
جماع قبائل الْأَنْصَار بطنين: الْأَوْس والخزرج وَكَانَ
بَينهمَا فِي الْجَاهِلِيَّة حَرْب وَدِمَاء وَشَنَآن حَتَّى
منّ الله عَلَيْهِم بِالْإِسْلَامِ وبالنبي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم فأطفأ الله الْحَرْب الَّتِي كَانَت بَينهم وألَّف
بَينهم
(2/279)
بِالْإِسْلَامِ
فَبينا رجل من الْأَوْس وَرجل من الْخَزْرَج قاعدان يتحادثان
ومعهما يَهُودِيّ جَالس فَلم يزل يذكرهما بأيامهم والعداوة
الَّتِي كَانَت بَينهم حَتَّى اسْتَبَّا ثمَّ اقتتلا فَنَادَى
هَذَا قومه وَهَذَا قومه فَخَرجُوا بِالسِّلَاحِ وصفَّ بَعضهم
لبَعض فجَاء رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلم يزل
يمشي بَينهم إِلَى هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاء ليسكنهم حَتَّى رجعُوا
فَأنْزل الله فِي ذَلِك الْقُرْآن {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا
إِن تطيعوا فريقاً من الَّذين أُوتُوا الْكتاب يردوكم بعد
إيمَانكُمْ كَافِرين}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي الْآيَة
قَالَ: نزلت فِي ثَعْلَبَة بن غنمة الْأنْصَارِيّ وَكَانَ
بَينه وَبَين أنَاس من الْأَنْصَار كَلَام فَمشى بَينهم
يَهُودِيّ من قينقاع فَحمل بَعضهم على بعض حَتَّى هَمت
الطائفتان من الْأَوْس والخزرج أَن يحملوا السِّلَاح فيقاتلوا
فَأنْزل الله {إِن تطيعوا فريقاً من الَّذين أُوتُوا الْكتاب
يردوكم بعد إيمَانكُمْ كَافِرين} يَقُول: إِن حملتم السِّلَاح
فاقتتلتم كَفرْتُمْ
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله
{لمَ تصدُّونَ عَن سَبِيل الله} الْآيَة
قَالَ: كَانُوا إِذا سَأَلَهُمْ أحد هَل تَجِدُونَ مُحَمَّدًا
قَالُوا: لَا
فصدوا النَّاس عَنهُ وبغوا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة فِي الْآيَة
يَقُول: لم تصدُّونَ عَن الْإِسْلَام وَعَن نَبِي الله من آمن
بِاللَّه وَأَنْتُم شُهَدَاء فِيمَا تقرأون من كتاب الله: أَن
مُحَمَّدًا رَسُول الله وَأَن الْإِسْلَام دين الله الَّذِي
لَا يقبل غَيره وَلَا يَجْزِي إِلَّا بِهِ يجدونه مَكْتُوبًا
عِنْدهم فِي التَّوْرَاة والإِنجيل
وَأخرج ابْن جرير عَن الْحسن فِي قَوْله {يَا أهل الْكتاب لم
تصدُّونَ} قَالَ: هم الْيَهُود وَالنَّصَارَى
نَهَاهُم أَن يصدوا الْمُسلمين عَن سَبِيل الله ويريدون أَن
يعدلُوا النَّاس إِلَى الضَّلَالَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة
فِي قَوْله {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِن تطيعوا فريقاً}
الْآيَة
قد تقدم الله إِلَيْكُم فيهم كَمَا تَسْمَعُونَ وحذروكموهم
وأنبأكم بضلالتهم فَلَا تَأْمَنُوهُمْ على دينكُمْ وَلَا
تنصحوهم على أَنفسكُم فَإِنَّهُم الْأَعْدَاء الحسدة الضلال
كَيفَ تأمنون قوما كفرُوا بِكِتَابِهِمْ وَقتلُوا رسلهم
وتحيروا فِي دينهم وعجزوا عَن أنفسهم أُولَئِكَ - وَالله - أهل
التُّهْمَة والعداوة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن
قَتَادَة فِي قَوْله {وَكَيف تكفرون وَأَنْتُم تتلى عَلَيْكُم
آيَات الله وَفِيكُمْ رَسُوله}
(2/280)
قَالَ: علمَان بينان: نَبِي الله وَكتاب
الله فَأَما نَبِي الله فَمضى عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام
وَأما كتاب الله فأبقاه الله بَين أظْهركُم رَحْمَة من الله
ونعمة
فِيهِ حَلَاله وَحَرَامه ومعصيته
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن
جريج فِي قَوْله {وَمن يعتصم بِاللَّه} قَالَ: يُؤمن بِاللَّه
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن
أبي الْعَالِيَة قَالَ: الِاعْتِصَام بِاللَّه الثِّقَة بِهِ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الرّبيع رفع الحَدِيث إِلَى
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: إِن الله قضى
على نَفسه أَنه من آمن بِهِ هداه وَمن وثق بِهِ أَنْجَاهُ
قَالَ الرّبيع: وتصديق ذَلِك فِي كتاب الله {وَمن يعتصم
بِاللَّه فقد هدي إِلَى صِرَاط مُسْتَقِيم}
وَأخرج عبد بن حميد من طَرِيق الرّبيع عَن أبي الْعَالِيَة
قَالَ: إِن الله قضى على نَفسه أَنه من آمن بِهِ هداه وَمن
توكل عَلَيْهِ كَفاهُ وَمن أقْرضهُ جزاه وَمن وثق بِهِ
أَنْجَاهُ وَمن دَعَاهُ اسْتَجَابَ لَهُ بعد أَن يستجيب لله
قَالَ الرّبيع: وتصديق ذَلِك فِي كتاب الله (وَمن يُؤمن
بِاللَّه يهد قلبه) (التغابن الْآيَة 11) (وَمن يتوكل على الله
فَهُوَ حَسبه إِن الله بَالغ أمره) (الطَّلَاق الْآيَة 3)
(وَمن يقْرض الله قرضا حسنا يضاعفه لَهُ) {وَمن يعتصم بِاللَّه
فقد هدي إِلَى صِرَاط مُسْتَقِيم} {وَإِذا سَأَلَك عبَادي عني
فَإِنِّي قريب أُجِيب دَعْوَة الداع إِذا دعان فليستجيبوا لي}
الْبَقَرَة الْآيَة 186
وَأخرج تَمام فِي فَوَائده عَن كَعْب بن مَالك قَالَ: قَالَ
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أوحى الله إِلَى دَاوُد:
يَا دَاوُد مَا من عبد يعتصم بِي دون خلقي أعرف ذَلِك من
نِيَّته فتكيده السَّمَوَات بِمن فِيهَا إِلَّا جعلت لَهُ من
بَين ذَلِك مخرجا وَمَا من عبد يعتصم بمخلوق دوني أعرف مِنْهُ
نِيَّته إِلَّا قطعت أَسبَاب السَّمَاء من بَين يَدَيْهِ وأسخت
الْهَوَاء من تَحت قَدَمَيْهِ
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ وَتعقبه الذَّهَبِيّ عَن ابْن عمر
قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من طلب مَا
عِنْد الله كَانَت السَّمَاء ظلاله وَالْأَرْض فرَاشه لم يهتم
بِشَيْء
(2/281)
من أَمر الدُّنْيَا فَهُوَ لَا يزرع
الزَّرْع وَهُوَ يَأْكُل الْخبز وَلَا يغْرس الشّجر وَيَأْكُل
الثِّمَار توكّلاً على الله وَطلب مرضاته فضمن الله
السَّمَوَات وَالْأَرْض رزقه فهم يتعبون فِيهِ ويأتون بِهِ
حَلَالا ويستوفي هُوَ رزقه بِغَيْر حِسَاب حَتَّى أَتَاهُ
الْيَقِين
قَالَ الْحَاكِم: صَحِيح
قَالَ الذَّهَبِيّ: بل مُنكر أَو مَوْضُوع فِيهِ عَمْرو بن بكر
السكْسكِي مُتَّهم عِنْد ابْن حبَان وَابْنه إِبْرَاهِيم
قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: مَتْرُوك
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن معقل بن يسَار قَالَ: قَالَ
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يَقُول ربكُم: يَا ابْن
آدم تفرغ لعبادتي أملأ قَلْبك غنى وَأَمْلَأُ يَديك رزقا
يَا ابْن أَدَم لَا تبَاعد مني فأملأ قَلْبك فَقَرَأَ واملأ
يَديك شغلا
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ عَن الزُّهْرِيّ قَالَ: أوحى
الله إِلَى دَاوُد: مَا من عبد يعتصم بِي دون خلقي وتكيده
السَّمَوَات وَالْأَرْض إِلَّا جعلت لَهُ من ذَلِك مخرجا وَمَا
من عبد يعتصم بمخلوق دوني إِلَّا قطعت أَسبَاب السَّمَاء بَين
يَدَيْهِ وأسخت الأَرْض من تَحت قَدَمَيْهِ
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن عمر قَالَ: قَالَ رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من جعل الهموم هما وَاحِدًا
كَفاهُ الله مَا أهمه من أَمر الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَمن
تشاعبت بِهِ الهموم لم يبالِ الله فِي أَي أَوديَة الدُّنْيَا
هلك
الْآيَة 102
(2/282)
يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا
تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (102)
أخرج ابْن الْمُبَارك فِي الزّهْد وَعبد
الرَّزَّاق وَالْفِرْيَابِي وَعبد بن حميد وَابْن أبي شيبَة
وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم والنحاس فِي
النَّاسِخ وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن
مرْدَوَيْه عَن ابْن مَسْعُود فِي قَوْله {اتَّقوا الله حق
تُقَاته} قَالَ: أَن يطاع فَلَا
(2/282)
يعْصى وَيذكر فَلَا ينسى ويشكر فَلَا يكفر
واخرج الحكم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه من وَجه آخر عَن ابْن
مَسْعُود قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
{اتَّقوا الله حق تُقَاته} أَن يطاع فَلَا يعْصى وَيذكر فَلَا
ينسى
وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة {اتَّقوا الله حق تُقَاته}
قَالَ: أَن يطاع فَلَا يعْصى وان يذكر فَلَا ينسى
قَالَ عِكْرِمَة: قَالَ ابْن عَبَّاس: فشق ذَلِك على
الْمُسلمين فَأنْزل الله بعد ذَلِك (فَاتَّقُوا الله مَا
اسْتَطَعْتُم) (التغابن الْآيَة 16)
وَأخرج ابْن مردوية عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {اتَّقوا الله
حق تُقَاته} أَن يطاع فَلَا يعْصى
فَلم يستطيعوا قَالَ الله (فَاتَّقُوا الله مَا اسْتَطَعْتُم)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير قَالَ: لما نزلت
هَذِه الْآيَة اشْتَدَّ على الْقَوْم الْعَمَل فَقَامُوا
حَتَّى ورمت عراقيبهم وتقرحت جباههم فَأنْزل الله تَخْفِيفًا
على الْمُسلمين (فَاتَّقُوا الله مَا اسْتَطَعْتُم) فنسخت
الْآيَة الأولى
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن مَسْعُود {اتَّقوا الله حق
تُقَاته} قَالَ: نسختها (فَاتَّقُوا الله مَا اسْتَطَعْتُم)
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم والنحاس
فِي ناسخه من طَرِيق عَليّ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله
{اتَّقوا الله حق تُقَاته} قَالَ: لم تنسخ وَلَكِن {حق
تُقَاته} أَن يجاهدوا فِي الله حق جهاده وَلَا تأخذهم فِي الله
لومة لائم ويقوموا لله بِالْقِسْطِ وَلَو على أنفسهم وآبائهم
وأمهاتهم
وَأخرج ابْن جرير عَن الرّبيع بن أنس قَالَ: لما نزلت {اتَّقوا
الله حق تُقَاته} ثمَّ نزل بعْدهَا (فَاتَّقُوا الله مَا
اسْتَطَعْتُم) نسخت هَذِه الْآيَة الَّتِي فِي آل عمرَان
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَأَبُو دَاوُد فِي ناسخه
وَابْن جرير عَن قَتَادَة فِي قَوْله {اتَّقوا الله حق
تُقَاته} قَالَ: نسختها الْآيَة الَّتِي فِي التغابن
(فَاتَّقُوا الله مَا اسْتَطَعْتُم واسمعوا وَأَطيعُوا)
وَعَلَيْهَا بَايع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على
السّمع وَالطَّاعَة فِيمَا اسْتَطَاعُوا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن
عِكْرِمَة فِي قَوْله {اتَّقوا الله حق تُقَاته} قَالَ: نزلت
هَذِه الْآيَة فِي الْأَوْس والخزرج وَكَانَ بَينهم قتال يَوْم
بُعَاث قبيل مقدم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقدم
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأصْلح بَينهم فَأنْزل الله
هَذِه الْآيَات
(2/283)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أنس قَالَ: لَا
يَتَّقِي اللَّهَ العبدُ حق تُقَاته حَتَّى يخزن من لِسَانه
وَأخرج الطَّيَالِسِيّ وَأحمد وَالتِّرْمِذِيّ وصححاه
وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي
حَاتِم وَابْن حبَان وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ
وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {يَا أَيهَا الَّذين
آمنُوا اتَّقوا الله حق تُقَاته وَلَا تموتن إِلَّا وَأَنْتُم
مُسلمُونَ} وَلَو أَن قَطْرَة من الزقوم قطرت لأمرت على أهل
الأَرْض عيشهم فَكيف مِمَّن لَيْسَ لَهُ طَعَام إِلَّا الزقوم
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن طَاوس {يَا أَيهَا
الَّذين آمنُوا اتَّقوا الله حق تُقَاته} وَهُوَ أَن يطاع
فَلَا يعْصى فَإِن لم تَفعلُوا وَلم تستطيعوا {فَلَا تموتن
إِلَّا وَأَنْتُم مُسلمُونَ} قَالَ: على الْإِسْلَام وعَلى
حُرْمَة الْإِسْلَام
وَأخرج الْخَطِيب عَن أنس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم: لَا يَتَّقِي الله عبد {حق تُقَاته} حَتَّى
يعلم أَن مَا أَصَابَهُ لم يكن ليخطئه وَمَا أخطأه لم يكن
ليصيبه
الْآيَة 103
(2/284)
وَاعْتَصِمُوا
بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا
نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً
فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ
إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ
فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ
آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (103)
أخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن أبي شيبَة
وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالطَّبَرَانِيّ بِسَنَد صَحِيح
عَن ابْن مَسْعُود فِي قَول الله {واعتصموا بِحَبل الله}
قَالَ: حَبل الله الْقُرْآن
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن الضريس وَابْن جرير
وَابْن الْأَنْبَارِي فِي الْمَصَاحِف وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن
مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن ابْن مَسْعُود
قَالَ: إِن هَذَا الصِّرَاط محتضر تحضره الشَّيَاطِين ينادون
يَا عبد الله هلمَّ هَذَا هُوَ الطَّرِيق ليصدوا عَن سَبِيل
الله فَاعْتَصمُوا بِحَبل الله فَإِن حَبل الله الْقُرْآن
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ
قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: كتاب الله
هُوَ حَبل الله الْمَمْدُود من السَّمَاء إِلَى الأَرْض
(2/284)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن أبي شُرَيْح
الْخُزَاعِيّ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم: إِن هَذَا الْقُرْآن سَبَب
طرفه بيد الله وطرفه بِأَيْدِيكُمْ فَتمسكُوا بِهِ فَإِنَّكُم
لن تضلوا بعده أبدا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالطَّبَرَانِيّ عَن زيد بن أَرقم
قَالَ: خَطَبنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ:
إِنِّي تَارِك فِيكُم كتاب الله هُوَ حَبل الله من اتبعهُ
كَانَ على الْهدى وَمن تَركه كَانَ على الضَّلَالَة
وَأخرج أَحْمد عَن زيد بن ثَابت قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم: إِنِّي تَارِك فِيكُم خليفتين: كتاب الله
عز وَجل حَبل مَمْدُود مَا بَين السَّمَاء وَالْأَرْض وعترتي
أهل بَيْتِي وأنهما لن يَتَفَرَّقَا حَتَّى يردا عليّ الْحَوْض
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن زيد بن أَرقم قَالَ: قَالَ رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِنِّي لكم فرط وَإِنَّكُمْ
وَارِدُونَ عليّ الْحَوْض فانظروا كَيفَ تخلفوني فِي الثقلَيْن
قيل: وَمَا الثَّقَلَان يَا رَسُول الله قَالَ: الْأَكْبَر
كتاب الله عز وَجل
سَبَب طرفه بيد الله وطرفه بِأَيْدِيكُمْ فَتمسكُوا بِهِ لن
تزالوا وَلَا تضلوا والأصغر عِتْرَتِي وأنهما لن يَتَفَرَّقَا
حَتَّى يردا عليّ الْحَوْض وَسَأَلت لَهما ذَاك رَبِّي فَلَا
تقدموهما لتهلكوا وَلَا تعلموهما فَإِنَّهُمَا أعلم مِنْكُم
وَأخرج ابْن سعد وَأحمد وَالطَّبَرَانِيّ عَن أبي سعيد
الْخُدْرِيّ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم: أَيهَا النَّاس إِنِّي تَارِك فِيكُم مَا إِن أَخَذْتُم
بِهِ لن تضلوا بعدِي أَمريْن أَحدهمَا أكبر من الآخر كتاب الله
حَبل مَمْدُود مَا بَين السَّمَاء وَالْأَرْض وعترتي أهل
بَيْتِي وأنهما لن يَتَفَرَّقَا حَتَّى يردا عليّ الْحَوْض
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن
الْمُنْذر وَالطَّبَرَانِيّ من طَرِيق الشّعبِيّ عَن ابْن
مَسْعُود {واعتصموا بِحَبل الله جَمِيعًا} قَالَ: حَبل الله
الْجَمَاعَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم من طَرِيق الشّعبِيّ عَن
ثَابت بن فطنة الْمُزنِيّ قَالَ: سَمِعت ابْن مَسْعُود يخْطب
وَهُوَ يَقُول: أَيهَا النَّاس عَلَيْكُم بِالطَّاعَةِ
وَالْجَمَاعَة فَإِنَّهُمَا حَبل الله الَّذِي أَمر بِهِ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سماك بن الْوَلِيد الْحَنَفِيّ
أَنه لَقِي ابْن عَبَّاس فَقَالَ: مَا تَقول فِي سلاطين علينا
يظلموننا ويشتموننا ويعتدون علينا فِي صَدَقَاتنَا أَلا
(2/285)
نمنعهم قَالَ: لَا أعطهم الْجَمَاعَة
الْجَمَاعَة إِنَّمَا هَلَكت الْأُمَم الخالية بتفرقها أما
سَمِعت قَول الله {واعتصموا بِحَبل الله جَمِيعًا وَلَا
تفَرقُوا}
وَأخرج ابْن ماجة وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن أنس
قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: افْتَرَقت
بَنو إِسْرَائِيل على إِحْدَى وَسبعين فرقة وَإِن أمتِي
سَتَفْتَرِقُ على إثنتين وَسبعين فرقة كلهم فِي النَّار إِلَّا
وَاحِدَة
قَالُوا: يَا رَسُول وَمن هَذِه الْوَاحِدَة قَالَ:
الْجَمَاعَة
ثمَّ قَالَ {واعتصموا بِحَبل الله جَمِيعًا وَلَا تفَرقُوا}
(فِي الْكتاب الحَدِيث مُكَرر) وَأخرج ابْن ماجة وَابْن جرير
وَابْن أبي حَاتِم عَن أنس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم: افْتَرَقت بَنو إِسْرَائِيل على إِحْدَى
وَسبعين فرقة وَإِن أمتِي سَتَفْتَرِقُ على إثنتين وَسبعين
فرقة كلهم فِي النَّار إِلَّا وَاحِدَة قَالُوا: يَا رَسُول
الله وَمن هَذِه الْوَاحِدَة قَالَ: الْجَمَاعَة ثمَّ قَالَ
{واعتصموا بِحَبل الله جَمِيعًا}
وَأخرج مُسلم وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: أَن الله يرضى لكم
ثَلَاثًا ويسخط لكم ثَلَاثًا: يرضى لكم أَن تَعْبُدُوهُ وَلَا
تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئا وَأَن تعتصموا بِحَبل الله جَمِيعًا
وَلَا تفَرقُوا وَإِن تناصحوا من ولاه الله أَمركُم
ويسخط لكم: قيل وَقَالَ وَكَثْرَة السُّؤَال وإضاعة المَال
وَأخرج أَحْمد وَأَبُو دَاوُد عَن مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان:
أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِن أهل
الْكِتَابَيْنِ افْتَرَقُوا فِي دينهم على إثنتين وَسبعين
مِلَّة وَإِن هَذِه الْأمة سَتَفْتَرِقُ على ثَلَاث وَسبعين
مِلَّة - يَعْنِي الْأَهْوَاء - كلهَا فِي النَّار إِلَّا
وَاحِدَة
وَهِي الْجَمَاعَة
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن عمر أَن رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: من خرج من الْجَمَاعَة قيد شبر فقد
خلع ربقة الْإِسْلَام عَن عُنُقه حَتَّى يُرَاجِعهُ وَمن مَاتَ
وَلَيْسَ عَلَيْهِ إِمَام جمَاعَة فَإِن موتته ميتَة
جَاهِلِيَّة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن أبي الْعَالِيَة
{واعتصموا بِحَبل الله} قَالَ: بالإخلاص لله وَحده {وَلَا
تفَرقُوا} يَقُول: لَا تعادوا عَلَيْهِ - يَقُول على
الْإِخْلَاص - وَكُونُوا عَلَيْهِ إخْوَانًا
(2/286)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن
{واعتصموا بِحَبل الله} قَالَ: بِطَاعَتِهِ
وَأخرج عَن قَتَادَة {واعتصموا بِحَبل الله} قَالَ: بِعَهْد
الله وبأمره
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن زيد {واعتصموا بِحَبل الله} قَالَ:
الإِسلام
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن الرّبيع فِي قَوْله
{واذْكُرُوا نعْمَة الله عَلَيْكُم إِذْ كُنْتُم أَعدَاء} يقتل
بَعْضكُم بَعْضًا وَيَأْكُل شديدكم ضعيفكم حَتَّى جَاءَ الله
بِالْإِسْلَامِ فألف بِهِ بَيْنكُم وَجمع جمعكم عَلَيْهِ
وجعلكم عَلَيْهِ إخْوَانًا
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن عِكْرِمَة قَالَ: لَقِي
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَفرا من الْأَنْصَار فآمنوا
بِهِ وَصَدقُوا وَأَرَادَ أَن يذهب مَعَهم فَقَالُوا: يَا
رَسُول الله إِن بَين قَومنَا حَربًا وَإِنَّا نَخَاف إِن
جِئْت على حالك هَذِه أَن لَا يتهيأ الَّذِي تُرِيدُ
فوادوه الْعَام الْمقبل فَقَالُوا: نَذْهَب برَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَعَلَّ الله أَن يصلح تِلْكَ الْحَرْب
وَكَانُوا يرَوْنَ أَنَّهَا لَا تصلح - وَهِي يَوْم بُعَاث -
فَلَقوهُ من الْعَام الْمقبل سبعين رجلا قد آمنُوا بِهِ فَأخذ
مِنْهُم النُّقَبَاء إثني عشر رجلا
فَذَلِك حِين يَقُول {واذْكُرُوا نعْمَة الله عَلَيْكُم إِذْ
كُنْتُم أَعدَاء فألف بَين قُلُوبكُمْ} وَفِي لفظ لِابْنِ جرير
فَلَمَّا كَانَ من أَمر عَائِشَة مَا كَانَ فتشاور الْحَيَّانِ
قَالَ بَعضهم لبَعض: مَوْعدكُمْ الْحرَّة فَخَرجُوا إِلَيْهَا
فَنزلت هَذِه الْآيَة {واذْكُرُوا نعْمَة الله عَلَيْكُم إِذْ
كُنْتُم أَعدَاء فألف بَين قُلُوبكُمْ} الْآيَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي جريج فِي قَوْله {إِذْ كُنْتُم
أَعدَاء} قَالَ: مَا كَانَ بَين الْأَوْس والخزرج فِي شَأْن
عَائِشَة
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن إِسْحَق قَالَ: كَانَت الْحَرْب
بَين الْأَوْس والخزرج عشْرين وَمِائَة سنة حَتَّى قَامَ
الْإِسْلَام فأطفأ الله ذَلِك وَألف بَينهم
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن مقَاتل بن حَيَّان قَالَ: بَلغنِي
أَن هَذِه الْآيَة أنزلت فِي قبيلتين من قبائل الْأَنْصَار فِي
رجلَيْنِ
أَحدهمَا من الْخَزْرَج وَالْآخر من الْأَوْس اقْتَتَلُوا فِي
الْجَاهِلِيَّة زَمَانا طَويلا فَقدم النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم الْمَدِينَة فَأصْلح بَينهم فَجرى الحَدِيث
بَينهمَا فِي الْمجْلس فتفاخروا واستبوا حَتَّى أشرع بَعضهم
الرماح إِلَى بعض
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة {واذْكُرُوا نعْمَة الله
عَلَيْكُم إِذْ كُنْتُم أَعدَاء فألف بَين قُلُوبكُمْ فأصبحتم
بنعمته إخْوَانًا} إِذْ كُنْتُم تذابحون فِيهَا يَأْكُل شديدكم
ضعيفكم حَتَّى جَاءَ الله بِالْإِسْلَامِ فآخى بِهِ بَيْنكُم
وَألف بِهِ بَيْنكُم
أما وَالله الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ أَن الألفة لرحمة
وَأَن الْفرْقَة لعذاب ذكر لنا أَن نَبِي الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يَقُول: وَالَّذِي نفس مُحَمَّد بِيَدِهِ
لَا يتواد رجلَانِ فِي الْإِسْلَام فَيُفَرق بَينهمَا من أول
ذَنْب يحدثه أَحدهمَا وَإِن أرادهما الْمُحدث
(2/287)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أنس قَالَ:
قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يَا معشر
الْأَنْصَار بمَ تمنون عليَّ أَلَيْسَ جِئتُكُمْ ضلالا
فَهدَاكُم الله بِي وجئتكم أَعدَاء فألف الله بَين قُلُوبكُمْ
بِي قَالُوا: بلَى يَا رَسُول الله
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله
{وكنتم على شفا حُفْرَة من النَّار} يَقُول كُنْتُم على طرف
النَّار من مَاتَ مِنْكُم وَقع فِي النَّار
فَبعث الله مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فاستنقذكم بِهِ
من تِلْكَ الحفرة
وَأخرج عبد بن حميد عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَرَأَ {وكنتم على
شفا حُفْرَة من النَّار فأنقذكم مِنْهَا} قَالَ: أنقذنا
مِنْهَا فأرجو أَن لَا يعيدنا فِيهَا
وَأخرج الطستي عَن ابْن عَبَّاس أَن نَافِع بن الْأَزْرَق
قَالَ لَهُ: أَخْبرنِي عَن قَوْله عزَّ وَجل {وكنتم على شفا
حُفْرَة من النَّار فأنقذكم مِنْهَا} قَالَ: أنقذكم الله
بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم
أما سَمِعت عَبَّاس بن مرداس وَهُوَ يَقُول: يكب على شفا
الأذقان كبا كَمَا زلق التحتم عَن جفاف
الْآيَتَانِ 104 - 105
(2/288)
وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ
أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ
بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ
هُمُ الْمُفْلِحُونَ (104) وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ
تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ
الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (105)
أخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد
وَابْن جرير وَابْن الْأَنْبَارِي فِي الْمَصَاحِف عَن عَمْرو
بن دِينَار أَنه سمع ابْن الزبير يقْرَأ {ولتكن مِنْكُم أمة
يدعونَ إِلَى الْخَيْر ويأمرون بِالْمَعْرُوفِ وَينْهَوْنَ عَن
الْمُنكر} ويستعينون بِاللَّه على مَا أَصَابَهُم
فَمَا أَدْرِي أَكَانَت قِرَاءَته أَو فسَّر
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي دَاوُد فِي
الْمَصَاحِف وَابْن الْأَنْبَارِي عَن عُثْمَان أَنه قَرَأَ
ولتكن مِنْكُم أمة يدعونَ إِلَى الْخَيْر ويأمرون
بِالْمَعْرُوفِ وَينْهَوْنَ عَن الْمُنكر ويستعينون الله على
مَا أَصَابَهُم وَأُولَئِكَ هم المفلحون
(2/288)
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي جَعْفَر
الباقر قَالَ: قَرَأَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
{ولتكن مِنْكُم أمة يدعونَ إِلَى الْخَيْر} ثمَّ قَالَ:
الْخَيْر أَتبَاع الْقُرْآن وسُنَّتي
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي الْعَالِيَة قَالَ: كل آيَة
ذكرهَا الله فِي الْقُرْآن فِي الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ فَهُوَ
الْإِسْلَام وَالنَّهْي عَن الْمُنكر فَهُوَ عبَادَة
الشَّيْطَان
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مقَاتل بن حَيَّان فِي قَوْله
{ولتكن مِنْكُم أمة} يَقُول: ليكن مِنْكُم قوم
يَعْنِي وَاحِدًا أَو إثنين أَو ثَلَاثَة نفر فَمَا فَوق ذَلِك
أمة يَقُول: إِمَامًا يقْتَدى بِهِ يدعونَ إِلَى الْخَيْر
قَالَ: إِلَى الْخَيْر قَالَ: إِلَى الْإِسْلَام ويأمرون
بِالْمَعْرُوفِ بِطَاعَة رَبهم وَينْهَوْنَ عَن الْمُنكر عَن
مَعْصِيّة رَبهم
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن الضَّحَّاك {ولتكن
مِنْكُم أمة يدعونَ إِلَى الْخَيْر} قَالَ: هم أَصْحَاب رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَاصَّة
وهم الروَاة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم من طَرِيق عَليّ عَن ابْن
عَبَّاس فِي قَوْله {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِين تفَرقُوا
وَاخْتلفُوا} قَالَ: أَمر الله الْمُؤمنِينَ بِالْجَمَاعَة
ونهاهم عَن الِاخْتِلَاف والفرقة وَأخْبرهمْ إِنَّمَا هلك من
كَانَ قبلكُمْ بالمراء والخصومات فِي دين الله
وَأخرج ابْن جرير عَن الرّبيع فِي قَوْله {وَلَا تَكُونُوا
كَالَّذِين تفَرقُوا وَاخْتلفُوا} قَالَ: هم أهل الْكتاب
نهى الله أهل الْإِسْلَام أَن يتفرقوا ويختلفوا كَمَا تفرق
وَاخْتلف أهل الْكتاب
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن فِي قَوْله
{وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِين تفَرقُوا وَاخْتلفُوا} قَالَ: من
الْيَهُود وَالنَّصَارَى
وَأخرج أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن ماجة وَالْحَاكِم
وَصَححهُ عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم: افْتَرَقت الْيَهُود على إِحْدَى وَسبعين فرقة
وَتَفَرَّقَتْ النَّصَارَى على إثنتين وَسبعين فرقة وتفترق
أمتِي على ثَلَاث وَسبعين فرقة
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن قَالَ: كَيفَ يصنع أهل هَذِه
الْأَهْوَاء الخبيثة بِهَذِهِ الْآيَة فِي آل عمرَان {وَلَا
تَكُونُوا كَالَّذِين تفَرقُوا وَاخْتلفُوا من بعد مَا
جَاءَهُم الْبَينَات} قَالَ: نبذوها وَرب الْكَعْبَة وَرَاء
ظُهُورهمْ
وَأخرج أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَالْحَاكِم عَن مُعَاوِيَة
قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن أهل
الْكتاب تفَرقُوا فِي دينهم على إثنتين وَسبعين مِلَّة وتفترق
هَذِه الْأمة على ثَلَاث
(2/289)
وَسبعين مِلَّة كلهَا فِي النَّار إِلَّا
وَاحِدَة وَهِي الْجَمَاعَة وَيخرج فِي أمتِي أَقوام تتجارى
تِلْكَ الْأَهْوَاء بهم كَمَا يتجارى الْكَلْب بِصَاحِبِهِ
فَلَا يبْقى مِنْهُ عرق وَلَا مفصل إِلَّا دخله
وَأخرج الْحَاكِم عَن عبد الله بن عَمْرو قَالَ: قَالَ رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يَأْتِي على أمتِي مَا أَتَى
على بني إِسْرَائِيل حَذْو النَّعْل بالنعل حَتَّى لَو كَانَ
فيهم من نكح أمة عَلَانيَة كَانَ فِي أمتِي مثله إِن بني
إِسْرَائِيل افْتَرَقُوا على إِحْدَى وَسبعين مِلَّة وتفترق
أمتِي على ثَلَاث وَسبعين مِلَّة كلهَا فِي النَّار إِلَّا
مِلَّة وَاحِدَة فَقيل لَهُ: مَا الْوَاحِدَة قَالَ: مَا أَنا
عَلَيْهِ الْيَوْم وأصحابي
وَأخرج الْحَاكِم عَن كثير بن عبد الله بن عَمْرو بن عَوْف عَن
أَبِيه عَن جده أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
قَالَ: لتسلكن سنَن من قبلكُمْ إِن بني إِسْرَائِيل افْتَرَقت
الحَدِيث
وَأخرج ابْن ماجة عَن عَوْف بن مَالك قَالَ: قَالَ رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: افْتَرَقت الْيَهُود على إِحْدَى
وَسبعين فرقة فَوَاحِدَة فِي الْجنَّة وَسَبْعُونَ فِي النَّار
وافترقت النَّصَارَى على اثْنَتَيْنِ وَسبعين فرقة فإحدى
وَسبعين فِي النَّار وَوَاحِدَة فِي الْجنَّة
وَالَّذِي نفس مُحَمَّد بِيَدِهِ لتفترقن أمتِي على ثَلَاث
وَسبعين فرقة فَوَاحِدَة فِي الْجنَّة وَاثْنَتَانِ
وَسَبْعُونَ فِي النَّار
قيل: يَا رَسُول الله من هم قَالَ: الْجَمَاعَة
وَأخرج أَحْمد عَن أنس أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم قَالَ: إِن بني إِسْرَائِيل تَفَرَّقت إِحْدَى وَسبعين
فرقة فَهَلَكت سَبْعُونَ فرقة وخلصت فرقة وَاحِدَة وَأَن أمتِي
سَتَفْتَرِقُ على إثنتين وَسبعين فرقة تهْلك إِحْدَى
وَسَبْعُونَ فرقة وتخلص فرقة قيل: يَا رَسُول الله من تِلْكَ
الْفرْقَة قَالَ: الْجَمَاعَة الْجَمَاعَة
وَأخرج أَحْمد عَن أبي ذَر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم قَالَ: إثنان خير من وَاحِد وَثَلَاثَة خير من إثنين
وَأَرْبَعَة خير من ثَلَاثَة فَعَلَيْكُم بِالْجَمَاعَة فَإِن
الله لم يجمع أمتِي إِلَّا على هدى
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن كثير بن عبد الله بن عَمْرو بن
عَوْف عَن أَبِيه عَن جده أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم قَالَ: ادخُلُوا عليَّ وَلَا يدْخل عليَّ إِلَّا قرشي
فَقَالَ: يَا معشر قُرَيْش أَنْتُم الْوُلَاة بعدِي لهَذَا
الدّين فَلَا تموتن إِلَّا وَأَنْتُم مُسلمُونَ {واعتصموا
بِحَبل الله جَمِيعًا وَلَا تفَرقُوا} {وَلَا تَكُونُوا
كَالَّذِين تفَرقُوا وَاخْتلفُوا من بعد مَا جَاءَهُم
الْبَينَات}
(2/290)
{وَمَا أمروا إِلَّا ليعبدوا الله مُخلصين
لَهُ الدّين حنفَاء ويقيموا الصَّلَاة ويؤتوا الزَّكَاة
وَذَلِكَ دين الْقيمَة} الْبَيِّنَة الْآيَة 5
الْآيَات 106 - 109
(2/291)
يَوْمَ تَبْيَضُّ
وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ
وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا
الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (106) وَأَمَّا
الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ
فِيهَا خَالِدُونَ (107) تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا
عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا
لِلْعَالَمِينَ (108) وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا
فِي الْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (109)
أخرج أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن ماجة
وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن الْمُنْذر عَن أبي غَالب قَالَ: رأى
أَبُو أُمَامَة رُؤُوس الْأزَارِقَة مَنْصُوبَة على درج
مَسْجِد دمشق فَقَالَ أَبُو أُمَامَة: كلاب النَّار شَرّ
قَتْلَى تَحت أَدِيم السَّمَاء خير قَتْلَى من قَتَلُوهُ
ثمَّ قَرَأَ {يَوْم تبيضُّ وُجُوه وتسودُّ وُجُوه} الْآيَة
قلت لأبي أُمَامَة: أَنْت سمعته من رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لَو لم أسمعهُ إِلَّا مرّة أَو
مرَّتَيْنِ أَو ثَلَاثًا أَو أَرْبعا حَتَّى عدَّ سبعا مَا
حَدَّثتكُمُوهُ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو نصر فِي الْإِبَانَة والخطيب
فِي تَارِيخه واللالكائي فِي السّنة عَن ابْن عَبَّاس فِي
هَذِه الْآيَة قَالَ {تبيض وُجُوه وَتسود وُجُوه} قَالَ تبيض
وُجُوه أهل السّنة وَالْجَمَاعَة وَتسود وُجُوه أهل الْبدع
والضلالة
وَأخرج الْخَطِيب فِي رُوَاة مَالك والديلمي عَن ابْن عمر عَن
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قَوْله تَعَالَى {يَوْم
تبيض وُجُوه وَتسود وُجُوه} قَالَ: تبيض وُجُوه أهل السّنة
وَتسود وُجُوه أهل الْبدع
وَأخرج أَبُو نصر السجْزِي فِي الْإِبَانَة عَن أبي سعيد
الْخُدْرِيّ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَرَأَ
{يَوْم تبيض وُجُوه وَتسود وُجُوه} قَالَ: تبيض وُجُوه أهل
الْجَمَاعَات وَالسّنة وَتسود وُجُوه أهل الْبدع والأهواء
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن أبي
بن كَعْب فِي الْآيَة قَالَ:
(2/291)
صَارُوا فرْقَتَيْن يَوْم الْقِيَامَة
يُقَال لمن اسود وَجهه {أكفرتم بعد إيمَانكُمْ} فَهُوَ
الْإِيمَان الَّذِي كَانَ فِي صلب آدم حَيْثُ كَانُوا أمة
وَاحِدَة وَأما الَّذين ابْيَضَّتْ وُجُوههم فهم الَّذين
استقاموا على إِيمَانهم وَأَخْلصُوا لَهُ الدّين فبيَّض الله
وُجُوههم وأدخلهم فِي رضوانه وجنته
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن الْمُنْذر عَن عِكْرِمَة فِي
الْآيَة قَالَ: هم أهل الْكتاب كَانُوا مُصدقين
بِأَنْبِيَائِهِمْ مُصدقين بِمُحَمد فَلَمَّا بَعثه الله
كفرُوا
فَذَلِك قَوْله {أكفرتم بعد أَيْمَانكُم}
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن أبي
أُمَامَة فِي قَوْله {فَأَما الَّذين اسودت وُجُوههم} قَالَ:
هم الْخَوَارِج
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير فِي الْآيَة عَن قَتَادَة
قَالَ: لقد كفر أَقوام بعد إِيمَانهم كَمَا تَسْمَعُونَ
{فَأَما الَّذين اسودت وُجُوههم} فَأهل طَاعَة الله
وَالْوَفَاء بِعَهْد الله
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن فِي قَوْله
{فَأَما الَّذين اسودّت وُجُوههم} قَالَ: هم المُنَافِقُونَ
كَانُوا أعْطوا كلمة الْإِيمَان بألسنتهم وأنكروها بقلوبهم
وأعمالهم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله {وَتسود
وُجُوه} قَالَ: هم الْيَهُود
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الشّعبِيّ فِي قَوْله {يَوْم تبيض
وُجُوه وَتسود وُجُوه} قَالَ: هَذَا لأهل الْقبْلَة
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن السّديّ بِسَنَد فِيهِ من لَا يعرف
{يَوْم تبيض وُجُوه وتسودُّ وُجُوه} قَالَ: بِالْأَعْمَالِ
والأحداث
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم بِسَنَد فِيهِ من لَا يعرف عَن
عَائِشَة قَالَت: سَأَلت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
هَل تَأتي عَلَيْك سَاعَة لَا تملك فِيهَا لأحد شَفَاعَة
قَالَ: نعم {يَوْم تبيض وُجُوه وَتسود وُجُوه} حَتَّى انْظُر
مَا يفعل بِي
أَو قَالَ: بوجهي
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط بِسَنَد ضَعِيف عَن ابْن
عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم:
الْمُصِيبَة تبيض وَجه صَاحبهَا يَوْم تسود الْوُجُوه
وَأخرج أَبُو نعيم عَن أنس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم: الْغُبَار فِي سَبِيل الله إسفار الْوُجُوه
يَوْم الْقِيَامَة
(2/292)
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن أبي الدَّرْدَاء
عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لَيْسَ من عبد
يَقُول لَا إِلَه إِلَّا الله مائَة مرّة إِلَّا بَعثه الله
يَوْم الْقِيَامَة وَوَجهه كَالْقَمَرِ لَيْلَة الْبَدْر
وَأخرج عبد بن حميد عَن يحيى بن وثاب أَنه قَرَأَ كل شَيْء فِي
الْقُرْآن {وَإِلَى الله ترجع الْأُمُور} بِنصب التَّاء وَكسر
الْجِيم
الْآيَات 110 - 112
(2/293)
كُنْتُمْ خَيْرَ
أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ
وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ
آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ
الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ (110) لَنْ
يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ
الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ (111) ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ
الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ
وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ
وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ
كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ
الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا
يَعْتَدُونَ (112)
أخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن أبي شيبَة
وَعبد بن حميد وَالْفِرْيَابِي وَأحمد وَالنَّسَائِيّ وَابْن
جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن الْمُنْذر وَالطَّبَرَانِيّ
وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {كُنْتُم
خير أمة أخرجت للنَّاس} قَالَ: هم الَّذين هَاجرُوا مَعَ
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الْمَدِينَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي الْآيَة
قَالَ: قَالَ عمر بن الْخطاب: لَو شَاءَ الله لقَالَ: أَنْتُم
فَكُنَّا كلنا وَلَكِن قَالَ {كُنْتُم} فِي خَاصَّة أَصْحَاب
مُحَمَّد وَمن صنع مثل صنيعهم كَانُوا {خير أمة أخرجت للنَّاس}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ عَمَّن حَدثهُ
عَن عمر فِي قَوْله {كُنْتُم خير أمة} قَالَ: تكون لأوّلنا
وَلَا تكون لآخرنا
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن عِكْرِمَة فِي الْآيَة
قَالَ: نزلت فِي ابْن مَسْعُود وعمار بن يسَار وَسَالم مولى
أبي حُذَيْفَة وَأبي بن كَعْب ومعاذ بن جبل
وَأخرج ابْن جرير عَن قَتَادَة قَالَ: ذكر لنا أَن عمر بن
الْخطاب قَرَأَ هَذِه الْآيَة
(2/293)
{كُنْتُم خير أمة أخرجت للنَّاس} الْآيَة
ثمَّ قَالَ: يَا أَيهَا النَّاس من سرَّه أَن يكون من تلكم
الْأمة فليؤدِّ شَرط الله مِنْهَا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد
فِي قَوْله {كُنْتُم خير أمة أخرجت للنَّاس} يَقُول: على هَذَا
الشَّرْط
أَن تأمروا بِالْمَعْرُوفِ وتنهوا عَن الْمُنكر وتؤمنوا
بِاللَّه
يَقُول: لمن أَنْتُم بَين ظهرانيه كَقَوْلِه (وَلَقَد اخترناهم
على علم على الْعَالمين) (الدُّخان الْآيَة 32)
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَالْبُخَارِيّ
وَالنَّسَائِيّ وَابْن جرير وَابْن المنذرو ابْن أبي حَاتِم
وَالْحَاكِم عَن أبي هُرَيْرَة فِي قَوْله {كُنْتُم خير أمة
أخرجت للنَّاس} قَالَ: خير النَّاس للنَّاس تأتون بهم فِي
السلَاسِل فِي أَعْنَاقهم حَتَّى يدخلُوا فِي الإِسلام
وَأخرج ابْن الْمُنْذر من طَرِيق عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس
{كُنْتُم خير أمة أخرجت للنَّاس} قَالَ: خير النَّاس للنَّاس
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبيّ بن كَعْب قَالَ: لم تكن أمة
أَكثر استجابة فِي الْإِسْلَام من هَذِه الْأمة فَمن ثمَّ
قَالَ {كُنْتُم خير أمة أخرجت للنَّاس}
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَأحمد وَالتِّرْمِذِيّ
وَحسنه وَابْن ماجة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي
حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن
مرْدَوَيْه عَن مُعَاوِيَة بن حيدة أَنه سمع النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم فِي قَوْله {كُنْتُم خير أمة أخرجت للنَّاس}
قَالَ: إِنَّكُم تتمون سبعين أمة أَنْتُم خَيرهَا وَأَكْرمهَا
على الله
وَأخرج ابْن جرير عَن قَتَادَة قَالَ: ذكر لنا نَبِي الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ ذَات يَوْم وَهُوَ مُسْند ظَهره
إِلَى الْكَعْبَة: نَحن نكمل يَوْم الْقِيَامَة سبعين أمة نَحن
آخرهَا وَخَيرهَا
وَأخرج أَحْمد بِسَنَد حسن عَن عَليّ قَالَ: قَالَ رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَعْطَيْت مَا لم يُعْط أحد من
الْأَنْبِيَاء: نصرت بِالرُّعْبِ وَأعْطيت مَفَاتِيح الأَرْض
وَسميت أَحْمد وَجعل التُّرَاب لي طهُورا وَجعلت أمتِي خير
الْأُمَم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي جَعْفَر {كُنْتُم خير أمة
أخرجت للنَّاس} قَالَ: أهل بَيت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم
(2/294)
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن
عَطِيَّة فِي الْآيَة قَالَ: خير النَّاس للنَّاس
شهدتم لِلنَّبِيِّينَ الَّذين كذبهمْ قَومهمْ بالبلاغ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة فِي الْآيَة قَالَ: لم
تكن أمة دخل فِيهَا من أَصْنَاف النَّاس غير هَذِه الْأمة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم
وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن ابْن عَبَّاس
فِي قَوْله {كُنْتُم خير أمة أخرجت للنَّاس تأمرون
بِالْمَعْرُوفِ} يَقُول: تأمرونهم أَن يشْهدُوا أَن لَا إِلَه
إِلَّا الله والإِقرار بِمَا أنزل الله ويقاتلونهم عَلَيْهِ
وَلَا إِلَه إِلَّا الله هُوَ أعظم الْمَعْرُوف وتنهونهم عَن
الْمُنكر وَالْمُنكر هُوَ التَّكْذِيب وَهُوَ أنكر الْمُنكر
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {مِنْهُم
الْمُؤْمِنُونَ} قَالَ: اسْتثْنى الله مِنْهُم ثَلَاثَة
كَانُوا على الْهدى وَالْحق
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله
{وَأَكْثَرهم الْفَاسِقُونَ} قَالَ: ذمّ الله أَكثر النَّاس
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة فِي قَوْله {لن
يضروكم إِلَّا أَذَى} قَالَ: تسمعونه مِنْهُم
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن جريج {لن يضروكم إِلَّا أَذَى}
قَالَ: إشراكهم فِي عُزَيْر وَعِيسَى والصليب
وَأخرج عَن الْحسن {لن يضروكم إِلَّا أَذَى} قَالَ:
تَسْمَعُونَ مِنْهُم كذبا على الله يدعونكم إِلَى الضَّلَالَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {ضربت
عَلَيْهِم الذلة} قَالَ: هم أَصْحَاب القبالات
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن {ضربت
عَلَيْهِم الذلة} قَالَ: أذلّهم الله فَلَا مَنْعَة لَهُم
وجعلهم الله تَحت أَقْدَام الْمُسلمين
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي
حَاتِم عَن الْحسن قَالَ: أدركتهم هَذِه الْأمة وَأَن
الْمَجُوس لتجتنيهم الْجِزْيَة
(2/295)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن
وَقَتَادَة {ضربت عَلَيْهِم الذلة} قَالَ: يُعْطون الْجِزْيَة
عَن يَد وهم ضاغرون
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن الضَّحَّاك {وَضربت عَلَيْهِم
الذلة} قَالَ: الْجِزْيَة
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم من
طَرِيقين عَن ابْن عَبَّاس {إِلَّا بِحَبل من الله وحبل من
النَّاس} قَالَ: بِعَهْد من الله وعهد من النَّاس
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن
قَتَادَة فِي قَوْله {ذَلِك بِمَا عصوا وَكَانُوا يعتدون}
قَالَ: اجتنبوا الْمعْصِيَة والعدوان فَإِن بهما هلك من هلك
قبلكُمْ من النَّاس
الْآيَات 113 - 116
(2/296)
لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ
أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ
آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ (113) يُؤْمِنُونَ
بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ
وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي
الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ (114) وَمَا
يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ
بِالْمُتَّقِينَ (115) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ
عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ
شَيْئًا وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا
خَالِدُونَ (116)
أخرج ابْن إِسْحَق وَابْن الْمُنْذر وَابْن
جرير وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي
الدَّلَائِل وَابْن عَسَاكِر عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: لما أسلم
عبد الله بن سَلام وثعلبة بن سعية وَأسيد بن سعية وَأسد بن
عبيد وَمن أسلم من يهود مَعَهم
فآمنوا وَصَدقُوا وَرَغبُوا فِي الْإِسْلَام قَالَت أَحْبَار
يهود وَأهل الْكفْر مِنْهُم: مَا آمن بِمُحَمد وَتَبعهُ إلاّ
شرارنا وَلَو كَانُوا خيارنا مَا تركُوا دين آبَائِهِم وذهبوا
إِلَى غَيره
فَأنْزل الله فِي ذَلِك {لَيْسُوا سَوَاء} إِلَى قَوْله
{وَأُولَئِكَ من الصَّالِحين}
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة فِي قَوْله
{لَيْسُوا سَوَاء} الْآيَة
يَقُول: لَيْسَ كل الْقَوْم هلك قد كَانَ لله فيهم بَقِيَّة
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن جريج فِي قَوْله {أمة قَائِمَة}
قَالَ: عبد الله بن سَلام وثعلبة بن سَلام أَخُوهُ وسعية ومبشر
وَأسيد وَأسد ابْنا كَعْب
(2/296)
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن
السّديّ فِي الْآيَة يَقُول: هَؤُلَاءِ الْيَهُود لَيْسُوا
كَمثل هَذِه الْأمة الَّتِي هِيَ قانتة لله
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس {أمة
قَائِمَة} يَقُول: مهتدية قَائِمَة على أَمر الله لم تنْزع
عَنهُ وتتركه كَمَا تَركه الْآخرُونَ وضيعوه
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن
مُجَاهِد {أمة قَائِمَة} قَالَ: عادلة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن الرّبيع {أمة
قَائِمَة} يَقُول: قَائِمَة على كتاب الله وحدوده وفرائضه
وَأخرج ابْن جرير عَن الرّبيع {آنَاء اللَّيْل} قَالَ: سَاعَات
اللَّيْل
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَابْن نصر وَابْن الْمُنْذر
وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {آنَاء
اللَّيْل} قَالَ: جَوف اللَّيْل
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَالْبُخَارِيّ فِي تَارِيخه وَعبد بن
حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن
مَسْعُود فِي قَوْله {لَيْسُوا سَوَاء من أهل الْكتاب أمة
قَائِمَة} قَالَ: لَا يَسْتَوِي أهل الْكتاب وَأمة مُحَمَّد
{يَتلون آيَات الله آنَاء اللَّيْل} قَالَ: صَلَاة الْعَتَمَة
هم يصلونها وَمن سواهُم من أهل الْكتاب لَا يصلونها
وَأخرج أَحْمد وَالنَّسَائِيّ وَالْبَزَّار وَأَبُو يعلى
وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم
وَالطَّبَرَانِيّ بِسَنَد حسن عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: أخر
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيْلَة صَلَاة الْعشَاء
ثمَّ خرج إِلَى الْمَسْجِد فَإِذا النَّاس ينتظرون الصَّلَاة
فَقَالَ: أما أَنه لَيْسَ من أهل هَذِه الْأَدْيَان أحد يذكر
الله هَذِه السَّاعَة غَيْركُمْ
وَلَفظ ابْن جرير وَالطَّبَرَانِيّ وَقَالَ: إِنَّه لَا
يُصَلِّي هَذِه الصَّلَاة أحد من أهل الْكتاب
قَالَ: وأنزلت هَذِه الْآيَة {لَيْسُوا سَوَاء من أهل الْكتاب
أمة قَائِمَة} حَتَّى بلغ {وَالله عليم بالمتقين}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الرّبيع فِي قَوْله {يَتلون آيَات
الله آنَاء اللَّيْل} قَالَ: قَالَ بَعضهم: صَلَاة الْعَتَمَة
يُصليهَا أمة مُحَمَّد وَلَا يُصليهَا غَيرهم من أهل الْكتاب
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأَبُو دَاوُد وَالْبَيْهَقِيّ فِي
سنَنه عَن معَاذ بن جبل قَالَ: أخر رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم صَلَاة الْعَتَمَة لَيْلَة حَتَّى ظن الظَّان
أَن قد صلى ثمَّ خرج فَقَالَ: اعتموا بِهَذِهِ الصَّلَاة
فَإِنَّكُم فضلْتُمْ بهَا على سَائِر الْأُمَم وَلم تصلها أمة
قبلكُمْ
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ بِسَنَد حسن عَن الْمُنْكَدر عَن
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه خرج ذَات لَيْلَة
(2/297)
وَقد أخر صَلَاة الْعشَاء حَتَّى ذهب من
الَّيْلِ هنيهة أَو سَاعَة وَالنَّاس ينتظرون فِي الْمَسْجِد
فَقَالَ: أما أَنكُمْ لن تزالوا فِي صَلَاة مَا انتظرتموها
ثمَّ قَالَ: أما إِنَّهَا صَلَاة لم يصلها أحد مِمَّن كَانَ
قبلم من الْأُمَم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالْبَزَّار بِسَنَد حسن عَن ابْن عمر
أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أعتم لَيْلَة بالعشاء
فناداه عمر: نَام النِّسَاء وَالصبيان فَقَالَ: مَا ينْتَظر
هَذِه الصَّلَاة أحد من أهل الأَرْض غَيْركُمْ
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ بِسَنَد حسن عَن ابْن عَبَّاس أَن
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أخر صَلَاة الْعشَاء ثمَّ
خرج فَقَالَ: مَا يحبسكم هَذِه السَّاعَة قَالُوا: يَا نَبِي
