الدر المنثور في التفسير بالمأثور

بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم (36)
سُورَة يس
مَكِّيَّة وآياتها ثَلَاث وَثَمَانُونَ
مُقَدّمَة سُورَة يس أخرج ابْن الضريس والنحاس وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: نزلت سُورَة يس بِمَكَّة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عَائِشَة قَالَت: نزلت سُورَة يس بِمَكَّة
وَأخرج الدَّارمِيّ وَالتِّرْمِذِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن أنس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن لكل شَيْء قلبا وقلب الْقلب (يس) وَمن قَرَأَ (يس) كتب الله لَهُ بِقِرَاءَتِهَا قِرَاءَة الْقُرْآن عشر مَرَّات
وَأخرج الْبَزَّار عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن لكل شَيْء قلبا وقلب الْقُرْآن (يس)
وَأخرج الدَّارمِيّ وَأَبُو يعلى وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من قَرَأَ (يس) فِي لَيْلَة ابْتِغَاء وَجه الله غفر الله لَهُ تِلْكَ اللَّيْلَة
وَأخرج ابْن حبَان عَن جُنْدُب بن عبد الله قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من قَرَأَ (يس) فِي لَيْلَة ابْتِغَاء وَجه الله غفر لَهُ
وَأخرج الدَّارمِيّ عَن الْحسن قَالَ: من قَرَأَ (يس) فِي لَيْلَة ابْتِغَاء وَجه الله غفر لَهُ وَقَالَ: بَلغنِي أَنَّهَا تعدل الْقُرْآن كُله
وَأخرج أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَمُحَمّد بن نصر وَابْن حبَان وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن معقل بن يسَار
أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: يس قلب الْقُرْآن لَا يَقْرَأها عبد يُرِيد الله وَالدَّار الْآخِرَة إِلَّا غفر لَهُ مَا تقدم من ذَنبه فاقرأوها على مَوْتَاكُم
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَالْبَيْهَقِيّ عَن حسان بن عَطِيَّة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ:

(7/37)


سُورَة (يس) تدعى فِي التَّوْرَاة (المعمة) تعم صَاحبهَا بِخَير الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وتكابد عَنهُ بلوى الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وتدفع عَنهُ أهاويل الدُّنْيَا وَالْآخِرَة
وتدعى (المدافعة القاضية) تدفع عَن صَاحبهَا كل سوء وتقضي لَهُ كل حَاجَة
من قَرَأَهَا عدلت لَهُ عشْرين حجَّة وَمن سَمعهَا عدلت لَهُ ألف دِينَار فِي سَبِيل الله وَمن كتبهَا ثمَّ شربهَا أدخلت جَوْفه ألف دَوَاء وَألف نور وَألف يَقِين وَألف بركَة وَألف رَحْمَة ونزعت عَنهُ كل غل وداء قَالَ الْبَيْهَقِيّ تفرد بِهِ مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن أبي بكر الجدعاني عَن سُلَيْمَان بن رفاع الجندي وَهُوَ مُنكر
وَأخرج الْخَطِيب من حَدِيث أنس
مثله
وَأخرج الْخَطِيب عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من سمع سُورَة (يس) عدلت لَهُ عشْرين دِينَارا فِي سَبِيل الله وَمن قَرَأَهَا عدلت لَهُ عشْرين حجَّة وَمن كتبهَا وشربها أدخلت جَوْفه ألف يَقِين وَألف نور وَألف بركَة وَألف رَحْمَة وَألف رزق ونزعت مِنْهُ كل غل وداء
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي عُثْمَان النَّهْدِيّ قَالَ أَبُو بَرزَة: من قَرَأَ (يس) مرّة فَكَأَنَّمَا قَرَأَ الْقُرْآن عشر مَرَّات وَقَالَ أَبُو سعيد: من قَرَأَ (يس) مرّة فَكَأَنَّمَا قَرَأَ الْقُرْآن مرَّتَيْنِ قَالَ أَبُو بَرزَة: تحدث أَنْت بِمَا سَمِعت وأحدث أَنا بِمَا سَمِعت
وَأخرج الْبَزَّار عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَوَدِدْت أَنَّهَا فِي قلب كل إِنْسَان من أمتِي يَعْنِي (يس)
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه بِسَنَد ضَعِيف عَن أنس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من داوم على قِرَاءَة (يس) كل ليله ثمَّ مَاتَ مَاتَ شَهِيدا
وَأخرج الدَّارمِيّ عَن عَطاء بن أبي رَبَاح قَالَ: بَلغنِي أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: من قَرَأَ (يس) فِي صدر النَّهَار قضيت حَوَائِجه
وَأخرج الدَّارمِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: من قَرَأَ يس حِين يصبح أعْطى يسر يَوْمه حَتَّى يُمْسِي وَمن قَرَأَهَا فِي صدر ليله أعْطى يسر ليله حَتَّى يصبح
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه والديلمي عَن أبي الدَّرْدَاء عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: مَا من ميت يقْرَأ عِنْده (يس) إِلَّا هون الله عَلَيْهِ
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ فِي فَضَائِل الْقُرْآن والديلمي من حَدِيث أبي ذَر
مثله

(7/38)


وَأخرج ابْن سعد وَأحمد فِي مُسْنده عَن صَفْوَان بن عَمْرو قَالَ: كَانَت المشيخة يَقُولُونَ: إِذا قَرَأت (يس) عِنْد الْمَيِّت خفف عَنهُ بهَا
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي شعب الْإِيمَان عَن أبي قلَابَة قَالَ: من قَرَأَ (يس) غفر لَهُ وَمن قَرَأَهَا عِنْد طَعَام خَافَ قلته كَفاهُ وَمن قَرَأَهَا عِنْد ميت هون عَلَيْهِ وَمن قَرَأَهَا عِنْد امْرَأَة عسر عَلَيْهَا وَلَدهَا يسر عَلَيْهَا وَمن قَرَأَهَا فَكَأَنَّمَا قَرَأَ الْقُرْآن إِحْدَى عشرَة مرّة وَلكُل شَيْء قلب وقلب الْقُرْآن (يس) قَالَ الْبَيْهَقِيّ: هَكَذَا نقل إِلَيْنَا عَن أبي قلَابَة وَهُوَ من كبار التَّابِعين وَلَا يَقُول ذَلِك إِن صَحَّ عَنهُ إِلَّا بلاغا
وَأخرج الْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي جَعْفَر مُحَمَّد بن عَليّ قَالَ: من وجد فِي قلبه قسوة فليكتب (يس وَالْقُرْآن الْحَكِيم) فِي جَام من زعفران ثمَّ يشربه
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور من طَرِيق سماك بن حَرْب عَن رجل من أهل الْمَدِينَة عَمَّن صلى خلف رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْغَدَاة
فَقَرَأَ (بقاف وَالْقُرْآن الْمجِيد) (سُورَة ق الْآيَة 1) و (يس وَالْقُرْآن الْحَكِيم) (سُورَة يس الْآيَة 1)
وَأخرج ابْن مردوية عَن عقبَة بن عَامر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من قَرَأَ (يس) فَكَأَنَّمَا قَرَأَ الْقُرْآن عشر مَرَّات
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لكل شَيْء قلب وقلب الْقُرْآن (يس) وَمن قَرَأَ (يس) فَكَأَنَّمَا قَرَأَ الْقُرْآن عشر مَرَّات
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه من حَدِيث أبي هُرَيْرَة وَأنس
مثله
وَأخرج ابْن سعد عَن عمار بن يَاسر
أَنه كَانَ يقْرَأ كل يَوْم جُمُعَة على الْمِنْبَر (يس)
وَأخرج مُحَمَّد بن عُثْمَان وَابْن أبي شيبَة فِي تَارِيخه وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن عَسَاكِر عَن خريم بن فاتك قَالَ: خرجت فِي طلب ابل لي وَكُنَّا إِذا نزلنَا بواد نقُول: نَعُوذ بعزيز هَذَا الْوَادي فتوسدت نَاقَة وَقلت: أعوذ بعزيز هَذَا الْوَادي فَإِذا هَاتِف يَهْتِف بِي وَيَقُول: وَيحك عذ بِاللَّه ذِي الْجلَال منزل الْحَرَام والحلال ووحد الله وَلَا تبالي مَا كيد ذَا الْجِنّ من الْأَهْوَال إِذْ يذكر الله على الأميال وَفِي سهول الأَرْض وَالْجِبَال وَصَارَ كيد الْجِنّ فِي سفال إِلَّا التقى وَصَالح الْأَعْمَال

(7/39)


فَقلت لَهُ: أَيهَا الْقَائِل مَا تَقول أرشد عنْدك أم تضليل فَقَالَ: هَذَا رَسُول الله ذَا الْخيرَات جَاءَ بياسين وحاميمات وسور بعد مفصلات يَأْمر بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاة ويزجر الأقوام عَن هَنَات فَذَاك فِي الْأَنَام نكرات فَقلت لَهُ: من أَنْت قَالَ: ملك من مُلُوك الْجِنّ بَعَثَنِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على جن نجد
قلت: أما كَانَ لي من يُؤَدِّي إبلي هَذِه إِلَى أَهلِي
لآتيه حَتَّى أسلم قَالَ: فَأَنا أؤديها فركبت بَعِيرًا مِنْهَا ثمَّ تقدّمت فَإِذا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على الْمِنْبَر فَلَمَّا رَآنِي قَالَ: مَا فعل الرجل الَّذِي ضمن لَك أَن يُؤَدِّي إبلك أما أَنه قد أَدَّاهَا سَالِمَة
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط عَن جَابر بن سَمُرَة قَالَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقْرَأ فِي الصُّبْح ب {يس}
وَأخرج ابْن النجار فِي تَارِيخه عَن أبي بكر الصّديق قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من زار قبر وَالِديهِ أَو أَحدهمَا فِي كل جُمُعَة فَقَرَأَ عِنْدهَا (يس) غفر الله لَهُ بِعَدَد كل حرف مِنْهَا
وَأخرج أَبُو نصر السجْزِي فِي الْإِبَانَة وَحسنه عَن عَائِشَة قَالَت: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن فِي الْقُرْآن لسورة تدعى الْعَظِيمَة عِنْد الله يدعى صَاحبهَا الشريف عِنْد الله يشفع صَاحبهَا يَوْم الْقِيَامَة فِي أَكثر من ربيعَة وَمُضر
وَهِي سُورَة {يس}
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ عَليّ بن أبي طَالب يَا رَسُول الله إِن الْقُرْآن ينفلت من صَدْرِي فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَلا أعلمك كَلِمَات ينفعك الله بِهن وينفع من عَلمته قَالَ: نعم بِأبي أَنْت وَأمي قَالَ: صل لَيْلَة الْجُمُعَة أَربع رَكْعَات تقْرَأ فِي الرَّكْعَة الأولى بِفَاتِحَة الْكتاب وَيس
وَفِي الثَّانِيَة بِفَاتِحَة الْكتاب (وحم) الدُّخان
وَفِي الثَّالِثَة بِفَاتِحَة الْكتاب (والم تَنْزِيل) السَّجْدَة
وَفِي الرَّابِعَة بِفَاتِحَة الْكتاب (وتبارك) الْمفصل
فَإِذا فرغت من التَّشَهُّد فاحمد الله وأثن عَلَيْهِ وصل على النَّبِيين واستغفر للْمُؤْمِنين ثمَّ قل: اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي بترك الْمعاصِي أبدا مَا أبقيتني وارحمني مَا لَا أتكلف مَا لَا

(7/40)


يعنيني وارزقني حسن النّظر فِيمَا يرضيك عني وَأَسْأَلك أَن تنور بِالْكتاب بَصرِي وَتطلق بِهِ لساني وتفرج بِهِ عَن قلبِي وتشرح بِهِ صَدْرِي وتستعمل بِهِ بدني وتقويني على ذَلِك وتعينني عَلَيْهِ
فَإِنَّهُ لَا يُعِيننِي على الْخَيْر غَيْرك وَلَا يوفق لَهُ إِلَّا أَنْت فافعل ذَلِك ثَلَاث جمع أَو خمْسا أَو سبعا تحفظه بِإِذن الله
وَمَا أَخطَأ مُؤمنا قطّ فَأتى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعد سبع جمع فَأخْبرهُ بحفظه الْقُرْآن والْحَدِيث فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُؤمن وَرب الْكَعْبَة علم أَبَا حسن علم أَبَا حسن

