الدر المنثور في
التفسير بالمأثور 85
سُورَة البروج
مَكِّيَّة وآياتها ثِنْتَانِ وَعِشْرُونَ أخرج ابْن الضريس
والنحاس وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: نزلت
{وَالسَّمَاء ذَات البروج} بِمَكَّة
وَأخرج أَحْمد عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يقْرَأ فِي الْعشَاء الْأَخِيرَة بالسماء
ذَات البروج وَالسَّمَاء والطارق
وَأخرج أَحْمد عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم أَمر أَن يقْرَأ بالسموات فِي الْعشَاء
وَأخرج الطَّيَالِسِيّ وَابْن أبي شيبَة فِي المُصَنّف وَأحمد
والدارمي وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَحسنه النَّسَائِيّ
وَابْن حبَان وَالطَّبَرَانِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن
جَابر بن سَمُرَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ
يقْرَأ فِي الظّهْر وَالْعصر بالسماء والطارق وَالسَّمَاء ذَات
البروج
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور عَن جَابر أَن رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لِمعَاذ: اقْرَأ بهم فِي الْعشَاء ب (سبح
اسْم رَبك الْأَعْلَى) (سُورَة الْأَعْلَى الْآيَة 1)
(وَاللَّيْل إِذا يغشى) (سُورَة اللَّيْل الْآيَة 1)
{وَالسَّمَاء ذَات البروج}
(8/461)
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
الْآيَة 1 - 11
(8/462)
وَالسَّمَاءِ ذَاتِ
الْبُرُوجِ (1) وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ (2) وَشَاهِدٍ
وَمَشْهُودٍ (3) قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ (4) النَّارِ
ذَاتِ الْوَقُودِ (5) إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ (6) وَهُمْ
عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ (7) وَمَا
نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ
الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (8) الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ
وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (9) إِنَّ
الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ
لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ
الْحَرِيقِ (10) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا
الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا
الْأَنْهَارُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ (11)
أخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس قَالَ:
البروج قُصُور فِي السَّمَاء
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن الْأَعْمَش قَالَ: كَانَ أَصْحَاب
عبد الله يَقُولُونَ فِي قَوْله: {وَالسَّمَاء ذَات البروج}
ذَات الْقُصُور
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن أبي صَالح فِي
قَوْله: {ذَات البروج} قَالَ: النُّجُوم الْعِظَام
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن جَابر بن عبد الله أَن النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سُئِلَ عَن {وَالسَّمَاء ذَات البروج}
فَقَالَ: الْكَوَاكِب وَسُئِلَ عَن {الَّذِي جعل فِي السَّمَاء
بروجاً} فَقَالَ: الْكَوَاكِب
قيل: فبروج مشيدة فَقَالَ: قُصُور
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن قَتَادَة فِي قَوْله:
{وَالسَّمَاء ذَات البروج} قَالَ: بروجها نجومها {وَالْيَوْم
الْمَوْعُود} قَالَ: يَوْم الْقِيَامَة {وَشَاهد ومشهود}
قَالَ: يَوْمَانِ عظيمان عظمهما الله من أَيَّام الدُّنْيَا
كُنَّا نُحدث أَن الشَّاهِد يَوْم الْقِيَامَة والمشهود يَوْم
عَرَفَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن الْحسن فِي قَوْله:
{وَالسَّمَاء ذَات البروج} قَالَ: حبكت بالخلق الْحسن ثمَّ
حبكت بالنجوم {وَالْيَوْم الْمَوْعُود} قَالَ: يَوْم
الْقِيَامَة {وَشَاهد ومشهود} قَالَ: الشَّاهِد يَوْم
الْجُمُعَة والمشهود يَوْم الْقِيَامَة
(8/462)
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن
الْمُنْذر عَن مُجَاهِد {وَالسَّمَاء ذَات البروج} قَالَ: ذَات
النُّجُوم {وَشَاهد ومشهود} قَالَ: الشَّاهِد ابْن آدم
والمشهود يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس فِي قَول الله:
{وَالْيَوْم الْمَوْعُود وَشَاهد ومشهود} قَالَ: الْيَوْم
الْمَوْعُود يَوْم الْقِيَامَة وَالشَّاهِد يَوْم الْجُمُعَة
والمشهود يَوْم عَرَفَة وَهُوَ الْحَج الْأَكْبَر فَيوم
الْجُمُعَة جعل الله عيداً لمُحَمد وَأمته وفضّلهم بهَا على
الْخلق أَجْمَعِينَ وَهُوَ سيد الْأَيَّام عِنْد الله وَأحب
الْأَعْمَال فِيهِ إِلَى الله وَفِيه سَاعَة لَا يُوَافِقهَا
عبد قَائِم يُصَلِّي يسْأَل الله فِيهَا خيرا إِلَّا أعطَاهُ
إِيَّاه
وَأخرج عبد بن حميد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن أبي الدُّنْيَا فِي
الْأُصُول وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم
وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن أبي
هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم:
الْيَوْم الْمَوْعُود يَوْم الْقِيَامَة وَالْيَوْم
الْمَشْهُود يَوْم عَرَفَة وَالشَّاهِد يَوْم الْجُمُعَة وَمَا
طلعت الشَّمْس وَلَا غربت على يَوْم أفضل مِنْهُ فِيهِ سَاعَة
لَا يُوَافِقهَا عبد مُؤمن يَدْعُو الله بِخَير إِلَّا
اسْتَجَابَ الله لَهُ وَلَا يستعيذ بِشَيْء إِلَّا أَعَاذَهُ
الله مِنْهُ
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ ابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ
فِي سنَنه عَن أبي هُرَيْرَة رَفعه {وَشَاهد ومشهود} قَالَ:
الشَّاهِد يَوْم عَرَفَة وَيَوْم الْجُمُعَة والمشهود هُوَ
الْمَوْعُود يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن عَليّ قَالَ:
الْيَوْم الْمَوْعُود يَوْم الْقِيَامَة وَالشَّاهِد يَوْم
الْجُمُعَة والمشهود يَوْم النَّحْر
وَأخرج ابْن جرير وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه من
طَرِيق شُرَيْح بن عبيد عَن أبي مَالك الْأَشْعَرِيّ قَالَ:
قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: الْيَوْم
الْمَوْعُود يَوْم الْقِيَامَة وَالشَّاهِد يَوْم الْجُمُعَة
والمشهود يَوْم عَرَفَة وَيَوْم الْجُمُعَة دخره الله لنا
وَالصَّلَاة الْوُسْطَى صَلَاة الْعَصْر
وَأخرجه سعيد بن مَنْصُور عَن شُرَيْح بن عبيد مُرْسلا
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه وَابْن عَسَاكِر عَن جُبَير بن مطعم
قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قَوْله:
{وَشَاهد ومشهود} قَالَ: الشَّاهِد يَوْم الْجُمُعَة والمشهود
يَوْم عَرَفَة
وَأخرج عبد بن حميد عَن ابْن عَبَّاس وَأبي هُرَيْرَة
مَوْقُوفا مثله
(8/463)
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن جرير وَعبد
بن حميد وَابْن مرْدَوَيْه عَن سعيد بن الْمسيب قَالَ: قَالَ
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن سيد الْأَيَّام
يَوْم الْجُمُعَة وَهُوَ الشَّاهِد والمشهود يَوْم عَرَفَة
وَأخرج ابْن جرير عَن أبي الدَّرْدَاء قَالَ: قَالَ رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَكْثرُوا عليّ من الصَّلَاة
يَوْم الْجُمُعَة فَإِنَّهُ يَوْم مشهود تشهده الْمَلَائِكَة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَالْفِرْيَابِي وَعبد بن حميد وَابْن
جرير وَابْن الْمُنْذر عَن عَليّ بن أبي طَالب فِي قَوْله:
{وَشَاهد ومشهود} قَالَ: الشَّاهِد يَوْم الْجُمُعَة والمشهود
يَوْم عَرَفَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه عَن الْحسن بن عَليّ أَن
رجلا سَأَلَهُ عَن قَوْله: {وَشَاهد ومشهود} قَالَ: هَل سَأَلت
أحدا قبلي قَالَ: نعم سَأَلت ابْن عمروا وَابْن الزبير
فَقَالَا: يَوْم الرّيح وَيَوْم الْجُمُعَة فَقَالَ: لَا
وَلَكِن الشَّاهِد مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ
قَرَأَ (إِنَّا أرسلنَا شَاهدا وَمُبشرا) (سُورَة الْأَحْزَاب
آيَة 45) (وَجِئْنَا بك شَهِيدا على هَؤُلَاءِ) (سُورَة
النَّحْل آيَة 89) والمشهود يَوْم الْقِيَامَة ثمَّ قَرَأَ
(ذَلِك يَوْم مَجْمُوع لَهُ النَّاس) (سُورَة هود الْآيَة 103)
(وَذَلِكَ يَوْم مشهود) (سُورَة هود الْآيَة 103)
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَعبد بن حميد وَابْن
مرْدَوَيْه وَابْن عَسَاكِر من طرق عَن ابْن عَبَّاس
{وَالْيَوْم الْمَوْعُود} يَوْم الْقِيَامَة {وَشَاهد ومشهود}
قَالَ: الشَّاهِد مُحَمَّد والمشهود يَوْم الْقِيَامَة وتلا
(ذَلِك يَوْم مَجْمُوع لَهُ النَّاس) (سُورَة هود الْآيَة 103)
(وَذَلِكَ يَوْم مشهود) (سُورَة هود الْآيَة 103) وَأخرج ابْن
جرير من طَرِيق عَليّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: الشَّاهِد الله
والمشهود يَوْم الْقِيَامَة
(8/464)
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد الرَّزَّاق
وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن عِكْرِمَة رَضِي الله
عَنهُ قَالَ: الشَّاهِد الَّذِي يشْهد على الإِنسان بِعَمَلِهِ
والمشهود يَوْم الْقِيَامَة
أخرج ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق عبد الله بن نجي عَن عَليّ بن
أبي طَالب قَالَ: كَانَ نَبِي أَصْحَاب الْأُخْدُود حَبَشِيًّا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن الْمُنْذر من طَرِيق الْحسن عَن
عَليّ بن أبي طَالب فِي قَوْله: {أَصْحَاب الْأُخْدُود} قَالَ:
هم الْحَبَشَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن عِكْرِمَة {قتل
أَصْحَاب الْأُخْدُود} قَالَ: كَانُوا من النبط
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {قتل أَصْحَاب
الْأُخْدُود} قَالَ: هم نَاس من بني إِسْرَائِيل خددوا
أُخْدُودًا فِي الأَرْض ثمَّ أوقدوا فِيهِ نَارا ثمَّ
أَقَامُوا على ذَلِك الْأُخْدُود رجَالًا وَنسَاء فعرضوا
عَلَيْهَا
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن
مُجَاهِد قَالَ: الْأُخْدُود شقّ بِنَجْرَان كَانُوا
يُعَذبُونَ النَّاس فِيهِ
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن عبد الرَّحْمَن بن نفير قَالَ:
كَانَت الْأُخْدُود زمَان تبع
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ {قتل
أَصْحَاب الْأُخْدُود} قَالَ: هم قوم خددوا فِي الأَرْض ثمَّ
أوقدوا فِيهِ نَارا ثمَّ جاؤوا بِأَهْل الإِسلام فَقَالُوا:
اكفروا بِاللَّه وَاتبعُوا ديننَا وَإِلَّا ألقيناكم فِي هَذِه
النَّار فَاخْتَارُوا النَّار على الْكفْر فَألْقوا فِيهَا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة فِي قَوْله:
{قتل أَصْحَاب الْأُخْدُود} قَالَ: حَدثنَا أَن عَليّ بن أبي
طَالب كَانَ يَقُول: هم أنَاس بمدارع الْيمن اقتتل مؤمنوهم
وكفارهم فَظهر مؤمنوهم على كفارهم ثمَّ أَخذ بَعضهم على بعض
عهوداً ومواثيق لَا يغدر بَعضهم بِبَعْض فغدرهم الْكفَّار
فَأَخَذُوهُمْ ثمَّ إِن رجلا من الْمُؤمنِينَ قَالَ: هَل لكم
إِلَى خير توقدون نَارا ثمَّ تعرضوننا عَلَيْهِ فَمن
(8/465)
بايعكم على دينكُمْ فَذَلِك الَّذِي تشتهون
وَمن لَا اقتحم فاسترحتم مِنْهُ فأججوا لَهُم نَارا وعرضوهم
عَلَيْهَا فَجعلُوا يقتحمونها حَتَّى بقيت عَجُوز فَكَأَنَّهَا
تلكأت فَقَالَ طِفْل فِي حجرها: امْضِي وَلَا تقاعسي فَقص الله
عَلَيْكُم نبأهم وحديثهم فَقَالَ: {النَّار ذَات الْوقُود إِذْ
هم عَلَيْهَا قعُود} قَالَ: يَعْنِي بذلك الْمُؤمنِينَ {وهم
على مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ} يَعْنِي بذلك الْكفَّار
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة {إِن
الَّذين فتنُوا الْمُؤمنِينَ وَالْمُؤْمِنَات} قَالَ: حرقوا
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن
الْمُنْذر عَن قَتَادَة {إِن الَّذين فتنُوا الْمُؤمنِينَ
وَالْمُؤْمِنَات} قَالَ: عذبُوا
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن قَالَ: كَانَ بعض الْجَبَابِرَة
خد أُخْدُودًا فِي الأَرْض وَجعل فِيهَا النيرَان وَعرض
الْمُؤمنِينَ على ذَلِك فَمن تَابعه على كفره خلى عَنهُ وَمن
أَبى أَلْقَاهُ فِي النَّار فَجعل يلقِي حَتَّى أَتَى على
امْرَأَة وَمَعَهَا بني لَهَا صَغِير فَكَأَنَّهَا أنفت
النَّار فكلمها الصبيّ فَقَالَ: يَا أمه قَعِي فِي النَّار
وَلَا تقاعسي فألقيت فِي النَّار وَالله مَا كَانَت إِلَّا
نقطة من نَار حَتَّى أفضوا إِلَى رَحْمَة الله تَعَالَى
قَالَ: الْحسن: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم:
فَمَا ذكرت أَصْحَاب الْأُخْدُود إِلَّا تعوذت بِاللَّه من جهد
الْبلَاء
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عبد الله بن نجي قَالَ: شهِدت عليا
وَأَتَاهُ أَسْقُف نَجْرَان فَسَأَلَهُ عَن أَصْحَاب
الْأُخْدُود فَقص عَلَيْهِ الْقِصَّة فَقَالَ عليّ: أَنا أعلم
بهم مِنْك بعث نَبِي من الْحَبَشَة إِلَى قومه ثمَّ قَرَأَ
عَليّ (وَلَقَد أرسلنَا رسلًا من قبلك مِنْهُم من قَصَصنَا
عَلَيْك وَمِنْهُم من لم نَقْصُصْ عَلَيْك) (سُورَة غَافِر
الْآيَة 78) فَدَعَاهُمْ فتابعه النَّاس فَقَاتلهُمْ فَقتل
أَصْحَابه وَأخذ فأوثق فانفلت فأنس إِلَيْهِ رجال يَقُول:
اجْتمع إِلَيْهِ رجال فقالتهم فَقتلُوا وَأخذ فأوثق فخدوا
أُخْدُودًا فِي الأَرْض وَجعلُوا فِيهِ النيرَان فَجعلُوا
يعرضون النَّاس فَمن تبع النَّبِي رمي بِهِ فِيهَا وَمن
تَابعهمْ ترك وَجَاءَت امْرَأَة فِي آخر من
(8/466)
جَاءَ مَعهَا صبي لَهَا فَجَزِعت فَقَالَ
الصَّبِي: يَا أمه اطمري وَلَا تُمَارِي فَوَقَعت
وَأخرج عبد بن حميد عَن سَلمَة بن كهيل قَالَ: ذكرُوا أَصْحَاب
الْأُخْدُود عِنْد عليّ فَقَالَ: أما إِن فِيكُم مثلهم فَلَا
تكونن أعجز من قوم
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَليّ بن أبي طَالب قَالَ: كَانَ
الْمَجُوس أهل كتاب وَكَانُوا مستمسكين بِكِتَابِهِمْ وَكَانَت
الْخمر قد أحلّت لَهُم فَتَنَاول مِنْهَا ملك من مُلُوكهمْ
فغلبته على عقله فَتَنَاول أُخْته أَو ابْنَته فَوَقع
عَلَيْهَا فَلَمَّا ذهب عَنهُ السكر نَدم وَقَالَ لَهَا: وَيحك
مَا هَذَا الَّذِي أتيت وَمَا الْمخْرج مِنْهُ قَالَت:
الْمخْرج مِنْهُ أَن تخْطب النَّاس فَتَقول أَيهَا النَّاس إِن
الله قد أحل لكم نِكَاح الْأَخَوَات وَالْبَنَات فَإِذا ذهب
ذَا فِي النَّاس وتناسوه خطبتهم فحرمته فَقَامَ خَطِيبًا
فَقَالَ: يَا أَيهَا النَّاس إِن الله أحل لكم نِكَاح
الْأَخَوَات أَو الْبَنَات فَقَالَ النَّاس جَمَاعَتهمْ: معَاذ
الله أَن نؤمن بِهَذَا أَو نقر بِهِ أَو جَاءَنَا بِهِ نَبِي
أونزل علينا فِي كتاب فَرجع إِلَى صاحبته فَقَالَ: وَيحك إِن
النَّاس قد أَبَوا عليّ ذَلِك
قَالَت: إِذا أَبَوا عَلَيْك ذَلِك فابسط فيهم السَّوْط فَبسط
فيهم السَّوْط فَأَبَوا أَن يقرُّوا فَرجع إِلَيْهَا فَقَالَ:
قد بسطت فيهم السَّوْط فَأَبَوا أَن يقرُّوا
قَالَت: فَجرد فيهم السَّيْف فَجرد فيهم السَّيْف فَأَبَوا أَن
يقرُّوا
قَالَت: خدّ لَهُم الْأُخْدُود ثمَّ أوقد فِيهِ النيرَان فَمن
تابعك فخلّ عَنهُ
فخدَّ لَهُم أُخْدُودًا وأوقد فِيهِ النيرَان وَعرض أهل
مَمْلَكَته على ذَلِك فَمن أَبى قذفه فِي النَّار وَمن لم يأب
خلّى عَنهُ فَأنْزل الله فيهم {قتل أَصْحَاب الْأُخْدُود}
إِلَى قَوْله: {وَلَهُم عَذَاب الْحَرِيق}
أخرج ابْن أبي شيبَة عَن عَوْف قَالَ: كَانَ رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا ذكر أَصْحَاب الْأُخْدُود تعوذ
بِاللَّه من جهد الْبلَاء وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن أبي
شيبَة وَعبد بن حميد وَمُسلم وَالنَّسَائِيّ وَالتِّرْمِذِيّ
عَن صُهَيْب قَالَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
إِذا صلى الْعَصْر هَمس فَقيل لَهُ: إِنَّك يَا رَسُول الله
إِذا صليت الْعَصْر همست فَقَالَ: إِن نَبيا من الْأَنْبِيَاء
كَانَ أعجب بأمته فَقَالَ: من يقوم لهَؤُلَاء فَأوحى الله
إِلَيْهِ أَن خَيرهمْ بَين أَن ينْتَقم مِنْهُم وَبَين أَن
يُسَلط عَلَيْهِم عدوهم فَاخْتَارُوا النقمَة فَسلط عَلَيْهِم
الْمَوْت فَمَاتَ مِنْهُم فِي يَوْم سَبْعُونَ
(8/467)
ألفا قَالَ: وَكَانَ إِذا حدث بِهَذَا
الحَدِيث الآخر كَانَ ملك من الْمُلُوك وَكَانَ لذَلِك الْملك
كَاهِن يكهن لَهُ فَقَالَ لَهُ ذَلِك الكاهن: انْظُرُوا إِلَى
غُلَاما فهما أَو قَالَ: فطناً لقناً فَأعلمهُ علمي هَذَا
فَإِنِّي أَخَاف أَن أَمُوت فَيَنْقَطِع هَذَا الْعلم مِنْكُم