الله انتظرناك لنشهد الصَّلَاة مَعَك فَقَالَ لَهُم: مَا صلى
صَلَاتكُمْ هَذِه أمة قطّ قبلكُمْ وَمَا زلتم فِي صَلَاة بعد
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ بِسَنَد حسن عَن عبد الله بن
الْمُسْتَوْرد قَالَ: احْتبسَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم لَيْلَة حَتَّى لم يبْق فِي الْمَسْجِد إِلَّا بضعَة عشر
رجلا فَخرج إِلَيْهِم فَقَالَ: مَا أَمْسَى أحد ينْتَظر
الصَّلَاة غَيْركُمْ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي
حَاتِم عَن مَنْصُور قَالَ: بَلغنِي أَنَّهَا نزلت {يَتلون
آيَات الله آنَاء اللَّيْل وهم يَسْجُدُونَ} فِيمَا بَين
الْمغرب وَالْعشَاء
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن مَسْعُود فِي قَوْله {يَتلون
آيَات الله آنَاء اللَّيْل} قَالَ: هِيَ صَلَاة الْغَفْلَة
وَأخرج ابْن جرير عَن أبي عَمْرو بن الْعَلَاء فِي قَوْله
{وَمَا يَفْعَلُوا من خير فَلَنْ يكفروه} قَالَ: بَلغنِي عَن
ابْن عَبَّاس أَنه كَانَ يقرؤهما جَمِيعًا بِالتَّاءِ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة {فَلَنْ يكفروه}
قَالَ: لن يضل عَنْكُم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن {فَلَنْ يكفروه} قَالَ: لن
تظلموه
الْآيَة 117
(2/298)
مَثَلُ مَا
يُنْفِقُونَ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيحٍ
فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ
فَأَهْلَكَتْهُ وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ
أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (117)
أخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن
الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {مثل مَا
يُنْفقُونَ فِي هَذِه الْحَيَاة الدُّنْيَا} قَالَ: مثل
نَفَقَة الْكَافِر فِي الدُّنْيَا
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي الْآيَة
يَقُول: مثل مَا ينْفق الْمُشْركُونَ وَلَا يتَقَبَّل مِنْهُم
كَمثل هَذَا الزَّرْع إِذا زرعه الْقَوْم الظَّالِمُونَ
فأصابته ريح فِيهَا صر فأهلكته فَكَذَلِك أَنْفقُوا فأهلكهم
شركهم
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَالْفِرْيَابِي وَعبد بن حميد وَابْن
جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم من طرق عَن ابْن
عَبَّاس {فِيهَا صر} قَالَ: برد شَدِيد
وَأخرج الطستي فِي مسَائِله عَن ابْن عَبَّاس إِن نَافِع بن
الْأَزْرَق سَأَلَهُ عَن قَوْله {فِيهَا صر} قَالَ: برد
قَالَ: فَهَل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم
أما سَمِعت قَول نَابِغَة بني ذبيان: لَا يبردون إِذا مَا
الأَرْض جللها صر الشتَاء من الأمحال كالأدم
الْآيَات 118 - 120
(2/299)
يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ
لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ
الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ
أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ
تَعْقِلُونَ (118) هَا أَنْتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا
يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا
لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ
الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ
اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (119) إِنْ تَمْسَسْكُمْ
حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا
بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ
كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ
(120)
أخرج ابْن إِسْحَق وَابْن جرير وَابْن
الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كَانَ
رجال من الْمُسلمين يواصلون رجَالًا من يهود لما كَانَ بَينهم
من الْجوَار وَالْحلف فِي الْجَاهِلِيَّة فَأنْزل الله فيهم
ينهاهم عَن مباطنتهم تخوف الْفِتْنَة عَلَيْهِم مِنْهُم {يَا
أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تَتَّخِذُوا بطانة من دونكم}
الْآيَة
(2/299)
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن
ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {لَا تَتَّخِذُوا بطانة من دونكم}
قَالَ: هم المُنَافِقُونَ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي
حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي الْآيَة قَالَ: نزلت فِي
الْمُنَافِقين من أهل الْمَدِينَة
نهى الْمُؤمنِينَ أَن يتولَّوهم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ بِسَنَد جيد عَن حميد
بن مهْرَان الْمَالِكِي الْخياط قَالَ: سَأَلت أَبَا غَالب عَن
قَوْله {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تَتَّخِذُوا بطانة من
دونكم} الْآيَة
قَالَ: حَدثنِي أَبُو أُمَامَة عَن رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم: أَنه قَالَ: هم الْخَوَارِج
وَأخرج عبد بن حميد وَأَبُو يعلى وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر
وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن أنس عَن
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لَا تنقشوا فِي
خواتيمكم عَرَبيا وَلَا تستضيئوا بِنَار الْمُشْركين
فَذكر ذَلِك لِلْحسنِ فَقَالَ: نعم
لَا تنقشوا فِي خواتيمكم مُحَمَّدًا وَلَا تستشيروا
الْمُشْركين فِي شَيْء من أُمُوركُم قَالَ الْحسن: وتصديق
ذَلِك فِي كتاب الله {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا
تَتَّخِذُوا بطانة من دونكم}
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن
عمر بن الْخطاب
أَنه قيل لَهُ: إِن هُنَا غُلَاما من أهل الْحيرَة حَافِظًا
كَاتبا فَلَو اتخذته كَاتبا قَالَ: قد اتَّخذت إِذن بطانة من
دون الْمُؤمنِينَ
وَأخرج ابْن جرير عَن الرّبيع {لَا تَتَّخِذُوا بطانة} يَقُول:
لَا تستدخلوا الْمُنَافِقين تتولوهم دون الْمُؤمنِينَ
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ {ودوا مَا
عنتم} يَقُول: مَا ضللتم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مقَاتل {ودوا مَا عنتم} يَقُول:
ودّ المُنَافِقُونَ مَا عنت الْمُؤْمِنُونَ فِي دينهم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة {قد بَدَت
الْبغضَاء من أَفْوَاههم} يَقُول: من أَفْوَاه الْمُنَافِقين
إِلَى إخْوَانهمْ من الْكفَّار من غشهم لِلْإِسْلَامِ وَأَهله
وبغضهم إيَّاهُم {وَمَا تخفي صُدُورهمْ أكبر} يَقُول: مَا
تكنُّ صُدُورهمْ أكبر مِمَّا قد أبدوا بألسنتهم
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي قَوْله
{هَا أَنْتُم أولاء تحبونهم وَلَا يحبونكم}
(2/300)
قَالَ الْمُؤمن خير لِلْمُنَافِقِ من
الْمُنَافِق لِلْمُؤمنِ يرحمه فِي الدُّنْيَا
لَو يقدر الْمُنَافِق من الْمُؤمن على مثل مَا يقدر عَلَيْهِ
مِنْهُ لأباد خضراءه
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة
مثله
وَأخرج إِسْحَق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس
فِي قَوْله {وتؤمنون بِالْكتاب كُله} أَي بِكِتَابِكُمْ
وكتابهم وَبِمَا مضى من الْكتب قبل ذَلِك وهم يكفرون
بِكِتَابِكُمْ فَأنْتم أَحَق بالبغضاء لَهُم مِنْهُم لكم
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن
مَسْعُود {وَإِذا خلوا عضوا عَلَيْكُم الأنامل} قَالَ: هَكَذَا
وَوضع أَطْرَاف أَصَابِعه فِي فِيهِ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة فِي قَوْله
{وَإِذا لقوكم} الْآيَة
قَالَ: إِذا لقوا الْمُؤمنِينَ {قَالُوا آمنا} لَيْسَ بهم
إِلَّا مَخَافَة على دِمَائِهِمْ وَأَمْوَالهمْ فصانعوهم بذلك
{وَإِذا خلوا عضوا عَلَيْكُم الأنامل من الغيظ} يَقُول: مِمَّا
يَجدونَ فِي قُلُوبهم من الغيظ وَالْكَرَاهَة لما هم عَلَيْهِ
لَو يَجدونَ ريحًا لكانوا على الْمُؤمنِينَ
وَأخرج ابْن جرير عَن السّديّ {عضوا عَلَيْكُم الأنامل} قَالَ:
الْأَصَابِع
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن أبي
الجوزاء قَالَ: نزلت هَذِه الْآيَة فِي الأباضية
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مقَاتل {إِن تمسسكم حَسَنَة}
يَعْنِي النَّصْر على العدوّ والرزق وَالْخَيْر يسؤهم ذَلِك
{وَإِن تصبكم سَيِّئَة} يَعْنِي الْقَتْل والهزيمة والجهد
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن
قَتَادَة فِي الْآيَة قَالَ: إِذا رَأَوْا من أهل الْإِسْلَام
إلفة وَجَمَاعَة وظهورا على عدوهم غاظهم ذَلِك وساءهم وَإِذا
رَأَوْا من أهل الْإِسْلَام فرقة واختلافاً أَو أُصِيب طرف من
أَطْرَاف الْمُسلمين سرهم ذَلِك وابتهجوا بِهِ
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَاصِم أَنه قَرَأَ {وَإِن تصبروا
وتتقوا لَا يضركم} مُشَدّدَة بِرَفْع الضَّاد وَالرَّاء
الْآيَة 121
(2/301)
وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ
أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ
وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (121)
أخرج ابْن اسحق وَالْبَيْهَقِيّ فِي
الدَّلَائِل عَن ابْن شهَاب وَعَاصِم بن عمر بن قَتَادَة
وَمُحَمّد بن يحيى بن حبَان وَالْحصين بن عبد الرَّحْمَن بن
سعد بن معَاذ قَالُوا: كَانَ يَوْم أحد يَوْم بلَاء وتمحيص
اختبر الله بِهِ الْمُؤمنِينَ ومحق بِهِ الْكَافرين مِمَّن
كَانَ يظْهر الْإِسْلَام بِلِسَانِهِ وَهُوَ مستخفٍ بالْكفْر
وَيَوْم أكْرم الله فِيهِ من أَرَادَ كرامته بِالشَّهَادَةِ من
أهل ولَايَته فَكَانَ مِمَّا نزل من الْقُرْآن فِي يَوْم أحد
سِتُّونَ آيَة من آل عمرَان فِيهَا صفة مَا كَانَ فِي يَوْمه
ذَلِك ومعاتبة من عَاتب مِنْهُم
يَقُول الله لنَبيه {وَإِذ غَدَوْت من أهلك تبوئ الْمُؤمنِينَ
مقاعد لِلْقِتَالِ وَالله سميع عليم}
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن ابْن شهَاب قَالَ:
قَاتل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم بدر فِي
رَمَضَان سنة اثْنَتَيْنِ ثمَّ قَاتل يَوْم أحد فِي شوّال سنة
ثَلَاث ثمَّ قَاتل يَوْم الخَنْدَق وَهُوَ يَوْم الْأَحْزَاب
وَبني قُرَيْظَة فِي شوّال سنة أَربع
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن
عُرْوَة قَالَ: كَانَت وقْعَة أحد فِي شوّال على رَأس سنة من
وقْعَة بدر وَلَفظ عبد الرَّزَّاق: على رَأس سِتَّة أشهر من
وقْعَة بني النَّضِير وَرَئِيس الْمُشْركين يَوْمئِذٍ أَبُو
سُفْيَان بن حَرْب
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن قَتَادَة قَالَ: كَانَت وقْعَة أحد
فِي شوّال يَوْم السبت لإحدى عشرَة لَيْلَة مَضَت من شوّال
وَكَانَ أَصْحَابه يَوْمئِذٍ سَبْعمِائة وَالْمُشْرِكُونَ
الفين أَو مَا شَاءَ الله من ذَلِك
وَأخرج أَبُو يعلى وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن
الْمسور بن مخرمَة قَالَ: قلت لعبد الرَّحْمَن بن عَوْف يَا
خَال أَخْبرنِي عَن قصتكم يَوْم أحد قَالَ: اقْرَأ بعد
الْعشْرين وَمِائَة من آل عمرَان تَجِد قصتنا {وَإِذ غَدَوْت
من أهلك تبوئ الْمُؤمنِينَ مقاعد لِلْقِتَالِ} إِلَى قَوْله
(إِذْ هَمت طَائِفَتَانِ مِنْكُم أَن تَفْشَلَا) قَالَ: هم
الَّذين طلبُوا الْأمان من الْمُشْركين إِلَى قَوْله (وَلَقَد
كُنْتُم تمنون الْمَوْت من قبل أَن تلقوهُ فقد رَأَيْتُمُوهُ)
قَالَ: هُوَ تمني الْمُؤمنِينَ لِقَاء الْعَدو إِلَى قَوْله
(أَفَإِن مَاتَ أَو قتل انقلبتم) قَالَ: هُوَ صياح الشَّيْطَان
يَوْم أحد: قتل مُحَمَّد إِلَى قَوْله (أَمَنَة نعاسا) قَالَ:
ألقِي عَلَيْهِم النّوم
(2/302)
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم من
طَرِيق الْعَوْفِيّ عَن ابْن عَبَّاس وَإِذ {غَدَوْت من أهلك
تبوئ الْمُؤمنِينَ مقاعد لِلْقِتَالِ} قَالَ: يَوْم أحد
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير فِي قَوْله {تبوّئ
الْمُؤمنِينَ} قَالَ: توطىء
وَأخرج الطستي فِي مسَائِله عَن ابْن عَبَّاس إِن نَافِع بن
الْأَزْرَق سَأَلَهُ عَن قَوْله {تبوّئ الْمُؤمنِينَ} قَالَ:
توطن الْمُؤمنِينَ لتسكن قُلُوبهم قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب
ذَلِك قَالَ: نعم
أما سَمِعت قَول الْأَعْشَى الشَّاعِر: وَمَا بوّأ الرَّحْمَن
بَيْتك منزلا بأجياد غربي الفنا وَالْمحرم وَأخرج عبد بن حميد
وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد
فِي قَوْله {وَإِذ غَدَوْت من أهلك تبوئ الْمُؤمنِينَ مقاعد
لِلْقِتَالِ} قَالَ: مَشى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
يَوْمئِذٍ على رجلَيْهِ يبوىء الْمُؤمنِينَ
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن فِي قَوْله
{وَإِذ غَدَوْت من أهلك} قَالَ: يَعْنِي مُحَمَّدًا صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم يبوىء الْمُؤمنِينَ مقاعد لِلْقِتَالِ يَوْم
الْأَحْزَاب
وَأخرج ابْن إِسْحَق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن
الْمُنْذر عَن ابْن شهَاب وَمُحَمّد ابْن يحيى بن حبَان
وَعَاصِم بن عمر بن قَتَادَة وَالْحصين بن عبد الرَّحْمَن بن
عَمْرو بن سعد بن معَاذ وَغَيرهم
كل حدث بعض الحَدِيث عَن يَوْم أحد قَالُوا: لما أُصِيبَت
قُرَيْش أَو من ناله مِنْهُم يَوْم بدر من كفار قُرَيْش وَرجع
قلهم إِلَى مَكَّة وَرجع أَبُو سُفْيَان بعيره
مَشى عبد الله بن أبي ربيعَة وَعِكْرِمَة بن أبي جهل وَصَفوَان
بن أُميَّة فِي رجال من قُرَيْش مِمَّن أُصِيب آباؤهم واخوانهم
ببدر فَكَلَّمُوا أَبَا سُفْيَان ابْن حَرْب وَمن كَانَت لَهُ
فِي تِلْكَ العير من قُرَيْش تِجَارَة فَقَالُوا: يَا معشر
قُرَيْش إِن مُحَمَّدًا قد وتركم وَقتل خياركم فأعينوننا
بِهَذَا المَال على حربه لَعَلَّنَا ندرك مِنْهُ ثأراً بِمن
أصَاب فَفَعَلُوا فأجمعت قُرَيْش لِحَرْب رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم وَخرجت بجدتها وجديدها وَخَرجُوا مَعَهم بالظعن
التمَاس الحفيظة وَلِئَلَّا يقرُّوا
وَخرج أَبُو سُفْيَان وَهُوَ قَائِد النَّاس فَأَقْبَلُوا
حَتَّى نزلُوا بعينين جبل بِبَطن السبخة من قناة على شَفير
الْوَادي مِمَّا يَلِي الْمَدِينَة
فَلَمَّا سمع بهم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
والمسلمون وَأَنَّهُمْ قد نزلُوا حَيْثُ نزلُوا قَالَ رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِنِّي رَأَيْت بقرًا تنحر
وَرَأَيْت فِي ذُبَاب سَيفي ثلمًا وَرَأَيْت أَنِّي أدخلت يَدي
فِي درع حَصِينَة فَأَوَّلتهَا الْمَدِينَة فَإِن رَأَيْتُمْ
أَن تُقِيمُوا بِالْمَدِينَةِ وَتَدْعُوهُمْ
(2/303)
حَيْثُ نزلُوا فَإِن أَقَامُوا أَقَامُوا
بشر مقَام وَإِن هم دخلُوا علينا قاتلناهم فِيهَا
وَنزلت قُرَيْش منزلهَا أحدا يَوْم الْأَرْبَعَاء فأقاموا
ذَلِك الْيَوْم وَيَوْم الْخَمِيس وَيَوْم الْجُمُعَة وَرَاح
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين صلى الْجُمُعَة
فَأصْبح بِالشعبِ من أحد فَالْتَقوا يَوْم السبت لِلنِّصْفِ من
شوّال سنة ثَلَاث وَكَانَ رَأْي عبد الله بن أبي مَعَ رأى
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يرى رَأْيه فِي ذَلِك
أَن لَا يخرج إِلَيْهِم وَكَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم يكره الْخُرُوج من الْمَدِينَة فَقَالَ رجال من
الْمُسلمين مِمَّن أكْرم الله بِالشَّهَادَةِ يَوْم أحد
وَغَيرهم مِمَّن كَانَ فَاتَهُ يَوْم بدر وحضروه: يَا رَسُول
الله اخْرُج بِنَا إِلَى أَعْدَائِنَا لَا يرَوْنَ أنَّا جبنا
عَنْهُم وضعفنا فَقَالَ عبد الله بن أبي: يَا رَسُول الله أقِم
بِالْمَدِينَةِ فَلَا تخرج إِلَيْهِم فوَاللَّه مَا خرجنَا
مِنْهَا إِلَى عدوّ لنا قطّ إِلَّا أصَاب منا وَلَا دَخلهَا
علينا إِلَّا أصبْنَا مِنْهُم فَدَعْهُمْ يَا رَسُول الله
فَإِن أَقَامُوا أَقَامُوا بشر وَإِن دخلُوا قَاتلهم النِّسَاء
وَالصبيان وَالرِّجَال بِالْحِجَارَةِ من فَوْقهم وَإِن رجعُوا
رجعُوا خائبين كَمَا جاؤوا
فَلم يزل النَّاس برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
الَّذين كَانَ من أَمرهم حب لِقَاء الْقَوْم حَتَّى دخل رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلبس لامته - وَذَلِكَ يَوْم
الْجُمُعَة حِين فرغ من الصَّلَاة - ثمَّ خرج عَلَيْهِم وَقد
نَدم النَّاس وَقَالُوا: استكرهنا رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم وَلم يكن لنا ذَلِك فَإِن شِئْت فَاقْعُدْ
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا يَنْبَغِي
لنَبِيّ إِذا لبس لامته أَن يَضَعهَا حَتَّى يُقَاتل
فَخرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي ألف رجل من
أَصْحَابه حَتَّى إِذا كَانُوا بِالشَّوْطِ بَين الْمَدِينَة
وَأحد تحول عَنهُ عبد الله بن أُبَيَّ بِثلث النَّاس وَمضى
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى سلك فِي حرَّة بني
حَارِثَة فذب فرس بِذَنبِهِ فَأصَاب ذُبَاب سَيْفه فاستلَّه
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَكَانَ يحب
الفأل وَلَا يعتاف - لصَاحب السَّيْف شمَّ سَيْفك فَإِنِّي أرى
السوف ستستل الْيَوْم
وَمضى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى نزل
بِالشعبِ من أحد من عدوة الْوَادي إِلَى الْجَبَل فَجعل ظَهره
وَعَسْكَره إِلَى أحد وتعبأ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم لِلْقِتَالِ وَهُوَ فِي سَبْعمِائة رجل وَأمر رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على الرُّمَاة عبد الله بن
جُبَير وَالرُّمَاة خَمْسُونَ رجلا فَقَالَ: انْضَحْ عَنَّا
الْجَبَل بِالنَّبلِ لَا يَأْتُونَا من خلفنا إِن كَانَ علينا
أَو لنا فَأَنت مَكَانك لنؤتين من قبلك وَظَاهر رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَين درعين
وَأخرج ابْن جرير عَن السّديّ أَن رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لأَصْحَابه يَوْم أحد: أَشِيرُوا
(2/304)
عليّ مَا أصنع فَقَالُوا: يَا رَسُول الله
اخْرُج إِلَى هَذِه الْأَكْلُب فَقَالَت الْأَنْصَار: يَا
رَسُول الله مَا غلبنا عدوّ لنا أَتَانَا فِي دِيَارنَا فَكيف
وَأَنت فِينَا
فَدَعَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عبد الله بن أُبي
بن سلول - وَلم يَدعه قطّ قبلهَا - فَاسْتَشَارَهُ فَقَالَ:
يَا رَسُول الله اخْرُج بِنَا إِلَى هَذِه الْأَكْلُب وَكَانَ
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُعجبهُ أَن يدخلُوا
عَلَيْهِ الْمَدِينَة فيقاتلوا فِي الْأَزِقَّة فَأتى
النُّعْمَان بن مَالك الْأنْصَارِيّ فَقَالَ: يَا رَسُول الله
لَا تحرمني الْجنَّة قَالَ لَهُ: بِمَ قَالَ: بِأَنِّي أشهد
أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَنَّك رَسُول الله واني لَا أفر
من الزَّحْف قَالَ: صدقت
فَقتل يَوْمئِذٍ
ثمَّ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دَعَا بدرعه
فلبسها فَلَمَّا رَأَوْهُ وَقد لبس السِّلَاح ندموا وَقَالُوا:
بئْسَمَا صنعنَا نشِير على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم وَالْوَحي يَأْتِيهِ فَقَامُوا وَاعْتَذَرُوا إِلَيْهِ
وَقَالُوا: اصْنَع مَا رَأَيْت فَقَالَ: رَأَيْت الْقِتَال
وَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا يَنْبَغِي
لنَبِيّ أَن يلبس لامته فَيَضَعهَا حَتَّى يُقَاتل
وَخرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى أحد فِي ألف
رجل وَقد وعدهم الْفَتْح أَن يصبروا
فَرجع عبد الله بن أبي فِي ثَلَاثمِائَة فَتَبِعهُمْ أَبُو
جَابر السّلمِيّ يَدعُوهُم فأعيوه وَقَالُوا لَهُ: مَا نعلم
قتالاً وَلَئِن أطعتنا لترجعن مَعنا وَقَالَ {إِذْ هَمت
طَائِفَتَانِ مِنْكُم أَن تَفْشَلَا} وهم بَنو سَلمَة وَبَنُو
حَارِثَة هموا بِالرُّجُوعِ حِين رَجَعَ عبد الله بن أبي
فَعَصَمَهُمْ الله وَبَقِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم فِي سَبْعمِائة
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة {وَإِذ غَدَوْت من أهلك تبوئ
الْمُؤمنِينَ} قَالَ: ذَاك يَوْم أحد غَدا نَبِي الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم من أَهله إِلَى أحد {تبوئ الْمُؤمنِينَ مقاعد
لِلْقِتَالِ} وَأحد بِنَاحِيَة الْمَدِينَة
الْآيَة 122
(2/305)
إِذْ هَمَّتْ
طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلَا وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا
وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (122)
أخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد
وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن
أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن جَابر بن عبد
الله قَالَ: فِينَا نزلت فِي بني حَارِثَة وَبني سَلمَة {إِذْ
هَمت طَائِفَتَانِ مِنْكُم أَن تَفْشَلَا} وَمَا يسرني
أَنَّهَا لم تنزل لقَوْل الله {وَالله وليهما}
(2/305)
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن
الْمُنْذر عَن مُجَاهِد {إِذْ هَمت طَائِفَتَانِ} قَالَ: بَنو
حَارِثَة كَانُوا نَحْو أحد وَبَنُو سَلمَة نَحْو سلع
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة {إِذْ همَّت
طَائِفَتَانِ} قَالَ: ذَلِك يَوْم أحد والطائفتان بَنو سَلمَة
وَبَنُو حَارِثَة حَيَّان من الْأَنْصَار هموا بِأَمْر
فَعَصَمَهُمْ الله من ذَلِك وَقد ذكر لنا أَنه لما أنزلت هَذِه
الْآيَة قَالُوا: مَا يسرنَا أنَّا لم نهم بِالَّذِي هممنا
بِهِ وَقد أخبرنَا الله أَنه ولينا
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس {إِذْ همَّت طَائِفَتَانِ}
قَالَ: هم بَنو حَارِثَة وَبَنُو سَلمَة
وَأخرج ابْن جرير عَن عِكْرِمَة قَالَ: نزلت فِي بني سَلمَة من
الْخَزْرَج وَبني حَارِثَة من الْأَوْس {إِذْ هَمت
طَائِفَتَانِ} الْآيَة
وَأخرج ابْن جرير من طَرِيق ابْن جريج قَالَ ابْن عَبَّاس:
الفشل الْجُبْن وَالله أعلم
الْآيَة 123
(2/306)
وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ
اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ
لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (123)
أخرج أَحْمد وَابْن حبَان عَن عِيَاض
الْأَشْعَرِيّ قَالَ: شهِدت اليرموك وعلينا خَمْسَة أُمَرَاء:
أَبُو عُبَيْدَة وَيزِيد بن أبي سُفْيَان وَابْن حَسَنَة
وخَالِد بن الْوَلِيد وعياض وَلَيْسَ عِيَاض هَذَا قَالَ:
وَقَالَ عمر: إِذا كَانَ قتال فَعَلَيْكُم أَبُو عُبَيْدَة
فكتبنا إِلَيْهِ أَنه قد حاس إِلَيْنَا الْمَوْت واستمددناه
فَكتب ألينا أَنه قد جَاءَنِي كتابكُمْ تستمدونني وَإِنِّي
أدلكم على من هُوَ أعز نصرا وأحضر جندا الله عز وَجل فاستنصروه
فَإِن مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد نصر يَوْم بدر
فِي أقل من عدتكم فَإِذا جَاءَكُم كتابي هَذَا فقاتلوهم وَلَا
تراجعوني
فقاتلناهم فهزمناهم أَرْبَعَة فراسخ
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد {وَلَقَد نصركم الله ببدر}
إِلَى (ثَلَاثَة آلَاف من الْمَلَائِكَة منزلين) (آل عمرَان
الْآيَة 124) فِي قصَّة بدر
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن عَليّ بن أبي طَالب قَالَ: بدر
بِئْر
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي
حَاتِم وَابْن الْمُنْذر عَن الشّعبِيّ قَالَ: كَانَت بدر
بِئْرا لرجل من جُهَيْنَة يُقَال لَهُ بدر فسميت بِهِ
(2/306)
وَأخرج ابْن جرير عَن الضَّحَّاك قَالَ:
بدر مَاء عَن يَمِين طَرِيق مَكَّة بَين مَكَّة وَالْمَدينَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة قَالَ: بدر مَاء
بَين مَكَّة وَالْمَدينَة التقى عَلَيْهِ النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم وَالْمُشْرِكُونَ وَكَانَ أوّل قتال قَاتله
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَذكر لنا أَنه قَالَ
لأَصْحَابه يَوْمئِذٍ: إِنَّهُم الْيَوْم بعدة أَصْحَاب طالوت
يَوْم لَقِي جالوت وَكَانُوا ثَلَاثمِائَة وَبضْعَة عشر رجلا
وَألف الْمُشْركُونَ يَوْمئِذٍ أَو راهقوا ذَلِك
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن عِكْرِمَة قَالَ: كَانَت بدر متجراً
فِي الْجَاهِلِيَّة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن فِي قَوْله
{وَأَنْتُم أذلَّة} يَقُول: وَأَنْتُم قَلِيل وهم يَوْمئِذٍ
بضعَة عشر وثلاثمائة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن ماجة وَابْن أبي حَاتِم عَن
رَافع بن خديج قَالَ: قَالَ جِبْرِيل لرَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم: مَا تَعدونَ من شهد بَدْرًا فِيكُم قَالَ:
خيارنا قَالَ: وَكَذَلِكَ نعد من شهد بَدْرًا من الْمَلَائِكَة
فِينَا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة قَالَ: على
كل مُسلم أَن يشْكر الله فِي نَصره ببدر
يَقُول الله {وَلَقَد نصركم الله ببدر وَأَنْتُم أَذِلَّة
فَاتَّقُوا الله لَعَلَّكُمْ تشكرون}
وَأخرج عبد الرَّزَّاق فِي المُصَنّف عَن الزُّهْرِيّ قَالَ:
سَمِعت ابْن الْمسيب يَقُول: غزا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم ثَمَانِي عشرَة غَزْوَة قَالَ: وسمعته مرّة أُخْرَى
يَقُول أَرْبعا وَعشْرين غَزْوَة فَلَا أَدْرِي أَكَانَ وهما
مِنْهُ أَو شَيْئا سَمعه بعد ذَلِك قَالَ الزُّهْرِيّ: وَكَانَ
الَّذِي قَاتل فِيهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كل
شَيْء ذكر فِي الْقُرْآن
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن قَتَادَة أَن رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم غزا تسع عشرَة قَاتل فِي ثَمَان: يَوْم بدر
وَيَوْم أحد وَيَوْم الْأَحْزَاب وَيَوْم قديد وَيَوْم خَيْبَر
وَيَوْم فتح مَكَّة وَيَوْم مَاء لبني المصطلق وَيَوْم حنين
الْآيَات 124 - 127
(2/307)
إِذْ تَقُولُ
لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ
رَبُّكُمْ بِثَلَاثَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُنْزَلِينَ
(124) بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ
فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلَافٍ
مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ (125) وَمَا جَعَلَهُ
اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ
بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ
الْحَكِيمِ (126) لِيَقْطَعَ طَرَفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا
أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنْقَلِبُوا خَائِبِينَ (127)
أخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن
الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن الشّعبِيّ أَن الْمُسلمين
بَلغهُمْ يَوْم بدر أَن كرز بن جَابر الْمحَاربي يمد
الْمُشْركين فشق ذَلِك عَلَيْهِم فَانْزِل الله {ألن يكفيكم
أَن يمدكم ربكُم بِثَلَاثَة آلَاف} إِلَى قَوْله {مسوّمين}
قَالَ: فبلغت كرزاً الْهَزِيمَة فَلم يمد الْمُشْركين وَلم يمد
الْمُسلمُونَ بالخمسة
وَأخرج ابْن جرير عَن الشّعبِيّ قَالَ: لما كَانَ يَوْم بدر
بلغ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ ذكر نَحوه
إِلَّا أَنه قَالَ {ويأتوكم من فورهم هَذَا} يَعْنِي كرزاً
وَأَصْحَابه {يمددكم ربكُم بِخَمْسَة آلَاف من الْمَلَائِكَة
مسوّمين} فَبلغ كرزاً وَأَصْحَابه الْهَزِيمَة فَلم يمدهُمْ
وَلم تنزل الْخَمْسَة وأمدوا بعد ذَلِك بِأَلف فهم أَرْبَعَة
آلَاف من الْمَلَائِكَة مَعَ الْمُسلمين
أخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن فِي قَوْله {إِذْ
تَقول للْمُؤْمِنين} الْآيَة
قَالَ: هَذَا يَوْم بدر
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة
فِي الْآيَة قَالَ: أمدوا بِأَلف ثمَّ صَارُوا ثَلَاثَة آلَاف
ثمَّ صَارُوا خَمْسَة آلَاف
وَذَلِكَ يَوْم بدر
وَأخرج ابْن جرير عَن عِكْرِمَة فِي قَوْله {بلَى إِن تصبروا
وتتقوا} الْآيَة
قَالَ هَذَا يَوْم أحد فَلم يصبروا وَلم يتقوا فَلم يمدوا
يَوْم أحد وَلَو مدوا لم يهزموا يَوْمئِذٍ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي
حَاتِم عَن عِكْرِمَة قَالَ: لم يمد النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم يَوْم أحد وَلَا بِملك وَاحِد لقَوْل الله
{وَإِن تصبروا وتتقوا} الْآيَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن
الضَّحَّاك فِي قَوْله {إِن تصبروا وتتقوا} الْآيَة
قَالَ: كَانَ هَذَا موعداً من الله يَوْم أحد عرضه على نبيه
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الْمُؤمنِينَ إِن اتَّقوا وصبروا
أَيّدهُم بِخَمْسَة آلَاف من الْمَلَائِكَة مسوّمين ففر
الْمُسلمُونَ يَوْم أحد وولوا مُدبرين فَلم يمدهُمْ الله
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن زيد قَالَ: قَالُوا لرَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وهم ينتظرون الْمُشْركين: يَا رَسُول
الله أَلَيْسَ يمدنا الله كَمَا أمدنا يَوْم بدر فَقَالَ
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
(2/308)
{ألن يكفيكم أَن يمدكم ربكُم بِثَلَاثَة
آلَاف من الْمَلَائِكَة منزلين} فَإِنَّمَا أمدكم يَوْم بدر
بِأَلف قَالَ: فَجَاءَت الزِّيَادَة من الله على أَن يصبروا
ويتقوا
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي
قَوْله {ويأتوكم من فورهم هَذَا} يَقُول: من سفرهم هَذَا
وَأخرج عبد بن حميد وان جرير عَن عِكْرِمَة قَالَ {من فورهم}
من وجههم
وَأخرج ابْن جرير عَن الْحسن وَالربيع وَقَتَادَة وَالسُّديّ
مثله
وَأخرج ابْن جرير من وَجه آخر عَن عِكْرِمَة {من فورهم} قَالَ:
فورهم ذَلِك كَانَ يَوْم أحد غضبوا ليَوْم بدر مِمَّا لقوا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد {من فورهم}
قَالَ: من غضبهم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن أبي صَالح مولى أم هانىء
مثله
وَأخرج ابْن جرير عَن الضَّحَّاك {ويأتوكم من فورهم} يَقُول:
من وجههم وغضبهم
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه بِسَنَد ضَعِيف عَن
ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم فِي قَوْله {مسوّمين} قَالَ: معلمين وَكَانَت سِيمَا
الْمَلَائِكَة يَوْم بدر عمائمَ سُودًا وَيَوْم أحد عمائمَ
حمراً
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن
أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن عبد الله بن الزبير أَن
الزبير كَانَ عَلَيْهِ يَوْم بدر عِمَامَة صفراء مُعْتَمِرًا
أَو مُعْتَماً بهَا فَنزلت الْمَلَائِكَة عَلَيْهِم عمائم صفر
وَأخرج ابْن إِسْحَق وَالطَّبَرَانِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ:
كَانَت سِيمَا الْمَلَائِكَة يَوْم بدر عمائم بيضًا قد أرسلوها
فِي ظُهُورهمْ
وَيَوْم حنين عمائم حمراً وَلم تضرب الْمَلَائِكَة فِي يَوْم
سوى يَوْم بدر وَكَانُوا يكونُونَ عددا ومدداً لَا يضْربُونَ
وَأخرج الطستي عَن ابْن عَبَّاس أَن نَافِع بن الْأَزْرَق
قَالَ لَهُ: أَخْبرنِي عَن قَوْله تَعَالَى {مسوّمين} قَالَ:
الْمَلَائِكَة عَلَيْهِم عمائم بيض مسوّمة فَتلك سِيمَا
الْمَلَائِكَة قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم
أما سَمِعت الشَّاعِر يَقُول: وَلَقَد حميت الْخَيل تحمل شكة
جرداء صَافِيَة الْأَدِيم مسوّمة
(2/309)
وَأخرج ابْن جرير عَن أبي أسيد وَكَانَ
بَدْرِيًّا أَنه كَانَ يَقُول: لَو أَن بَصرِي معي ثمَّ ذهبتم
معي إِلَى أحد لأخبرتكم بِالشعبِ الَّذِي خرجت مِنْهُ
الْمَلَائِكَة فِي عمائم صفر قد طرحوها بَين أكتافهم
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن عُرْوَة
قَالَ: نزلت الْمَلَائِكَة يَوْم بدر على خيل بلق وَكَانَ على
الزبير يَوْمئِذٍ عِمَامَة صفراء
وَأخرج أَبُو نعيم فِي فَضَائِل الصَّحَابَة عَن عُرْوَة
قَالَ: نزل جِبْرِيل يَوْم بدر على سِيمَا الزبير وَهُوَ معتم
بعمامة صفراء
وَأخرج أَبُو نعيم وَابْن عَسَاكِر عَن عباد بن عبد الله بن
الزبير أَنه بلغه أَن الْمَلَائِكَة نزلت يَوْم بدر وهم طير
بيض عَلَيْهِم عمائم صفر وَكَانَ على رَأس الزبير يَوْمئِذٍ
عِمَامَة صفراء من بَين النَّاس فَقَالَ النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم: نزلت الْمَلَائِكَة على سِيمَا أبي عبد الله
وَجَاء النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَعَلِيهِ عِمَامَة
صفراء
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير عَن عُمَيْر بن إِسْحَق
قَالَ: إِن أول مَا كَانَ الصُّوف ليَوْم بدر
قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: تسوّموا فَإِن
الْمَلَائِكَة قد تسوّمت
فَهُوَ أول يَوْم وضع الصُّوف
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن
عَليّ بن أبي طَالب قَالَ: كَانَ سِيمَا الْمَلَائِكَة يَوْم
بدر الصُّوف الْأَبْيَض فِي نواصي الْخَيل وأذنابها
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن أبي هُرَيْرَة
فِي قَوْله {مسوّمين} قَالَ: بالعهن الْأَحْمَر
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي
قَوْله {مسوّمين} قَالَ: أَتَوا مسومين بالصوف فسوم النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه أنفسهم وخيلهم على
سِيمَاهُمْ بالصوف
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن
الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله
{مسوّمين} قَالَ: معلمين مجزوزة أَذْنَاب خيولهم ونواصيها
فِيهَا الصُّوف والعهن
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة فِي قَوْله
{مسوّمين} قَالَ: ذكر لنا أَن سِيمَاهُمْ يَوْمئِذٍ الصُّوف
بنواصي خيلهم وأذنابهم وَأَنَّهُمْ على خيل بلق
(2/310)
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن
عِكْرِمَة {مسوّمين} قَالَ: عَلَيْهِم سِيمَا الْقِتَال
وَأخرج ابْن جرير عَن الرّبيع قَالَ: كَانُوا يَوْمئِذٍ على
خيل بلق
وَأخرج عبد بن حميد عَن عُمَيْر بن إِسْحَق قَالَ: لما كَانَ
يَوْم أحد أجلى الله النَّاس عَن رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم بَقِي سعد بن مَالك يَرْمِي وفتى شَاب ينبل
لَهُ كلما فني النبل أَتَاهُ بِهِ فنثره فَقَالَ: ارْمِ أَبَا
إِسْحَق ارْمِ أَبَا إِسْحَق
فَلَمَّا انجلت المعركة سُئِلَ عَن ذَلِك الرجل فَلم يعرف
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي
حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وَمَا جعله الله إِلَّا بشرى
لكم} يَقُول: إِنَّمَا جعلهم لتستبشروا بهم ولتطمئنوا
إِلَيْهِم وَلم يقاتلوا مَعَهم يَوْمئِذٍ لَا قبله وَلَا بعده
إِلَّا يَوْم بدر
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن زيد {وَمَا النَّصْر إِلَّا من
عِنْد الله} قَالَ: لَو شَاءَ أَن ينصركم بِغَيْر
الْمَلَائِكَة فعِّل
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي
حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {ليقطع طرفا من الَّذين
كفرُوا} قَالَ: قطع الله يَوْم بدر طرفا من الْكفَّار وَقتل
صَنَادِيدهمْ ورؤوسهم وَقَادَتهمْ فِي الشَّرّ
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن {ليقطع طرفا}
قَالَ: هَذَا يَوْم بدر قطع الله طَائِفَة مِنْهُم وَبقيت
طَائِفَة
وَأخرج ابْن جرير عَن السّديّ قَالَ: ذكر الله قَتْلَى
الْمُشْركين بِأحد وَكَانُوا ثَمَانِيَة عشر رجلا فَقَالَ
{ليقطع طرفا من الَّذين كفرُوا} ثمَّ ذكر الشُّهَدَاء فَقَالَ
(وَلَا تحسبن الَّذين قتلوا فِي سَبِيل الله أَمْوَاتًا)
الْآيَة
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد {أَو يكبتهم} قَالَ:
يخزيهم
وَأخرج ابْن جرير عَن قَتَادَة وَالربيع
مثله
الْآيَتَانِ 128 - 129
(2/311)
لَيْسَ لَكَ مِنَ
الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ
فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ (128) وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ
وَمَا فِي الْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ
يَشَاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (129)
أخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَعبد بن حميد
وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن
جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم والنحاس فِي ناسخه
وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن
(2/311)
أنس أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
كسرت رباعيته يَوْم أحد وشج فِي وَجهه حَتَّى سَالَ الدَّم على
وَجهه فَقَالَ: كَيفَ يفلح قوم فعلوا هَذَا بِنَبِيِّهِمْ
وَهُوَ يَدعُوهُم إِلَى رَبهم فَأنْزل الله {لَيْسَ لَك من
الْأَمر شَيْء أَو يَتُوب عَلَيْهِم أَو يعذبهم فَإِنَّهُم
ظَالِمُونَ}
وَأخرج ابْن جرير عَن قَتَادَة قَالَ: ذكر لنا أَن هَذِه
الْآيَة أنزلت على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم
أحد وَقد جرح فِي وحهه وَأُصِيب بعض رباعيته وَفَوق حَاجِبه
فَقَالَ وَسَالم مولى أبي حُذَيْفَة يغسل الدَّم عَن وَجهه:
كَيفَ يفلح قوم خضبوا وَجه نَبِيّهم بِالدَّمِ وَهُوَ
يَدعُوهُم إِلَى رَبهم فَأنْزل الله {لَيْسَ لَك من الْأَمر
شَيْء} الْآيَة
وَأخرج ابْن جرير عَن الرّبيع قَالَ: نزلت هَذِه الْآيَة على
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم أحد وَقد شج فِي
وَجهه وَأُصِيبَتْ رباعيته فهمَّ رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم أَن يَدْعُو عَلَيْهِم فَقَالَ: كَيفَ يفلح قوم
أدموا وَجه نَبِيّهم وَهُوَ يَدعُوهُم إِلَى الله ويدعونه
إِلَى الشَّيْطَان ويدعوهم إِلَى الْهدى ويدعونه إِلَى
الضَّلَالَة ويدعوهم إِلَى الْجنَّة ويدعونه إِلَى النَّار
فهمَّ أَن يَدْعُو عَلَيْهِم
فَأنْزل الله {لَيْسَ لَك من الْأَمر شَيْء} الْآيَة فَكف
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الدُّعَاء عَلَيْهِم
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن قَالَ: بَلغنِي أَن رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما انْكَشَفَ عَنهُ أَصْحَابه يَوْم
أحد كسرت رباعيته وجرح وَجهه فَقَالَ وَهُوَ يصعد على أحد:
كَيفَ يفلح قوم خضبوا وَجه نَبِيّهم بِالدَّمِ وَهُوَ
يَدعُوهُم إِلَى رَبهم فَأنْزل الله مَكَانَهُ {لَيْسَ لَك من
الْأَمر شَيْء} الْآيَة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن
قَتَادَة أَن ربَاعِية رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
أُصِيبَت يَوْم أحد أَصَابَهَا عتبَة بن أبي وَقاص وَشَجه فِي
وَجهه فَكَانَ سَالم مولى أبي حُذَيْفَة يغسل الدَّم
وَالنَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: كَيفَ يفلح قوم
صَنَعُوا هَذَا بِنَبِيِّهِمْ فَانْزِل الله {لَيْسَ لَك من
الْأَمر شَيْء} الْآيَة
وَأخرج أَحْمد وَالْبُخَارِيّ وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ
وَابْن جرير وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن ابْن عمر
قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم أحد:
اللَّهُمَّ الْعَن أَبَا سُفْيَان اللَّهُمَّ الْعَن الْحَرْث
بن هِشَام الْهم الْعَن سُهَيْل بن عَمْرو اللَّهُمَّ الْعَن
صَفْوَان بن أُميَّة
فَنزلت هَذِه الْآيَة {لَيْسَ لَك من الْأَمر شَيْء أَو يَتُوب
عَلَيْهِم أَو يعذبهم فَإِنَّهُم ظَالِمُونَ} فتيب عَلَيْهِم
كلهم
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَصَححهُ وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم
عَن ابْن عمر قَالَ: كَانَ
(2/312)
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَدْعُو
على أَرْبَعَة نفر
فَانْزِل الله {لَيْسَ لَك من الْأَمر شَيْء} الْآيَة
فهداهم الله لِلْإِسْلَامِ
وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر
وَابْن أبي حَاتِم والنحاس فِي ناسخه وَالْبَيْهَقِيّ فِي
سنَنه عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم كَانَ إِذا أَرَادَ أَن يَدْعُو على أحد أَو يَدْعُو
لأحد قنت بعد الرُّكُوع: اللَّهُمَّ أَنْج الْوَلِيد بن
الْوَلِيد وَسَلَمَة بن هِشَام وَعَيَّاش بن أبي ربيعَة
وَالْمُسْتَضْعَفِينَ من الْمُؤمنِينَ
اللَّهُمَّ اشْدُد وطأتك على مُضر وَاجْعَلْهَا عَلَيْهِم
سِنِين كَسِنِي يُوسُف - يجْهر بذلك - وَكَانَ يَقُول فِي بعض
صلَاته - فِي صَلَاة الْفجْر - اللَّهُمَّ الْعَن فلَانا
وَفُلَانًا
لأحياء من أَحيَاء الْعَرَب - يجْهر بذلك - حَتَّى أنزل الله
{لَيْسَ لَك من الْأَمر شَيْء} وَفِي لفظ اللَّهُمَّ الْعَن
لحيان وَرِعْلًا وذكوان وَعصيَّة عَصَتْ الله وَرَسُوله
ثمَّ بلغنَا أَنه ترك ذَلِك لما نزل قَوْله {لَيْسَ لَك من
الْأَمر شَيْء} الْآيَة
وَأخرج عبد بن حميد والنحاس فِي ناسخه عَن ابْن عمر أَن
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لعن فِي صَلَاة الْفجْر بعد
الرُّكُوع - فِي الرَّكْعَة الْآخِرَة - فَقَالَ: اللَّهُمَّ
الْعَن فلَانا وَفُلَانًا - نَاسا من الْمُنَافِقين دَعَا
عَلَيْهِم - فَأنْزل الله {لَيْسَ لَك من الْأَمر شَيْء}
الْآيَة
وَأخرج ابْن إِسْحَق والنحاس فِي ناسخه عَن سَالم بن عبد الله
بن عمر قَالَ: جَاءَ رجل من قُرَيْش إِلَى النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: إِنَّك تنْهى عَن السَّبي يَقُول: قد
سبى الْعَرَب
ثمَّ تحول قَفاهُ إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وكشف
استه فلعنه ودعا عَلَيْهِ
فَأنْزل الله {لَيْسَ لَك من الْأَمر شَيْء} الْآيَة
ثمَّ أسلم الرجل فَحسن إِسْلَامه
الْآيَات 130 - 132
(2/313)
يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا
مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (130)
وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ (131)
وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ
(132)
أخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن
الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد قَالَ: كَانُوا
يتبايعون إِلَى الْأَجَل
فَإِذا حل الْأَجَل زادوا عَلَيْهِم وَزَادُوا فِي الْأَجَل
فَنزلت {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا
أضعافاً مضاعفة}
(2/313)
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن
عَطاء قَالَ: كَانَت ثَقِيف تداين بني الْمُغيرَة فِي
الْجَاهِلِيَّة فَإِذا حل الْأَجَل قَالُوا: نَزِيدكُمْ
وتؤخرون عَنَّا
فَنزلت {لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أضعافاً مضاعفة}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير فِي الْآيَة قَالَ:
إِن الرجل كَانَ يكون لَهُ على الرجل المَال فَإِذا حل
الْأَجَل طلبه من صَاحبه فَيَقُول الْمَطْلُوب: أخِّر عني
وَأَزِيدك فِي مَالك فيفعلان ذَلِك
فَذَلِك {الرِّبَا أضعافاً مضاعفة} فوعظهم الله {وَاتَّقوا
الله} فِي أَمر الرِّبَا فَلَا تَأْكُلُوا {لَعَلَّكُمْ
تفلحون} لكَي تُفْلِحُوا {وَاتَّقوا النَّار الَّتِي أعدَّت
للْكَافِرِينَ} فخوف آكل الرِّبَا من الْمُؤمنِينَ بالنَّار
الَّتِي أعدت للْكَافِرِينَ {وَأَطيعُوا الله وَالرَّسُول}
يَعْنِي فِي تَحْرِيم الرِّبَا {لَعَلَّكُمْ ترحمون} يَعْنِي
لكَي ترحموا فَلَا تعذبون
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُعَاوِيَة بن
قُرَّة قَالَ: كَانَ النَّاس يتأولون هَذِه الْآيَة {وَاتَّقوا
النَّار الَّتِي أعدَّت للْكَافِرِينَ} اتَّقوا لَا أعذبكم
بذنوبكم فِي النَّار الَّتِي أعددتها للْكَافِرِينَ
الْآيَة 133
(2/314)
وَسَارِعُوا إِلَى
مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ
وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133)
أخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن
الْمُنْذر عَن عَطاء بن أبي رَبَاح قَالَ: قَالَ الْمُسلمُونَ
يَا رَسُول الله بَنو إِسْرَائِيل كَانُوا أكْرم على الله منا
كَانُوا إِذا أذْنب أحدهم ذَنبا أصبح وَكَفَّارَة ذَنبه
مَكْتُوبَة فِي عتبَة بَابه
أجدع أَنْفك اجدع أُذُنك افْعَل كَذَا وَكَذَا
فَسكت
فَنزلت هَذِه الْآيَات {وسارعوا إِلَى مغْفرَة من ربكُم} إِلَى
قَوْله {وَالَّذين إِذا فعلوا فَاحِشَة أَو ظلمُوا أنفسهم
ذكرُوا الله فاستغفروا لذنوبهم} فَقَالَ النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم: أَلا أخْبركُم بِخَير من ذَلِكُم ثمَّ تَلا
هَؤُلَاءِ الْآيَات عَلَيْهِم
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن أنس بن مَالك فِي قَوْله {وسارعوا
إِلَى مغْفرَة من ربكُم} قَالَ: التَّكْبِيرَة الأولى
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير فِي قَوْله
{وسارعوا} يَقُول: سارعوا بِالْأَعْمَالِ الصَّالِحَة {إِلَى
مغْفرَة من ربكُم} قَالَ: لذنوبكم {وجنة عرضهَا السَّمَاوَات
وَالْأَرْض}
(2/314)
يَعْنِي عرض سبع سموات وَسبع أَرضين لَو
لصق بَعضهم إِلَى بعض فالجنة فِي عرضهن
وَأخرج ابْن جرير من طَرِيق السّديّ عَن ابْن عَبَّاس فِي
الْآيَة قَالَ: تقرن السَّمَوَات السَّبع والأرضون السَّبع
كَمَا تقرن الثِّيَاب بَعْضهَا إِلَى بعض
فَذَاك عرض الْجنَّة
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم
عَن كريب قَالَ: أَرْسلنِي ابْن عَبَّاس إِلَى رجل من أهل
الْكتاب أسأله عَن هَذِه الْآيَة {وجنة عرضهَا السَّمَاوَات
وَالْأَرْض} فَأخْرج أسفار مُوسَى فَجعل ينظر قَالَ: سبع سموات
وَسبع أَرضين تلفق كَمَا تلفق الثِّيَاب بَعْضهَا إِلَى بعض
هَذَا عرضهَا وَأما طولهَا فَلَا يقدر قدره إِلَّا الله
وَأخرج ابْن جرير عَن التنوخي رَسُول هِرقل قَالَ: قدمت على
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِكِتَاب هِرقل وَفِيه:
إِنَّك كتبت تَدعُونِي إِلَى {وجنة عرضهَا السَّمَاوَات
وَالْأَرْض أعدت لِلْمُتقين} فَأَيْنَ النَّار فَقَالَ رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: سُبْحَانَ الله
فَأَيْنَ اللَّيْل إِذا جَاءَ النَّهَار
وَأخرج الْبَزَّار وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن أبي هُرَيْرَة
قَالَ: جَاءَ رجل إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فَقَالَ: أَرَأَيْت قَوْله {وجنة عرضهَا السَّمَاوَات
وَالْأَرْض} فَأَيْنَ النَّار قَالَ: أَرَأَيْت اللَّيْل إِذا
لبس كل شَيْء فَأَيْنَ النَّهَار قَالَ: حَيْثُ شَاءَ الله
قَالَ: فَكَذَلِك حَيْثُ شَاءَ الله
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن طَارق بن
شهَاب أَن اناسا من الْيَهُود سَأَلُوا عمر بن الْخطاب عَن
جنَّة عرضهَا السَّمَوَات وَالْأَرْض فَأَيْنَ النَّار فَقَالَ
عمر: إِذا جَاءَ اللَّيْل فَأَيْنَ النَّهَار وَإِذا جَاءَ
النَّهَار أَيْن اللَّيْل فَقَالُوا: لقد نزعت مثلهَا من
التَّوْرَاة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن يزِيد بن الْأَصَم أَن
رجلا من أهل الْأَدْيَان قَالَ لِابْنِ عَبَّاس: تَقولُونَ
{وجنة عرضهَا السَّمَاوَات وَالْأَرْض} فَأَيْنَ النَّار
فَقَالَ لَهُ ابْن عَبَّاس: إِذا جَاءَ اللَّيْل فَأَيْنَ
النَّهَار وَإِذا جَاءَ النَّهَار فَأَيْنَ اللَّيْل
وَأخرج مُسلم وَابْن الْمُنْذر وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن أنس
أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ يَوْم بدر:
قومُوا إِلَى جنَّة عرضهَا السَّمَوَات وَالْأَرْض فَقَالَ
عُمَيْر بن الْحمام الْأنْصَارِيّ: يَا رَسُول الله جنَّة
عرضهَا السَّمَوَات وَالْأَرْض قَالَ: نعم
قَالَ: بخ بخٍ
لَا وَالله
(2/315)
يَا رَسُول الله لَا بُد أَن أكون من
أَهلهَا قَالَ: فَإنَّك من أَهلهَا
فَأخْرج تُمَيْرَات من قرنه فَجعل يَأْكُل مِنْهُنَّ ثمَّ
قَالَ: لَئِن حييت حَتَّى آكل تمراتي هَذِه إِنَّهَا لحياة
طَوِيلَة
فَرمى بِمَا كَانَ مَعَه من التَّمْر ثمَّ قَاتلهم حَتَّى قتل
الْآيَة 134
(2/316)
الَّذِينَ يُنْفِقُونَ
فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ
وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ
(134)
أخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن
عَبَّاس فِي قَوْله {الَّذين يُنْفقُونَ فِي السَّرَّاء
وَالضَّرَّاء} يَقُول: فِي الْعسر واليسر {والكاظمين الغيظ}
يَقُول: كاظمون على الغيظ كَقَوْلِه (وَإِذا مَا غضبوا هم
يغفرون) (الشورى الْآيَة 37) يغضبون فِي الْأَمر لَو وَقَعُوا
فِيهِ كَانَ حَرَامًا فيغفرون ويعفون يَلْتَمِسُونَ وَجه الله
بذلك {وَالْعَافِينَ عَن النَّاس} كَقَوْلِه (وَلَا يَأْتَلِ
أولُوا الْفضل مِنْكُم وَالسعَة