الْآيَات 1 - 11

(7/41)


يس (1) وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ (2) إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (3) عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (4) تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (5) لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ (6) لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (7) إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلَالًا فَهِيَ إِلَى الْأَذْقَانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ (8) وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ (9) وَسَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (10) إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ (11)

أخرج ابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق ابْن عَبَّاس قَالَ {يس} مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَفِي لفظ قَالَ: يَا مُحَمَّد
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن مُحَمَّد بن الْحَنَفِيَّة فِي قَوْله {يس} قَالَ: يَا مُحَمَّد
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم من طرق عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {يس} قَالَ: يَا إِنْسَان
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن وَعِكْرِمَة وَالضَّحَّاك
مثله
وَأخرج ابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {يس} قَالَ: يَا إِنْسَان بالحبشية

(7/41)


وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أَشهب قَالَ: سَأَلت مَالك بن أنس أينبغي لَاحَدَّ أَن يتسمى بيس فَقَالَ: مَا أرَاهُ يَنْبَغِي لقَوْله {يس وَالْقُرْآن الْحَكِيم} يَقُول: هَذَا اسْمِي تسميت بِهِ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن فِي قَوْله الله {يس وَالْقُرْآن الْحَكِيم} قَالَ: يقسم الله بِمَا يَشَاء ثمَّ نزع بِهَذِهِ الْآيَة {سَلام على آل ياسين} الصافات 130 كَأَنَّهُ يرى أَنه سلم على رَسُوله
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن يحيى بن أبي كثير فِي قَوْله {يس وَالْقُرْآن الْحَكِيم} قَالَ: يقسم بِأَلف عَالم {إِنَّك لمن الْمُرْسلين}
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن كَعْب الْأَحْبَار فِي قَوْله {يس} قَالَ: هَذَا قسم أقسم بِهِ رَبك قَالَ يَا مُحَمَّد إِنَّك لمن الْمُرْسلين قبل أَن اخلق الْخلق بألفي عَام
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {يس وَالْقُرْآن الْحَكِيم إِنَّك لمن الْمُرْسلين} قَالَ: اقْسمْ كَمَا تَسْمَعُونَ أَنه {لمن الْمُرْسلين على صِرَاط مُسْتَقِيم} أَي على الإِسلام {تَنْزِيل الْعَزِيز الرَّحِيم} قَالَ: هُوَ الْقُرْآن {لتنذر قوما مَا أنذر آباؤهم} قَالَ: قُرَيْش لم يَأْتِ الْعَرَب رَسُول قبل مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يَأْتهمْ وَلَا آبَاءَهُم رَسُول قبله
وَأخرج ابْن جرير عَن عِكْرِمَة {لتنذر قوما مَا أنذر آباؤهم} قَالَ بَعضهم {لتنذر قوما مَا أنذر آباؤهم} مَا أنذر النَّاس من قبلهم وَقَالَ بَعضهم {لتنذر قوما مَا أنذر آباؤهم} أَي هَذِه الْأمة لم يَأْتهمْ نَذِير حَتَّى جَاءَهُم مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {لقد حق القَوْل على أَكْثَرهم} قَالَ: سبق فِي علمه
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه وَأَبُو نعيم فِي الدَّلَائِل عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقْرَأ فِي الْمَسْجِد فيجهر بِالْقِرَاءَةِ حَتَّى تأذّى بِهِ نَاس من قُرَيْش حَتَّى قَامُوا ليأخذوه وَإِذا أَيْديهم مَجْمُوعَة إِلَى أَعْنَاقهم وَإِذا هم لَا يبصرون فجاؤا إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالُوا: ننشدك الله وَالرحم يَا مُحَمَّد وَلم يكن بطن من بطُون قُرَيْش إِلَّا وَلِلنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فيهم قرَابَة فَدَعَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى ذهب ذَلِك عَنْهُم
فَنزلت {يس وَالْقُرْآن الْحَكِيم}

(7/42)


إِلَى قَوْله {أم لم تنذرهم لَا يُؤمنُونَ} قَالَ: فَلم يُؤمن من ذَلِك النَّفر أحد
وَأخرج ابْن جرير عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ أَبُو جهل: لَئِن رَأَيْت مُحَمَّدًا لَأَفْعَلَنَّ
وَلَأَفْعَلَن

فَنزلت {إِنَّا جعلنَا فِي أَعْنَاقهم أغلالاً} إِلَى قَوْله {لَا يبصرون} فَكَانُوا يَقُولُونَ: هَذَا مُحَمَّد فَيَقُول: أَيْن هُوَ أَيْن هُوَ

لَا يبصره
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل من طَرِيق السّديّ الصَّغِير عَن الْكَلْبِيّ عَن أبي صَالح عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {وَجَعَلنَا من بَين أَيْديهم سداً} قَالَ: كفار قُرَيْش غطاء {فأغشيناهم} يَقُول: ألبسنا أَبْصَارهم {فهم لَا يبصرون} النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فيؤذونه وَذَلِكَ أَن نَاسا من بني مَخْزُوم تواطؤا بِالنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ليقتلوه
مِنْهُم أَبُو جهل والوليد بن الْمُغيرَة
فَبينا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَائِم يُصَلِّي يسمعُونَ قِرَاءَته فأرسلوا إِلَيْهِ الْوَلِيد ليَقْتُلهُ فَانْطَلق حَتَّى أَتَى الْمَكَان الَّذِي يُصَلِّي فِيهِ فَجعل يسمع قِرَاءَته وَلَا يرَاهُ فَانْصَرف إِلَيْهِم فأعلمهم ذَلِك فَأتوهُ فَلَمَّا انْتَهوا إِلَى الْمَكَان الَّذِي يُصَلِّي فِيهِ سمعُوا قِرَاءَته فيذهبون إِلَيْهِ فيسمعون أَيْضا من خَلفهم فانصرفوا وَلم يَجدوا إِلَيْهِ سَبِيلا
فَذَلِك قَوْله {وَجَعَلنَا من بَين أَيْديهم سداً وَمن خَلفهم سداً}
وَأخرج ابْن إِسْحَق وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو نعيم فِي الدَّلَائِل عَن مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ قَالَ: اجْتمع قُرَيْش
وَفِيهِمْ أَبُو جهل على بَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالُوا على بَابه: ان مُحَمَّدًا يزْعم أَنكُمْ ان بايعتموه على أمره كُنْتُم مُلُوك الْعَرَب والعجم وبعثتم من بعد موتكم فَجعلت لكم نَار تحرقون فِيهَا فَخرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأخذ حفْنَة من تُرَاب فِي يَده قَالَ: نعم
أَقُول ذَلِك وَأَنت أحدهم وَأخذ الله على أَبْصَارهم فَلَا يرونه فَجعل ينثر ذَلِك التُّرَاب على رؤوسهم وَهُوَ يَتْلُو هَذِه الْآيَات {يس وَالْقُرْآن الْحَكِيم} إِلَى قَوْله {فأغشيناهم فهم لَا يبصرون} حَتَّى فرغ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من هَؤُلَاءِ الْآيَات فَلم يبْق رجل إِلَّا وضع على رَأسه تُرَابا فَوضع كل رجل مِنْهُم يَده على رَأسه وَإِذا عَلَيْهِ تُرَاب فَقَالُوا: لقد كَانَ صدقنا الَّذِي حَدثنَا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ {الأغلال} مَا بَين الصَّدْر إِلَى الذقن {فهم مقمحون} كَمَا تقمح الدَّابَّة باللجام
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله

(7/43)


عَنْهُمَا أَنه قَرَأَ {إِنَّا جعلنَا فِي أَعْنَاقهم أغلالاً}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {مقمحون} قَالَ: مَجْمُوعَة أَيْديهم إِلَى أَعْنَاقهم تَحت الذقن
وَأخرج الطستي عَن ابْن عَبَّاس أَن نَافِع بن الْأَزْرَق سَأَلَهُ عَن قَوْله {مقمحون} قَالَ المقمح: الشامخ بِأَنْفِهِ المنكس بِرَأْسِهِ
قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم
أما سَمِعت قَول الشَّاعِر: وَنحن على جوانبها قعُود نغض الطّرف كالإِبل القماح وَأخرج الخرائطي فِي مساوىء الْأَخْلَاق عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {إِنَّا جعلنَا فِي أَعْنَاقهم أغلالاً} قَالَ: الْبُخْل
أمسك الله أَيْديهم عَن النَّفَقَة فِي سَبِيل الله {فهم لَا يبصرون}
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {إِنَّا جعلنَا فِي أَعْنَاقهم أغلالاً} قَالَ: فِي بعض الْقرَاءَات إِنَّا جعلنَا فِي أَيْمَانهم أغلالاً فَهِيَ إِلَى الأذقان فهم مقمحون) قَالَ: مغلولون عَن كل خير
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد {فهم مقمحون} قَالَ: رافعوا رؤوسهم وأيديهم مَوْضُوعَة على أَفْوَاههم
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَاصِم أَنه قَرَأَ وَجَعَلنَا من بَين أَيْديهم سداً وَمن خَلفهم سداً بِرَفْع السِّين فيهمَا {فأغشيناهم} بالغين
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: اجْتمعت قُرَيْش بِبَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ينتظرون خُرُوجه ليؤذوه فشق ذَلِك عَلَيْهِ فَأَتَاهُ جِبْرِيل بِسُورَة {يس} وَأمره بِالْخرُوجِ عَلَيْهِم فَأخذ كفا من تُرَاب وَخرج وَهُوَ يقرأوها ويذر التُّرَاب على رؤوسهم فَمَا رَأَوْهُ حَتَّى جَازَ فَجعل أحدهم يلمس رَأسه فيجد التُّرَاب وَجَاء بَعضهم فَقَالَ: مَا يجلسكم قَالُوا: نَنْتَظِر مُحَمَّدًا فَقَالَ: لقد رَأَيْته دَاخِلا الْمَسْجِد قَالُوا: قومُوا فقد سحركم
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد قَالَ: اجْتمعت قُرَيْش فبعثوا عتبَة بن ربيعَة فَقَالُوا: أئتِ هَذَا الرجل فَقل لَهُ إِن قَوْمك يَقُولُونَ: إِنَّك جِئْت بأمرٍ عَظِيم وَلم يكن عَلَيْهِ آبَاؤُنَا وَلَا يتبعك عَلَيْهِ أَحْلَامنَا وَإنَّك إِنَّمَا صنعت هَذَا إِنَّك ذُو حَاجَة

(7/44)