وَلَا يكون فِيكُم من يُعلمهُ قَالَ: فنظروا لَهُ على مَا وصف
فأمروه أَن يحضر ذَلِك الكاهن وَإِن يخْتَلف إِلَيْهِ فَجعل
الْغُلَام يخْتَلف إِلَيْهِ وَكَانَ على طَرِيق الْغُلَام
رَاهِب فِي صومعته فَجعل الْغُلَام يسْأَل الراهب كلما مر بِهِ
فَلم يزل بِهِ حَتَّى أخبرهُ فَقَالَ: إِنَّمَا أعبد الله
فَجعل الْغُلَام يمْكث عِنْد الراهب ويبطئ على الكاهن فَأرْسل
الكاهن إِلَى أهل الْغُلَام أَنه لَا يكَاد يحضرني فَأخْبر
الْغُلَام الراهب بذلك فَقَالَ لَهُ الراهب: إِذا قَالَ لَك:
أَيْن كنت فَقل: عِنْد أَهلِي وَإِذا قَالَ لَك أهلك: أَيْن
كنت فَقل: عِنْد الكاهن
فَبَيْنَمَا الْغُلَام على ذَلِك إِذْ مر بِجَمَاعَة من
النَّاس كَثِيرَة قد حبستهم دَابَّة يُقَال كَانَت أسداً فَأخذ
الْغُلَام حجرا فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِن كَانَ مَا يَقُول
الراهب حَقًا فأسألك أَن أقتل هَذِه الدَّابَّة وَإِن كَانَ
مَا يَقُوله: الكاهن حَقًا فأسألك أَن لَا أقتلها ثمَّ رمى
فَقتل الدَّابَّة فَقَالَ النَّاس: من قَتلهَا فَقَالُوا:
الْغُلَام
فَفَزعَ النَّاس وَقَالُوا: قد علم هَذَا الْغُلَام علما لم
يُعلمهُ أحد فَسمع أعمى فَجَاءَهُ فَقَالَ لَهُ: إِن أَنْت
رددت بَصرِي فلك كَذَا وَكَذَا فَقَالَ الْغُلَام: لَا أُرِيد
مِنْك هَذَا وَلَكِن أَرَأَيْت إِن رَجَعَ عَلَيْك بَصرك أتؤمن
بِالَّذِي رده عَلَيْك قَالَ: نعم فَدَعَا الله فَرد عَلَيْهِ
بَصَره فَآمن الْأَعْمَى فَبلغ الْملك أَمرهم فَبعث إِلَيْهِم
فَأتى بهم فَقَالَ: لأقتلن كل وَاحِد مِنْكُم قتلة لَا أقتل
بهَا صَاحبه فَأمر بِالرَّاهِبِ وَالرجل الَّذِي كَانَ أعمى
فَوضع الْمِنْشَار على مفرق أَحدهمَا فَقتله وَقتل الآخر بقتلة
أُخْرَى ثمَّ أَمر بالغلام فَقَالَ: انْطَلقُوا بِهِ إِلَى جبل
كَذَا وَكَذَا فألقوه من رَأسه
فَانْطَلقُوا بِهِ إِلَى ذَلِك الْجَبَل فَلَمَّا انْتَهوا
بِهِ إِلَى ذَلِك الْمَكَان الَّذِي أَرَادوا أَن يلقوه مِنْهُ
جعلُوا يتهافتون من ذَلِك الْجَبَل وتردون حَتَّى لم يبْق
مِنْهُم إِلَى الْغُلَام ثمَّ رَجَعَ الْغُلَام فَأمر الْملك
أَن ينطلقوا بِهِ إِلَى الْبَحْر فَيُلْقُوهُ فِيهِ فَانْطَلق
بِهِ إِلَى الْبَحْر فغرق الله الَّذين كَانُوا مَعَه وأنجاه
الله
فَقَالَ الْغُلَام للْملك: إِنَّك لَا تقتلني إِلَّا أَن
تصلبني وترميني وَتقول: بِسم الله رب الْغُلَام فَأمر بِهِ
فصلب ثمَّ رَمَاه وَقَالَ: بِسم الله رب الْغُلَام فَأمر بِهِ
فصلب ثمَّ رَمَاه وَقَالَ: بِسم الله رب الْغُلَام فَوضع
الْغُلَام يَده على صُدْغه حِين رمي ثمَّ مَاتَ
فَقَالَ النَّاس: لقد علم هَذَا الْغُلَام علما مَا علمه أحد
فَإنَّا نؤمن بِرَبّ هَذَا الْغُلَام فَقيل للْملك: أجزعت أَن
خالفك ثَلَاثَة فَهَذَا
(8/468)
الْعَالم كلهم قد خالفوك قَالَ: فخدّ
أُخْدُودًا ثمَّ ألْقى فِيهَا الْحَطب وَالنَّار ثمَّ جمع
النَّاس فَقَالَ: من رَجَعَ عَن دينه تَرَكْنَاهُ وَمن لم يرجع
ألقيناه فِي هَذِه النَّار
فَجعل يُلقيهِمْ فِي تِلْكَ الْأُخْدُود فَقَالَ: يَقُول الله:
{قتل أَصْحَاب الْأُخْدُود النَّار ذَات الْوقُود} حَتَّى بلغ
{الْعَزِيز الحميد} فَأَما الْغُلَام فَإِنَّهُ دفن ثمَّ أخرج
فيذكر أَنه أخرج فِي زمن عمر بن الْخطاب واصبعه على صُدْغه
كَمَا وَضعهَا حِين قتل
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن مرْدَوَيْه عَن صُهَيْب أَن رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: كَانَ ملك مِمَّن كَانَ
قبلكُمْ وَكَانَ لَهُ سَاحر فَلَمَّا كبر السَّاحر قَالَ
للْملك: إِنِّي قد كَبرت سني وَحضر أَجلي فادفع إليّ غُلَاما
أعلمهُ السحر
فَدفع إِلَيْهِ غُلَاما فَكَانَ يُعلمهُ السحر
وَكَانَ بَين السَّاحر وَبَين الْملك رَاهِب فَأتى الْغُلَام
على الراهب فَسمع من كَلَامه فأعجبه نَحوه وَكَلَامه فَكَانَ
إِذا أَتَى على السَّاحر ضربه وَقَالَ: ماحبسك فَإِذا أَتَى
أَهله جلس عِنْد الراهب فيبطئ فَإِذا أَتَى أَهله ضربوه
وَقَالُوا: ماحبسك فَشَكا ذَلِك إِلَى الراهب فَقَالَ: إِذا
أَرَادَ السَّاحر أَن يَضْرِبك فَقل: حَبَسَنِي أَهلِي وَإِذا
أَرَادَ أهلك أَن يضربوك فَقل: حَبَسَنِي السَّاحر
فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِك إِذْ أَتَى ذَات يَوْم على دَابَّة
فظيعة عَظِيمَة قد حبست النَّاس فَلَا يَسْتَطِيعُونَ أَن
يجوزوا فَقَالَ الْغُلَام: الْيَوْم أعلم أَمر الراهب أحب
إِلَى الله أم أَمر السَّاحر
فَأخذ حجرا فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِن كَانَ أَمر الراهب أحب
إِلَيْك وأرضى لَك من أَمر السَّاحر فَاقْتُلْ هَذِه
الدَّابَّة حَتَّى يجوز النَّاس
فَرَمَاهَا فَقَتلهَا وَمضى النَّاس فَأخْبر الراهب بذلك
فَقَالَ: أَي بني أَنْت أفضل مني وَإنَّك ستبتلى فَإِن ابْتليت
فَلَا تدل عَليّ
وَكَانَ الْغُلَام يُبرئ الأكمه والأبرص وَسَائِر الأدواء
ويشفيهم وَكَانَ جليس الْملك قد عمي فَسمع بِهِ فَأَتَاهُ
بِهَدَايَا كَثِيرَة فَقَالَ لَهُ: اشفني وَلَك مَا هَهُنَا
أجمع فَقَالَ: مَا أشفي أَنا أحدا إِنَّمَا يشفي الله فَإِن
آمَنت بِاللَّه دَعَوْت الله فشفاك فَآمن فَدَعَا لَهُ فشفاه
ثمَّ أَتَى الْملك فَجَلَسَ مِنْهُ نَحْو مَا كَانَ يجلس
فَقَالَ لَهُ الْملك: يَا فلَان من رد عَلَيْك بَصرك قَالَ:
رَبِّي قَالَ: أَنا
قَالَ: لَا
قَالَ: أولك رب غَيْرِي قَالَ: نعم
فَلم يزل بِهِ يعذبه حَتَّى دلّ على الْغُلَام فَبعث إِلَيْهِ
الْملك فَقَالَ: أَي بني قد بلغ من سحرك أَن تبرئ الأكمه
والأبرص وَهَذِه الأدواء قَالَ: مَا أشفي أَنا أحدا مَا يشفي
غير الله
قَالَ: أَنا قَالَ: لَا
قَالَ: وَإِن لَك رَبًّا غَيْرِي قَالَ: نعم رَبِّي وَرَبك
(8/469)
الله
فَأَخذه أَيْضا بِالْعَذَابِ فَلم يزل بِهِ حَتَّى دلّ على
الراهب
فَقَالَ لَهُ: ارْجع عَن دينك فَأبى فَوضع الْمِنْشَار فِي
مفرقه حَتَّى وَقع شقاه على الأَرْض وَقَالَ للغلام: ارْجع عَن
دينك فَأبى فَبعث بِهِ مَعَ نفر إِلَى جبل كَذَا وَكَذَا
وَقَالَ: إِذا بَلغْتُمْ ذروته فَإِن رَجَعَ عَن دينه وَإِلَّا
فدهدهوه من فَوْقه
فَذَهَبُوا بِهِ فَلَمَّا علوا بِهِ الْجَبَل قَالَ:
اللَّهُمَّ اكفنيهم بِمَا شِئْت
فَرَجَفَ بهم الْجَبَل فتدهدهوا أَجْمَعِينَ
وَجَاء الْغُلَام يتلمس حَتَّى دخل على الْملك فَقَالَ: مَا
فعل أَصْحَابك قَالَ: كفانيهم الله
فَبعث بِهِ فِي قُرْقُور مَعَ نفر فَقَالَ: إِذا لججتم بِهِ
الْبَحْر فَإِن رَجَعَ عَن دينه وَإِلَّا فأغرقوه
فلجوا بِهِ الْبَحْر فَقَالَ الْغُلَام: اللَّهُمَّ أكفنيهم
بِمَا شِئْت
فَغَرقُوا أَجْمَعِينَ
وَجَاء الْغُلَام يتلمس حَتَّى دخل على الْملك
فَقَالَ: مَا فعل أَصْحَابك قَالَ: كفانيهم الله
ثمَّ قَالَ للْملك: إِنَّك لست بِقَاتِلِي حَتَّى تفعل مَا
آمُرك بِهِ فَإِن أَنْت فعلت مَا آمُرك بِهِ قتلتني وَإِلَّا
فَإنَّك لن تَسْتَطِيع قَتْلِي
قَالَ: وَمَا هُوَ قَالَ: تجمع النَّاس فِي صَعِيد ثمَّ تصلبني
على جذع وَتَأْخُذ سَهْما من كِنَانَتِي ثمَّ قل بِسم الله رب
الْغُلَام فَإنَّك إِذا فعلت ذَلِك قتلتني
فَفعل وَوضع السهْم فِي كبد الْقوس ثمَّ رَمَاه وَقَالَ: بِسم
الله رب الْغُلَام
فَوَقع السهْم فِي صُدْغه
فَوضع الْغُلَام يَده على مَوضِع السهْم وَمَات
فَقَالَ النَّاس: آمنا بِرَبّ الْغُلَام
فَقيل للْملك: أَرَأَيْت مَا كنت تحذر فقد وَالله نزل بك هَذَا
من [آمن] النَّاس كلهم
فَأمر بأفواه السكَك فخدت فِيهَا الْأُخْدُود وأضرمت فِيهَا
النيرَان وَقَالَ: من رَجَعَ عَن دينه فَدَعوهُ وَإِلَّا
فاقحموه فِيهَا
فَكَانُوا يتقارعون فِيهَا ويتدافعون فَجَاءَت امْرَأَة بِابْن
لَهَا صَغِير فَكَأَنَّهَا تَقَاعَسَتْ أَن تقع فِي النَّار
فَقَالَ الصَّبِي: يَا أمه اصْبِرِي فَإنَّك على الْحق
الْآيَة 12 - 22
(8/470)
إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ
لَشَدِيدٌ (12) إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ (13) وَهُوَ
الْغَفُورُ الْوَدُودُ (14) ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ (15)
فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ (16) هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ
(17) فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ (18) بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي
تَكْذِيبٍ (19) وَاللَّهُ مِنْ وَرَائِهِمْ مُحِيطٌ (20) بَلْ
هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ (21) فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ (22)
أخرج ابْن الْمُنْذر وَالْحَاكِم وَصَححهُ
عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: قسم {وَالسَّمَاء ذَات البروج} إِلَى
قَوْله: {وَشَاهد ومشهود} قَالَ: هَذَا قسم على أَن بَطش رَبك
لشديد إِلَى آخرهَا
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي قَوْله: {إِن بَطش
رَبك لشديد} قَالَ: هَهُنَا الْقسم {إِنَّه هُوَ يبدئ
وَيُعِيد} قَالَ: يبدئ الْخلق ثمَّ يُعِيدهُ {وَهُوَ الغفور
الْوَدُود} قَالَ: يود على طَاعَته من أطاعه
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس {إِنَّه هُوَ يبدئ
وَيُعِيد} قَالَ: يبدئ الْعَذَاب ويعيده
وَأخرج عَن ابْن عَبَّاس {إِنَّه هُوَ يبدئ وَيُعِيد} قَالَ:
يبدئ الْعَذَاب ويعيده
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن الْحُسَيْن بن وَاقد فِي قَوْله:
{وَهُوَ الغفور الْوَدُود} قَالَ: الغفور للْمُؤْمِنين
الْوَدُود لأوليائه
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ فِي
الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله:
{الْوَدُود} قَالَ: الحبيب وَفِي قَوْله: {ذُو الْعَرْش
الْمجِيد} قَالَ: الْكَرِيم
وَأخرج ابْن جرير عَن أنس قَالَ: إِن اللَّوْح الْمَحْفُوظ
الَّذِي ذكره الله فِي الْقُرْآن فِي قَوْله: {بل هُوَ قُرْآن
مجيد فِي لوح مَحْفُوظ} فِي جبهة اسرافيل
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد {فِي لوح
مَحْفُوظ} قَالَ: فِي أم الْكتاب
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {فِي لوح
مَحْفُوظ} قَالَ: أخْبرت أَن لوح الذّكر لوح وَاحِد فِيهِ
الذّكر وَإِن ذَلِك اللَّوْح من نور وَإنَّهُ مسيرَة
ثَلَاثمِائَة سنة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة فِي
قَوْله: {مَحْفُوظ} قَالَ: مَحْفُوظ عِنْد الله
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة فِي قَوْله:
{فِي لوح مَحْفُوظ} قَالَ: فِي صُدُور الْمُؤمنِينَ
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن عبد الله بن بُرَيْدَة {فِي لوح
مَحْفُوظ} قَالَ: لوح عِنْد الله وَهُوَ أم الْكتاب
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ فِي العظمة بِسَنَد جيد عَن ابْن
عَبَّاس قَالَ: خلق الله اللَّوْح الْمَحْفُوظ كمسيرة مائَة
عَام فَقَالَ للقلم: قبل أَن يخلق اكْتُبْ علمي فِي خلقي فَجرى
بِمَا هُوَ كَائِن إِلَى يَوْم الْقِيَامَة
(8/471)
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي مَكَارِم
الْأَخْلَاق وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب وَأَبُو الشَّيْخ فِي
العظمة وَابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق حَلَال القسلي عَن أنس
قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن لله
لوحاً من زبرجدة خضراء جعله تَحت الْعَرْش وَكتب فِيهِ: إِنِّي
أَنا الله لَا إِلَه إِلَّا أَنا خلقت ثَلَاثمِائَة وَبضْعَة
عشر خلقا من جَاءَ بِخلق مِنْهَا مَعَ شَهَادَة أَن لَا إِلَه
إِلَّا الله دخل الْجنَّة
وَأخرج عبد بن حميد فِي مُسْنده وَأَبُو يعلى بِسَنَد ضَعِيف
عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم: إِن بَين يَدي الرَّحْمَن تبَارك وَتَعَالَى
لوحاً فِيهِ ثَلَاثمِائَة وَخمْس عشرَة شَرِيعَة يَقُول
الرَّحْمَن: وَعِزَّتِي وَجَلَالِي لَا يجيئني عبد من عبَادي
لَا يُشْرك بِي شَيْئا فِيهِ وَاحِدَة مِنْكُن إِلَّا أدخلته
الْجنَّة
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن أنس قَالَ: قَالَ رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن لله لوحاً أحد وجهيه ياقوتة
وَالْوَجْه الثَّانِي زبرجدة خضراء قلمه النُّور فِيهِ يخلق
وَفِيه يرْزق وَفِيه يحيي وَفِيه يُمِيت وَفِيه يعز وَفِيه
يفعل مَا يَشَاء فِي كل يَوْم وَلَيْلَة
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس
قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: خلق الله
لوحاً من درة بَيْضَاء دفتاه من زبرجدة خضراء كِتَابه من نور
يلحظ إِلَيْهِ فِي كل يَوْم ثَلَاثمِائَة وَسِتِّينَ لَحْظَة
يحيي وَيُمِيت ويخلق ويرزق ويعز ويذل وَيفْعل مَا يَشَاء
(8/472)
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
86
سُورَة الطارق
مَكِّيَّة وآياتها سبع عشرَة
مُقَدّمَة السُّورَة
الْآيَة 1 - 10
(8/473)
وَالسَّمَاءِ
وَالطَّارِقِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ (2)
النَّجْمُ الثَّاقِبُ (3) إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا
حَافِظٌ (4) فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ (5)
خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ (6) يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ
وَالتَّرَائِبِ (7) إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ (8)
يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ (9) فَمَا لَهُ مِنْ قُوَّةٍ
وَلَا نَاصِرٍ (10)
أخرج ابْن الضريس وَابْن مرْدَوَيْه
وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: نزلت {وَالسَّمَاء
والطارق} بِمَكَّة
وَأخرج أَحْمد وَالْبُخَارِيّ فِي التَّارِيخ وَابْن
مرْدَوَيْه وَالطَّبَرَانِيّ عَن خَالِد العدواني أَنه أبْصر
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بسوق ثَقِيف وَهُوَ
قَائِم على قَوس أَو عَصا حِين أَتَاهُم يَبْتَغِي النَّصْر
عِنْدهم فَسَمعهُ يقْرَأ {وَالسَّمَاء والطارق} حَتَّى خَتمهَا
قَالَ: فوعيتها فِي الْجَاهِلِيَّة ثمَّ قرأتها فِي الإِسلام
وَأخرج النَّسَائِيّ عَن جَابر قَالَ: صلى معَاذ الْمغرب
فَقَرَأَ الْبَقَرَة وَالنِّسَاء فَقَالَ النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم: أفتان أَنْت يَا معَاذ أما يَكْفِيك أَن
تقْرَأ {وَالسَّمَاء والطارق} {وَالشَّمْس وَضُحَاهَا} سُورَة
الشَّمْس الْآيَة 1 وَنَحْو هَذَا
أخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله:
{وَالسَّمَاء والطارق} قَالَ: أقسم رَبك بالطارق وكل شَيْء
طرقك باليل فَهُوَ طَارق
وَأخرج عبد بن حميد عَن سعيد بن جُبَير قَالَ: قلت لِابْنِ
عَبَّاس {وَالسَّمَاء والطارق}
(8/473)
فَقَالَ: {وَمَا أَدْرَاك مَا الطارق}
فَقلت: (فَلَا أقسم بالخنس) (التكوير الْآيَة 15) فَقَالَ:
(الْجَوَارِي الكنس) (التكوير الْآيَة 15) فَقلت:
(وَالْمُحصنَات من النِّسَاء) (النِّسَاء الْآيَة 24) فَقَالَ:
(إِلَّا مَا ملكت أَيْمَانكُم) (النِّسَاء الْآيَة 24) فَقلت:
مَا هَذَا فَقَالَ: مَا أعلم مِنْهَا إِلَّا مَا تسمع
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي
قَوْله: {وَالسَّمَاء والطارق} قَالَ: وَمَا يطْرق فِيهَا {إِن
كل نفس لما عَلَيْهَا حَافظ} قَالَ: كل نفس عَلَيْهَا حفظَة من
الْمَلَائِكَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي
حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن ابْن عَبَّاس فِي
قَوْله: {النَّجْم الثاقب} قَالَ: النَّجْم المضيء {إِن كل نفس
لما عَلَيْهَا حَافظ} قَالَ: إِلَّا عَلَيْهَا حَافظ
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج {وَالسَّمَاء والطارق}
قَالَ: النَّجْم يخفى بِالنَّهَارِ ويبدو بِاللَّيْلِ {إِن كل
نفس لما عَلَيْهَا حَافظ} قَالَ: حفظ كل نفس عمله وأجله ورزقه
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن
قَتَادَة {وَالسَّمَاء والطارق} قَالَ: هُوَ ظُهُور النَّجْم
بِاللَّيْلِ يَقُول: يطرقك بِاللَّيْلِ {النَّجْم الثاقب}
قَالَ: المضيء {إِن كل نفس لما عَلَيْهَا حَافظ} قَالَ: مَا كل
نفس إِلَّا عَلَيْهَا حَافظ
قَالَ: وهم حفظَة يحفظون عَمَلك ورزقك وأجلك فَإِذا توفيته يَا
ابْن آدم قبضت إِلَى رَبك
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد {النَّجْم الثاقب} قَالَ:
الَّذِي يتوهج
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن زيد قَالَ: {النَّجْم الثاقب}
الثريا