) (النورالآية 22) الْآيَة
يَقُول: لَا تقسموا على أَن لَا تعطوهم من النَّفَقَة
وَاعْفُوا واصفحوا
وَأخرج ابْن الْأَنْبَارِي فِي كتاب الْوَقْف والابتداء عَن
ابْن عَبَّاس أَن نَافِع بن الْأَزْرَق قَالَ لَهُ: أَخْبرنِي
عَن قَول الله والكاظمين الغيظ مَا الكاظمون قَالَ: الحابسون
الغيظ قَالَ عبد الْمطلب بن هَاشم: فَخَشِيت قومِي واحتسبت
قِتَالهمْ وَالْقَوْم من خوف قِتَالهمْ كظم وَأخرج ابْن أبي
حَاتِم عَن أبي الْعَالِيَة فِي قَوْله {وَالْعَافِينَ عَن
النَّاس} قَالَ: عَن المملوكين
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مقَاتل بن
حَيَّان فِي قَوْله {وَالْعَافِينَ عَن النَّاس} قَالَ: يغيظون
فِي الْأَمر فيغفرون ويعفون عَن النَّاس وَمن فعل ذَلِك فَهُوَ
محسن {وَالله يحب الْمُحْسِنِينَ} بَلغنِي أَن النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ عِنْد ذَلِك: هَؤُلَاءِ فِي أمتِي
قَلِيل إِلَّا من عصمه الله وَقد كَانُوا كثيرا فِي الْأُمَم
الَّتِي مَضَت
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن أبي
هُرَيْرَة فِي قَوْله {والكاظمين الغيظ} أَن النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: من كظم غيظاً وَهُوَ يقدر على انفاذه
ملأَهُ الله أمنا وإيماناً
(2/316)
وَأخرج أَحْمد وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب
بِسَنَد حسن عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا من جرعة أحب إِلَى الله من جرعة غيظ
يكظمها عبد مَا كظم عبد لله إِلَّا مَلأ الله جوفة إِيمَانًا
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عمر
مثله
وَأخرج أَحْمد وَعبد بن حميد وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ
وَحسنه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن معَاذ بن أنس أَن
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: من كظم غيظاً
وَهُوَ قَادر على أَن ينفذهُ دَعَاهُ الله على رُؤُوس
الْخَلَائق حَتَّى يخيره من أَي الحوَّر شَاءَ
وَأخرج عبد بن حميد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم عَن أبي هُرَيْرَة
عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لَيْسَ الشَّديد
بالصرعة وَلَكِن الَّذِي يملك نَفسه عِنْد الْغَضَب
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن عَامر بن سعد أَن النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم مرَّ بناس يتحادون مهراساً فَقَالَ: أتحسبون
الشدَّة فِي حمل الْحِجَارَة إِنَّمَا الشدَّة أَن يمتلىء
الرجل غيظاً ثمَّ يغلبه
وَأخرج ابْن جرير عَن الْحسن قَالَ: يُقَال يَوْم الْقِيَامَة
ليقمْ من كَانَ لَهُ على الله أجر فَمَا يقوم إِلَّا إِنْسَان
عَفا
وَأخرج الْحَاكِم عَن أبي بن كَعْب: إِن رَسُول اله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: من سره أَن يشرف لَهُ الْبُنيان وترفع
لَهُ الدَّرَجَات فليعف عَمَّن ظلمه ويعطِ من حرمه ويصل من
قطعه
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن عَليّ بن الْحُسَيْن إِن جَارِيَة
جعلت تسكب عَلَيْهِ المَاء يتهيأ للصَّلَاة فَسقط الإبريق من
يَدهَا على وَجهه فَشَجَّهُ فَرفع رَأسه إِلَيْهَا فَقَالَت:
إِن الله يَقُول {والكاظمين الغيظ} قَالَ: قد كظمت غيظي قَالَت
{وَالْعَافِينَ عَن النَّاس} قَالَ: قد عَفا الله عَنْك قَالَت
{وَالله يحب الْمُحْسِنِينَ} قَالَ: اذهبي فَأَنت حرَّة
وَأخرج الْأَصْبَهَانِيّ فِي التَّرْغِيب عَن عَائِشَة سَمِعت
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: وَجَبت محبَّة
الله على من أغضب فحلم
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن عَمْرو بن عبسة أَن
رجلا سَأَلَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا الْإِيمَان
فَقَالَ: الصَّبْر والسماحة وَخلق حسن
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن كَعْب بن مَالك أَن رجلا من بني
سَلمَة سَأَلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
(2/317)
عَن الْإِسْلَام فَقَالَ: حسن الْخلق
ثمَّ رَاجعه الرجل فَلم يزل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم يَقُول: حسن الْخلق
حَتَّى بلغ خمس مَرَّات
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَالْبَيْهَقِيّ وَضَعفه
عَن جَابر قَالَ: قَالُوا: يَا رَسُول الله مَا الشؤم قَالَ:
سوء الْخلق
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَالْبَيْهَقِيّ فِي
الشّعب وَضَعفه عَن عَائِشَة مَرْفُوعا قَالَ: الشؤم سوء
الْخلق
وَأخرج الخرائطي فِي مَكَارِم الْأَخْلَاق عَن أنس بن مَالك
قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن حسن
الْخلق ليذيب الْخَطِيئَة كَمَا تذيب الشَّمْس الجليد
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن أنس عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم: الْخلق السوء يفْسد الْإِيمَان كَمَا يفْسد الصَّبْر
الطَّعَام قَالَ أنس: وَكَانَ يُقَال: إِن الْمُؤمن أحسن شَيْء
خلقا
وَأخرج ابْن عدي وَالطَّبَرَانِيّ وَالْبَيْهَقِيّ وَضَعفه عَن
ابْن عَبَّاس عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: حسن
الْخلق يذيب الْخَطَايَا كَمَا تذيب الشَّمْس الجليد وان
الْخلق السيء يفْسد الْعَمَل كَمَا يفْسد الْخلّ الْعَسَل
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ وَضَعفه عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَن حسن الْخلق يذيب
الْخَطِيئَة كَمَا تذيب الشَّمْس الجليد وان سوء الْخلق يفْسد
الْعَمَل كَمَا يفْسد الصَّبْر الْعَسَل
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ وَضَعفه عَن طَرِيق سعيد بن أبي بردة بن
أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ عَن أَبِيه عَن جده قَالَ: قَالَ
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: حسن الْخلق زِمَام من
رَحْمَة الله فِي أنف صَاحبه والزمام بيد الْملك وَالْملك يجره
إِلَى الْخَيْر وَالْخَيْر يجره إِلَى الْجنَّة
وَسُوء الْخلق زِمَام من عَذَاب الله فِي أنف صَاحبه والزمام
بيد الشَّيْطَان والشيطان يجره إِلَى الشَّرّ وَالشَّر يجره
إِلَى النَّار
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي
هُرَيْرَة: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
يَقُول: وَالله مَا حسن الله خلق رجل وَلَا خلقه فتطعمه
النَّار
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي
هُرَيْرَة: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
يَقُول: من سَعَادَة ابْن آدم حسن الْخلق وَمن شقوته سوء
الْخلق
وَأخرج الخرائطي وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَمْرو قَالَ: كَانَ
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يكثر الدُّعَاء يَقُول:
اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلك الصِّحَّة والعفة وَالْأَمَانَة
وَحسن الْخلق وَالرِّضَا بِالْقدرِ
(2/318)
وَأخرج أَحْمد وَالْبَيْهَقِيّ بِسَنَد جيد
عَن عَائِشَة قَالَت: كَانَ من دُعَاء النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم: اللَّهم كَمَا حسنت خلقي فاحسن خلقي
وَأخرج الخرائطي وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي مَسْعُود البدري
قَالَ: كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول:
اللَّهم حسنت خلقي فاحسن خلقي
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالْبَزَّار وَأَبُو يعلى وَالْحَاكِم
عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم: إِنَّكُم لَا تسعون النَّاس بأموالكم فليسعهم مِنْكُم
بسط الْوَجْه وَحسن الْخلق
وَأخرج ابْن حبَان وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ عَن
أبي هُرَيْرَة: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
قَالَ: كرم الْمَرْء دينه ومروءته عقله وحسبه خلقه
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ
وَالْحَاكِم وصححاه وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ:
قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أكمل الْمُؤمنِينَ
إِيمَانًا أحْسنهم خلقا
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: من كَانَ هيناً قَرِيبا حرمه الله
على النَّار
وَأخرج البُخَارِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن أبي
هُرَيْرَة قَالَ: جَاءَ رجل إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم فَقَالَ مرني وَلَا تكْثر فلعلي أعقله فَقَالَ: لَا
تغْضب
فَأَعَادَ عَلَيْهِ فَقَالَ: لَا تغْضب
وَأخرج الْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ عَن جَارِيَة بن قدامَة
قَالَ: قلت: يَا رَسُول الله قل لي قولا يَنْفَعنِي واقلل
لعَلي أعقله قَالَ: لَا تغْضب
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن عبد الله بن عَمْرو قَالَ: سَأَلت
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا يبعدني عَن غضب الله
قَالَ: لَا تغْضب
وَأخرج الطَّيَالِسِيّ وَأحمد وَالتِّرْمِذِيّ وَحسنه
وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ:
خَطَبنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خطْبَة إِلَى
مغيربان الشَّمْس حفظهَا من حفظهَا ونسيها من نَسِيَهَا
وَأخْبر مَا هُوَ كَائِن إِلَى يَوْم الْقِيَامَة حمد الله
وَأثْنى عَلَيْهِ ثمَّ قَالَ: أما بعد فَإِن الدُّنْيَا خضرَة
حلوة وان الله مستخلفكم فِيهَا فناظر كَيفَ تَعْمَلُونَ
أَلا فَاتَّقُوا الدُّنْيَا وَاتَّقوا النِّسَاء
أَلا إِن بني آدم خلقُوا على طَبَقَات شَتَّى فَمنهمْ من يُولد
مُؤمنا ويحيا مُؤمنا وَيَمُوت مُؤمنا وَمِنْهُم من يُولد
كَافِرًا ويحيا كَافِرًا وَيَمُوت كَافِرًا وَمِنْهُم من يُولد
مُؤمنا ويحيا مُؤمنا وَيَمُوت كَافِرًا وَمِنْهُم من يُولد
كَافِرًا ويحيا كَافِرًا وَيَمُوت مُؤمنا
(2/319)
أَلا إِن الْغَضَب جَمْرَة توقد فِي جَوف
ابْن آدم
ألم تروا إِلَى حمرَة عَيْنَيْهِ وانتفاخ أوداجه فَإِذا وجد
أحدكُم من ذَلِك شَيْئا فليلزق بِالْأَرْضِ
أَلا إِن خير الرِّجَال من كَانَ بطيء الْغَضَب سريع الْفَيْء
وَشر الرِّجَال من كَانَ بطيء الْفَيْء سريع الْغَضَب
فَإِذا كَانَ الرجل سريع الْغَضَب سريع الْفَيْء فانها بهَا
وَإِذا كَانَ بطيء الْغَضَب بطيء الْفَيْء فَإِنَّهَا بهَا
أَلا وَإِن خير التُّجَّار من كَانَ حسن الْقَضَاء حسن الطّلب
وَشر التُّجَّار من كَانَ سيء الْقَضَاء سيء الطّلب
فَإِذا كَانَ الرجل حسن الْقَضَاء سيء الطّلب فَإِنَّهَا بهَا
وَإِذا كَانَ الرجل سيء الْقَضَاء حسن الطّلب فَإِنَّهَا بهَا
أَلا لَا يمنعن رجلا مهابة النَّاس أَن يَقُول بِالْحَقِّ إِذا
علمه
أَلا إِن لكل غادر لِوَاء بِقدر غدرته يَوْم الْقِيَامَة
أَلا وَإِن أكبر الْغدر غدر أَمِير الْعَامَّة
أَلا وَإِن أفضل الْجِهَاد من قَالَ كلمة الْحق عِنْد سُلْطَان
جَائِر
فَلَمَّا كَانَ عِنْد مغرب الشَّمْس قَالَ: أَلا إِن مَا بَقِي
من الدُّنْيَا فِيمَا مضى مِنْهُ كَمثل مَا بَقِي من يومكم
هَذَا فِيمَا مضى
وَأخرج الْحَكِيم فِي نَوَادِر الْأُصُول وَالْبَيْهَقِيّ عَن
بهز بن حَكِيم عَن أَبِيه عَن جده قَالَ: قلت: يَا رَسُول الله
أَخْبرنِي بِوَصِيَّة قَصِيرَة فألزمها قَالَ: لَا تغْضب يَا
مُعَاوِيَة بن حيدة ان الْغَضَب ليفسد الْإِيمَان كَمَا يفْسد
الصَّبْر الْعَسَل
وَأخرج الْحَكِيم عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: قَالَ رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن الْغَضَب ميسم من نَار جَهَنَّم
يَضَعهُ الله على نِيَاط أحدهم
أَلا ترى أَنه إِذا غضب احْمَرَّتْ عَيناهُ واربَدَّ وَجهه
وَانْتَفَخَتْ أوداجه
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن الْحسن قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن الْغَضَب جَمْرَة فِي قلب ابْن آدم
ألم تروا إِلَى انتفاخ أوداجه وَحُمرَة عَيْنَيْهِ فَمن حس من
ذَلِك شَيْئا فَإِن كَانَ قَائِما فليقعد وان كَانَ قَاعِدا
فليضطجع
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن أبي شيبَة وَالْبَيْهَقِيّ عَن
الْحسن قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا
من جرعة أحب إِلَى الله من جرعة غيظ كظمها رجل أَو جرعة صَبر
عِنْد مُصِيبَة
وَمَا قَطْرَة أحب إِلَى الله من قَطْرَة دمع من خشيَة الله
أَو قَطْرَة دم فِي سَبِيل الله
وَأخرج عبد بن حميد عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لأبي بكر: ثَلَاث كُلهنَّ حق: مَا
من أحد يظلم مظْلمَة فيغض عَنْهَا إِلَّا زَاده الله بهَا عزا
وَمَا من أحد يفتح بَاب مَسْأَلَة لِيَزْدَادَ بهَا كَثْرَة
إِلَّا زَاده الله بهَا قلَّة وَمَا من أحد يفتح بَاب عَطِيَّة
أَو صلَة إِلَّا زَاده الله بهَا كَثْرَة
(2/320)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالْبُخَارِيّ
وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ عَن ابْن عَمْرو قَالَ: لم يكن رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَاحِشا وَلَا متفحشاً وَكَانَ
يَقُول: إِن من خياركم أحاسنكم أَخْلَاقًا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ
وَصَححهُ وَالْبَزَّار وَابْن حبَان وَالْبَيْهَقِيّ فِي
الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن أبي الدَّرْدَاء أَن النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: من أعطيَ حَظه من الرِّفْق أعطي
حَظه من الْخَيْر وَمن حرم حَظه من الرِّفْق فقد حرم حَظه من
الْخَيْر وَقَالَ: مَا من شَيْء أثقل فِي ميزَان الْمُؤمن
يَوْم الْقِيَامَة من خلق حسن وَإِن الله يبغض الْفَاحِش
الْبَذِيء وَإِن صَاحب حسن الْخلق ليبلغ بِهِ دَرَجَة صَاحب
الصَّوْم وَالصَّلَاة
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَصَححهُ وَابْن حبَان وَالْحَاكِم
وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الزّهْد عَن أبي هُرَيْرَة
قَالَ: سُئِلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن أَكثر
مَا يدْخل النَّاس الْجنَّة فَقَالَ: تقوى الله وَحسن الْخلق
وَسُئِلَ عَن أَكثر مَا يدْخل النَّاس النَّار فَقَالَ:
الأجوفان: الْفَم والفرج
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالتِّرْمِذِيّ وَحسنه وَالْحَاكِم
وَصَححهُ عَن عَائِشَة قَالَت: قَالَ رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم: إِن من أكمل الْمُؤمنِينَ إِيمَانًا أحْسنهم
خلقا وألطفهم بأَهْله
وَأخرج أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَابْن حبَان وَالْحَاكِم
وَصَححهُ عَن عَائِشَة: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم يَقُول: إِن الْمُؤمن ليدرك بِحسن الْخلق دَرَجَات
الْقَائِم اللَّيْل الصَّائِم النَّهَار
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَالْحَاكِم وَصَححهُ
عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم: إِن الله ليبلغ العَبْد بِحسن خلقه دَرَجَة الصَّوْم
وَالصَّلَاة
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ والخرئطي عَن أنس: أَن رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِن العَبْد ليبلغ بِحسن خلقه
عَظِيم دَرَجَات الْآخِرَة وشرفات الْمنَازل وَأَنه لضعيف
الْعِبَادَة وَأَنه ليبلغ بِسوء خلقه أَسْفَل دَرَجَة فِي
جَهَنَّم
وَأخرج أَحْمد وَالطَّبَرَانِيّ والخرائطي عَن ابْن عَمْرو:
سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: أَن
الْمُسلم المسدد ليدرك دَرَجَة الصوّام القوّام بآيَات الله
بِحسن خلقه وكرم ضريبته
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي الصمت عَن صَفْوَان بن سليم
قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَلا
أخْبركُم بأيسر الْعِبَادَة وأهونها على الْبدن الصمت وَحسن
الْخلق
وَأخرج مُحَمَّد بن نصر الْمروزِي فِي كتاب الصَّلَاة عَن
الْعَلَاء بن الشخير أَن رجلا
(2/321)
أَتَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من
قبل وَجهه فَقَالَ: يَا رَسُول الله أَي الْعَمَل أفضل قَالَ:
حسن الْخلق
ثمَّ أَتَاهُ عَن يَمِينه فَقَالَ: أَي الْعَمَل أفضل قَالَ:
حسن الْخلق ثمَّ أَتَاهُ عَن شِمَاله فَقَالَ: أَي الْعَمَل
أفضل قَالَ: حسن الْخلق ثمَّ أَتَاهُ من بعده - يَعْنِي من
خَلفه - فَقَالَ: يَا رَسُول الله أَي الْعَمَل أفضل فَالْتَفت
إِلَيْهِ رَسُول اله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: مَالك
لَا تفقه حسن الْخلق أفضل
لَا تغْضب إِن اسْتَطَعْت
وَأخرج أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَحسنه وَابْن ماجة عَن
أبي أُمامة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم:
أَنا زعيم بِبَيْت فِي ربض الْجنَّة لمن ترك المراء وَإِن
كَانَ محقاً وببيت فِي وسط الْجنَّة لمن ترك الْكَذِب وَإِن
كَانَ مازحاً وببيت فِي أَعلَى الْجنَّة لمن حسن خلقه
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَحسنه والخرائطي فِي مَكَارِم
الْأَخْلَاق عَن جَابر أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم قَالَ: إِن من أحبكم إِلَيّ وأقربكم مني مَجْلِسا يَوْم
الْقِيَامَة أحسنكم أَخْلَاقًا
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن عمار بن يَاسر قَالَ: قَالَ رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: حسن الْخلق خلق الله الْأَعْظَم
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: أوحى الله إِلَى إِبْرَاهِيم
عَلَيْهِ السَّلَام: يَا خليلي حسن خلقك وَلَو مَعَ الْكفَّار
تدخل مَعَ الْأَبْرَار فَإِن كلمتي سبقت لمن حسن خلقه أَن
أظلهُ تَحت عَرْشِي وَأَن أسقيه من حَظِيرَة قدسي وَأَن أدنيه
من جواري
وَأخرج أَحْمد وَابْن حبَان عَن ابْن عَمْرو أَنه سمع رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: أَلا أخْبركُم بأحبكم
إِلَيّ وأقربكم مني مَجْلِسا يَوْم الْقِيَامَة قَالُوا: نعم
يَا رَسُول الله قَالَ: أحسنكم خلقا
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا وأبويعلى وَالطَّبَرَانِيّ بِسَنَد
جيد عَن أنس قَالَ: لَقِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
أَبَا ذَر فَقَالَ: يَا أَبَا ذَر أَلا أدلُّك على
خَصْلَتَيْنِ هما أخف على الظّهْر وأثقل فِي الْمِيزَان من
غَيرهمَا قَالَ: بلَى يَا رَسُول الله قَالَ: عَلَيْك بِحسن
الخُلق وَطول الصمت فوالذي نَفسِي بِيَدِهِ مَا عمل الْخَلَائق
بِمِثْلِهَا
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ بن حَيَّان فِي الثَّوَاب بِسَنَد
رَوَاهُ عَن أبي ذَر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم: يَا أَبَا ذَر أَلا أدلك على أفضل الْعِبَادَة
وأخفها على الْبدن وأثقلها فِي الْمِيزَان وأهونها على
اللِّسَان قلت: بلَى فدَاك أبي وَأمي قَالَ: عَلَيْك بطول
الصمت وَحسن الْخلق فَإنَّك لست بعامل بِمِثْلِهَا
(2/322)
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن أبي الدَّرْدَاء
قَالَ: قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يَا أَبَا
الدَّرْدَاء أَلا أنبئك بأمرين خفيفةٍ مؤنتُهما عَظِيم أجرُهما
لم تلق الله عز وَجل بمثلهما طول الصمت وَحسن الْخلق
وَأخرج الْبَزَّار وَابْن حبَان عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ:
قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَلا أخْبركُم
بخياركم قَالُوا: بلَى يَا رَسُول الله قَالَ: اطولكم اعماراً
وَأَحْسَنُكُمْ اخلاقاً
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَابْن حبَان عَن اسامة بن شريك قَالَ:
قَالُوا: يَا رَسُول الله مَا خير مَا أُعطي الْإِنْسَان
قَالَ: خلق حسن
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَالطَّبَرَانِيّ بِسَنَد جيد
عَن جَابر بن سَمُرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم: إِن الْفُحْش والتفحش ليسَا من الْإِسْلَام
فِي شَيْء وَإِن أحسن النَّاس إسلاماً أحْسنهم خلقا
وَأخرج ابْن حبَان وَالْحَاكِم وَصَححهُ والخرائطي فِي
مَكَارِم الْأَخْلَاق عَن ابْن عَمْرو أَن معَاذ بن جبل
أَرَادَ سفرا فَقَالَ: يَا نَبِي الله أوصني قَالَ: اعبد الله
وَلَا تشرك بِهِ شَيْئا قَالَ: يَا نَبِي الله زِدْنِي قَالَ:
إِذا أَسَأْت فَأحْسن
قَالَ: يَا نَبِي الله زِدْنِي قَالَ: اسْتَقِم ولتحسن خلقك
وَأخرج أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ وَالْحَاكِم وصححاه والخرائطي
عَن أبي ذَر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم: اتقِ الله حَيْثُمَا كنت وأتبعِ السَّيئَة الْحَسَنَة
تمحُها وخالقِ النَّاس بِخلق حسن
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط عَن أبي هُرَيْرَة
قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن هَذِه
الْأَخْلَاق من الله فَمن أَرَادَ بِهِ خيرا منحه خلقا حسنا
وَمن أَرَادَ بِهِ سوءا منحه خلقا سَيِّئًا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَابْن حبَان وَالطَّبَرَانِيّ
عَن أبي ثَعْلَبَة الْخُشَنِي قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن أحبكم إليَّ وأقربكم مني فِي
الْآخِرَة أحاسنكم أَخْلَاقًا وَإِن أبغضكم إِلَيّ وأبعدكم مني
فِي الْآخِرَة أسوأكم أَخْلَاقًا الثرثارون المتشدقون
المتفيقهون
وَأخرج الْبَزَّار وَالطَّبَرَانِيّ والخرائطي عَن أنس قَالَ:
قَالَت أم حَبِيبَة: يَا رَسُول الله الْمَرْأَة يكون لَهَا
زوجان ثمَّ تَمُوت فَتدخل الْجنَّة هِيَ وزوجاها لأيهما تكون
للأوّل أَو للْآخر قَالَ: تخير فتختار أحسنهما خلقا كَانَ
مَعهَا فِي الدُّنْيَا يكون زَوجهَا فِي الْجنَّة يَا أم
حَبِيبَة ذهب حسن الْخلق بِخَير الدُّنْيَا وَالْآخِرَة
(2/323)
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الصَّغِير عَن
عَائِشَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: مَا من
شَيْء إِلَّا لَهُ تَوْبَة إِلَّا صَاحب سوء الْخلق فَإِنَّهُ
لَا يَتُوب من ذَنْب إِلَّا عَاد فِي شَرّ مِنْهُ
وَأخرج أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ عَن أبي هُرَيْرَة أَن
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يَدْعُو: اللهمَّ
إِنِّي أعوذ بك من الشقاق والنفاق وَسُوء الْأَخْلَاق
وَأخرج الخرائطي عَن جرير بن عبد الله قَالَ: قَالَ لي رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِنَّك امْرُؤ قد حسن الله خلقك
فَحسن خلقك
وَأخرج الخرائطي عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: خياركم أحاسنكم أَخْلَاقًا
وَأخرج الخرائطي عَن عَائِشَة قَالَت: قَالَ رَسُول اله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم: لَو كَانَ حسن الْخلق رجلا يمشي فِي
النَّاس لَكَانَ رجلا صَالحا
وَأخرج الخرائطي عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ثَلَاث من لم تكن فِيهِ أَو وَاحِدَة
مِنْهُنَّ فَلَا يعتدن بِشَيْء من عمله
تقوى تحجزه عَن معاصي الله عز وَجل أَو حلم يكف بِهِ السَّفِيه
أَو خلق يعِيش بِهِ فِي النَّاس
وَأخرج الخرائطي عَن عَائِشَة قَالَت: قَالَ رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم: الْيمن حسن الْخلق
وَأخرج الخرائطي عَن إِسْمَاعِيل بن مُحَمَّد بن سعد بن أبي
وَقاص عَن أَبِيه عَن جده قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم: من سَعَادَة ابْن آدم حسن الْخلق
وَأخرج الْقُضَاعِي فِي مُسْند الشهَاب عَن الْحسن بن عَليّ بن
أبي طَالب رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن أحسن الْحسن الْخلق الْحسن
وَأخرج الخرائطي عَن الفضيل بن عِيَاض قَالَ: إِذا خالطت
النَّاس فخالط الْحسن الْخلق فَإِنَّهُ لَا يَدْعُو إِلَّا
إِلَى خير
وَأخرج أَحْمد عَن عَائِشَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم قَالَ لَهَا: إِنَّه من أعطي حَظه من الرِّفْق فقد أعطي
حَظه من خير الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَمن حرم حَظه من الرِّفْق
فقد حرم حَظه من الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وصلَة الرَّحِم وَحسن
الْخلق وَحسن الْجوَار يعمرَانِ الديار وَيَزِيدَانِ فِي
الاعمار
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن
عَائِشَة قَالَت: قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم:
الرِّفْق يمن والخرق شُؤْم وَإِذا أَرَادَ الله بِأَهْل بَيت
خيرا أَدخل عَلَيْهِم بَاب الرِّفْق
إِن الرِّفْق لم يكن فِي شَيْء قطّ إِلَّا زانه وَإِن الْخرق
لم يكن فِي شَيْء قطّ إِلَّا شَأْنه وَإِن
(2/324)
الْحيَاء من الْإِيمَان وَإِن الْإِيمَان
فِي الْجنَّة
وَلَو كَانَ الْحيَاء رجلا كَانَ رجلا صَالحا وَإِن الْفُحْش
من الْفُجُور وَإِن الْفُجُور فِي النَّار وَلَو كَانَ
الْفُحْش رجلا يمشي فِي النَّاس لَكَانَ رجلا سوءا
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد عَن أم الدَّرْدَاء قَالَت: بَات
أَبُو الدَّرْدَاء لَيْلَة يُصَلِّي فَجعل يبكي وَيَقُول:
اللهمَّ أَحْسَنت خلقي فاحسن خلقي
حَتَّى إِذا أصبح فَقلت: يَا أَبَا الدَّرْدَاء أما كَانَ
دعاؤك مُنْذُ اليلة إِلَّا فِي حسن الْخلق فَقَالَ: يَا أم
الدَّرْدَاء إِن العَبْد الْمُسلم يحسن خلقه حَتَّى يدْخلهُ
حسن خلقه الْجنَّة ويسوء خلقه حَتَّى يدْخلهُ سوء خلقه النَّار
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أكمل النَّاس إِيمَانًا أحْسنهم
خلقا وَأفضل الْمُؤمنِينَ إِيمَانًا أحْسنهم خلقا وخياركم
خياركم لنسائهم
وَأخرج تَمام فِي فَوَائده وَابْن عَسَاكِر عَن ابْن عمر عَن
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: خِيَار أمتِي
خَمْسمِائَة والابدال أَرْبَعُونَ فَلَا الْخَمْسمِائَةِ
ينقصُونَ وَلَا الْأَرْبَعُونَ ينقصُونَ وَكلما مَاتَ بدل
أَدخل الله عز وَجل من الْخَمْسمِائَةِ مَكَانَهُ وادخل فِي
الْأَرْبَعين مكانهم فَلَا الْخَمْسمِائَةِ ينقصُونَ وَلَا
الْأَرْبَعُونَ ينقصُونَ فَقَالُوا: يَا رَسُول الله دلنا على
أَعمال هَؤُلَاءِ فَقَالَ: هَؤُلَاءِ يعفون عَمَّن ظلمهم
ويحسنون إِلَى من أَسَاءَ إِلَيْهِم ويواسون مِمَّا آتَاهُم
الله
قَالَ: وتصديق ذَلِك فِي كتاب الله {والكاظمين الغيظ
وَالْعَافِينَ عَن النَّاس وَالله يحب الْمُحْسِنِينَ}
وَأخرج ابْن لال والديلمي عَن أنس قَالَ: قَالَ رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: رَأَيْت لَيْلَة أسرِي بِي قصوراً
مستوية على الْجنَّة فَقلت: يَا جِبْرِيل لمن هَذَا فَقَالَ
{والكاظمين الغيظ وَالْعَافِينَ عَن النَّاس وَالله يحب
الْمُحْسِنِينَ}
الْآيَتَانِ 135 - 136
(2/325)
وَالَّذِينَ إِذَا
فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا
اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ
الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا
فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ (135) أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ
مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا
الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ
(136)
أخرج ابْن جرير عَن الْحسن أَنه قَرَأَ
(الَّذين يُنْفقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء
) (آل عمرَان الْآيَة 134) الْآيَة
ثمَّ قَرَأَ {وَالَّذين إِذا فعلوا فَاحِشَة} الْآيَة فَقَالَ:
إِن هذَيْن النعتين لنعت رجل وَاحِد
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن
مُجَاهِد فِي الْآيَة قَالَ: هَذَانِ ذنبان
فعلوا فَاحِشَة ذَنْب وظلموا أنفسهم ذَنْب
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن جَابر بن زيد فِي
قَوْله {وَالَّذين إِذا فعلوا فَاحِشَة} قَالَ: زنا الْقَوْم
وَرب الْكَعْبَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله
{فعلوا فَاحِشَة} قَالَ: الزِّنَا
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن مَسْعُود أَنه ذكر عِنْده بَنو
إِسْرَائِيل وَمَا فَضلهمْ الله بِهِ فَقَالَ: كَانَ بَنو
إِسْرَائِيل إِذا أذْنب أحدهم ذَنبا أصبح وَقد كتبت كَفَّارَته
على أُسْكُفَّة بَابه وَجعلت كَفَّارَة ذنوبكم قولا تقولونه
تستغفرون الله فَيغْفر لكم
وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لقد أَعْطَانَا الله آيَة لهي أحب
إليَّ من الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا {وَالَّذين إِذا فعلوا
فَاحِشَة} الْآيَة
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد
وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن أبي الدُّنْيَا وَابْن الْمُنْذر
وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: إِن فِي كتاب الله
لآيتين مَا أذْنب عبد ذَنبا فَقَرَأَهُمَا فَاسْتَغْفر الله
إِلَّا غفر لَهُ {وَالَّذين إِذا فعلوا فَاحِشَة} الْآيَة
وَقَوله (وَمن يعْمل سوءا أَو يظلم نَفسه
) (النِّسَاء الْآيَة 110) الْآيَة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن ثَابت
الْبنانِيّ قَالَ: بَلغنِي أَن إِبْلِيس حِين نزلت هَذِه
الْآيَة بَكَى {وَالَّذين إِذا فعلوا فَاحِشَة} الْآيَة
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ عَن عطاف بن خَالِد قَالَ:
بَلغنِي أَنه لما نزل قَوْله {وَمن يغْفر الذُّنُوب إِلَّا
الله وَلم يصروا على مَا فعلوا} صَاح إِبْلِيس بجُنُوده وحثا
على رَأسه التُّرَاب ودعا بِالْوَيْلِ وَالثُّبُور حَتَّى
جَاءَتْهُ جُنُوده من كل بر وبحر
فَقَالُوا: مَا لَك يَا سيدنَا قَالَ: آيَة نزلت فِي كتاب الله
لَا يضر بعْدهَا أحدا من بني آدم ذَنْب قَالُوا: وَمَا هِيَ
فاخبرهم قَالُوا: نفتح لَهُم بَاب الْأَهْوَاء فَلَا يتوبون
وَلَا يَسْتَغْفِرُونَ وَلَا يرَوْنَ إِلَّا أَنهم على الْحق
فَرضِي مِنْهُم ذَلِك
(2/326)
وَأخرج الطَّيَالِسِيّ وَأحمد وَابْن أبي
شيبَة وَعبد بن حميد وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ
وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَابْن حبَان وَالدَّارقطني
وَالْبَزَّار وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم
وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن أبي بكر الصّديق: سَمِعت
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: مَا من رجل يُذنب
ذَنبا ثمَّ يقوم فيذكر ذَنبه فيتطهر ثمَّ يُصَلِّي
رَكْعَتَيْنِ ثمَّ يسْتَغْفر الله من ذَنبه ذَلِك إِلَّا غفر
الله لَهُ
ثمَّ قَرَأَ هَذِه الْآيَة {وَالَّذين إِذا فعلوا فَاحِشَة أَو
ظلمُوا أنفسهم ذكرُوا الله} إِلَى آخر الْآيَة
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن الْحسن قَالَ: قَالَ
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا أذْنب عبد ذَنبا
ثمَّ تَوَضَّأ فَأحْسن الْوضُوء ثمَّ خرج إِلَى برَاز من
الأَرْض فصلى فِيهِ رَكْعَتَيْنِ واستغفر الله من ذَلِك
الذَّنب إِلَّا غفر الله لَهُ
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن أبي الدَّرْدَاء عَن النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: كل شَيْء يتَكَلَّم بِهِ ابْن آدم
فانه مَكْتُوب عَلَيْهِ فَإِذا أَخطَأ خَطِيئَة وَأحب أَن
يَتُوب إِلَى الله فليأت بقْعَة رفيعة فليمدد يَدَيْهِ إِلَى
الله ثمَّ ليقل: إِنِّي أَتُوب إِلَيْك فِيهَا لَا أرجع
إِلَيْهَا أبدا فانه يغْفر لَهُ مَا لم يرجع فِي عمله ذَلِك
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن عَائِشَة قَالَت: كَانَ
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: اللهمَّ
اجْعَلنِي من الَّذين إِذا أَحْسنُوا اسْتَبْشَرُوا وَإِذا
أساؤوا اسْتَغْفرُوا
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: أَرْبَعَة فِي حديقة قدس فِي الْجنَّة:
المعتصم بِلَا إِلَه إِلَّا اله لَا يشك فِيهَا وَمن إِذا عمل
حَسَنَة سرته وَحمد الله عَلَيْهَا وَمن إِذا عمل سَيِّئَة
ساءته واستغفر الله مِنْهَا وَمن إِذا أَصَابَته مُصِيبَة
قَالَ: إِنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون
وَأخرج عبد بن حميد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم عَن أبي هُرَيْرَة
عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِن رجلا أذْنب
ذَنبا فَقَالَ: رب إِنِّي أذنبت ذَنبا فاغفره فَقَالَ الله:
عَبدِي عمل ذَنبا فَعلم أَن لَهُ رَبًّا يغْفر الذَّنب
وَيَأْخُذ بِهِ قد غفرت لعبدي ثمَّ عمل ذَنبا آخر فَقَالَ: رب
إِنِّي عملت ذَنبا فاغفره فَقَالَ تبَارك وَتَعَالَى: علم
عَبدِي أَن لَهُ رَبًّا يغْفر الذَّنب وَيَأْخُذ بِهِ قد غفرت
لعبدي ثمَّ عمل ذَنبا آخر فَقَالَ: رب إِنِّي عملت ذَنبا
فاغفره فَقَالَ الله: علم عَبدِي أَن لَهُ رَبًّا يغْفر
الذَّنب وَيَأْخُذ بِهِ أشهدكم إِنِّي غفرت لعبدي فليعمل مَا
شَاءَ
(2/327)
وَأخرج أَحْمد وَمُسلم عَن أبي هُرَيْرَة
قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَو لم
تذنبوا لجاء الله بِقوم يذنبون كي يغْفر لَهُم
وَأخرج أَحْمد عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ عَن النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: قَالَ إِبْلِيس: يَا رب - وَعزَّتك -
لَا أَزَال أغوي بني آدم مَا كَانَت أَرْوَاحهم فِي أَجْسَادهم
فَقَالَ الله: وَعِزَّتِي لَا أَزَال أَغفر لَهُم مَا
استغفروني
وَأخرج أَبُو يعلى عَن أبي بكر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم قَالَ: عَلَيْكُم بِلَا إِلَه إِلَّا الله
وَالِاسْتِغْفَار فَأَكْثرُوا مِنْهُمَا فَإِن إِبْلِيس قَالَ:
أهلكت النَّاس بِالذنُوبِ وأهلكوني بِلَا إِلَه إِلَّا الله
وَالِاسْتِغْفَار فَلَمَّا رَأَيْت ذَلِك اهلكتهم بالأهواء وهم
يحسبون أَنهم مهتدون
وَأخرج الْبَزَّار وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن أنس قَالَ:
جَاءَ رجل فَقَالَ: يَا رَسُول الله إِنِّي أذنبت
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِذا أذنبت
فَاسْتَغْفر رَبك قَالَ: فَإِنِّي اسْتغْفر ثمَّ أَعُود فأذنب
فَقَالَ: إِذا أذنبت فَاسْتَغْفر رَبك ثمَّ عَاد فَقَالَ فِي
الرَّابِعَة: اسْتغْفر رَبك حَتَّى يكون الشَّيْطَان هُوَ
المحسور
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن عقبَة بن عَامر الْجُهَنِيّ أَن رجلا
قَالَ: يَا رَسُول الله أَحَدنَا يُذنب قَالَ: يكْتب عَلَيْهِ
قَالَ: ثمَّ يسْتَغْفر مِنْهُ وَيَتُوب قَالَ: يغْفر لَهُ
ويتاب عَلَيْهِ قَالَ: فَيَعُود ويذنب قَالَ: يكْتب عَلَيْهِ
قَالَ: ثمَّ يسْتَغْفر مِنْهُ وَيَتُوب قَالَ: يغْفر لَهُ
ويتاب عَلَيْهِ قَالَ: فَيَعُود ويذنب قَالَ: يكْتب عَلَيْهِ
قَالَ: ثمَّ يسْتَغْفر مِنْهُ وَيَتُوب قَالَ: يغْفر لَهُ
ويتاب عَلَيْهِ وَلَا يمل الله حَتَّى تملوا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي
حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وَلم يصروا على مَا فعلوا}
قَالَ: لم يقيموا على ذَنْب وهم يعلمُونَ أَنه يغْفر لمن
اسْتغْفر وَيَتُوب على من تَابَ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة قَالَ: إيَّاكُمْ
والإصرار فَإِنَّمَا هلك المصرون الماضون قدماً لَا ينهاهم
مَخَافَة الله عَن حرَام حرمه الله عَلَيْهِم وَلَا يتوبون من
ذَنْب أَصَابُوهُ حَتَّى أَتَاهُم الْمَوْت وهم على ذَلِك
وَأخرج أَحْمد وَعبد بن حميد وَالْبُخَارِيّ فِي الْأَدَب
الْمُفْرد وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب
الْإِيمَان عَن ابْن عَمْرو عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم قَالَ: ارحموا تُرحموا واغفروا يُغفر لكم ويل لأقماع
القَوْل - يَعْنِي الآذان - ويل للمصِّرين الَّذين يصرون على
مَا فعلوا وهم يعلمُونَ
(2/328)
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي التَّوْبَة
وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كل ذَنْب أصر
عَلَيْهِ العَبْد كبر وَلَيْسَ بكبير مَا تَابَ مِنْهُ العَبْد
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن
الْحسن قَالَ: إتْيَان الذَّنب عمدا إِصْرَار حَتَّى يَتُوب
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن الْأَوْزَاعِيّ قَالَ: الْإِصْرَار
أَن يعْمل الرجل الذَّنب فيحتقره
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ {وَلم يصروا
على مَا فعلوا} فينكبوا وَلَا يَسْتَغْفِرُوا وهم يعلمُونَ
أَنهم قد أذنبوا ثمَّ أَقَامُوا وَلم يَسْتَغْفِرُوا
وَأخرج عبد بن حميد وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَأَبُو
يعلى وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي
الشّعب عَن أبي بكر الصّديق قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم: مَا أصر من اسْتغْفر وَإِن عَاد فِي الْيَوْم
سبعين مرّة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مقَاتل {وَنعم أجر العاملين}
بِطَاعَة الله الْجنَّة
الْآيَة 137
(2/329)
قَدْ خَلَتْ مِنْ
قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ
كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (137)
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي مَالك فِي
قَوْله {قد خلت} يَعْنِي مَضَت
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي
حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {قد خلت من قبلكُمْ سنَن}
يَعْنِي تداول من الْكفَّار وَالْمُؤمنِينَ فِي الْخَيْر
وَالشَّر
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن
قَتَادَة فِي قَوْله {فانظروا كَيفَ كَانَ عَاقِبَة المكذبين}
قَالَ: عَاقِبَة الْأَوَّلين والأمم قبلكُمْ كَانَ سوء عاقبتهم
متعهم الله قَلِيلا ثمَّ صَارُوا إِلَى النَّار
الْآيَة 138
(2/329)
هَذَا بَيَانٌ
لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ (138)
أخرج ابْن أبي شيبَة فِي كتاب الْمَصَاحِف
عَن سعيد بن جُبَير قَالَ: أول مَا نزل من آل عمرَان {هَذَا
بَيَان للنَّاس وَهدى وموعظة لِلْمُتقين} ثمَّ أنزل بقيتها
يَوْم أحد
وَأخرج ابْن جرير عَن الْحسن فِي قَوْله {هَذَا بَيَان
للنَّاس} قَالَ: هَذَا الْقُرْآن
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة فِي قَوْله
{هَذَا بَيَان} الْآيَة
(2/329)
قَالَ: هُوَ هَذَا الْقُرْآن جعله الله
بَيَانا للنَّاس عَامَّة {وَهدى وموعظة لِلْمُتقين} خُصُوصا
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن
الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن الشّعبِيّ فِي الْآيَة قَالَ
{بَيَان} من الْعَمى {وَهدى} من الضَّلَالَة {وموعظة} من
الْجَهْل
الْآيَة 139
(2/330)
وَلَا تَهِنُوا وَلَا
تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ
مُؤْمِنِينَ (139)
أخرج ابْن جرير عَن الزُّهْرِيّ قَالَ: كثر
فِي أَصْحَاب مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْقَتْل
والجراح حَتَّى خلص إِلَى كل امرىء مِنْهُم الْبَأْس
فَأنْزل الله الْقُرْآن فآسى فِيهِ بَين الْمُؤمنِينَ
بِأَحْسَن مَا آسى بِهِ قوما كَانُوا قبلهم من الْأُمَم
الْمَاضِيَة فَقَالَ {وَلَا تهنوا وَلَا تحزنوا} إِلَى قَوْله
{لبرز الَّذين كتب عَلَيْهِم الْقَتْل إِلَى مضاجعهم}
وَأخرج ابْن جرير من طَرِيق الْعَوْفِيّ عَن ابْن عَبَّاس
قَالَ: أقبل خَالِد بن الْوَلِيد يُرِيد أَن يَعْلُو عَلَيْهِم
الْجَبَل
فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: اللهمَّ لَا يعلون
علينا
فَأنْزل الله {وَلَا تهنوا وَلَا تحزنوا وَأَنْتُم الأعلون إِن
كُنْتُم مُؤمنين}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن
جريج قَالَ: انهزم أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم فِي الشّعب يَوْم أحد فسألوا مَا فعل النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم وَمَا فعل فلَان فنعى بَعضهم لبَعض وتحدثوا أَن
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قتل فَكَانُوا فِي هم وحزن
فَبَيْنَمَا هم كَذَلِك علا خَالِد بن الْوَلِيد بخيل
الْمُشْركين فَوْقهم على الْجَبَل وَكَانَ على أحد مجنبتي
الْمُشْركين وهم أَسْفَل من الشّعب فَلَمَّا رَأَوْا النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فرحوا فَقَالَ النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم: اللَّهُمَّ لَا قوّة لنا إِلَّا بك وَلَيْسَ
أحد يعبدك بِهَذَا الْبَلَد غير هَؤُلَاءِ النَّفر فَلَا
تهلكهم
وثاب نفر من الْمُسلمين رُمَاة فَصَعِدُوا فرموا خيل
الْمُشْركين حَتَّى هَزَمَهُمْ الله وَعلا الْمُسلمُونَ
الْجَبَل
فَذَلِك قَوْله {وَأَنْتُم الأعْلَوْنَ إِن كُنْتُم مُؤمنين}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن
مُجَاهِد {وَلَا تهنوا} قَالَ: لَا تضعفوا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الضَّحَّاك {وَأَنْتُم الأعلون}
قَالَ: وَأَنْتُم الغالبون
(2/330)
الْآيَات 140 - 142
(2/331)
إِنْ يَمْسَسْكُمْ
قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ
الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ
اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ
وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (140) وَلِيُمَحِّصَ
اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ (141)
أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ
اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ
الصَّابِرِينَ (142)
أخرج ابْن جرير من طَرِيق الْعَوْفِيّ عَن
ابْن عَبَّاس {أَن يمسسكم} قَالَ: أَن يصبكم
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَاصِم أَنه قَرَأَ {إِن يمسسكم قرح
فقد مس الْقَوْم قرح مثله} بِرَفْع الْقَاف فيهمَا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي
حَاتِم عَن مُجَاهِد {إِن يمسسكم قرح} قَالَ: جراح وَقتل
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن فِي قَوْله
{إِن يمسسكم قرح فقد مس الْقَوْم قرح مثله} قَالَ: إِن يقتل
مِنْكُم يَوْم أحد فقد قتلتم مِنْهُم يَوْم بدر
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم من طَرِيق عِكْرِمَة عَن
ابْن عَبَّاس قَالَ: نَام الْمُسلمُونَ وبهم الكلوم - يَعْنِي
يَوْم أحد - قَالَ عِكْرِمَة: وَفِيهِمْ أنزلت {إِن يمسسكم قرح
فقد مس الْقَوْم قرح مثله وَتلك الْأَيَّام نداولها بَين
النَّاس} وَفِيهِمْ أنزلت (إِن تَكُونُوا تألمون فَإِنَّهُم
يألمون كَمَا تألمون) (النِّسَاء الْآيَة 104)
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم من طَرِيق الْعَوْفِيّ عَن
ابْن عَبَّاس {وَتلك الْأَيَّام نداولها بَين النَّاس} فانه
كَانَ يَوْم أحد بِيَوْم بدر
قتل الْمُؤْمِنُونَ يَوْم أحد اتخذ الله مِنْهُم شُهَدَاء
وَغلب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمُشْركين يَوْم
بدر فَجعل لَهُ الدولة عَلَيْهِم
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر من طَرِيق ابْن جريج عَن
ابْن عَبَّاس {وَتلك الْأَيَّام نداولها بَين النَّاس} قَالَ:
فانه أدال الْمُشْركين على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
يَوْم أحد وَبَلغنِي أَن الْمُشْركين قتلوا من الْمُسلمين
يَوْم أحد بضعَة وَسبعين رجلا عدد الْأُسَارَى الَّذين
أَسرُّوا يَوْم بدر من الْمُشْركين وَكَانَ عدد الْأُسَارَى
ثَلَاثَة وَسبعين رجلا
(2/331)
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن
الْحسن {وَتلك الْأَيَّام نداولها بَين النَّاس} قَالَ: جعل
الله الْأَيَّام دولاً
مرّة لهَؤُلَاء وَمرَّة لهَؤُلَاء
أدال الْكفَّار يَوْم أحد من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج ابْن جرير عَن قَتَادَة فِي الْآيَة قَالَ: وَالله
لَوْلَا الدول مَا أودى الْمُؤْمِنُونَ وَلَكِن قد يدال
للْكَافِرِ من الْمُؤمن ويُبْتَلى الْمُؤمن بالكافر ليعلم الله
من يطيعه مِمَّن يعصيه وَيعلم الصَّادِق من الْكَاذِب
وَأخرج عَن السّديّ {وَتلك الْأَيَّام نداولها بَين النَّاس}
يَوْمًا لكم وَيَوْما عَلَيْكُم
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن أبي حَاتِم عَن ابْن
سِيرِين {وَتلك الْأَيَّام نداولها بَين النَّاس} يَعْنِي
الْأُمَرَاء
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن أبي جَعْفَر قَالَ: إِن للحق دولة
وَإِن للباطل دولة من دولة الْحق
إِن إِبْلِيس أَمر بِالسُّجُود لأدم فأديل آدم على إِبْلِيس
وابتلي ادم بِالشَّجَرَةِ فَأكل مِنْهَا فأديل إِبْلِيس على
آدم
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر من طَرِيق ابْن جريج عَن
ابْن عَبَّاس {وليعلم الله الَّذين آمنُوا ويتخذ مِنْكُم
شُهَدَاء} قَالَ: إِن الْمُسلمين كَانُوا يسْأَلُون رَبهم:
اللَّهُمَّ رَبنَا أرنا يَوْمًا كَيَوْم بدر نُقَاتِل فِيهِ
الْمُشْركين ونبليك فِيهِ خيرا ونلتمس فِيهِ الشَّهَادَة
فَلَقوا الْمُشْركين يَوْم أحد فَاتخذ مِنْهُم شُهَدَاء
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن الضَّحَّاك فِي الْآيَة
قَالَ: كَانَ الْمُسلمُونَ يسْأَلُون رَبهم أَن يُرِيهم
يَوْمًا كَيَوْم بدر يبلون فِيهِ خيرا وَيُرْزَقُونَ فِيهِ
الشَّهَادَة وَيُرْزَقُونَ الْجنَّة والحياة والرزق
فَلَقوا يَوْم أحد فَاتخذ الله مِنْهُم شُهَدَاء وهم الَّذين
ذكرهم الله تَعَالَى فَقَالَ (وَلَا تَقولُوا لمن يقتل فِي
سَبِيل الله أَمْوَاتًا) (الْبَقَرَة الْآيَة 154) الْآيَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن
قَتَادَة {وليعلم الله الَّذين آمنُوا ويتخذ مِنْكُم شُهَدَاء}
قَالَ: يكرم الله أولياءه بِالشَّهَادَةِ بأيدي عدوهم ثمَّ
تصير حواصل الْأُمُور وعواقبها لأهل طَاعَة الله
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عُبَيْدَة {وليعلم الله الَّذين
آمنُوا ويتخذ مِنْكُم شُهَدَاء} يَقُول: أَن لَا تقتلُوا لَا
تَكُونُوا شُهَدَاء
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي الضُّحَى قَالَ: نزلت {ويتخذ
مِنْكُم شُهَدَاء}
(2/332)
فَقتل مِنْهُم يَوْمئِذٍ سَبْعُونَ مِنْهُم
أَرْبَعَة من الْمُهَاجِرين: مِنْهُم حَمْزَة بن عبد الْمطلب
وَمصْعَب بن عُمَيْر أَخُو بني عبد الدَّار والشماس بن
عُثْمَان المَخْزُومِي وَعبد الله بن جحش الْأَسدي وسائرهم من
الْأَنْصَار
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة قَالَ: لما أَبْطَأَ على
النِّسَاء الْخَبَر خرجن يستخبرن فَإِذا رجلَانِ مقتولان على
دَابَّة أوعلى بعير فَقَالَت امْرَأَة من الْأَنْصَار: من
هَذَانِ قَالُوا: فلَان وَفُلَان
أَخُوهَا وَزوجهَا
أَو زَوجهَا وَابْنهَا فَقَالَت: مَا فعل رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم قَالُوا: حَيّ
قَالَت: فَلَا أُبَالِي يتَّخذ الله من عباده الشُّهَدَاء
وَنزل الْقُرْآن على مَا قَالَت {ويتخذ مِنْكُم شُهَدَاء}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم من
طَرِيق ابْن جريج عَن ابْن عَبَّاس {وليمحص الله الَّذين
آمنُوا} قَالَ: يبتليهم {ويمحق الْكَافرين} قَالَ: ينقصهم
وَأخرج ابْن سعد عَن مُحَمَّد بن سِيرِين
أَنه كَانَ إِذا تَلا هَذِه الْآيَة قَالَ: اللهمَّ مُحصنا
وَلَا تجعلنا كَافِرين
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن
إِسْحَق {أم حسبتم أَن تدْخلُوا الْجنَّة} وتصيبوا من ثوابي
الْكَرَامَة {ولمَّا يعلم الله الَّذين جاهدوا مِنْكُم}
يَقُول: ولمَ اختبركم بالشدة وأبتليكم بالمكاره حَتَّى أعلم
صدق ذَلِك مِنْكُم
الْإِيمَان بِي وَالصَّبْر على مَا أَصَابَكُم فِي
الْآيَة 143
(2/333)
وَلَقَدْ كُنْتُمْ
تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ
رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (143)
أخرج ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق
الْعَوْفِيّ عَن ابْن عَبَّاس أَن رجَالًا من أَصْحَاب
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانُوا يَقُولُونَ: ليتنا
نقْتل كَمَا قتل أَصْحَاب بدر ونستشهد
أَو لَيْت لنا يَوْمًا كَيَوْم بدر نُقَاتِل فِيهِ الْمُشْركين
ونبلى فِيهِ خيرا ونلتمس الشَّهَادَة وَالْجنَّة والحياة
والرزق
فأشهدهم الله أحدا فَلم يَلْبَثُوا إِلَّا من شَاءَ الله
مِنْهُم فَقَالَ الله {وَلَقَد كُنْتُم تمنون الْمَوْت من قبل
أَن تلقوهُ فقد رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُم تنْظرُون}
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد
فِي الْآيَة قَالَ: غَابَ
(2/333)