فَإِن كنت تُرِيدُ المَال فَإِن قَوْمك سيجمعون لَك ويعطونك فدع مَا تُرِيدُ وَعَلَيْك بِمَا كَانَ عَلَيْهِ آباؤك فَانْطَلق إِلَيْهِ عتبَة فَقَالَ لَهُ: الَّذِي أَمرُوهُ فَلَمَّا فرغ من قَوْله وَسكت
قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم حم تَنْزِيل من الرَّحْمَن الرَّحِيم) (فصلت 1 - 2) فَقَرَأَ عَلَيْهِ من أَولهَا حَتَّى بلغ (فَإِن أَعرضُوا فَقل أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَة مثل صَاعِقَة عَاد وَثَمُود) (فصلت 13) فَرجع عتبَة فَأخْبرهُم الْخَبَر فَقَالَ: لقد كلمني بِكَلَام مَا هُوَ بِشعر وَلَا بِسحر وَإنَّهُ لكَلَام عَجِيب مَا هُوَ بِكَلَام النَّاس فوقعوا بِهِ وَقَالُوا نَذْهَب إِلَيْهِ بأجمعنا فَلَمَّا أَرَادوا ذَلِك طلع عَلَيْهِم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فعمدهم حَتَّى قَامَ على رؤوسهم وَقَالَ بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم {يس وَالْقُرْآن الْحَكِيم} حَتَّى بلغ {إِنَّا جعلنَا فِي أَعْنَاقهم أغلالاً} فَضرب الله بِأَيْدِيهِم على أَعْنَاقهم فَجعل من بَين أَيْديهم سداً وَمن خَلفهم سداً فَأخذ تُرَابا فَجعله على رؤوسهم ثمَّ انْصَرف عَنْهُم وَلَا يَدْرُونَ مَا صنع بهم فعجبوا وَقَالُوا: مَا رَأينَا أحدا قطّ أَسحر مِنْهُ أنظروا مَا صنع بِنَا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: أئتمر نَاس من قُرَيْش بِالنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ليسطوا عَلَيْهِ فجاؤا يُرِيدُونَ ذَلِك فَجعل الله {من بَين أَيْديهم سداً} قَالَ: ظلمَة {وَمن خَلفهم سداً} قَالَ: ظلمَة {فأغشيناهم فهم لَا يبصرون} قَالَ: فَلم يبصروا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن عِكْرِمَة قَالَ: كَانَ نَاس من الْمُشْركين من قُرَيْش يَقُول بَعضهم لبَعض: لَو قد رَأَيْت مُحَمَّدًا لفَعَلت بِهِ كَذَا وَكَذَا فَأَتَاهُم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وهم فِي حَلقَة فِي الْمَسْجِد فَوقف عَلَيْهِم فَقَرَأَ {يس وَالْقُرْآن الْحَكِيم} حَتَّى بلغ {لَا يبصرون} ثمَّ أَخذ تُرَابا فَجعل يذره على رؤوسهم فَمَا يرفع إِلَيْهِ رجل طرفه وَلَا يتَكَلَّم كلمة ثمَّ جَاوز النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَجعلُوا يَنْفضونَ التُّرَاب عَن رؤوسهم ولحاهم وَالله مَا سمعنَا وَالله مَا أبصرنا وَالله مَا عقلنا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وَجَعَلنَا من بَين أَيْديهم سداً وَمن خَلفهم سداً} قَالَ: عَن الْحق {فهم} يَتَرَدَّدُونَ {فأغشيناهم فهم لَا يبصرون} هدى وَلَا يَنْتَفِعُونَ بِهِ
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد فِي الْآيَة قَالَ: جعل هَذَا السد

(7/45)


بَينهم وَبَين الإِسلام والإِيمان فَلم يخلصوا إِلَيْهِ
وَقَرَأَ {وَسَوَاء عَلَيْهِم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لَا يُؤمنُونَ} من مَنعه الله لَا يَسْتَطِيع
وَأخرج عبد بن حميد عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ أَنه كَانَ يقْرَأ من بَين أَيْديهم سداً وَمن خَلفهم سداً بِنصب السِّين
وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة أَنه قَرَأَ {فأغشيناهم}
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {إِنَّمَا تنذر من اتبع الذّكر} قَالَ: اتِّبَاع الذّكر اتِّبَاع الْقُرْآن {وخشي الرَّحْمَن بِالْغَيْبِ} قَالَ: خشِي عَذَاب الله وناره {فبشره بمغفرة وَأجر كريم} قَالَ: الْجنَّة

الْآيَة 12

(7/46)


إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ (12)

أخرج عبد الرَّزَّاق وَالتِّرْمِذِيّ وَحسنه وَالْبَزَّار وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ: كَانَ بَنو سَلمَة فِي نَاحيَة من الْمَدِينَة فأرادوا أَن يَنْتَقِلُوا إِلَى قرب الْمَسْجِد فَأنْزل الله {إِنَّا نَحن نحيي الْمَوْتَى ونكتب مَا قدمُوا وآثارهم} فَدَعَاهُمْ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: إِنَّه يكْتب آثَاركُم ثمَّ قَرَأَ عَلَيْهِم الْآيَة فتركوا
وَأخرج عبد بن حميد عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِي الله عَنهُ {إِنَّا نَحن نحيي الْمَوْتَى ونكتب مَا قدمُوا وآثارهم} قَالَ: الخطا
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَأحمد فِي الزّهْد وَعبد بن حميد وَابْن ماجة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: كَانَت الْأَنْصَار مَنَازِلهمْ بعيدَة من الْمَسْجِد فأرادوا أَن يَنْتَقِلُوا قَرِيبا من الْمَسْجِد فَنزلت {ونكتب مَا قدمُوا وآثارهم} فَقَالُوا: بل نمكث مَكَاننَا
وَأخرج مُسلم وَابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه عَن جَابر بن عبد الله قَالَ: إِن بني سَلمَة أَرَادوا أَن يبيعوا دِيَارهمْ ويتحولوا قَرِيبا من الْمَسْجِد فَقَالَ لَهُم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يَا بني سَلمَة دِيَاركُمْ نكتب آثَاركُم

(7/46)


وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَابْن مرْدَوَيْه عَن أنس قَالَ: أَرَادَ بَنو سَلمَة أَن يبيعوا دُورهمْ ويتحوّلوا قريب الْمَسْجِد فَبلغ ذَلِك النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فكره أَن تعرى الْمَدِينَة فَقَالَ يَا بني سَلمَة أما تحبون أَن تكْتب آثَاركُم إِلَى الْمَسْجِد قَالُوا: بلَى
فأقاموا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أنس رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {ونكتب مَا قدمُوا وآثارهم} قَالَ: هَذَا فِي الخطو يَوْم الْجُمُعَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَعبد بن حميد وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَابْن ماجة وَابْن مرْدَوَيْه عَن أُبيّ بن كَعْب قَالَ: كَانَ رجل مَا يعلم من أهل الْمَدِينَة مِمَّن يُصَلِّي الْقبْلَة أبعد منزلا مِنْهُ من الْمَسْجِد فَكَانَ يشْهد الصَّلَاة مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقيل لَهُ لَو اشْتريت حمارا تركبه فِي الرمضاء والظلمات فَقَالَ وَالله مَا يسرني أَن منزلي بلصق الْمَسْجِد فَأخْبر بذلك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَسَأَلَهُ عَن ذَلِك فَقَالَ: يَا رَسُول الله كَيْمَا يكْتب أثري وخطاي ورجوعي إِلَى أَهلِي وإقبالي وإدباري فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَعْطَاك الله ذَلِك كُله وأعطاك مَا احتسبت أجمع
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من حِين يخرج أحدكُم من منزله إِلَى منزل رجل يكْتب لَهُ حَسَنَة ويحط عَنهُ سَيِّئَة)
وَأخرج عبد بن حميد عَن مَسْرُوق قَالَ: مَا خطا رجل خطْوَة إِلَّا كتب الله لَهُ حَسَنَة أَو سَيِّئَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: الْأَبْعَد فالأبعد من الْمَسْجِد أعظم أجرا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ {ونكتب مَا قدمُوا} قَالَ: أَعْمَالهم {وآثارهم} قَالَ: خطاهم بأرجلهم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي الْآيَة قَالَ: لَو كَانَ مغفلاً شَيْئا من أثر ابْن آدم لأغفل هَذَا الْأَثر الَّتِي تعفها الرِّيَاح وَلَكِن أحْصر على ابْن آدم أَثَره وَعَمله كُله حَتَّى أحصى هَذَا الْأَثر فِيمَا هُوَ فِي طَاعَة الله أَو مَعْصِيَته فَمن اسْتَطَاعَ مِنْكُم أَن يكْتب أَثَره فِي طَاعَة الله فَلْيفْعَل

(7/47)


وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {ونكتب مَا قدمُوا وآثارهم} قَالَ: مَا سنوا من سنة فعملوا بهَا من بعد مَوْتهمْ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {ونكتب مَا قدمُوا} قَالَ: مَا قدمُوا من خير {وآثارهم} قَالَ: مَا أورثوا من الضَّلَالَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن جرير بن عبد الله البَجلِيّ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من سنّ سنة حَسَنَة فَلهُ أجرهَا وَأجر من عمل بهَا من بعده من غير أَن ينقص من أُجُورهم شَيْء وَمن سنّ سنة سَيِّئَة كَانَ عَلَيْهِ وزرها ووزر من عمل بهَا من بعده لَا ينقص من أوزارهم شَيْء
ثمَّ تَلا هَذِه الْآيَة {ونكتب مَا قدمُوا وآثارهم}
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن الضريس فِي فَضَائِل الْقُرْآن وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وكل شَيْء أحصيناه فِي إِمَام مُبين} قَالَ: أم الْكتاب
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وكل شَيْء أحصيناه فِي إِمَام مُبين} قَالَ: كل شَيْء من امام عِنْد الله مَحْفُوظ يَعْنِي فِي كتاب
وَأخرج عبد بن حميد عَن إِبْرَاهِيم رَضِي الله عَنهُ {وكل شَيْء أحصيناه فِي إِمَام مُبين} قَالَ: كتاب

الْآيَات 13 - 27

(7/48)


وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ (13) إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ (14) قَالُوا مَا أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَمَا أَنْزَلَ الرَّحْمَنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ (15) قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ (16) وَمَا عَلَيْنَا إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (17) قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ (18) قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ (19) وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ (20) اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ (21) وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (22) أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لَا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلَا يُنْقِذُونِ (23) إِنِّي إِذًا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (24) إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ (25) قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ (26) بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ (27)

أخرج الْفرْيَابِيّ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {وَاضْرِبْ لَهُم مثلا أَصْحَاب الْقرْيَة} قَالَ: هِيَ انطاكية
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن بُرَيْدَة {أَصْحَاب الْقرْيَة} قَالَ: انطاكية
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {أَصْحَاب الْقرْيَة إِذْ جاءها المُرْسَلُونَ} قَالَ: انطاكية
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {أَصْحَاب الْقرْيَة إِذْ جاءها المُرْسَلُونَ} قَالَ: ذكر لنا أَنَّهَا قَرْيَة من قرى الرّوم بعث عِيسَى بن مَرْيَم إِلَيْهَا رجلَيْنِ فكذبوهما
وَأخرج ابْن سعد وَابْن عَسَاكِر من طَرِيق الْكَلْبِيّ عَن أبي صَالح عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: كَانَ مُوسَى بن عمرَان عَلَيْهِ السَّلَام بَينه وَبَين عِيسَى ألف سنة وَتِسْعمِائَة سنة وَلم يكن بَينهمَا وانه أرسل بَينهمَا ألف نَبِي من بني إِسْرَائِيل ثمَّ من أرسل من غَيرهم وَكَانَ بَين مِيلَاد عِيسَى وَالنَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَمْسمِائَة سنة وتسع وَسِتُّونَ

(7/49)


سنة بعث فِي أَولهَا ثَلَاثَة أَنْبيَاء
وَهُوَ قَوْله {إِذْ أرسلنَا إِلَيْهِم اثْنَيْنِ فكذبوهما فعززنا بثالث} وَالَّذِي عززبه: شَمْعُون
وَكَانَ من الحواريين وَكَانَت الفترة الَّتِي لَيْسَ فِيهَا رَسُول أَرْبَعمِائَة سنة وَأَرْبَعَة وَثَلَاثِينَ سنة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {إِذْ أرسلنَا إِلَيْهِم اثْنَيْنِ} قَالَ: بَلغنِي أَن عِيسَى بن مَرْيَم بعث إِلَى أهل الْقرْيَة - وَهِي انطاكية - رجلَيْنِ من الحواريين واتبعهم بثالث
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي الْعَالِيَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {إِذْ أرسلنَا إِلَيْهِم اثْنَيْنِ فكذبوهما فعززنا بثالث} قَالَ: لكَي تكون عَلَيْهِم الْحجَّة أَشد فَأتوا أهل الْقرْيَة فدعوهم إِلَى الله وَحده وعبادته لَا شريك لَهُ فكذبوهم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن شُعَيْب الجبائي قَالَ: اسْم الرسولين اللَّذين قَالَا {إِذْ أرسلنَا إِلَيْهِم اثْنَيْنِ} شَمْعُون
ويوحنا
وَاسم (الثَّالِث) بولص
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {فعززنا بثالث} مُخَفّفَة
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن سعيد بن جُبَير رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {إِذْ أرسلنَا إِلَيْهِم اثْنَيْنِ}