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن خصيف {النَّجْم الثاقب} قَالَ: مِم
يثقب من يسترق السّمع
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَاصِم أَنه قَرَأَ {إِن كل نفس لما
عَلَيْهَا حَافظ} مثقلة منصوبه اللَّام
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة فِي قَوْله: {فَلْينْظر
الإِنسان مِم خلق} قَالَ: هُوَ أَبُو الأشدين كَانَ يقوم على
الْأَدِيم فَيَقُول: يَا معشر قُرَيْش من أزالني عَنهُ فَلهُ
كَذَا
(8/474)
وَكَذَا وَيَقُول: إِن مُحَمَّدًا يزْعم
أَن خَزَنَة جَهَنَّم تِسْعَة عشر فَأَنا أكفيكم وحدي عشرَة
واكفوني أَنْتُم تِسْعَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي
قَوْله: {يخرج من بَين الصلب والترائب} قَالَ: صلب الرجل
وترائب الْمَرْأَة لَا يكون الْوَلَد إِلَّا مِنْهُمَا
وَأخرج عبد بن حميد عَن ابْن أَبْزَى قَالَ: الصلب من الرجل
والترائب من الْمَرْأَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس {يخرج
من بَين الصلب والترائب} قَالَ: مَا بَين الْجيد والنحر
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد قَالَ: الترائب أَسْفَل من
التراقي
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله:
{والترائب} قَالَ: تربية الْمَرْأَة وَهُوَ مَوضِع القلادة
وَأخرج الطستي عَن ابْن عَبَّاس إِن نَافِع بن الْأَزْرَق
قَالَ لَهُ: أَخْبرنِي عَن قَوْله: عزَّ وَجل {يخرج من بَين
الصلب والترائب} قَالَ: الترائب مَوضِع القلادة من الْمَرْأَة
قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ نعم أما سَمِعت قَول
الشَّاعِر: والزعفران على ترائبها شرفا بِهِ اللبات والنحر
وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة أَنه سُئِلَ عَن قَوْله:
{يخرج من بَين الصلب والترائب} قَالَ: صلب الرجل وترائب
الْمَرْأَة أما سَمِعت قَول الشَّاعِر: نظام [] اللُّؤْلُؤ على
ترائبها شرفا بِهِ اللبات والنحر وَأخرج ابْن جرير وَابْن
الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: الترائب الصَّدْر
وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة وعطية وَأبي عِيَاض مثله
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: الترائب
أَرْبَعَة أضلاع من كل جَانب من أَسْفَل الأضلاع
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر عَن الْأَعْمَش قَالَ:
يخلق الْعِظَام والعصب من مَاء الرجل ويخلق اللَّحْم وَالدَّم
من مَاء الْمَرْأَة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن
قَتَادَة فِي قَوْله: {يخرج من بَين الصلب والترائب} قَالَ:
يخرج من بَين صلبه نَحره {إِنَّه على رجعه لقادر} قَالَ: إِن
الله على بَعثه وإعادته لقادر {يَوْم تبلى السرائر} قَالَ: إِن
هَذِه السرائر
(8/475)
مختبرة فأسروا خيرا وأعلنوه {فَمَا لَهُ من
قُوَّة} يمْتَنع بهَا {وَلَا نَاصِر} ينصره من الله
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس فِي
قَوْله: {إِنَّه على رجعه لقادر} قَالَ: على أَن يَجْعَل
الشَّيْخ شَابًّا والشاب شَيخا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد
{إِنَّه على رجعه لقادر} قَالَ: على رَجَعَ النُّطْفَة فِي
الإِحليل
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن عِكْرِمَة {إِنَّه
على رجعه لقادر} قَالَ: على أَن يرجعه فِي صلبه
وَأخرج عبد بن حميد عَن ابْن أَبْزَى قَالَ: على أَن يردهُ
نُطْفَة فِي صلب أَبِيه
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن الْحسن {إِنَّه على رجعه لقادر}
قَالَ: على إحيائه
وَأخرج عبد بن حميد عَن الرّبيع بن خَيْثَم {يَوْم تبلى
السرائر} قَالَ: السرائر الَّتِي تخفين من النَّاس وَهن لله
بواد داووهن بدوائهن قيل: وَمَا بدوائهن قَالَ: أَن تتوب ثمَّ
لَا تعود
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن عَطاء فِي قَوْله: {تبلى السرائر}
قَالَ: الصَّوْم وَالصَّلَاة وَغسل الْجَنَابَة
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن يحيى بن أبي كثير مثله
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن أبي الدَّرْدَاء
قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ضمن الله
خلقه أَرْبَعَة الصَّلَاة وَالزَّكَاة وَصَوْم رَمَضَان
وَالْغسْل من الْجَنَابَة وَهن السرائر الَّتِي قَالَ الله
{يَوْم تبلى السرائر}
الْآيَة 11 - 17
(8/476)
وَالسَّمَاءِ ذَاتِ
الرَّجْعِ (11) وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ (12) إِنَّهُ
لَقَوْلٌ فَصْلٌ (13) وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ (14) إِنَّهُمْ
يَكِيدُونَ كَيْدًا (15) وَأَكِيدُ كَيْدًا (16) فَمَهِّلِ
الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا (17)
أخرج عبد الرَّزَّاق وَالْفِرْيَابِي وَعبد
بن حميد وَالْبُخَارِيّ فِي تَارِيخه وَابْن جرير وَابْن
الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن
مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {وَالسَّمَاء ذَات
الرجع} قَالَ: الْمَطَر بعد الْمَطَر {وَالْأَرْض ذَات الصدع}
قَالَ: صَدعهَا عَن النَّبَات
(8/476)
وَأخرج عبد بن حميد عَن سعيد بن جُبَير
وَعِكْرِمَة وَأبي مَالك وَابْن أَبْزَى وَالربيع بن أنس مثله
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد {وَالسَّمَاء ذَات الرجع}
قَالَ: السَّحَاب تمطر ثمَّ ترجع بالمطر {وَالْأَرْض ذَات
الصدع} قَالَ: المازم غير الأودية والجروف
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَطاء {وَالسَّمَاء ذَات الرجع} قَالَ:
ترجع بالمطر كل عَام {وَالْأَرْض ذَات الصدع} قَالَ: تصدع
بالنبات كل عَام
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس {وَالْأَرْض ذَات
الصدع} قَالَ: صدع الأودية
وَأخرج ابْن مندة والديلمي عَن معَاذ بن أنس مَرْفُوعا
{وَالْأَرْض ذَات الصدع} قَالَ: تصدع بِإِذن الله عَن
الْأَمْوَال والنبات
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة {وَالسَّمَاء ذَات الرجع}
قَالَ: ترجع إِلَى الْعباد برزقهم كل عَام لَوْلَا ذَلِك
لهلكوا وَهَلَكت مَوَاشِيهمْ {وَالْأَرْض ذَات الصدع} قَالَ:
تصدع عَن النَّبَات وَالثِّمَار كَمَا رَأَيْتُمْ {إِنَّه
لقَوْل فصل} قَالَ: قَول حكم {وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ} قَالَ:
مَا هُوَ باللعب {فمهل الْكَافرين أمهلهم رويداً} قَالَ:
الرويد الْقَلِيل
وَأخرج الطستي عَن ابْن عَبَّاس إِن نَافِع بن الْأَزْرَق
قَالَ لَهُ: أَخْبرنِي عَن قَوْله: عزَّ وَجل {وَمَا هُوَ
بِالْهَزْلِ} قَالَ: الْقُرْآن لَيْسَ بِالْبَاطِلِ واللعب
قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم أما سَمِعت قيس بن
رِفَاعَة وَهُوَ يَقُول: وَمَا أَدْرِي وسوف أخال أَدْرِي أهزل
ذَا كم أم قَول جد وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن سعيد بن جُبَير
{وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ} قَالَ: وَمَا هُوَ باللعب
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عليّ قَالَ: سَمِعت رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: أَتَانِي جِبْرِيل فَقَالَ
يَا مُحَمَّد: إِن أمتك مُخْتَلفَة بعْدك
قلت فَأَيْنَ الْمخْرج يَا جِبْرِيل فَقَالَ: كتاب الله بِهِ
يقصم كل جَبَّار من اعْتصمَ بِهِ نجا وَمن تَركه هلك قَول فصل
لَيْسَ بِالْهَزْلِ
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس فِي
قَوْله: {إِنَّه لقَوْل فصل} قَالَ: حق {وَمَا هُوَ
بِالْهَزْلِ} قَالَ: بِالْبَاطِلِ وَفِي قَوْله: {أمهلهم
رويداً} قَالَ: قَرِيبا
(8/477)
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن السّديّ فِي
قَوْله: {فمهل الْكَافرين أمهلهم رويداً} قَالَ: أمهلهم حَتَّى
آمُر بِالْقِتَالِ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة والدارمي وَالتِّرْمِذِيّ وَمُحَمّد بن
نصر وَابْن الْأَنْبَارِي فِي الْمَصَاحِف عَن الْحَارِث
الْأَعْوَر قَالَ: دخلت الْمَسْجِد فَإِذا النَّاس قد وَقَعُوا
فِي الْأَحَادِيث فَأتيت عليّاً فَأَخْبَرته فَقَالَ: أوقد
فَعَلُوهَا سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
يَقُول: إِنَّهَا سَتَكُون فتْنَة قلت: فَمَا الْمخْرج مِنْهَا
يَا رَسُول الله قَالَ: كتاب الله فِيهِ نبأ من قبلكُمْ وَخبر
من بعدكم وَحكم مَا بَيْنكُم هُوَ الْفَصْل لَيْسَ بِالْهَزْلِ
من تَركه من جَبَّار قصمه الله وَمن ابْتغى الْهدى فِي غَيره
أضلّهُ الله وَهُوَ حَبل الله المتين وَهُوَ الذّكر الْحَكِيم
وَهُوَ الصِّرَاط الْمُسْتَقيم هُوَ الَّذِي لَا تزِيغ بِهِ
الْأَهْوَاء وَلَا تشبع مِنْهُ الْعلمَاء وَلَا تَلْتَبِس
مِنْهُ الألسن وَلَا يخلق من الرَّد وَلَا تَنْقَضِي عجائبه
هُوَ الَّذِي لم تَنْتَهِ الْجِنّ إِذْ سمعته حَتَّى قَالُوا:
(إِنَّا سمعنَا قُرْآنًا عجبا يهدي إِلَى الرشد) من قَالَ بِهِ
صدق وَمن حكم بِهِ عدل وَمن عمل بِهِ أجر وَمن دَعَا إِلَيْهِ
هُدِيَ إِلَى صِرَاط مُسْتَقِيم
وَأخرج مُحَمَّد بن نصر وَالطَّبَرَانِيّ عَن معَاذ بن جبل
قَالَ: ذكر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْمًا
الْفِتَن فَعَظَّمَهَا وَشَدَّدَهَا فَقَالَ عَليّ بن أبي
طَالب: يَا رَسُول الله فَمَا الْمخْرج مِنْهَا قَالَ: كتاب
الله فِيهِ الْمخْرج فِيهِ حَدِيث مَا قبلكُمْ ونبأ مَا بعدكم
وَفصل مَا بَيْنكُم من تَركه من جَبَّار يقصمه الله وَمن
يَبْتَغِي الْهدى فِي غَيره يضله الله وَهُوَ حَبل الله المتين
وَالذكر الْحَكِيم والصراط الْمُسْتَقيم
هُوَ الَّذِي لما سمعته الْجِنّ لم تتناه أَن قَالُوا: (إِنَّا
سمعنَا قُرْآنًا عجبا يهدي إِلَى الرشد) هُوَ الَّذِي لَا
تخْتَلف بِهِ الألسن وَلَا تخلقه كَثْرَة الرَّد
(8/478)
87
سُورَة الْأَعْلَى
مَكِّيَّة وآياتها تسع عشرَة بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
الْآيَة 1 - 19
(8/479)
سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ
الْأَعْلَى (1) الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى (2) وَالَّذِي قَدَّرَ
فَهَدَى (3) وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى (4) فَجَعَلَهُ
غُثَاءً أَحْوَى (5) سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى (6) إِلَّا
مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى
(7) وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى (8) فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ
الذِّكْرَى (9) سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى (10)
وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى (11) الَّذِي يَصْلَى النَّارَ
الْكُبْرَى (12) ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى (13)
قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى (14) وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ
فَصَلَّى (15) بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (16)
وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى (17) إِنَّ هَذَا لَفِي
الصُّحُفِ الْأُولَى (18) صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى (19)
أخرج ابْن الضريس والنحاس وَابْن
مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: نزلت
سُورَة {سبح} بِمَكَّة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عبد الله بن الزبير قَالَ: أنزلت
سُورَة {سبح اسْم رَبك الْأَعْلَى} بِمَكَّة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عَائِشَة قَالَت: نزلت سُورَة {سبح
اسْم رَبك} بِمَكَّة
وَأخرج ابْن سعد وَابْن أبي شيبَة وَالْبُخَارِيّ عَن الْبَراء
بن عَازِب قَالَ: أول من قدم علينا من أَصْحَاب النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم مُصعب بن عُمَيْر وَابْن أم مَكْتُوم
فَجعلَا يقرئاننا الْقُرْآن ثمَّ جَاءَ عمار وبلال وَسعد ثمَّ
جَاءَ عمر بن الْخطاب فِي عشْرين ثمَّ جَاءَ
(8/479)
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَمَا
رَأَيْت أهل الْمَدِينَة فرحوا بِشَيْء فَرَحهمْ بِهِ حَتَّى
رَأَيْت الولائد وَالصبيان يَقُولُونَ: هَذَا رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم قد جَاءَ فَمَا جَاءَ حَتَّى قَرَأت {سبح
اسْم رَبك الْأَعْلَى} فِي سور مثلهَا
وَأخرج أَحْمد وَالْبَزَّار وَابْن مرْدَوَيْه عَن عَليّ
قَالَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يحب هَذِه
السُّورَة {سبح اسْم رَبك الْأَعْلَى}
وَأخرج أَبُو عبيد عَن تَمِيم قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم: إِنِّي نسيت أفضل المسبحات فَقَالَ أبيّ
بن كَعْب فلعلها {سبح اسْم رَبك الْأَعْلَى} قَالَ: نعم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد
وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة عَن النُّعْمَان
بن بشير أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يقْرَأ
فِي الْعِيدَيْنِ وَيَوْم الْجُمُعَة ب {سبح اسْم رَبك
الْأَعْلَى} و (هَل أَتَاك حَدِيث الغاشية) (سُورَة الغاشية
الْآيَة 1) وَإِن وَافق يَوْم الْجُمُعَة قرأهما جَمِيعًا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن ماجة عَن أبي عتبَة
الْخَولَانِيّ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ
يقْرَأ فِي الْجُمُعَة ب {سبح اسْم رَبك الْأَعْلَى} و (هَل
أَتَاك حَدِيث الغاشية)
وَأخرج ابْن ماجة عَن ابْن عَبَّاس أَن النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يقْرَأ فِي الْعِيد ب {سبح اسْم رَبك
الْأَعْلَى} و (هَل أَتَاك حَدِيث الغاشية)
وَأخرج أَحْمد وَابْن ماجة وَالطَّبَرَانِيّ عَن سَمُرَة بن
جُنْدُب أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يقْرَأ
فِي الْعِيدَيْنِ ب {سبح اسْم رَبك الْأَعْلَى} و (هَل أَتَاك
حَدِيث الغاشية)
وَأخرج الْبَزَّار عَن أنس أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم كَانَ يقْرَأ فِي الظّهْر وَالْعصر ب {سبح اسْم رَبك
الْأَعْلَى} و (هَل أَتَاك حَدِيث الغاشية)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَمُسلم عَن جَابر بن سَمُرَة أَن
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يقْرَأ فِي الظّهْر ب
{سبح اسْم رَبك الْأَعْلَى}
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَمُسلم وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن
عمرَان بن حُصَيْن أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صلى
الظّهْر فَلَمَّا سلم قَالَ: هَل قَرَأَ أحد مِنْكُم ب {سبح
اسْم رَبك الْأَعْلَى} فَقَالَ رجل: أَنا
قَالَ: قد علمت أَن بَعْضكُم خالجنيها
وَأخرج أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَابْن حبَان
وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبيّ بن
كَعْب قَالَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُوتر
ب {سبح اسْم رَبك الْأَعْلَى} و (قل يَا أَيهَا الْكَافِرُونَ)
(سُورَة الْكَافِرُونَ الْآيَة 1)
(8/480)
وَأخرج أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ
وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَالْحَاكِم وَصَححهُ
وَالْبَيْهَقِيّ عَن عاشة قَالَت: كَانَ رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم يقْرَأ فِي الْوتر فِي الرَّكْعَة الأولى ب
{سبح} وَفِي الثَّانِيَة (قل يَا أَيهَا الْكَافِرُونَ) وَفِي
الثَّالِثَة (قل هُوَ الله أحد) (سُورَة الأخلاص الْآيَة 1)
والمعوذتين
وَأخرج الْبَزَّار عَن ابْن عمر أَن النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يقْرَأ فِي الْوتر ب {سبح اسْم رَبك
الْأَعْلَى} و (قل يَا أَيهَا الْكَافِرُونَ) و (قل هُوَ الله
أحد)
وَأخرج مُحَمَّد بن نصر عَن أنس مثله
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن جَابر بن عبد الله قَالَ: أمَّ
معَاذ قوما فِي صَلَاة الْمغرب فَمر بِهِ غُلَام من
الْأَنْصَار وَهُوَ يعْمل على بعير لَهُ فَأطَال بهم معَاذ
فَلَمَّا رأى ذَلِك الْغُلَام ترك الصَّلَاة وَانْطَلق فِي طلب
بعيره فَرفع ذَلِك إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فَقَالَ: أفتان أَنْت يَا معَاذ أَلا يقْرَأ أحدكُم فِي
الْمغرب ب {سبح اسْم رَبك الْأَعْلَى} {وَالشَّمْس وَضُحَاهَا}
وَأخرج ابْن ماجة عَن جَابر أَن معَاذ بن جبل صلى