رجال عَن بدر فَكَانُوا يتمنون مثل بدر أَن
يلقوه فيصيبوا من الْأجر وَالْخَيْر مَا أصَاب أهل بدر
فَلَمَّا كَانَ يَوْم أحدٍ ولَّى من وَلَّى فعاتبهم الله على
ذَلِك
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن الرّبيع وَقَتَادَة
قَالَا: أَن أُنَاسًا من الْمُؤمنِينَ لم يشْهدُوا يَوْم بدر
وَالَّذِي أَعْطَاهُم الله من الْفضل فَكَانُوا يتمنون أَن
يرَوا قتالاً فيقاتلوا فسيق إِلَيْهِم الْقِتَال حَتَّى إِذا
كَانَ بِنَاحِيَة الْمَدِينَة يَوْم أحد فَأنْزل الله {وَلَقَد
كُنْتُم تمنون الْمَوْت} الْآيَة
وَأخرج ابْن جرير عَن الْحسن قَالَ: بَلغنِي أَن رجَالًا من
أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانُوا
يَقُولُونَ: لَئِن لَقينَا مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم لنفعلن ولنفعلن
فابتلوا بذلك فَلَا وَالله مَا كلهم صدق الله
فَأنْزل الله {وَلَقَد كُنْتُم تمنون الْمَوْت} الْآيَة
وَأخرج عَن السّديّ قَالَ: كَانَ نَاس من الصَّحَابَة لم
يشْهدُوا بَدْرًا فَلَمَّا رَأَوْا فَضِيلَة أهل بدر قَالُوا:
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلك أَن ترينا يَوْمًا كَيَوْم بدر
نبليك فِيهِ خيرا
فَرَأَوْا أُحُداً فَقَالَ لَهُم {وَلَقَد كُنْتُم تمنون
الْمَوْت} الْآيَة
وَالله أعلم
الْآيَتَانِ 144 - 145
(2/334)
وَمَا مُحَمَّدٌ
إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ
مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ
يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا
وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ (144) وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ
أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلًا
وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَنْ
يُرِدْ ثَوَابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي
الشَّاكِرِينَ (145)
أخرح ابْن الْمُنْذر عَن كُلَيْب قَالَ:
خَطَبنَا عمر فَكَانَ يقْرَأ على الْمِنْبَر آل عمرَان
وَيَقُول: إِنَّهَا أُحُدِيَّة ثمَّ قَالَ: تفرقنا عَن رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم أحد فَصَعدت الْجَبَل
فَسمِعت يَهُودِيّا يَقُول: قتل مُحَمَّد فَقلت لَا أسمع أحدا
يَقُول: قتل مُحَمَّد إِلَّا ضربت عُنُقه فَنَظَرت فَإِذا
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالنَّاس يتراجعون
إِلَيْهِ فَنزلت هَذِه الْآيَة {وَمَا مُحَمَّد إِلَّا رَسُول
قد خلت من قبله الرُّسُل}
(2/334)
وَأخرج ابْن جرير من طَرِيق الْعَوْفِيّ
عَن ابْن عَبَّاس أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
اعتزل هُوَ وعصابة مَعَه يَوْمئِذٍ على أكمة وَالنَّاس يفرون
وَرجل قَائِم على الطَّرِيق يسألهم: مَا فعل رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم وَجعل كلما مروا عَلَيْهِ يسألهم
فَيَقُولُونَ: وَالله مَا نَدْرِي مَا فعل فَقَالَ: وَالَّذِي
نَفسِي بِيَدِهِ لَئِن كَانَ قتل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم لنعطينهم بِأَيْدِينَا أَنهم لعشائرنا وإخواننا
وَقَالُوا: لَو أَن مُحَمَّدًا كَانَ حَيا لم يهْزم وَلكنه قد
قتل فترخصوا فِي الْفِرَار حِينَئِذٍ
فَأنْزل الله {وَمَا مُحَمَّد إِلَّا رَسُول} الْآيَة كلهَا
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن الرّبيع فِي الْآيَة
قَالَ: ذَلِك يَوْم أحد حِين أَصَابَهُم مَا أَصَابَهُم من
الْقَتْل والقرح وتداعوا نَبِي الله
قَالُوا: قد قتل
وَقَالَ أنَاس مِنْهُم: لَو كَانَ نَبيا مَا قتل
وَقَالَ أنَاس من علية أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم: قَاتلُوا على مَا قتل عَلَيْهِ نَبِيكُم حَتَّى يفتح
الله عَلَيْكُم أَو تلحقوا بِهِ وَذكر لنا أَن رجلا من
الْمُهَاجِرين مر على رجل من الْأَنْصَار وَهُوَ يتخبَّط فِي
دَمه فَقَالَ: يَا فلَان أشعرت أَن مُحَمَّدًا قد قتل فَقَالَ
الْأنْصَارِيّ: إِن كَانَ مُحَمَّدًا قد قتل فقد بلغ
فَقَاتلُوا عَن دينكُمْ
فَأنْزل الله {وَمَا مُحَمَّد إِلَّا رَسُول قد خلت من قبله
الرُّسُل أَفَإِن مَاتَ أَو قتل انقلبتم على أعقابكم} يَقُول:
ارتددتم كفَّارًا بعد أَيْمَانكُم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة نَحوه
وَأخرج ابْن جرير عَن الضَّحَّاك قَالَ: نَادَى مُنَاد يَوْم
أحد حِين هزم أَصْحَاب مُحَمَّد: أَن مُحَمَّدًا قد قتل
فَارْجِعُوا إِلَى دينكُمْ الأول فَأنْزل الله {وَمَا مُحَمَّد
إِلَّا رَسُول} الْآيَة
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن جريج قَالَ: قَالَ أهل الْمَرَض
والإرتياب والنفاق حِين فر النَّاس عَن النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم: قد قتل مُحَمَّد فالحقوا بدينكم الأول
فَنزلت هَذِه الْآيَة {وَمَا مُحَمَّد إِلَّا رَسُول} الْآيَة
وَأخرج ابْن جرير عَن السّديّ قَالَ: فَشَا فِي النَّاس يَوْم
أحد أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد قتل فَقَالَ
بعض أَصْحَاب الصَّخْرَة: لَيْت لنا رَسُولا إِلَى عبد الله بن
أبيّ فَيَأْخُذ لنا أَمَانًا من أبي سُفْيَان
يَا قوم إِن مُحَمَّدًا قد قتل فَارْجِعُوا إِلَى قومكم قبل
أَن يأتوكم فيقتلونكم
قَالَ أنس بن النَّضر: يَا قوم إِن كَانَ مُحَمَّد قد قتل
فَإِن رب مُحَمَّد لم يقتل فَقَاتلُوا على مَا قَاتل عَلَيْهِ
مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اللَّهُمَّ إِنِّي أعْتَذر
إِلَيْك ممَّا يَقُول
(2/335)
هَؤُلَاءِ وَأَبْرَأ إِلَيْك مِمَّا جَاءَ
بِهِ هَؤُلَاءِ
فَشد بِسَيْفِهِ فقاتل حَتَّى قتل
فَأنْزل الله {وَمَا مُحَمَّد إِلَّا رَسُول} الْآيَة
وَأخرج ابْن جرير عَن الْقَاسِم بن عبد الرَّحْمَن بن رَافع
أخي بني عدي بن النجار قَالَ: انْتهى أنس بن النَّضر عَم أنس
بن مَالك إِلَى عمر وَطَلْحَة بن عبيد الله فِي رجال من
الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار وَقد ألقوا بِأَيْدِيهِم فَقَالَ:
مَا يجلسكم قَالُوا: قتل مُحَمَّد رَسُول الله قَالَ: فَمَا
تَصْنَعُونَ بِالْحَيَاةِ بعده قومُوا فموتوا على مَا مَاتَ
عَلَيْهِ رَسُول الله
واستقبل الْقَوْم فقاتل حَتَّى قتل
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن عَطِيَّة الْعَوْفِيّ
قَالَ: لما كَانَ يَوْم أحد وانهزموا قَالَ بعض النَّاس: إِن
كَانَ مُحَمَّد قد أُصِيب فأعطوهم بِأَيْدِيكُمْ إِنَّمَا هم
إخْوَانكُمْ
وَقَالَ بَعضهم: إِن كَانَ مُحَمَّد قد أُصِيب أَلا تمضون على
مَا مضى عَلَيْهِ نَبِيكُم حَتَّى تلحقوا بِهِ
فَأنْزل الله {وَمَا مُحَمَّد إِلَّا رَسُول} إِلَى قَوْله
{فآتاهم الله ثَوَاب الدُّنْيَا}
وَأخرج ابْن سعد فِي الطَّبَقَات عَن مُحَمَّد بن شُرَحْبِيل
الْعَبدَرِي قَالَ: حمل مُصعب بن عُمَيْر اللِّوَاء يَوْم أحد
فَقطعت يَده الْيُمْنَى فَأخذ اللِّوَاء بِيَدِهِ الْيُسْرَى
وَهُوَ يَقُول {وَمَا مُحَمَّد إِلَّا رَسُول قد خلت من قبله
الرُّسُل أَفَإِن مَاتَ أَو قتل انقلبتم على أعقابكم} ثمَّ
قطعت يَده الْيُسْرَى فَجَثَا على اللِّوَاء وضمه بعضديه إِلَى
صَدره وَهُوَ يَقُول {وَمَا مُحَمَّد إِلَّا رَسُول} الْآيَة
وَمَا نزلت هَذِه الْآيَة {وَمَا مُحَمَّد إِلَّا رَسُول}
يَوْمئِذٍ حَتَّى نزلت بعد ذَلِك
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن
مُجَاهِد {وَمن يَنْقَلِب على عَقِبَيْهِ} قَالَ: يرْتَد
وَأخرج البُخَارِيّ وَالنَّسَائِيّ من طَرِيق الزُّهْرِيّ عَن
أبي سَلمَة عَن عَائِشَة أَن أَبَا بكر أقبل على فرس من
مَسْكَنه بالسنح حَتَّى نزل فَدخل الْمَسْجِد فَلم يكلم
النَّاس حَتَّى دخل على عَائِشَة فَتَيَمم رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ مغشى بِثَوْب حبرَة فكشف عَن وَجهه
ثمَّ أكب عَلَيْهِ وَقَبله وَبكى ثمَّ قَالَ: بِأبي أَنْت
وَأمي وَالله لَا يجمع الله عَلَيْك موتتين وَأما الموتة
الَّتِي كتبت عَلَيْك فقد متها
قَالَ الزُّهْرِيّ: وحَدثني أَبُو سَلمَة عَن ابْن عَبَّاس أَن
أَبَا بكر خرج وَعمر يكلم النَّاس فَقَالَ: اجْلِسْ يَا عمر
وَقَالَ أَبُو بكر: أما بعد من كَانَ يعبد مُحَمَّدًا فَإِن
مُحَمَّدًا قد مَاتَ وَمن كَانَ يعبد الله فَإِن الله
(2/336)
حَيّ لَا يَمُوت
قَالَ الله {وَمَا مُحَمَّد إِلَّا رَسُول} إِلَى قَوْله
{الشَّاكِرِينَ} فَقَالَ: فوَاللَّه لَكَانَ النَّاس لم
يعلمُوا أَن الله أنزل هَذِه الْآيَة حَتَّى تَلَاهَا أَبُو
بكر فَتَلَاهَا النَّاس مِنْهُ كلهم
فَمَا أسمع بشرا من النَّاس إِلَّا يتلوها
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: لما توفّي
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَامَ عمر بن الْخطاب
فَقَالَ: إِن رجَالًا من الْمُنَافِقين يَزْعمُونَ أَن رَسُول
اله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم توفّي وَإِن رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم - وَالله - مَا مَاتَ وَلَكِن ذهب إِلَى ربه
كَمَا ذهب مُوسَى بن عمرَان فقد غَابَ عَن قومه أَرْبَعِينَ
لَيْلَة ثمَّ رَجَعَ إِلَيْهِم بعد أَن قيل قد مَاتَ
وَالله ليرجعن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَمَا
رَجَعَ مُوسَى فليقطعن أَيدي رجال وأرجلهم زَعَمُوا أَن رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَاتَ
فَخرج أَبُو بكر فَقَالَ: على رسلك يَا عمر انصت
فَحَمدَ الله وَأثْنى عَلَيْهِ ثمَّ قَالَ: أَيهَا النَّاس
أَنه من كَانَ يعبد مُحَمَّدًا فَإِن مُحَمَّدًا قد مَاتَ وَمن
كَانَ يعبد الله فَإِن الله حَيّ لَا يَمُوت
ثمَّ تَلا هَذِه الْآيَة {وَمَا مُحَمَّد إِلَّا رَسُول}
الْآيَة
فوَاللَّه لَكَانَ النَّاس لم يعلمُوا أَن هَذِه الْآيَة نزلت
حَتَّى تَلَاهَا أَبُو بكر يَوْمئِذٍ وَأخذ النَّاس عَن أبي
بكر فَإِنَّمَا هِيَ فِي أَفْوَاههم
قَالَ عمر: فوَاللَّه مَا هُوَ إِلَّا أَن سَمِعت أَبَا بكر
تَلَاهَا فعقرت حَتَّى وَقعت إِلَى الأَرْض مَا تحملنِي رجلاي
وَعرفت أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد مَاتَ
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن عُرْوَة قَالَ: لما
توفّي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَامَ عمر بن الْخطاب
فتوعد من قَالَ قد مَاتَ بِالْقَتْلِ وَالْقطع فجَاء أَبُو بكر
فَقَامَ إِلَى جَانب الْمِنْبَر وَقَالَ: إِن الله نعى
نَبِيكُم إِلَى نَفسه وَهُوَ حَيّ بَين أظْهركُم ونعاكم إِلَى
أَنفسكُم فَهُوَ الْمَوْت حَتَّى لَا يبْقى أحد إِلَّا الله
قَالَ الله {وَمَا مُحَمَّد إِلَّا رَسُول} إِلَى قَوْله
{الشَّاكِرِينَ} فَقَالَ عمر: هَذِه الْآيَة فِي الْقُرْآن
وَالله مَا علمت أَن هَذِه الْآيَة أنزلت قبل الْيَوْم
وَقَالَ: قَالَ الله لمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (إِنَّك
ميت وَإِنَّهُم ميتون) (الزمر الْآيَة 30)
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ من طَرِيق ابْن عَبَّاس
إِن عمر بن الْخطاب قَالَ: كنت أتأوّل هَذِه الْآيَة
(وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أمة وسطا لِتَكُونُوا شُهَدَاء على
النَّاس وَيكون الرَّسُول عَلَيْكُم شَهِيدا) (الْبَقَرَة
الْآيَة 143) فوَاللَّه إِن كنت لأَظُن أَنه سَيبقى فِي أمته
حَتَّى يشْهد عَلَيْهَا بآخر أَعمالهَا وَأَنه هُوَ الَّذِي
حَملَنِي على أَن قلت مَا قلت
(2/337)
وأخرح ابْن جرير عَن عَليّ بن أبي طَالب
فِي قَوْله {وسيجزي الله الشَّاكِرِينَ} قَالَ: الثابتين على
دينهم
أَبَا بكر وَأَصْحَابه فَكَانَ عَليّ يَقُول: كَانَ أَبُو بكر
أَمِين الشَّاكِرِينَ
وأخرح الْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن الْحسن
بن مُحَمَّد قَالَ: قَالَ عمر: دَعْنِي يَا رَسُول الله أنزع
ثنيتي سُهَيْل بن عَمْرو فَلَا يقوم خَطِيبًا فِي قومه أبدا
فَقَالَ: دعها فلعلها أَن تسرك يَوْمًا
فَلَمَّا مَاتَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نفر أهل
مَكَّة فَقَامَ سُهَيْل عِنْد الْكَعْبَة فَقَالَ: من كَانَ
يعبد مُحَمَّدًا فَإِن مُحَمَّدًا قد مَاتَ وَالله حَيّ لَا
يَمُوت
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ
وَالْحَاكِم عَن ابْن عَبَّاس أَن عليا كَانَ يَقُول فِي
حَيَاة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَن الله يَقُول
{أَفَإِن مَاتَ أَو قتل انقلبتم على أعقابكم} وَالله لَا ننقلب
على أعقابنا بعد إِذْ هدَانَا الله وَالله لَئِن مَاتَ أَو قتل
لأقاتلن على مَا قَاتل عَلَيْهِ حَتَّى أَمُوت
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن الزُّهْرِيّ قَالَ: لما نزلت هَذِه
الْآيَة (ليزدادوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانهم) (الْفَتْح
الْآيَة 4) قَالُوا: يَا رَسُول الله قد علمنَا أَن الْإِيمَان
يزْدَاد فَهَل ينقص قَالَ: أَي وَالَّذِي بَعَثَنِي بِالْحَقِّ
إِنَّه لينقص قَالُوا: يَا رَسُول الله فَهَل لذَلِك دلَالَة
فِي كتاب الله قَالَ: نعم
ثمَّ تَلا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَذِه الْآيَة
{وَمَا مُحَمَّد إِلَّا رَسُول قد خلت من قبله الرُّسُل
أَفَإِن مَاتَ أَو قتل انقلبتم على أعقابكم} فالإنقلاب
نُقْصَان وَلَا كفر
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن
إِسْحَق {وَمَا كَانَ لنَفس} الْآيَة أَي لمُحَمد صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم أجل هُوَ بالغه فَإِذا أذن الله فِي ذَلِك
كَانَ {وَمن يرد ثَوَاب الدُّنْيَا نؤته مِنْهَا} أَي من كَانَ
مِنْكُم يُرِيد الدُّنْيَا لَيست لَهُ رَغْبَة فِي الْآخِرَة
نؤته مَا قسم لَهُ فِيهَا من رزق وَلَا حَظّ لَهُ فِي
الْآخِرَة {وَمن يرد ثَوَاب الْآخِرَة} مِنْكُم {نؤته مِنْهَا}
مَا وعده مَعَ مَا يجْرِي عَلَيْهِ من رزقه فِي دُنْيَاهُ
وَذَلِكَ جَزَاء الشَّاكِرِينَ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عمر بن عبد الْعَزِيز فِي الْآيَة
قَالَ: لَا تَمُوت نفس وَلها فِي الدُّنْيَا عمر سَاعَة إِلَّا
بلغته
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن فِي قَوْله {وسنجزي
الشَّاكِرِينَ} قَالَ: يُعْطي الله العَبْد بنيته الدُّنْيَا
وَالْآخِرَة
(2/338)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن إِبْرَاهِيم
قَالَ: قَالَ أَبُو بكر: لومنعوني وَلَو عقَالًا أعْطوا رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لجاهدتهم
ثمَّ تَلا {وَمَا مُحَمَّد إِلَّا رَسُول قد خلت من قبله
الرُّسُل أَفَإِن مَاتَ أَو قتل انقلبتم على أعقابكم}
وَأخرج الْبَغَوِيّ فِي مُعْجَمه عَن إِبْرَاهِيم بن حَنْظَلَة
عَن أَبِيه أَن سالما مولى أبي حُذَيْفَة كَانَ مَعَه
اللِّوَاء يَوْم الْيَمَامَة فَقطعت يَمِينه فَأخذ اللِّوَاء
بيساره فَقطعت يسَاره فاعتنق اللِّوَاء وَهُوَ يَقُول {وَمَا
مُحَمَّد إِلَّا رَسُول قد خلت من قبله الرُّسُل أَفَإِن مَاتَ
أَو قتل انقلبتم على أعقابكم} الْآيَتَيْنِ
الْآيَات 146 - 148
(2/339)
وَكَأَيِّنْ مِنْ
نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا
لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا
اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ (146) وَمَا
كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا
ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ
أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ
(147) فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ
الْآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (148)
أخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد من
طَرِيق أبي عُبَيْدَة عَن ابْن مَسْعُود أَنه قَرَأَ {وكأين من
نَبِي قَاتل مَعَه ربيون} وَيَقُول أَلا ترى أَنه يَقُول
{فَمَا وهنوا لما أَصَابَهُم فِي سَبِيل الله}
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن
سعيد بن جُبَير أَنه كَانَ يَقُول: مَا سمعنَا قطّ أَن نَبيا
قتل فِي الْقِتَال
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد عَن الْحسن
وَإِبْرَاهِيم أَنَّهُمَا كَانَا يقرآن {قَاتل مَعَه}
وَأخرج عبد بن حميد عَن الضَّحَّاك أَنه قَرَأَ {وكأين من
نَبِي قَاتل مَعَه ربيون} بِغَيْر ألف
وَأخرج عَن عَطِيَّة
مثله
وَأخرج من طَرِيق زر عَن ابْن مَسْعُود مثله
أَنه كَانَ يَقْرَأها بِغَيْر ألف
(2/339)
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَطِيَّة أَنه
قَرَأَ وكأيِّن من نَبِي قتل مَعَه ربيون بِغَيْر ألف
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن
الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ عَن ابْن
مَسْعُود فِي قَوْله {ربيون} قَالَ: أُلُوف
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله {ربيون}
قَالَ: الربة الْوَاحِدَة ألف
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن الْمُنْذر من
طَرِيق عَليّ عَن ابْن عَبَّاس {ربيون} يَقُول: جموع
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور عَن الْحسن فِي قَوْله {ربيون} قَالَ:
فُقَهَاء عُلَمَاء قَالَ: وَقَالَ ابْن عَبَّاس: هِيَ الجموع
الْكَثِيرَة
وَأخرج ابْن الْأَنْبَارِي فِي الْوَقْف والابتداء والطستي فِي
مسَائِله عَن ابْن عَبَّاس إِن نَافِع بن الْأَزْرَق سَأَلَهُ
عَن قَوْله {ربيون} قَالَ: جموع قَالَ: وَهل يعرف الْعَرَب
ذَلِك قَالَ: نعم
أما سَمِعت قَول حسان: وَإِذا معشر تجافوا الْقَصْد أملنا
عَلَيْهِم ريبا وَأخرج ابْن جرير من طَرِيق سعيد بن جُبَير عَن
ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {ربيون كثير} قَالَ: عُلَمَاء كثير
وَأخرج من طَرِيق الْعَوْفِيّ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله
{ربيون كثير} قَالَ الربيون هم الجموع الْكَثِيرَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن
الْحسن {ربيون} قَالَ: عُلَمَاء كثير
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن زيد قَالَ الربيون الأتباع
والربانيون الْوُلَاة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وكأين من
نَبِي قَاتل} الْآيَة
قَالَ: هم قوم قتل نَبِيّهم فَلم يضعفوا وَلم يستكينوا لقتل
نَبِيّهم
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس {فَمَا وهنوا لما
أَصَابَهُم فِي سَبِيل الله} لقتل أَنْبِيَائهمْ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي مَالك {فَمَا وهنوا لما
أَصَابَهُم فِي سَبِيل الله} يَعْنِي فَمَا عجزوا عَن عدوهم
(2/340)
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم
وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة فِي قَوْله {فَمَا وهنوا}
الْآيَة
يَقُول: فَمَا عجزوا وَمَا تضعضعوا لقتل نَبِيّهم {وَمَا
اسْتَكَانُوا} يَقُول: مَا ارْتَدُّوا عَن بصيرتهم وَلَا عَن
دينهم إِن قَاتلُوا على مَا قَاتل عَلَيْهِ نَبِي الله حَتَّى
لَحِقُوا بِاللَّه
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن
عَبَّاس فِي قَوْله {وَمَا اسْتَكَانُوا} قَالَ {وَمَا
اسْتَكَانُوا} قَالَ: تخشعوا
وَأخرج ابْن جرير عَن السّديّ {وَمَا اسْتَكَانُوا} يَقُول:
مَا ذلوا
وَأخرج عَن ابْن زيد {وَمَا اسْتَكَانُوا} قَالَ: مَا
اسْتَكَانُوا لعدوهم
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم من طَرِيق عَن ابْن
عَبَّاس فِي قَوْله {وإسرافنا فِي أمرنَا} قَالَ: خطايانا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن
مُجَاهِد فِي قَوْله {وإسرافنا فِي أمرنَا} قَالَ: خطايانا
وظلمنا أَنْفُسنَا
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله
{وإسرافنا فِي أمرنَا} يَعْنِي الْخَطَايَا الْكِبَار
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي قَوْله
{فآتاهم الله ثَوَاب الدُّنْيَا} قَالَ: النَّصْر وَالْغنيمَة
{وَحسن ثَوَاب الْآخِرَة} قَالَ: رضوَان الله وَرَحمته
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن
قَتَادَة {فآتاهم الله ثَوَاب الدُّنْيَا} الْفَلاح والظهور
والتمكن والنصر على عدوهم فِي الدُّنْيَا {وَحسن ثَوَاب
الأخرة} هِيَ الْجنَّة
الْآيَتَانِ 149 - 150
(2/341)
يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا
يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ
(149) بَلِ اللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ
(150)
أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن
أبي حَاتِم عَن ابْن جريج فِي قَوْله {يَا أَيهَا الَّذين
آمنُوا إِن تطيعوا الَّذين كفرُوا}
(2/341)
الْآيَة
لَا تنتصحوا الْيَهُود وَالنَّصَارَى عَن دينكُمْ وَلَا
تُصَدِّقُوهُمْ بِشَيْء فِي دينكُمْ
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله
{يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِن تطيعوا الَّذين كفرُوا}
الْآيَة
يَقُول: إِن تطيعوا أَبَا سُفْيَان بن حَرْب يردوكم كفَّارًا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عَليّ بن أبي طَالب أَنه سُئِلَ
عَن هَذِه الْآيَة {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِن تطيعوا
الَّذين كفرُوا يردوكم على أعقابكم} التَّعَرُّب فَقَالَ
عَليّ: بل هُوَ الزَّرْع
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَمْرو قَالَ: أَلا أخْبركُم
بالمرتد على عَقِبَيْهِ الَّذِي يَأْخُذ الْعَطاء ويغزو فِي
سَبِيل الله ثمَّ يدع ذَلِك وَيَأْخُذ الأَرْض بالجزية والرزق
فَذَلِك الَّذِي يرْتَد على عَقِبَيْهِ
الْآيَة 151
(2/342)
سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ
الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا
لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ
وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ (151)
أخرج ابْن جرير عَن السّديّ قَالَ: لما
ارتحل أَبُو سُفْيَان وَالْمُشْرِكُونَ يَوْم أحد متوجهين
نَحْو مَكَّة انْطلق أَبُو سُفْيَان حَتَّى بلغ بعض الطَّرِيق
ثمَّ إِنَّهُم ندموا فَقَالُوا: بئْسَمَا صَنَعْتُم إِنَّكُم
قَتَلْتُمُوهُمْ حَتَّى لم يبْق إِلَّا الشريد تركتموهم
إرجعوا فاستأصلوا
فقذف الله فِي قُلُوبهم الرعب فَانْهَزَمُوا فَلَقوا
أَعْرَابِيًا فَجعلُوا لَهُ عجلا فَقَالُوا لَهُ: إِن لقِيت
مُحَمَّدًا فَأخْبرهُم بِمَا قد جَمعنَا لَهُم
فاخبر الله رَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فطلبهم حَتَّى بلغ
حَمْرَاء الْأسد
فَأنْزل الله فِي ذَلِك فَذكر أَبَا سُفْيَان حِين أَرَادَ أَن
يرجع إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمَا قذف فِي
قلبه من الرعب فَقَالَ {سنلقي فِي قُلُوب الَّذين كفرُوا
الرعب} الْآيَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي هَذِه الْآيَة
قَالَ قذف الله فِي قلب أبي سُفْيَان الرعب فَرجع إِلَى مَكَّة
فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن أَبَا سُفْيَان
قد أصَاب مِنْكُم طرفا وَقد رَجَعَ وَقذف الله فِي قلبه الرعب
(2/342)
وَأخرج مُسلم عَن أبي هُرَيْرَة: أَن
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: نصرت بِالرُّعْبِ
على العدوّ
وَأخرج أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ وَصَححهُ وَابْن الْمُنْذر
وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن أبي أُمَامَة
أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: فضلت على
الْأَنْبِيَاء بِأَرْبَع: أرْسلت إِلَى النَّاس كَافَّة وَجعلت
لي الأَرْض كلهَا ولأمتي مَسْجِدا وَطهُورًا فأينما رجل
أدْركهُ من أمتِي الصَّلَاة فَعنده مَسْجده وَعِنْده طهوره
ونُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مسيرَة شهر يقذفه فِي قُلُوب أعدائي
وَأحل لنا الْغَنَائِم
الْآيَة 152
(2/343)
وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ
اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا
فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ
بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ
الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ثُمَّ
صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ
وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (152)
أخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن
عُرْوَة قَالَ: كَانَ الله وعدهم على الصَّبْر وَالتَّقوى أَن
يمدهُمْ بِخَمْسَة آلَاف من الْمَلَائِكَة مسوّمين وَكَانَ قد
فعل فَلَمَّا عصوا أَمر الرَّسُول وَتركُوا مَصَافهمْ وَتركت
الرُّمَاة عهد الرَّسُول إِلَيْهِم أَن لَا يبرحوا مَنَازِلهمْ
وَأَرَادُوا الدُّنْيَا رفع عَنْهُم مدد الْمَلَائِكَة وَأنزل
الله {وَلَقَد صدقكُم الله وعده إِذْ تحسونهم بِإِذْنِهِ}
فَصدق الله وعده وأراهم الْفَتْح فَلَمَّا عصوا أعقبهم
الْبلَاء
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي
قَوْله {وَلَقَد صدقكُم الله وعده} الْآيَة
قَالَ إِن أَبَا سُفْيَان أقبل فِي ثَلَاث لَيَال خلون من
شَوَّال حَتَّى نزل أحدا وَخرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم فَأذن فِي النَّاس فَاجْتمعُوا وَأمر على الْخَيل الزبير
بن العوّام وَمَعَهُ يَوْمئِذٍ الْمِقْدَاد بن الْأسود
الْكِنْدِيّ وَأعْطى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
اللِّوَاء رجلا من قُرَيْش يُقَال لَهُ مُصعب بن عُمَيْر وَخرج
حَمْزَة بن عبد الْمطلب بالجيش وَبعث حَمْزَة بَين يَدَيْهِ
وَأَقْبل خَالِد بن الْوَلِيد على خيل الْمُشْركين وَمَعَهُ
عِكْرِمَة بن أبي جهل فَبعث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم الزبير وَقَالَ: اسْتقْبل خَالِد بن الْوَلِيد
(2/343)
فَكُن بإزائه حَتَّى أوذنك وَأمر بخيل
أُخْرَى فَكَانُوا من جَانب آخر فَقَالَ: لَا تَبْرَحُوا
حَتَّى أوذنكم وَأَقْبل أَبُو سُفْيَان يحمل اللات والعزى
فَأرْسل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الزبير أَن
يحمل فَحمل على خَالِد بن الْوَلِيد فَهَزَمَهُ وَمن مَعَه
فَقَالَ {وَلَقَد صدقكُم الله وعده إِذْ تحسونهم بِإِذْنِهِ}
وَأَن الله وعدالمؤمنين أَن ينصرهم وَأَنه مَعَهم وَأَن رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعث بَعْضًا من النَّاس
فَكَانُوا من ورائهم فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم: كونُوا هَهُنَا فَردُّوا وَجه من نَدَّ مِنَّّا
وَكُونُوا حرساً لنا من قبل ظُهُورنَا
وَأَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما هزم الْقَوْم
هُوَ وَأَصْحَابه الَّذين كَانُوا جعلُوا من ورائهم فَقَالَ
بَعضهم لبَعض لما رَأَوْا النِّسَاء مصعدات فِي الْجَبَل
وَرَأَوا الْغَنَائِم: انْطَلقُوا إِلَى رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم فأدركوا الْغَنِيمَة قبل أَن تستبقوا إِلَيْهَا
وَقَالَت طَائِفَة أُخْرَى: بل نطيع رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم فنثبت مَكَاننَا
فَذَلِك قَوْله {مِنْكُم من يُرِيد الدُّنْيَا} للَّذين
أَرَادوا الْغَنِيمَة {ومنكم من يُرِيد الْآخِرَة} للَّذين
قَالُوا: نطيع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَنثْبت
مَكَاننَا
فاتوا مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَكَانَ فشلاً حِين
تنازعوا بَينهم يَقُول {وعصيتم من بعد مَا أَرَاكُم مَا تحبون}
كَانُوا قد رَأَوْا الْفَتْح وَالْغنيمَة
وَأخرج أَحْمد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم
وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي
الدَّلَائِل عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَالَ مَا نصر الله نبيه
فِي موطن كَمَا نصر يَوْم أحد فانكروا
فَقَالَ ابْن عَبَّاس: بيني وَبَين من أنكر ذَلِك كتاب الله
إِن الله يَقُول فِي يَوْم أحد {وَلَقَد صدقكُم الله وعده إِذْ
تحسونهم بِإِذْنِهِ} يَقُول ابْن عَبَّاس: والْحس: الْقَتْل
{حَتَّى إِذا فشلتم} إِلَى قَوْله {وَلَقَد عَفا عَنْكُم
وَالله ذُو فضل على الْمُؤمنِينَ} وَإِنَّمَا عَنى هَذَا
الرُّمَاة وَذَلِكَ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
أقامهم فِي مَوضِع ثمَّ قَالَ: احموا ظُهُورنَا فَإِن
رَأَيْتُمُونَا نقْتل فَلَا تنصرونا وَإِن رَأَيْتُمُونَا قد
غنمنا فَلَا تشركونا
فَلَمَّا غنم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وأباحوا
عَسْكَر الْمُشْركين انكفأت الرُّمَاة جَمِيعًا فَدَخَلُوا فِي
الْعَسْكَر ينتهبون والتفت صُفُوف الْمُسلمين فهم هَكَذَا -
وَشَبك بَين يَدَيْهِ - والتبسوا فَلَمَّا أخل الرُّمَاة
تِلْكَ الْخلَّة الَّتِي كَانُوا فِيهَا دخل الْخَيل من ذَلِك
الْموضع على الصَّحَابَة فَضرب بَعضهم بَعْضًا والتبسوا وَقتل
من الْمُسلمين نَاس كثير وَقد كَانَ لرَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه أول النَّهَار حَتَّى قتل من
أَصْحَاب لِوَاء الْمُشْركين سَبْعَة أَو تِسْعَة وجال
(2/344)
الْمُسلمُونَ جَوْلَة نَحْو الْجَبَل وَلم
يبلغُوا حَيْثُ يَقُول النَّاس: الغاب
إِنَّمَا كَانُوا تَحت المهراس وَصَاح الشَّيْطَان قتل
مُحَمَّد فَلم يشك فِيهِ أَنه حق
فَمَا زلنا كَذَلِك مَا نشك أَنه قتل حَتَّى طلع بَين السعدين
نعرفه بتكفؤه إِذا مَشى ففرحنا حَتَّى كَأَنَّهُ لم يصبنا مَا
أَصَابَنَا فَرَقِيَ نحونا وَهُوَ يَقُول: اشْتَدَّ غضب الله
على قوم دموا وَجه نَبِيّهم وَيَقُول مرّة أُخْرَى: اللَّهُمَّ
إِنَّه لَيْسَ لَهُم أَن يعلونا حَتَّى انْتهى إِلَيْنَا
فَمَكثَ سَاعَة فَإِذا أَبُو سُفْيَان يَصِيح فِي أَسْفَل
الْجَبَل: أعل هُبل أعل هُبل
أَيْن ابْن أبي كَبْشَة أَيْن ابْن أبي قُحَافَة أَيْن ابْن
الْخطاب فَقَالَ عمر: أَلا أجيبة يَا رَسُول الله قل: بلَى
فَلَمَّا قَالَ: أعل هُبل
قَالَ عمر: الله أَعلَى وَأجل
فَعَاد فَقَالَ: أَيْن ابْن أبي كَبْشَة أَيْن ابْن أبي
قُحَافَة فَقَالَ عمر: هَذَا رَسُول الله وَهَذَا أَبُو بكر
وَهَا أَنا عمر
فَقَالَ: يَوْم بِيَوْم بدر الْأَيَّام دوَل وَالْحَرب سِجَال
فَقَالَ عمر: لَا سَوَاء
قَتْلَانَا فِي الْجنَّة وَقَتلَاكُمْ فِي النَّار قَالَ:
إِنَّكُم لَتَزْعُمُونَ ذَلِك لقد خبْنا إِذن وَخَسِرْنَا
ثمَّ أَدْرَكته حمية الْجَاهِلِيَّة فَقَالَ: أما انه كَانَ
ذَلِك وَلم نكرهه
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن
مَسْعُود قَالَ إِن النِّسَاء كن يَوْم أحد خلف الْمُسلمين
يجهزن على جرحى الْمُشْركين فَلَو حَلَفت يَوْمئِذٍ رَجَوْت
أَن أبرَّ أَنه لَيْسَ أحد منا يُرِيد الدُّنْيَا حَتَّى أنزل
الله {مِنْكُم من يُرِيد الدُّنْيَا ومنكم من يُرِيد
الْآخِرَة} فَلَمَّا خَالف أَصْحَاب النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم وعصوا مَا أمروا بِهِ أفرد رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم فِي تِسْعَة
سَبْعَة من الْأَنْصَار وَرجلَيْنِ من قُرَيْش
وَهُوَ عَاشر فَلَمَّا رهقوه قَالَ: رحم الله رجلا ردهم عَنَّا
فَقَامَ رجل من الْأَنْصَار فقاتل سَاعَة حَتَّى قتل فَلَمَّا
رهقوه أَيْضا قَالَ: رحم الله رجلا ردهم عَنَّا فَلم يزل
يَقُول ذَا حَتَّى قتل السَّبْعَة فَقَالَ رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم لصاحبيه: مَا أنصفنا أَصْحَابنَا
فجَاء أبوسفيان فَقَالَ: أعل هُبل فَقَالَ رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم: قُولُوا الله أَعلَى وَأجل
فَقَالُوا: الله أَعلَى وَأجل
فَقَالَ أَبُو سُفْيَان: لنا الْعُزَّى وَلَا عُزّى لكم
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: قُولُوا
اللَّهُمَّ مَوْلَانَا والكافرون لَا مولى لَهُم
ثمَّ قَالَ أَبُو سُفْيَان: يَوْم بِيَوْم بدر يَوْم لنا
وَيَوْم علينا وَيَوْم نسَاء وَيَوْم نسر حَنْظَلَة بحنظلة
وَفُلَان بفلان
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا سَوَاء
أما قَتْلَانَا فأحياء يرْزقُونَ وَقَتلَاكُمْ فِي النَّار
يُعَذبُونَ
قَالَ أَبُو سُفْيَان: قد كَانَ فِي الْقَوْم مثلَة وَإِن
كَانَت على غير تَوْجِيه منا مَا
(2/345)
أمرت وَلَا نهيت وَلَا أَحْبَبْت وَلَا
كرهت وَلَا سَاءَنِي وَلَا سرني
قَالَ: فنظروا فَإِذا حَمْزَة قد بقر بَطْنه وَأخذت هِنْد كبده
فلاكتها فَلم تستطع أَن تأكلها
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أكلت شَيْئا
قَالُوا: لَا
قَالَ: مَا كَانَ الله ليدْخل شَيْئا من حَمْزَة النَّار
فَوضع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَمْزَة فصلى
عَلَيْهِ وَجِيء بِرَجُل من الْأَنْصَار فَوضع إِلَى جنبه فصلى
عَلَيْهِ فَرفع الْأنْصَارِيّ وَترك حَمْزَة ثمَّ جِيءَ بآخر
فَوَضعه إِلَى جنب حَمْزَة فصلى عَلَيْهِ ثمَّ رفع وَترك
حَمْزَة حَتَّى صلى عَلَيْهِ يَوْمئِذٍ سَبْعُونَ صَلَاة
وَأخرج أَحْمد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَالنَّسَائِيّ وَابْن
جرير وَابْن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن
الْبَراء بن عَازِب قَالَ جعل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم على الرُّمَاة يَوْم أحد - وَكَانُوا خمسين رجلا - عبد
الله بن جُبَير ووضعهم موضعا وَقَالَ: ان رَأَيْتُمُونَا
تخطفنا الطير فَلَا تَبْرَحُوا حَتَّى أرسل إِلَيْكُم فهزموهم
قَالَ: فَأَنا - وَالله - رَأَيْت النِّسَاء يشتددن على
الْجَبَل وَقد بَدَت أسوقهن وخلاخلهن رافعات ثيابهن
فَقَالَ أَصْحَاب عبد الله: الْغَنِيمَة أَي قوم الْغَنِيمَة
ظهر أصحابكم فَمَا تنتظرون قَالَ عبد الله بن جُبَير: أفنسيتم
مَا قَالَ لكم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالُوا:
إِنَّا وَالله لَنَاْتِيَنَّ النَّاس فَلْنصِيبَنَّ من
الْغَنِيمَة
فَلَمَّا أتوهم صرفت وُجُوههم فاقبلوا منهزمين فَذَلِك الَّذِي
يَدعُوهُم الرَّسُول فِي أخراهم فَلم يبْق مَعَ رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم غير اثْنَي عشر رجلا
فَأَصَابُوا منا سبعين وَكَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم وَأَصْحَابه أصَاب من الْمُشْركين يَوْم بدر أَرْبَعِينَ
وَمِائَة
سبعين أَسِيرًا وَسبعين قَتِيلا
قَالَ أَبُو سُفْيَان: أَفِي الْقَوْم مُحَمَّد ثَلَاثًا
فنهاهم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يُجِيبُوهُ
ثمَّ قَالَ: أَفِي الْقَوْم ابْن أبي قُحَافَة مرَّتَيْنِ
أَفِي الْقَوْم ابْن الْخطاب مرَّتَيْنِ ثمَّ أقبل على
أَصْحَابه فَقَالَ: أما هَؤُلَاءِ فقد قتلوا وَقد كفيتموهم
فَمَا ملك عمر نَفسه أَن قَالَ: كذبت - وَالله - يَا عَدو الله
إِن الَّذين عددت أَحيَاء كلهم وَقد بَقِي لَك مَا يسوءك
قَالَ: يَوْم بِيَوْم بدر وَالْحَرب سِجَال إِنَّكُم
سَتَجِدُونَ فِي الْقَوْم مثلَة لم آمُر بهَا وَلم تسؤني
ثمَّ أَخذ يرتجز: أعل هُبل فَقَالَ رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم: أَلا تجيبونه قَالُوا: يَا رَسُول الله مَا
نقُول قَالَ قُولُوا: الله أَعلَى وَأجل
قَالَ: إِن لنا الْعُزَّى وَلَا عزى لكم
قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَلا تجيبونه
قَالُوا: يَا رَسُول الله وَمَا نقُول قَالَ: قُولُوا: الله
مَوْلَانَا وَلَا مولى لكم
(2/346)
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن
جَابر قَالَ انهزم النَّاس عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم يَوْم أحد وَبَقِي مَعَه أحد عشر رجلا من الْأَنْصَار
وَطَلْحَة بن عبيد الله وَهُوَ يصعد فِي الْجَبَل فلحقهم
الْمُشْركُونَ فَقَالَ: الا أحد لهَؤُلَاء فَقَالَ طَلْحَة:
أَنا يَا رَسُول الله فَقَالَ: كَمَا أَنْت يَا طَلْحَة
فَقَالَ رجل من الْأَنْصَار: فَأَنا يَا رَسُول الله فقاتل
عَنهُ وَصعد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمن بَقِي
مَعَه ثمَّ قتل الْأنْصَارِيّ فلحقوه فَقَالَ: أَلا رجل
لهَؤُلَاء فَقَالَ طَلْحَة مثل قَوْله فَقَالَ رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم مثل قَوْله فَقَالَ رجل من الْأَنْصَار:
فَأَنا يَا رَسُول الله وَأَصْحَابه يصعدون ثمَّ قتل
فلحقوه فَلم يزل يَقُول مثل قَوْله الأول وَيَقُول طَلْحَة
أَنا يَا رَسُول الله فيحبسه فيستأذنه رجل من الْأَنْصَار
لِلْقِتَالِ فَيَأْذَن لَهُ فَيُقَاتل مثل من كَانَ قبله
حَتَّى لم يبْق مَعَه إِلَّا طَلْحَة فغشوهما فَقَالَ رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من لهَؤُلَاء فَقَالَ طَلْحَة:
أَنا
فقاتل مثل قتال جَمِيع من كَانَ قبله وَأُصِيبَتْ أنامله
فَقَالَ: حس
فَقَالَ: لَو قلت بِسم الله أَو ذكرت اسْم الله لَرَفَعَتْك
الْمَلَائِكَة وَالنَّاس ينظرُونَ إِلَيْك فِي جوّ السَّمَاء
ثمَّ صعد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى أَصْحَابه
وهم مجتمعون
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن عبد الرَّحْمَن بن
عَوْف فِي قَوْله {إِذْ تحسُّونهم بِإِذْنِهِ} قَالَ: الْحس
الْقَتْل
وَأخرج عبد بن حميد عَن ابْن عَبَّاس
مثله
وَأخرج ابْن جرير من طَرِيق عَليّ عَن ابْن عَبَّاس {إِذْ
تحسونهم} قَالَ: تقتلونهم
وَأخرج الطستي فِي مسَائِله عَن ابْن عَبَّاس إِن نَافِع بن
الْأَزْرَق سَأَلَهُ عَن قَوْله {إِذْ تحسُّونهم} قَالَ:
تقتلونهم قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم
أما سَمِعت قَول الشَّاعِر: وَمنا الَّذِي لَاقَى بِسيف
مُحَمَّد فحس بِهِ الْأَعْدَاء عرض العساكر وَأخرج
الطَّبَرَانِيّ عَن ابْن عَبَّاس أَن نَافِع بن الْأَزْرَق
قَالَ لَهُ: أَخْبرنِي عَن قَول الله {إِذْ تحسونهم
بِإِذْنِهِ} قَالَ: تقتلونهم قَالَ: وَهل كَانَت الْعَرَب تعرف
ذَلِك قبل أَن ينزل الْكتاب على مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم قَالَ: نعم
أما سَمِعت قَول عتبَة اللَّيْثِيّ: نحسهم بالبيض حَتَّى كأننا
نفلق مِنْهُم بالجماجم حنظلا وَأخرج ابْن جرير وَابْن
الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس {حَتَّى إِذا فشلتم} قَالَ: الفشل
الْجُبْن
(2/347)
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن
الرّبيع {حَتَّى إِذا فشلتم} يَقُول: جبنتم عَن عَدوكُمْ
{وتنازعتم فِي الْأَمر} يَقُول: اختلفتم وعصيتم {من بعد مَا
أَرَاكُم مَا تحبون} وَذَلِكَ يَوْم أُحُد قَالَ لَهُم:
إِنَّكُم ستظهرون فَلَا أعرِفَنَّ مَا أصبْتُم من غنائمهم
شَيْئا حَتَّى تفرغوا
فتركوا أَمر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وعصوا ووقعوا
فِي الْغَنَائِم ونسوا عَهده الَّذِي عَهده إِلَيْهِم وخالفوا
إِلَى غير مَا أَمرهم بِهِ فنصر عَلَيْهِم عدوّهم من بعد مَا
أَرَاهُم فيهم مَا يحبونَ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن سعيد بن عبد
الرَّحْمَن بن ابزى فِي قَوْله {حَتَّى إِذا فشلتم} قَالَ:
كَانَ وضع خمسين رجلا من أَصْحَابه عَلَيْهِم عبيد الله بن
خَوات فجعلهم بِإِزَاءِ خَالِد بن الْوَلِيد على خيل
الْمُشْركين فَلَمَّا هزم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
النَّاس قَالَ نصف أُولَئِكَ: نَذْهَب حَتَّى نلحق بِالنَّاسِ
وَلَا تفوتنا الْغَنَائِم وَقَالَ بَعضهم: قد عهد إِلَيْنَا
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن لَا نريم حَتَّى يحدث
إِلَيْنَا
فَلَمَّا رأى خَالِد بن الْوَلِيد رقتهم حمل عَلَيْهِم
فَقَاتلُوا خَالِدا حَتَّى مَاتُوا ربضة فَأنْزل الله فيهم
{وَلَقَد صدقكُم الله وعده} إِلَى قَوْله {وعصيتم} فَجعل
أُولَئِكَ الَّذين انصرفوا عصاة
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن الْبَراء بن عَازِب {من بعد مَا
أَرَاكُم مَا تحبون} الْغَنَائِم وهزيمة الْقَوْم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد {من بعد
مَا أَرَاكُم مَا تحبون} قَالَ: نصر الله الْمُؤمنِينَ على
الْمُشْركين حَتَّى ركب نسَاء الْمُشْركين على كل صَعب
وَذَلُول ثمَّ أديل عَلَيْهِم الْمُشْركُونَ بعصيتهم للنَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج ابْن جرير عَن الضَّحَّاك قَالَ: إِن نَبِي الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم أَمر يَوْم أحد طَائِفَة من الْمُسلمين
فَقَالَ: كونُوا مسلحة للنَّاس بِمَنْزِلَة أَمرهم أَن يثبتوا
بهَا وَأمرهمْ أَن لَا يبرحوا مكانهم حَتَّى يَأْذَن لَهُم
فَلَمَّا لَقِي نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم أحد
أَبَا سُفْيَان وَمن مَعَه من الْمُشْركين هَزَمَهُمْ نَبِي
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَمَّا رأى المسلحة أَن الله
هزم الْمُشْركين انْطلق بَعضهم يتنادون الْغَنِيمَة
الْغَنِيمَة
لَا تفتكم وَثَبت بَعضهم مكانهم وَقَالُوا لَا نريم موضعنا
حَتَّى يَأْذَن لنا نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فَفِي ذَلِك نزل {مِنْكُم من يُرِيد الدُّنْيَا ومنكم من
يُرِيد الْآخِرَة} فَكَانَ ابْن مَسْعُود يَقُول: مَا شَعرت
أَن أحدا من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ
يُرِيد الدُّنْيَا وعرضها حَتَّى كَانَ يَوْم أحد
(2/348)
وَأخرج ابْن جرير من طَرِيق ابْن جريج عَن
ابْن عَبَّاس قَالَ: لما هزم الله الْمُشْركين يَوْم أحد قَالَ
الرُّمَاة: أدركوا النَّاس وَنَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم لَا يسبقونا إِلَى الْغَنَائِم فَتكون لَهُم دونكم
وَقَالَ بَعضهم: لَا نريم حَتَّى يَأْذَن لنا النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم فَنزلت {مِنْكُم من يُرِيد الدُّنْيَا
ومنكم من يُرِيد الْآخِرَة} قَالَ ابْن جريج: قَالَ ابْن
مَسْعُود: مَا علمنَا أَن أحدا من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يُرِيد الدُّنْيَا وعرضها حَتَّى كَانَ
يَوْمئِذٍ
وَأخرج أَحْمد وَابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم
وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَالْبَيْهَقِيّ بِسَنَد
صَحِيح عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: مَا كنت أرى أَن أحدا من
أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُرِيد
الدُّنْيَا حَتَّى نزلت فِينَا يَوْم أحد {مِنْكُم من يُرِيد
الدُّنْيَا ومنكم من يُرِيد الْآخِرَة}
وَأخرج ابْن جرير عَن الْحسن فِي قَوْله {ثمَّ صرفكم عَنْهُم}
قَالَ: صرف الْقَوْم عَنْهُم فَقتل من الْمُسلمين بعدة من
أَسرُّوا يَوْم بدر وَقتل عَم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم وَكسرت رباعيته وشج فِي وَجهه فَقَالُوا: أَلَيْسَ كَانَ
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وعدنا النَّصْر فَأنْزل
الله {وَلَقَد صدقكُم الله وعده} إِلَى قَوْله {وَلَقَد عَفا
عَنْكُم}
وَأخرج ابْن جرير عَن الْحسن فِي قَوْله {وَلَقَد عَفا
عَنْكُم} قَالَ: يَقُول الله: قد عَفَوْت عَنْكُم إِذْ
عصيتموني أَن لَا أكون استأصلتكم ثمَّ يَقُول الْحسن:
هَؤُلَاءِ مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَفِي
سَبِيل الله غضاب لله يُقَاتلُون أَعدَاء الله نهوا عَن شَيْء
فضيعوه فوَاللَّه مَا تركُوا حَتَّى غموا بِهَذَا الْغم قتل
مِنْهُم سَبْعُونَ وَقتل عَم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم وَكسرت رباعيته وشج فِي وَجهه فأفسق الْفَاسِقين
الْيَوْم يتجرأ على كل كَبِيرَة ويركب كل داهية ويسحب
عَلَيْهَا ثِيَابه وَيَزْعُم أَن لَا بَأْس عَلَيْهِ فَسَوف
يعلم
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي قَوْله
{وَلَقَد عَفا عَنْكُم} قَالَ: إِذْ لم يستأصلكم
وَأخرج البُخَارِيّ عَن عُثْمَان بن موهب قَالَ: جَاءَ رجل
إِلَى ابْن عمر فَقَالَ: إِنِّي سَائِلك عَن شَيْء فَحَدثني
أنْشدك بِحرْمَة هَذَا الْبَيْت
أتعلم أَن عُثْمَان بن عَفَّان فر يَوْم أحد قَالَ: نعم
قَالَ: فتعلمه تغيب عَن بدر فَلم يشهدها قَالَ: نعم
قَالَ: فتعلم أَنه تخلف عَن بيعَة الرضْوَان فَلم يشهدها
قَالَ: نعم
فَكبر فَقَالَ ابْن عمر:
(2/349)
تعال لأخبرك ولأبين لَك عَمَّا سَأَلتنِي
عَنهُ
أما فراره يَوْم أحد فاشهد أَن الله عَفا عَنهُ
وَأما تغيبه عَن بدر فَإِنَّهُ كَانَ تَحْتَهُ بنت النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكَانَت مَرِيضَة فَقَالَ لَهُ
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن لَك أجر رجل وسهمه
وَأما تغيبه عَن بيعَة الرضْوَان فَلَو كَانَ أحد أعز بِبَطن
مَكَّة من عُثْمَان لبعثه مَكَانَهُ فَبعث عُثْمَان فَكَانَت
بيعَة الرضْوَان بَعْدَمَا ذهب عُثْمَان إِلَى مَكَّة فَقَالَ
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِيَدِهِ الْيُمْنَى فَضرب
بهَا على يَده فَقَالَ هَذِه يَد عُثْمَان اذْهَبْ بهَا الْآن
مَعَك
الْآيَة 153
(2/350)
إِذْ تُصْعِدُونَ
وَلَا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي
أُخْرَاكُمْ فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِكَيْلَا
تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا مَا أَصَابَكُمْ
وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (153)
أخرج ابْن جرير عَن الْحسن الْبَصْرِيّ
أَنه قَرَأَ {تصعدون} بِفَتْح التَّاء وَالْعين
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَاصِم أَنه قَرَأَ {تصعدون} بِرَفْع
التَّاء وَكسر الْعين
وَأخرج ابْن جرير عَن هرون قَالَ: فِي قِرَاءَة أبي كَعْب إِذْ
تصعدون فِي الْوَادي
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر من طَرِيق ابْن جريج عَن
ابْن عَبَّاس {إِذْ تصعدون} قَالَ: صعدوا فِي أحد فِرَارًا
يَدعُوهُم فِي اخراهم: إِلَيّ عباد الله ارْجعُوا إليّ عباد
الله ارْجعُوا
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن عَطِيَّة الْعَوْفِيّ قَالَ: لما
كَانَ يَوْم أحد وَانْهَزَمَ النَّاس صعدوا الْجَبَل
وَالرَّسُول يَدعُوهُم فِي أخراهم فَقَالَ الله {إِذْ تصعدون
وَلَا تلوون على أحد وَالرَّسُول يدعوكم فِي أخراكم}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن أَنه سُئِلَ عَن قَوْله
{إِذْ تصعدون} الْآيَة
قَالَ: فروا منهزمين فِي شعب شَدِيد لَا يلوون على أحد
وَالرَّسُول يَدعُوهُم فِي أخراهم: إليّ عباد الله إليّ عباد
الله
وَلَا يلوي عَلَيْهِ أحد
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة
فِي قَوْله {إِذْ تصعدون} الْآيَة
قَالَ: ذاكم يَوْم أحد صعدوا فِي الْوَادي فِرَارًا وَنَبِي
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَدعُوهُم فِي اخراهم: إِلَيّ
عباد الله إليّ عباد الله
(2/350)
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم من
طَرِيق الْعَوْفِيّ عَن ابْن عَبَّاس {إِذْ تصعدون وَلَا تلوون
على أحد وَالرَّسُول يدعوكم فِي أخراكم} فَرَجَعُوا وَقَالُوا:
وَالله لنأتينهم ثمَّ لنقتلهم
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مهلا فَإِنَّمَا
أَصَابَكُم الَّذِي أَصَابَكُم من أجل أَنكُمْ عصيتموني
فَبَيْنَمَا هم كَذَلِك إِذْ أَتَاهُم الْقَوْم وَقد أيسوا
وَقد اخترطوا سيوفهم {فأثابكم غماً بغمٍّ} فَكَانَ غمُّ
الْهَزِيمَة وغمُّهم حِين أتوهم {لكيلا تحزنوا على مَا فاتكم}
من الْغَنِيمَة {وَمَا أَصَابَكُم} من الْقَتْل والجراحة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف {فأثابكم
غما بغم} قَالَ: الْغم الأول بِسَبَب الْهَزِيمَة وَالثَّانِي
حِين قيل قتل مُحَمَّد
وَكَانَ ذَلِك عِنْدهم أعظم من الْهَزِيمَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي
حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {فأثابكم غماً بغم} قَالَ: فرة
بعد الفرة الأولى حِين سمعُوا الصَّوْت أَن مُحَمَّدًا قد قتل
فَرجع الْكفَّار فضربوهم مُدبرين حَتَّى قتلوا مِنْهُم سبعين
رجلا ثمَّ انحازوا إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فَجعلُوا يصعدون فِي الْجَبَل وَالرَّسُول يَدعُوهُم فِي
أخراهم
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن
قَتَادَة {فأثابكم غماً بغم} قَالَ: الْغم الأوّل الْجراح
وَالْقَتْل وَالْغَم الآخر حِين سمعُوا أَن النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم قد قتل
فأنساهم الْغم الآخر مَا أَصَابَهُم من الْجراح وَالْقَتْل
وَمَا كَانُوا يرجون من الْغَنِيمَة
وَذَلِكَ قَوْله {لكيلا تحزنوا على مَا فاتكم وَلَا مَا
أَصَابَكُم}
وَأخرج ابْن جرير عَن الرّبيع
مثله
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ قَالَ: انْطلق
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْمئِذٍ يَدْعُو النَّاس