قَالَ: اسْم الثَّالِث الَّذِي عزز بِهِ سمعون بن يوحنا
وَالثَّالِث بولص فزعموا أَن الثَّلَاثَة قتلوا جَمِيعًا وَجَاء حبيب وَهُوَ يكتم إيمَانه {قَالَ يَا قوم اتبعُوا الْمُرْسلين} فَلَمَّا رَأَوْهُ أعلن بإيمانه فَقَالَ {إِنِّي آمَنت بربكم فاسمعون} وَكَانَ نجاراً ألقوه فِي بِئْر وَهِي الرس وهم أَصْحَاب الرس
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {قَالُوا إِنَّا تطيرنا بكم} قَالَ: يَقُولُونَ إِن أَصَابَنَا شَرّ فَإِنَّمَا هُوَ من أجلكم {لَئِن لم تنتهوا لنرجمنكم} بِالْحِجَارَةِ {قَالُوا طائركم مَعكُمْ} أَي أَعمالكُم مَعكُمْ {أئن ذكرْتُمْ} يَقُول: ائن ذكرناكم بِاللَّه تطيرتم بِنَا
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {لنرجمنكم} قَالَ: لنشتمنكم قَالَ وَالرَّجم فِي الْقُرْآن كُله الشتم وَفِي قَوْله {طائركم مَعكُمْ أئن ذكرْتُمْ} يَقُول: مَا كتب عَلَيْكُم وَاقع بكم

(7/50)


وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {طائركم مَعكُمْ} قَالَ: شؤمكم مَعكُمْ
وَأخرج عبد بن حميد عَن يحيي بن وثاب أَنه قَرَأَهَا أئن ذكرْتُمْ بالخفض وَقرأَهَا زر بن حُبَيْش أَن ذكرْتُمْ بِالنّصب
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس {وَجَاء من أقْصَى الْمَدِينَة رجل يسْعَى} قَالَ: هُوَ حبيب النجار
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد
مثله
وَأخرج ابْن جرير عَن أبي مجلز قَالَ: كَانَ اسْم صَاحب (يس) حبيب بن مري
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم من وَجه آخر عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: اسْم صَاحب (يس) حبيب وَكَانَ الجذام قد أسْرع فِيهِ
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وَجَاء من أقْصَى الْمَدِينَة رجل يسْعَى} قَالَ: بَلغنِي أَنه رجل كَانَ يعبد الله فِي غَار واسْمه حبيب فَسمع بهؤلاء النفرالذين أرسلهم عِيسَى إِلَى أهل انطاكية فَجَاءَهُمْ فَقَالَ: تسْأَلُون أجرا فَقَالُوا: لَا فَقَالَ لِقَوْمِهِ {يَا قوم اتبعُوا الْمُرْسلين اتبعُوا من لَا يسألكم أجرا وهم مهتدون} حَتَّى بلغ {فاسمعون} قَالَ: فرجموه بِالْحِجَارَةِ فَجعل يَقُول: رب اهد قومِي فَإِنَّهُم لَا يعلمُونَ {بِمَا غفر لي رَبِّي} حَتَّى بلغ {إِن كَانَت إِلَّا صَيْحَة وَاحِدَة} قَالَ: فَمَا نُوظِرُوا بعد قَتلهمْ إِيَّاه حَتَّى أخذتهم {صَيْحَة وَاحِدَة فَإِذا هم خامدون}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عمر بن الحكم فِي قَوْله {وَجَاء من أقْصَى الْمَدِينَة رجل يسْعَى} قَالَ: بلغنَا أَنه كَانَ قصاراً
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي قَوْله {وَجَاء من أقْصَى الْمَدِينَة رجل} كَانَ حراثاً
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر عَن كَعْب أَن ابْن عَبَّاس سَأَلَهُ عَن أَصْحَاب الرس فَقَالَ: إِنَّكُم معشر الْعَرَب تدعون الْبِئْر رساً وتدعون الْقَبْر رساً فخدوا خدوداً فِي الأَرْض وأوقدوا فِيهَا النيرَان للرسل الَّذين ذكر الله فِي {يس} {إِذْ أرسلنَا إِلَيْهِم اثْنَيْنِ فكذبوهما فعززنا بثالث}

(7/51)


وَكَانَ الله تَعَالَى إِذا جمع لعبد النُّبُوَّة والرسالة مَنعه من النَّاس وَكَانَت الْأَنْبِيَاء تقتل فَلَمَّا سمع بذلك رجل من أقْصَى الْمَدِينَة وَمَا يُرَاد بالرسل أقبل يسْعَى ليدركهم فيشهدهم على إيمَانه فَأقبل على قومه فَقَالَ {يَا قوم اتبعُوا الْمُرْسلين} إِلَى قَوْله {لفي ضلال مُبين} ثمَّ أقبل على الرُّسُل فَقَالَ {إِنِّي آمَنت بربكم فاسمعون} ليشهدهم على إيمَانه فأُخِذَ فَقُذِفَ فِي النَّار فَقَالَ الله تَعَالَى {ادخل الْجنَّة} قَالَ {يَا لَيْت قومِي يعلمُونَ بِمَا غفر لي رَبِّي وَجَعَلَنِي من الْمُكرمين}
وَأخرج الْحَاكِم عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: لما قَالَ صَاحب (يس) {يَا قوم اتبعُوا الْمُرْسلين} خنقوه ليَمُوت فَالْتَفت إِلَى الْأَنْبِيَاء فَقَالَ {إِنِّي آمَنت بربكم فاسمعون} أَي فَاشْهَدُوا لي
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {قيل ادخل الْجنَّة} قَالَ: وَجَبت لَهُ الْجنَّة {قَالَ يَا لَيْت قومِي يعلمُونَ} قَالَ: هَذَا حِين رأى الثَّوَاب

الْآيَات 28 - 29

(7/52)


وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا كُنَّا مُنْزِلِينَ (28) إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ (29)

أخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن مَسْعُود فِي قَوْله {وَمَا أنزلنَا على قومه} قَالَ: مَا استعنت عَلَيْهِم جنداً من السَّمَاء وَلَا من الأَرْض
وَأخرج أَبُو عبيد وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن سِيرِين قَالَ: فِي قِرَاءَة ابْن مَسْعُود إِن كَانَت إِلَّا رتقة وَاحِدَة وَفِي قراءتنا {إِن كَانَت إِلَّا صَيْحَة وَاحِدَة}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله {فَإِذا هم خامدون} قَالَ: ميتون
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه بِسَنَد ضَعِيف عَن ابْن عَبَّاس عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: السَّبق ثَلَاثَة
فَالسَّابِق إِلَى مُوسَى يُوشَع بن نون وَالسَّابِق إِلَى عِيسَى صَاحب يس
وَالسَّابِق إِلَى مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على بن أبي طَالب
وَأخرج ابْن عَسَاكِر من طَرِيق صَدَقَة الْقرشِي عَن رجل قَالَ: قَالَ رَسُول الله

(7/52)


صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَبُو بكر الصّديق خير أهل الأَرْض إِلَّا أَن يكون نَبِي وَإِلَّا مُؤمن آل ياسين وَإِلَّا مُؤمن آل فِرْعَوْن
وَأخرج ابْن عدي وَابْن عَسَاكِر: ثَلَاثَة مَا كفرُوا بِاللَّه قطّ
مُؤمن آل ياسين وَعلي بن أبي طَالب وآسية امْرَأَة فِرْعَوْن
وَأخرج البُخَارِيّ فِي تَارِيخه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: الصديقون ثَلَاثَة
حزقيل مُؤمن آل فِرْعَوْن وحبِيب النجار صَاحب آل ياسين وَعلي بن أبي طَالب
وَأخرج أَبُو دَاوُد وَأَبُو نعيم وَابْن عَسَاكِر والديلمي عَن أبي ليلى قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: الصديقون ثَلَاثَة
حبيب النجار مُؤمن آل ياسين الَّذِي قَالَ {يَا قوم اتبعُوا الْمُرْسلين} وحزقيل مُؤمن آل فِرْعَوْن الَّذِي قَالَ (أَتقْتلونَ رجلا أَن يَقُول رَبِّي الله) (غَافِر الْآيَة 28) وَعلي بن أبي طَالب وَهُوَ أفضلهم
وَأخرج الْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن عُرْوَة قَالَ: قدم عُرْوَة بن مَسْعُود الثَّقَفِيّ على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ اسْتَأْذن ليرْجع إِلَى قومه فَقَالَ لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِنَّهُم قاتلوك قَالَ: لَو وَجَدُونِي نَائِما مَا أيقظوني فَرجع إِلَيْهِم فَدَعَاهُمْ إِلَى الإِسلام فعصوه وأسمعوه من الْأَذَى فَلَمَّا طلع الْفجْر قَامَ على غرفَة فَأذن بِالصَّلَاةِ
وَتشهد فَرَمَاهُ رجل من ثَقِيف بِسَهْم فَقتله فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين بلغه قَتله: مثل عُرْوَة
مثل صَاحب يس
دَعَا قومه إِلَى الله فَقَتَلُوهُ)
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه من حَدِيث ابْن شُعْبَة مَوْصُولا
نَحوه
وَأخرج عبد بن حميد وَالطَّبَرَانِيّ عَن مقسم عَن ابْن عَبَّاس
أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعث عُرْوَة بن مَسْعُود إِلَى الطَّائِف إِلَى قومه ثَقِيف فَدَعَاهُمْ إِلَى الإِسلام فَرَمَاهُ رجل بِسَهْم فَقتله فَقَالَ: مَا أشبهه بِصَاحِب (يس)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عَامر الشّعبِيّ قَالَ: شبه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثَلَاثَة نفر من أمته قَالَ دحْيَة الْكَلْبِيّ يشبه جِبْرِيل وَعُرْوَة بن مَسْعُود الثَّقَفِيّ يشبه عِيسَى بن مَرْيَم وَعبد الْعُزَّى يشبه الدَّجَّال)

الْآيَة 30

(7/53)


يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (30)

أخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {يَا حسرة على الْعباد} يَقُول: يَا ويلاً للعباد
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن الْأَنْبَارِي فِي الْمَصَاحِف عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَالَ {يَا حسرة على الْعباد}
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد {يَا حسرة على الْعباد} قَالَ: كَانَ حسرة عَلَيْهِم استهزاؤهم بالرسل
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {يَا حسرة على الْعباد} يَا حسرة الْعباد على أَنْفسهَا على مَا ضيعت من أَمر الله وفرطت فِي جنب الله تَعَالَى قَالَ: وَفِي بعض الْقِرَاءَة يَا حسرة الْعباد على أَنْفسهَا مَا يَأْتِيهم من رَسُول
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {يَا حسرة على الْعباد} قَالَ: الندامة على الْعباد الَّذين {وَمَا يَأْتِيهم من رَسُول إِلَّا كَانُوا بِهِ يستهزؤون} يَقُول: الندامة عَلَيْهِم إِلَى يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {يَا حسرة على الْعباد} قَالَ: يَا حسرة لَهُم
وَأخرج أَبُو عبيد وَابْن الْمُنْذر عَن هَارُون قَالَ: فِي حرف أبيّ بن كَعْب يَا حسرة على الْعباد مَا يَأْتِيهم من رَسُول إِلَّا كَانُوا بِهِ يستهزؤن

الْآيَات 31 - 34

(7/54)


أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لَا يَرْجِعُونَ (31) وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ (32) وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ (33) وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ الْعُيُونِ (34)

أخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله

(7/54)