بِأَصْحَابِهِ الْعشَاء فطول عَلَيْهِم فَقَالَ النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم: اقْرَأ (بالشمس وَضُحَاهَا) و {سبح اسْم
رَبك الْأَعْلَى} {وَاللَّيْل إِذا يغشى} سُورَة اللَّيْل
الْآيَة 1 و {سبح اسْم رَبك الْأَعْلَى}
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قُلْنَا يَا
رَسُول الله كَيفَ نقُول فِي سجودنا فَأنْزل الله {سبح اسْم
رَبك الْأَعْلَى} فَأمرنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم أَن نقُول فِي سجودنا سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى
وَأخرج ابْن سعد عَن الْكَلْبِيّ قَالَ: وَفد حضرمي بن عَامر
على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ لَهُ النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَتَقْرَأُ شَيْئا من الْقُرْآن
فَقَرَأَ {سبح اسْم رَبك الْأَعْلَى الَّذِي خلق فسوّى
وَالَّذِي قدر فهدى} وَالَّذِي أمتن على الحبلى فَأخْرج
مِنْهَا نسمَة تسْعَى بَين شغَاف وحشا
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا تزيدنّ
فِيهَا فَإِنَّهَا شافية كَافِيَة
أخرج أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَابْن ماجة وَابْن الْمُنْذر
وَابْن مرْدَوَيْه عَن عقبَة بن عَامر الْجُهَنِيّ قَالَ: لما
أنزلت (فسبح باسم رَبك الْعَظِيم) (سُورَة الْوَاقِعَة الْآيَة
74) قَالَ لنا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم:
اجْعَلُوهَا فِي ركوعكم فَلَمَّا نزلت {سبح اسْم رَبك
الْأَعْلَى} قَالَ: اجْعَلُوهَا فِي سُجُودكُمْ
(8/481)
وَأخرج أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَابْن
مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن ابْن عَبَّاس أَن
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ إِذا قَرَأَ {سبح
اسْم رَبك الْأَعْلَى} قَالَ: سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن
جرير عَن ابْن عَبَّاس أَنه كَانَ إِذا قَرَأَ {سبح اسْم رَبك
الْأَعْلَى} قَالَ: سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى
وَأخرج عبد بن حميد عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: إِذا قَرَأت {سبح
اسْم رَبك الْأَعْلَى} فَقل: سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن
الْأَنْبَارِي فِي الْمَصَاحِف عَن عَليّ بن أبي طَالب أَنه
قَرَأَ {سبح اسْم رَبك الْأَعْلَى} فَقَالَ: سُبْحَانَ رَبِّي
الْأَعْلَى وَهُوَ فِي الصَّلَاة فَقيل لَهُ: أتزيد فِي
الْقُرْآن قَالَ: لَا إِنَّمَا أمرنَا بِشَيْء فقلته
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَسَعِيد بن مَنْصُور وَابْن أبي شيبَة
وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عنأبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ
أَنه قَرَأَ فِي الْجُمُعَة {سبح اسْم رَبك الْأَعْلَى}
فَقَالَ: سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن
الْمُنْذر وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن سعيد بن جُبَير قَالَ:
سَمِعت ابْن عمر يقْرَأ / سُبْحَانَ اسْم رَبك الْأَعْلَى /
فَقَالَ: سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى
قَالَ: كَذَلِك هِيَ قِرَاءَة أبيّ بن كَعْب
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد عَن عبد الله بن الزبير
أَنه قَرَأَ {سبح اسْم رَبك الْأَعْلَى} فَقَالَ: سُبْحَانَ
رَبِّي الْأَعْلَى وَهُوَ فِي الصَّلَاة
وَأخرج عبد بن حميد عَن الضَّحَّاك أَنه كَانَ يقْرؤهَا
كَذَلِك وَيَقُول: من قَرَأَهَا فَلْيقل سُبْحَانَ رَبِّي
الْأَعْلَى
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة قَالَ: ذكر أَن النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ إِذا قَرَأَهَا قَالَ: سُبْحَانَ
رَبِّي الْأَعْلَى
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عمر أَنه كَانَ إِذا قَرَأَ {سبح
اسْم رَبك الْأَعْلَى} قَالَ: سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى
أخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن
الْمُنْذر وَابْن حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {وَالَّذِي
قدر فهدى} قَالَ: هدى الإنسن للشقوة والسعادة وَهدى
الْأَنْعَام لمراتعها
(8/482)
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن
إِبْرَاهِيم {وَالَّذِي أخرج المرعى} قَالَ: النَّبَات
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي
قَوْله: {فَجعله غثاء} قَالَ: هشيماً {أحوى} قَالَ: متغيراً
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن
قَتَادَة فِي قَوْله: {فَجعله غثاء أحوى} قَالَ: الغثاء
الشَّيْء الْبَالِي و {أحوى} قَالَ: أصفر وأخضر وأبيض ثمَّ
ييبس حَتَّى يكون يَابسا بعد خضرَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد {فَجعله
غثاء أحوى} قَالَ: غثاء السَّيْل و {أحوى} قَالَ: أسود
قَوْله: تَعَالَى: {سنقرئك فَلَا تنسى} الْآيَات
أخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي
حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {سنقرئك فَلَا تنسى} قَالَ:
كَانَ يتَذَكَّر الْقُرْآن فِي نَفسه مَخَافَة أَن ينسى
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس
قَالَ: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا أَتَاهُ
جِبْرِيل بِالْوَحْي لم يفرغ جِبْرِيل من الْوَحْي حَتَّى يزمل
من ثقل الْوَحْي حَتَّى يتَكَلَّم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم بأوله مَخَافَة أَن يغشى عَلَيْهِ فينسى فَقَالَ لَهُ
جِبْرِيل: لم تفعل ذَلِك قَالَ مَخَافَة أَن أنسى
فَأنْزل الله {سنقرئك فَلَا تنسى إِلَّا مَا شَاءَ الله} فَإِن
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نسي آيَات من الْقُرْآن
لَيْسَ بحلال وَلَا حرَام ثمَّ قَالَ لَهُ جِبْرِيل: إِنَّه لم
ينزل على نَبِي قبلك إِلَّا نسي وَإِلَّا رفع بعضه وَذَلِكَ
أَن مُوسَى أهبط الله عَلَيْهِ ثَلَاثَة عشر سفرا فَلَمَّا
ألْقى الألواح انْكَسَرت وَكَانَت من زمرد فَذهب أَرْبَعَة
أسفار وَبَقِي تِسْعَة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كَانَ
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يستذكر الْقُرْآن فخافة أَن
ينساه فَقيل لَهُ: كَفَيْنَاك ذَلِك وَنزلت {سنقرئك فَلَا
تنسى}
وَأخرج الْحَاكِم عَن سعد بن أبي وَقاص نَحوه
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس
{سنقرئك فَلَا تنسى إِلَّا مَا شَاءَ الله} يَقُول إِلَّا مَا
شِئْت أَنا فأنسيك
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن
قَتَادَة فِي قَوْله: {سنقرئك فَلَا تنسى إِلَّا مَا شَاءَ
الله} قَالَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا
ينسى شَيْئا إِلَّا مَا شَاءَ الله {إِنَّه يعلم الْجَهْر
وَمَا يخفى} قَالَ: الوسوسة
(8/483)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن أبي حَاتِم
عَن سعيد بن جُبَير {إِنَّه يعلم الْجَهْر وَمَا يخفى} قَالَ:
مَا أخفيت فِي نَفسك
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {ونيسرك
لليسرى} قَالَ: للخير
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي
حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {سَيذكرُ من يخْشَى ويتجنبها
الأشقى} قَالَ: وَالله مَا خشِي الله عبد قطّ إِلَّا ذكره
وَلَا يتنكب عبد هَذَا الذّكر زهداً فِيهِ وبغضاً لَهُ ولأهله
إِلَّا شقي بَين الأشقياء
قَوْله: تَعَالَى: {قد أَفْلح من تزكّى} الْآيَة
أخرج الْبَزَّار وَابْن مرْدَوَيْه عَن جَابر بن عبد الله عَن
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: فِي قَوْله: {قد أَفْلح من
تزكّى} قَالَ: من شهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وخلع الأنداد
وَشهد أَنِّي رَسُول الله {وَذكر اسْم ربه فصلى} قَالَ: هِيَ
الصَّلَوَات الْخمس والمحافظة عَلَيْهَا والاهتمام بمواقيتها
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن
عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {قد أَفْلح من
تزكّى} قَالَ: من الشّرك {وَذكر اسْم ربه} قَالَ: وحد الله
{فصلى} قَالَ: الصَّلَوَات الْخمس
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي
حَاتِم وَأَبُو نعيم فِي الْحِلْية عَن عِكْرِمَة رَضِي الله
عَنهُ فِي قَوْله: {قد أَفْلح من تزكّى} قَالَ: من قَالَ لَا
إِلَه إِلَّا الله
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات من طَرِيق
عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله:
{قد أَفْلح من تزكّى} قَالَ: من قَالَ لَا إِلَه إِلَّا الله
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن عَطاء رَضِي الله
عَنهُ قَالَ: {قد أَفْلح من تزكّى} قَالَ: من آمن
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عَطاء رَضِي الله عَنهُ قَالَ: {قد
أَفْلح من تزكّى} قَالَ: من أَكثر الاسْتِغْفَار
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن
قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {قد أَفْلح من تزكّى}
قَالَ: بِعَمَل صَالح
(8/484)
وَأخرج الْبَزَّار وَابْن أبي حَاتِم
وَالْحَاكِم فِي الكنى وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي
سنَنه بِسَنَد ضَعِيف عَن كثير بن عبد الله بن عَمْرو بن عَوْف
عَن أَبِيه عَن جده عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه
كَانَ يَأْمر بِزَكَاة الْفطر قبل أَن يُصَلِّي صَلَاة الْعِيد
وَيَتْلُو هَذِه الْآيَة {قد أَفْلح من تزكّى وَذكر اسْم ربه
فصلى} وَفِي لفظ قَالَ: سُئِلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم عَن زَكَاة الْفطر قَالَ: {قد أَفْلح من تزكّى} فَقَالَ:
هِيَ زَكَاة الْفطر
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِي الله
عَنهُ قَالَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
يَقُول: {قد أَفْلح من تزكّى وَذكر اسْم ربه فصلى} ثمَّ يقسم
الْفطْرَة قبل أَن يَغْدُو إِلَى الْمصلى يَوْم الْفطر
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ
رَضِي الله عَنهُ {قد أَفْلح من تزكّى} قَالَ: أعْطى صَدَقَة
الْفطر قبل أَن يخرج إِلَى الْعِيد {وَذكر اسْم ربه فصلى}
قَالَ: خرج إِلَى الْعِيد فصلى
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن أبي
سعيد الْخُدْرِيّ رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {قد أَفْلح من
تزكّى} قَالَ: زَكَاة الْفطر
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ أَن عبد
الله بن عمر كَانَ يقدم صَدَقَة الْفطر حِين يَغْدُو ثمَّ
يَغْدُو وَهُوَ يَتْلُو {قد أَفْلح من تزكّى وَذكر اسْم ربه
فصلى}
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ عَن نَافِع عَن ابْن
عمر رَضِي الله عَنهُ قَالَ: إِنَّمَا أنزلت هَذِه الْآيَة فِي
إِخْرَاج صَدَقَة الْفطر قبل صَلَاة الْعِيد {قد أَفْلح من
تزكّى وَذكر اسْم ربه فصلى}
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن وَاثِلَة بن الْأَسْقَع رَضِي الله
عَنهُ فِي قَوْله: {قد أَفْلح من تزكّى} الْآيَة قَالَ:
إِلْقَاء الْقَمْح قبل الصَّلَاة يَوْم الْفطر فِي الْمصلى
وَأخرج عبد بن حميد وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي الْعَالِيَة رَضِي
الله عَنهُ فِي قَوْله: {قد أَفْلح من تزكّى وَذكر اسْم ربه
فصلى} قَالَ: نزلت فِي صَدَقَة الْفطر تزكي ثمَّ تصلي
وَأخرج ابْن جرير عَن أبي خلدَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: دخلت
على أبي الْعَالِيَة فَقَالَ لي إِذا غَدَوْت غَدا إِلَى
الْعِيد فَمر بِي
قَالَ: فمررت بِهِ فَقَالَ: هَل طعمت شَيْئا
قلت: نعم
قَالَ: فَأَخْبرنِي مَا فعلت زكاتك قلت: قد وجهتها
قَالَ: إِنَّمَا
(8/485)
أردتك لهَذَا ثمَّ قَرَأَ {قد أَفْلح من
تزكّى وَذكر اسْم ربه فصلى} وَقَالَ: إِن أهل الْمَدِينَة لَا
يرَوْنَ صَدَقَة أفضل مِنْهَا وَمن سِقَايَة المَاء
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عَطاء رَضِي الله عَنهُ {قد أَفْلح
من تزكّى} قَالَ: أدّى زَكَاة الْفطر
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُحَمَّد بن سِيرِين رَضِي الله
عَنهُ فِي قَوْله: {قد أَفْلح من تزكّى} قَالَ: أدّى صَدَقَة
الْفطر ثمَّ خرج فصلى بَعْدَمَا أدّى
وَأخرج عبد بن حميد عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ رَضِي الله
عَنهُ قَالَ: قدم الزَّكَاة مَا اسْتَطَعْت يَوْم الْفطر ثمَّ
قَرَأَ {قد أَفْلح من تزكّى وَذكر اسْم ربه فصلى}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عَطاء رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قلت
لِابْنِ عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا: أَرَأَيْت قَوْله: {قد
أَفْلح من تزكّى} للفطر قَالَ: لم أسمع بذلك وَلَكِن الزَّكَاة
كلهَا ثمَّ عاودته فِيهَا فَقَالَ لي: وَالصَّدقَات كلهَا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير رَضِي الله عَنهُ
{قد أَفْلح من تزكّى} يَعْنِي من مَاله
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {قد أَفْلح
من تزكّى} قَالَ: تزكّى رجل من مَاله وتزكى رجل من خلقه
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد
وَابْن جرير عَن أبي الْأَحْوَص رَضِي الله عَنهُ قَالَ: رحم
الله امْرأ تصدق ثمَّ صلى ثمَّ قَرَأَ {قد أَفْلح من تزكّى}
الْآيَة وَلَفظ ابْن أبي شيبَة من اسْتَطَاعَ أَن يقدم بَين
يَدي صلَاته صَدَقَة فَلْيفْعَل
فَإِن الله يَقُول وَذكر الْآيَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن أبي الْأَحْوَص رَضِي
الله عَنهُ قَالَ: لَو أَن الَّذِي يتَصَدَّق بِالصَّدَقَةِ
صلى رَكْعَتَيْنِ ثمَّ قَرَأَ {قد أَفْلح من تزكّى} الْآيَة
وَأخرج زيد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي
حَاتِم من طَرِيق أبي الْأَحْوَص عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله
عَنهُ قَالَ: إِذا خرج أحدكُم يُرِيد الصَّلَاة فَلَا عَلَيْهِ
أَن يتَصَدَّق بِشَيْء لِأَن الله يَقُول: {قد أَفْلح من تزكّى
وَذكر اسْم ربه فصلى}
(8/486)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن أبي الْأَحْوَص
رَضِي الله عَنهُ {قد أَفْلح من تزكّى} قَالَ: من رضخ
أخرج عبد بن حميد عَن أبن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ أَنه
كَانَ يقْرَأ / بل تؤثرون الْحَيَاة الدُّنْيَا على الْآخِرَة
/
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالطَّبَرَانِيّ
وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن عرْفجَة الثَّقَفِيّ
قَالَ: استقرأت ابْن مَسْعُود {سبح اسْم رَبك الْأَعْلَى}
فَلَمَّا بلغ {بل تؤثرون الْحَيَاة الدُّنْيَا} ترك
الْقِرَاءَة وَأَقْبل على أَصْحَابه فَقَالَ: آثرنا الدُّنْيَا
على الْآخِرَة فَسكت الْقَوْم
فَقَالَ: آثرنا الدُّنْيَا لأَنا رَأينَا زينتها ونساءها
وطعامها وشرابها وزويت عَنَّا الْآخِرَة فاخترنا هَذَا العاجل
وَتَركنَا الآجل وَقَالَ: بل يؤثرون بِالْيَاءِ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن
قَتَادَة {خزي فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا} قَالَ: اخْتَار
النَّاس العاجلة إِلَّا من عصم الله {وَالْآخِرَة خير} فِي
الْخَيْر {وَأبقى} فِي الْبَقَاء
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن
عِكْرِمَة {بل تؤثرون الْحَيَاة الدُّنْيَا} قَالَ: يَعْنِي
هَذِه الْأمة وَإِنَّكُمْ ستؤثرون الْحَيَاة الدُّنْيَا
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن أنس رَضِي الله
عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا
إِلَه إِلَّا الله تمنع الْعباد من سخط الله مَا لم يؤثروا
صَفْقَة دنياهم على دينهم فَإِذا آثروا صَفْقَة دنياهم ثمَّ
قَالُوا: لَا إِلَه إِلَّا الله ردَّتْ عَلَيْهَا وَقَالَ الله
كَذبْتُمْ
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنهُ أَن
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لَا يلقى الله أحد
بِشَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ
إِلَّا دخل الْجنَّة مَا لم يخلط مَعهَا غَيرهَا رددها
ثَلَاثًا قَالَ: قَائِل من قاصية النَّاس: بِأبي أَنْت وَأمي
يَا رَسُول الله: وَمَا يخلط مَعهَا غَيرهَا قَالَ: حب
الدُّنْيَا وأثرة لَهَا وجمعا لَهَا ورضا بهَا وَعمل الجبارين
وَأخرج أَحْمد عَن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ رَضِي الله عَنهُ
أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: من أحب
دُنْيَاهُ أضرّ بآخرته وَمن أحب آخرته أضرَّ بدنياه فآثروا مَا
يبْقى على مَا يفنى
وَأخرج أَحْمد عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت: قَالَ
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: الدُّنْيَا
(8/487)
دَار من لَا دَار لَهُ وَمَال من لَا مَال
لَهُ لَهَا يجمع من لَا عقل لَهُ
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا وَالْبَيْهَقِيّ عَن مُوسَى بن
يسَار رَضِي الله عَنهُ أَنه بلغه أَن النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِن الله جلّ ثَنَاؤُهُ لم يخلق خلقا
أبْغض إِلَيْهِ من الدُّنْيَا وَإنَّهُ مُنْذُ خلقهَا لم ينظر
إِلَيْهَا
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ قَالَ:
قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: حب الدُّنْيَا
رَأس كل خَطِيئَة
أخرج الْبَزَّار وَابْن الْمُنْذر وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن
مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: لما
نزلت {إِن هَذَا لفي الصُّحُف الأولى صحف إِبْرَاهِيم ومُوسَى}
قَالَ: رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: هِيَ كلهَا فِي
صحف إِبْرَاهِيم ومُوسَى
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر
وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي
الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {إِن هَذَا لفي الصُّحُف الأولى}
قَالَ: نسخت هَذِه السُّورَة من صحف إِبْرَاهِيم ومُوسَى
وَلَفظ سعيد: هَذِه السُّورَة فِي صحف إِبْرَاهِيم ومُوسَى
وَلَفظ ابْن مرْدَوَيْه: وَهَذِه السُّورَة وَقَوله:
(وَإِبْرَاهِيم الَّذِي وفى) (سُورَة النَّجْم الْآيَة 37)
إِلَى آخر السُّورَة من صحف إِبْرَاهِيم ومُوسَى
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ أَن هَذِه السُّورَة فِي
صحف إِبْرَاهِيم ومُوسَى مثل مَا نزلت على النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن أبي الْعَالِيَة رَضِي
الله عَنهُ {إِن هَذَا لفي الصُّحُف الأولى} يَقُول: قصَّة
هَذِه السُّورَة فِي الصُّحُف الأولى
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن
قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {إِن هَذَا لفي الصُّحُف الأولى}
قَالَ: تَتَابَعَت كتب الله كَمَا تَسْمَعُونَ إِن الْآخِرَة
خير وَأبقى
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله
عَنهُ {إِن هَذَا لفي الصُّحُف الأولى} الْآيَة قَالَ: فِي
الصُّحُف الأولى إِن الْآخِرَة خير من الدُّنْيَا
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن عِكْرِمَة
رَضِي الله عَنهُ {إِن هَذَا لفي الصُّحُف الأولى} قَالَ: هُوَ
الْآيَات
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ {إِن
هَذَا لفي الصُّحُف الأولى} قَالَ: فِي كتب الله كلهَا
(8/488)
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن مرْدَوَيْه
وَابْن عَسَاكِر عَن أبي ذَر رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قلت يَا
رَسُول الله كم أنزل الله من كتاب قَالَ مائَة كتاب
وَأَرْبَعَة كتب أنزل على شِيث خمسين صحيفَة وعَلى ادريس
ثَلَاثِينَ صحيفَة وعَلى إِبْرَاهِيم عشر صَحَائِف وعَلى
مُوسَى قبل التَّوْرَاة عشر صَحَائِف وَأنزل التَّوْرَاة
والإِنجيل وَالزَّبُور وَالْفرْقَان
قلت يَا رَسُول الله: فَمَا كَانَت صحف إِبْرَاهِيم قَالَ:
أَمْثَال كلهَا أَيهَا الْملك المتسلط المبتلي الْمَغْرُور لم
أَبْعَثك لِتجمع الدُّنْيَا بَعْضهَا على بعض وَلَكِن
بَعَثْتُك لِترد عني دَعْوَة الْمَظْلُوم فَإِنِّي لَا أردهَا
لِتجمع الدُّنْيَا بَعْضهَا على بعض وَلَكِن بَعَثْتُك لِترد
عني دَعْوَة الْمَظْلُوم فَإِنِّي لَا أردهَا وَلَو كَانَت من
كَافِر وعَلى الْعَاقِل مَا لم يكن مَغْلُوبًا على عقله أَن
يكون لَهُ ثَلَاث سَاعَات سَاعَة يُنَاجِي فِيهَا ربه وَسَاعَة
يُحَاسب فِيهَا نَفسه ويتفكر فِيمَا صنع وَسَاعَة يَخْلُو
فِيهَا لِحَاجَتِهِ من الْحَلَال فَإِن فِي هَذِه السَّاعَة
عوناً لتِلْك السَّاعَات واستجماعاً للقلوب وتفريغاً لَهَا
وعَلى الْعَاقِل أَن يكون بَصيرًا بِزَمَانِهِ مُقبلا على
شَأْنه حَافِظًا لِلِسَانِهِ فَإِن من حسب كَلَامه من عمله أقل
الْكَلَام إِلَّا فِيمَا يعنيه وعَلى الْعَاقِل أَن يكون
طَالبا لثلاث مرمة لِمَعَاش أَو تزوّد لِمَعَاد أَو تلذذ فِي
غير محرم
قلت يَا رَسُول الله: فَمَا كَانَت صحف مُوسَى قَالَ: كَانَت
عبرا كلهَا عجبت لمن أَيقَن بِالْمَوْتِ كَيفَ يفرح وَلمن
أَيقَن بِالْمَوْتِ ثمَّ يضْحك وَلمن يرى الدُّنْيَا
وَتَقَلُّبهَا بِأَهْلِهَا ثمَّ يطمئن إِلَيْهَا وَلمن أَيقَن
بِالْقدرِ ثمَّ ينصب وَلمن أَيقَن بِالْحِسَابِ ثمَّ لَا يعْمل
قلت يَا رَسُول الله: هَل أنزل عَلَيْك شَيْء مِمَّا كَانَ فِي
صحف إِبْرَاهِيم ومُوسَى قَالَ: يَا أَبَا ذَر نعم {قد أَفْلح
من تزكّى وَذكر اسْم ربه فصلى بل تؤثرون الْحَيَاة الدُّنْيَا
وَالْآخِرَة خير وَأبقى إِن هَذَا لفي الصُّحُف الأولى صحف
إِبْرَاهِيم ومُوسَى}
وَأخرج الْبَغَوِيّ فِي مُعْجَمه عَن عبد الرَّحْمَن ابْن أبي
سُبْرَة رَضِي الله عَنهُ أَنه أَتَى النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم مَعَ أَبِيه فَسَأَلَهُ عَن أَشْيَاء فَقَالَ:
يَا رَسُول الله كم توتر قَالَ: بِثَلَاث رَكْعَات تقْرَأ
فِيهَا ب {سبح اسْم رَبك الْأَعْلَى} و (قل يَا أَيهَا
الْكَافِرُونَ) (سُورَة الْكَافِرُونَ الْآيَة 1) و (قل هُوَ
الله أحد) (سُورَة الْإِخْلَاص الْآيَة 1)
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن عبد الله بن الْحَارِث بن عبد
الْمطلب قَالَ: صَلَاة صلاهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم لنا الْمغرب فَقَرَأَ فِي الرَّكْعَة الأولى {سبح اسْم
رَبك الْأَعْلَى} وَفِي الثَّانِيَة: ب (قل يَا أَيهَا
الْكَافِرُونَ)
(8/489)
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
88
سُورَة الغاشية
مَكِّيَّة وآياتها سِتّ وَعِشْرُونَ
مُقَدّمَة السُّورَة أخرج ابْن الضريس والنحاس وَابْن
مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله
عَنْهُمَا قَالَ: نزلت سُورَة الغاشية بِمَكَّة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن الزبير مثله
الْآيَة 1 - 26
(8/490)
هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ
الْغَاشِيَةِ (1) وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ (2) عَامِلَةٌ
نَاصِبَةٌ (3) تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً (4) تُسْقَى مِنْ
عَيْنٍ آنِيَةٍ (5) لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ
(6) لَا يُسْمِنُ وَلَا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ (7) وُجُوهٌ
يَوْمَئِذٍ نَاعِمَةٌ (8) لِسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ (9) فِي
جَنَّةٍ عَالِيَةٍ (10) لَا تَسْمَعُ فِيهَا لَاغِيَةً (11)
فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ (12) فِيهَا سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ (13)
وَأَكْوَابٌ مَوْضُوعَةٌ (14) وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ (15)
وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ (16) أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى
الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ (17) وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ
رُفِعَتْ (18) وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ (19)
وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ (20) فَذَكِّرْ إِنَّمَا
أَنْتَ مُذَكِّرٌ (21) لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ (22)
إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ (23) فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ
الْعَذَابَ الْأَكْبَرَ (24) إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ (25)
ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ (26)
وَأخرج مَالك وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد
وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة عَن النُّعْمَان بن بشير أَنه
سُئِلَ بِمَ كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقْرَأ
فِي الْجُمُعَة مَعَ سُورَة الْجُمُعَة قَالَ: {هَل أَتَاك
حَدِيث الغاشية}
(8/490)
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن
أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ:
الغاشية الْقِيَامَة
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي {هَل أَتَاك حَدِيث
الغاشية} قَالَ: السَّاعَة {وُجُوه يَوْمئِذٍ خاشعة عاملة
ناصبة} قَالَ: تعْمل وتنصب فِي النَّار {تسقى من عين آنِية}
قَالَ: هِيَ الَّتِي قد طَال أنيها {لَيْسَ لَهُم طَعَام
إِلَّا من ضَرِيع} قَالَ: الشبرق
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن
الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة {هَل أَتَاك حَدِيث
الغاشية} قَالَ: حَدِيث السَّاعَة {وُجُوه يَوْمئِذٍ خاشعة}
قَالَ: ذليلة فِي النَّار {عاملة ناصبة} قَالَ: تكبرت فِي
الدُّنْيَا عَن طَاعَة الله فأعملها وأنصبها فِي النَّار {تسقى
من عين آنِية} قَالَ: إِنَاء طبخها مُنْذُ خلق الله
السَّمَوَات الأَرْض {لَيْسَ لَهُم طَعَام إِلَّا من ضَرِيع}
قَالَ: الشبرق شَرّ الطَّعَام وأبشعه وأخبثه
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير {وُجُوه يَوْمئِذٍ}
قَالَ: يَعْنِي فِي الْآخِرَة وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن
عَبَّاس {وُجُوه يَوْمئِذٍ خاشعة عاملة ناصبة} قَالَ: يَعْنِي
الْيَهُود وَالنَّصَارَى تخشع وَلَا ينفعها عَملهَا {تسقى من
عين آنِية} قَالَ: تدانى غليانه
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر وَالْحَاكِم عَن أبي
عمرَان الْجونِي قَالَ: مر عمربن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ
براهب فَوقف وَنُودِيَ الراهب فَقيل لَهُ: هَذَا أَمِير
الْمُؤمنِينَ فَاطلع فَإِذا إِنْسَان بِهِ من الضّر
وَالِاجْتِهَاد وَترك الدُّنْيَا فَلَمَّا رَآهُ عمر بَكَى
فَقيل لَهُ: إِنَّه نَصْرَانِيّ فَقَالَ: قد علمت وَلَكِنِّي
رَحمته ذكرت قَوْله الله {عاملة ناصبة تصلى نَارا حامية} فرحمت
نَصبه واجتهاده وَهُوَ فِي النَّار
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ فِي
قَوْله: {عاملة ناصبة} قَالَ: عاملة فِي الدُّنْيَا
بِالْمَعَاصِي تنصب فِي النَّار يَوْم الْقِيَامَة {إِلَّا من
ضَرِيع} قَالَ: الشبرق
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن
عَبَّاس فِي قَوْله: {تصلى نَارا حامية} قَالَ: حارة {تسقى من
عين آنِية} قَالَ: انْتهى حرهَا {لَيْسَ لَهُم طَعَام إِلَّا
من ضَرِيع} يَقُول: من شجر من نَار
(8/491)
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن
الْحسن رَضِي الله عَنهُ {من عين آنِية} قَالَ: قد أَنى طبخها
مُنْذُ خلق الله السَّمَوَات وَالْأَرْض وَأخرج الْفرْيَابِيّ
وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم
عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {من عين آنِية}
قَالَ: قد بلغت إناها وحان شربهَا وَفِي قَوْله: {إِلَّا من
ضَرِيع} قَالَ: الشبرق الْيَابِس
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ {من عين آنِية} قَالَ:
انْتهى حرهَا فَلَيْسَ فَوْقه حر
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد فِي قَوْله:
{آنِية} قَالَ: حَاضِرَة
وَأخرج عبد بن حميد عَن ابْن عَبَّاس {لَيْسَ لَهُم طَعَام
إِلَّا من ضَرِيع} قَالَ: الشبرق الْيَابِس
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ:
الضريع بلغَة قُرَيْش فِي الرّبيع الشبرق وَفِي الصَّيف الضريع
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن
عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: الضريع الشبرق شَجَرَة ذَات
شوك لاطئة بِالْأَرْضِ
وَأخرج ابْن شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي
حَاتِم عَن أبي الجوزاء قَالَ: الضريع السّلم وَهُوَ الشوك
وَكَيف يسمن من كَانَ طَعَامه الشوك
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن سعيد
بن جُبَير {إِلَّا من ضَرِيع} قَالَ: من حِجَارَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير
{إِلَّا من ضَرِيع} قَالَ: الزقوم
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي الدَّرْدَاء قَالَ: قَالَ
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يلقى على أهل النَّار
الْجُوع حَتَّى يعدل مَا هم فِيهِ من الْعَذَاب
فَيَسْتَغِيثُونَ بِالطَّعَامِ فَيُغَاثُونَ بِطَعَام {من
ضَرِيع لَا يسمن وَلَا يُغني من جوع}
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه بسندٍ واهٍ عَن ابْن عَبَّاس {لَيْسَ
لَهُم طَعَام إِلَّا من ضَرِيع} قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم: شَيْء يكون فِي النَّار شبه الشوك أَمر
من الصَّبْر وأنتن
(8/492)
من الجيفة وَأَشد حرا من النَّار سَمَّاهُ
الله الضريع إِذا طعمه صَاحبه لَا يدْخل الْبَطن وَلَا يرْتَفع
إِلَى الْفَم فَيبقى بَين ذَلِك وَلَا يُغني من جوع
أخرج عبد بن حميد عَن سعيد بن جُبَير أَنه قَرَأَ فِي سُورَة
الغاشية {متكئين فِيهَا} ناعمين فِيهَا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سُفْيَان فِي قَوْله: {لسعيها
راضية} قَالَ: رضيت عَملهَا
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَاصِم أَنه قَرَأَ {لَا تسمع فِيهَا}
بِالتَّاءِ وَنصب التَّاء لاغية مَنْصُوبَة منونة
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {لَا تسمع
فِيهَا لاغية} يَقُول: لَا تسمع أَذَى وَلَا بَاطِلا وَفِي
قَوْله: {فِيهَا سرر مَرْفُوعَة} قَالَ: بَعْضهَا فَوق بعض
{ونمارق} قَالَ: مجَالِس
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن
الْمُنْذر عَن مُجَاهِد {لَا تسمع فِيهَا لاغية} قَالَ: شتماً
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْأَعْمَش {لَا تسمع فِيهَا لاغية}
قَالَ: مؤذية
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي
حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {لَا تسمع فِيهَا لاغية}
قَالَ: لَا تسمع فِيهَا بَاطِلا وَلَا مأثماً وَفِي قَوْله:
{ونمارق} قَالَ: الوسائد وَفِي قَوْله: {مبثوثة} قَالَ: مبسوطة
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج {فِيهَا سرر مَرْفُوعَة}
قَالَ: مُرْتَفعَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنهُ فِي
قَوْله: {ونمارق} قَالَ: الوسائد {وزرابي} قَالَ: الْبسط
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي
الله عَنهُ فِي قَوْله: {ونمارق} قَالَ: الْمرَافِق
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ {وزرابي}
قَالَ: الْبسط
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة رَضِي
الله عَنهُ {وزرابيّ مبثوثة} قَالَ: بَعْضهَا على بعض
وَأخرج ابْن الْأَنْبَارِي فِي الْمَصَاحِف عَن عمار بن
مُحَمَّد قَالَ: صليت خلف
(8/493)
مَنْصُور بن الْمُعْتَمِر فَقَرَأَ {هَل
أَتَاك حَدِيث الغاشية} فَقَرَأَ فِيهَا {وزرابيّ مبثوثة}
متكئين فِيهَا ناعمين
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عبد الله بن أبي الْهُذيْل أَن
مُوسَى أَو غَيره من الْأَنْبِيَاء قَالَ: يَا رب كَيفَ يكون
هَذَا مِنْك أولياؤك فِي الأَرْض حائفون يقتلُون وَيطْلبُونَ
فَلَا يُعْطون وأعداؤك يَأْكُلُون مَا شاؤوا وَيَشْرَبُونَ مَا
شاؤوا وَنَحْو هَذَا
فَقَالَ: انْطَلقُوا بعبدي إِلَى الْجنَّة فَينْظر مَا لم ير
مثله قطّ إِلَى أكواب مَوْضُوعَة ونمارق مصفوفة وزرابيّ مبثوثة
وَإِلَى الْحور الْعين وَإِلَى الثِّمَار وَإِلَى الخدم
كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤ مَكْنُون
فَقَالَ: مَا ضرّ أوليائي مَا أَصَابَهُم فِي الدُّنْيَا إِذا
كَانَ مصيرهم إِلَى هَذَا ثمَّ قَالَ: انْطَلقُوا بعبدي هَذَا
فَانْطَلق بِهِ إِلَى النَّار فَخرج مِنْهَا عنق فَصعِقَ
العَبْد ثمَّ أَفَاق فَقَالَ: مَا نفع أعدائي مَا أَعطيتهم فِي
الدُّنْيَا إِذا كَانَ مصيرهم إِلَى هَذَا قَالَ: لَا شَيْء
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنهُ
قَالَ: قَالَ نَبِي من الْأَنْبِيَاء: اللَّهُمَّ العَبْد من
عبيدك يعبدك ويطيعك ويجتنب سخطك تزوي عَنهُ الدُّنْيَا وَتعرض
لَهُ الْبلَاء
وَالْعَبْد يعبد غَيْرك وَيعْمل بمعاصيك فتعرض لَهُ الدُّنْيَا
وتزوي عَنهُ الْبلَاء
قَالَ: فَأوحى الله إِلَيْهِ أَن الْعباد والبلاد لي كل يسبح
بحمدي فَأَما عَبدِي الْمُؤمن فَتكون لَهُ سيئات فَإِنَّمَا
أعرض لَهُ الْبلَاء وأزوي عَنهُ الدُّنْيَا فَتكون كَفَّارَة
لسيئاته وأجزيه إِذا لَقِيَنِي وَأما عَبدِي الْكَافِر فَتكون
لَهُ الْحَسَنَات فأزوي عَنهُ الْبلَاء وَأعْرض لَهُ
الدُّنْيَا فَيكون جَزَاء لحسناته وأجزيه بسيئاته حِين يلقاني
وَالله أعلم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن
قَتَادَة قَالَ: لما نعت الله مَا فِي الْجنَّة عجب من ذَلِك
أهل الضَّلَالَة فَأنْزل الله {أَفلا ينظرُونَ إِلَى الإِبل
كَيفَ خلقت} وَكَانَت الإِبل عَيْشًا من عَيْش الْعَرَب وخولاً
من خولهم {وَإِلَى السَّمَاء كَيفَ رفعت وَإِلَى الْجبَال
كَيفَ نصبت} قَالَ: تصعد إِلَى الْجَبَل الصخور عَامَّة يَوْمك
فَإِذا أفضت إِلَى أَعْلَاهُ أفضت إِلَى عُيُون منفجرة وأثمار
متهدلة لم تغرسه الْأَيْدِي وَلم تعمله النَّاس نعْمَة من الله
إِلَى أجل {وَإِلَى الأَرْض كَيفَ سطحت} أَي بسطت يَقُول: إِن
الَّذِي خلق هَذَا قَادر على أَن يخلق فِي الْجنَّة مَا
أَرَادَ
(8/494)
وَأخرج عبد بن حميد عَن شُرَيْح أَنه كَانَ
يَقُول لأَصْحَابه: أخرجُوا بِنَا إِلَى السُّوق فَنظر {إِلَى
الإِبل كَيفَ خلقت}
أخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَعبد بن حميد وَمُسلم
وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَابْن جرير
وَالْحَاكِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي
الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن جَابر قَالَ: قَالَ رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أمرت أَن أقَاتل النَّاس حَتَّى
يَقُولُوا لَا إِلَه إِلَّا الله فَإِذا قالوها عصموا مني
دِمَائِهِمْ وَأَمْوَالهمْ إِلَّا بِحَقِّهَا وحسابهم على الله
ثمَّ قَرَأَ {فَذكر إِنَّمَا أَنْت مُذَكّر لست عَلَيْهِم
بمصيطر}
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن جَابر قَالَ: قَرَأَ رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لست عَلَيْهِم بمصيطر بالصَّاد
وِأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن
مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {لست عَلَيْهِم
بمصيطر} يَقُول: بجبار فَاعْفُ عَنْهُم وأصفح
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن قَتَادَة {لست
عَلَيْهِم بمصيطر} قَالَ: بقاهر
أخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة {لست عَلَيْهِم
بمصيطر} قَالَ: كل عبَادي إليّ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ
{بمصيطر} قَالَ: بمسلط
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد
{لست عَلَيْهِم بمصيطر} قَالَ: جَبَّار {إِلَّا من تولى وَكفر}
قَالَ: حسابه على الله
وَأخرج أَبُو دَاوُد فِي ناسخه عَن ابْن عَبَّاس {لست
عَلَيْهِم بمصيطر} نسخ ذَلِك فَقَالَ: (فَاقْتُلُوا
الْمُشْركين حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ) (سُورَة التَّوْبَة
الْآيَة 5)
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {إِن
إِلَيْنَا إيابهم} قَالَ: مرجعهم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عَطاء مثله
وَأخرج الطستي عَن ابْن عَبَّاس إِن نَافِع بن الْأَزْرَق
قَالَ لَهُ: أَخْبرنِي عَن قَوْله: عزَّ وَجل {إِن إِلَيْنَا
إيابهم} قَالَ: الإِياب الْمرجع
قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم أماسمعت عبيد بن
الأبرص يَقُول:
(8/495)
وكل ذِي غيبَة يؤوب وغائب الْمَوْت لَا
يؤوب وَقَالَ الآخر: فَأَلْقَت عصاها وَاسْتقر بهَا النَّوَى
كَمَا قر عينا بالإِياب الْمُسَافِر وَأخرج ابْن أبي حَاتِم
عَن السّديّ {إِن إِلَيْنَا إيابهم} قَالَ: منقلبهم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة {إِن إِلَيْنَا
إيابهم ثمَّ إِن علينا حسابهم} قَالَ: إِلَى الله الإِياب
وعَلى الله الْحساب
(8/496)
89
سُورَة الْفجْر
مَكِّيَّة وآياتها ثَلَاثُونَ بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
الْآيَة 1 - 13
(8/497)
وَالْفَجْرِ (1)
وَلَيَالٍ عَشْرٍ (2) وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ (3) وَاللَّيْلِ
إِذَا يَسْرِ (4) هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ (5)
أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ (6) إِرَمَ ذَاتِ
الْعِمَادِ (7) الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي
الْبِلَادِ (8) وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ
بِالْوَادِ (9) وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ (10) الَّذِينَ
طَغَوْا فِي الْبِلَادِ (11) فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ
(12) فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ (13)
أخرج ابْن الضريس والنحاس فِي ناسخه وَابْن
مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ من طرق عَن ابْن عَبَّاس قَالَ:
نزلت {وَالْفَجْر} بِمَكَّة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عبد الله بن الزبير قَالَ: أنزلت
{وَالْفَجْر} بِمَكَّة
وَأخرج النَّسَائِيّ عَن جَابر قَالَ: أفتان يَا معَاذ أَيْن
أَنْت من (سبح اسْم رَبك الْأَعْلَى) (سُورَة الْأَعْلَى
الْآيَة 1) (وَالشَّمْس وَضُحَاهَا) (سُورَة الشَّمْس الْآيَة
1) {وَالْفَجْر} {وَاللَّيْل إِذا يغشى} سُورَة اللَّيْل
الْآيَة 1
أخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن عبد الله بن الزبير فِي
قَوْله: {وَالْفَجْر} قَالَ: قسم أقسم الله بِهِ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن مَيْمُون بن مهْرَان قَالَ: إِن
الله تَعَالَى يقسم بِمَا يَشَاء من خلقه وَلَيْسَ لأحد أَن
يقسم إِلَّا بِاللَّه
(8/497)
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن جرير وَابْن
أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب
الإِيمان عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {وَالْفَجْر} قَالَ:
فجر النَّهَار
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة فِي قَوْله:
{وَالْفَجْر} قَالَ: هُوَ الصُّبْح
وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة فِي قَوْله: {وَالْفَجْر}
قَالَ: طُلُوع الْفجْر غَدَاة جمع
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {وَالْفَجْر}
قَالَ: فجر يَوْم النَّحْر وَلَيْسَ كل فجر
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ مثله
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس {وَالْفَجْر} قَالَ:
يَعْنِي صَلَاة الْفجْر
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب وَابْن
عَسَاكِر عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {وَالْفَجْر} قَالَ:
هُوَ الْمحرم أوّل فجر السّنة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ
وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي هُرَيْرَة
قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أفضل
الصّيام بعد شهر رَمَضَان شهر الله الْمحرم وَأفضل الصَّلَاة
بعد الْفَرِيضَة صَلَاة اللَّيْل
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالْبَيْهَقِيّ عَن النُّعْمَان قَالَ:
أَتَى عليّاً رجل فَقَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ أَخْبرنِي
بِشَهْر أصومه بعد رَمَضَان
قَالَ: لقد سَأَلت عَن شَيْء مَا سَمِعت أحدا يسْأَل عَنهُ بعد
رجل سَأَلَ عَنهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ:
إِن كنت صَائِما شهرا بعد رَمَضَان فَصم الْمحرم فَإِنَّهُ شهر
الله وَفِيه يَوْم تَابَ فِيهِ قوم وَتَابَ فِيهِ على آخَرين
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَالْبَيْهَقِيّ
عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قدم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
الْمَدِينَة وَالْيَهُود تَصُوم يَوْم عَاشُورَاء فَقَالَ: مَا
هَذَا الْيَوْم الَّذِي تصومونه قَالُوا: هَذَا يَوْم عَظِيم
أنجى الله فِيهِ مُوسَى وَأغْرقَ فِيهِ آل فِرْعَوْن فصامه
مُوسَى شكرا لله
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: فَنحْن أَحَق
بمُوسَى مِنْكُم فصامه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأمر بصيامه
وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم وَالْبَيْهَقِيّ عَن الرّبيع بنت
معوّذ بن عفراء قَالَت: أرسل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم غَدَاة عَاشُورَاء إِلَى قرى الْأَنْصَار الَّتِي حول
الْمَدِينَة من كَانَ أصبح صَائِما فليتم صَوْمه وَمن كَانَ
أصبح مُفطرا فليصم بَقِيَّة يَوْمه
قَالَت فَكُنَّا بعد
(8/498)
ذَلِك نصومه ونصوّم صبياننا الصغار
وَنَذْهَب بهم إِلَى الْمَسْجِد ونجعل لَهُم اللعبة من العهن
فَإِذا بَكَى أحدهم على الطَّعَام أعطيناه إِيَّاهَا حَتَّى
يكون عِنْد الافطار
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَالْبَيْهَقِيّ
عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: مَا علمت أَن رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يتحَرَّى صِيَام يَوْم يَبْتَغِي فَضله
على غَيره إِلَّا هَذَا الْيَوْم يَوْم عَاشُورَاء أَو شهر
رَمَضَان
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس
قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَيْسَ
ليَوْم على يَوْم فضل فِي الصّيام إِلَّا شهر رَمَضَان وَيَوْم
عَاشُورَاء
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا وَالْبَيْهَقِيّ عَن الْأسود بن
يزِيد قَالَ: مَا رَأَيْت أحدا مِمَّن كَانَ بِالْكُوفَةِ من
أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَمر بِصَوْم
يَوْم عَاشُورَاء من عليّ وَأبي مُوسَى
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَمُسلم وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن
عَبَّاس قَالَ: حِين صَامَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم يَوْم عَاشُورَاء وَأمر بصيامه قَالُوا: يَا رَسُول الله
إِنَّه تعظمه الْيَهُود فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم: إِذا كَانَ الْعَام الْمقبل إِن شَاءَ الله صمنا يَوْم
التَّاسِع فَلم يَأْتِ الْعَام الْمقبل حَتَّى توفّي رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج ابْن عدي وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ:
قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: صُومُوا يَوْم
عَاشُورَاء وخالفوا فِيهِ الْيَهُود
صُومُوا قبله يَوْمًا وَبعده يَوْمًا
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس أَن رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لَئِن بقيت لآمرن بصيام يَوْم قبله
أَو بعده يَوْم عَاشُورَاء
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: خالفوا
الْيَهُود وصوموا التَّاسِع والعاشر
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن أبي جبلة قَالَ: كنت مَعَ ابنشهاب
فِي سفر فصَام يَوْم عَاشُورَاء فَقيل لَهُ: تَصُوم يَوْم
عَاشُورَاء فِي السّفر وَأَنت تفطر فِي رَمَضَان قَالَ: إِن
رَمَضَان لَهُ عدَّة من أَيَّام أخر وَإِن عَاشُورَاء يفوت
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن أبي مُوسَى قَالَ: يَوْم عَاشُورَاء
يَوْم تعظمه الْيَهُود وتتخذه عيدا فَقَالَ رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم: صوموه أَنْتُم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يَوْم عَاشُورَاء يَوْم كَانَت
تصومه الْأَنْبِيَاء فصوموه أَنْتُم
(8/499)
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن جَابر قَالَ:
قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من وسع على أَهله
يَوْم عَاشُورَاء وسع الله عَلَيْهِ طول سنته
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: قَالَ النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من وسع على عِيَاله يَوْم عَاشُورَاء
وسع الله عَلَيْهِ فِي سَائِر سنته
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي سعيد
الْخُدْرِيّ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم: من وسع على أَهله يَوْم عَاشُورَاء وسع الله عَلَيْهِ
سَائِر سنته
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من وسع على عِيَاله وَأَهله
يَوْم عَاشُورَاء وسع الله عَلَيْهِ سَائِر سنته قَالَ
الْبَيْهَقِيّ: أسانيدها وَإِن كَانَت ضَعِيفَة فَهِيَ إِذا ضم
بَعْضهَا إِلَى بعض أحدثت قوّة
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن
الْمُنْتَشِر قَالَ: كَانَ يُقَال: من وسع على عِيَاله يَوْم
عَاشُورَاء لم يزَالُوا فِي سَعَة من رزقهم سَائِر سنتهمْ
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ وَضَعفه عَن عُرْوَة عَن ابْن عَبَّاس
قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من اكتحل
بالإِثمد يَوْم عَاشُورَاء لم يرمد أبدا
أخرج أَحْمد وَالنَّسَائِيّ وَالْبَزَّار وَابْن جرير وَابْن
الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه وَالْحَاكِم وَصَححهُ
وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن جَابر أَن النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: {وَالْفَجْر وليال عشر وَالشَّفْع
وَالْوتر} قَالَ: إِن الْعشْر عشر الْأَضْحَى وَالْوتر يَوْم
عَرَفَة وَالشَّفْع يَوْم النَّحْر
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن
الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن
مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب من طرق عَن ابْن
عَبَّاس فِي قَوْله: {وليال عشر} قَالَ: عشرَة الْأَضْحَى
وَفِي لفظ قَالَ: هِيَ لَيَال الْعشْر الأول من ذِي الْحجَّة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن سعد وَابْن جرير وَابْن أبي
حَاتِم عَن عبد الله بن الزبير فِي قَوْله: {وليال عشر} قَالَ:
أول ذِي الْحجَّة إِلَى يَوْم النَّحْر
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَالْفِرْيَابِي وَعبد بن حميد وَابْن
جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي
الشّعب عَن مَسْرُوق فِي قَوْله: {وليال عشر} قَالَ: هِيَ عشر
الْأَضْحَى هِيَ أفضل أَيَّام السّنة
(8/500)
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن
مُجَاهِد {وليال عشر} قَالَ: عشر ذِي الْحجَّة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن قَتَادَة مثله
وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة مثله
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد عَن الضَّحَّاك بن مُزَاحم
فِي قَوْله: {وليال عشر} قَالَ: عشر الْأَضْحَى أقسم بِهن
لفضلهن على سَائِر الْأَيَّام
وَأخرج عبد بن حميد عَن مَسْرُوق {وليال عشر} قَالَ: عشر
الْأَضْحَى وَهِي الَّتِي وعد الله مُوسَى قَوْله: (وأتممناها
بِعشر) (سُورَة الْأَعْرَاف الْآيَة 142) وَأخرج عبد بن حميد
عَن طَلْحَة بن عبيد الله أَنه دخل على ابْن عمر هُوَ وَأَبُو
سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن فَدَعَاهُمْ ابْن عمر إِلَى
الْغَدَاء يَوْم عَرَفَة فَقَالَ أَبُو سَلمَة: أَلَيْسَ هَذِه
اللَّيَالِي الْعشْر الَّتِي ذكر الله فِي الْقُرْآن فَقَالَ
ابْن عمر: وَمَا يدْريك قَالَ: مَا أَشك
قَالَ: بلَى فاشك
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عَطِيَّة فِي قَوْله: {وَالْفَجْر}
قَالَ: هَذَا الَّذِي تعرفُون {وليال عشر} قَالَ: عشر
الْأَضْحَى {وَالشَّفْع} قَالَ: يَقُول الله: (وخلقناكم
أَزْوَاجًا) (سُورَة النبأ الْآيَة 8) {وَالْوتر} قَالَ الله:
قيل هَل تروي هَذَا عَن أحد من أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: نعم عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ عَن
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج البُخَارِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن ابْن
عَبَّاس عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: مَا