حَتَّى انْتهى إِلَى أَصْحَاب الصَّخْرَة فَلَمَّا رَأَوْهُ
وضع رجل سَهْما فِي قوسه فَأَرَادَ أَن يرميه فَقَالَ: أَنا
رَسُول الله
فَفَرِحُوا بذلك حِين وجدوا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم حَيا وَفَرح رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين
رأى أَن فِي أَصْحَابه من يمْتَنع
فَلَمَّا اجْتَمعُوا وَفِيهِمْ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم حِين ذهب عَنْهُم الْحزن فَأَقْبَلُوا يذكرُونَ الْفَتْح
وَمَا فاتهم مِنْهُ ويذكرون أَصْحَابهم الَّذين قتلوا فَأقبل
أَبُو سُفْيَان حَتَّى أشرف عَلَيْهِم فَلَمَّا نظرُوا
إِلَيْهِ نسوا ذَلِك الَّذِي كَانُوا عَلَيْهِ وهمهم أَبُو
سُفْيَان فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيْسَ
لَهُم أَن يعلونا اللَّهُمَّ إِن تقتل هَذِه الْعِصَابَة لَا
تعبد
ثمَّ ندب أَصْحَابه فَرَمَوْهُمْ بِالْحِجَارَةِ حَتَّى
أنزلوهم فَذَلِك قَوْله {فأثابكم غماً بغم} الْغم الأوّل مَا
فاتهم من الْغَنِيمَة
(2/351)
وَالْفَتْح وَالْغَم الثَّانِي اشراف
العدوّ عَلَيْهِم {لكيلا تحزنوا على مَا فاتكم} من الْغَنِيمَة
{وَلَا مَا أَصَابَكُم} من الْقَتْل حِين تذكرُونَ فشغلهم
أَبُو سُفْيَان
وَأخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد قَالَ: أصَاب النَّاس حزن وغم
على مَا أَصَابَهُم فِي أَصْحَابهم الَّذين قتلوا فَلَمَّا
تولجوا فِي الشّعب وقف أَبُو سُفْيَان وَأَصْحَابه بِبَاب
الشّعب فَظن الْمُؤْمِنُونَ أَنهم سَوف يميلون عَلَيْهِم
فيقتلونهم أَيْضا فَأَصَابَهُمْ حزن من ذَلِك أنساهم حزنهمْ
فِي أَصْحَابهم
فَذَلِك قَوْله سُبْحَانَهُ {فأثابكم غماً بغم}
الْآيَة 154
(2/352)
ثُمَّ أَنْزَلَ
عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاسًا يَغْشَى
طَائِفَةً مِنْكُمْ وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ
أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ
الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ
شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي
أَنْفُسِهِمْ مَا لَا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ
لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا قُلْ لَوْ
كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ
عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ
اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي
قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (154)
أخرج ابْن جرير عَن السّديّ
أَن الْمُشْركين انصرفوا يَوْم أحد بعد الَّذِي كَانَ من
أَمرهم وَأمر الْمُسلمين فواعدوا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم بَدْرًا من قَابل فَقَالَ لَهُم: نعم
فتخوّف الْمُسلمُونَ أَن ينزلُوا الْمَدِينَة فَبعث رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رجلا فَقَالَ: انْظُر فَإِن
رَأَيْتهمْ قد قعدوا على أثقالهم وجنبوا خيولهم فَإِن الْقَوْم
ذاهبون
وَإِن رَأَيْتهمْ قد قعدوا على خيولهم وجنبوا على أثقالهم
فَإِن الْقَوْم ينزلون الْمَدِينَة
فَاتَّقُوا الله واصبروا ووطنهم على الْقِتَال
فَلَمَّا أبصرهم الرَّسُول قعدوا على الأثقال سرَاعًا عجالاً
نَادَى بِأَعْلَى صَوته بذهابهم فَلَمَّا رأى الْمُؤْمِنُونَ
ذَلِك صدقُوا نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَنَامُوا
وَبَقِي أنَاس من الْمُنَافِقين يظنون أَن الْقَوْم يأتونهم
فَقَالَ الله يذكر حِين أخْبرهُم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم {ثمَّ أنزل عَلَيْكُم من بعد الْغم أَمَنَة نعاساً يغشى
طَائِفَة مِنْكُم وَطَائِفَة قد أهمتهم أنفسهم}
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي الْآيَة قَالَ: أَمنهم
الله يَوْمئِذٍ بنعاس غشاهم وَإِنَّمَا يَنْعس من يَأْمَن
(2/352)
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن
أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل
عَن الْمسور بن مخرمَة قَالَ: سَأَلت عبد الرَّحْمَن بن عَوْف
عَن قَول الله {ثمَّ أنزل عَلَيْكُم من بعد الْغم أَمَنَة
نعاساً} قَالَ: ألقِي علينا النّوم يَوْم أحد
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَالْبُخَارِيّ
وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر
وَابْن أبي حَاتِم وَابْن حبَان وَالطَّبَرَانِيّ وَأَبُو
الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه وَأَبُو نعيم وَالْبَيْهَقِيّ
كِلَاهُمَا فِي الدَّلَائِل عَن أنس أَن أَبَا طَلْحَة قَالَ:
غشينا وَنحن فِي مَصَافنَا يَوْم أحد حدث أَنه كَانَ مِمَّن
غشيه النعاس يَوْمئِذٍ قَالَ: فَجعل سَيفي يسْقط من يَدي
وَآخذه وَيسْقط وَآخذه
فَذَلِك قَوْله {ثمَّ أنزل عَلَيْكُم من بعد الْغم أَمَنَة
نعاساً يغشى طَائِفَة مِنْكُم} والطائفة الْأُخْرَى
المُنَافِقُونَ لَيْسَ لَهُم هم إِلَّا أنفسهم أجبن قوم وأرعبه
وأخذله للحق يظنون بِاللَّه غير الْحق ظن الْجَاهِلِيَّة
كذبهمْ إِنَّمَا هم أهل شكّ وريبة فِي الله
وَأخرج ابْن سعد وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد
وَالتِّرْمِذِيّ وَصَححهُ وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن
مرْدَوَيْه وَابْن جرير وَالطَّبَرَانِيّ وَأَبُو نعيم
وَالْبَيْهَقِيّ مَعًا فِي الدَّلَائِل عَن الزبير ابْن
العوّام قَالَ: رفعت رَأْسِي يَوْم أحد فَجعلت أنظر وَمَا
مِنْهُم من أحد إِلَّا وَهُوَ مميد تَحت حجفته من النعاس
فَذَلِك قَوْله {ثمَّ أنزل عَلَيْكُم من بعد الْغم أَمَنَة
نعاساً} وتلا هَذِه الْآيَة {ثمَّ أنزل عَلَيْكُم من بعد الْغم
أَمَنَة نعاساً}
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَصَححهُ وَابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ
وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن الزبير ابْن العوّام
قَالَ: رفعت رَأْسِي يَوْم أحد فَجعلت أنظر وَمَا مِنْهُم أحد
إِلَّا وَهُوَ مميد تَحت حجفته من النعاس
وتلا هَذِه الْآيَة {ثمَّ أنزل عَلَيْكُم من بعد الْغم أَمَنَة
نعاساً} الْآيَة
وَأخرج ابْن إِسْحَق وَابْن رَاهَوَيْه وَعبد بن حميد وَابْن
جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي
الدَّلَائِل عَن الزبير قَالَ: لقد رَأَيْتنِي مَعَ رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين اشْتَدَّ الْخَوْف علينا
أرسل الله علينا النّوم فَمَا منا من رجل إِلَّا ذقنه فِي
صَدره فوَاللَّه إِنِّي لأسْمع قَول معتب بن قُشَيْر مَا
أسمعهُ إِلَّا كَالْحلمِ {لَو كَانَ لنا من الْأَمر شَيْء مَا
قتلنَا هَا هُنَا}
(2/353)
فحفظتها مِنْهُ وَفِي ذَلِك أنزل الله
{ثمَّ أنزل عَلَيْكُم من بعد الْغم أَمَنَة نعاساً} إِلَى
قَوْله {مَا قتلنَا هَا هُنَا} لقَوْل معتب بن قُشَيْر
وَأخرج عبد بن حميد عَن إِبْرَاهِيم أَنه قَرَأَ فِي آل عمرَان
((أَمَنَة نعاسا تغشى)) بِالتَّاءِ
وأخرح عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي
حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ عَن ابْن مَسْعُود قَالَ النعاس عِنْد
الْقِتَال أَمَنَة من الله وَالنُّعَاس فِي الصَّلَاة من
الشَّيْطَان
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج قَالَ: إِن
الْمُنَافِقين قَالُوا لعبد الله بن أبي - وَكَانَ سيد
الْمُنَافِقين - فِي أنفسهم قتل الْيَوْم بَنو الْخَزْرَج
فَقَالَ: وَهل لنا من الْأَمر شَيْء أما وَالله (لَئِن
رَجعْنَا إِلَى الْمَدِينَة ليخرجن الْأَعَز مِنْهَا الْأَذَل)
(المُنَافِقُونَ الْآيَة 8) وَقَالَ {لَو كُنْتُم فِي
بُيُوتكُمْ لبرز الَّذين كتب عَلَيْهِم الْقَتْل}
وَأخرج ابْن جرير عَن قَتَادَة وَالربيع فِي قَوْله {ظن
الْجَاهِلِيَّة} قَالَا: ظن أهل الشّرك
وَأخرج ابْن إِسْحَق وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ
معتب: الَّذِي قَالَ يَوْم أحد {لَو كَانَ لنا من الْأَمر
شَيْء مَا قتلنَا هَا هُنَا} فَأنْزل الله فِي ذَلِك من قَوْله
{وَطَائِفَة قد أهمتهم أنفسهم يظنون بِاللَّه} إِلَى أخر
الْقِصَّة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الرّبيع فِي قَوْله {يخفون فِي
أنفسهم مَا لَا يبدون لَك} كَانَ مِمَّا أخفوا فِي أنفسهم أَن
قَالُوا {لَو كَانَ لنا من الْأَمر شَيْء مَا قتلنَا هَا
هُنَا}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن أَنه سُئِلَ عَن هَذِه
الْآيَة فَقَالَ: لما قتل من قتل من أَصْحَاب مُحَمَّد أَتَوْ
عبد الله بن أبي فَقَالُوا لَهُ: مَا ترى فَقَالَ: إِنَّا -
وَالله - مَا نؤامر {لَو كَانَ لنا من الْأَمر شَيْء مَا
قتلنَا هَا هُنَا}
وَأخرج ابْن جرير عَن الْحسن أَنه سُئِلَ عَن قَوْله {قل لَو
كُنْتُم فِي بُيُوتكُمْ لبرز الَّذين كتب عَلَيْهِم الْقَتْل
إِلَى مضاجعهم} قَالَ: كتب الله على الْمُؤمنِينَ أَن يقاتلوا
فِي سَبيله وَلَيْسَ كل من يُقَاتل يقتل وَلَكِن يقتل من كتب
الله عَلَيْهِ الْقَتْل
الْآيَة 155
(2/354)
إِنَّ الَّذِينَ
تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا
اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ
عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ (155)
أخرج ابْن جرير عَن كُلَيْب قَالَ: خطب عمر
يَوْم الْجُمُعَة فَقَرَأَ آل عمرَان وَكَانَ يُعجبهُ إِذا خطب
أَن يَقْرَأها فَلَمَّا انْتهى إِلَى قَوْله {إِن الَّذين
توَلّوا مِنْكُم يَوْم التقى الْجَمْعَانِ} قَالَ: لما كَانَ
يَوْم أحد هَزَمْنَا ففررت حَتَّى صعدت الْجَبَل فَلَقَد
رَأَيْتنِي أنزو كأنني أروى (أروى: ضَأْن الْجَبَل ضد الماعز)
وَالنَّاس يَقُولُونَ: قتل مُحَمَّد فَقلت: لَا أجد أحد يَقُول
قتل مُحَمَّد إِلَّا قتلته حَتَّى اجْتَمَعنَا على الْجَبَل
فَنزلت {إِن الَّذين توَلّوا مِنْكُم يَوْم التقى
الْجَمْعَانِ} الْآيَة
كلهَا
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن عبد الرَّحْمَن
بن عَوْف {إِن الَّذين توَلّوا مِنْكُم يَوْم التقى
الْجَمْعَانِ} قَالَ: هم ثَلَاثَة
وَاحِد من الْمُهَاجِرين وَاثْنَانِ من الْأَنْصَار
وأخرح ابْن مَنْدَه فِي معرفَة الصَّحَابَة عَن ابْن عَبَّاس
فِي قَوْله {إِن الَّذين توَلّوا مِنْكُم يَوْم التقى
الْجَمْعَانِ} الْآيَة
نزلت فِي عُثْمَان وَرَافِع بن الْمُعَلَّى وحارثة بن زيد
وَأخرج ابْن جرير عَن عِكْرِمَة فِي قَوْله {إِن الَّذين
توَلّوا مِنْكُم يَوْم التقى الْجَمْعَانِ} قَالَ: نزلت فِي
رَافع بن الْمُعَلَّى وَغَيره من الْأَنْصَار وَأبي حُذَيْفَة
بن عتبَة وَرجل آخر
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن عِكْرِمَة {أَن
الَّذين توَلّوا مِنْكُم يَوْم التقى الْجَمْعَانِ} قَالَ:
عُثْمَان والوليد بن عقبَة وخارجة بن زيد وَرِفَاعَة بن مُعلى
وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة قَالَ: كَانَ الَّذين ولوا
الدبر يَوْمئِذٍ: عُثْمَان بن عَفَّان وَسعد بن عُثْمَان
وَعقبَة بن عُثْمَان أَخَوان من الْأَنْصَار من بني زُرَيْق
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن اسحق {إِن الَّذين
توَلّوا مِنْكُم يَوْم التقى الْجَمْعَانِ} فلَان وَسعد بن
عُثْمَان وَعقبَة بن عُثْمَان الأنصاريان ثمَّ الزرقيان
وَقد كَانَ النَّاس انْهَزمُوا عَن رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى انْتهى بَعضهم إِلَى المنقى دون الأغوص
وفر عقبَة بن عَفَّان وَسعد بن عُثْمَان حَتَّى بلغُوا الجلعب
- جبل
(2/355)
بِنَاحِيَة الْمَدِينَة مِمَّا يَلِي
الأغوص - فأقاموا بِهِ ثَلَاثًا ثمَّ رجعُوا إِلَى رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فزعموا أَن رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لقد ذهبتم فِيهَا عريضة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة {إِن الَّذين
توَلّوا مِنْكُم يَوْم التقى الْجَمْعَانِ} ذَلِك يَوْم أحد
نَاس من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم توَلّوا
عَن الْقِتَال وَعَن نَبِي الله يَوْمئِذٍ وَكَانَ ذَلِك من
أَمر الشَّيْطَان وتخويفه فَأنْزل الله مَا تَسْمَعُونَ أَنه
قد تجَاوز لَهُم عَن ذَلِك وَعَفا عَنْهُم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير {إِن الَّذين
توَلّوا مِنْكُم} يَعْنِي انصرفوا عَن الْقِتَال منهزمين
{يَوْم التقى الْجَمْعَانِ} يَوْم أحد حِين التقى
الْجَمْعَانِ: جمع الْمُسلمين وَجمع الْمُشْركين فَانْهَزَمَ
الْمُسلمُونَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَبَقِي
فِي ثَمَانِيَة عشر رجلا {إِنَّمَا استزلهم الشَّيْطَان
بِبَعْض مَا كسبوا} يَعْنِي حِين تركُوا المركز وعصوا أَمر
الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين قَالَ للرماة يَوْم
أحد لَا تَبْرَحُوا مَكَانكُمْ فَترك بَعضهم المركز {وَلَقَد
عَفا الله عَنْهُم} حِين لم يعاقبهم فيستأصلهم جَمِيعًا {إِن
الله غَفُور حَلِيم} فَلم يَجْعَل لمن انهزم يَوْم أحد بعد
قتال بدر النَّار كَمَا جعل يَوْم بدر
فَهَذِهِ رخصَة بعد التَّشْدِيد
وَأخرج أَحْمد وَابْن الْمُنْذر عَن شَقِيق قَالَ: لَقِي عبد
الرَّحْمَن بن عَوْف الْوَلِيد بن عقبَة فَقَالَ لَهُ
الْوَلِيد: مَا لي أَرَاك جفوت أَمِير الْمُؤمنِينَ عُثْمَان
فَقَالَ لَهُ عبد الرَّحْمَن: أخبرهُ أَنِّي لم أفر يَوْم
عينين يَقُول يَوْم أحد وَلم أَتَخَلَّف عَن بدر وَلم أترك سنة
عمر فَانْطَلق فخبر بذلك عُثْمَان فَقَالَ: أما قَوْله أَنِّي
لم أفر يَوْم عينين فَكيف يعيرني بذلك وَقد عَفا الله عني
فَقَالَ {إِن الَّذين توَلّوا مِنْكُم يَوْم التقى
الْجَمْعَانِ إِنَّمَا استزلهم الشَّيْطَان بِبَعْض مَا كسبوا
وَلَقَد عَفا الله عَنْهُم}
وَأما قَوْله: إِنِّي تخلفت يَوْم بدر فَإِنِّي كنت أمرض رقية
بنت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى مَاتَت وَقد
ضرب لي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِسَهْم وَمن ضرب
لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِسَهْم فقد شهد
وَأما قَوْله: إِنِّي لم أترك سنة عمر فَإِنِّي لَا أطيقها
وَلَا هُوَ فَأَتَاهُ فحدثه بذلك
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن رَجَاء
بن أبي سَلمَة قَالَ: الْحلم ارْفَعْ من الْعقل لِأَن الله عز
وَجل تسمى بِهِ
(2/356)
الْآيَات 156 - 158
(2/357)
يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا
وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ
كَانُوا غُزًّى لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا
قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ
وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ
بَصِيرٌ (156) وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ
مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا
يَجْمَعُونَ (157) وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى
اللَّهِ تُحْشَرُونَ (158)
أخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن
جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي
قَوْله {وَقَالُوا لإخوانهم إِذا ضربوا فِي الأَرْض} الْآيَة
قَالَ: هَذَا قَول عبد الله بن أُبي بن سلول وَالْمُنَافِقِينَ
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله
{لَا تَكُونُوا كَالَّذِين كفرُوا وَقَالُوا لإخوانهم} الْآيَة
قَالَ: هَؤُلَاءِ المُنَافِقُونَ أَصْحَاب عبد الله بن أبي
{إِذا ضربوا فِي الأَرْض} وَهِي التِّجَارَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن فِي قَوْله {لَو كَانُوا
عندنَا مَا مَاتُوا وَمَا قتلوا} قَالَ: هَذَا قَول الْكفَّار
إِذا مَاتَ الرجل يَقُولُونَ: لَو كَانَ عندنَا مَا مَاتَ
فَلَا تَقولُوا كَمَا قَالَ الْكفَّار
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن
مُجَاهِد فِي قَوْله {ليجعل الله ذَلِك حسرة فِي قُلُوبهم}
قَالَ: يحزنهم قَوْلهم لَا يَنْفَعهُمْ شَيْئا
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن
اسحق {ليجعل الله ذَلِك حسرة فِي قُلُوبهم} لقلَّة الْيَقِين
برَبهمْ {وَالله يحيي وَيُمِيت} أَي يُعَجِّلُ مَا يَشَاء
وَيُؤَخر مَا يَشَاء من آجالهم بقدرته {وَلَئِن قتلتم فِي
سَبِيل الله} الْآيَة
أَي إِن الْمَوْت كَائِن لَا بُد مِنْهُ فموت فِي سَبِيل الله
أَو قتل {خير} لَو علمُوا وَاتَّقوا {مِمَّا يجمعُونَ} من
الدُّنْيَا الَّتِي لَهَا يتأخرون عَن الْجِهَاد تخوف الْمَوْت
وَالْقَتْل لما جمعُوا من زهيد الدُّنْيَا زهادة فِي الْآخِرَة
{وَلَئِن متم أَو قتلتم لإلى الله تحشرون} أَي ذَلِك كَائِن
إِذْ إِلَى الله الْمرجع فَلَا تَغُرَنَّكم الْحَيَاة
الدُّنْيَا وَلَا تغتروا بهَا وَليكن الْجِهَاد وَمَا رغبكم
الله فِيهِ مِنْهُ آثر عنْدكُمْ مِنْهَا
(2/357)
وَأخرج عبد بن حميد عَن العمش أَنه قَرَأَ
{متم} و (إِذا متْنا)
كل شَيْء فِي الْقُرْآن بِكَسْر الْمِيم
الْآيَة 159
(2/358)
فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ
اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ
لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ
لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ
فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ
الْمُتَوَكِّلِينَ (159)
أخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن
الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {فبمَا
رَحْمَة من الله} يَقُول: فبرحمة من الله {لنت لَهُم وَلَو كنت
فظّاً غليظ الْقلب لانفضوا من حولك} أَي وَالله طهره من
الفظاظة والغلظة وَجعله قَرِيبا رحِيما رؤوفاً
بِالْمُؤْمِنِينَ
وَذكر لنا أَن نعت مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي
التَّوْرَاة لَيْسَ بِفَظٍّ وَلَا غليظ وَلَا صخوب فِي
الْأَسْوَاق وَلَا يجزىء بِالسَّيِّئَةِ مثلهَا وَلَكِن يعْفُو
ويصفح
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن أَنه سُئِلَ عَن هَذِه
الْآيَة فَقَالَ: هَذَا خلق مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
نَعته الله
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر من طَرِيق ابْن جريج عَن
ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {لانفضوا من حولك} قَالَ: لانصرفوا
عَنْك
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ وَابْن عدي بِسَنَد فِيهِ
مَتْرُوك عَن عَائِشَة قَالَت: قَالَ رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم: إِن الله أَمرنِي بمداراة النَّاس كَمَا
أَمرنِي بِإِقَامَة الْفَرَائِض
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم
وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن الْحسن فِي قَوْله {وشاورهم فِي
الْأَمر} قَالَ: قد علم الله أَنه مَا بِهِ إِلَيْهِم من
حَاجَة وَلَكِن أَرَادَ أَن يستن بِهِ من بعده
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن
قَتَادَة فِي قَوْله {وشاورهم فِي الْأَمر} قَالَ: أَمر الله
نبيه أَن يشاور أَصْحَابه فِي الْأُمُور وَهُوَ يَأْتِيهِ وَحي
السَّمَاء لِأَنَّهُ أطيب لأنفس الْقَوْم وَإِن الْقَوْم إِذا
شاور بَعضهم بَعْضًا وَأَرَادُوا بذلك وَجه الله عزم لَهُم على
رشده
(2/358)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن
أبي حَاتِم عَن الضَّحَّاك قَالَ: مَا أَمر الله نبيه
بالمشاورة إِلَّا لما علم مَا فِيهَا من الْفضل وَالْبركَة
قَالَ سُفْيَان: وَبَلغنِي أَنَّهَا نصف الْعقل
وَكَانَ عمربن الْخطاب يشاور حَتَّى الْمَرْأَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن
أبي حَاتِم عَن الْحسن قَالَ: مَا شاور قوم قطّ إِلَّا هُدُوا
لأَرْشَد أُمُورهم
وَأخرج ابْن عدي وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب بِسَنَد حسن عَن
ابْن عَبَّاس قَالَ لما نزلت {وشاورهم فِي الْأَمر} قَالَ
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أما ان الله وَرَسُوله
لَغَنِيَّانِ عَنْهَا وَلَكِن جعلهَا الله رَحْمَة لأمتي فَمن
اسْتَشَارَ مِنْهُم لم يعْدم رشدا وَمن تَركهَا لم يعْدم غياً
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط عَن أنس قَالَ قَالَ
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا خَابَ من استخار
وَلَا نَدم من اسْتَشَارَ
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن ابْن
عَبَّاس {وشاورهم فِي الْأَمر} قَالَ: أَبُو بكر وَعمر
وَأخرج من طَرِيق الْكَلْبِيّ عَن أبي صَالح عَن ابْن عَبَّاس
قَالَ: نزلت هَذِه الْآيَة فِي أبي بكر وَعمر
وَأخرج أَحْمد عَن عبد الرَّحْمَن بن غنم أَن رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لأبي بكر وَعمر: لَو اجتمعتما فِي
مشورة مَا خالفتكما
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: مَا رَأَيْت
أحدا من النَّاس أَكثر مشورة لأَصْحَابه من رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ بِسَنَد جيد عَن ابْن عَمْرو قَالَ: كتب
أَبُو بكر الصّديق إِلَى عَمْرو: أَن رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يشاور فِي الْحَرْب فَعَلَيْك بِهِ
وَأخرج الْحَاكِم عَن عَليّ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم: لم كنت مستخلفاً أحدا عَن غير مشورة لاستخلفت
ابْن أم عبد
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَالْبُخَارِيّ فِي الْأَدَب وَابْن
الْمُنْذر بِسَنَد حسن عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَرَأَ وشاورهم
فِي بعض الْأَمر
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة فِي قَوْله
{فَإِذا عزمت فتوكل على الله} قَالَ: أَمر الله نبيه صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم إِذا عزم على أَمر أَن يمْضِي فِيهِ ويستقيم
على أَمر الله ويتوكل على الله
(2/359)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن جَابر بن زيد
وَأبي نهيك أَنَّهُمَا قرآ فَإِذا عزمت يَا مُحَمَّد على أَمر
فتوكل على الله
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عَليّ قَالَ سُئِلَ رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الْعَزْم فَقَالَ: مُشَاورَة أهل
الرَّأْي ثمَّ أتباعهم
وَأخرج الْحَاكِم عَن الْحباب بن الْمُنْذر قَالَ أَشرت على
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم بدر بخصلتين
فقبلهما مني
خرجت مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَعَسْكَرَ خلف
المَاء فَقلت يَا رَسُول الله أبوحي فعلت أَو بِرَأْي قَالَ:
بِرَأْي يَا حباب
قلت: فَإِن الرَّأْي أَن تجْعَل المَاء خَلفك فَإِن لجأت لجأت
إِلَيْهِ فَقبل ذَلِك مني
قَالَ: وَنزل جِبْرِيل على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فَقَالَ: أَي الْأَمريْنِ أحب إِلَيْك تكون فِي دنياك مَعَ
أَصْحَابك أَو ترد على رَبك فِيمَا وَعدك من جنَّات النَّعيم
فَاسْتَشَارَ أَصْحَابه فَقَالُوا: يَا رَسُول الله تكون مَعنا
أحب إِلَيْنَا وتخبرنا بعورات عدونا وَتَدْعُو الله لينصرنا
عَلَيْهِم وتخبرنا من خبر السَّمَاء فَقَالَ رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا لَك لَا تَتَكَلَّم يَا حباب فَقلت:
يَا رَسُول الله اختر حَيْثُ اخْتَار لَك رَبك
فَقبل ذَلِك مني قَالَ الذَّهَبِيّ: حَدِيث مُنكر
وَأخرج ابْن سعد عَن ابْن عَبَّاس أَن رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم نزل منزلا يَوْم بدر فَقَالَ الْحباب بن
الْمُنْذر: لَيْسَ هَذَا بمنزل انْطلق بِنَا إِلَى أدنى مَاء
إِلَى الْقَوْم ثمَّ نَبْنِي عَلَيْهِ حوضاً ونقذف فِيهِ
الْآنِية فنشرب ونقاتل ونغور مَا سواهَا من الْقلب
فَنزل جِبْرِيل على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فَقَالَ: الرَّأْي مَا أَشَارَ بِهِ الْحباب بن الْمُنْذر
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَا حباب أَشرت
بِالرَّأْيِ فَنَهَضَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فَفعل ذَلِك
وَأخرج ابْن سعد بن يحيى بن سعيد أَن النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم اسْتَشَارَ النَّاس يَوْم بدر فَقَامَ الْحباب
بن الْمُنْذر فَقَالَ: نَحن أهل الْحَرْب أرى أَن تغور
الْمِيَاه إِلَّا مَاء وَاحِدًا نلقاهم عَلَيْهِ
قَالَ: واستشارهم يَوْم قُرَيْظَة وَالنضير فَقَامَ الْحباب بن
الْمُنْذر فَقَالَ: أرى أَن ننزل بَين الْقُصُور فنقطع خبر
هَؤُلَاءِ عَن هَؤُلَاءِ وَخبر هَؤُلَاءِ عَن هَؤُلَاءِ فَأخذ
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بقوله
الْآيَة 160
(2/360)
إِنْ يَنْصُرْكُمُ
اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا
الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ
فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (160)
أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن
أبي حَاتِم عَن ابْن اسحق فِي الْآيَة قَالَ: أَي أَن ينصرك
الله فَلَا غَالب لَك من النَّاس لن يَضرك خذلان من خذلك وَإِن
يخذلك فَلَنْ يَضرك النَّاس {فَمن ذَا الَّذِي ينصركم من بعده}
أَي لَا تتْرك أَمْرِي للنَّاس وَارْفض النَّاس لأمري {وعَلى
الله} لَا على النَّاس {فَليَتَوَكَّل الْمُؤْمِنُونَ}
الْآيَات 161 - 163
(2/361)
وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ
أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ
لَا يُظْلَمُونَ (161) أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللَّهِ
كَمَنْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ
وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (162) هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللَّهِ
وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ (163)
أخرج أَبُو دَاوُد وَعبد بن حميد
وَالتِّرْمِذِيّ وَحسنه وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم من
طَرِيق مقسم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: نزلت هَذِه الْآيَة
{وَمَا كَانَ لنَبِيّ أَن يغل} فِي قطيفة حَمْرَاء افتقدت
يَوْم بدر فَقَالَ بعض النَّاس: لَعَلَّ رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم أَخذهَا
فَأنْزل الله {وَمَا كَانَ لنَبِيّ أَن يغل}
وَأخرج ابْن جرير عَن الْأَعْمَش قَالَ: كَانَ ابْن مَسْعُود
يقْرَأ {وَمَا كَانَ لنَبِيّ أَن يغل} فَقَالَ ابْن عَبَّاس:
بلَى
وَيقتل إِنَّمَا كَانَت فِي قطيفة قَالُوا: أَن رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم غلها يَوْم بدر
فَأنْزل الله {وَمَا كَانَ لنَبِيّ أَن يغل}
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن سعيد بن جُبَير قَالَ:
نزلت هَذِه الْآيَة {وَمَا كَانَ لنَبِيّ أَن يغل} فِي قطيفة
حَمْرَاء فقدت يَوْم بدر من الْغَنِيمَة
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ بِسَنَد جيد عَن ابْن عَبَّاس قَالَ بعث
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جَيْشًا فَردَّتْ رايته ثمَّ
بعث فَردَّتْ بغلول رَأس غزالة من ذهب
فَنزلت {وَمَا كَانَ لنَبِيّ أَن يغل}
وَأخرج الْبَزَّار وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ عَن
ابْن عَبَّاس {وَمَا كَانَ لنَبِيّ أَن يغل} قَالَ: مَا كَانَ
للنَّبِي أَن يتهمه أَصْحَابه
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر
وَالطَّبَرَانِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: فقدت قطيفة حَمْرَاء
يَوْم بدر مِمَّا أُصِيب من الْمُشْركين فَقَالَ بعض النَّاس:
لَعَلَّ النَّبِي
(2/361)
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَخذهَا
فَأنْزل الله {وَمَا كَانَ لنَبِيّ أَن يغل} قَالَ: خصيف فَقلت
لسَعِيد بن جُبَير {وَمَا كَانَ لنَبِيّ أَن يغل} يَقُول:
ليخان قَالَ: بل يغل فقد كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم وَالله يغل وَيقتل أَيْضا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس أَنه
كَانَ يقْرَأ {وَمَا كَانَ لنَبِيّ أَن يغل} بِنصب الْيَاء
وَرفع الْغَيْن
وَأخرج عبد بن حميد عَن أبي عبد الرَّحْمَن السّلمِيّ وَأبي
رَجَاء وَمُجاهد وَعِكْرِمَة
مثله
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن عَبَّاس أَن رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَرَأَ {وَمَا كَانَ لنَبِيّ أَن يغل}
بِفَتْح الْيَاء
وَأخرج ابْن منيع فِي مُسْنده عَن أبي عبد الرَّحْمَن قَالَ:
قلت لِابْنِ عَبَّاس أَن ابْن مَسْعُود يقْرَأ {وَمَا كَانَ
لنَبِيّ أَن يغل} يَعْنِي بِفَتْح الْغَيْن فَقَالَ لي: قد
كَانَ لَهُ أَن يغل وَأَن يقتل إِنَّمَا هِيَ {أَن يغل}
يَعْنِي بِضَم الْغَيْن
مَا كَانَ الله ليجعل نَبيا غالاً
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس {وَمَا
كَانَ لنَبِيّ أَن يغل} قَالَ: أَن يقسم لطائفة من الْمُسلمين
وَيتْرك طَائِفَة ويجور فِي الْقِسْمَة وَلَكِن يقسم
بِالْعَدْلِ وَيَأْخُذ فِيهِ بِأَمْر الله وَيحكم فِيهِ بِمَا
أنزل الله يَقُول: مَا كَانَ الله ليجعل نَبيا يغل من
أَصْحَابه فَإِذا فعل ذَلِك النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
استسنوا بِهِ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير من طَرِيق سَلمَة بن نبيط
عَن الضَّحَّاك قَالَ بعث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
طلائع فغنم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فقسم بَين
النَّاس وَلم يقسم للطلائع شَيْئا فَلَمَّا قدمت الطَّلَائِع
فَقَالُوا: قسم الْفَيْء وَلم يقسم لنا فَأنْزل الله {وَمَا
كَانَ لنَبِيّ أَن يغل}
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس {وَمَا كَانَ لنَبِيّ
أَن يغل} قَالَ: أَن يقسم لطائفة وَلَا يقسم لطائفة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن
مُجَاهِد {وَمَا كَانَ لنَبِيّ أَن يغل} قَالَ أَن يخون
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن
الْمُنْذر عَن الْحسن أَنه قَرَأَ {وَمَا كَانَ لنَبِيّ أَن
يغل} بِنصب الْغَيْن قَالَ: أَن يخان
(2/362)
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن
قَتَادَة وَالربيع {وَمَا كَانَ لنَبِيّ أَن يغل} يَقُول: مَا
كَانَ لنَبِيّ أَن يغله أَصْحَابه الَّذين مَعَه
وَذكر لنا أَن هَذِه الْآيَة نزلت على النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم يَوْم بدر وَقد غل طوائف من أَصْحَابه
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ والخطيب فِي تَارِيخه عَن مُجَاهِد
قَالَ: كَانَ ابْن عَبَّاس يُنكر على من يقْرَأ {وَمَا كَانَ
لنَبِيّ أَن يغل} وَيَقُول: كَيفَ لَا يكون لَهُ أَن يغل وَقد
كَانَ لَهُ أَن يقتل قَالَ الله (ويقتلُون الْأَنْبِيَاء
بِغَيْر حق) (الْبَقَرَة الْآيَة 61) وَلَكِن الْمُنَافِقين
اتهموا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي شَيْء من
الْغَنِيمَة فَأنْزل الله {وَمَا كَانَ لنَبِيّ أَن يغل}
وَأخرج عبد الرَّزَّاق فِي المُصَنّف وَابْن أبي شيبَة
وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن زيد بن خَالِد الْجُهَنِيّ أَن رجلا
توفّي يَوْم حنين فَذكرُوا لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم فَقَالَ: صلوا عَلَيْهِ
فتغيرت وُجُوه النَّاس لذَلِك فَقَالَ: إِن صَاحبكُم غل فِي
سَبِيل الله ففتشنا مَتَاعه فَوَجَدنَا خرزاً من خرز الْيَهُود
لَا يُسَاوِي دِرْهَمَيْنِ
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن عبد الله بن عمر قَالَ كَانَ
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا أصَاب غنيمَة أَمر
بِلَالًا فَنَادَى فِي النَّار فيجيئون بغنائمهم فيخمسه ويقسمه
فجَاء رجل بعد ذَلِك بزمام شعر فَقَالَ: يَا رَسُول الله هَذَا
فِيمَا كُنَّا أصبناه من الْغَنِيمَة فَقَالَ: أسمعت بِلَالًا
ثَلَاثًا قَالَ: نعم
قَالَ: فا مَنعك أَن تَجِيء بِهِ قَالَ: يَا رَسُول الله
أعْتَذر
قَالَ: كن أَنْت تَجِيء بِهِ يَوْم الْقِيَامَة فَلَنْ أقبله
عَنْك
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن صَالح بن
مُحَمَّد بن زَائِدَة قَالَ: دخل مسلمة أَرض الرّوم فَأتي
بِرَجُل قد غل فَسَأَلَ سالما عَنهُ فَقَالَ: سَمِعت أبي يحدث
عَن عمر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِذا
وجدْتُم الرجل قد غل فاحرقوا مَتَاعه واضربوه
قَالَ: فَوَجَدنَا فِي مَتَاعه مُصحفا فَسئلَ سَالم عَنهُ
فَقَالَ: بِعْهُ وَتصدق بِثمنِهِ
وَأخرج عبد الرَّزَّاق فِي المُصَنّف عَن عبد الله بن شَقِيق
قَالَ أَخْبرنِي من سمع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَهُوَ بوادي الْقرى وجاءه رجل فَقَالَ: اسْتشْهد مَوْلَاك
فلَان
قَالَ: بل هُوَ الْآن يُجَرُّ إِلَى النَّار فِي عباءة غلَّ
بهَا الله وَرَسُوله
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن ابْن عمر قَالَ كَانَ عَليّ ثقل
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رجل يُقَال لَهُ كركرة
فَمَاتَ فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: هُوَ
فِي النَّار
فَذَهَبُوا ينظرُونَ فوجدوا عَلَيْهِ عباءة قد غلها
(2/363)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن أنس بن مَالك
قَالَ قيل يَا رَسُول الله اسْتشْهد مَوْلَاك فلَان قَالَ: كلا
إِنِّي رَأَيْت عَلَيْهِ عباءة قد غلها
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ أهْدى رِفَاعَة
إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم غُلَاما فَخرج بِهِ
مَعَه إِلَى خَيْبَر فَنزل بَين الْعَصْر وَالْمغْرب فَأتى
الْغُلَام سهم غائر فَقتله
فَقُلْنَا هَنِيئًا لَك الْجنَّة فَقَالَ: وَالَّذِي نَفسِي
بِيَدِهِ إِن شملته لُتحْرَقَ عَلَيْهِ الْآن فِي النَّار غلها
من الْمُسلمين
فَقَالَ رجل من الْأَنْصَار: يَا رَسُول الله أصبت يَوْمئِذٍ
شراكين فَقَالَ: يقدمنك مثلهمَا من نَار جَهَنَّم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عَمْرو بن سَالم قَالَ: كَانَ
أَصْحَابنَا يَقُولُونَ: عُقُوبَة صَاحب الْغلُول أَن يحرق
فسطاطه ومتاعه
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن كثير بن عبد الله عَن أَبِيه عَن
جده
أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَا إِسْلَال
وَلَا غلُول {وَمن يغلل يَأْتِ بِمَا غل يَوْم الْقِيَامَة}
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَحسنه عَن معَاذ بن جبل قَالَ بَعَثَنِي
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الْيمن فَلَمَّا
سرت أرسل فِي أثري فَرددت فَقَالَ: أَتَدْرِي لمَ بعثت إِلَيْك
لَا تصيبن شَيْئا بِغَيْر إذني فَإِنَّهُ غلُول {وَمن يغلل
يَأْتِ بِمَا غل يَوْم الْقِيَامَة} لهَذَا دعوتك فامضِ لذَلِك
وَأخرج عبد الرَّزَّاق فِي المُصَنّف وَابْن جرير وَابْن
الْمُنْذر عَن قَتَادَة قَالَ ذكر لنا أَن رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ إِذا غنم مغنماً بعث مناديه يَقُول:
أَلا لَا يغلن رجل مخيطاً فَمَا فَوْقه أَلا لَا أَعرفن رجلا
يغل بَعِيرًا يَأْتِي بِهِ يَوْم الْقِيَامَة حامله على عُنُقه
لَهُ رُغَاء أَلا لَا أَعرفن رجلا يغل فرسا يَأْتِي بِهِ يَوْم
الْقِيَامَة حامله على عُنُقه لَهُ حَمْحَمَة أَلا لَا أَعرفن
رجلا يغل شَاة يَأْتِي بهَا يَوْم الْقِيَامَة حاملها على
عُنُقه لَهَا ثُغَاء يتتبع من ذَلِك مَا شَاءَ الله أَن يتتبع
ذكر لنا أَن نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يَقُول:
اجتنبوا الْغلُول فَإِنَّهُ عَار وشنار ونار
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَابْن
جرير وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ
قَامَ فِينَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْمًا
فَذكر الْغلُول فَعَظمهُ وَعظم أمره ثمَّ قَالَ: أَلا لَا
أَلفَيْنِ أحدكُم يَجِيء يَوْم الْقِيَامَة على رقبته بعير
لَهُ رُغَاء يَقُول: يَا رَسُول الله أَغِثْنِي فَأَقُول: لَا
أملك لَك
(2/364)
من الله شَيْئا قد أبلغتك لَا أَلفَيْنِ
أحدكُم يَجِيء يَوْم الْقِيَامَة على رقبته فرس لَهَا
حَمْحَمَة فَيَقُول: يَا رَسُول الله أَغِثْنِي فَأَقُول: لَا
أملك لَك من الله شَيْئا قد أبلغتك لَا أَلفَيْنِ أحدكُم
يَجِيء يَوْم الْقِيَامَة على رقبته رقاع تخفق فَيَقُول: يَا
رَسُول الله أَغِثْنِي فَأَقُول: لَا أملك لَك من الله شَيْئا
قد أبلغتك
لَا أَلفَيْنِ أحدكُم يَجِيء يَوْم الْقِيَامَة على رقبته
صَامت فَيَقُول: يَا رَسُول الله أَغِثْنِي فَأَقُول: لَا أملك
لَك من الله شَيْئا قد أبلغتك
وَأخرج هناد وَابْن أبي حَاتِم عَن أبي هُرَيْرَة أَن رجلا
قَالَ لَهُ: أَرَأَيْت قَول الله {وَمن يغلل يَأْتِ بِمَا غل
يَوْم الْقِيَامَة} هَذَا يغل ألف دِرْهَم وَألْفي دِرْهَم
يَأْتِي بهَا أَرَأَيْت من يغل مائَة بعير ومائتي بعير كَيفَ
يصنع بهَا قَالَ: أَرَأَيْت من كَانَ ضرسه مثل أحد وَفَخذه مثل
ورقان وَسَاقه مثل بَيْضَاء ومجلسه مَا بَين الربذَة إِلَى
الْمَدِينَة أَلا يحمل هَذَا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي
الشّعب عَن بُرَيْدَة قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم: إِن الْحجر ليزن سبع خلفات ليلقى فِي جَهَنَّم
فيهوى فِيهَا سبعين خَرِيفًا وَيُؤْتى بالغلول فَيلقى مَعَه
ثمَّ يُكَلف صَاحبه أَن يَأْتِي بِهِ وَهُوَ قَول الله {وَمن
يغلل يَأْتِ بِمَا غل يَوْم الْقِيَامَة}
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد عَن عدي
بن عميرَة الْكِنْدِيّ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم: يَا أَيهَا النَّاس من عمل مِنْكُم لنا فِي
عمل فكتمنا مِنْهُ مخيطاً فَمَا فَوْقه فَهُوَ غل - وَفِي لفظ
- فَإِنَّهُ غلُول يَأْتِي بِهِ يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج ابْن جرير عَن عبد الله بن أنيس
أَنه تَذَاكر هُوَ وَعمر يَوْمًا الصَّدَقَة فَقَالَ: ألم تسمع
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين ذكر غلُول
الصَّدَقَة من غل مِنْهَا بَعِيرًا أَو شَاة فَإِنَّهُ يحملهُ
يَوْم الْقِيَامَة قَالَ عبد الله بن أنيس: بلَى
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير فِي قَوْله {وَمن
يغلل يَأْتِ بِمَا غل يَوْم الْقِيَامَة} يَعْنِي يَأْتِ بِمَا
غل يَوْم الْقِيَامَة يحملهُ على عُنُقه
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَمْرو قَالَ: لَو كنت
مستحلاً من الْغلُول الْقَلِيل لاستحللت مِنْهُ الْكثير مَا من
أحد يغل غلولاً إِلَّا كلف أَن يَأْتِي بِهِ من أَسْفَل دَرك
جَهَنَّم
وَأخرج أَحْمد وَابْن أبي دَاوُد فِي الْمَصَاحِف عَن خمير بن
مَالك قَالَ: لما أَمر بالمصاحف أَن تغير فَقَالَ ابْن
مَسْعُود: من اسْتَطَاعَ مِنْكُم أَن يغل مصحفه فليغله
فَإِنَّهُ من غل شَيْئا جَاءَ بِهِ يَوْم الْقِيَامَة وَنعم
الغل الْمُصحف يَأْتِي بِهِ أحدكُم يَوْم الْقِيَامَة
(2/365)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير
فِي قَوْله {أَفَمَن اتبع رضوَان الله} يَعْنِي رضَا الله فَلم
يغلل من الْغَنِيمَة {كمن بَاء بسخط من الله} يَعْنِي كمن
استجوب سخطاً من الله فِي الْغلُول فَلَيْسَ هُوَ بِسَوَاء
ثمَّ بَين مستقرهما فَقَالَ للَّذي يغل {ومأواه جَهَنَّم
وَبئسَ الْمصير} يَعْنِي مصير أهل الْغلُول ثمَّ ذكر مُسْتَقر
من لَا يغل فَقَالَ {هم دَرَجَات} يَعْنِي فَضَائِل {عِنْد
الله وَالله بَصِير بِمَا يعْملُونَ} يَعْنِي بَصِير بِمن غل
مِنْكُم وَمن لم يغل
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن
أبي حَاتِم عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله {أَفَمَن اتبع رضوَان
الله} قَالَ: من لم يغل {كمن بَاء بسخط من الله} كمن غل
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن جريج
{أَفَمَن اتبع رضوَان الله} قَالَ: أَمر الله فِي أَدَاء
الْخمس {كمن بَاء بسخط من الله} فاستوجب سخطاً من الله
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد {أَفَمَن اتبع رضوَان
الله} قَالَ: من أدّى الْخمس
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن فِي قَوْله {أَفَمَن اتبع
رضوَان الله} يَقُول: من أَخذ الْحَلَال خير لَهُ مِمَّن أَخذ
الْحَرَام وَهَذَا فِي الْغلُول وَفِي الْمَظَالِم كلهَا
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم من طَرِيق الْعَوْفِيّ عَن
ابْن عَبَّاس {هم دَرَجَات عِنْد الله} يَقُول: بأعمالهم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد
فِي قَوْله {هم دَرَجَات عِنْد الله} قَالَ: هِيَ كَقَوْلِه
(لَهُم دَرَجَات عِنْد الله) (الْأَنْفَال الْآيَة 4)
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله
{هم دَرَجَات} يَقُول: لَهُم دَرَجَات
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن أَنه سُئِلَ عَن قَوْله {هم
دَرَجَات} قَالَ: للنَّاس دَرَجَات بأعمالهم فِي الْخَيْر
وَالشَّر
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن الضَّحَّاك {هم دَرَجَات عِنْد
الله} قَالَ: أهل الْجنَّة بَعضهم فَوق بعض فَيرى الَّذِي فاق
فَضله على الَّذِي أَسْفَل مِنْهُ وَلَا يرى الَّذِي أَسْفَل
مِنْهُ أَنه فضل عَلَيْهِ أحد
(2/366)
الْآيَة 164
(2/367)
لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ
عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ
أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ
وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ
قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (164)
أخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم
وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن عَائِشَة فِي هَذِه
الْآيَة {لقد منّ الله على الْمُؤمنِينَ إِذْ بعث فيهم رَسُولا
من أنفسهم} قَالَت: هَذِه للْعَرَب خَاصَّة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي
حَاتِم عَن قَتَادَة فِي الْآيَة قَالَ: منّ من الله عَظِيم من
غير دَعْوَة وَلَا رَغْبَة من هَذِه الْأمة جعله الله رَحْمَة
لَهُم يخرجهم من الظُّلُمَات إِلَى النُّور ويهديهم إِلَى
صِرَاط مُسْتَقِيم بَعثه الله إِلَى قوم لَا يعلمُونَ فعلمهم
وَإِلَى قوم لَا أدب لَهُم فأدبهم
الْآيَات 165 - 168
(2/367)
أَوَلَمَّا
أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ
أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ
اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (165) وَمَا أَصَابَكُمْ
يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ
الْمُؤْمِنِينَ (166) وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا
وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ
ادْفَعُوا قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُمْ
هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ
يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ
وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ (167) الَّذِينَ قَالُوا
لِإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا
قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ
صَادِقِينَ (168)
أخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن
عَبَّاس فِي قَوْله {أَو لما أَصَابَتْكُم مُصِيبَة} الْآيَة
يَقُول: إِنَّكُم قد أصبْتُم من الْمُشْركين يَوْم بدر مثلي
مَا أَصَابُوا مِنْكُم يَوْم أحد
(2/367)
وَأخرج ابْن جرير عَن عِكْرِمَة قَالَ: قتل
الْمُسلمُونَ من الْمُشْركين يَوْم بدر سبعين واسروا سبعين
وَقتل الْمُشْركُونَ يَوْم أحد من الْمُسلمين سبعين
فَذَلِك قَوْله {قد أصبْتُم مثليها قُلْتُمْ أَنى هَذَا} وَنحن
مُسلمُونَ نُقَاتِل غَضبا لله وَهَؤُلَاء مشركون {قل هُوَ من
عِنْد أَنفسكُم} عُقُوبَة لكم بمعصيتكم النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم حِين قَالَ مَا قَالَ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن فِي الْآيَة قَالَ: لما
رَأَوْا من قتل مِنْهُم يَوْم أحد قَالُوا: من أَيْن هَذَا مَا
كَانَ للْكفَّار أَن يقتلُوا منا فَلَمَّا رأى الله مَا
قَالُوا من ذَلِك قَالَ الله: هم بالأسرى الَّذين أَخَذْتُم
يَوْم بدر فردهم الله بذلك وَعجل لَهُم عُقُوبَة ذَلِك فِي
الدُّنْيَا ليسلموا مِنْهَا فِي الْآخِرَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالتِّرْمِذِيّ وَحسنه وَابْن جرير
وَابْن مرْدَوَيْه عَن عليّ قَالَ جَاءَ جِبْرِيل إِلَى
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: يَا مُحَمَّد إِن
الله قد كره مَا صنع قَوْمك فِي أَخذهم الْأُسَارَى وَقد أَمرك
أَن تخيرهم بَين أَمريْن
إِمَّا أَن يقدموا فَتضْرب أَعْنَاقهم وَبَين أَن يَأْخُذُوا
الْفِدَاء على أَن يقتل مِنْهُم عدتهمْ فَدَعَا رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم النَّاس فَذكر ذَلِك لَهُم فَقَالُوا:
يَا رَسُول الله عشائرنا واخواننا نَأْخُذ فداءهم فنقوى بِهِ
على قتال عدونا وَيسْتَشْهد منا بِعدَّتِهِمْ فَلَيْسَ فِي
ذَلِك مَا نكره
فَقتل مِنْهُم يَوْم أحد سَبْعُونَ رجلا عدَّة أُسَارَى أهل
بدر
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن وَابْن جريج
{قل هُوَ من عِنْد أَنفسكُم} عُقُوبَة لكم بمعصيتكم النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين قَالَ: لَا تتبعوهم يَوْم أحد
فاتبعوهم
وَأخرج ابْن الْمُنْذر من طَرِيق ابْن جريج عَن ابْن عَبَّاس
{قُلْتُمْ أَنى هَذَا} وَنحن مُسلمُونَ نُقَاتِل غَضبا لله
وَهَؤُلَاء مشركون
فَقَالَ {قل هُوَ من عِنْد أَنفسكُم} عُقُوبَة بمعصيتكم
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين قَالَ: لَا تتبعوهم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة فِي قَوْله {أَو
لما أَصَابَتْكُم مُصِيبَة قد أصبْتُم مثليها} قَالَ: أصيبوا
يَوْم أحد قتل مِنْهُم سَبْعُونَ يَوْمئِذٍ وَأَصَابُوا مثليها
يَوْم بدر قتلوا من الْمُشْركين سبعين وأسروا سبعين {قُلْتُمْ
أَنى هَذَا قل هُوَ من عِنْد أَنفسكُم} ذكر لنا أَن نَبِي الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لأَصْحَابه يَوْم أحد حِين قدم
أَبُو سُفْيَان وَالْمُشْرِكُونَ: إِنَّا فِي جنَّة حَصِينَة -
يَعْنِي بذلك الْمَدِينَة - فدعوا الْقَوْم يدخلُوا علينا
نقاتلهم فَقَالَ لَهُ أنَاس من الْأَنْصَار: إِنَّا نكره أَن
نقْتل فِي طرق الْمَدِينَة وَقد كُنَّا نمْنَع
(2/368)
من الْغَزْو فِي الْجَاهِلِيَّة فبالإسلام
أَحَق أَن يمْتَنع مِنْهُ فأبرز بِنَا إِلَى الْقَوْم
فَانْطَلق فَلبس لأمته فتلاوم الْقَوْم فَقَالُوا: عرض نَبِي
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِأَمْر وعرضتم بِغَيْرِهِ
اذْهَبْ يَا حَمْزَة فَقل لَهُ امرنا لأمرك تبع
فَأتى حَمْزَة فَقَالَ لَهُ
فَقَالَ: إِنَّه لَيْسَ لنَبِيّ إِذا لبس لامته أَن يَضَعهَا
حَتَّى يناجز وَإنَّهُ سَتَكُون فِيكُم مُصِيبَة
قَالُوا: يَا نَبِي الله خَاصَّة أَو عَامَّة قَالَ: سترونها
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن إِسْحَق فِي
قَوْله {وليعلم الْمُؤمنِينَ وليعلم الَّذين نافقوا} فَقَالَ:
ليميز بَين الْمُؤمنِينَ وَالْمُنَافِقِينَ {وَقيل لَهُم
تَعَالَوْا قَاتلُوا} يَعْنِي عبد الله بن أبي وَأَصْحَابه
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {أَو
ادفعوا} قَالَ: كَثُرُوا بِأَنْفُسِكُمْ وَإِن لم تقاتلوا
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن أبي حَازِم
قَالَ: سَمِعت سهل بن سعيد يَقُول: لَو بِعْت دَاري فلحقت بثغر
من ثغور الْمُسلمين فَكنت بَين الْمُسلمين وَبَين عدوّهم
فَقلت: كَيفَ وَقد ذهب بَصرك قَالَ: ألم تسمع إِلَى قَول الله
{تَعَالَوْا قَاتلُوا فِي سَبِيل الله أَو ادفعوا} أسوّد مَعَ
النَّاس فَفعل
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله {أَو ادفعوا}
قَالَ: كونُوا سواداً
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن أبي عون الْأنْصَارِيّ
فِي قَوْله {أَو ادفعوا} قَالَ: رابطوا
وَأخرج ابْن إِسْحَق وَابْن جرير وَابْن المنذرعن ابْن شهَاب
وَغَيره قَالَ خرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى
أحد فِي ألف رجل من أَصْحَابه حَتَّى إِذا كَانُوا بِالشّرطِ
بَين أحد وَالْمَدينَة انْخَذَلَ عَنْهُم عبد الله بن أُبَيَّ