{ألم يرَوا كم أهلكنا قبلهم من الْقُرُون أَنهم إِلَيْهِم لَا يرجعُونَ} قَالَ: عادا وثمودا وقروناً بَين ذَلِك كثيرا {وَإِن كل لما جَمِيع لدينا محضرون} قَالَ: يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق هَارُون عَن الْأَعْرَج وَأبي عَمْرو فِي قَوْله {أَنهم إِلَيْهِم لَا يرجعُونَ} قَالَا: لَيْسَ فِي مُدَّة اخْتِلَاف هَذَا من رُجُوع الدُّنْيَا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن أبي إِسْحَق قَالَ: قيل لِابْنِ عَبَّاس أَن نَاسا يَزْعمُونَ أَن عليا مَبْعُوث قبل يَوْم الْقِيَامَة
فَسكت سَاعَة ثمَّ قَالَ: بئس الْقَوْم نَحن إِن كُنَّا أَنْكَحنَا نِسَاءَهُ واقتسمنا مِيرَاثه أما تقرأون {ألم يرَوا كم أهلكنا قبلهم من الْقُرُون أَنهم إِلَيْهِم لَا يرجعُونَ}

آيَة 35

(7/55)


لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلَا يَشْكُرُونَ (35)

أخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَرَأَ {وَمَا عملته أَيْديهم} قَالَ: وجدوه مَعْمُولا لم تعمله أَيْديهم
يَعْنِي الْفُرَات ودجلة ونهر بَلخ وأشباهها {أَفلا يشكرون} لهَذَا
وَالله أعلم

آيَة 36

(7/55)


سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ (36)

أخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي قَوْله {سُبْحَانَ الَّذِي خلق الْأزْوَاج كلهَا} قَالَ: الْأَصْنَاف كلهَا
الْمَلَائِكَة زوج والإِنس زوج وَالْجِنّ زوج وَمَا تنْبت الأَرْض زوج وكل صنف من الطير زوج ثمَّ فسر فَقَالَ {مِمَّا تنْبت الأَرْض وَمن أنفسهم وَمِمَّا لَا يعلمُونَ} الرّوح لَا يُعلمهُ الْمَلَائِكَة وَلَا خلق الله وَلم يطلع على الرّوح أحد وَقَوله {وَمِمَّا لَا يعلمُونَ} لَا يعلم الْمَلَائِكَة وَلَا غَيرهَا

آيَة 37

(7/55)


وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ (37)

أخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وَآيَة لَهُم اللَّيْل نسلخ مِنْهُ النَّهَار} قَالَ: يخرج أَحدهمَا من الآخر

(7/55)


وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وَآيَة لَهُم اللَّيْل نسلخ مِنْهُ النَّهَار} قَالَ: كَقَوْلِه (يولج اللَّيْل فِي النَّهَار ويولج النَّهَار فِي اللَّيْل) (الْحَج الْآيَة 61)

آيَة 38

(7/56)


وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (38)

أخرج عبد بن حميد وَالْبُخَارِيّ وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن أبي ذَر قَالَ: كنت مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْمَسْجِد عِنْد غرُوب الشَّمْس فَقَالَ: يَا أَبَا ذَر أَتَدْرِي أَيْن تغرب الشَّمْس قلت: الله وَرَسُوله أعلم قَالَ: فَإِنَّهَا تذْهب حَتَّى تسْجد تَحت الْعَرْش فَذَلِك قَوْله {وَالشَّمْس تجْرِي لمستقر لَهَا} قَالَ: مستقرها تَحت الْعَرْش
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَأحمد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي ذَر قَالَ: سَأَلت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن قَوْله {وَالشَّمْس تجْرِي لمستقر لَهَا} قَالَ: مستقرها تَحت الْعَرْش
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَأحمد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن أبي ذَر قَالَ: دخلت الْمَسْجِد حِين غَابَتْ الشَّمْس وَالنَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جَالس فَقَالَ يَا أَبَا ذَر أَتَدْرِي أَيْن تذْهب هَذِه قلت: الله وَرَسُوله أعلم قَالَ: فَإِنَّهَا تذْهب حَتَّى تسْجد بَين يَدي رَبهَا فَتَسْتَأْذِن فِي الرُّجُوع فَيَأْذَن لَهَا وَكَأَنَّهَا قيل لَهَا اطلعِي من حَيْثُ جِئْت فَتَطلع من مغْرِبهَا ثمَّ قَرَأَ وَذَلِكَ مستقرٍ لَهَا قَالَ: وَذَلِكَ قِرَاءَة عبد الله
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن عبد الله بن عمر فِي الْآيَة قَالَ {لمستقر لَهَا} أَن تطلع فتردها ذنُوب بني آدم فَإِذا غربت سلمت وسجدت واستأذنت فَيُؤذن لَهَا حَتَّى إِذا غربت سلمت فَلَا يُؤذن لَهَا فَتَقول: إِن السّير بعيد وَإِنِّي لم يُؤذن لي لَا أبلغ فتحبس مَا شَاءَ الله أَن تحبس ثمَّ يُقَال اطلعِي من حَيْثُ غربت
قَالَ: فَمن يومئذٍ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة (لَا ينفع نفسا إيمَانهَا) (الْأَنْعَام 158)
وَأخرج أَبُو عبيد فِي فضائله وَابْن الْأَنْبَارِي فِي الْمَصَاحِف وَأحمد عَن ابْن عَبَّاس أَنه كَانَ يقْرَأ وَالشَّمْس تجْرِي لمستقرٍ لَهَا

(7/56)


وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن ابْن عَمْرو قَالَ: لَو أَن الشَّمْس تجْرِي مجْرى وَاحِدًا من أهل الأَرْض فيخشى مِنْهَا وَلكنهَا تحلق فِي الصَّيف وتعترض فِي الشتَاء فَلَو أَنَّهَا طلعت مطْلعهَا فِي الشتَاء فِي الصَّيف لأنضجهم الْحر
وَلَو أَنَّهَا طلعت فِي الصَّيف لقطعهم الْبرد
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن أبي رَاشد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَالشَّمْس تجْرِي لمستقر لَهَا} قَالَ: مَوضِع سجودها
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن الْأَنْبَارِي فِي الْمَصَاحِف عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَالشَّمْس تجْرِي لمستقر لَهَا} قَالَ: لوَقْتهَا ولأجلٍ لَا تعدوه

آيَة 39

(7/57)


وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ (39)

وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَالْقَمَر قدرناه منَازِل} الْآيَة
قَالَ: قدره الله منَازِل فَجعل ينقص حَتَّى كَانَ مثل عذق النَّخْلَة فشبهه بذلك
وَأخرج الْخَطِيب فِي كتب النُّجُوم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {وَالْقَمَر قدرناه منَازِل حَتَّى عَاد كالعرجون الْقَدِيم} قَالَ: فِي ثَمَانِيَة وَعشْرين منزلا ينزلها الْقَمَر فِي شهر
أَرْبَعَة عشر مِنْهَا شامية وَأَرْبَعَة عشر مِنْهَا يَمَانِية
فأولها السرطين والبطين والثريا والدبران والهقعة والهنعة والذراع والنثرة والطرف والجبهة والزبرة والصرفة والعواء والسماك
وَهُوَ آخر الشامية وَالْعَقْرَب والزبابين والاكليل وَالْقلب والشولة والنعائم والبلدة وَسعد الذَّابِح وَسعد بلع وَسعد السُّعُود وَسعد الأخبية ومقدم الدَّلْو ومؤخر الدَّلْو والحوت وَهُوَ آخر اليمانية
فَإِذا سَار هَذِه الثَّمَانِية وَالْعِشْرين منزلا {عَاد كالعرجون الْقَدِيم} كَمَا كَانَ فِي أول الشَّهْر
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {كالعرجون الْقَدِيم} يَعْنِي أصل العذق الْقَدِيم

(7/57)


وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {كالعرجون الْقَدِيم} قَالَ: عرجون النّخل الْيَابِس
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {كالعرجون الْقَدِيم} قَالَ: هُوَ عذق النَّخْلَة الْيَابِس المنحني
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {كالعرجون الْقَدِيم} قَالَ: كعذق النَّخْلَة إِذا قدم فَانْحنى
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن الْحسن بن الْوَلِيد قَالَ: أعتق رجل كل غُلَام لَهُ عَتيق قديم فَسئلَ يَعْقُوب فَقَالَ: من كَانَ لسنة فَهُوَ حر
قَالَ الله {حَتَّى عَاد كالعرجون الْقَدِيم} وَكَانَ لسنة

آيَة 40

(7/58)


لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (40)

أخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ {لَا الشَّمْس يَنْبَغِي لَهَا أَن تدْرك الْقَمَر} قَالَ: لَا يشبه ضوء أَحدهمَا ضوء الآخر وَلَا يَنْبَغِي لَهما ذَلِك
وَذَلِكَ {وَلَا اللَّيْل سَابق النَّهَار} قَالَ: يتطالبان حثيثين يسلخ أَحدهمَا من الآخر
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {لَا الشَّمْس يَنْبَغِي لَهَا أَن تدْرك الْقَمَر وَلَا اللَّيْل سَابق النَّهَار} قَالَ: لكل حد وَعلم لَا يعدوه وَلَا يقصر دونه إِذا جَاءَ سُلْطَان هَذَا ذهب سُلْطَان هَذَا وَإِذا جَاءَ سُلْطَان هَذَا ذهب سُلْطَان هَذَا
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {لَا الشَّمْس يَنْبَغِي لَهَا أَن تدْرك الْقَمَر} قَالَ: ذَاك لَيْلَة الْهلَال
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن] [فِي قَوْله {لَا الشَّمْس يَنْبَغِي لَهَا أَن تدْرك الْقَمَر وَلَا اللَّيْل سَابق النَّهَار} قَالَ: لكل وَاحِد مِنْهُمَا سُلْطَان
للقمر سُلْطَان بِاللَّيْلِ
وللشمس سُلْطَان بِالنَّهَارِ فَلَا يَنْبَغِي للشمس أَن تطلع بِاللَّيْلِ
وَقَوله

(7/58)


{وَلَا اللَّيْل سَابق النَّهَار} يَقُول: لَا يَنْبَغِي إِذا كَانَ ليل أَن يكون ليل آخر حَتَّى يكون النَّهَار
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَلَا اللَّيْل سَابق النَّهَار} قَالَ: لَا يذهب اللَّيْل من هَهُنَا حَتَّى يَجِيء النَّهَار من هَهُنَا وَأَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلَى الْمشرق
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَلَا اللَّيْل سَابق النَّهَار} قَالَ: فِي قَضَاء الله وَعلمه أَن لَا يفوت اللَّيْل النَّهَار حَتَّى يُدْرِكهُ فتذهب ظلمته
وَفِي قَضَاء الله وَعلمه أَن لَا يفوت النَّهَار اللَّيْل حَتَّى يُدْرِكهُ فَيذْهب بضوئه
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن أبي صَالح رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {لَا الشَّمْس يَنْبَغِي لَهَا أَن تدْرك الْقَمَر وَلَا اللَّيْل سَابق النَّهَار} قَالَ: لَا يدْرك هَذَا ضوء هَذَا وَلَا هَذَا ضوء هَذَا
وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ فِي الْآيَة قَالَ: لَا يسْبق هَذَا ضوء هَذَا وَلَا هَذَا ضوء هَذَا
وَأخرج عبد بن حميد عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ فِي الْآيَة قَالَ: لَا يَعْلُو هَذَا ضوء هَذَا وَلَا هَذَا على هَذَا

الْآيَات 41 - 48

(7/59)


وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (41) وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ (42) وَإِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلَا صَرِيخَ لَهُمْ وَلَا هُمْ يُنْقَذُونَ (43) إِلَّا رَحْمَةً مِنَّا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ (44) وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَمَا خَلْفَكُمْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (45) وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ (46) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (47) وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (48)

أخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن أبي مَالك رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَآيَة لَهُم أَنا حملنَا ذُرِّيتهمْ فِي الْفلك المشحون} قَالَ: سفينة نوح عَلَيْهِ السَّلَام حمل فِيهَا من كل زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ {وخلقنا لَهُم من مثله مَا يركبون} قَالَ: السفن الَّتِي فِي البحور والأنهار الَّتِي يركب النَّاس فِيهَا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن أبي صَالح فِي قَوْله {حملنَا ذُرِّيتهمْ فِي الْفلك المشحون} قَالَ: سفينة نوح {وخلقنا لَهُم من مثله مَا يركبون} قَالَ: هَذِه السفن مثل خشبها وصنعتها
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنهُ {وخلقنا لَهُم من مثله مَا يركبون} قَالَ: هِيَ السفن جعلت من بعد سفينة نوح على مثلهَا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {وخلقنا لَهُم من مثله مَا يركبون} قَالَ: يَعْنِي السفن الصغار وَقَالَ: الْحسن رَضِي الله عَنهُ: هِيَ الإِبل
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {وخلقنا لَهُم من مثله مَا يركبون} يَعْنِي الإِبل خلقهَا الله تَعَالَى كَمَا رَأَيْت فَهِيَ سفن الْبر يحملون عَلَيْهَا ويركبونها
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن عبد الله بن شَدَّاد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وخلقنا لَهُم من مثله مَا يركبون} قَالَا: الإِبل
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وخلقنا لَهُم من مثله مَا يركبون} قَالَ: الْأَنْعَام
وَفِي قَوْله {وَإِن نَشأ نغرقهم فَلَا صريخ لَهُم} لَا مغيث لَهُم يستغيثون بِهِ
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {فَلَا صريخ لَهُم} قَالَ: لَا مغيث لَهُم وَفِي قَوْله {ومتاعاً إِلَى حِين} قَالَ: إِلَى الْمَوْت
وَفِي قَوْله {وَإِذا قيل لَهُم اتَّقوا مَا بَين أَيْدِيكُم} قَالَ: من الوقائع الَّتِي قد خلت فِيمَن كَانَ قبلكُمْ والعقوبات الَّتِي أَصَابَت عادا وثموداً والأمم {وَمَا خلفكم} قَالَ: من أَمر السَّاعَة
وَفِي قَوْله {وَإِذا قيل لَهُم أَنْفقُوا من مَا رزقكم الله}
قَالَ: نزلت فِي الزَّنَادِقَة كَانُوا لَا يطْعمُون فَقِيرا فعاب الله ذَلِك عَلَيْهِ وعيّرهم

(7/60)


وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَإِذا قيل لَهُم اتَّقوا مَا بَين أَيْدِيكُم وَمَا خلفكم} قَالَ مَا مضى وَمَا بَقِي من الذُّنُوب
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {أنطعم من لَو يَشَاء الله أطْعمهُ} قَالَ: الْيَهُود تَقوله
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن إِسْمَعِيل عَن أبي خَالِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {أنطعم من لَو يَشَاء الله أطْعمهُ} قَالَ: يهود تَقوله

الْآيَات 49 - 50

(7/61)


مَا يَنْظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ (49) فَلَا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلَا إِلَى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ (50)

أخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {مَا ينظرُونَ إِلَّا صَيْحَة وَاحِدَة تأخذهم وهم يخصمون} قَالَ: ذكر لنا أَن نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يَقُول: تهيج السَّاعَة النَّاس وَالرجل يسْقِي مَاشِيَته وَالرجل يصلح حَوْضه وَالرجل يُقيم سلْعَته فِي سوقه وَالرجل يخْفض مِيزَانه وَيَرْفَعهُ فتهيج بهم وهم كَذَلِك {فَلَا يَسْتَطِيعُونَ توصية وَلَا إِلَى أهلهم يرجعُونَ} قَالَ: اعجلوا عَن ذَلِك
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {مَا ينظرُونَ إِلَّا صَيْحَة وَاحِدَة تأخذهم وهم يخصمون} قَالَ: هَذَا مُبْتَدأ يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وهم يخصمون} قَالَ: يَتَكَلَّمُونَ
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عمر قَالَ: لينفخن فِي الصُّور وَالنَّاس فِي طرقهم وأسواقهم ومجالسهم حَتَّى أَن الثَّوْب ليَكُون بَين الرجلَيْن يتساومان فَمَا يُرْسِلهُ أَحدهمَا من يَده حَتَّى ينْفخ فِي الصُّور فيصعق بِهِ وَهِي الَّتِي قَالَ الله {مَا ينظرُونَ إِلَّا صَيْحَة وَاحِدَة تأخذهم وهم يخصمون فَلَا يَسْتَطِيعُونَ توصية وَلَا إِلَى أهلهم يرجعُونَ}

(7/61)


وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَالْفِرْيَابِي وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ فِي هَذِه الْآيَة قَالَ: تقوم السَّاعَة وَالنَّاس فِي أسواقهم يتبايعون ويذرعون الثِّيَاب ويحلبون اللقَاح وَفِي حوائجهم {فَلَا يَسْتَطِيعُونَ توصية وَلَا إِلَى أهلهم يرجعُونَ}
وَأخرج عبد بن حميد وَعبد الله بن أَحْمد فِي زَوَائِد الزّهْد وَابْن الْمُنْذر عَن الزبير بن العوّام رَضِي الله عَنهُ قَالَ: إِن السَّاعَة تقوم وَالرجل يذرع الثَّوْب وَالرجل يحلب النَّاقة ثمَّ قَرَأَ {فَلَا يَسْتَطِيعُونَ توصيةً}
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لتقومن السَّاعَة وَقد نشر الرّجلَانِ ثوبهما بَينهمَا فَلَا يتبايعانه وَلَا يطويانه
وَلَتَقُومَنَّ السَّاعَة وَهُوَ يليط حَوْضه فَلَا يسْقِي فِيهِ
وَلَتَقُومَنَّ السَّاعَة وَقد انْصَرف الرجل بِلَبن لقحته فَلَا يطعمهُ
وَلَتَقُومَنَّ السَّاعَة وَقد رفع أَكلته إِلَى فَمه فَلَا يطْعمهَا
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن الْمُنْذر عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {تأخذهم وهم يخصمون} قَالَ: تذرهم فِي أسواقهم وطرقهم {فَلَا يَسْتَطِيعُونَ توصية} قَالَ: لَا يُوصي بَعضهم إِلَى بعض
وَالله أعلم

الْآيَات 51 - 54

(7/62)


وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ (51) قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ (52) إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ (53) فَالْيَوْمَ لَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَلَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (54)

أخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَنفخ فِي الصُّور فَإِذا هم من الأجداث} قَالَ: النفخة الْأَخِيرَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا

(7/62)


{فَإِذا هم من الأجداث} يَعْنِي من الْقُبُور {إِلَى رَبهم يَنْسلونَ} قَالَ: يخرجُون
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ
مثله
وَأخرج الطستي عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَن نَافِع بن الْأَزْرَق سَأَلَهُ عَن قَوْله {من الأجداث} قَالَ: الْقُبُور قَالَ: هَل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم
أما سَمِعت قَول عبد الله بن رَوَاحَة: حينا يَقُولُونَ اذ مروا على جدثي أرشده يَا رب من غاز وَقد رشدا قَالَ أَخْبرنِي عَن قَوْله {إِلَى رَبهم يَنْسلونَ} قَالَ: النَّسْل الْمَشْي الخبب قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم
أما سَمِعت نَابِغَة بن جعدة وَهُوَ يَقُول: عملان الذَّنب أَمْشِي فاريا يرد اللَّيْل عَلَيْهِ فنسل وَأخرج ابْن الْأَنْبَارِي فِي الْمَصَاحِف عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ أَنه قَرَأَ {يَا ويلنا من بعثنَا من مرقدنا}
وَأخرج ابْن الْأَنْبَارِي عَن أُبيّ بن كَعْب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: ينامون نومَة قبل الْبَعْث فيجدون لذَلِك رَاحَة فَيَقُولُونَ {يَا ويلنا من بعثنَا من مرقدنا}
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن أبيّ بن كَعْب رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {من بعثنَا من مرقدنا} قَالَ: ينامون قبل الْبَعْث نومَة
وَأخرج هناد فِي الزّهْد وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن الْأَنْبَارِي عَن مُجَاهِد قَالَ: للْكَافِرِ هجعة يَجدونَ فِيهَا طعم النّوم قبل يَوْم الْقِيَامَة فَإِذا صِيحَ بِأَهْل الْقُبُور يَقُول الْكَافِر {يَا ويلنا من بعثنَا من مرقدنا} فَيَقُول الْمُؤمن إِلَى جنبه {هَذَا مَا وعد الرَّحْمَن وَصدق المُرْسَلُونَ}
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى قَالَ: يَقُول الْمُشْركُونَ {يَا ويلنا من بعثنَا من مرقدنا} فَيَقُول الْمُؤمن {هَذَا مَا وعد الرَّحْمَن وَصدق المُرْسَلُونَ}
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {يَا ويلنا من بعثنَا من مرقدنا} قَالَ: أَولهَا للْكفَّار وَآخِرهَا للْمُسلمين
قَالَ الْكفَّار {يَا ويلنا من بعثنَا من مرقدنا} وَقَالَ الْمُسلمُونَ {هَذَا مَا وعد الرَّحْمَن وَصدق المُرْسَلُونَ}

(7/63)


وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر عَن أبي صَالح رَضِي الله عَنهُ فِي الْآيَة قَالَ: كَانُوا يرَوْنَ أَن الْعَذَاب يُخَفف عَنْهُم مَا بَين النفختين فَلَمَّا كَانَت النفخة الثَّانِيَة قَالُوا
{يَا ويلنا من بعثنَا من مرقدنا}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم رَضِي الله عَنهُ فِي الْآيَة قَالَ: ينامون قبل الْبَعْث نومَة فَإِذا بعثوا قَالَ الْكفَّار {يَا ويلنا من بعثنَا من مرقدنا} قَالَ: فتجيبهم الْمَلَائِكَة {هَذَا مَا وعد الرَّحْمَن وَصدق المُرْسَلُونَ}
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {فَإِذا هم جَمِيع لدينا محضرون} قَالَ: عِنْد الْحساب

الْآيَات 55 - 56

(7/64)


إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ (55) هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلَالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ (56)

أخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {إِن أَصْحَاب الْجنَّة الْيَوْم فِي شغل فاكهون} قَالَ: يعْجبُونَ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {إِن أَصْحَاب الْجنَّة الْيَوْم فِي شغل فاكهون} قَالَ: شغلهمْ النَّعيم عَمَّا فِيهِ أهل النَّار من الْعَذَاب
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن أبي الدُّنْيَا فِي صفة الْجنَّة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه من طرق عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {فِي شغل فاكهون} قَالَ: فِي افتضاض الْأَبْكَار
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي الدُّنْيَا وَعبد الله بن أَحْمد فِي زَوَائِد الزّهْد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {إِن أَصْحَاب الْجنَّة الْيَوْم فِي شغل فاكهون} قَالَ: شغلهمْ افتضاض العذارى
وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة وَقَتَادَة
مثله
وَأخرج عبد الله بن أَحْمد فِي زَوَائِد الزّهْد عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: إِن

(7/64)


الْمُؤمن كلما أَرَادَ زَوْجَة وجدهَا عذراء
وَأخرج الْبَزَّار وَالطَّبَرَانِيّ فِي الصَّغِير وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أهل الْجنَّة إِذا جامعوا نِسَاءَهُمْ عَادوا أَبْكَارًا
وَأخرج الْمَقْدِسِي فِي صفة الْجنَّة عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنَّه سُئِلَ أنطؤ فِي الْجنَّة قَالَ: نعم
وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ دحماً دحماً فَإِذا قَامَ عَنْهَا رجعت مطهرة بكرا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {فِي شغل فاكهون} قَالَ: ضرب الأوتار قَالَ أَبُو حَاتِم: هَذَا خطأ من السّمع إِنَّمَا هُوَ افتضاض الْأَبْكَار
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وأزواجهم} قَالَ: حلائلهم

الْآيَة 57

(7/65)


لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ (57)

أخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي صفة الْجنَّة بِسَنَد جيد عَن أبي أُمَامَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: إِن الرجل من أهل الْجنَّة ليشتهي الشَّرَاب من شراب الْجنَّة فَيَجِيء إِلَيْهِ الابريق فَيَقَع فِي يَده فيشرب فَيَعُود إِلَى مَكَانَهُ

الْآيَة 58

(7/65)


سَلَامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ (58)