من أَيَّام فِيهِنَّ الْعَمَل أحب إِلَى الله عز وَجل أفضل من
أَيَّام الْعشْر قيل يَا رَسُول الله: وَلَا الْجِهَاد فِي
سَبِيل الله قَالَ: وَلَا الْجِهَاد فِي سَبِيل الله إِلَّا
رجل جَاهد فِي سَبِيل الله بِمَالِه وَنَفسه فَلم يرجع من
ذَلِك بِشَيْء
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عمر قَالَ: قَالَ رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا من أَيَّام أفضل عِنْد الله
وَلَا أحب إِلَيْهِ الْعَمَل فِيهِنَّ من أَيَّام الْعشْر
فَأَكْثرُوا فِيهِنَّ من التهليل وَالتَّكْبِير والتحميد
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن الْأَوْزَاعِيّ قَالَ: بَلغنِي أَن
الْعَمَل فِي الْيَوْم من أَيَّام الْعشْر كَقدْر
(8/501)
غَزْوَة فِي سَبِيل الله يصام نَهَارهَا
ويحرس لَيْلهَا إِلَّا أَن يخْتَص امْرُؤ بِشَهَادَة
قَالَ: الْأَوْزَاعِيّ: حَدثنِي بِهَذَا الحَدِيث رجل من بني
مَخْزُوم عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ من طَرِيق هنيدة بن خَالِد عَن امْرَأَته
عَن بعض أَزوَاج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يَصُوم تسع ذِي
الْحجَّة وَيَوْم عَاشُورَاء وَثَلَاثَة أَيَّام من كل شهر أول
اثْنَيْنِ من الشَّهْر وخميسين
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا من أَيَّام من أَيَّام
الدُّنْيَا الْعَمَل فِيهَا أحب إِلَى الله من أَن يتعبد لَهُ
فِيهَا من أَيَّام الْعشْر يعدل صِيَام كل يَوْم مِنْهَا بصيام
سنة وَقيام كل لَيْلَة بِقِيَام لَيْلَة الْقدر
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا من أَيَّام أفضل عِنْد الله
وَلَا الْعَمَل فِيهِنَّ أحب إِلَى الله عز وَجل من هَذِه
الْأَيَّام الْعشْر فَأَكْثرُوا فِيهِنَّ من التهليل
وَالتَّكْبِير فَإِنَّهَا أَيَّامًا التهليل وَالتَّكْبِير
وَذكر الله وَإِن صِيَام يَوْم مِنْهَا يعدل بصيام سنة
وَالْعَمَل فِيهِنَّ يُضَاعف بسبعمائة ضعف
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي
قَوْله: {وليال عشر} قَالَ: هِيَ الْعشْر الْأَوَاخِر من
رَمَضَان
وَأخرج مُحَمَّد بن نصر فِي كتاب الصَّلَاة عَن أبي عُثْمَان
قَالَ: كَانُوا يعظمون ثَلَاث عشرات الْعشْر الأول من الْمحرم
وَالْعشر الأول من ذِي الْحجَّة وَالْعشر الْأَخير من رَمَضَان
وَأخرج أَحْمد وَعبد بن حميد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن جرير
وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه عَن
عمرَان بن حُصَيْن أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
سُئِلَ عَن الشفع وَالْوتر فَقَالَ: هِيَ الصَّلَاة بَعْضهَا
شفع وَبَعضهَا وتر
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن عمرَان
بن حُصَيْن {وَالشَّفْع وَالْوتر} قَالَ: الصَّلَاة
الْمَكْتُوبَة مِنْهَا شفع وَمِنْهَا وتر
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة {وَالشَّفْع وَالْوتر} قَالَ:
إِن من الصَّلَاة شفعاً وَإِن مِنْهَا وترا
قَالَ: قَالَ الْحسن: هوالعدد مِنْهُ شفع وَمِنْه وتر
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن أبي الْعَالِيَة
{وَالشَّفْع وَالْوتر} قَالَ: ذَلِك صَلَاة الْمغرب الشفع
الركعتان وَالْوتر الرَّكْعَة الثَّالِثَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الرّبيع بن أنس مثله
(8/502)
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن {وَالشَّفْع
وَالْوتر} قَالَ: أقسم رَبنَا بِالْعدَدِ كُله الشفع مِنْهُ
وَالْوتر
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن
إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ قَالَ: الشفع الزَّوْج والوترالفرد
وَأخرج عبد بن حميد عَن ابْن عَبَّاس {وَالشَّفْع وَالْوتر}
قَالَ: كل شَيْء شفع فَهُوَ اثْنَان وَالْوتر وَاحِد
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن مُجَاهِد {وَالشَّفْع وَالْوتر}
قَالَ: الْخلق كُله شفع ووتر فأقسم بالخلق
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس {وَالشَّفْع وَالْوتر}
قَالَ: الله الْوتر وَأَنْتُم الشفع
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَسَعِيد بن جُبَير وَعبد بن حميد وَابْن
جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد
{وَالشَّفْع وَالْوتر} قَالَ: كل خلق الله شفع السَّمَاء
وَالْأَرْض وَالْبر وَالْبَحْر والإِنس وَالْجِنّ وَالشَّمْس
وَالْقَمَر وَنَحْو هَذَا شفع وَالْوتر الله وَحده
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي
حَاتِم عَن مُجَاهِد {وَالشَّفْع وَالْوتر} قَالَ: الله الْوتر
وخلقه الشفع الذّكر وَالْأُنْثَى
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد قَالَ: الشفع آدم وحواء
وَالْوتر الله
وَأخرج عبد بن حميد من طَرِيق اسماعيل عَن أبي صَالح
{وَالشَّفْع وَالْوتر} قَالَ: خلق الله من كل زَوْجَيْنِ
اثْنَيْنِ وَالله وتر وَاحِد صَمد
قَالَ اسماعيل: فَذكرت ذَلِك لِلشَّعْبِيِّ فَقَالَ: كَانَ
مَسْرُوق يَقُول ذَلِك
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن ابْن عمر قَالَ: من قَالَ فِي دبر
كل صَلَاة وَإِذا أَخذ مضجعه الله أكبر عدد الشفع وَالْوتر
وَعدد كَلِمَات الله التامات الطَّيِّبَات المباركات ثَلَاثًا
وَلَا إِلَه إِلَّا الله مثل ذَلِك كن لَهُ فِي قَبره نورا
وعَلى الجسر نورا وعَلى الصِّرَاط نورا حَتَّى يدْخل الْجنَّة
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه بِسَنَد ضَعِيف عَن
أبي أَيُّوب عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه سُئِلَ
عَن الشفع وَالْوتر فَقَالَ: يَوْمَانِ وَلَيْلَة يَوْم
عَرَفَة وَيَوْم النَّحْر وَالْوتر لَيْلَة النَّحْر لَيْلَة
جمع
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن عَطاء {وَالشَّفْع
وَالْوتر} قَالَ: هِيَ أَيَّام نسك عَرَفَة والأضحى هما للشفع
وَلَيْلَة الْأَضْحَى هِيَ الْوتر
(8/503)
وَأخرج ابْن جرير عَن جَابر أَن رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: الشفع اليومان وَالْوتر
الْيَوْم الثَّالِث
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَسَعِيد بن مَنْصُور وَابْن سعد وَعبد
بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن
عبد الله بن الزبير أَنه سُئِلَ عَن الشفع وَالْوتر فَقَالَ:
الشفع قَول الله: (فَمن تعجل فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْم
عَلَيْهِ) (سُورَة الْبَقَرَة الْآيَة 203) وَالْوتر الْيَوْم
الثَّالِث وَفِي لفظ الشفع أَوسط التَّشْرِيق وَالْوتر آخر
أَيَّام التَّشْرِيق
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي
حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان من
طرق عَن ابْن عَبَّاس {وَالشَّفْع وَالْوتر} قَالَ: الشفع
يَوْم النَّحْر وَالْوتر يَوْم عَرَفَة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن
عِكْرِمَة قَالَ: عَرَفَة وتر وَيَوْم النَّحْر شفع عَرَفَة
يَوْم التَّاسِع والنحر يَوْم الْعَاشِر
وَأخرج عبد بن حميد عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ قَالَ:
الشفع يَوْم النَّحْر وَالْوتر يَوْم عَرَفَة
أقسم الله بهما لفضلهما على الْعشْر
أخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {وَاللَّيْل إِذا
يسر} قَالَ: إِذا ذهب
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن عبد الله بن الزبير
{وَاللَّيْل إِذا يسر} قَالَ: إِذا سَار
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي
حَاتِم عَن مُجَاهِد {وَاللَّيْل إِذا يسر} قَالَ: إِذا سَار
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي
حَاتِم عَن عِكْرِمَة {وَاللَّيْل إِذا يسر} قَالَ: لَيْلَة
جمع
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ أَنه
قيل لَهُ: مَا {وَاللَّيْل إِذا يسر} قَالَ: هَذِه الإِفاضة
اسر يَا ساري وَلَا تبيتن إِلَّا بِجمع
أخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن مَسْعُود أَنه قَرَأَ
{وَالْفَجْر} إِلَى قَوْله: {إِذا يسر} قَالَ: هَذَا قسم على
أَن رَبك لبالمرصاد
(8/504)
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن أبي شيبَة
وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم
وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان من طرق عَن ابْن عَبَّاس فِي
قَوْله: {قسم لذِي حجر} قَالَ: لذِي حجا وعقل وَنهى
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد عَن
عِكْرِمَة وَالضَّحَّاك مثله
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن {لذِي حجر}
قَالَ: لذِي حلم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن أبي مَالك {لذِي
حجر} قَالَ: ستر من النَّار
وَأخرج ابْن الْأَنْبَارِي فِي الْوَقْف والابتداء عَن السّديّ
فِي قَوْله: {لذِي حجر} قَالَ: لذِي لب
قَالَ الْحَارِث بن ثَعْلَبَة: وَكَيف رجائي أَن أَتُوب
وَإِنَّمَا يُرْجَى من الفتيان من كَانَ ذَا حجر أخرج ابْن
جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {ألم ترَ كَيفَ فعل رَبك
بعاد إرم} قَالَ: يَعْنِي بالإِرم الْهَالِك أَلا ترى أَنَّك
تَقول: إرم بَنو فلَان {ذَات الْعِمَاد} يَعْنِي طولهم مثل
الْعِمَاد
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن
الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {بعاد إرم} قَالَ:
الْقَدِيمَة {ذَات الْعِمَاد} قَالَ: أهل عَمُود لَا
يُقِيمُونَ
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن
الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {إرم}
قَالَ: أمة {ذَات الْعِمَاد} قَالَ: كَانَ لَهَا جسم فِي
السَّمَاء
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن السّديّ فِي قَوْله: بعماد إرم
قَالَ: عَاد بن إرم نسبهم إِلَى أَبِيهِم الْأَكْبَر
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن
الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة قَالَ: كُنَّا نُحدث
أَن إرم قَبيلَة من عَاد كَانَ يُقَال لَهُم ذَات الْعِمَاد
كَانُوا أهل عَمُود {الَّتِي لم يخلق مثلهَا فِي الْبِلَاد}
قَالَ: ذكر لنا أَنهم كَانُوا اثْنَي عشر ذِرَاعا طولا فِي
السَّمَاء
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن الْمِقْدَام بن
معد يكرب عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه ذكر {إرم
ذَات الْعِمَاد} فَقَالَ: كَانَ الرجل مِنْهُم يَأْتِي إِلَى
الصَّخْرَة فيحملها على كَاهِله فيلقيها على أَي حَيّ أرد
فيهلكهم
(8/505)
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن
عِكْرِمَة قَالَ: ارْمِ هِيَ دمشق
وَأخرج ابْن جرير وَعبد بن حميد وَابْن عَسَاكِر عَن سعيد
المَقْبُري مثله
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن سعيد بن الْمسيب مثله
وَأخرج عبد بن حميد عَن خَالِد الربعِي مثله
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُحَمَّد بن كَعْب
الْقرظِيّ قَالَ: إرم هِيَ الاسكندرية
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الضَّحَّاك قَالَ: الإِرم هِيَ
الْهَلَاك إِلَّا ترى أَنه يُقَال: أرمَّ بَنو فلَان أَي
هَلَكُوا
قَالَ ابْن حجر: هَذَا التَّفْسِير على قِرَاءَة شَاذَّة أرمَّ
بِفتْحَتَيْنِ وَتَشْديد الرَّاء على أَنه فعل مَاض {وَذَات}
بِفَتْح التَّاء مَفْعُوله أَي أهلك الله ذَات الْعِمَاد
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن شهر بن حَوْشَب {إرم} قَالَ رمهم
رماً فجعلهم رمماً
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن الضَّحَّاك {ذَات
الْعِمَاد} ذَات الشدَّة والقوّة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن
عَبَّاس فِي قَوْله: {جابوا الصخر بالواد} قَالَ: كَانُوا
ينحتون من الْجبَال بُيُوتًا {وَفرْعَوْن ذِي الْأَوْتَاد}
قَالَ: الْأَوْتَاد الْجنُود الَّذين يشيدون لَهُ أمره
وَأخرج الطستي فِي مسَائِله عَن ابْن عَبَّاس إِن نَافِع بن
الْأَزْرَق سَأَلَهُ عَن قَوْله: {جابوا الصخر} قَالَ نقبوا
الْحِجَارَة فِي الْجبَال فاتخذوها بُيُوتًا
قَالَ: وَهل تعرف ذَلِك الْعَرَب قَالَ: نعم أما سَمِعت قَول
أُميَّة: وشق أبصارنا كَيْمَا نَعِيش بهَا وجاب للسمع أصماخاً
وآذاناً وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير
وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد {جابوا
الصخر} قَالَ: حرقوا الْجبَال فجعلوها بُيُوتًا {وَفرْعَوْن
ذِي الْأَوْتَاد} قَالَ: كَانَ يتد النَّاس بالأوتاد {فصب
عَلَيْهِم رَبك سَوط عَذَاب} قَالَ: مَا عذبُوا بِهِ
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن مَسْعُود فِي قَوْله: {ذِي
الْأَوْتَاد} قَالَ: وتد فِرْعَوْن لأمرأته أَرْبَعَة أوتاد
ثمَّ جعل على ظهرهَا رحى عَظِيمَة حَتَّى مَاتَت
(8/506)
وَأخرج ابْن جرير عَن سعيد بن جُبَير
{وَفرْعَوْن ذِي الْأَوْتَاد} قَالَ: كَانَ يَجْعَل رجلا هُنَا
وَرِجَال هُنَا ويداً هُنَا ويداً هُنَا بالأوتاد
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن
الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير قَالَ:
إِنَّمَا سمي فِرْعَوْن ذَا الْأَوْتَاد لِأَنَّهُ كَانَ
يَبْنِي لَهُ المنابر يذبح عَلَيْهَا النَّاس
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن قَالَ: كَانَ يعذب بالأوتاد
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ قَالَ: كَانَ فِرْعَوْن
إِذا أَرَادَ أَن يقتل أحدا ربطه بأَرْبعَة أوتاد على صَخْرَة
ثمَّ أرسل عَلَيْهِ صَخْرَة من فَوْقه فشدخه وَهُوَ ينظر
إِلَيْهَا قد ربط بِكُل يَد مِنْهَا قَائِمَة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة
{وَفرْعَوْن ذِي الْأَوْتَاد} قَالَ: ذِي الْبناء قَالَ:
وَحدثنَا عَن سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس أَنه كَانَت
لَهُ مظال يلْعَب تحتهَا وأوتاد كَانَت تضرب لَهُ
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن السّديّ فِي قَوْله: {فَأَكْثرُوا
فِيهَا الْفساد} قَالَ: بِالْمَعَاصِي {فصب عَلَيْهِم رَبك
سَوط عَذَاب} قَالَ: رَجَعَ عَذَاب
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة قَالَ: كل شَيْء عذب الله
بِهِ فَهُوَ سَوط عَذَاب
الْآيَة 14 - 30
(8/507)
إِنَّ رَبَّكَ
لَبِالْمِرْصَادِ (14) فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا
ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي
أَكْرَمَنِ (15) وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ
عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ (16) كَلَّا
بَلْ لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ (17) وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَى
طَعَامِ الْمِسْكِينِ (18) وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلًا
لَمًّا (19) وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا (20) كَلَّا
إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا (21) وَجَاءَ رَبُّكَ
وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا (22) وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ
بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ وَأَنَّى
لَهُ الذِّكْرَى (23) يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ
لِحَيَاتِي (24) فَيَوْمَئِذٍ لَا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ
(25) وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ (26) يَا أَيَّتُهَا
النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27) ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ
رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً (28) فَادْخُلِي فِي عِبَادِي (29)
وَادْخُلِي جَنَّتِي (30)
أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن
أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن
ابْن عَبَّاس قَوْله: {إِن رَبك لبالمرصاد} قَالَ: يسمع وَيرى
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن
أبي حَاتِم عَن الْحسن {إِن رَبك لبالمرصاد} قَالَ: بمرصاد
أَعمال بني آدم
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء
وَالصِّفَات عَن ابْن مَسْعُود فِي قَوْله: {وَالْفَجْر}
قَالَ: قسم وَفِي قَوْله: {إِن رَبك لبالمرصاد} من وَرَاء
الصِّرَاط جسور: جسر عَلَيْهِ الْأَمَانَة وجسر عَلَيْهِ