بِثلث النَّاس وَقَالَ: أطاعهم وعصاني وَالله مَا نَدْرِي علام
نقْتل أَنْفُسنَا هَهُنَا فَرجع بِمن اتبعهُ من أهل النِّفَاق
وَأهل الريب واتبعهم عبد الله بن عَمْرو بن حرَام من بني
سَلمَة يَقُول: يَا قوم أذكركم الله أَن تخذلوا نَبِيكُم
وقومكم عِنْدَمَا حضرهم عدوهم
قَالُوا: لَو نعلم أَنكُمْ تقاتلون مَا أسلمناكم وَلَكِن لَا
نرى أَن يكون قتال
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن
مُجَاهِد فِي قَوْله {لَو نعلم قتالاً لَاتَّبَعْنَاكُمْ}
قَالَ: لَو نعلم انا واجدون مَعكُمْ مَكَان قتال
لَاتَّبَعْنَاكُمْ
(2/369)
وَأخرج ابْن جرير عَن عِكْرِمَة قَالُوا:
{لَو نعلم قتالاً لأتَّبعناكم} قَالَ: نزلت فِي عبد الله بن
أبي
وَأخرج ابْن جرير عَن السّديّ قَالَ: خرج رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم يَوْم أحد فِي ألف رجل وَقد وعدهم الْفَتْح إِن
صَبَرُوا فَلَمَّا خَرجُوا رَجَعَ عبد الله بن أبي فِي
ثَلَاثمِائَة فَتَبِعهُمْ أَبُو جَابر السّلمِيّ يَدعُوهُم
فَلَمَّا غلبوه وَقَالُوا لَهُ: مَا نعلم قتالاً وَلَئِن
أطعتنا لترجعن مَعنا
فَذكر الله
فَهُوَ قَوْلهم: وَلَئِن أطعتنا لترجعن {الَّذين قَالُوا
لإخوانهم وقعدوا لَو أطاعونا مَا قتلوا} الْآيَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة فِي قَوْله
{الَّذين قَالُوا لإخوانهم} الْآيَة
قَالَ: ذكر لنا أَنَّهَا نزلت فِي عدوّ الله عبد الله بن أبي
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن الرّبيع {الَّذين
قَالُوا لإخوانهم وقعدوا} قَالَ: نزلت فِي عدوّ الله عبد الله
بن أبي
وَأخرج ابْن جرير عَن جَابر بن عبد الله فِي قَوْله {الَّذين
قَالُوا لإخوانهم} قَالَ: هُوَ عبد الله بن أبي
وَأخرج عَن السّديّ فِي الْآيَة قَالَ: هم عبد الله بن أبي
وَأَصْحَابه
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن جريج فِي الْآيَة
قَالَ: هُوَ عبد الله بن أبي الَّذين قعدوا وَقَالُوا لإخوانهم
الَّذين خَرجُوا مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم
أحد
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن إِسْحَق {قل
فادرؤوا عَن أَنفسكُم الْمَوْت} أَي أَنه لَا بُد من الْمَوْت
فَإِن اسْتَطَعْتُم أَن تدفعوه عَن أَنفسكُم فافعلوا وَذَلِكَ
أَنهم إِنَّمَا نافقوا وَتركُوا الْجِهَاد فِي سَبِيل الله
حرصاً على الْبَقَاء فِي الدُّنْيَا وفراراً من الْمَوْت
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن شهَاب قَالَ: إِن الله أنزل
على نبيه فِي الْقَدَرِيَّة {الَّذين قَالُوا لإخوانهم وقعدوا
لَو أطاعونا مَا قتلوا}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن فِي الْآيَة قَالَ: هم
الْكفَّار يَقُولُونَ لاخوانهم لَو كَانُوا عندنَا مَا قتلوا
يحسبون أَن حضورهم لِلْقِتَالِ هُوَ يقدمهم إِلَى الْأَجَل
(2/370)
الْآيَتَانِ 169 - 170
(2/371)
وَلَا تَحْسَبَنَّ
الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ
أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169) فَرِحِينَ بِمَا
آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ
لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ
عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (170)
أخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن عَبَّاس
قَالَ: نزلت هَذِه الْآيَة فِي حَمْزَة وَأَصْحَابه {وَلَا
تحسبن الَّذين قتلوا فِي سَبِيل الله أَمْوَاتًا بل أَحيَاء
عِنْد رَبهم يرْزقُونَ}
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن
أبي الضُّحَى فِي قَوْله {وَلَا تحسبن الَّذين قتلوا فِي
سَبِيل الله أَمْوَاتًا} قَالَ: نزلت فِي قَتْلَى أحد اسْتشْهد
مِنْهُم سَبْعُونَ رجلا: أَرْبَعَة من الْمُهَاجِرين حَمْزَة
بن عبد الْمطلب من بني هَاشم وَمصْعَب بن عُمَيْر من بني عبد
الدَّار وَعُثْمَان بن شماس من بني مَخْزُوم وَعبد الله بن جحش
من بني أَسد
وسائرهم من الْأَنْصَار
وَأخرج أَحْمد وهناد وَعبد بن حميد وَأَبُو دَاوُد وَابْن جرير
وَابْن الْمُنْذر وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي
الدَّلَائِل عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم: لما أُصِيب إخْوَانكُمْ بِأحد جعل الله
أَرْوَاحهم فِي أَجْوَاف طير خضر ترد أَنهَار الْجنَّة وتأكل
من ثمارها وتأوي إِلَى قناديل من ذهب معلقَة فِي ظلّ الْعَرْش
فَلَمَّا وجدوا طيب مَأْكَلهمْ وَمَشْرَبهمْ وَحسن مقبلهم
قَالُوا: يَا لَيْت إِخْوَاننَا يعلمُونَ مَا صنع الله لنا -
وَفِي لفظ - قَالُوا: إِنَّا أَحيَاء فِي الْجنَّة نرْزق
لِئَلَّا يَزْهَدُوا فِي الْجِهَاد وَلَا ينكلُوا عَن الْحَرْب
فَقَالَ الله: أَنا أبلغهم عَنْكُم
فَأنْزل الله هَؤُلَاءِ الْآيَات {وَلَا تحسبن الَّذين قتلوا}
الْآيَة
وَمَا بعْدهَا
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وحسنة وَابْن ماجة وَابْن أبي عَاصِم فِي
السّنة وَابْن خُزَيْمَة وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم
وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل
عَن جَابر بن عبد الله قَالَ لَقِيَنِي رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: يَا جَابر مَا لي أَرَاك منكسراً قلت:
يَا رَسُول الله اسْتشْهد أبي وَترك عيالاً وديناً فَقَالَ:
أَلا أُبَشِّرك بِمَا لَقِي الله بِهِ أَبَاك قَالَ: بلَى
قَالَ: مَا كلم الله أحدا قطّ إِلَّا من وَرَاء حجاب وَأَحْيَا
أَبَاك فَكَلمهُ كفاحاً وَقَالَ: يَا عَبدِي تمن عليّ أعطك
قَالَ: يَا رب تحييني فأقتل فِيك ثَانِيَة قَالَ الرب
تَعَالَى: قد
(2/371)
سبق مني أَنهم لَا يرجعُونَ
قَالَ: أَي رب فأبلغ من ورائي
فَأنْزل الله هَذِه الْآيَة {وَلَا تحسبن الَّذين قتلوا فِي
سَبِيل الله أَمْوَاتًا} الْآيَة
وَأخرج الْحَاكِم عَن عَائِشَة قَالَت قَالَ رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم لجَابِر: أَلا أُبَشِّرك
قَالَ: بلَى
قَالَ: شَعرت أَن الله أَحْيَا أَبَاك فأقعده بَين يَدَيْهِ
فَقَالَ: تمنَّ عليَّ مَا شِئْت أعطيكه قَالَ: يَا رب مَا
عبدتك حق عبادتك أَتَمَنَّى أَن تردني إِلَى الدُّنْيَا فأقتل
مَعَ نبيك مرّة أُخْرَى
قَالَ: سبق مني أَنَّك إِلَيْهَا لَا ترجع
وَأخرج ابْن جرير عَن قَتَادَة قَالَ: ذكر لنا أَن رجَالًا من
أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالُوا: يَا
ليتنا نعلم مَا فعل إِخْوَاننَا الَّذين قتلوا يَوْم أحد
فَأنْزل الله {وَلَا تحسبن الَّذين قتلوا} الْآيَة
وَأخرج ابْن جرير عَن الرّبيع قَالَ: ذكر لنا عَن بَعضهم فِي
قَوْله {وَلَا تحسبن الَّذين قتلوا} الْآيَة
قَالَ: هم قَتْلَى بدر وَأحد زَعَمُوا أَن الله تَعَالَى لما
قبض أَرْوَاحهم وأدخلهم الْجنَّة جعلت أَرْوَاحهم فِي طير خضر
ترعى فِي الْجنَّة وتأوي إِلَى قناديل من ذهب تَحت الْعَرْش
فَلَمَّا رَأَوْا مَا أَعْطَاهُم الله من الْكَرَامَة قَالُوا:
لَيْت إِخْوَاننَا الَّذين بَعدنَا يعلمُونَ مَا نَحن فِيهِ
فَإِذا شهدُوا قتالاً تعجلوا إِلَى مَا نَحن فِيهِ فَقَالَ
الله: إِنِّي منزل على نَبِيكُم ومخبر إخْوَانكُمْ بِالَّذِي
أَنْتُم فِيهِ
فَفَرِحُوا وَاسْتَبْشَرُوا وَقَالُوا: يخبر الله إخْوَانكُمْ
ونبيكم بِالَّذِي أَنْتُم فِيهِ
فَإِذا شهدُوا قتالاً أَتَوْكُم
فَذَلِك قَوْله {فرحين} الْآيَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُحَمَّد بن قيس بن
مخرمَة قَالَ: قَالُوا يَا رب أَلا رَسُول لنا يخبر النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَنَّا بِمَا أَعطيتنَا فَقَالَ الله
تَعَالَى: أَنا رَسُولكُم فَأمر جِبْرِيل أَن يَأْتِي بِهَذِهِ
الْآيَة {وَلَا تحسبن الَّذين قتلوا فِي سَبِيل الله}
الْآيَتَيْنِ
وَأخرج ابْن جرير عَن الضَّحَّاك قَالَ: لما أُصِيب الَّذين
أصيبوا يَوْم أحد لقوا رَبهم فأكرمهم فَأَصَابُوا الْحَيَاة
وَالشَّهَادَة والرزق الطّيب قَالُوا: يَا لَيْت بَيْننَا
وَبَين إِخْوَاننَا من يبلغهم أَنا لَقينَا رَبنَا فَرضِي
عَنَّا وأرضانا فَقَالَ الله: أَنا رَسُولكُم إِلَى نَبِيكُم
وَإِخْوَانكُمْ فَأنْزل الله {وَلَا تحسبن الَّذين قتلوا}
إِلَى قَوْله {وَلَا هم يَحْزَنُونَ}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن إِسْحَق بن أبي طَلْحَة
حَدثنِي أنس بن مَالك فِي أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم الَّذين أرسلهم إِلَى بِئْر مَعُونَة قَالَ: لَا أَدْرِي
أَرْبَعِينَ أَو سبعين وعَلى ذَلِك المَاء عَامر بن الطُّفَيْل
فَخرج أُولَئِكَ النَّفر حَتَّى أَتَوا غاراً مشرفاً
(2/372)
على المَاء قعدوا فِيهِ ثمَّ قَالَ بَعضهم
لبَعض: أَيّكُم يبلغ رِسَالَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم أهل هَذَا المَاء فَقَالَ أَبُو ملْحَان الْأنْصَارِيّ:
أَنا
فَخرج حَتَّى أَتَى خواءهم فَاخْتَبَأَ أَمَام الْبيُوت ثمَّ
قَالَ: يَا أهل بِئْر مَعُونَة إِنِّي رَسُول رَسُول الله
إِلَيْكُم أَنِّي أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن
مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله فآمنوا بِاللَّه وَرَسُوله
فَخرج إِلَيْهِ رجل من كسر الْبَيْت بِرُمْح فَضرب بِهِ فِي
جنبه حَتَّى خرج من الشق الآخر
فَقَالَ: الله أكبر فزت وَرب الْكَعْبَة فاتبعوا أَثَره حَتَّى
أَتَوا أَصْحَابه فِي الْغَار فَقَتلهُمْ عَامر بن الطُّفَيْل
فَحَدثني أنس أَن الله أنزل فيهم قُرْآنًا: بلغُوا عَنَّا
قَومنَا أَنا قد لَقينَا رَبنَا فَرضِي عَنَّا ورضينا عَنهُ
ثمَّ نسخت فَرفعت بَعْدَمَا قرأناه زَمَانا وَأنزل الله {وَلَا
تحسبن الَّذين قتلوا فِي سَبِيل الله أَمْوَاتًا بل أَحيَاء}
الْآيَة
وَأخرج ابْن الْمُنْذر من طَرِيق طَلْحَة بن نَافِع عَن أنس
قَالَ: لما قتل حَمْزَة وَأَصْحَابه يَوْم أحد قَالُوا: يَا
لَيْت لنا مخبرا يخبر إِخْوَاننَا بِالَّذِي صرنا إِلَيْهِ من
الْكَرَامَة لنا
فَأوحى إِلَيْهِم رَبهم أَنا رَسُولكُم إِلَى إخْوَانكُمْ
فَأنْزل الله {وَلَا تحسبن الَّذين قتلوا} إِلَى قَوْله {لَا
يضيع أجر الْمُؤمنِينَ}
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالطَّبَرَانِيّ عَن سعيد بن جُبَير
قَالَ: لما أُصِيب حَمْزَة وَأَصْحَابه بِأحد قَالُوا: لَيْت
من خلفنا علمُوا مَا أَعْطَانَا الله من الثَّوَاب ليَكُون
أَحْرَى لَهُم فَقَالَ الله: إِنَّا أعلمهم فَأنْزل الله
{وَلَا تحسبن الَّذين قتلوا} الْآيَة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق فِي المُصَنّف وَالْفِرْيَابِي وَسَعِيد
بن مَنْصُور وهناد وَعبد بن حميد وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ
وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم
وَالطَّبَرَانِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن
مَسْرُوق قَالَ: سَأَلنَا عبد الله بن مَسْعُود عَن هَذِه
الْآيَة {وَلَا تحسبن الَّذين قتلوا فِي سَبِيل الله
أَمْوَاتًا} فَقَالَ: أما انا قد سَأَلنَا عَن ذَلِك
أَرْوَاحهم فِي جَوف طير خضر - وَلَفظ عبد الرَّزَّاق -
أَرْوَاح الشُّهَدَاء عِنْد الله كطير خضر لَهَا قناديل معلقَة
بالعرش تسرح من الْجنَّة حَيْثُ شَاءَت ثمَّ تأوي إِلَى تِلْكَ
الْقَنَادِيل فَاطلع إِلَيْهِم رَبهم إِطْلَاعَة فَقَالَ: هَل
تشتهون شَيْئا قَالُوا: أَي شَيْء نشتهي وَنحن نَسْرَح من
الْجنَّة حَيْثُ شِئْنَا
فَفعل ذَلِك بهم ثَلَاث مَرَّات فَلَمَّا رَأَوْا أَنهم لم
يتْركُوا من أَن يسْأَلُوا قَالُوا: يَا رب نُرِيد أَن ترد
أَرْوَاحنَا فِي أَجْسَادنَا حَتَّى نقْتل فِي سَبِيلك مرّة
أُخْرَى
فَلَمَّا رأى أَن لَيْسَ لَهُم حَاجَة تركُوا
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن أبي عُبَيْدَة عَن عبد الله أَنه
قَالَ فِي الثَّالِثَة حِين قَالَ لَهُم:
(2/373)
هَل تشتهون من شَيْء قَالُوا: تقرىء
نَبينَا السَّلَام وتبلغه أَنا قد رَضِينَا وَرَضي عَنَّا
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن
مُجَاهِد فِي قَوْله {بل أَحيَاء عِنْد رَبهم يرْزقُونَ}
قَالَ: يرْزقُونَ من ثَمَر الْجنَّة ويجدون رِيحهَا وَلَيْسوا
فِيهَا
وَأخرج ابْن جرير عَن قَتَادَة فِي الْآيَة قَالَ: كُنَّا
نُحدث أَن أَرْوَاح الشُّهَدَاء تعارف فِي طير بيض تَأْكُل من
ثمار الْجنَّة وَأَن مساكنهم سِدْرَة الْمُنْتَهى وَأَن
للمجاهد فِي سَبِيل الله ثَلَاث خِصَال: من قتل فِي سَبِيل
الله مِنْهُم صَار حَيا مرزوقاً وَمن غلب آتَاهُ الله أجرا
عَظِيما وَمن مَاتَ رزقه الله رزقا حسنا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي الْعَالِيَة فِي قَوْله {بل
أَحيَاء} قَالَ: فِي صور طير خضر يطيرون فِي الْجنَّة حَيْثُ
شاؤوا مِنْهَا يَأْكُلُون من حَيْثُ شاؤوا
وَأخرج ابْن جرير عَن عِكْرِمَة فِي الْآيَة قَالَ: أَرْوَاح
الشُّهَدَاء فِي طير بيض فِي الْجنَّة
وَأخرج ابْن جرير من طَرِيق الإفْرِيقِي عَن ابْن بشار
الْأَسْلَمِيّ أَو أبي بشار قَالَ: أَرْوَاح الشُّهَدَاء فِي
قباب بيض من قباب الْجنَّة فِي كل قبَّة زوجتان رزقهم فِي كل
يَوْم ثَوْر وحوت
فَأَما الثور فَفِيهِ طعم كل ثَمَرَة فِي الْجنَّة وَأما
الْحُوت فَفِيهِ طعم كل شراب فِي الْجنَّة
وَأخرج ابْن جرير عَن السّديّ أَن أَرْوَاح الشُّهَدَاء فِي
أَجْوَاف طير خضر فِي قناديل من ذهب معلقَة بالعرش فَهِيَ ترعى
بكرَة وَعَشِيَّة فِي الْجنَّة وتبيت فِي الْقَنَادِيل
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَسَعِيد بن مَنْصُور عَن ابْن عَبَّاس
قَالَ: أَرْوَاح الشُّهَدَاء تجول فِي أَجْوَاف طير خضر تعلق
فِي ثَمَر الْجنَّة
وَأخرج هناد بن السّري فِي كتاب الزّهْد وَابْن أبي حَاتِم عَن
أبي سعيد الْخُدْرِيّ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
قَالَ: إِن أَرْوَاح الشُّهَدَاء فِي طير خضر ترعى فِي رياض
الْجنَّة ثمَّ يكون مأواها إِلَى قناديل معلقَة بالعرش
فَيَقُول الرب: هَل تعلمُونَ كَرَامَة أكْرم من كَرَامَة
أكْرَمْتُكُموها فَيَقُولُونَ: لَا
إِلَّا أَنا وَدَدْنا أَنَّك أعدت أَرْوَاحنَا فِي أَجْسَادنَا
حَتَّى نُقَاتِل فنقتل مرّة أُخْرَى فِي سَبِيلك
وَأخرج هناد فِي الزّهْد وَابْن أبي شيبَة فِي المُصَنّف عَن
أبيّ بن كَعْب قَالَ: الشُّهَدَاء فِي قباب من رياض بِفنَاء
الْجنَّة يبْعَث إِلَيْهِم ثَوْر وحوت فيعتركان فيلهون بهما
فَإِذا احتاجوا إِلَى شَيْء عقر أَحدهمَا صَاحبه فَيَأْكُلُونَ
مِنْهُ فيجدون فِيهِ طعم كل شَيْء فِي الْجنَّة
(2/374)
وَأخرج أَحْمد وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن
حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن الْمُنْذر
وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن حبَان وَالْحَاكِم وَصَححهُ
وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: الشُّهَدَاء على بارق
نهر بِبَاب الْجنَّة فِي قبَّة خضراء يخرج إِلَيْهِم رزقهم من
الْجنَّة غدْوَة وَعَشِيَّة
وَأخرج هناد فِي الزّهْد من طَرِيق ابْن إِسْحَق عَن إِسْحَق
بن عبد الله بن أبي فَرْوَة قَالَ: حَدثنَا بعض أهل الْعلم أَن
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِن الشُّهَدَاء
ثَلَاثَة فأدنى الشُّهَدَاء عِنْد الله منزلَة رجل خرج
مَنْبُوذًا بِنَفسِهِ وَمَاله لَا يُرِيد أَن يقتل وَلَا يقتل
أَتَاهُ سهم غرب فَأَصَابَهُ فَأول قَطْرَة تقطر من دَمه يغْفر
لَهُ مَا تقدم من ذَنبه ثمَّ يهْبط الله جسداً من السَّمَاء
يَجْعَل فِيهِ روحه ثمَّ يصعد بِهِ إِلَى الله فَمَا يمر بسماء
من السَّمَوَات إِلَّا شيَّعته الْمَلَائِكَة حَتَّى يَنْتَهِي
إِلَى الله فَإِذا انْتهى الى الله وَقع سَاجِدا ثمَّ يُؤمر
بِهِ فيكسى سبعين حلَّة من الاستبرق ثمَّ يُقَال: اذْهَبُوا
بِهِ إِلَى إخوانه من الشُّهَدَاء فَاجْعَلُوهُ مَعَهم فَيُؤتى
بِهِ إِلَيْهِم وهم فِي قبَّة خضراء عِنْد بَاب الْجنَّة يخرج
عَلَيْهِم غداؤهم من الْجنَّة
وَأخرج ابْن جرير عَن الْحسن قَالَ: مَا زَالَ ابْن آدم يتحمد
حَتَّى صَار حَيا مَا يَمُوت ثمَّ تَلا هَذِه الْآيَة {أَحيَاء
عِنْد رَبهم يرْزقُونَ}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مقَاتل فِي قَوْله {فرحين بِمَا
آتَاهُم الله من فَضله} قَالَ: بِمَا هم فِيهِ من الْخَيْر
والكرامة والرزق
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير فِي قَوْله
{ويستبشرون بالذين لم يلْحقُوا بهم} قَالَ: لما دخلُوا
الْجنَّة وَرَأَوا مَا فِيهَا من الْكَرَامَة للشهداء قَالُوا:
يَا لَيْت إِخْوَاننَا الَّذين فِي الدُّنْيَا يعلمُونَ مَا
صرنا فِيهِ من الْكَرَامَة فَإِذا شهدُوا الْقِتَال باشروها
بِأَنْفسِهِم حَتَّى يستشهدوا فيصيبون مَا أَصَابَنَا من
الْخَيْر فَأخْبر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بأمرهم
وَمَا هم فِيهِ من الْكَرَامَة وَأخْبرهمْ أَنِّي قد أنزلت على
نَبِيكُم وأخبرته بأمركم وَمَا أَنْتُم فِيهِ من الْكَرَامَة
فاستبشروا بذلك
فَذَلِك قَوْله {ويستبشرون بالذين لم يلْحقُوا بهم من خَلفهم}
يَعْنِي إخْوَانهمْ من أهل الدُّنْيَا أَنهم سيحرصون على
الْجِهَاد ويلحقون بهم
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله
{ويستبشرون بالذين لم يلْحقُوا بهم من خَلفهم} قَالَ: إِن
الشَّهِيد يُؤْتى بِكِتَاب فِيهِ من يقدم عَلَيْهِ من إخوانه
(2/375)
وَأَهله يُقَال: يقدم عَلَيْك فلَان يَوْم
كَذَا وَكَذَا يقدم عَلَيْك فلَان يَوْم كَذَا وَكَذَا
فيستبشر حِين يقدم عَلَيْهِ كَمَا يستبشر أهل الْغَائِب بقدومه
فِي الدُّنْيَا
الْآيَة 171
(2/376)
يَسْتَبْشِرُونَ
بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ
أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ (171)
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد فِي
قَوْله {يستبشرون بِنِعْمَة من الله وَفضل} الْآيَة
قَالَ: هَذِه الْآيَة جمعت الْمُؤمنِينَ كلهم سوى الشُّهَدَاء
وقلما ذكر الله فضلا ذكر بِهِ الْأَنْبِيَاء وثواباً
أَعْطَاهُم إِلَّا ذكر مَا أعْطى الْمُؤمنِينَ من بعدهمْ
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن عبد الرَّحْمَن بن جَابر عَن
أَبِيه سمع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول إِذا ذكر
أَصْحَاب أحد: وَالله لَوَدِدْت أَنِّي غودرت مَعَ أَصْحَابِي
بنحص الْجَبَل نحص الْجَبَل: أَصله
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن جَابر قَالَ فقد رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَمْزَة حِين فَاء النَّاس من
الْقِتَال فَقَالَ رجل: رَأَيْته عِنْد تِلْكَ الشجيرات وَهُوَ
يَقُول: أَنا أَسد الله وَأسد رَسُوله اللَّهُمَّ ابرأ مِمَّا
جَاءَ بِهِ هَؤُلَاءِ
أَبُو سُفْيَان وَأَصْحَابه وَاعْتذر إِلَيْك مِمَّا صنع
هَؤُلَاءِ بانهزامهم
فجَاء رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَحوه فَلَمَّا رأى
جثته بَكَى وَلما رأى مَا مثل بِهِ شهق ثمَّ قَالَ: أَلا كفن
فَقَامَ رجل من الْأَنْصَار فَرمى بِثَوْب عَلَيْهِ ثمَّ قَامَ
آخر فَرمى بِثَوْب عَلَيْهِ ثمَّ قَالَ جَابر: هَذَا الثَّوْب
لأَبِيك وَهَذَا لِعَمِّي ثمَّ جِيءَ بِحَمْزَة فصلى عَلَيْهِ
ثمَّ يجاء بِالشُّهَدَاءِ فتوضع إِلَى جَانب حَمْزَة فَيصَلي
عَلَيْهِم يرفع وَيتْرك حَمْزَة حَتَّى صلى على الشُّهَدَاء
كلهم قَالَ: فَرَجَعت وَأَنا مثقل قد ترك أبي عليَّ دينا
وعيالاً فَلَمَّا كَانَ عِنْد اللَّيْل أرسل إِلَى رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: يَا جَابر إِن الله أَحْيَا
أَبَاك وَكَلمه قلت: وَكَلمه كلَاما قَالَ: قَالَ لَهُ: تمن
فَقَالَ: أَتَمَنَّى أَن ترد روحي وتنشىء خلقي كَمَا كَانَ
وترجعني إِلَى نبيك فأقاتل فِي سَبِيلك فأقتل مرّة أُخْرَى
قَالَ: إِنِّي قضيت أَنهم لَا يرجعُونَ وَقَالَ: قَالَ صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم: سيد الشُّهَدَاء عِنْد الله يَوْم
الْقِيَامَة حَمْزَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن أنس قَالَ كفن
حَمْزَة فِي نمرة كَانُوا إِذا مدوها على رَأسه خرجت رِجْلَاهُ
فَأَمرهمْ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يمدوها على
رَأسه
(2/376)
ويجعلوا على رجلَيْهِ من الْإِذْخر
وَقَالَ: لَوْلَا أَن تجزع صَفِيَّة لتركنا حَمْزَة فَلم ندفنه
حَتَّى يحْشر من بطُون الطير وَالسِّبَاع
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن كَعْب بن مَالك أَن رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ يَوْم أحد: من رأى مقتل حَمْزَة
فَقَالَ رجل: أَنا
قَالَ: فَانْطَلق فأرناه
فَخرج حَتَّى وقف على حَمْزَة فَرَآهُ قد بقر بَطْنه وَقد
مُثِّل بِهِ فكره رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن
ينظر إِلَيْهِ ووقف بَين ظهراني الْقَتْلَى وَقَالَ: أَنا
شَهِيد على هَؤُلَاءِ الْقَوْم لفوهم فِي دِمَائِهِمْ
فَإِنَّهُ لَيْسَ جريح يجرح إِلَّا جرحه يَوْم الْقِيَامَة
يدمى لَونه لون الدَّم وريحه ريح الْمسك قدمُوا أَكثر الْقَوْم
قُرْآنًا فَاجْعَلُوهُ فِي اللَّحْد
وَأخرج النَّسَائِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن سعد بن أبي
وَقاص أَن رجلا جَاءَ إِلَى الصَّلَاة وَالنَّبِيّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم يُصَلِّي بِنَا فَقَالَ حِين انْتهى إِلَى
الصَّفّ: اللَّهُمَّ آتني أفضل مَا تؤتي عِبَادك الصَّالِحين
فَلَمَّا قضى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الصَّلَاة
قَالَ: من الْمُتَكَلّم آنِفا فَقَالَ: أَنا
فَقَالَ: إِذن يعقر جوادك وتستشهد فِي سَبِيل الله
وَأخرج أَحْمد وَمُسلم وَالنَّسَائِيّ وَالْحَاكِم عَن أنس
قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يُؤْتى
بِالرجلِ من أهل الْجنَّة فَيَقُول الله لَهُ: يَا ابْن آدم
كَيفَ وجدت مَنْزِلك فَيَقُول: أَي رب خير منزل فَيَقُول: سل
وتمن فَيَقُول: أَسأَلك أَن تردني إِلَى الدُّنْيَا فَاقْتُلْ
فِي سَبِيلك عشر مَرَّات لما رأى من فضل الشَّهَادَة
قَالَ: وَيُؤْتى بِالرجلِ من أهل النَّار فَيَقُول الله: يَا
ابْن آدم كَيفَ وجدت مَنْزِلك فَيَقُول: أَي رب شَرّ منزل
فَيَقُول: فتفتدى مِنْهُ بطلاع الأَرْض ذَهَبا فَيَقُول: نعم
فَيَقُول: كذبت قد سَأَلتك دون ذَلِك فَلم تفعل
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن ماجة وَابْن
خُزَيْمَة وَابْن حبَان عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: عرض عليَّ أول ثَلَاثَة
يدْخلُونَ الْجنَّة وَأول ثَلَاثَة يدْخلُونَ النَّار فَأَما
أول ثَلَاثَة يدْخلُونَ الْجنَّة فالشهيد وَعبد مَمْلُوك أحسن
عبَادَة ربه ونصح لسَيِّده وعفيف متعفف ذُو عِيَال
وَأما أول ثَلَاثَة يدْخلُونَ النَّار فأمير مسلط وَذُو ثروة
من مَال لَا يُؤَدِّي حق الله فِي مَاله وفقير فخور
وَأخرج الْحَاكِم عَن سهل بن أبي أُمَامَة بن سهل عَن أَبِيه
عَن جده قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم:
إِن أول مَا يهراق من دم الشَّهِيد يغْفر لَهُ ذنُوبه
(2/377)
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن أبي أَيُّوب
قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من صَبر
حَتَّى يقتل أَو يغلب لم يفتن فِي قَبره
وَأخرج ابْن سعد وَابْن أبي شيبَة وَأحمد وَالْبُخَارِيّ عَن
أنس
أَن حَارِثَة بن سراقَة خرج نظاراً فَأَتَاهُ سهم فَقتله
فَقَالَت أمه: يَا رَسُول الله قد عرفت مَوضِع حَارِثَة مني
فَإِن كَانَ فِي الْجنَّة صبرت وَإِلَّا رَأَيْت مَا أصنع
قَالَ: يَا أم حَارِثَة أَنَّهَا لَيست بجنة وَلكنهَا جنان
كَثِيرَة وَأَن حَارِثَة لفي أفضلهَا
أَو قَالَ: فِي أَعلَى الفردوس
وَأخرج أَحْمد وَالنَّسَائِيّ عَن عبَادَة بن الصَّامِت أَن
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ مَا على الأَرْض من
نفس تَمُوت وَلها عِنْد الله خير تحب أَن ترجع إِلَيْكُم
إِلَّا الْقَتِيل فِي سَبِيل الله فَإِنَّهُ يحب أَن يرجع
فَيقْتل مرّة أُخْرَى
وَأخرج أَحْمد وَعبد بن حميد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم
وَالتِّرْمِذِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن أنس عَن
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ مَا من أهل الْجنَّة
أحد يسره أَن يرجع إِلَى الدُّنْيَا وَله عشر أَمْثَالهَا
إِلَّا الشَّهِيد فَإِنَّهُ ود أَنه لَو رد إِلَى الدُّنْيَا
عشر مَرَّات فاستشهد لما يرى من فضل الشَّهَادَة
وَأخرج ابْن سعد وَأحمد وَالْبَيْهَقِيّ عَن قيس الجذامي
قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن للقتيل
عِنْد الله سِتّ خِصَال: تغْفر لَهُ خطيئته فِي أول دفْعَة من
دَمه ويجار من عَذَاب الْقَبْر ويحلى حلَّة الْكَرَامَة وَيرى
مَقْعَده من الْجنَّة ويؤمن من الْفَزع الْأَكْبَر ويزوج من
الْحور الْعين
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَصَححهُ وَابْن ماجة وَالْبَيْهَقِيّ
عَن الْمِقْدَام بن معديكرب عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم قَالَ إِن للشهيد عِنْد الله خِصَالًا
يغْفر لَهُ فِي أول دفْعَة من دَمه وَيرى مَقْعَده من الْجنَّة
ويحلى عَلَيْهِ حلية الْإِيمَان ويجار من عَذَاب الْقَبْر
ويأمن يَوْم الْفَزع الْأَكْبَر وَيُوضَع على رَأسه تَاج
الْوَقار الياقوتة مِنْهُ خير من الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا
ويزوج اثْنَتَيْنِ وَسبعين زَوْجَة من الْحور الْعين ويشفع فِي
سبعين إنْسَانا من أَقَاربه
وَأخرج أَحْمد وَالطَّبَرَانِيّ من حَدِيث عبَادَة بن
الصَّامِت
مثله
وَأخرج الْبَزَّار وَالْبَيْهَقِيّ والأصبهاني فِي ترغيبه
بِسَنَد ضَعِيف عَن أنس بن مَالك قَالَ رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم: الشُّهَدَاء ثَلَاثَة: رجل خرج بِنَفسِهِ
وَمَاله محتسباً فِي سَبِيل الله
(2/378)
يُرِيد أَن لَا يقتل وَلَا يقتل وَلَا
يُقَاتل يكثر سَواد الْمُؤمنِينَ فَإِن مَاتَ وَقتل غفرت لَهُ
ذنُوبه كلهَا وأجير من عَذَاب الْقَبْر وأومن من الْفَزع
الْأَكْبَر وزوّج من الْحور الْعين وحلت عَلَيْهِ حلَّة
الْكَرَامَة وَوضع على رَأسه تَاج الْوَقار والخلد
وَالثَّانِي رجل خرج بِنَفسِهِ وَمَاله محتسباً يُرِيد أَن
يقتل وَلَا يقتل فَإِن مَاتَ أَو قتل كَانَت ركبته مَعَ ركبة
خَلِيل الرَّحْمَن بَين يَدي الله فِي مقْعد صدق عِنْد مليك
مقتدر
وَالثَّالِث رجل خرج بِنَفسِهِ وَمَاله محتسباً يُرِيد أَن
يقتل وَيقتل فَإِن مَاتَ أَو قتل جَاءَ يَوْم الْقِيَامَة
شاهراً سَيْفه وَاضعه على عَاتِقه وَالنَّاس جاثون على الركب
يَقُول: أَلا أفسحوا لنا مرَّتَيْنِ
فَإنَّا قد بذلنا دماءنا وَأَمْوَالنَا لله قَالَ رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لَو قَالَ
ذَلِك لإِبْرَاهِيم خَلِيل الرَّحْمَن أَو لنَبِيّ من
الْأَنْبِيَاء لتنحى لَهُم عَن الطَّرِيق لما يرى من وَاجِب
حَقهم حَتَّى يَأْتُوا مَنَابِر من نور عَن يَمِين الْعَرْش
فَيَجْلِسُونَ فَيَنْظُرُونَ كَيفَ يقْضى بَين النَّاس لَا
يَجدونَ غم الْمَوْت وَلَا يغتمون فِي البرزخ وَلَا تفزعهم
الصَّيْحَة وَلَا يهمهم الْحساب وَلَا الْمِيزَان وَلَا
الصِّرَاط ينظرُونَ كَيفَ يقْضِي بَين النَّاس وَلَا يسْأَلُون
شَيْئا إِلَّا أعْطوا وَلَا يشفعون فِي شَيْء إِلَّا شفعوا
ويعطون من الْجنَّة مَا أَحبُّوا وينزلون من الْجنَّة حَيْثُ
أَحبُّوا
وَأخرج أَحْمد وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن حبَان وَالْبَيْهَقِيّ
عَن عتبَة بن عبد السّلمِيّ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم: الْقَتْلَى ثَلَاثَة: رجل مُؤمن جَاهد
بِنَفسِهِ وَمَاله فِي سَبِيل الله حَتَّى إِذا لَقِي العدوّ
قَاتلهم حَتَّى يقتل فَذَاك الشَّهِيد الممتحن فِي خيمة الله
تَحت عَرْشه لَا يفضله النَّبِيُّونَ إِلَّا بِدَرَجَة
النُّبُوَّة
وَرجل مُؤمن قرف على نَفسه من الذُّنُوب والخطايا جَاهد
بِمَالِه وَنَفسه فِي سَبِيل الله حَتَّى إِذا لَقِي الْعَدو
قَاتل حَتَّى يقتل فَتلك ممصمصة تحط ذنُوبه وخطاياه
إِن السَّيْف مَحَّاءٌ للخطايا وَأدْخل من أَي أَبْوَاب
الْجنَّة شَاءَ فَإِن لَهَا ثَمَانِيَة أَبْوَاب ولجهنم
سَبْعَة أَبْوَاب وَبَعضهَا أفضل من بعض
وَرجل مُنَافِق جَاهد بِنَفسِهِ وَمَاله حَتَّى إِذا لَقِي
الْعد قَاتل فِي سَبِيل الله حَتَّى يقتل فَإِن ذَلِك فِي
النَّار إِن السَّيْف لَا يمحو النِّفَاق
وَأخرج أَحْمد وَالْحَاكِم عَن عبد الله بن عَمْرو بن
الْعَاصِ: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ:
يغْفر للشهيد كل ذَنْب إِلَّا الدّين
وَأخرج أَحْمد عَن عبد الله بن جحش أَن رجلا قَالَ: يَا رَسُول
الله مَا لي إِن قتلت فِي سَبِيل الله قَالَ: الْجنَّة
فَلَمَّا ولى قَالَ: إِلَّا الدّين سَارَّنِي بِهِ جِبْرِيل
آنِفا
(2/379)
وَأخرج أَحْمد وَالنَّسَائِيّ عَن ابْن أبي
عميرَة: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: مَا
من نفس مسلمة يقبضهَا رَبهَا تحب أَن ترجع إِلَيْكُم وَإِن
لَهَا الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا غير الشَّهِيد
وَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لِأَن أقتل فِي
سَبِيل الله أحب إليَّ من أَن يكون لي أهل الْوَبر والمدر
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَصَححهُ وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة
وَابْن حبَان عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا يجد الشَّهِيد من مس الْقَتْل إِلَّا
كَمَا يجد أحدكُم من مس القرصة
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن أنس أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم قَالَ: إِذا وقف الْعباد لِلْحسابِ جَاءَ قوم واضعي
سيوفهم على رقابهم تقطر دَمًا فازدحموا على بَاب الْجنَّة
فَقيل: من هَؤُلَاءِ قيل: الشُّهَدَاء كَانُوا مرزوقين
وَأخرج أَحْمد وَأَبُو يعلى وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء
وَالصِّفَات عَن نعيم بن همار أَن رجلا سَأَلَ رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم أَي الشُّهَدَاء أفضل قَالَ: الَّذين أَن
يلْقوا فِي الصَّفّ لَا يلفتوا وُجُوههم حَتَّى يقتلُوا
أُولَئِكَ ينطلقون فِي الْعرف العالي من الْجنَّة ويضحك
إِلَيْهِم رَبهم
وَإِذا ضحك رَبك إِلَى عبد فِي الدُّنْيَا فَلَا حِسَاب
عَلَيْهِ
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ: قَالَ
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أفضل الْجِهَاد عِنْد
الله يَوْم الْقِيَامَة الَّذين يلتقون فِي الصَّفّ الأول
فَلَا يلفتون وُجُوههم حَتَّى يقتلُوا أُولَئِكَ يتلبطون فِي
الغرف من الْجنَّة يضْحك إِلَيْهِم رَبك وَإِذا ضحك إِلَى قوم
فَلَا حِسَاب عَلَيْهِم
وَأخرج ابْن ماجة عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: ذكر الشَّهِيد
عِنْد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: لَا تَجف
الأَرْض من دم الشَّهِيد حَتَّى تبتدره زوجتاه كَأَنَّهُمَا
ظئران أضلتا فصيلهما فِي براح من الأَرْض وَفِي يَد كل
وَاحِدَة مِنْهُمَا حلَّة خير من الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا
وَأخرج النَّسَائِيّ عَن رَاشد بن سعد عَن رجل من أَصْحَاب
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن رجلا قَالَ: يَا رَسُول
الله مَا بَال الْمُؤمنِينَ يفتنون فِي قُبُورهم إِلَّا
الشَّهِيد قَالَ: كفى ببارقة السيوف على رَأسه فتْنَة
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن أنس أَن رجلا أسود أَتَى
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: يَا رَسُول الله
إِنِّي رجل أسود منتن الرّيح قَبِيح الْوَجْه لَا مَال لي
فَإِن أَنا قَاتَلت هَؤُلَاءِ حَتَّى أقتل فَأَيْنَ أَنا
قَالَ: فِي الْجنَّة
فقاتل حَتَّى قتل
فَأَتَاهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
(2/380)
فَقَالَ: قد بيض الله وَجهك وَطيب رِيحك
وَأكْثر مَالك
وَقَالَ لهَذَا أَو لغيره: لقد رَأَيْت زَوجته من الْحور
الْعين نازعته جُبَّة لَهُ صُوفًا تدخل بَينه وَبَين جبته
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عمر أَن النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم مر بخباء أَعْرَابِي وَهُوَ فِي أَصْحَابه
يُرِيدُونَ الْغَزْو فَرفع الْأَعرَابِي نَاحيَة من الخباء
فَقَالَ: من الْقَوْم فَقيل: رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم وَأَصْحَابه يُرِيدُونَ الْغَزْو فَسَار مَعَهم فَقَالَ
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: وَالَّذِي نَفسِي
بِيَدِهِ أَنه لمن مُلُوك الْجنَّة
فَلَقوا الْعَدو فاستشهدوا خبر بذلك رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم فَأَتَاهُ فَقعدَ عِنْد رَأسه مُسْتَبْشِرًا
يضْحك ثمَّ أعرض عَنهُ
فَقُلْنَا: يَا رَسُول الله رَأَيْنَاك مُسْتَبْشِرًا تضحك
ثمَّ أَعرَضت عَنهُ فَقَالَ: أما مَا رَأَيْتُمْ من استبشاري
فَلَمَّا رَأَيْت من كَرَامَة روحه على الله وَأما إعراضي
عَنهُ فَإِن زَوجته من الْحور الْعين الْآن عِنْد رَأسه
وَأخرج عناد فِي الزّهْد وَعبد بن حميد وَالطَّبَرَانِيّ عَن
عبد الله بن عَمْرو قَالَ أَن أوّل قَطْرَة تقطر من دم
الشَّهِيد يغْفر لَهُ بهَا مَا تقدم من ذَنبه ثمَّ يبْعَث الله
ملكَيْنِ بريحان من الْجنَّة وريطة من الْجنَّة وعَلى أرجاء
السَّمَاء مَلَائِكَة يَقُولُونَ: سُبْحَانَ الله قد جَاءَ من
الأَرْض الْيَوْم ريح طيبَة ونسمة طيبَة
فَلَا يمر بِبَاب إِلَّا فتح لَهُ وَلَا يمر بِملك إِلَّا صلى
عَلَيْهِ وشيعه حَتَّى يُؤْتى بِهِ إِلَى الرَّحْمَن فَيسْجد
لَهُ قبل الْمَلَائِكَة وتسجد الْمَلَائِكَة بعده ثمَّ يَأْمر
بِهِ إِلَى الشُّهَدَاء فيجدهم فِي رياض خضر وقباب من حَرِير
عِنْد ثَوْر وحوت يلعبان لَهُم كل يَوْم لعبة لم يلعبا
بالْأَمْس مثلهَا فيظل الْحُوت فِي أَنهَار الْجنَّة فَإِذا
أَمْسَى وكزه الثور بقرنه فذكاه لَهُم فَأَكَلُوا من لَحْمه
فوجدوا من لَحْمه طعم كل رَائِحَة من أَنهَار الْجنَّة ويبيت
الثور نافشاً فِي الْجنَّة فَإِذا أصبح غَدا عَلَيْهِ الْحُوت
فوكزه بِذَنبِهِ فَأَكَلُوا من لَحْمه فوجدوا فِي لَحْمه طعم
كل ثَمَرَة من ثمار الْجنَّة ينظرُونَ إِلَى مَنَازِلهمْ بكرَة
وَعَشِيَّة يدعونَ الله أَن تقوم السَّاعَة
وَإِذا توفى الْمُؤمن بعث الله ملكَيْنِ بريحان من ريحَان
الْجنَّة وخرقة من الْجنَّة تقبض فِيهَا نَفسه وَيُقَال:
اخْرُجِي أيتها النَّفس المطمئنة إِلَى روح وَرَيْحَان وَرب
عَلَيْك غير غَضْبَان
فَتخرج كأطيب رَائِحَة وجدهَا أحد قطّ بِأَنْفِهِ وعَلى أرجاء
السَّمَاء مَلَائِكَة يَقُولُونَ: سُبْحَانَ الله قد جَاءَ
الْيَوْم من الأَرْض ريح طيبَة ونسمة طيبَة
فَلَا يمر بِبَاب إِلَّا فتح لَهُ وَلَا بِملك إِلَّا صلى
عَلَيْهِ وشيعه حَتَّى يُؤْتى بِهِ إِلَى
(2/381)
الرَّحْمَن
فتسجد الْمَلَائِكَة قبله وَيسْجد بعدهمْ ثمَّ يدعى بميكائيل
فَيَقُول: اذْهَبْ بِهَذِهِ النَّفس فاجعلها مَعَ أنفس
الْمُؤمنِينَ حَتَّى أَسأَلك عَنْهُم يَوْم الْقِيَامَة
وَيُؤمر بِهِ إِلَى قبر ويوسع سبعين طوله وَسبعين عرضه وينبذ
لَهُ فِيهِ ريحَان ويشيد بالحرير فَإِن كَانَ مَعَه شَيْء من
الْقُرْآن كسى نوره وَإِن لم يكن مَعَه شَيْء من الْقُرْآن جعل
لَهُ نور مثل الشَّمْس فَمثله كَمثل الْعَرُوس لَا يوقظه
إِلَّا أحب أَهله إِلَيْهِ
وَإِن الكافرإذا توفّي بعث الله إِلَيْهِ ملكَيْنِ بِخرقَة من
بجاد أنتن من كل نَتن وأخشن من كل خشن فَيُقَال: اخْرُجِي
أيتها النَّفس الخبيثة ولبئس مَا قدمت لنَفسك
فَتخرج كأنتن رَائِحَة وجدهَا أحد قطّ ثمَّ يُؤمر بِهِ فِي
قَبره فيضيق عَلَيْهِ حَتَّى تخْتَلف فِيهِ أضلاعه وَيُرْسل
عَلَيْهِ حيات كأعناق البخت يأكلن لَحْمه وتقبض لَهُ
مَلَائِكَة صم بكم عمي لَا يسمعُونَ لَهُ صَوتا وَلَا يرونه
فيرحمونه وَلَا يملون إِذا ضربوا يدعونَ الله أَن يديم ذَلِك
عَلَيْهِ حَتَّى يخلص إِلَى النَّار
وَأخرج الطَّيَالِسِيّ وَالتِّرْمِذِيّ وَحسنه وَالْبَيْهَقِيّ
فِي الشّعب عَن عمر بن الْخطاب سَمِعت رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: الشُّهَدَاء أَرْبَعَة: فمؤمن جيد
الْإِيمَان لَقِي الْعَدو فَصدق الله فقاتل حَتَّى يقتل
فَذَلِك الَّذِي يرفع النَّاس إِلَيْهِ أَعينهم وَرفع رَأسه
حَتَّى وَقعت قلنسوة كَانَت على رَأسه أَو رَأس عمر فَهَذَا
فِي الدرجَة الأولى وَرجل مُؤمن جيد الْإِيمَان إِذا لَقِي
الْعَدو فَكَأَنَّمَا يضْرب جلده بشوك الطلح من الْجُبْن
أَتَاهُ سهم غرب فَقتله فَهَذَا فِي الدرجَة الثَّانِيَة وَرجل
مُؤمن خلط عملا صَالحا وَآخر سَيِّئًا لَقِي الْعَدو فَصدق
الله فَقُتِلَ فَهَذَا فِي الدرجَة الثَّالِثَة وَرجل أسرف على
نَفسه فلقي الْعَدو فقاتل حَتَّى يُقتل فَهَذَا فِي الدرجَة
الرَّابِعَة
وَأخرج أَبُو دَاوُد وَابْن حبَان عَن أبي الدَّرْدَاء سَمِعت
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: الشَّهِيد يشفع
فِي سبعين من أهل بَيته
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث والنشور
عَن يزِيد بن شَجَرَة أَنه كَانَ يَقُول: إِذا صف النَّاس
للصَّلَاة وصفوا لِلْقِتَالِ فتحت أَبْوَاب السَّمَاء وأبواب
الْجنَّة وأبواب النَّار وزين الْحور الْعين وأطلقن فَإِذا
أقبل الرجل قُلْنَ اللَّهُمَّ انصره وَإِذا أدبر احْتَجِبْنَ
عَنهُ وقلن اللَّهُمَّ اغْفِر لَهُ
فانهكوا وُجُوه الْقَوْم وَلَا تخزوا الْحور الْعين فَإِن أوّل
قَطْرَة تقطر من دم أحدكُم يكفر عَنهُ كل شَيْء عمله وَينزل
إِلَيْهِ زوجتان من الْحور الْعين يمسحان التُّرَاب عَن وَجهه
ويقولان: قد أنالك وَيَقُول: قد أنالكما
(2/382)
ثمَّ يكسى مائَة حلَّة لَيْسَ من نسج بني
آدم وَلَكِن من نبت الْجنَّة لَو وضعن بَين أصبعين لوسعن
وَكَانَ يَقُول: إِن السيوف مَفَاتِيح الْجنَّة
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن أبي بكر مُحَمَّد بن
أَحْمد التَّمِيمِي قَالَ: سَمِعت قَاسم بن عُثْمَان الجوعي
يَقُول: رَأَيْت فِي الطّواف حول الْبَيْت رجلا لَا يزِيد على
قَوْله: اللَّهُمَّ قضيت حَاجَة المحتاجين وحاجتي لم تقض فَقلت
لَهُ: مَا لَك لَا تزيد على هَذَا الْكَلَام فَقَالَ: أحَدثك
كُنَّا سَبْعَة رُفَقَاء من بلدان شَتَّى غزونا أَرض الْعَدو
فاستؤسرنا كلنا فاعتزل بِنَا لتضرب أعناقنا فَنَظَرت إِلَى
السَّمَاء فَإِذا سَبْعَة أَبْوَاب مفتحة عَلَيْهَا سبع جوَار
من الْحور الْعين على كل بَاب جَارِيَة فَقدم رجل منا فَضربت
عُنُقه فَرَأَيْت الْجَارِيَة فِي يَدهَا منديل قد هَبَطت
إِلَى الأَرْض حَتَّى ضربت أَعْنَاق سِتَّة وَبقيت أَنا
وَبَقِي بَاب وَجَارِيَة
فَلَمَّا قدمت لتضرب عنقِي استوهبني بعض رِجَاله فوهبني لَهُ
فسمعتها تَقول: أَي شَيْء فاتك يَا محروم وأغلقت الْبَاب
وَأَنا يَا أخي متحسر على مَا فَاتَنِي
قَالَ قَاسم بن عُثْمَان: أرَاهُ أفضلهم لِأَنَّهُ رأى مَا لم
يرَوا وَترك يعْمل على الشوق
وَأخرج أَبُو دَاوُد وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي
الْأَسْمَاء وَالصِّفَات وَاللَّفْظ لَهُ عَن ابْن مَسْعُود:
أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: عجب رَبنَا من
رجلَيْنِ: رجل ثار عَن وطائه ولحافه من بَين حبه وَأَهله إِلَى
صلَاته رَغْبَة فِيمَا عِنْدِي وشفقة مِمَّا عِنْدِي وَرجل غزا
فِي سَبِيل الله فَانْهَزَمَ أَصْحَابه فَعلم مَا عَلَيْهِ فِي
الإنهزام وَمَا لَهُ فِي الرُّجُوع فَرجع حَتَّى أهريق دَمه
فَيَقُول الله لملائكته: انْظُرُوا إِلَى عَبدِي رَجَعَ
رَغْبَة فِيمَا عِنْدِي وشفقة مِمَّا عِنْدِي حَتَّى أهريق
دَمه
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن أبي
الدَّرْدَاء عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ:
ثَلَاثَة يُحِبهُمْ الله ويضحك إِلَيْهِم ويستبشر بهم: الَّذِي
إِذا انْكَشَفَ فِئَة قَاتل وَرَاءَهَا بِنَفسِهِ لله عز وَجل
فإمَّا أَن يقتل وَإِمَّا أَن ينصره الله تَعَالَى ويكفيه
فَيَقُول: انْظُرُوا إِلَى عَبدِي كَيفَ صَبر لي نَفسه
وَالَّذِي لَهُ امْرَأَة حسناء وفراش لين حسن فَيقوم من
اللَّيْل فيذر شَهْوَته فيذكرني ويناجيني وَلَو شَاءَ رقد
وَالَّذِي إِذا كَانَ فِي سفر وَكَانَ مَعَه ركب فسهروا ونصبوا
ثمَّ هجعوا فَقَامَ من السحر فِي سراء أَو ضراء
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن أنس أَن النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: من سَأَلَ الله الْقَتْل فِي سَبِيل
الله صَادِقا ثمَّ مَاتَ أعطَاهُ الله أجر شَهِيد
(2/383)
وَأخرج أَحْمد وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد
وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَالْحَاكِم عَن
سهل ابْن أبي أُمَامَة بن سهل بن حنيف عَن أَبِيه عَن جده أَن
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: من سَأَلَ الله
الشَّهَادَة بِصدق بلَّغه الله منَازِل الشُّهَدَاء وَإِن
مَاتَ على فرَاشه
وَأخرج أَحْمد وَمُسلم عَن أنس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم: من طلب الشَّهَادَة صَادِقا أعطيها وَلَو
لم تصبه
الْآيَات 172 - 175
(2/384)
الَّذِينَ
اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا
أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ
وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ (172) الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ
النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ
فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ
الْوَكِيلُ (173) فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ
وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ
اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ (174) إِنَّمَا ذَلِكُمُ
الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ
وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (175)
أخرج ابْن إِسْحَق وَابْن جرير
وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن عبد الله بن أبي بكر بن
مُحَمَّد بن عَمْرو بن حزم قَالَ خرج رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم لحمراء الْأسد وَقد أجمع أَبُو سُفْيَان
بالرجعة إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأَصْحَابه وَقَالُوا: رَجعْنَا قبل أَن نَسْتَأْصِلهُمْ
لَنَكُرَّنَّ على بَقِيَّتهمْ
فَبَلغهُ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خرج فِي
أَصْحَابه يطلبهم فَثنى ذَلِك أَبَا سُفْيَان وَأَصْحَابه وَمر
ركب من عبد الْقَيْس فَقَالَ لَهُم أَبُو سُفْيَان: بلغُوا
مُحَمَّدًا أَنا قد أجمعنا الرّجْعَة الى أَصْحَابه لنستأصلهم
فَلَمَّا مر الركب برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
بِحَمْرَاء الْأسد أَخْبرُوهُ بِالَّذِي قَالَ أَبُو سُفْيَان
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم والمؤمنون مَعَه
{حَسبنَا الله وَنعم الْوَكِيل} فَأنْزل الله فِي ذَلِك
{الَّذين اسْتَجَابُوا لله وَالرَّسُول} الْآيَات
وَأخرج مُوسَى بن عقبَة فِي مغازيه وَالْبَيْهَقِيّ فِي
الدَّلَائِل عَن ابْن شهَاب قَالَ أَن رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم اسْتنْفرَ الْمُسلمين لموعد أبي سُفْيَان
بَدْرًا فَاحْتمل الشَّيْطَان أولياءه من النَّاس فَمَشَوْا
فِي النَّاس يخوفونهم وَقَالُوا: قد أخبرنَا أَن قد جمعُوا لكم
من النَّاس
(2/384)
مثل اللَّيْل يرجون أَن يواقعوكم فينتهبوكم
فالحذر الحذر
فعصم الله الْمُسلمين من تخويف الشَّيْطَان فاستجابوا لله
وَرَسُوله وَخَرجُوا بِبَضَائِع لَهُم وَقَالُوا: إِن لَقينَا
أَبَا سُفْيَان فَهُوَ الَّذِي خرجنَا لَهُ وَإِن لم نلقه
ابتعنا بضائعنا
فَكَانَ بَدْرًا متحجرا يوافي كل عَام فَانْطَلقُوا حَتَّى
أَتَوا موسم بدر فقضوا مِنْهُ حَاجتهم وأخلف أَبُو سُفْيَان
الْموعد فَلم يخرج هُوَ وَلَا أَصْحَابه وَمر عَلَيْهِم ابْن
حمام فَقَالَ: من هَؤُلَاءِ قَالُوا: رَسُول الله وَأَصْحَابه
ينتظرون أَبَا سُفْيَان وَمن مَعَه من قُرَيْش
فَقدم على قُرَيْش فَأخْبرهُم فأرعب أَبُو سُفْيَان وَرجع
إِلَى مَكَّة وَانْصَرف رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
إِلَى الْمَدِينَة بِنِعْمَة من الله وَفضل فَكَانَت تِلْكَ
الْغَزْوَة تدعى غَزْوَة جَيش السويق وَكَانَت فِي شعْبَان سنة
ثَلَاث
وَأخرج ابْن جرير من طَرِيق الْعَوْفِيّ عَن ابْن عَبَّاس
قَالَ إِن الله قذف فِي قلب أبي سُفْيَان الرعب يَوْم أحد بعد
الَّذِي كَانَ مِنْهُ فَرجع إِلَى مَكَّة فَقَالَ النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن أَبَا سُفْيَان قد أصَاب مِنْكُم
طرفا وَقد رَجَعَ وَقذف الله فِي قلبه الرعب وَكَانَت وقْعَة
أحد فِي شوّال وَكَانَ التُّجَّار يقدمُونَ الْمَدِينَة فِي
ذِي الْقعدَة فينزلون ببدر الصُّغْرَى فِي كل سنة مرّة
وَأَنَّهُمْ قدمُوا بعد وقْعَة أحد وَكَانَ أصَاب الْمُؤمنِينَ
الْقرح واشتكوا ذَلِك إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَاشْتَدَّ عَلَيْهِم الَّذِي أَصَابَهُم وَأَن رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ندب النَّاس لِيَنْطَلِقُوا مَعَه
وَقَالَ: إِنَّمَا ترتحلون الْآن فَتَأْتُونَ الْحَج وَلَا
تقدرون على مثلهَا حَتَّى عَام مقبل
فجَاء الشَّيْطَان فخوف أولياءه فَقَالَ {إِن النَّاس قد
جمعُوا لكم} فَأبى النَّاس أَن يتبعوه فَقَالَ: إِنِّي ذَاهِب
وَإِن لم يَتبعني أحد
فَانْتدبَ مَعَه أَبُو بكر وَعمر وَعلي وَعُثْمَان
وَالزُّبَيْر وَسعد وَطَلْحَة وَعبد الرَّحْمَن بن عَوْف وَعبد
الله بن مَسْعُود وَحُذَيْفَة بن الْيَمَان وَأَبُو عُبَيْدَة
بن الْجراح
فِي سبعين رجلا فَسَارُوا فِي طلب أبي سُفْيَان فطلبوه حَتَّى
بلغُوا الصَّفْرَاء فَأنْزل الله {الَّذين اسْتَجَابُوا لله
وَالرَّسُول} الْآيَة
وَأخرج النَّسَائِيّ وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ
بِسَنَد صَحِيح من طَرِيق عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ:
لما رَجَعَ الْمُشْركُونَ عَن أحد قَالُوا: لَا مُحَمَّدًا
قتلتم وَلَا الكواعب أردفتم
بئْسَمَا صَنَعْتُم ارْجعُوا
فَسمع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بذلك فندب
الْمُسلمين فانتدبوا حَتَّى بلغ حَمْرَاء الْأسد
أَو بِئْر أبي عنبة شكّ سُفْيَان فَقَالَ الْمُشْركُونَ:
نرْجِع قَابل
فَرجع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَكَانَت تعد
غَزْوَة
فَأنْزل الله {الَّذين اسْتَجَابُوا لله وَالرَّسُول}
(2/385)
الْآيَة
وَقد كَانَ أَبُو سُفْيَان قَالَ للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم: مَوْعدكُمْ موسم بدر حَيْثُ قتلتم أَصْحَابنَا فَأَما
الجبان فَرجع وَأما الشجاع فَأخذ أهبة الْقِتَال وَالتِّجَارَة
فَأتوهُ فَلم يَجدوا بِهِ أحدا وتسوقوا
فَأنْزل الله {فانقلبوا بِنِعْمَة من الله وَفضل} الْآيَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة قَالَ:
خرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى بدر الصُّغْرَى
وبهم الكلوم خَرجُوا لموعد أبي سُفْيَان فَمر بهم أَعْرَابِي
ثمَّ مر بِأبي سُفْيَان وَأَصْحَابه وَهُوَ يَقُول: ونفرت من
رفقتي مُحَمَّد وعجوة منثورة كالعنجد فَتَلقاهُ أَبُو سُفْيَان
فَقَالَ: وَيلك مَا تَقول
فَقَالَ: مُحَمَّد وَأَصْحَابه تَركتهم ببدر الصُّغْرَى
فَقَالَ أَبُو سُفْيَان: يَقُولُونَ ويصدقون ونقول وَلَا نصدق
وَأصَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم شَيْئا من
الْأَعْرَاب وانقلبوا قَالَ عِكْرِمَة: ففيهم أنزلت هَذِه
الْآيَة {الَّذين اسْتَجَابُوا لله وَالرَّسُول} إِلَى قَوْله
{فانقلبوا بِنِعْمَة من الله وَفضل}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن قَالَ إِن أَبَا سُفْيَان
وَأَصْحَابه أَصَابُوا من الْمُسلمين مَا أَصَابُوا وَرَجَعُوا
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن أَبَا
سُفْيَان قد رَجَعَ وَقد قذف الله فِي قلبه الرعب فَمن ينتدب
فِي طلبه فَقَامَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَبُو
بكر وَعمر وَعُثْمَان وَعلي وأناس من أَصْحَاب النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم
فتبعوهم فَبلغ أَبَا سُفْيَان أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم يَطْلُبهُ فلقي عيرًا من التُّجَّار فَقَالَ: ردوا
مُحَمَّدًا وَلكم من الْجعل كَذَا وَكَذَا