أخرج ابْن ماجة وَابْن أبي الدُّنْيَا فِي صفة الْجنَّة وَالْبَزَّار وَابْن أبي حَاتِم والآجري فِي الرُّؤْيَة وَابْن مرْدَوَيْه عَن جَابر رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: بَينا أهل الْجنَّة فِي نعيمهم إِذْ سَطَعَ لَهُم نور فَرفعُوا رؤوسهم فَإِذا الرب قد أشرف عَلَيْهِم من فَوْقهم فَقَالَ السَّلَام عَلَيْكُم يَا أهل الْجنَّة
وَذَلِكَ قَول الله {سَلام قولا من رب رَحِيم}

(7/65)


قَالَ: فَينْظر إِلَيْهِم وَيَنْظُرُونَ إِلَيْهِ فَلَا يلتفتوا إِلَى شَيْء من النَّعيم مَا داموا ينظرُونَ إِلَيْهِ حَتَّى يحتجب عَنْهُم وَيبقى نوره وبركته عَلَيْهِم فِي دِيَارهمْ
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {سَلام قولا من رب رَحِيم} قَالَ: فَإِن الله هُوَ يسلم عَلَيْهِم
وَأخرج ابْن جرير عَن الْبَراء رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {سَلام قولا من رب رَحِيم} قَالَ: يسلم عَلَيْهِم عِنْد الْمَوْت
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو نصر السجْزِي فِي الإِبانة عَن مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {سَلام قولا من رب رَحِيم} قَالَ: يَأْتِيهم تبَارك وَتَعَالَى فِي درجاتهم فَيسلم عَلَيْهِم فيردون عَلَيْهِ السَّلَام فَيَقُول سلوني فَيَقُولُونَ: مَا نَسْأَلك وَعزَّتك وجلالك لَو أَنَّك قسمت علينا رزق الثقلَيْن الْجِنّ والانس لأطعمناهم ولأسقيناهم ولألبسناهم ولأخدمناهم وَلَا ينقصنا ذَلِك شَيْئا
فَيَقُول: إِن لدي مزيداً فَيَقُول ذَلِك بِأَهْل كل دَرَجَة حَتَّى يَنْتَهِي ثمَّ يَأْتِيهم التحف من الله تحمله إِلَيْهِم الْمَلَائِكَة

الْآيَة 59

(7/66)


وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ (59)

أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ قَالَ: إِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة جمع الله النَّاس على تل رفيع ثمَّ نَادَى مُنَاد: امتازوا الْيَوْم أَيهَا المجرمون
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن رواد بن الْجراح رَضِي الله عَنهُ فِي الْآيَة قَالَ: إِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة نَادَى مُنَاد: أَن ميزوا الْمُسلمين من الْمُجْرمين إِلَّا صَاحب الْأَهْوَاء
يَعْنِي يتْرك صَاحب الْهوى مَعَ الْمُجْرمين
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مَيْمُون رَضِي الله عَنهُ أَنه قَرَأَ هَذِه الْآيَة {وامتازوا الْيَوْم أَيهَا المجرمون} فرق وَبكى وَقَالَ: مَا سمع النَّاس قطّ بنعت أَشد مِنْهُ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وامتازوا الْيَوْم أَيهَا المجرمون} قَالَ: عزلوا عَن كل خير

(7/66)


الْآيَات 60 - 64

(7/67)


أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (60) وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (61) وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا كَثِيرًا أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ (62) هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (63) اصْلَوْهَا الْيَوْمَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (64)

أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {ألم أَعهد إِلَيْكُم} يَقُول: ألم أنهكم
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن مَكْحُول رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {أَن لَا تعبدوا الشَّيْطَان} قَالَ: إِنَّمَا عِبَادَته طَاعَته
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {جبلا كثيرا} قَالَ: خلقا كثيرا
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَاصِم رَضِي الله عَنهُ أَنه قَرَأَ جبلا كثيرا بِكَسْر الْجِيم مثقلة اللَّام أفلم يَكُونُوا يعْقلُونَ بِالْيَاءِ
وَأخرج عبد بن حميد عَن هُذَيْل رَضِي الله عَنهُ أَنه قَرَأَ جبلا كثيرا) مُخَفّفَة
وَأخرج الْحَاكِم عَن أبي هُرَيْرَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَرَأَ وَلَقَد أضلّ مِنْكُم جبلا مُخَفّفَة

الْآيَة 65

(7/67)


الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (65)

أخرج أَحْمد وَمُسلم وَالنَّسَائِيّ وَابْن أبي الدُّنْيَا فِي التَّوْبَة وَاللَّفْظ لَهُ وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن أنس رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {الْيَوْم نختم على أَفْوَاههم} قَالَ كُنَّا عِنْد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَضَحِك حَتَّى بَدَت نَوَاجِذه قَالَ: أَتَدْرُونَ مِمَّن ضحِكت قُلْنَا: لَا يَا رَسُول الله قَالَ: من مُخَاطبَة العَبْد ربه فَيَقُول: يَا رب ألم

(7/67)


تُجِرْنِي من الظُّلم فَيَقُول: بلَى
فَيَقُول: إِنِّي لَا أُجِيز عليَّ إِلَّا شَاهدا مني فَيَقُول: كفى بِنَفْسِك عَلَيْك شَهِيدا وَبِالْكِرَامِ الْكَاتِبين شُهُودًا فيختم على فِيهِ وَيُقَال لِأَرْكَانِهِ: انْطِقِي فَتَنْطِق بِأَعْمَالِهِ ثمَّ يخلى بَينه وَبَين الْكَلَام فَيَقُول بعدا لَكِن وَسُحْقًا فَعَنْكُنَّ كنت أُنَاضِل
وَأخرج مُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي سعيد وَأبي هُرَيْرَة قَالَا: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يلقى العَبْد ربه فَيَقُول الله: أَي قل ألم أكرمك وأسودك وأزوجك وأسخر لَك الْخَيل والابل وأذرك ترأس وتربع فَيَقُول: بلَى أَي رب فَيَقُول: أفطنت أَنَّك ملاقي فَيَقُول: لَا
فَيَقُول: فَإِنِّي أنساك كَمَا نسيتني
ثمَّ يلقى الثَّانِي فَيَقُول: مثل ذَلِك
ثمَّ يلقى الثَّالِث فَيَقُول لَهُ: مثل ذَلِك فَيَقُول: آمَنت بك وبكتابك وبرسولك وَصليت وَصمت وتصدقت ويثني بِخَير مَا اسْتَطَاعَ فَيَقُول: أَلا نبعث شاهدنا عَلَيْك فيفكر فِي نَفسه من الَّذِي يشْهد عليَّ فيختم على فِيهِ وَيُقَال لفخذه: انْطِقِي
فَتَنْطِق فَخذه ولحمه وعظامه
بِعَمَلِهِ مَا كَانَ ذَلِك يعْذر من نَفسه وَذَلِكَ بسخط الله عَلَيْهِ
وَأخرج أَحْمد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن عقبَة بن عَامر رَضِي الله عَنهُ
أَنه سمع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: إِن أول عظم من الإِنسان يتَكَلَّم يَوْم يخْتم على الأفواه
فَخذه من الرجل الشمَال
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: يدعى الْمُؤمن لِلْحسابِ يَوْم الْقِيَامَة فَيعرض عَلَيْهِ ربه عمله فِيمَا بَينه وَبَينه ليعترف فَيَقُول: أَي رب عملت

عملت عملت فَيغْفر الله لَهُ ذنُوبه ويستره مِنْهَا قَالَ: فَمَا على الأَرْض خَلِيقَة يرى من تِلْكَ الذُّنُوب شَيْئا وتبدو حَسَنَاته فودَّ أَن النَّاس كلهم يرونها
ويدعى الْكَافِر وَالْمُنَافِق لِلْحسابِ فَيعرض ربه عَلَيْهِ عمله فيجحد وَيَقُول: أَي رب وَعزَّتك لقد كتب عليّ هَذَا الْملك مَا لم أعمل فَيَقُول لَهُ الْملك: أما عملت كَذَا فِي يَوْم كَذَا فِي مَكَان كَذَا فَيَقُول: لَا وَعزَّتك
أَي رب مَا عملته فَإِذا فعل ذَلِك ختم على فِيهِ فَأَنِّي أَحسب أول مَا ينْطق مِنْهُ لفخذه الْيُمْنَى ثمَّ تَلا {الْيَوْم نختم على أَفْوَاههم}
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن بسرة وَكَانَت

(7/68)


من الْمُهَاجِرَات قَالَت: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (عليكن بالتسبيح والتهليل وَالتَّقْدِيس وَلَا تغفلن واعقدن بالأنامل فَإِنَّهُنَّ مسؤولات ومستنطقات)
وَأخرج ابْن جرير عَن الشّعبِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: يُقَال للرجل يَوْم الْقِيَامَة: عملت كَذَا وَكَذَا

فَيَقُول: مَا عملته
فيختم على فِيهِ وتنطق جوارحه فَيَقُول لجوارحه: أبعدكن الله مَا خَاصَمت إِلَّا فيكُن
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن أَسمَاء بن عبيد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: يُؤْتى بِابْن آدم يَوْم الْقِيَامَة وَمَعَهُ جبل من صحف لكل سَاعَة صحيفَة فَيَقُول الْفَاجِر: وَعزَّتك لقد كتبُوا عليّ مَا لم أعمل فَعِنْدَ ذَلِك يخْتم على أَفْوَاههم وَيُؤذن لجوارحهم فِي الْكَلَام فَيكون أول مَا يتَكَلَّم من جوارح ابْن آدم فَخذه الْيُسْرَى
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {نختم على أَفْوَاههم} قَالَ: فَلَا يَتَكَلَّمُونَ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي الْآيَة قَالَ: كَانَت خصومات وَكَلَام وَكَانَ هَذَا آخِره أَن ختم على أَفْوَاههم
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ فِي الْآيَة قَالَ: أول مَا ينْطق من الإِنسان فَخذه الْيُمْنَى

الْآيَات 66 - 67

(7/69)


وَلَوْ نَشَاءُ لَطَمَسْنَا عَلَى أَعْيُنِهِمْ فَاسْتَبَقُوا الصِّرَاطَ فَأَنَّى يُبْصِرُونَ (66) وَلَوْ نَشَاءُ لَمَسَخْنَاهُمْ عَلَى مَكَانَتِهِمْ فَمَا اسْتَطَاعُوا مُضِيًّا وَلَا يَرْجِعُونَ (67)

أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {وَلَو نشَاء لطمسنا على أَعينهم} قَالَ: أعميناهم وأضللناهم عَن الْهَدْي {فأنّى يبصرون} فَكيف يَهْتَدُونَ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {فاستبقوا الصِّرَاط} قَالَ: الطَّرِيق {فأنّى يبصرون} وَقد طمسنا على أَعينهم

(7/69)


وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {وَلَو نشَاء لمسخناهم} قَالَ: أهلكناهم {على مكانتهم} قَالَ: فِي مساكنهم
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن أبي صَالح رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَلَو نشَاء لمسخناهم} يَقُول: لجعلناهم حِجَارَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن فِي قَوْله {وَلَو نشَاء لطمسنا}
قَالَ: لَو شَاءَ الله لتركهم عميا يَتَرَدَّدُونَ {وَلَو نشَاء لمسخناهم على مكانتهم} قَالَ: لَو نشَاء لجعلناهم كسحاً لَا يقومُونَ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة فِي قَوْله {فَمَا اسْتَطَاعُوا مضياً وَلَا يرجعُونَ} قَالَ: فَلم يستطيعوا أَن يتقدموا وَلَا يتأخروا

الْآيَة 68

(7/70)


وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلَا يَعْقِلُونَ (68)

أخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وَمن نعمره ننكسه فِي الْخلق} قَالَ: هُوَ الْهَرم
يتَغَيَّر سَمعه وبصره وقوته كَمَا رَأَيْت
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَمن نعمره ننكسه فِي الْخلق} قَالَ: نرده إِلَى أرذل الْعُمر
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن سُفْيَان فِي قَوْله {وَمن نعمره ننكسه} قَالَ: ثَمَانِينَ سنة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَمن نعمره} يَقُول: من نمد لَهُ فِي الْعُمر {ننكسه فِي الْخلق} كَيْلا يعلم من بعد علمٍ شَيْئا {الْحَج} يَعْنِي الْهَرم