وأخبروهم أَنِّي قد جمعت لَهُم جموعاً وَإِنِّي رَاجع
إِلَيْهِم
فجَاء التُّجَّار فَأخْبرُوا بذلك النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: حَسبنَا الله
فَأنْزل الله {الَّذين اسْتَجَابُوا لله وَالرَّسُول} الْآيَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج قَالَ أخْبرت
أَن أَبَا سُفْيَان لما رَاح هُوَ وَأَصْحَابه يَوْم أحد
منقلبين قَالَ الْمُسلمُونَ للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم:
إِنَّهُم عامدون إِلَى الْمَدِينَة يَا رَسُول الله
فَقَالَ: إِن ركبُوا الْخَيل وَتركُوا الأثقال فهم عامدوها
وَإِن جَلَسُوا على الأثقال وَتركُوا الْخَيل فقد أرعبهم الله
فليسوا بعامديها
فَرَكبُوا الأثقال
ثمَّ ندب أُنَاسًا يتبعونهم ليروا أَن بهم قوّة فاتبعوهم
لَيْلَتَيْنِ أَو ثَلَاثًا فَنزلت {الَّذين اسْتَجَابُوا لله
وَالرَّسُول} الْآيَة
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن أبي شيبَة وَأحمد
وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَابْن ماجة وَابْن
(2/386)
جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم
وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن عَائِشَة فِي قَوْله
{الَّذين اسْتَجَابُوا لله وَالرَّسُول} الْآيَة
قَالَت لعروة: يَا ابْن أُخْتِي كَانَ أَبَوَاك مِنْهُم:
الزبير وَأَبُو بكر لما أصَاب نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم مَا أصَاب يَوْم أحد انْصَرف عَنهُ الْمُشْركُونَ خَافَ
أَن يرجِعوا فَقَالَ: من يرجع فِي أَثَرهم فَانْتدبَ مِنْهُم
سَبْعُونَ رجلا
فيهم أَبُو بكر وَالزُّبَيْر فَخَرجُوا فِي آثَار الْقَوْم
فَسَمِعُوا بهم فانصرفوا بِنِعْمَة من الله وَفضل
قَالَ: لم يلْقوا عدوّاً
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: نزلت هَذِه
الْآيَة فِينَا ثَمَانِيَة عشر رجلا {الَّذين اسْتَجَابُوا لله
وَالرَّسُول} الْآيَة
وَأخرج ابْن جرير عَن عِكْرِمَة قَالَ: كَانَ يَوْم أحد السبت
لِلنِّصْفِ من شوّال فَلَمَّا كَانَ الْغَد من يَوْم الْأَحَد
لست عشرَة لَيْلَة مَضَت من شوّال أذن مُؤذن رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم فِي النَّاس بِطَلَب الْعَدو وَأذن مؤذنه
أَن لَا يخْرجن مَعنا أحدا إِلَّا من حضر يَوْمنَا بالْأَمْس
فَكَلمهُ جَابر عَن عبد الله فَقَالَ: يَا رَسُول الله إِن أبي
كَانَ خلفني على أَخَوَات لي سبع وَقَالَ: يَا بني أَنه لَا
يَنْبَغِي لي وَلَا لَك أَن نَتْرُك هَؤُلَاءِ النسْوَة لَا
رجل فِيهِنَّ وَلست بِالَّذِي أوثرك بِالْجِهَادِ مَعَ رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على نَفسِي فَتخلف على أخواتك
فتخلفت عَلَيْهِنَّ
فَأذن لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَخرج مَعَه
وَإِنَّمَا خرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ترعيباً
للعدوّ ليبلغهم أَنه خرج فِي طَلَبهمْ لِيَظُنُّوا بِهِ قوّة
وَأَن الَّذِي أَصَابَهُم لم يُوهِنهُمْ من عدوهم
وَأخرج ابْن إِسْحَق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن
الْمُنْذر عَن أبي السَّائِب مولى عَائِشَة بنت عُثْمَان أَن
رجلا من أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من بني
عبد الْأَشْهَل كَانَ شهد أحدا قَالَ: شهِدت مَعَ رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أحدا أَنا وَأَخ لي فرجعنا جريحين
فَلَمَّا أذن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْخرُوجِ
فِي طلب الْعَدو قلت لأخي أَو قَالَ لي: تفوتنا غَزْوَة مَعَ
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا لنا من دَابَّة
نركبها وَمَا منا إِلَّا جريح ثقيل
فخرجنا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكنت أيسر
جرحا مِنْهُ فَكنت إِذا غلب حَملته عقبَة وَمَشى عقبَة حَتَّى
انتهينا إِلَى مَا انْتهى إِلَيْهِ الْمُسلمُونَ فَخرج رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى انْتهى إِلَى حَمْرَاء
الْأسد
وَهِي من الْمَدِينَة على ثَمَانِيَة أَمْيَال فَأَقَامَ بهَا
ثَلَاثًا
الْإِثْنَيْنِ وَالثُّلَاثَاء وَالْأَرْبِعَاء ثمَّ رَجَعَ
إِلَى الْمَدِينَة
فَنزل {الَّذين اسْتَجَابُوا لله وَالرَّسُول} الْآيَة
(2/387)
وَأخرج ابْن جرير عَن إِبْرَاهِيم قَالَ:
كَانَ عبد الله من {الَّذين اسْتَجَابُوا لله وَالرَّسُول}
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن سعيد بن جُبَير فِي قَوْله {من بعد
مَا أَصَابَهُم الْقرح} قَالَ: الْجِرَاحَات
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور عَن ابْن مَسْعُود أَنه كَانَ يقْرَأ
{من بعد مَا أَصَابَهُم الْقرح}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: افصلوا
بَينهمَا قَوْله {للَّذين أَحْسنُوا مِنْهُم وَاتَّقوا أجر
عَظِيم الَّذين قَالَ لَهُم النَّاس}
وَأخرج ابْن جرير عَن السّديّ قَالَ: لما نَدم أَبُو سُفْيَان
وَأَصْحَابه على الرُّجُوع عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم وَأَصْحَابه وَقَالُوا: ارْجعُوا فاستأصلوهم
فقذف الله فِي قُلُوبهم الرعب فهزموا فَلَقوا أَعْرَابِيًا
فَجعلُوا لَهُ جعلا فَقَالُوا لَهُ: إِن لقِيت مُحَمَّدًا
وَأَصْحَابه فَأخْبرهُم أَنا قد جَمعنَا لَهُم
فَأخْبر الله رَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فطلبهم حَتَّى
بلغ حَمْرَاء الْأسد فَلَقوا الْأَعرَابِي فِي الطَّرِيق
فَأخْبرهُم الْخَبَر فَقَالُوا: {حَسبنَا الله وَنعم
الْوَكِيل} ثمَّ رجعُوا من حَمْرَاء الْأسد
فَأنْزل الله فيهم وَفِي الْأَعرَابِي الَّذِي لَقِيَهُمْ
{الَّذين قَالَ لَهُم النَّاس إِن النَّاس قد جمعُوا لكم
فَاخْشَوْهُمْ} الْآيَة
وَأخرج ابْن سعد عَن ابْن أَبْزَى {الَّذين قَالَ لَهُم
النَّاس} قَالَ: أَبُو سُفْيَان
قَالَ لقوم: إِن لَقِيتُم أَصْحَاب مُحَمَّد فَأَخْبرُوهُمْ
أَنا قد جَمعنَا لَهُم جموعاً
فَأَخْبرُوهُمْ فَقَالُوا {حَسبنَا الله وَنعم الْوَكِيل}
وَأخرج ابْن جرير من طَرِيق الْعَوْفِيّ عَن ابْن عَبَّاس
قَالَ: اسْتقْبل أَبُو سُفْيَان فِي مُنْصَرفه من أحد عيرًا
وَارِدَة الْمَدِينَة ببضاعة لَهُم وَبينهمْ وَبَين النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جبال فَقَالَ: إِن لكم عليّ رضاكم إِن
أَنْتُم رددتم عني مُحَمَّدًا وَمن مَعَه إِن أَنْتُم وجدتموه
فِي طلبي أخبرتموه أَنِّي قد جمعت لَهُ جموعاً كَثِيرَة
فاستقبلت العير رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالُوا
لَهُ: يَا مُحَمَّد انا نخبرك أَن أَبَا سُفْيَان قد جمع لَك
جموعاً كَثِيرَة وَأَنه مقبل إِلَى الْمَدِينَة وَإِن شِئْت
أَن ترجع فافعل
فَلم يزده ذَلِك وَمن مَعَه إِلَّا يَقِينا {وَقَالُوا حَسبنَا
الله وَنعم الْوَكِيل} فَأنْزل الله {الَّذين قَالَ لَهُم
النَّاس إِن النَّاس قد جمعُوا} الْآيَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة قَالَ انْطلق
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وعصابة
(2/388)
من أَصْحَابه بَعْدَمَا انْصَرف أَبُو
سُفْيَان وَأَصْحَابه من أحد خَلفهم حَتَّى إِذا كَانُوا بِذِي
الحليفة فَجعل الْأَعْرَاب وَالنَّاس يأْتونَ عَلَيْهِم
فَيَقُولُونَ لَهُم: هَذَا أَبُو سُفْيَان مائل عَلَيْكُم
بِالنَّاسِ فَقَالُوا {حَسبنَا الله وَنعم الْوَكِيل} فَأنْزل
الله {الَّذين قَالَ لَهُم النَّاس} الْآيَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن أبي مَالك فِي
قَوْله {الَّذين قَالَ لَهُم النَّاس} الْآيَة
قَالَ: إِن أَبَا سُفْيَان كَانَ أرسل يَوْم أحد أَو يَوْم
الْأَحْزَاب إِلَى قُرَيْش وغَطَفَان وهوازن يستجيشهم على
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَبلغ ذَلِك رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمن مَعَه فَقيل: لَو ذهب نفر من
الْمُسلمين فأتوكم بالْخبر فَذهب نفر حَتَّى إِذا كَانُوا
بِالْمَكَانِ الَّذِي ذكر لَهُم أَنهم فِيهِ لم يرَوا أحدا
فَرَجَعُوا
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه والخطيب عَن أنس أَن النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم أَتَى يَوْم أحد فَقيل لَهُ: يَا رَسُول الله
{إِن النَّاس قد جمعُوا لكم فَاخْشَوْهُمْ} فَقَالَ {حَسبنَا
الله وَنعم الْوَكِيل} فَأنْزل الله {الَّذين قَالَ لَهُم
النَّاس} الْآيَة
وَأخرج ابْن مردوية عَن أبي رَافع أَن النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم وَجه عليا فِي نفر مَعَه فِي طلب أبي سُفْيَان
فَلَقِيَهُمْ أَعْرَابِي من خُزَاعَة فَقَالَ: إِن الْقَوْم قد
جمعُوا لكم {وَقَالُوا حَسبنَا الله وَنعم الْوَكِيل} فَنزلت
فيهم هَذِه الْآيَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي
حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {الَّذين قَالَ لَهُم النَّاس
إِن النَّاس قد جمعُوا لكم} قَالَ: هَذَا أَبُو سُفْيَان قَالَ
لمُحَمد يَوْم أحد: مَوْعدكُمْ بدر حَيْثُ قتلتم أَصْحَابنَا
فَقَالَ مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: عَسى
فَانْطَلق رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لموعده حَتَّى
نزل بَدْرًا فوافوا السُّوق فابتاعوا فَذَلِك قَوْله {فانقلبوا
بِنِعْمَة من الله وَفضل لم يمسسهم سوء} وَهِي غَزْوَة بدر
الصُّغْرَى
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن
أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة قَالَ: كَانَت بَدْرًا متجراً فِي
الْجَاهِلِيَّة وَكَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَاعد أَبَا سُفْيَان أَن يلقاه بهَا فَلَقِيَهُمْ رجل فَقَالَ
لَهُ: إِن بهما جمعا عَظِيما من الْمُشْركين
فَأَما الجبان فَرجع
وَأما الشجاع فَأخذ أهبة التِّجَارَة وأهبة الْقِتَال
{وَقَالُوا حَسبنَا الله وَنعم الْوَكِيل} ثمَّ خَرجُوا حَتَّى
جاؤوها فتسوّقوا بهَا وَلم يلْقوا أحدا فَنزلت {الَّذين قَالَ
لَهُم النَّاس} إِلَى قَوْله {بِنِعْمَة من الله وَفضل}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {فَزَادَهُم
إِيمَانًا} قَالَ: الإِيمان يزِيد وَينْقص
(2/389)
وَأخرج البُخَارِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن
أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن ابْن عَبَّاس
قَالَ {حَسبنَا الله وَنعم الْوَكِيل} قَالَهَا إِبْرَاهِيم
حِين ألقِي فِي النَّار وَقَالَهَا مُحَمَّد حِين قَالُوا {إِن
النَّاس قد جمعُوا لكم فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُم إِيمَانًا
وَقَالُوا حَسبنَا الله وَنعم الْوَكِيل}
وَأخرج البُخَارِيّ وَابْن الْمُنْذر وَالْحَاكِم
وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن ابْن عَبَّاس
قَالَ: كَانَ آخر قَول إِبْرَاهِيم حِين ألقِي فِي النَّار
{حَسبنَا الله وَنعم الْوَكِيل} وَقَالَ نَبِيكُم مثلهَا
{الَّذين قَالَ لَهُم النَّاس إِن النَّاس قد جمعُوا لكم
فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُم إِيمَانًا وَقَالُوا حَسبنَا الله
وَنعم الْوَكِيل}
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن
الْمُنْذر عَن ابْن عَمْرو قَالَ: هِيَ الْكَلِمَة الَّتِي
قَالَهَا إِبْرَاهِيم حِين ألقِي فِي النَّار {حَسبنَا الله
وَنعم الْوَكِيل} وَهِي الْكَلِمَة الَّتِي قَالَهَا نَبِيكُم
وَأَصْحَابه إِذْ قيل لَهُم {إِن النَّاس قد جمعُوا لكم
فَاخْشَوْهُمْ}
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِذا وَقَعْتُمْ فِي الْأَمر
الْعَظِيم فَقولُوا {حَسبنَا الله وَنعم الْوَكِيل}
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي الذّكر عَن عَائِشَة أَن
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ إِذا اشتدّ غمه مسح
بِيَدِهِ على رَأسه ولحيته ثمَّ تنفس الصعداء وَقَالَ: حسبي
الله وَنعم الْوَكِيل
وَأخرج أَبُو نعيم عَن شَدَّاد بن أَوْس قَالَ: قَالَ رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: حسبي الله وَنعم الْوَكِيل
أَمَان كل خَائِف
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ عَن بُرَيْدَة قَالَ قَالَ
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من قَالَ عشر كَلِمَات
عِنْد كل صَلَاة غَدَاة وجد الله عِنْدهن مكفياً مجزياً: خمس
للدنيا وَخمْس للآخرة: حسبي الله لديني حسبي الله لما أهمني
حسبي الله لمن بغى عليّ حسبي الله لمن حسدني حسبي الله لمن
كادني بِسوء حسبي الله عِنْد الْمَوْت حسبي الله عِنْد
الْمَسْأَلَة فِي الْقَبْر حسبي الله عِنْد الْمِيزَان حسبي
الله عِنْد الصِّرَاط حسبي الله لَا إِلَه إِلَّا هُوَ
عَلَيْهِ توكلت وَإِلَيْهِ أنيب
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن ابْن عَبَّاس فِي
قَوْله {فانقلبوا بِنِعْمَة من الله وَفضل} قَالَ {النِّعْمَة}
أَنهم سلمُوا و {الْفضل} إِن عيرًا مرَّت وَكَانَ فِي أَيَّام
الْمَوْسِم فاشتراها رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فربح
مَالا فَقَسمهُ بَين أَصْحَابه
(2/390)
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن
أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي الْآيَة قَالَ الْفضل مَا
أَصَابُوا من التِّجَارَة وَالْأَجْر
وَأخرج ابْن جرير عَن السّديّ قَالَ: أعْطى رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم حِين خرج إِلَى غَزْوَة بدر الصُّغْرَى
ببدر دَرَاهِم ابتاعوا بهَا من موسم بدر فَأَصَابُوا تِجَارَة
فَذَلِك قَول الله {فانقلبوا بِنِعْمَة من الله وَفضل لم
يمسسهم سوء} قَالَ: أما النِّعْمَة فَهِيَ الْعَافِيَة وَأما
الْفضل فالتجارة وَالسوء الْقَتْل
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم من طَرِيق الْعَوْفِيّ عَن
ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {لم يمسسهم سوء} قَالَ: لم يؤذهم أحد
{وَاتبعُوا رضوَان الله} قَالَ: أطاعوا الله وَرَسُوله
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم وَابْن
الْأَنْبَارِي فِي الْمَصَاحِف من طَرِيق عَطاء عَن ابْن
عَبَّاس أَنه كَانَ يقْرَأ إِنَّمَا ذَلِكُم الشَّيْطَان
يخوّفكم أولياءه
وَأخرج ابْن جرير من طَرِيق الْعَوْفِيّ عَن ابْن عَبَّاس
{إِنَّمَا ذَلِكُم الشَّيْطَان يخوّف أولياءه} يَقُول:
الشَّيْطَان يخوّف الْمُؤمنِينَ بأوليائه
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد
{إِنَّمَا ذَلِكُم الشَّيْطَان يخوّف أولياءه} قَالَ: يخوّف
الْمُؤمنِينَ بالكفار
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن أبي مَالك {يخوّف
أولياءه} قَالَ: يعظم أولياءه فِي أعينكُم
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن عِكْرِمَة فِي الْآيَة قَالَ:
تَفْسِيرهَا يخوّفكم بأوليائه
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن إِبْرَاهِيم فِي الْآيَة قَالَ:
يخوّف النَّاس أولياءه
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن فِي الْآيَة قَالَ:
إِنَّمَا كَانَ ذَلِك تخويف الشَّيْطَان وَلَا يخَاف
الشَّيْطَان إِلَّا ولي الشَّيْطَان
الْآيَتَانِ 176 - 177
(2/391)
وَلَا يَحْزُنْكَ
الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَنْ
يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا يُرِيدُ اللَّهُ أَلَّا يَجْعَلَ
لَهُمْ حَظًّا فِي الْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (176)
إِنَّ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ لَنْ
يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (177)
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن
الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وَلَا
يحزنك الَّذين يُسَارِعُونَ فِي الْكفْر} قَالَ: هم
المُنَافِقُونَ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن {وَلَا يحزنك الَّذين
يُسَارِعُونَ فِي الْكفْر} قَالَ: هم الْكفَّار
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد {إِن الَّذين
اشْتَروا الْكفْر بالإِيمان} قَالَ: هم المُنَافِقُونَ
وَالله أعلم
الْآيَة 178
(2/392)
وَلَا يَحْسَبَنَّ
الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ
لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا
وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (178)
أخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن أبي شيبَة
وَعبد بن حميد وَأَبُو بكر الْمروزِي فِي الْجَنَائِز وَابْن
جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ
وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: مَا من نفس برة
وَلَا فاجرة إِلَّا وَالْمَوْت خير لَهَا من الْحَيَاة إِن
كَانَ برا فقد قَالَ الله {وَمَا عِنْد الله خير للأبرار}
وَإِن كَانَ فَاجِرًا فقد قَالَ الله {وَلَا يَحسبن الَّذين
كفرُوا أَنما نملي لَهُم خير لأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نملي
لَهُم ليزدادوا إِثْمًا}
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن
الْمُنْذر عَن أبي الدَّرْدَاء قَالَ: مَا من مُؤمن إِلَّا
الْمَوْت خير لَهُ وَمَا من كَافِر إِلَّا الْمَوْت خير لَهُ
فَمن لم يصدقني فَإِن الله يَقُول (ومَا عِنْد الله خير
للأبرار) (آل عمرَان الْآيَة 198) {وَلَا يَحسبن الَّذين
كفرُوا أَنما نملي لَهُم خير لأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نملي
لَهُم ليزدادوا إِثْمًا وَلَهُم عَذَاب مهين}
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن الْمُنْذر عَن مُحَمَّد بن
كَعْب قَالَ: الْمَوْت خير للْكَافِرِ وَالْمُؤمن ثمَّ تَلا
هَذِه الْآيَة ثمَّ قَالَ: إِن الْكَافِر مَا عَاشَ كَانَ أَشد
لعذابه يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج عبد بن حميد عَن أبي بَرزَة قَالَ: مَا أحد إِلَّا
وَالْمَوْت خير لَهُ من الْحَيَاة فالمؤمن يَمُوت فيستريح
وَأما الْكَافِر فقد قَالَ الله {وَلَا يَحسبن الَّذين كفرُوا
أَنما نملي لَهُم خير} الْآيَة
الْآيَة 179
(2/392)
مَا كَانَ اللَّهُ
لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى
يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ
لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي
مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ
وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ (179)
أخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن
السّديّ قَالَ: قَالُوا إِن كَانَ مُحَمَّد صَادِقا فليخبرنا
بِمن يُؤمن بِهِ منا وَمن يكفر فَأنْزل الله {مَا كَانَ الله
ليذر الْمُؤمنِينَ على مَا أَنْتُم عَلَيْهِ} الْآيَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق عَليّ عَن ابْن عَبَّاس
قَالَ: يَقُول للْكفَّار {مَا كَانَ الله ليذر الْمُؤمنِينَ
على مَا أَنْتُم عَلَيْهِ} من الْكفْر {حَتَّى يُمَيّز
الْخَبيث من الطّيب} فيميز أهل السَّعَادَة من أهل الشقاوة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي
حَاتِم عَن قَتَادَة فِي الْآيَة قَالَ: يَقُول للْكفَّار لم
يكن ليَدع الْمُؤمنِينَ على مَا أَنْتُم عَلَيْهِ من
الضَّلَالَة حَتَّى يُمَيّز الْخَبيث من الطّيب فميز بَينهم
فِي الْجِهَاد وَالْهجْرَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي
حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي الْآيَة قَالَ: ميز بَينهم يَوْم أحد
الْمُنَافِق من الْمُؤمن
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور عَن مَالك بن دِينَار أَنه قَرَأَ
{حَتَّى يُمَيّز الْخَبيث من الطّيب}
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَاصِم أَنه قَرَأَ {حَتَّى يُمَيّز
الْخَبيث من الطّيب} مُخَفّفَة مَنْصُوبَة الْيَاء
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن فِي قَوْله {وَمَا كَانَ
الله ليطلعكم على الْغَيْب} قَالَ: وَلَا يَّطلع على الْغَيْب
إِلَّا رَسُول
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي
حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وَلَكِن الله يجتبي من رسله
من يَشَاء} قَالَ: يختصهم لنَفسِهِ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي مَالك {يَجْتَبي} قَالَ:
يستخلص
الْآيَة 180
(2/393)
وَلَا يَحْسَبَنَّ
الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ
هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ
مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ
السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ
خَبِيرٌ (180)
أخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن
عَبَّاس {وَلَا يَحسبن الَّذين يَبْخلُونَ بِمَا آتَاهُم الله
من فَضله} يَعْنِي بذلك أهل الْكتاب أَنهم بخلوا بِالْكتاب أَن
يبينوه للنَّاس {سيطوّقون مَا بخلوا بِهِ يَوْم الْقِيَامَة}
ألم تسمع أَنه قَالَ (يَبْخلُونَ ويأمرون النَّاس بالبخل)
(النِّسَاء الْآيَة 37) يَعْنِي أهل الْكتاب يَقُول: يكتمون
ويأمرون النَّاس بِالْكِتْمَانِ
وَأخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وَلَا يَحسبن
الَّذين يَبْخلُونَ بِمَا آتَاهُم الله من فَضله} قَالَ: هم
يهود
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ {وَلَا يَحسبن
الَّذين يَبْخلُونَ بِمَا آتَاهُم الله من فَضله} قَالَ: بخلوا
أَن ينفقوها فِي سَبِيل الله وَلم يُؤدوا زَكَاتهَا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن فِي الْآيَة قَالَ: هم
كَافِر وَمُؤمن بخل أَن ينْفق فِي سَبِيل الله
وَأخرج البُخَارِيّ عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من آتَاهُ الله مَالا فَلم يؤد
زَكَاته مثل لَهُ شُجَاع أَقرع لَهُ زَبِيبَتَانِ يطوّقه يَوْم
الْقِيَامَة فَيَأْخُذ بِلِهْزِمَتَيْهِ - يَعْنِي شدقيه -
فَيَقُول: أَنا مَالك
أَنا كَنْزك
ثمَّ تَلا هَذِه الْآيَة {وَلَا يَحسبن الَّذين يَبْخلُونَ
بِمَا آتَاهُم الله من فَضله} الْآيَة
وَأخرج أَحْمد وَعبد بن حميد وَالتِّرْمِذِيّ وَصَححهُ وَابْن
ماجة وَالنَّسَائِيّ وَابْن جرير وَابْن خُزَيْمَة وَابْن
الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن
مَسْعُود عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: مَا من
رجل لَا يُؤَدِّي زَكَاة مَاله إِلَّا مثل لَهُ يَوْم
الْقِيَامَة شُجَاع أَقرع يفر مِنْهُ وَهُوَ يتبعهُ فَيَقُول:
أَنا كَنْزك حَتَّى يطوّق فِي عُنُقه
ثمَّ قَرَأَ علينا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مصداقه من
كتاب الله {وَلَا يَحسبن الَّذين يَبْخلُونَ بِمَا آتَاهُم
الله من فَضله} الْآيَة
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَسَعِيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد
وَعبد الله بن أَحْمد فِي زَوَائِد الزّهْد وَابْن جرير وَابْن
الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم
وَصَححهُ عَن ابْن
(2/394)
مَسْعُود فِي قَوْله {سيطوّقون مَا بخلوا
بِهِ يَوْم الْقِيَامَة} قَالَ: من كَانَ لَهُ مَال لم يؤد
زَكَاته طوقه الله يَوْم الْقِيَامَة شجاعاً أَقرع بِفِيهِ
زَبِيبَتَانِ ينقر رَأسه حَتَّى يخلص إِلَى دماغه
وَلَفظ الْحَاكِم ينهسه فِي قَبره فَيَقُول: مَا لي وَلَك
فَيَقُول: أَنا مَالك الَّذِي بخلت بِي
وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة قَالَ: يكون المَال على
صَاحبه يَوْم الْقِيَامَة شجاعاً أَقرع إِذا لم يُعْط حق الله
مِنْهُ فيتبعه وَهُوَ يلوذ مِنْهُ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة فِي مُسْنده وَابْن جرير عَن حجر بن
بَيَان عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: مَا من
ذِي رحم يَأْتِي ذَا رَحمَه فيسأله من فضل مَا أعطَاهُ الله
إِيَّاه فيبخل عَلَيْهِ إِلَّا خرج لَهُ يَوْم الْقِيَامَة من
جَهَنَّم شُجَاع يتلمظ حَتَّى يطوقه
ثمَّ قَرَأَ {وَلَا يَحسبن الَّذين يَبْخلُونَ بِمَا آتَاهُم
الله من فَضله} الْآيَة
وَأخرج عبد بن حميد وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَحسنه
وَالنَّسَائِيّ وَابْن جرير وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن
مُعَاوِيَة بن حيدة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
قَالَ لَا يَأْتِي الرجل مَوْلَاهُ فيسأله من فضل مَال عِنْده
فيمنعه إِيَّاه إِلَّا دعى لَهُ يَوْم الْقِيَامَة شُجَاع
يتلمظ فَضله الَّذِي منع
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن جرير بن عبد الله البَجلِيّ قَالَ:
قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا من ذِي رحم
يَأْتِي ذَا رَحمَه فيسأله فضلا أعطَاهُ الله إِيَّاه فيبخل
عَلَيْهِ إِلَّا أخرج الله لَهُ حَيَّة من جَهَنَّم يُقَال
لَهَا شُجَاع يتلمظ فيطوّق بِهِ
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن أبي
الدَّرْدَاء سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
يَقُول: يُؤْتى بِصَاحِب المَال الَّذِي أطَاع الله فِيهِ
وَمَاله بَين يَدَيْهِ كلما تكفأ بِهِ الصِّرَاط قَالَ لَهُ
مَاله: أمض فقد أدّيت حق الله فيّ
ثمَّ يُجاء بِصَاحِب المَال الَّذِي لم يطع الله فِيهِ وَمَاله
بَين كَتفيهِ كلما تكفأ بِهِ الصِّرَاط قَالَ لَهُ مَاله:
وَيلك أَلا أدّيت حق الله فيّ فَمَا يزَال كَذَلِك حَتَّى
يَدْعُو بِالْوَيْلِ وَالثُّبُور
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن
مَسْرُوق فِي الْآيَة قَالَ: هُوَ الرجل يرزقه الله المَال
فَيمْنَع قرَابَته الْحق الَّذِي جعله الله لَهُم فِي مَاله
فَيجْعَل حَيَّة فيطوقها فَيَقُول للحية: مَا لي وَلَك
فَتَقول: أَنا مَالك
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَسَعِيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد
وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن
إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ فِي قَوْله {سيطوّقون مَا بخلوا بِهِ
يَوْم الْقِيَامَة} قَالَ: طوقاً من نَار
(2/395)
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن
الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد {سيطوّقون مَا بخلوا
بِهِ} قَالَ: سيكلفون أَن يَأْتُوا بِمثل مَا بخلوا بِهِ من
أَمْوَالهم يَوْم الْقِيَامَة
الْآيَتَانِ 181 - 182
(2/396)
لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ
قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ
أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ
الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ
الْحَرِيقِ (181) ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ
اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (182)
أخرج ابْن إِسْحَق وَابْن جرير وَابْن
الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم من طَرِيق عِكْرِمَة عَن ابْن
عَبَّاس قَالَ: دخل أَبُو بكر بَيت الْمِدْرَاس فَوجدَ يهود قد
اجْتَمعُوا إِلَى رجل مِنْهُم يُقَال لَهُ فنحَاص وَكَانَ من
عُلَمَائهمْ وَأَحْبَارهمْ فَقَالَ أَبُو بكر: وَيلك يَا
فنحَاص
اتَّقِ الله وَأسلم فوَاللَّه أَنَّك لتعلم أَن مُحَمَّدًا
رَسُول الله تجدونه مَكْتُوبًا عنْدكُمْ فِي التَّوْرَاة
فَقَالَ فنخاص: وَالله يَا أَبَا بكر مَا بِنَا إِلَى الله من
فقر وَإنَّهُ إِلَيْنَا لفقير وَمَا نَتَضَرَّع إِلَيْهِ كَمَا
يتَضَرَّع إِلَيْنَا وَإِنَّا عَنهُ لأغنياء وَلَو كَانَ
غَنِيا عَنَّا مَا اسْتقْرض منا كَمَا يزْعم صَاحبكُم
يَنْهَاكُم عَن الرِّبَا وَيُعْطِينَا وَلَو كَانَ غَنِيا
عَنَّا مَا أَعْطَانَا الرِّبَا
فَغَضب أَبُو بكر فَضرب وَجه فنحَاص ضَرْبَة شَدِيدَة وَقَالَ:
وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لَوْلَا الْعَهْد الَّذِي بَيْننَا
وَبَيْنك لضَرَبْت عُنُقك يَا عدوّ الله
فَذهب فنحَاص إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فَقَالَ: يَا مُحَمَّد انْظُر مَا صنع صَاحبك بِي فَقَالَ
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأبي بكر مَا حملك على
مَا صنعت قَالَ: يَا رَسُول الله قَالَ قولا عَظِيما: يزْعم
أَن الله فَقير وَأَنَّهُمْ عَنهُ أَغْنِيَاء
فَلَمَّا قَالَ ذَلِك غضِبت لله مِمَّا قَالَ فَضربت وَجهه
فَجحد فنحَاص فَقَالَ: مَا قلت ذَلِك
فَأنْزل الله فِيمَا قَالَ فنحَاص تَصْدِيقًا لأبي بكر {لقد
سمع الله قَول الَّذين قَالُوا إِن الله فَقير} الْآيَة
وَنزل فِي أبي بكر وَمَا بلغه فِي ذَلِك من الْغَضَب (ولتسمعن
من الَّذين أُوتُوا الْكتاب من قبلكُمْ وَمن الَّذين أشركوا
أَذَى كثيرا
) (آل عمرَان الْآيَة 186) الْآيَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر من وَجه آخر عَن عِكْرِمَة
أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعث أَبَا
(2/396)
بكر إِلَى فنحَاص الْيَهُودِيّ يستمده
وَكتب إِلَيْهِ وَقَالَ لأبي بكر: لَا تفتت عليّ بِشَيْء
حَتَّى ترجع إليَّ
فَلَمَّا قَرَأَ فنحَاص الْكتاب قَالَ: قد احْتَاجَ ربكُم
قَالَ أَبُو بكر فهممت أَن أمده بِالسَّيْفِ ثمَّ ذكرت قَول
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا تفتت عليّ بِشَيْء
فَنزلت {لقد سمع الله قَول الَّذين قَالُوا} الْآيَة
وَقَوله (ولتسمعن من الَّذين أُوتُوا الْكتاب من قبلكُمْ) (آل
عمرَان الْآيَة 186) وَمَا بَين ذَلِك فِي يهود بني قينقاع
وَأخرج ابْن جرير عَن السّديّ فِي قَوْله {لقد سمع الله قَول
الَّذين قَالُوا إِن الله فَقير} قَالَهَا فنحَاص الْيَهُودِيّ
من بني مرْثَد لقِيه أَبُو بكر فَكَلمهُ فَقَالَ لَهُ: يَا
فنحَاص اتَّقِ الله وآمن وَصدق وأقرض الله قرضا حسنا
فَقَالَ فنحَاص: يَا أَبَا بكر تزْعم أَن رَبنَا غَنِي
وتستقرضنا لأموالنا وَمَا يستقرض إِلَّا الْفَقِير من
الْغَنِيّ إِن كَانَ مَا تَقول حَقًا فَإِن الله إِذن لفقير
فَأنْزل الله هَذَا فَقَالَ أَبُو بكر: فلولا هدنة كَانَت بَين
بني مرْثَد وَبَين النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لقتلته
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد
قَالَ: صك أَبُو بكر رجلا مِنْهُم {الَّذين قَالُوا إِن الله
فَقير وَنحن أَغْنِيَاء} لم يستقرضنا وَهُوَ غَنِي
وهم يهود
وَأخرج ابْن جرير عَن شبْل فِي الْآيَة قَالَ: بَلغنِي أَنه
فنحَاص الْيَهُودِيّ وَهُوَ الَّذِي قَالَ (إِن الله ثَالِث
ثَلَاثَة) (الْمَائِدَة الْآيَة 73) و (يَد الله مغلولة)
(الْمَائِدَة الْآيَة 64)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق سعيد بن جُبَير عَن ابْن
عَبَّاس قَالَ: أَتَت الْيَهُود مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم حِين أنزل الله (من ذَا الَّذِي يقْرض الله قرضا حسنا)
(الْبَقَرَة الْآيَة 245) فَقَالُوا: يَا مُحَمَّد أفقير
رَبنَا يسْأَل عباده الْقَرْض فَأنْزل الله {لقد سمع الله قَول
الَّذين قَالُوا} الْآيَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة فِي قَوْله
{لقد سمع الله} الْآيَة
قَالَ: ذكر لنا أَنَّهَا نزلت فِي حييّ بن أَخطب لما نزلت (من
ذَا الَّذِي يقْرض الله قرضا حسنا فيضاعفه لَهُ أضعافاً
كَثِيرَة) (الْبَقَرَة الْآيَة 245) قَالَ: يستقرضنا رَبنَا
إِنَّمَا يستقرض الْفَقِير الْغَنِيّ
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن الْعَلَاء بن بدر
أَنه سُئِلَ عَن قَوْله {وقتلهم الْأَنْبِيَاء بِغَيْر حق} وهم
لم يدركوا ذَلِك قَالَ: بِمُوَالَاتِهِمْ من قتل أَنْبيَاء
الله
(2/397)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن فِي
قَوْله {ونقول ذوقوا عَذَاب الْحَرِيق} قَالَ: بَلغنِي أَنه
يحرق أحدهم فِي الْيَوْم سبعين ألف مرّة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَإِن
الله لَيْسَ بظلام للعبيد} قَالَ: مَا أَنا بمعذب من لم يجترم
الْآيَات 183 - 185
(2/398)
الَّذِينَ قَالُوا
إِنَّ اللَّهَ عَهِدَ إِلَيْنَا أَلَّا نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ
حَتَّى يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ قُلْ قَدْ
جَاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالَّذِي
قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ
(183) فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ
جَاءُوا بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَالْكِتَابِ الْمُنِيرِ
(184) كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا
تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ
عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا
الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ (185)
أخرج ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق
الْعَوْفِيّ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {حَتَّى يأتينا
بقربان تَأْكُله النَّار} قَالَ: يتَصَدَّق الرجل منا فَإِذا
تقبل مِنْهُ أنزلت عَلَيْهِ نَار من السَّمَاء فأكلته
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج قَالَ: كَانَ من قبلنَا
من الْأُمَم يقرب أحدهم القربان فَتخرج النَّاس فَيَنْظُرُونَ
أيتقبل مِنْهُم أم لَا فَإِن تقبل مِنْهُم جَاءَت نَار
بَيْضَاء من السَّمَاء فَأكلت مَا قرب وَإِن لم يتَقَبَّل لم
تأت النَّار فَعرف النَّاس أَن لم يقبل مِنْهُم فَلَمَّا بعث
الله مُحَمَّدًا سَأَلَهُ أهل الْكتاب أَن يَأْتِيهم بقربان
{قل قد جَاءَكُم رسل من قبلي بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالَّذِي
قُلْتُمْ} القربان {فلمَ قَتَلْتُمُوهُمْ} يعيرهم بكفرهم قبل
الْيَوْم
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن الضَّحَّاك فِي
قَوْله {الَّذين قَالُوا إِن الله عهد} الْآيَة
قَالَ هم الْيَهُود قَالُوا لمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم:
إِن أَتَيْتنَا بقربان تَأْكُله النَّار صدقناك وَإِلَّا فلست
بِنَبِي
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن الشّعبِيّ قَالَ:
إِن الرجل يشْتَرك فِي
(2/398)
دم الرجل وَقد قتل قبل أَن يُولد
ثمَّ قَرَأَ الشّعبِيّ {قل قد جَاءَكُم رسل من قبلي
بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلم قَتَلْتُمُوهُمْ}
فجعلهم هم الَّذين قتلوهم وَلَقَد قتلوا قبل أَن يولدوا
بسبعمائة عَام
وَلَكِن قَالُوا قتلوا بِحَق وَسنة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن فِي قَوْله {الَّذين
قَالُوا إِن الله عهد إِلَيْنَا} الْآيَة
قَالَ: كذبُوا على الله
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْعَلَاء بن بدر قَالَ: كَانَت
رسل تَجِيء بِالْبَيِّنَاتِ ورسل عَلامَة نبوتهم أَن يضع أحدهم
لحم الْبَقر على يَده فتجيء نَار من السَّمَاء فتأكله
فَأنْزل الله {قد جَاءَكُم رسل من قبلي بِالْبَيِّنَاتِ
وَبِالَّذِي قُلْتُمْ}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {فَإِن
كَذبُوك} قَالَ: الْيَهُود
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {فقد كذبت رسل
من قبلك} قَالَ: يعزي نبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ عَن أَصْحَابه فِي قَوْله
{بِالْبَيِّنَاتِ} قَالَ: الْحَرَام والحلال {والزبر} قَالَ:
كتب الْأَنْبِيَاء {وَالْكتاب الْمُنِير} قَالَ: هُوَ
الْقُرْآن
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {والزبر
وَالْكتاب الْمُنِير} قَالَ: يُضَاعف الشَّيْء وَهُوَ وَاحِد
قَوْله تَعَالَى: {كل نفس ذائقة الْمَوْت} الْآيَة
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عَليّ بن عَليّ بن أبي طَالب قَالَ:
لما توفّي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَجَاءَت
التَّعْزِيَة
جَاءَهُم آتٍ يسمعُونَ حسه وَلَا يرَوْنَ شخصه فَقَالَ:
السَّلَام عَلَيْكُم يَا أهل الْبَيْت وَرَحْمَة الله
وَبَرَكَاته {كل نفس ذائقة الْمَوْت وَإِنَّمَا توفون أجوركم
يَوْم الْقِيَامَة} إِن فِي الله عزاء من كل مُصِيبَة وخلفاً
من كل هَالك ودركاً من كل مَا فَاتَ فبالله فثقوا وإياه فأرجوا
فَإِن الْمُصَاب من حرم الثَّوَاب
فَقَالَ عَليّ: هَذَا الْخضر
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وهناد وَعبد بن حميد وَالتِّرْمِذِيّ
وَالْحَاكِم وصححاه وَابْن حبَان وَابْن جرير وَابْن أبي
حَاتِم عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم: إِن مَوضِع سَوط فِي الْجنَّة خير من
الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا واقرؤوا إِن شِئْتُم {فَمن زحزح عَن
النَّار وَأدْخل الْجنَّة فقد فَازَ وَمَا الْحَيَاة
الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاع الْغرُور}
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن سهل بن سعد قَالَ: قَالَ رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لموْضِع سَوط
(2/399)
أحدكُم فِي الْجنَّة خير من الدُّنْيَا
وَمَا فِيهَا
ثمَّ تَلا هَذِه الْآيَة {فَمن زحزح عَن النَّار وَأدْخل
الْجنَّة فقد فَازَ}
وَأخرج عبد بن حميد عَن أنس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم: لغدوة أَو رَوْحَة فِي سَبِيل الله خير من
الدُّنْيَا بِمَا عَلَيْهَا وَلَقَاب قَوس أحدهم فِي الْجنَّة
خير من الدُّنْيَا بِمَا عَلَيْهَا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الرّبيع قَالَ: إِن آخر من يدْخل
الْجنَّة يعْطى من النُّور بِقدر مَا دَامَ يحبو فَهُوَ فِي
النُّور حَتَّى تجَاوز الصِّرَاط
فَذَلِك قَوْله {فَمن زحزح عَن النَّار وَأدْخل الْجنَّة فقد
فَازَ}
وَأخرج أَحْمد عَن ابْن عَمْرو قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم: من أحب أَن يزحزح عَن النَّار وَأَن
يدْخل الْجنَّة فلتدركه منيته وَهُوَ يُؤمن بِاللَّه
وَالْيَوْم الآخر وليأت إِلَى النَّاس مَا يحب أَن يُؤْتى
إِلَيْهِ
وَأخرج الطستي فِي مسَائِله عَن ابْن عَبَّاس إِن نَافِع بن
الْأَزْرَق سَأَلَهُ عَن قَوْله {فقد فَازَ} قَالَ سعد:
وَنَجَا
قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم
أما سَمِعت قَول عبد الله بن رَوَاحَة: وَعَسَى أَن أفوز ثمت
ألْقى حجَّة اتَّقى بهَا الفتانا وَأخرج ابْن جرير عَن عبد
الرَّحْمَن بن سابط فِي قَوْله {وَمَا الْحَيَاة الدُّنْيَا
إِلَّا مَتَاع الْغرُور} قَالَ: كزاد الرَّاعِي يزوده الْكَفّ
من التَّمْر أَو الشَّيْء من الدَّقِيق يشرب عَلَيْهِ اللَّبن
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة {وَمَا الْحَيَاة
الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاع الْغرُور} قَالَ: هِيَ مَتَاع
مَتْرُوك أوشكت وَالله أَن تضمحل عَن أَهلهَا فَخُذُوا من
هَذَا الْمَتَاع طَاعَة الله إِن اسْتَطَعْتُم
وَلَا قوّة إِلَّا بِاللَّه
الْآيَة 186
(2/400)
لَتُبْلَوُنَّ فِي
أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ
أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ
أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا
فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (186)
أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن
أبي حَاتِم عَن ابْن جريج فِي قَوْله {لتبلون} الْآيَة قَالَ:
أعلم الله الْمُؤمنِينَ أَنه سيبتليهم فَينْظر كَيفَ صبرهم على
دينهم
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن الزُّهْرِيّ فِي
قَوْله {ولتسمعن من الَّذين أُوتُوا الْكتاب من قبلكُمْ}
قَالَ: هُوَ كَعْب بن الْأَشْرَف وَكَانَ يحرض الْمُشْركين على
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه فِي شعره ويهجو
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه
وَأخرج ابْن الْمُنْذر من طَرِيق الزُّهْرِيّ عَن عبد
الرَّحْمَن بن كَعْب بن مَالك
مثله
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن
جريج {ولتسمعن من الَّذين أُوتُوا الْكتاب} يَعْنِي الْيَهُود
وَالنَّصَارَى فَكَانَ الْمُسلمُونَ يسمعُونَ من الْيَهُود
قَوْلهم: عُزَيْر ابْن الله
وَمن النَّصَارَى قَوْلهم: الْمَسِيح ابْن الله
وَكَانَ الْمُسلمُونَ ينصبون لَهُم الْحَرْب ويسمعون إشراكهم
بِاللَّه {وَإِن تصبروا وتتقوا فَإِن ذَلِك من عزم الْأُمُور}
قَالَ: من القوّة مِمَّا عزم الله عَلَيْهِ وأمركم بِهِ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن فِي قَوْله {وَإِن تصبروا
وتتقوا} الْآيَة
قَالَ: أَمر الله الْمُؤمنِينَ أَن يصبروا على من آذاهم رغم
أَنهم كَانُوا يَقُولُونَ: يَا أَصْحَاب مُحَمَّد لَسْتُم على
شَيْء نَحن أولى مِنْكُم أَنْتُم ضلال
فَأمروا أَن يمضوا ويصبروا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير فِي قَوْله {إِن
ذَلِك من عزم الْأُمُور} يَعْنِي هَذَا الصَّبْر على الْأَذَى
فِي الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر {من عزم
الْأُمُور} يَعْنِي من حق الْأُمُور الَّتِي أَمر الله
تَعَالَى
الْآيَة 187
(2/401)
وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ
مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ
لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ
ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا
يَشْتَرُونَ (187)
أخرج ابْن إِسْحَق وَابْن جرير من طَرِيق
عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس {وَإِذ أَخذ الله مِيثَاق الَّذين
أُوتُوا الْكتاب لتبيننه للنَّاس} إِلَى قَوْله {عَذَاب
أَلِيم} يَعْنِي فنحَاص وَأشيع وإشباههما من الْأَحْبَار
(2/401)
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم من
طَرِيق الْعَوْفِيّ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَإِذ أَخذ
الله مِيثَاق الَّذين أُوتُوا الْكتاب لتبيننه للنَّاس} قَالَ:
كَانَ أَمرهم أَن يتبعوا النَّبِي الْأُمِّي الَّذِي يُؤمن
بِاللَّه وكلماته وَقَالَ: واتبعوه لَعَلَّكُمْ تهتدون
فَلَمَّا بعث الله مُحَمَّدًا قَالَ (وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم)
(الْبَقَرَة الْآيَة 40) عاهدهم على ذَلِك فَقَالَ حِين بعث
مُحَمَّدًا: صدقوه وتلقون عِنْدِي الَّذِي أَحْبَبْتُم
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم من طَرِيق عَلْقَمَة
بن وَقاص عَن ابْن عَبَّاس فِي الْآيَة قَالَ: فِي التَّوْرَاة
وَالْإِنْجِيل أَن الإِسلام دين الله الَّذِي افترضه على عباده
وَأَن مُحَمَّدًا رَسُول الله يجدونه مَكْتُوبًا عِنْدهم فِي
التَّوْرَاة والإِنجيل فينبذونه
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن سعيد
بن جُبَير فِي الْآيَة {وَإِذ أَخذ الله مِيثَاق الَّذين
أُوتُوا الْكتاب} قَالَ: الْيَهُود {لتبيننه للنَّاس} قَالَ:
مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج ابْن جرير عَن السّديّ فِي الْآيَة قَالَ: إِن الله
أَخذ مِيثَاق الْيَهُود لتبينن للنَّاس مُحَمَّدًا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي
حَاتِم عَن قَتَادَة فِي الْآيَة قَالَ: هَذَا مِيثَاق أَخذه
الله على أهل الْعلم فَمن علم علما فليعلمه للنَّاس
وَإِيَّاكُم وكتمان الْعلم فَإِن كتمان الْعلم هلكة وَلَا
يتكلفن رجل مَا لَا علم لَهُ بِهِ فَيخرج من دين الله فَيكون
من المتكلفين
كَانَ يَقُول مثل علم لَا يُقَال بِهِ كَمثل كنز لَا ينْتَفع
بِهِ وَمثل حِكْمَة لَا تخرج كَمثل صنم قَائِم لَا يَأْكُل
وَلَا يشرب
وَكَانَ يُقَال فِي الْحِكْمَة: طُوبَى لعالم نَاطِق وطوبى
لمستمع واع
هَذَا رجل عَلِمَ عِلماً فَعَلَّمَه وبذله ودعا إِلَيْهِ وَرجل
سمع خيرا فحفظه ووعاه وانتفع بِهِ
وَأخرج ابْن جرير عَن أبي عُبَيْدَة قَالَ: جَاءَ رجل إِلَى
قوم فِي الْمَسْجِد وَفِيه عبد الله بن مَسْعُود فَقَالَ: إِن
أَخَاكُم كَعْبًا يقرؤكم السَّلَام ويبشركم أَن هَذِه الْآيَة
لَيست فِيكُم {وَإِذ أَخذ الله مِيثَاق الَّذين أُوتُوا
الْكتاب لتبيننه للنَّاس وَلَا تكتمونه} فَقَالَ لَهُ عبد
الله: وَأَنت فاقرئه السَّلَام أَنَّهَا نزلت وَهُوَ يَهُودِيّ
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير قَالَ:
قلت لِابْنِ عَبَّاس: أَن أَصْحَاب عبد الله يقرؤون وَإِذ أَخذ
رَبك من الَّذين أُوتُوا الْكتاب ميثاقهم
(2/402)
وَأخرج ابْن جرير عَن الْحسن أَنه كَانَ
يُفَسر قَوْله {لتبيننه للنَّاس وَلَا تكتمونه} ليتكلمن
بِالْحَقِّ وليصدقنه بِالْعَمَلِ
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن
الشّعبِيّ فِي قَوْله {فنبذوه وَرَاء ظُهُورهمْ} قَالَ
إِنَّهُم قد كَانُوا يقرؤونه وَلَكنهُمْ نبذوا الْعَمَل بِهِ
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن جريج {فنبذوه} قَالَ: نبذوا
الْمِيثَاق
وَأخرج ابْن جرير عَن السّديّ {واشتروا بِهِ ثمنا قَلِيلا}
أخذُوا طعما وكتموا اسْم مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
قَالَ: كتموا وَبَاعُوا فَلم يبدوا شَيْئا إِلَّا بِثمن
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي
حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {فبئس مَا يشْتَرونَ} قَالَ:
تَبْدِيل يهود التَّوْرَاة
وَأخرج عبد بن حميد عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: لَوْلَا مَا أَخذ
الله على أهل الْكتاب مَا حدثتكم
وتلا {وَإِذ أَخذ الله مِيثَاق الَّذين أُوتُوا الْكتاب
لتبيننه للنَّاس وَلَا تكتمونه}
وَأخرج ابْن سعد عَن الْحسن قَالَ لَوْلَا الْمِيثَاق الَّذِي
أَخذه الله على أهل الْعلم مَا حدثتكم بِكَثِير مِمَّا
تسْأَلُون عَنهُ
الْآيَتَانِ 188 - 189
(2/403)
لَا تَحْسَبَنَّ
الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ
يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلَا تَحْسَبَنَّهُمْ
بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (188)
وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى
كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (189)
أخرج البُخَارِيّ وَمُسلم وَأحمد
وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر
وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم
وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب من طَرِيق حميد بن عبد الرَّحْمَن
بن عَوْف أَن مَرْوَان قَالَ لبوّابه: اذْهَبْ يَا رَافع إِلَى
ابْن عَبَّاس فَقل لَهُ: لَئِن كَانَ كل امرىء منا فَرح بِمَا
أَتَى وَأحب أَن يحمد بِمَا لم يفعل معذباً لَنُعَذَّبَنَّ
أَجْمَعِينَ
فَقَالَ ابْن عَبَّاس مَا لكم ولهذه الْآيَة إِنَّمَا أنزلت
هَذِه فِي أهل الْكتاب ثمَّ تَلا ابْن عَبَّاس {وَإِذ أَخذ
الله مِيثَاق الَّذين أُوتُوا الْكتاب لتبيننه للنَّاس} آل
عمرَان الْآيَة 187 الْآيَة وتلا {لَا تحسبن الَّذين يفرحون
بِمَا أَتَوا} الْآيَة فَقَالَ ابْن عَبَّاس: سَأَلَهُمْ
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن
(2/403)
شَيْء فَكَتَمُوهُ إِيَّاه وَأَخْبرُوهُ
بِغَيْرِهِ فَخَرجُوا وَقد أروه أَن قد أَخْبرُوهُ بِمَا
سَأَلَهُمْ عَنهُ وَاسْتحْمدُوا بذلك إِلَيْهِ وفرحوا بِمَا
أَتَوا من كتمان مَا سَأَلَهُمْ عَنهُ
وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر
وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن أبي
سعيد الْخُدْرِيّ أَن رجَالًا من الْمُنَافِقين كَانُوا إِذا
خرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الْغَزْو
تخلفوا عَنهُ وفرحوا بِمَقْعَدِهِمْ خلاف رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم فَإِذا قدم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم من الْغَزْو اعتذروا إِلَيْهِ وحلفوا وأحبوا أَن
يحْمَدُوا بِمَا لم يَفْعَلُوا
فَنزلت {لَا تحسبن الَّذين يفرحون بِمَا أَتَوا} الْآيَة
وَأخرج عبد بن حميد عَن زيد بن أسلم أَن رَافع بن خديج وَزيد
بن ثَابت كَانَا عِنْد مَرْوَان وَهُوَ أَمِير بِالْمَدِينَةِ
فَقَالَ مَرْوَان: يَا رَافع فِي أَي شَيْء نزلت هَذِه الْآيَة
{لَا تحسبن الَّذين يفرحون بِمَا أَتَوا} قَالَ رَافع: أنزلت
فِي نَاس من الْمُنَافِقين كَانُوا إِذا خرج النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم اعتذروا وَقَالُوا: مَا حبسنا عَنْكُم إِلَّا
الشّغل فلوددنا أَنا كُنَّا مَعكُمْ فَأنْزل الله فيهم هَذِه
الْآيَة فَكَأَن مَرْوَان أنكر ذَلِك فجزع رَافع من ذَلِك
فَقَالَ لزيد ين ثَابت: أنْشدك بِاللَّه هَل تعلم مَا أَقُول
قَالَ: نعم
فَلَمَّا خرجا من عِنْد مَرْوَان قَالَ لَهُ زيد: أَلا تحمدني
شهِدت لَك قَالَ: أحمدك أَن تشهد بِالْحَقِّ قَالَ: نعم