الْآيَات 69 - 70

(7/71)


وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ (69) لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ (70)

أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَمَا علمناه الشّعْر} قَالَ: مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وَمَا علمناه الشّعْر وَمَا يَنْبَغِي لَهُ} قَالَ: مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عصمه الله من ذَلِك {إِن هُوَ إِلَّا ذكر} قَالَ: هَذَا الْقُرْآن {لينذر من كَانَ حَيا} قَالَ: حَيّ الْقلب حَيّ الْبَصَر {ويحق القَوْل على الْكَافرين} باعمالهم أَعمال السوء
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: بَلغنِي أَنه قيل لعَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا هَل كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يتَمَثَّل بِشَيْء من الشّعْر قَالَت: كَانَ أبْغض الحَدِيث إِلَيْهِ غير أَنه كَانَ يتَمَثَّل بِبَيْت أخي بني قيس يَجْعَل أَخّرهُ أَوله وأوله آخِره وَيَقُول: ويأتيك من لم تزوّد بالأخبار فَقَالَ لَهُ أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ: لَيْسَ هَكَذَا فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِنِّي وَالله مَا أَنا بشاعر وَلَا يَنْبَغِي لي
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا استراب الْخَبَر تمثل بِبَيْت طرفه: ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يتَمَثَّل من الاشعار: ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد وَأخرج ابْن سعد وَابْن أبي حَاتِم والمرزباني فِي مُعْجم الشُّعَرَاء عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ
أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يتَمَثَّل بِهَذَا الْبَيْت: كفى بِالْإِسْلَامِ والشيب للمرء ناهياً فَقَالَ أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ: أشهد أَنَّك رَسُول الله مَا علمك الشّعْر وَمَا يَنْبَغِي لَك
وَأخرج ابْن سعد عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي الزِّنَاد رَضِي الله عَنهُ
أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ للْعَبَّاس بن مرداس: أَرَأَيْت قَوْلك:

(7/71)


أصبح نَهْبي وَنهب العبيد بَين الْأَقْرَع وعيينة
فَقَالَ أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ: بِأبي أَنْت وَأمي يَا رَسُول الله مَا أَنْت بشاعر وَلَا راوية وَلَا يَنْبَغِي لَك
إِنَّمَا قَالَ: بَين عُيَيْنَة والاقرع
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه بِسَنَد فِيهِ من يجهل حَاله عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت: مَا جمع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَيت شعر قطّ إِلَّا بَيْتا وَاحِدًا: يُقَال بِمَا نهوى يكن فلقا يُقَال لشَيْء كَانَ إِلَّا يُحَقّق قَالَت عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا: فَقل تحققاً لِئَلَّا يعربه فَيصير شعرًا
وَأخرج أَبُو دَاوُد وَالطَّبَرَانِيّ وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَمْرو رَضِي الله عَنهُ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: مَا أُبَالِي مَا أتيت إِن أَنا شربت ترياقاً أَو تعلّقت تَمِيمَة أَو قلت الشّعْر من قبل نَفسِي
وَأخرج ابْن جرير وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الْإِيمَان عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {لينذر من كَانَ حَيا} قَالَ: عَاقِلا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن نَوْفَل بن عقرب قَالَ: سَأَلت عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا هَل كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يتسامع عِنْده الشّعْر قَالَت: كَانَ أبْغض الحَدِيث إِلَيْهِ

الْآيَات 71 - 76

(7/72)


أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ (71) وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ (72) وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ أَفَلَا يَشْكُرُونَ (73) وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لَعَلَّهُمْ يُنْصَرُونَ (74) لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ وَهُمْ لَهُمْ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ (75) فَلَا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّا نَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ (76)

أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {مِمَّا عملت أَيْدِينَا} قَالَ: من صنعتنا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله

(7/72)


عَنهُ فِي قَوْله {فهم لَهَا مالكون} قَالَ: ضابطون {وذللناها لَهُم فَمِنْهَا ركوبهم} يركبونها ويسافرون عَلَيْهَا {وَمِنْهَا يَأْكُلُون} لحومها {وَلَهُم فِيهَا مَنَافِع} قَالَ: يلبسُونَ أصوافها {ومشارب} يشربون أَلْبَانهَا {أَفلا يشكرون}
وَأخرج أَبُو عبيد وَابْن الْمُنْذر عَن عُرْوَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ فِي مصحف عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا فَمِنْهَا ركوبتهم
وَأخرج أَبُو عبيد وَابْن الْمُنْذر عَن هَارُون رَضِي الله عَنهُ قَالَ فِي حرف أبيّ بن كَعْب رَضِي الله عَنهُ فَمِنْهَا ركوبتهم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن هَارُون رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قِرَاءَة الْحسن والأعرج وَأبي عَمْرو والعامة {فَمِنْهَا ركوبهم} يَعْنِي ركوبتهم حمولتهم
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَاتَّخذُوا من دون الله آلِهَة} قَالَ: هِيَ الْأَصْنَام
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {لَعَلَّهُم ينْصرُونَ} قَالَ: يمْنَعُونَ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصرهم} قَالَ: لَا تَسْتَطِيع الْآلهَة نَصرهم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصرهم} قَالَ: نصر الْآلهَة وَلَا تَسْتَطِيع الْآلهَة نَصرهم {وهم لَهُم جند محضرون} قَالَ: الْمُشْركُونَ يغضبون للآلهة فِي الدُّنْيَا وَهِي لَا تَسوق إِلَيْهِم خيرا وَلَا تدفع عَنْهُم سوء إِنَّمَا هِيَ أصنام
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وهم لَهُم جند محضرون} قَالَ: هم لَهُم جند فِي الدُّنْيَا وهم {محضرون} فِي النَّار
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن فِي قَوْله {وهم لَهُم جند محضرون} لآلهتهم الَّتِي يعْبدُونَ يدْفَعُونَ عَنْهُم ويمنعونهم

(7/73)


الْآيَات 77 - 83

(7/74)


أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ (77) وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (78) قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ (79) الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ (80) أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ (81) إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (82) فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (83)

أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم والاسمعيلي فِي مُعْجَمه وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث والضياء فِي المختارة عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: جَاءَ الْعَاصِ بن وَائِل إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِعظم حَائِل فَفتهُ بِيَدِهِ فَقَالَ يَا مُحَمَّد أَيُحْيِي الله هَذَا بعد مَا أرى قَالَ: نعم
يبْعَث الله هَذَا ثمَّ يُمِيتك ثمَّ يُحْيِيك ثمَّ يدْخلك نَار جَهَنَّم
فَنزلت الْآيَات من آخر يس {أَو لم ير الإِنسان أَنا خلقناه من نُطْفَة فَإِذا هُوَ خصيم مُبين} إِلَى آخر السُّورَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ جَاءَ عبد الله بن أُبيّ وَفِي يَده عظم حَائِل إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَكَسرهُ بِيَدِهِ ثمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّد كَيفَ يَبْعَثهُ الله وَهُوَ رَمِيم فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يبْعَث الله هَذَا ويميتك ثمَّ يدْخلك جَهَنَّم
قَالَ الله {قل يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أول مرّة وَهُوَ بِكُل خلق عليم}
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: جَاءَ أُبيّ بن خلف وَفِي يَده عظم حَائِل إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَكَسرهُ بِيَدِهِ ثمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّد كَيفَ يَبْعَثهُ الله وَهُوَ رَمِيم فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يبْعَث الله هَذَا ويميتك ثمَّ يدْخلك جَهَنَّم
قَالَ الله {قل يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أول مرّة وَهُوَ بِكُل خلق عليم}
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: جَاءَ أُبيّ بن خلف

(7/74)


الجُمَحِي إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِعظم نخر فَقَالَ: أتعدنا يَا مُحَمَّد إِذا بليت عظامنا فَكَانَت رميماً أَن الله باعثنا خلقا جَدِيدا ثمَّ جعل يفت الْعظم ويذره فِي الرّيح فَيَقُول: يَا مُحَمَّد من يحيي هَذَا فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: نعم
يُمِيتك الله ثمَّ يُحْيِيك ويجعلك فِي جَهَنَّم وَنزل على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {وَضرب لنا مثلا وَنسي خلقه}
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن أبي مَالك قَالَ: جَاءَ أُبيّ بن خلف بِعظم نخرة فَجعل يفته بَين يَدي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: من يحيي الْعِظَام وَهِي رَمِيم فَأنْزل الله {أَو لم ير الإِنسان أَنا خلقناه من نُطْفَة فَإِذا هُوَ خصيم مُبين} إِلَى قَوْله {وَهُوَ بِكُل شَيْء عليم}
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: نزلت هَذِه الْآيَة فِي أبي جهل بن هِشَام جَاءَ بِعظم حَائِل إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فذراه فَقَالَ: من يحيي الْعِظَام وَهِي رَمِيم فَقَالَ الله: يَا مُحَمَّد {قل يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أول مرّة وَهُوَ بِكُل خلق عليم}
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَضرب لنا مثلا} قَالَ: أُبيّ بن خلف
جَاءَ بِعظم فَقَالَ: يَا مُحَمَّد أتعدنا انا إِذا متْنا
فَكُنَّا مثل هَذَا الْعظم الْبَالِي فِي يَده فَفتهُ وَقَالَ: من يحيينا إِذا كُنَّا مثل هَذَا وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَضرب لنا مثلا} قَالَ: نزلت فِي أُبيّ بن خلف جَاءَ بِعظم نخر فَجعل يذره فِي الرّيح فَقَالَ: أنّى يحيي الله هَذَا قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: نعم
يحيي الله هَذَا وَيُدْخِلك النَّار
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {أَو لم ير الإِنسان أَنا خلقناه من نُطْفَة} قَالَ: نزلت فِي أُبيّ بن خلف
أَتَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمَعَهُ عظم قد دثر فَجعل يفته بَين أَصَابِعه وَيَقُول: يَا مُحَمَّد أَنْت الَّذِي تحدث أَن هَذَا سيحيا بعد مَا قد بلَى
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: نعم
ليميتن الآخر ثمَّ ليحيينه ثمَّ ليدخلنه النَّار

(7/75)


وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: جَاءَ أُبيّ بن خلف إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَفِي يَده عظم حَائِل فَقَالَ: يَا مُحَمَّد أَنِّي يحيي الله هَذَا فَأنْزل الله {وَضرب لنا مثلا وَنسي خلقه} فَقَالَ لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: خلقهَا قبل أَن تكون أعجب من إحيائها وَقد كَانَت
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عُرْوَة بن الزبير رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لما أنزل الله على رَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
إِن النَّاس يحاسبون بأعمالهم ومبعوثون يَوْم الْقِيَامَة أَنْكَرُوا ذَلِك انكاراً شَدِيدا
فَعمد أُبيّ بن خلف إِلَى عظم حَائِل قد نخر فَفتهُ ثمَّ ذراه فِي الرّيح ثمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّد إِذا بليت عظامنا إِنَّا لمبعوثون خلقا جَدِيدا فَوجدَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من استقباله اياه بالتكذيب والأذى فِي وَجهه وجدا شَدِيدا فَأنْزل الله على رَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {قل يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أول مرّة}
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {الَّذِي جعل لكم من الشّجر الْأَخْضَر نَارا} يَقُول: الَّذِي أخرج هَذِه النَّار من هَذَا الشّجر قَادر على أَن يَبْعَثهُ
وَفِي قَوْله {أَو لَيْسَ الَّذِي خلق السَّمَاوَات وَالْأَرْض بِقَادِر}
قَالَ: هَذَا مثل قَوْله {إِنَّمَا أمره إِذا أَرَادَ شَيْئا أَن يَقُول لَهُ كن فَيكون} قَالَ: لَيْسَ من كَلَام الْعَرَب أَهْون وَلَا أخف من ذَلِك
فَأمر الله كَذَلِك

(7/76)