قد حمد الله على الْحق أَهله
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن زيد فِي الْآيَة قَالَ: هَؤُلَاءِ
المُنَافِقُونَ يَقُولُونَ للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
لَو قد خرجت لخرجنا مَعَك فَإِذا خرج النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم تخلفوا وكذبوا ويفرحون بذلك ويرون أَنَّهَا
حِيلَة احْتَالُوا بهَا
وَأخرج ابْن إِسْحَق وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم من طَرِيق
عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس فِي الْآيَة قَالَ: يَعْنِي فنحَاص
وَأشيع وأشباههما من الْأَحْبَار الَّذين يفرحون بِمَا يصيبون
من الدُّنْيَا على مَا زَينُوا للنَّاس من الضَّلَالَة
{وَيُحِبُّونَ أَن يحْمَدُوا بِمَا لم يَفْعَلُوا} أَن يَقُول
لَهُم النَّاس عُلَمَاء وَلَيْسوا بِأَهْل علم لم يحملوهم على
هدى وَلَا خير وَيُحِبُّونَ أَن يَقُول لَهُم النَّاس قد فعلوا
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم من طَرِيق الْعَوْفِيّ عَن
ابْن عَبَّاس فِي الْآيَة قَالَ: هم أهل الْكتاب أنزل الله
عَلَيْهِم الْكتاب فحكموا بِغَيْر الْحق وحرفوا الْكَلم عَن
موَاضعه وفرحوا بذلك وأحبوا أَن يحْمَدُوا بِمَا لم يَفْعَلُوا
فرحوا أَنهم كفرُوا بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمَا
أنزل الله إِلَيْهِ وهم يَزْعمُونَ أَنهم يعْبدُونَ الله
وَيَصُومُونَ وَيصلونَ
(2/404)
ويطيعون الله فَقَالَ الله لمُحَمد {لَا
تحسبن الَّذين يفرحون بِمَا أَتَوا} كفرُوا بِمُحَمد صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم وَكَفرُوا بِاللَّه وَيُحِبُّونَ أَن يحْمَدُوا
بِمَا لم يَفْعَلُوا من الصَّلَاة وَالصَّوْم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن الضَّحَّاك فِي الْآيَة
قَالَ: إِن الْيَهُود كتب بَعضهم إِلَى بعض: أَن مُحَمَّدًا
لَيْسَ بِنَبِي فَأَجْمعُوا كلمتكم وتمسكوا بدينكم
وَكِتَابكُمْ الَّذِي مَعكُمْ فَفَعَلُوا فَفَرِحُوا بذلك
وفرحوا باجتماعهم على الْكفْر بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم
وَأخرج ابْن جرير عَن السّديّ فِي الْآيَة قَالَ: كتموا اسْم
مُحَمَّد فَفَرِحُوا بذلك حِين اجْتَمعُوا عَلَيْهِ وَكَانُوا
يزكون أنفسهم فَيَقُولُونَ: نَحن أهل الصّيام وَأهل الصَّلَاة
وَأهل الزَّكَاة وَنحن على دين إِبْرَاهِيم
فَأنْزل الله فيهم {لَا تحسبن الَّذين يفرحون بِمَا أَتَوا} من
كتمان مُحَمَّد {وَيُحِبُّونَ أَن يحْمَدُوا بِمَا لم
يَفْعَلُوا} أَحبُّوا أَن تحمدهم الْعَرَب بِمَا يزكون بِهِ
أنفسهم وَلَيْسوا كَذَلِك
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير {لَا
تحسبن الَّذين يفرحون بِمَا أَتَوا} قَالَ: بكتمانهم
مُحَمَّدًا {وَيُحِبُّونَ أَن يحْمَدُوا بِمَا لم يَفْعَلُوا}
قَالَ: هُوَ قَوْلهم نَحن على دين إِبْرَاهِيم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي
حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي الْآيَة قَالَ: يهود فرحوا بإعجاب
النَّاس بتبديلهم الْكتاب وحمدهم إيَّاهُم عَلَيْهِ
وَلَا تملك يهود ذَلِك وَلنْ تَفْعَلهُ
وَأخرج ابْن جرير عَن سعيد بن جُبَير فِي الْآيَة قَالَ: هم
الْيَهُود يفرحون بِمَا آتى الله إِبْرَاهِيم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة قَالَ: ذكر لنا
أَن يهود خَيْبَر أَتَوا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فزعموا أَنهم راضون بِالَّذِي جَاءَ بِهِ وَأَنَّهُمْ متابعوه
وهم متمسكون بضلالتهم وَأَرَادُوا أَن يحمدهم النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم بِمَا لم يَفْعَلُوا
فَأنْزل الله {لَا تحسبن الَّذين يفرحون} الْآيَة
وَأخرج عبد الزراق وَابْن جرير من وَجه آخر عَن قَتَادَة فِي
الْآيَة قَالَ: إِن أهل خَيْبَر أَتَوا النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه فَقَالُوا: إِنَّا على رَأْيكُمْ
وَإِنَّا لكم ردء
فأكذبهم الله
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن فِي الْآيَة قَالَ: إِن
الْيَهُود من أهل خَيْبَر قدمُوا
(2/405)
على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَقَالُوا: قد قبلنَا الدّين ورضينا بِهِ فأحبوا أَن يحْمَدُوا
بِمَا لم يَفْعَلُوا
وَأخرج مَالك وَابْن سعد وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن
مُحَمَّد بن ثَابت أَن ثَابت بن قيس قَالَ: يَا رَسُول الله
لقد خشيت أَن أكون قد هَلَكت قَالَ: لمَ
قَالَ: نَهَانَا الله أَن نحب أَن نحمد بِمَا لم نَفْعل وأجدني
أحب الْحَمد
ونهانا عَن الْخُيَلَاء وأجدني أحب الْجمال
ونهانا أَن نرفع صوتنا فَوق صَوْتك وَأَنا رجل جهير الصَّوْت
فَقَالَ: يَا ثَابت أَلا ترْضى أَن تعيش حميدا وَتقتل شَهِيدا
وَتدْخل الْجنَّة
فَعَاشَ حميدا وَقتل شَهِيدا يَوْم مسليمة الْكذَّاب
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن مُحَمَّد بن ثَابت قَالَ: حَدثنِي
ثَابت بن قيس بن شماس قَالَ قلت: يَا رَسُول الله لقد خشيت
فَذكره
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ
قَالَ: كَانَ فِي بني إِسْرَائِيل رجال عباد فُقَهَاء فأدخلتهم
الْمُلُوك فرخصوا لَهُم وأعطواهم فَخَرجُوا وهم فَرِحُونَ
بِمَا أخذت الْمُلُوك من قَوْلهم وَمَا أعْطوا
فَأنْزل الله {لَا تحسبن الَّذين يفرحون بِمَا أَتَوا}
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن إِبْرَاهِيم فِي
قَوْله {لَا تحسبن الَّذين يفرحون بِمَا أَتَوا} قَالَ: نَاس
من الْيَهُود جهزوا جَيْشًا لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْأَحْنَف بن قيس أَن رجلا قَالَ
لَهُ: أَلا تميل فنحملك على ظهر قَالَ: لَعَلَّك من العراضين
قَالَ: وَمَا العراضون قَالَ: الَّذين {وَيُحِبُّونَ أَن
يحْمَدُوا بِمَا لم يَفْعَلُوا} إِذا عرض لَك الْحق فاقصد لَهُ
واله عَمَّا سواهُ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن يحيى بن يعمر فَلَا يحسبنهم
يَعْنِي أنفسهم
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد أَنه قَرَأَ فَلَا يحسبنهم
على الْجِمَاع بِكَسْر السِّين وَرفع الْبَاء
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله {بمفازة}
قَالَ بمنجاة وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن زيد مثله
الْآيَة 190
(2/406)
إِنَّ فِي خَلْقِ
السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ
وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (190)
أخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم
وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ:
أَتَت قُرَيْش الْيَهُود فَقَالُوا: مَا جَاءَكُم مُوسَى من
الْآيَات قَالُوا: عَصَاهُ وَيَده بَيْضَاء للناظرين
وَأتوا النَّصَارَى فَقَالُوا: كَيفَ كَانَ عِيسَى فِيكُم
قَالُوا: كَانَ يبرىء الأكمه والأبرص ويحيي الْمَوْتَى
فَأتوا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالُوا: ادْع لنا
رَبك يَجْعَل لنا الصَّفَا ذَهَبا
فَدَعَا ربه فَنزلت {إِن فِي خلق السَّمَاوَات وَالْأَرْض
وَاخْتِلَاف اللَّيْل وَالنَّهَار لآيَات لأولي الْأَلْبَاب}
فليتفكروا فِيهَا
وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ
وَابْن ماجة وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: بتّ
عِنْد خَالَتِي مَيْمُونَة فَنَامَ رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى انتصف اللَّيْل أَو قبله بِقَلِيل أَو
بعده بِقَلِيل ثمَّ اسْتَيْقَظَ فَجعل يمسح النّوم عَن وَجهه
بِيَدِهِ
ثمَّ قَرَأَ الْعشْر آيَات الْأَوَاخِر من سُورَة آل عمرَان
حَتَّى ختم
وَأخرج عبد الله بن أَحْمد فِي زَوَائِد الْمسند
وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم فِي الكنى وَالْبَغوِيّ فِي
مُعْجم الصَّحَابَة عَن صَفْوَان بن الْمُعَطل السّلمِيّ
قَالَ: كنت مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي سفر
فرهقت صلَاته لَيْلَة فصلى الْعشَاء الْآخِرَة ثمَّ نَام
فَلَمَّا كَانَ نصف اللَّيْل اسْتَيْقَظَ فَتلا الْآيَات
الْعشْر
آخر سُورَة آل عمرَان ثمَّ تسوّك ثمَّ تَوَضَّأ فصلى إِحْدَى
عشرَة رَكْعَة
الْآيَة 191
(2/407)
الَّذِينَ يَذْكُرُونَ
اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ
وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ
رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا
عَذَابَ النَّارِ (191)
أخرج الْأَصْبَهَانِيّ فِي التَّرْغِيب عَن
أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم: يُنَادي مُنَاد يَوْم الْقِيَامَة أَيْن أولُوا
الْأَلْبَاب قَالُوا: أَي أولُوا الْأَلْبَاب تُرِيدُ قَالَ
{الَّذين يذكرُونَ الله قيَاما وقعوداً وعَلى جنُوبهم ويتفكرون
فِي خلق السَّمَاوَات وَالْأَرْض رَبنَا مَا خلقت هَذَا
بَاطِلا سُبْحَانَكَ فقنا عَذَاب النَّار} عقد لَهُم لِوَاء
فَاتبع الْقَوْم لواءهم وَقَالَ لَهُم: ادخلوها خَالِدين
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ من
طَرِيق جُوَيْبِر عَن الضَّحَّاك عَن
(2/407)
ابْن مَسْعُود فِي قَوْله {الَّذين
يذكرُونَ الله قيَاما وقعوداً وعَلى جنُوبهم} قَالَ: إِنَّمَا
هَذَا فِي الصَّلَاة إِذا لم يسْتَطع قَائِما فقاعدا وَإِن لم
يسْتَطع قَاعِدا فعلى جنبه
وَأخرج الْحَاكِم عَن عمرَان بن حُصَيْن
أَنه كَانَ بِهِ البواسير فَأمره النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم أَن يُصَلِّي على جنب
وَأخرج البُخَارِيّ عَن عمرَان بن حُصَيْن قَالَ: كَانَت بِي
بواسير فَسَأَلت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن
الصَّلَاة فَقَالَ صل قَائِما فَإِن لم تستطع فقاعداً فَإِن لم
تستطع فعلى جنب
وَأخرج البُخَارِيّ عَن عمرَان بن حُصَيْن قَالَ: سَأَلت
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن صَلَاة الرجل وَهُوَ
قَاعد فَقَالَ من صلى قَائِما فَهُوَ أفضل وَمن صلى قَاعِدا
فَلهُ نصف أجر الْقَائِم وَمن صلى نَائِما فَلهُ نصف أجر
الْقَاعِد
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي الْآيَة
قَالَ: هُوَ ذكر الله فِي الصَّلَاة وَفِي غير الصَّلَاة
وَقِرَاءَة الْقُرْآن
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي
حَاتِم عَن قَتَادَة {الَّذين يذكرُونَ الله قيَاما وقعوداً
وعَلى جنُوبهم} قَالَ: هَذِه حالاتك كلهَا يَا ابْن آدم
اذكر الله وَأَنت قَائِم فَإِن لم تستطع فاذكره جَالِسا فَإِن
لم تستطع فاذكره وَأَنت على جَنْبك
يسر من الله وَتَخْفِيف
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد قَالَ:
لَا يكون عبد من الذَّاكِرِينَ الله كثيرا حَتَّى يذكر الله
قَائِما وَقَاعِدا ومضطجعاً
قَوْله تَعَالَى {ويتفكرون} الْآيَة
أخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة والأصبهاني
فِي التَّرْغِيب عَن عبد الله ابْن سَلام قَالَ خرج رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَليّ أَصْحَابه وهم يتفكرون
فَقَالَ: لَا تَفَكَّرُوا فِي الله وَلَكِن تَفَكَّرُوا فِيمَا
خلق
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي كتاب التفكر والأصبهاني فِي
التَّرْغِيب عَن عَمْرو بن مرّة قَالَ مر النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم على قوم يتفكرون فَقَالَ: تَفَكَّرُوا فِي
الْخلق وَلَا تَفَكَّرُوا فِي الْخَالِق
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن عُثْمَان بن أبي دهرين قَالَ
بَلغنِي أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم انْتهى إِلَى
أَصْحَابه وهم سكُوت لَا يَتَكَلَّمُونَ فَقَالَ: مَا لكم لَا
تتكلمون قَالُوا: نتفكر فِي خلق الله قَالَ: كَذَلِك فافعلوا
تَفَكَّرُوا فِي خلقه وَلَا تَفَكَّرُوا فِيهِ
(2/408)
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا
وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه والأصبهاني فِي
التَّرْغِيب عَن ابْن عمر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم: تَفَكَّرُوا فِي آلَاء الله وَلَا تَفَكَّرُوا
فِي الله
وَأخرج أَبُو نعيم فِي الْحِلْية عَن ابْن عَبَّاس قَالَ:
قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: تَفَكَّرُوا فِي
خلق الله وَلَا تَفَكَّرُوا فِي الله
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء
وَالصِّفَات عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: تَفَكَّرُوا فِي كل شَيْء
وَلَا تَفَكَّرُوا فِي ذَات الله
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي الدُّنْيَا فِي التفكر وَابْن
الْمُنْذر وَابْن حبَان فِي صَحِيحه وَابْن مرْدَوَيْه
والأصبهاني فِي التَّرْغِيب وَابْن عَسَاكِر عَن عَطاء قَالَ
قلت لعَائِشَة أَخْبِرِينِي بِأَعْجَب مَا رَأَيْت من رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَت: وَأي شَأْنه لم يكن عجبا
إِنَّه أَتَانِي لَيْلَة فَدخل معي فِي لِحَافِي ثمَّ قَالَ:
ذَرِينِي أَتَعبد لرَبي
فَقَامَ فَتَوَضَّأ ثمَّ قَامَ يُصَلِّي فَبكى حَتَّى سَالَتْ
دُمُوعه على صَدره ثمَّ ركع فَبكى ثمَّ سجد فَبكى ثمَّ رفع
رَأسه فَبكى
فَلم يزل كَذَلِك حَتَّى جَاءَ بِلَال فآذنه بِالصَّلَاةِ
فَقلت: يَا رَسُول الله مَا يبكيك وَقد غفر الله لَك مَا تقدم
من ذَنْبك وَمَا تَأَخّر قَالَ: أَفلا أكون عبدا شكُورًا وَلم
لَا أفعل وَقد أنزل عَليّ هَذِه اللَّيْلَة {إِن فِي خلق
السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَاخْتِلَاف اللَّيْل وَالنَّهَار
لآيَات لأولي الْأَلْبَاب} إِلَى قَوْله {سُبْحَانَكَ فقنا
عَذَاب النَّار} ثمَّ قَالَ: ويل لمن قَرَأَهَا وَلم يتفكر
فِيهَا
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي التفكر عَن سُفْيَان رفْعَة
قَالَ من قَرَأَ سُورَة آل عمرَان فَلم يتفكر فِيهَا ويله
فعد بأصابعه عشرا
قيل للأوزاعي: مَا غَايَة التفكر فِيهِنَّ قَالَ: يقرؤهن
وَهُوَ يعقلهن
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن عَامر بن عبد قيس قَالَ:
سَمِعت غير وَاحِد وَلَا اثْنَيْنِ وَلَا ثَلَاثَة من أَصْحَاب
مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُولُونَ: إِن ضِيَاء
الْإِيمَان أَو نور الْإِيمَان التفكر
وَأخرج ابْن سعد وَابْن أبي شيبَة وَأحمد فِي الزّهْد وَابْن
الْمُنْذر عَن ابْن عون قَالَ: سَأَلت أم الدَّرْدَاء مَا
كَانَ أفضل عبَادَة أبي الدَّرْدَاء قَالَت: التفكر والإعتبار
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ:
تفكر سَاعَة خير من قيام لَيْلَة
وَأخرج ابْن سعد عَن أبي الدَّرْدَاء
مثله
وَأخرج الديلمي عَن أنس مَرْفُوعا
مثله
(2/409)
وَأخرج الديلمي من وَجه آخر مَرْفُوعا عَن
أنس تفكر سَاعَة فِي اخْتِلَاف اللَّيْل وَالنَّهَار خير من
عبَادَة ثَمَانِينَ سنة
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ:
قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: فكرة سَاعَة خير
من عبَادَة سِتِّينَ
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ والديلمي عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا
بَيْنَمَا رجل مستلق ينظر إِلَى السَّمَاء وَإِلَى النُّجُوم
فَقَالَ: وَالله إِنِّي لأعْلم أَن لَك خَالِقًا وَربا
اللَّهُمَّ اغْفِر لي
فَنظر الله إِلَيْهِ فغفر لَهُ
الْآيَات 192 - 194
(2/410)
رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ
تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ
مِنْ أَنْصَارٍ (192) رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا
يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا
رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا
سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ (193) رَبَّنَا
وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا
يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ (194)
أخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن أبي حَاتِم عَن
أبي الدَّرْدَاء وَابْن عَبَّاس أَنَّهُمَا كَانَا يَقُولَانِ:
اسْم الله الْأَكْبَر رب رب
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن أنس فِي قَوْله {من
تدخل النَّار فقد أخزيته} قَالَ: من تخلد
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن
الْمُنْذر عَن سعيد بن الْمسيب فِي قَوْله {رَبنَا إِنَّك من
تدخل النَّار فقد أخزيته} قَالَ: هَذِه خَاصَّة لمن لَا يخرج
مِنْهَا
وَأخرج ابْن جرير وَالْحَاكِم عَن عَمْرو بن دِينَار قَالَ:
قدم علينا جَابر بن عبد الله فِي عمْرَة فانتهيت إِلَيْهِ أَنا
وَعَطَاء فَقلت (وَمَا هم بِخَارِجِينَ من النَّار)
(الْبَقَرَة الْآيَة 167) قَالَ: أَخْبرنِي رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم أَنهم الْكفَّار
قلت لجَابِر: فَقَوله {إِنَّك من تدخل النَّار فقد أخزيته}
قَالَ: وَمَا أَخْزَاهُ حِين أحرقه بالنَّار وَإِن دون ذَلِك
خزياً
(2/410)
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن
أبي حَاتِم عَن ابْن جريج فِي قَوْله {منادياً يُنَادي
للْإيمَان} قَالَ: هُوَ مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن زيد
مثله
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي
حَاتِم والخطيب فِي الْمُتَّفق والمفترق عَن مُحَمَّد بن كَعْب
الْقرظِيّ {سمعنَا منادياً يُنَادي للْإيمَان} قَالَ: هوالقرآن
لَيْسَ كل النَّاس يسمع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي
حَاتِم عَن قَتَادَة فِي الْآيَة قَالَ: سمعُوا دَعْوَة من
الله فأجابوها وأحسنوا فِيهَا: وصبروا عَلَيْهَا
ينبئكم الله عَن مُؤمن الْأنس كَيفَ قَالَ وَعَن مُؤمن الْجِنّ
كَيفَ قَالَ
فَأَما مُؤمن الْجِنّ فَقَالَ (إِنَّا سمعنَا قُرْآنًا عجبا
يهدي إِلَى الرشد فَآمَنا بِهِ وَلنْ نشْرك بربنا أحدا)
(الْجِنّ الْآيَة 1)
وَأما مُؤمن الْأنس فَقَالَ {رَبنَا إننا سمعنَا منادياً
يُنَادي للْإيمَان أَن آمنُوا بربكم فَآمَنا رَبنَا فَاغْفِر
لنا ذنوبنا وكفِّر عَنَّا سيئاتنا وتوفنا مَعَ الْأَبْرَار}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن
جريج {رَبنَا وآتنا مَا وعدتنا على رسلك} قَالَ: ستنجزون موعد
الله على رسله
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن
ابْن عَبَّاس {وَلَا تخزنا يَوْم الْقِيَامَة} قَالَ: لَا
تفضحنا {إِنَّك لَا تخلف الميعاد} قَالَ: ميعاد من قَالَ لَا
إِلَه إِلَّا الله {فَاسْتَجَاب لَهُم رَبهم أَنِّي لَا أضيع
عمل عَامل مِنْكُم} قَالَ: أهل لَا إِلَه إِلَّا الله أهل
التَّوْحِيد وَالْإِخْلَاص لَا أخزيهم يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج أَبُو يعلى عَن جَابر: أَن رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: الْعَار والتخزية يبلغ من ابْن آدم
يَوْم الْقِيَامَة فِي الْمقَام بَين يَدي الله مَا يتَمَنَّى
العَبْد أَن يُؤمر بِهِ إِلَى النَّار
وَأخرج أَبُو بكر الشَّافِعِي فِي رباعيته عَن أبي قرصافة
قَالَ كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول:
اللَّهُمَّ لَا تخزنا يَوْم الْقِيَامَة وَلَا تفضحنا يَوْم
اللِّقَاء
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن ابْن مَسْعُود أَنه قَالَ: إِذا فرغ
أحدكُم من التَّشَهُّد فِي الصَّلَاة فَلْيقل: اللَّهُمَّ
إِنِّي أَسأَلك من الْخَيْر كُله مَا علمت مِنْهُ وَمَا لم
أعلم وَأَعُوذ بك من الشَّرّ كُله مَا علمت مِنْهُ وَمَا لم
أعلم اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلك من خير مَا سَأَلَك عِبَادك
الصالحون وَأَعُوذ بك من شَرّ مَا عاذ مِنْهُ عِبَادك الصالحون
(رَبنَا آتنا فِي الدُّنْيَا
(2/411)
حَسَنَة وَفِي الْآخِرَة حَسَنَة وقنا
عَذَاب النَّار) (الْبَقَرَة الْآيَة 201) رَبنَا إننا آمنا
{فَاغْفِر لنا ذنوبنا وكفِّر عَنَّا سيئاتنا وتوفنا مَعَ
الْأَبْرَار} إِلَى قَوْله {إِنَّك لَا تخلف الميعاد}
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ قَالَ:
كَانَ يسْتَحبّ أَن يَدْعُو فِي الْمَكْتُوبَة بِدُعَاء
الْقُرْآن
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن مُحَمَّد بن سِيرِين أَنه سُئِلَ
عَن الدُّعَاء فِي الصَّلَاة فَقَالَ: كَانَ أحب دُعَائِهِمْ
مَا وَافق الْقُرْآن
وَأخرج أَحْمد وَابْن أبي حَاتِم عَن أنس قَالَ: قَالَ رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: عسقلان أحد العروسين يبْعَث
الله مِنْهَا يَوْم الْقِيَامَة سبعين ألفا لَا حِسَاب
عَلَيْهِم وَيبْعَث مِنْهَا خَمْسُونَ ألفا شُهَدَاء وفوداً
إِلَى الله وَبهَا صُفُوف الشُّهَدَاء رؤوسهم تقطر فِي
أَيْديهم تثج أوداجهم دَمًا يَقُولُونَ {رَبنَا وآتنا مَا
وعدتنا على رسلك وَلَا تخزنا يَوْم الْقِيَامَة إِنَّك لَا
تخلف الميعاد} فَيَقُول: صدق عَبِيدِي
اغسلوهم بنهر الْبَيْضَة فَيخْرجُونَ مِنْهُ بيضًا فَيسرحُونَ
فِي الْجنَّة حَيْثُ شاؤوا
الْآيَة 195
(2/412)
فَاسْتَجَابَ لَهُمْ
رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ
ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ
هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي
سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ
سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ
تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ
وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ (195)
أخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد الرَّزَّاق
وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي
حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن أم سَلمَة
قَالَت يَا رَسُول الله لَا أسمع الله ذكر النِّسَاء فِي
الْهِجْرَة بِشَيْء فَأنْزل الله {فَاسْتَجَاب لَهُم رَبهم
أَنِّي لَا أضيع عمل عَامل مِنْكُم من ذكر أَو أُنْثَى} إِلَى
آخر الْآيَة قَالَت الْأَنْصَار: هِيَ أول ظَعِينَة قدمت علينا
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أم سَلمَة قَالَت: آخر آيَة نزلت
هَذِه الْآيَة {فَاسْتَجَاب لَهُم رَبهم} إِلَى آخرهَا
(2/412)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عَطاء قَالَ:
مَا من عبد يَقُول: يَا رب يَا رب يَا رب ثَلَاث مَرَّات
إِلَّا نظر الله إِلَيْهِ
فَذكر لِلْحسنِ فَقَالَ: أما تقْرَأ الْقُرْآن (رَبنَا إننا
سمعنَا منادياً) (آل عمرَان الْآيَة 193) إِلَى قَوْله
{فَاسْتَجَاب لَهُم رَبهم}
قَوْله تَعَالَى: {فَالَّذِينَ هَاجرُوا} الْآيَة
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن فِي الْآيَة قَالَ: هم
الْمُهَاجِرُونَ أخرجُوا من كل وَجه
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ وَالطَّبَرَانِيّ
وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن ابْن
عَمْرو سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول:
إِن أول ثلة الْجنَّة الْفُقَرَاء الْمُهَاجِرين الَّذين تتقى
بهم المكاره
إِذا أُمِروا سمعُوا وأطاعوا وَإِن كَانَت لرجل مِنْهُم حَاجَة
إِلَى السُّلْطَان لم تقض حَتَّى يَمُوت وَهِي فِي صَدره وَأَن
الله يَدْعُو يَوْم الْقِيَامَة الْجنَّة فتأتي بزخرفها
وَزينتهَا فَيَقُول: أَيْن عبَادي الَّذين قَاتلُوا فِي سبيلي
وقُتِلوا وأوذوا فِي سبيلي وَجَاهدُوا فِي سبيلي أدخلُوا
الْجنَّة فيدخلونه بِغَيْر عَذَاب وَلَا حِسَاب وَيَأْتِي
الْمَلَائِكَة فيسجدون وَيَقُولُونَ: رَبنَا نَحن نُسَبِّح لَك
اللَّيْل وَالنَّهَار ونقدس لَك من هَؤُلَاءِ الَّذين آثرتهم
علينا فَيَقُول: هَؤُلَاءِ عبَادي الَّذين قَاتلُوا فِي سبيلي
وأوذوا فِي سبيلي
فَتدخل الْمَلَائِكَة عَلَيْهِم من كل بَاب (سَلام عَلَيْكُم
بِمَا صَبَرْتُمْ فَنعم عُقبى الدَّار) (الرَّعْد الْآيَة 24)
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن عبد الله بن عَمْرو قَالَ قَالَ
لي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أتعلم أول زمرة تدخل
الْجنَّة من أمتِي قلت: الله وَرَسُوله أعلم قَالَ:
الْمُهَاجِرُونَ يأْتونَ يَوْم الْقِيَامَة إِلَى بَاب
الْجنَّة ويستفتحون فَتَقول لَهُم الخزنة: أوقد حوسبتم
قَالُوا: بِأَيّ شَيْء نحاسب وَإِنَّمَا كَانَت أسيافنا على
عواتقنا فِي سَبِيل الله حَتَّى متْنا على ذَلِك قَالَ: فَيفتح
لَهُم فيقيلون فِيهِ أَرْبَعِينَ عَاما قبل أَن يدْخل النَّاس
وَأخرج أَحْمد عَن أبي أُمَامَة عَن النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: دخلت الْجنَّة فَسمِعت فِيهَا حَشَفَة
بَين يَدي فَقلت: مَا هَذَا قَالَ: بِلَال فمضيت فَإِذا أَكثر
أهل الْجنَّة فُقَرَاء الْمُهَاجِرين وذراري الْمُسلمين وَلم
أر أحدا أقل من الْأَغْنِيَاء وَالنِّسَاء
قيل لي: أما الْأَغْنِيَاء فهم بِالْبَابِ يحاسبون ويمحصون
وَأما النِّسَاء فألهاهن الأحمران: الذَّهَب وَالْحَرِير
(2/413)
وَأخرج أَحْمد عَن أبي الصّديق عَن
أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ يدْخل فُقَرَاء الْمُؤمنِينَ
الْجنَّة قبل أغنيائهم بأربعمائة عَام حَتَّى يَقُول الْمُؤمن
الْغَنِيّ: يَا لَيْتَني كنت نحيلاً
قيل: يَا رَسُول الله صفهم لنا قَالَ: هم الَّذين إِذا كَانَ
مَكْرُوه بعثوا لَهُ وَإِذا كَانَ مغنم بعث إِلَيْهِ سواهُم
وهم الَّذين يحجبون عَن الْأَبْوَاب
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ عَن سعيد بن عَامر بن حزم
قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول:
يدْخل فُقَرَاء الْمُسلمين قبل الْأَغْنِيَاء الْجنَّة
بِخَمْسِينَ سنة حَتَّى إِن الرجل من الْأَغْنِيَاء ليدْخل فِي
غمارهم فَيُؤْخَذ بِيَدِهِ فيستخرج
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عبد الله بن عَمْرو قَالَ: يجمعُونَ
فَيَقُول أَيْن فُقَرَاء هَذِه الْأمة ومساكينها فيبرزون
فَيُقَال: مَا عنْدكُمْ فَيَقُولُونَ: يَا رب ابتلينا فصبرنا
وَأَنت أعلم وَوَلَّيْتَ الْأَمْوَال وَالسُّلْطَان غَيرنَا
فَيُقَال: صَدقْتُمْ
فَيدْخلُونَ الْجنَّة قبل سَائِر النَّاس بِزَمن وَتبقى شدَّة
الْحساب على ذَوي الْأَمْوَال وَالسُّلْطَان
قيل: فَأَيْنَ الْمُؤْمِنُونَ يَوْمئِذٍ قَالَ: يوضع لَهُم
كراسي من نور ويظلل عَلَيْهِم الْغَمَام وَيكون ذَلِك الْيَوْم
أقصر عَلَيْهِم من سَاعَة من نَهَار
وَالله أعلم
قَوْله تَعَالَى: {وَالله عِنْده حسن الثَّوَاب}
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن شَدَّاد بن أَوْس قَالَ: يَا أَيهَا
النَّاس لَا تتهموا الله فِي قَضَائِهِ فَإِن الله لَا يَبْغِي
على مُؤمن فَإِذا نزل بأحدكم شَيْء مِمَّا يحب فليحمد الله
وَإِذا نزل بِهِ شَيْء يكره فليصبر وليحتسب فَإِن الله عِنْده
حسن الثَّوَاب
الْآيَات 196 - 198
(2/414)
لَا يَغُرَّنَّكَ
تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ (196) مَتَاعٌ
قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ
(197) لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ
تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا
نُزُلًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ
لِلْأَبْرَارِ (198)
أخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن
عِكْرِمَة {لَا يغرنك تقلب الَّذين كفرُوا} تقلب ليلهم ونهارهم
وَمَا يجْرِي عَلَيْهِم من النعم {مَتَاع قَلِيل ثمَّ مأواهم
جَهَنَّم وَبئسَ المهاد} قَالَ عِكْرِمَة: قَالَ ابْن عَبَّاس:
أَي بئس الْمنزل
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ {لَا يغرنك
تقلب الَّذين كفرُوا فِي الْبِلَاد} يَقُول ضَربهمْ فِي
الْبِلَاد
(2/414)
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن
قَتَادَة فِي الْآيَة قَالَ: وَالله مَا غروا نَبِي الله وَلَا
وكل إِلَيْهِم شَيْئا من أَمر الله حَتَّى قَبضه الله على
ذَلِك
قَوْله تَعَالَى: {وَمَا عِنْد الله خير للأبرار}
أخرج البُخَارِيّ فِي الْأَدَب الْمُفْرد وَعبد بن حميد وَابْن
أبي حَاتِم عَن ابْن عمر قَالَ: إِنَّمَا سماهم الله أبراراً
لأَنهم بروا الْآبَاء وَالْأَبْنَاء كَمَا أَن لوالدك عَلَيْك
حَقًا كَذَلِك لولدك عَلَيْك حق
وَأخرجه ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عمر مَرْفُوعا
وَالْأول أصح
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن قَالَ {الْأَبْرَار}
الَّذين لَا يُؤْذونَ الذَّر
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن زيد {وَمَا عِنْد الله خير للأبرار}
قَالَ: لمن يُطِيع الله عز وَجل
الْآيَة 199
(2/415)
وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ
الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ
إِلَيْكُمْ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلَّهِ لَا
يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ
لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ
الْحِسَابِ (199)
أخرج النَّسَائِيّ وَالْبَزَّار وَابْن
الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن أنس قَالَ:
لما مَاتَ النَّجَاشِيّ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم صلوا عَلَيْهِ قَالُوا يَا رَسُول الله نصلي على عبد
حبشِي
فَأنْزل الله {وَإِن من أهل الْكتاب لمن يُؤمن بِاللَّه وَمَا
أنزل إِلَيْكُم} الْآيَة
وَأخرج ابْن جرير عَن جَابر أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم قَالَ اخْرُجُوا فصلوا على أَخ لكم فصلى بِنَا فَكبر
أَربع تَكْبِيرَات فَقَالَ: هَذَا النَّجَاشِيّ أَصْحَمَة
فَقَالَ المُنَافِقُونَ: انْظُرُوا إِلَى هَذَا يُصَلِّي على
علج نَصْرَانِيّ لم نره قطّ
فَأنْزل الله {وَإِن من أهل الْكتاب لمن يُؤمن بِاللَّه}
الْآيَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة قَالَ ذكر لنا
أَن هَذِه الْآيَة نزلت فِي النَّجَاشِيّ وَفِي نَاس من
أَصْحَابه آمنُوا بِنَبِي الله وَصَدقُوا بِهِ
وَذكر لنا: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اسْتغْفر
للنجاشي وَصلى عَلَيْهِ حِين بلغه مَوته قَالَ لأَصْحَابه:
صلوا على أَخ لكم
(2/415)
قد مَاتَ بِغَيْر بِلَادكُمْ
فَقَالَ أنَاس من أهل النِّفَاق: يُصَلِّي على رجل مَاتَ
لَيْسَ من أهل دينه فَأنْزل الله {وَإِن من أهل الْكتاب لمن
يُؤمن بِاللَّه} الْآيَة
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن قَالَ: لما مَاتَ النَّجَاشِيّ
قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اسْتَغْفرُوا
لأخيكم فَقَالُوا: يَا رَسُول الله أنستغفر لذَلِك العلج
فَأنْزل الله {وَإِن من أهل الْكتاب لمن يُؤمن بِاللَّه وَمَا
أنزل إِلَيْكُم} الْآيَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج قَالَ لما
صلى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على النَّجَاشِيّ طعن
فِي ذَلِك المُنَافِقُونَ فَقَالُوا: صلى عَلَيْهِ وَمَا كَانَ
على دينه فَنزلت هَذِه الْآيَة {وَإِن من أهل الْكتاب لمن
يُؤمن بِاللَّه} الْآيَة
قَالُوا: مَا كَانَ يسْتَقْبل قبلته وَإِن بَينهمَا الْبحار
فَنزلت (فأينما توَلّوا فثم وَجه الله) (الْبَقَرَة الْآيَة
115) قَالَ ابْن جريج: وَقَالَ آخَرُونَ: نزلت فِي النَّفر
الَّذين كَانُوا من يهود فأسلموا
عبد الله بن سَلام وَمن مَعَه
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن وَحشِي بن حَرْب قَالَ: لما مَاتَ
النَّجَاشِيّ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
لأَصْحَابه إِن أَخَاكُم النَّجَاشِيّ قد مَاتَ قومُوا فصلوا
عَلَيْهِ
فَقَالَ رجل: يَا رَسُول الله كَيفَ نصلي عَلَيْهِ وَقد مَاتَ
فِي كفره قَالَ: أَلا تَسْمَعُونَ قَول الله {وَإِن من أهل
الْكتاب لمن يُؤمن بِاللَّه} الْآيَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله
{وَإِن من أهل الْكتاب لمن يُؤمن بِاللَّه} الْآيَة
قَالَ: هم مسلمة أهل الْكتاب من الْيَهُود وَالنَّصَارَى
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن زيد فِي الْآيَة قَالَ: هَؤُلَاءِ
يهود
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن فِي الْآيَة قَالَ: هم أهل
الْكتاب الَّذين كَانُوا قبل مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَالَّذين اتبعُوا مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
الْآيَة 200
(2/416)
يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا
وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (200)
أخرج ابْن الْمُبَارك وَابْن جرير وَابْن
الْمُنْذر وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب
الإِيمان من طَرِيق دَاوُد بن صَالح قَالَ: قَالَ أَبُو سَلمَة
بن عبد الرَّحْمَن: تَدْرِي فِي أَي شَيْء نزلت هَذِه الْآيَة
{اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابطُوا} قلت: لَا
قَالَ
سَمِعت أَبَا هُرَيْرَة يَقُول: لم يكن فِي زمَان النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم غَزْو يرابط فِيهِ وَلَكِن انْتِظَار
الصَّلَاة بعد الصَّلَاة
(2/416)
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه من وَجه آخر عَن
أبي سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن قَالَ: أقبل عليَّ أَبُو
هُرَيْرَة يَوْمًا فَقَالَ: أَتَدْرِي يَا ابْن أخي فيمَ أنزلت
هَذِه الْآيَة {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا اصْبِرُوا
وَصَابِرُوا وَرَابطُوا} قلت: لَا
قَالَ: أما إِنَّه لم يكن فِي زمَان النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم غَزْو يرابطون فِيهِ وَلكنهَا نزلت فِي قوم
يعمرون الْمَسَاجِد يصلونَ الصَّلَاة فِي مواقيتها ثمَّ
يذكرُونَ الله فِيهَا فَعَلَيْهِم أنزلت {اصْبِرُوا} أَي على
الصَّلَوَات الْخمس {وَصَابِرُوا} أَنفسكُم وهواكم
{وَرَابطُوا} فِي مَسَاجِدكُمْ {وَاتَّقوا الله} فِيمَا علمكُم
{لَعَلَّكُمْ تفلحون}
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي أَيُّوب قَالَ: وقف علينا
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ هَل لكم إِلَى
مَا يمحو الله تَعَالَى بِهِ الذُّنُوب ويعظم الْأجر
فَقُلْنَا: نعم يَا رَسُول الله قَالَ: إسباغ الْوضُوء على
المكاره وَكَثْرَة الخطا إِلَى الْمَسَاجِد وانتظار الصَّلَاة
بعد الصَّلَاة
قَالَ: وَهُوَ قَول الله {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا اصْبِرُوا
وَصَابِرُوا وَرَابطُوا} فذلكم هُوَ الرِّبَاط فِي الْمَسَاجِد
وَأخرج ابْن جرير وَابْن حبَان عَن جَابر بن عبد الله قَالَ:
قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَلا أدلكم على
مَا يمحو الله بِهِ الذُّنُوب قُلْنَا: بلَى يَا رَسُول الله
قَالَ: إسباغ الْوضُوء على المكاره وَكَثْرَة الخطا إِلَى
الْمَسَاجِد وانتظار الصَّلَاة بعد الصَّلَاة فذلكم الرِّبَاط
وَأخرج ابْن جرير من حَدِيث عَليّ
مثله
وَأخرج مَالك وَالشَّافِعِيّ وَعبد الرَّزَّاق وَأحمد وَمُسلم
وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن أبي حَاتِم عَن أبي
هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: أَلا
أخْبركُم بِمَا يمحو الله بِهِ الْخَطَايَا وَيرْفَع بِهِ
الدَّرَجَات إسباغ الْوضُوء على المكاره وَكَثْرَة الخطا إِلَى
الْمَسَاجِد وانتظار الصَّلَاة بعد الصَّلَاة فذلكم الرِّبَاط
فذلكم الرِّبَاط
فذلكم الرِّبَاط
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي غَسَّان قَالَ: إِن هَذِه
الْآيَة إِنَّمَا أنزلت فِي لُزُوم الْمَسَاجِد {يَا أَيهَا
الَّذين آمنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابطُوا}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم فِي الْآيَة قَالَ: أَمرهم
أَن يصبروا على دينهم وَلَا يَدعُوهُ لشدَّة وَلَا رخاء وَلَا
سراء وَلَا ضراء
وَأمرهمْ أَن يصابروا الْكفَّار وَأَن يرابطوا الْمُشْركين
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن
مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ فِي الْآيَة
(2/417)
قَالَ: اصْبِرُوا على دينكُمْ وَصَابِرُوا
الْوَعْد الَّذِي وعدتكم وَرَابطُوا عدوّي وَعَدُوكُمْ حَتَّى
يتْرك دينه لدينكم وَاتَّقوا الله فِيمَا بيني وَبَيْنكُم
لَعَلَّكُمْ تفلحون غَدا إِذا لقيتموني
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة فِي الْآيَة
قَالَ: اصْبِرُوا على طَاعَة الله وَصَابِرُوا أهل الضَّلَالَة
وَرَابطُوا فِي سَبِيل الله
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم
وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن زيد بن أسلم فِي الْآيَة
قَالَ: اصْبِرُوا على الْجِهَاد وَصَابِرُوا عَدوكُمْ
وَرَابطُوا على دينكُمْ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن
الْحسن فِي الْآيَة قَالَ: اصْبِرُوا عِنْد الْمُصِيبَة
وَصَابِرُوا على الصَّلَوَات وَرَابطُوا: جاهدوا فِي سَبِيل
الله
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير فِي الْآيَة قَالَ:
اصْبِرُوا على الْفَرَائِض وَصَابِرُوا مَعَ النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم فِي الموطن وَرَابطُوا فِيمَا أَمركُم ونهاكم
وَأخرج ابْن الْمُنْذر من طَرِيق ابْن جريج عَن ابْن عَبَّاس
فِي الْآيَة قَالَ: اصْبِرُوا على طَاعَة الله وَصَابِرُوا
أَعدَاء الله وَرَابطُوا فِي سَبِيل الله
وَأخرج أَبُو النَّعيم عَن أبي الدَّرْدَاء قَالَ: قَالَ
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: {يَا أَيهَا الَّذين
آمنُوا اصْبِرُوا} على الصَّلَوَات الْخمس وَصَابِرُوا على
قتال عدوّكم بِالسَّيْفِ وَرَابطُوا فِي سَبِيل الله
لَعَلَّكُمْ تفلحون
وَأخرج مَالك وَابْن أبي شيبَة وَابْن أبي الدُّنْيَا وَابْن
جرير وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان
عَن زيد بن أسلم قَالَ: كتب أَبُو عُبَيْدَة إِلَى عمر بن
الْخطاب يذكر لَهُ جموعاً من الرّوم وَمَا يتخوّف مِنْهُم
فَكتب إِلَيْهِ عمر: أما بعد فَإِنَّهُ مهما ينزل بِعَبْد
مُؤمن من شدَّة يَجْعَل الله بعْدهَا فرجا وَإنَّهُ لن يغلب
عسر يسرين وَإِن الله يَقُول فِي كِتَابه {يَا أَيهَا الَّذين
آمنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابطُوا وَاتَّقوا الله
لَعَلَّكُمْ تفلحون}
وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَالْبَيْهَقِيّ
فِي الشّعب عَن سهل بن سعد
أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: رِبَاط يَوْم
فِي سَبِيل الله خير من الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا
وَأخرج أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَصَححهُ وَابْن
حبَان وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن
فضَالة بن عبيد: سَمِعت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
يَقُول كل ميت يخْتم على عمله إِلَّا الَّذِي مَاتَ مرابطاً
فِي سَبِيل الله فَإِنَّهُ يَنْمُو لَهُ عمله إِلَى يَوْم
الْقِيَامَة ويأمن فتْنَة الْقَبْر
وَأخرج أَحْمد وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ
وَالطَّبَرَانِيّ وَالْبَيْهَقِيّ عَن سلمَان: سَمِعت رَسُول
(2/418)
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يَقُول
رِبَاط يَوْم وَلَيْلَة خير من صِيَام شهر وقيامه وَإِن مَاتَ
فِيهِ جرى عَلَيْهِ عمله الَّذِي كَانَ يعْمل وأجرى عَلَيْهِ
رزقه فأمن الفتان
زَاد الطَّبَرَانِيّ: وَبعث يَوْم الْقِيَامَة شَهِيدا
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ بِسَنَد جيد عَن أبي الدَّرْدَاء عَن
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: قَالَ رِبَاط شهر خير من
صِيَام دهر وَمن مَاتَ مرابطاً فِي سَبِيل الله أَمنه من
الْفَزع الْأَكْبَر وغدى عَلَيْهِ برزقه وريح من الْجنَّة
وَيجْرِي عَلَيْهِ أجر المرابط حَتَّى يَبْعَثهُ الله عز وَجل
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ بِسَنَد جيد عَن الْعِرْبَاض بن
سَارِيَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم:
كل عمل يَنْقَطِع عَن صَاحبه إِذا مَاتَ إِلَّا المرابط فِي
سَبِيل الله فَإِنَّهُ ينمي لَهُ عمله وَيجْرِي عَلَيْهِ رزقه
إِلَى يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج أَحْمد بِسَنَد جيد عَن أبي الدَّرْدَاء يرفع الحَدِيث
قَالَ: من رابط فِي شَيْء من سواحل الْمُسلمين ثَلَاثَة
أَيَّام أَجْزَأت عَنهُ رِبَاط سنة
وَأخرج ابْن ماجة بِسَنَد صَحِيح عَن أبي هُرَيْرَة عَن رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: من مَاتَ مرابطاً فِي
سَبِيل الله أجْرى عَلَيْهِ أجر عمله الصَّالح الَّذِي كَانَ
يعْمل وأجرى عَلَيْهِ رزقه وَأمن من الفتان وَبَعثه الله يَوْم
الْقِيَامَة آمنا من الْفَزع
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط عَن أبي هُرَيْرَة
مَرْفُوعا مثله
وَزَاد: والمرابط إِذا مَاتَ فِي رباطه كتب لَهُ أجر عمله
إِلَى يَوْم الْقِيَامَة وغدى عَلَيْهِ وريح برزقه ويزوّج
سبعين حوراء وَقيل لَهُ قف اشفع إِلَى أَن يفرغ من الْحساب
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ بِسَنَد لَا بَأْس بِهِ عَن وَاثِلَة بن
الْأَسْقَع عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: من
سنّ سنة حَسَنَة فَلهُ أجرهَا مَا عمل بهَا فِي حَيَاته وَبعد
مماته حَتَّى تتْرك وَمن سنّ سنة سَيِّئَة فَعَلَيهِ إثمها
حَتَّى تتْرك وَمن مَاتَ مرابطاً فِي سَبِيل الله جرى عَلَيْهِ
عمل المرابط حَتَّى يبْعَث يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط بِسَنَد جيد عَن أنس
قَالَ: سُئِلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن أجر
المرابط فَقَالَ: من رابط لَيْلَة حارساً من وَرَاء الْمُسلمين
كَانَ لَهُ أجر من خَلفه مِمَّن صَامَ وَصلى
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط بِسَنَد لَا بَأْس بِهِ
عَن جَابر سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول:
من رابط يَوْمًا فِي سَبِيل الله جعل الله بَينه وَبَين
النَّار سبع خنادق كل خَنْدَق كسبع سموات وَسبع أَرضين
(2/419)
وَأخرج ابْن ماجة بسندٍ واهٍ عَن أبيّ بن
كَعْب قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لرباط
يَوْم فِي سَبِيل الله من وَرَاء عَورَة الْمُسلمين محتسباً من
غير شهر رَمَضَان أفضل عِنْد الله وَأعظم أجرا من عبَادَة
مائَة سنة صيامها وقيامها ورباط يَوْم فِي سَبِيل الله من
وَرَاء عَورَة الْمُسلمين محتسباً من شهر رَمَضَان أفضل عِنْد
الله وَأعظم أجرا من عبَادَة ألفي سنة صيامها وقيامها فَإِن
رده الله الى أَهله سالما لم تكْتب لَهُ سَيِّئَة وتكتب لَهُ
الْحَسَنَات وَيجْرِي لَهُ أجر الرِّبَاط إِلَى يَوْم
الْقِيَامَة
وَأخرج ابْن حبَان وَالْبَيْهَقِيّ عَن مُجَاهِد عَن أبي
هُرَيْرَة
أَنه كَانَ فِي المرابطة ففزعوا وَخَرجُوا إِلَى السَّاحِل
ثمَّ قيل لَا بَأْس فَانْصَرف النَّاس وَأَبُو هُرَيْرَة
وَاقِف فَمر بِهِ إِنْسَان فَقَالَ: مَا يوقفك يَا أَبَا
هُرَيْرَة فَقَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم يَقُول موقف سَاعَة فِي سَبِيل الله خير من قيام لَيْلَة
الْقدر عِنْد الْحجر الْأسود
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَحسنه وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة
وَابْن حبَان وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن عُثْمَان بن عَفَّان
سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: رِبَاط
يَوْم فِي سَبِيل الله خير من ألف يَوْم فِيمَا سواهُ من
الْمنَازل
وَلَفظ ابْن ماجة: من رابط لَيْلَة فِي سَبِيل الله كَانَت
كألف لَيْلَة صيامها وقيامها
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن أبي أُمَامَة أَن رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِن صَلَاة المرابط تعدل
خَمْسمِائَة صَلَاة وَنَفَقَة الدِّينَار وَالدِّرْهَم مِنْهُ
أفضل من سَبْعمِائة دِينَار يُنْفِقهُ فِي غَيره
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ فِي الثَّوَاب عَن أنس مَرْفُوعا
الصَّلَاة بِأَرْض الرِّبَاط بألفي ألف صَلَاة
وَأخرج ابْن حبَان عَن عتبَة بن الندر أَن رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِذا انتاط غزوكم وَكَثُرت الغرائم
واستحلت الْغَنَائِم فَخير جهادكم الرِّبَاط
وَأخرج البُخَارِيّ وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي هُرَيْرَة عَن
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: تعس عبد الدِّينَار
وَعبد الدِّرْهَم وَعبد الخميصة وَعبد القطيفة
إِن أعطي رَضِي وَإِن لم يُعْط سخط تعس وانتكس وَإِذا شيك
فَلَا انتقش طُوبَى لعبد آخذ بعنان فرسه فِي سَبِيل الله
أَشْعَث رَأسه مغبرة قدماه إِن كَانَ فِي الحراسة كَانَ فِي
الحراسة وَإِن كَانَ فِي السَّاقَة كَانَ فِي السَّاقَة
إِن اسْتَأْذن لم يُؤذن لَهُ وَإِن شفع لم يشفع
وَأخرج مُسلم وَالنَّسَائِيّ وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي
هُرَيْرَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ من
خير معاش النَّاس لَهُم رجل مُمْسك بعنان فرسه فِي سَبِيل الله
يطير على مَتنه كلما سمع هيعة أَو قزعة طَار على مَتنه
يَبْتَغِي الْقَتْل وَالْمَوْت من مظانه
وَرجل فِي غنيمَة فِي رَأس شعفة من هَذِه الشعف أَو بطن وادٍ
من هَذِه الأودية يُقيم الصَّلَاة ويؤتي الزَّكَاة
(2/420)
ويعبد ربه حَتَّى يَأْتِيهِ الْيَقِين
لَيْسَ من النَّاس إِلَّا فِي خير
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن أم مُبشر تبلغ بِهِ النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ خير النَّاس منزلَة رجل على متن
فرسه يخيف الْعَدو ويخيفونه
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن أبي أُمَامَة قَالَ قَالَ رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لِأَن أحرس ثَلَاث لَيَال
مرابطاً من وَرَاء بَيْضَة الْمُسلمين أحب إليّ من أَن تصيبني
لَيْلَة الْقدر فِي أحد المسجدين: الْمَدِينَة أَو بَيت
الْمُقَدّس
وَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من مَاتَ
مرابطاً فِي سَبِيل الله آمنهُ الله من فتْنَة الْقَبْر
وَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن المرابط فِي
سَبِيل الله أعظم أجرا من رجل جمع كعبيه رياد شهر صِيَامه
وقيامه
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَابِد قَالَ خرج رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي جَنَازَة رجل فَلَمَّا وضع قَالَ
عمر بن الْخطاب: لَا تصلِّ عَلَيْهِ يَا رَسُول الله فَإِنَّهُ
رجل فَاجر
فَالْتَفت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى النَّاس
قَالَ: هَل رَآهُ أحد مِنْكُم على الْإِسْلَام فَقَالَ رجل:
نعم يَا رَسُول الله حرس لَيْلَة فِي سَبِيل الله
فصلى عَلَيْهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وحثى
عَلَيْهِ التُّرَاب وَقَالَ: أَصْحَابك يظنون أَنَّك من أهل
النَّار وَأَنا أشهد أَنَّك من أهل الْجنَّة
وَقَالَ: يَا عمر إِنَّك لَا تسْأَل عَن أَعمال النَّاس
وَلَكِن تسْأَل عَن الْفطْرَة
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن عمر
أَن عمر كَانَ يَقُول: إِن الله بَدَأَ هَذَا الْأَمر حِين
بَدَأَ بنبوّة وَرَحْمَة ثمَّ يعود إِلَى ملك وَرَحْمَة ثمَّ
يعود جبرية يتكادمون تكادم الْحمير
أَيهَا النَّاس عَلَيْكُم بالغزو وَالْجهَاد مَا كَانَ حلواً
خضرًا قبل أَن يكون مرا عسراً وَيكون عَاما قبل أَن يكون
حطاماً فَإِذا انتاطت الْمَغَازِي وأكلت الْغَنَائِم واستحل
الْحَرَام فَعَلَيْكُم بالرباط فَإِنَّهُ خير جهادكم
وَأخرج أَحْمد عَن أبي أُمَامَة سَمِعت رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: أَرْبَعَة تجْرِي عَلَيْهِم أُجُورهم
بعد الْمَوْت: رجل مَاتَ مرابطاً فِي سَبِيل الله وَرجل علم
علما فَأَجره يجْرِي عَلَيْهِ ماعمل بِهِ وَرجل أجْرى صَدَقَة
فأجرها يجْرِي عَلَيْهِ مَا جرت عَلَيْهِم وَرجل ترك ولدا
صَالحا يَدْعُو لَهُ
وَأخرج ابْن السّني فِي عمل يَوْم وَلَيْلَة وَابْن مرْدَوَيْه
وَأَبُو نعيم وَابْن عَسَاكِر عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يقْرَأ عشر آيَات من آخر
سُورَة آل عمرَان كل لَيْلَة
وَأخرج الدِّرَامِي عَن عُثْمَان بن عَفَّان قَالَ: من قَرَأَ
آخر آل عمرَان فِي لَيْلَة كتب لَهُ قيام لَيْلَة
(2/421)
|