الرَّحِم وجسر عَلَيْهِ الرب عزّ وجلّ
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو نصر السجْزِي فِي
الإِبانة عَن الضَّحَّاك قَالَ: إِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة
يَأْمر الرب بكرسيه فَيُوضَع على النَّار فيستوي عَلَيْهِ ثمَّ
يَقُول: أَنا الْملك الديَّان وَعِزَّتِي وَجَلَالِي لَا
يتَجَاوَز الْيَوْم ذُو مظْلمَة بظلامته وَلَو ضَرْبَة بيد
فَذَلِك قَوْله: {أَن رَبك لبالمرصاد}
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن
سَلام بن أبي الْجَعْد فِي قَوْله: {إِن رَبك لبالمرصاد}
قَالَ: إِن لِجَهَنَّم ثَلَاث قناطر: قنطرة فِيهَا الْأَمَانَة
وقنطرة فِيهَا الرَّحِم وقنطرة فِيهَا لرب تبَارك وَتَعَالَى
وَهِي المرصاد لَا ينجو مِنْهَا إِلَّا ناجٍ فَمن نجا من ذَلِك
لم ينج من هَذِه
وَأخرج ابْن جرير عَن عَمْرو بن قيس قَالَ: بَلغنِي أَن على
جَهَنَّم ثَلَاث قناطر: قنطرة عَلَيْهَا الْأَمَانَة إِذا مروا
بهَا تَقول يَا رب هَذَا أَمِين هَذَا خائن
وقنطرة عَلَيْهَا الرَّحِم إِذا مروا بهَا تَقول يَا رب هَذَا
وَاصل يَا رب هَذَا قَاطع
وقنطرة عَلَيْهَا الرب {إِن رَبك لبالمرصاد}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أَيفع بن عبد الكلَاعِي قَالَ: إِن
لِجَهَنَّم سبع قناطر والصراط عَلَيْهِنَّ فَيحْبس الْخَلَائق
عِنْد القنطرة الأولى فَيَقُول: قفوهم إِنَّهُم مسؤلون
فيحاسبون على الصَّلَاة ويسألون عَنْهَا فَيهْلك فِيهَا من هلك
وينجو من نجا فَإِذا بلغُوا القنطرة الثَّانِيَة حوسبوا على
الْأَمَانَة كَيفَ أدوها وَكَيف خانوها فَيهْلك من هلك ينجو من
نجا فَإِذا بلغُوا القنطرة الثَّالِثَة سئلوا عَن الرَّحِم
كَيفَ وصلوها وَكَيف قطعوها فَيهْلك من هلك وينجو من نجا
وَالرحم يَوْمئِذٍ متدلية إِلَى الْهوى فِي جَهَنَّم تَقول:
اللَّهُمَّ من وصلني فَصله وَمن قطعني فاقطعه
وَهِي الَّتِي يَقُول الله: {إِن رَبك لبالمرصاد}
(8/508)
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن أبي أُمَامَة
رَفعه: إِن فِي جَهَنَّم جِسْرًا لَهُ سبع قناطر على أوسطه
الْقَضَاء فيجاء بِالْعَبدِ حَتَّى إِذا انْتهى إِلَى القنطرة
الْوُسْطَى قيل لَهُ: مَاذَا عَلَيْك من الدُّيُون وتلا هَذِه
الْآيَة (وَلَا يكتمون الله حَدِيثا) (سُورَة النِّسَاء
الْآيَة 42) فَيَقُول: رب عَليّ كَذَا وَكَذَا فَيُقَال لَهُ:
اقْضِ دينك
فَيَقُول: مَالِي شَيْء
فَيُقَال: خُذُوا من حَسَنَاته فَلَا يزَال يُؤْخَذ من
حَسَنَاته حَتَّى مَا يبْقى لَهُ حَسَنَة
فَيُقَال: خُذُوا من سيئات من يَطْلُبهُ فَرَكبُوا عَلَيْهِ
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن مقَاتل
بن سُلَيْمَان قَالَ: أقسم الله {إِن رَبك لبالمرصاد} يَعْنِي
الصِّرَاط وَذَلِكَ أَن جسر جَهَنَّم عَلَيْهِ سبع قناطر على
كل قنطرة مَلَائِكَة قيام وُجُوههم مثل الْجَمْر وأعينهم مثل
الْبَرْق يسْأَلُون النَّاس فِي أول قنطرة عَن الإِيمان وَفِي
الثَّانِيَة يَسْأَلُونَهُمْ عَن الصَّلَوَات الْخمس وَفِي
الثَّالِثَة يَسْأَلُونَهُمْ عَن الزَّكَاة وَفِي الرَّابِعَة
يَسْأَلُونَهُمْ عَن شهر رَمَضَان وَفِي الْخَامِسَة
يَسْأَلُونَهُمْ على الْحَج وَفِي السَّادِسَة يَسْأَلُونَهُمْ
عَن الْعمرَة وَفِي السَّابِعَة يَسْأَلُونَهُمْ عَن
الْمَظَالِم فَمن أَتَى بِمَا سُئِلَ عَنهُ كَمَا أَمر جَازَ
على الصِّرَاط والا حبس فَذَلِك قَوْله: {إِن رَبك لبالمرصاد}
أخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن فِي قَوْله:
{فَأَما الإِنسان} الْآيَة قَالَ: كلا اكذبتهما جَمِيعًا مَا
بالغنى أكرمك وَلَا بالفقر أَهَانَك ثمَّ أخْبرك بِمَا يهين
{عائلا فأغنى فَأَما الْيَتِيم}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي الْآيَة قَالَ: ظن
كَرَامَة الله فِي المَال وَهُوَ أَنه فِي قلته وَكذب إِنَّمَا
يكرم بِطَاعَتِهِ ويهين بمعصيته من أهان
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد {فَقدر عَلَيْهِ رزقه}
قَالَ: ضيقه عَلَيْهِ
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن عبد
الرَّحْمَن بن عَوْف أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
قَرَأَ / بل لَا يكرمون الْيَتِيم وَلَا يحضون / بِالْيَاءِ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن الْحسن {وتأكلون التراث}
قَالَ: الْمِيرَاث {أكلا لما} قَالَ: نصِيبه وَنصِيب صَاحبه
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس فِي
قَوْله: {أكلا لمّاً} قَالَ: سفاً وَفِي قَوْله: {حبّاً جمّاً}
قَالَ: شَدِيدا
(8/509)
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي
قَوْله: {أكلا لمّاً} قَالَ: أكلا شَدِيدا
وأخرح الطستي فِي مسَائِله عَن ابْن عَبَّاس إِن نَافِع بن
الْأَزْرَق سَأَلَهُ عَن قَوْله: {حبا جمّاً} قَالَ: كثيرا
قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم
أما سَمِعت قَول أُميَّة بن خلف: إِن تغْفر اللَّهُمَّ تغْفر
جما وأيّ عبد لَك لَا ألمّا وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي
حَاتِم عَن عِكْرِمَة بن عبد الله الْمُزنِيّ فِي قَوْله:
{وتأكلون التراث أكلا لمّاً} قَالَ: اللم الاعتداء فِي
الْمِيرَاث يَأْكُل مِيرَاثه وميراث غَيره
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن
قَتَادَة {وتأكلون التراث} قَالَ: الْمِيرَاث {أكلا لما}
قَالَ: شَدِيدا {وتحبون المَال حبّاً جمّاً} قَالَ: شَدِيدا
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن
الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {أكلا
لمّاً} قَالَ: اللم اللف وَفِي قَوْله: {حبا جمّاً} قَالَ:
الجم الْكثير
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن فِي قَوْله: {أكلا لمّاً}
قَالَ: من طيب أَو خَبِيث وَفِي قَوْله: {حبا جمّاً} قَالَ:
فَاحِشا
وَأخرج عبد بن حميد بن كَعْب رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله:
{وتأكلون التراث} الْآيَة قَالَ: يَأْكُل نَصِيبي ونصيبك
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن زيد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله:
{وتأكلون التراث} الْآيَة قَالَ: كَانُوا لَا يورثون النِّسَاء
وَلَا يورثون الصغار
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد رَضِي الله عَنهُ فِي
الْآيَة قَالَ: الْأكل اللمّ الَّذِي يلم كل شَيْء يجده لَا
يسْأَل عَنهُ يَأْكُل الَّذِي لَهُ وَالَّذِي لصَاحبه لَا
يدْرِي أحلالاً أم حَرَامًا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سُفْيَان رَضِي الله عَنهُ أَنه
قَالَ فِي قَوْله: {وتحبون المَال حبّاً جمّاً} قَالَ رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا مِنْكُم من أحد إِلَّا
وَمَال وَارثه أحب إِلَيْهِ من مَاله
قَالُوا يَا رَسُول الله: مَا منا أحد إِلَّا وَمَاله أحب
إِلَيْهِ من مَال وَارثه
قَالَ: لَيْسَ لَك من مَالك إِلَّا مَا أكلت فأفنيت أَو لبست
فأبليت أَو أَعْطَيْت فأمضيت
(8/510)
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَاصِم رَضِي الله
عَنهُ أَنه قَرَأَ {كلا بل لَا تكرمون الْيَتِيم} بِالتَّاءِ
وَرفع التَّاء {وَلَا تحاضون} ممدودة مَنْصُوبَة التَّاء
بِالْألف غير مَهْمُوزَة {وتأكلون التراث} بِالتَّاءِ {أكلا
لمّاً} مثقلة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ
أَنه سمع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقْرَأ / كلا بل
لَا يكرمون الْيَتِيم وَلَا يحضون على طَعَام الْمِسْكِين
ويأكلون التراث أكلا لمّاً وَيُحِبُّونَ المَال حبّاً جمّاً /
الْأَرْبَعَة بِالْيَاءِ
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنهُ قَالَ:
كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقْرَأ كلا بل لَا
يكرمون الْيَتِيم وَلَا يحضون على طَعَام الْمِسْكِين إِلَى
قَوْله: وَيُحِبُّونَ المَال بِالْيَاءِ كلهَا
أخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله
عَنْهُمَا فِي قَوْله: {إِذا دكت الأَرْض دكاً دكاً} قَالَ:
تحريكها
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الرّبيع بن أنس رَضِي الله عَنهُ
قَالَ: تحمل الأَرْض وَالْجِبَال فيدك بَعْضهَا على بعض
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة
رَضِي الله عَنهُ {وَجَاء رَبك وَالْملك صفا صفا} قَالَ:
صُفُوف الْمَلَائِكَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله: {وَالْملك
صفا صفا} قَالَ: جَاءَ أهل السَّمَوَات كل سَمَاء صفا
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي سعيد قَالَ: لما نزلت هَذِه
الْآيَة تغير رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَعرف فِي
وَجهه حَتَّى اشْتَدَّ على أَصْحَابه مَا رَأَوْا من حَاله
فَسَأَلَهُ عليّ فَقَالَ: جَاءَ جِبْرِيل فأقرأني هَذِه
الْآيَة {كلا إِذا دكت الأَرْض دكاً دكاً وَجَاء رَبك وَالْملك
صفا صفا وَجِيء يَوْمئِذٍ بجهنم} فَقيل: وَكَيف يجاء بهَا
قَالَ: يَجِيء بهَا سَبْعُونَ ألف ملك يَقُودُونَهَا بسبعين
ألف زِمَام فَتَشْرُد شَرْدَةً لَو تركت لأحرقت أهل الْجمع
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله
عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: هَل
تَدْرُونَ مَا تَفْسِير هَذِه الْآيَة {كلا إِذا دكت الأَرْض
دكاً دكاً وَجَاء رَبك وَالْملك صفا صفا وَجِيء يَوْمئِذٍ
بجهنم} قَالَ: إِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة تقاد جَهَنَّم
(8/511)
بسبعين ألف زِمَام بيد سبعين ألف ملك
فَتَشْرُد شَرْدَةً لَوْلَا أَن الله حَبسهَا لأحرقت
السَّمَوَات وَالْأَرْض
وَأخرج ابْن وهب فِي كتاب الْأَهْوَال عَن زيد بن أسلم رَضِي
الله عَنهُ قَالَ: جَاءَ جِبْرِيل إِلَى النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم فناجاه ثمَّ قَامَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم منكس الطّرف فَسَأَلَهُ عليّ فَقَالَ: أَتَانِي جِبْرِيل
فَقَالَ لي: {كلا إِذا دكت الأَرْض دكاً دكاً وَجَاء رَبك
وَالْملك صفا صفا وَجِيء يَوْمئِذٍ بجهنم} وَجِيء بهَا تقاد
بسبعين ألف زِمَام كل زِمَام يَقُودهُ سَبْعُونَ ألف ملك
فَبَيْنَمَا هم كَذَلِك إِذا شَردت عَلَيْهِم شَرْدَةً انفلتت
من أَيْديهم فلولا أَنهم أدركوها لأحرقت من فِي الْجمع
فَأَخَذُوهَا
وَأخرج مُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم
وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ:
قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يُؤْتِي بجهنم
يَوْمئِذٍ لَهَا سَبْعُونَ ألف زِمَام مَعَ كل زِمَام
سَبْعُونَ ألف ملك يجرونها
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَالتِّرْمِذِيّ وَعبد
الله بن أَحْمد فِي زَوَائِد الزّهْد وَابْن جرير عَن ابْن
مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {وَجِيء يَوْمئِذٍ
بجهنم} قَالَ: جِيءَ بهَا تقاد بسبعين ألف زِمَام مَعَ كل
زِمَام سَبْعُونَ ألف ملك يَقُودُونَهَا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ فِي
قَوْله: {يتَذَكَّر الإِنسان} قَالَ: يُرِيد التَّوْبَة وَفِي
قَوْله: {يَا لَيْتَني قدمت لحياتي} يَقُول: عملت فِي
الدُّنْيَا لحياتي فِي الْآخِرَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ {يَوْمئِذٍ
يتَذَكَّر الإِنسان} إِلَى قَوْله: {لحياتي} قَالَ: علم وَالله
أَنه صَادِق هُنَاكَ حَيَاة طَوِيلَة لَا موت فِيهَا أحسن
مِمَّا عَلَيْهِ
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله
عَنهُ فِي قَوْله: {يَا لَيْتَني قدمت لحياتي} قَالَ:
الْآخِرَة
وَأخرج أَحْمد وَالْبُخَارِيّ فِي التَّارِيخ وَالطَّبَرَانِيّ
عَن مُحَمَّد بن أبي عميرَة رَضِي الله عَنهُ وَكَانَ من
أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لَو أَن
عبدا جرّ على وَجهه من يَوْم ولد إِلَى أَن يَمُوت هرماً فِي
طَاعَة الله إِلَى يَوْم الْقِيَامَة لود أَنه رد إِلَى
الدُّنْيَا كَيْمَا يزْدَاد من الْأجر وَالثَّوَاب
(8/512)
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس
رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {فَيَوْمئِذٍ لَا يعذب
عَذَابه أحد وَلَا يوثق وثَاقه أحد} قَالَ: لَا يعذب بِعَذَاب
الله أحد وَلَا يوثق وثاق الله أحد
وَأخرج أَبُو نعيم فِي الْحِلْية من طَرِيق خَارِجَة بن زيد بن
ثَابت عَن أَبِيه رَضِي الله عَنهُ أَن النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم قَرَأَ {فَيَوْمئِذٍ لَا يعذب عَذَابه أحد
وَلَا يوثق وثَاقه أحد}
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن مرْدَوَيْه
وَابْن جرير وَالْبَغوِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَأَبُو نعيم
عَن أبي قلَابَة عَمَّن أقرأه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم وَفِي رِوَايَة مَالك بن الْحُوَيْرِث أَن النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم أقرأه وَفِي لفظ أَقرَأ إِيَّاه
{فَيَوْمئِذٍ لَا يعذب عَذَابه أحد وَلَا يوثق وثَاقه أحد}
مَنْصُوبَة الذَّال والثاء
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه والضياء فِي
المختارة من طَرِيق سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس فِي
قَوْله: {يَا أيتها النَّفس المطمئنة} قَالَ: المؤمنة {ارجعي
إِلَى رَبك} يَقُول: إِلَى جسدك
قَالَ: نزلت هَذِه الْآيَة وَأَبُو بكر جَالس فَقَالَ: يَا
رَسُول الله: مَا أحسن هَذَا فَقَالَ: أما إِنَّه سيقال لَك
هَذَا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن
مرْدَوَيْه وَأَبُو نعيم فِي الْحِلْية عَن سعيد بن جُبَير
قَالَ: قُرِئت عِنْد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: {يَا
أيتها النَّفس المطمئنة ارجعي إِلَى رَبك راضية مرضية} فَقَالَ
أَبُو بكر: إِن هَذَا لحسن فَقَالَ رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم: أما إِن الْملك سيقولها: لَك عِنْد الْمَوْت
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ فِي نَوَادِر الْأُصُول من
طَرِيق ثَابت بن عجلَان عَن سليم بن أبي عَامر رضى الله عَنهُ
قَالَ: سَمِعت أَبَا بكر الصّديق يَقُول: فرئت عِنْد رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَذِه الْآيَة {يَا أيتها
النَّفس المطمئنة ارجعي إِلَى رَبك راضية مرضية} فَقلت: مَا
أحسن هَذَا يَا رَسُول الله فَقَالَ: يَا أَبَا بكر أما إِن
الْملك سيقولها: لَك عِنْد الْمَوْت
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق جُوَيْبِر عَن الضَّحَّاك
عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَن النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: من يَشْتَرِي بِئْر رومة نستعذب بهَا
غفر الله لَهُ فاشتراها عُثْمَان فَقَالَ النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم: هَل لَك أَن تجعلها شقاية للنَّاس قَالَ: نعم
فَأنْزل الله فِي عُثْمَان {يَا أيتها النَّفس المطمئنة}
الْآيَة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا
فِي قَوْله: {يَا أيتها النَّفس المطمئنة}
(8/513)
قَالَ: نزلت فِي عُثْمَان بن عَفَّان رَضِي
الله عَنهُ
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا
{يَا أيتها النَّفس المطمئنة} قَالَ: هُوَ النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن بُرَيْدَة رَضِي
الله عَنهُ فِي قَوْله: {يَا أيتها النَّفس المطمئنة} قَالَ:
يَعْنِي نفس حَمْزَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي
الله عَنْهُمَا {يَا أيتها النَّفس المطمئنة} قَالَ: المصدقة
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَالْفِرْيَابِي وَعبد بن حميد وَابْن
جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي
الله عَنهُ فِي قَوْله: {يَا أيتها النَّفس المطمئنة} قَالَ:
الَّتِي أيقنت بِأَن الله رَبهَا
وَأخرج ابْن جرير عَن أبي الشَّيْخ الْهنائِي رَضِي الله عَنهُ
قَالَ: فِي قِرَاءَة أبيّ يَا أيتها النَّفس الآمنة المطمئنة
فادخلي فِي عَبدِي
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَنه
قَرَأَهَا فادخلي فِي عَبدِي على التَّوْحِيد
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي
قَوْله: {ارجعي إِلَى رَبك} قَالَ: ترد الْأَرْوَاح يَوْم
الْقِيَامَة فِي الأجساد
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير رَضِي الله عَنهُ
قَالَ: يسيل وَاد من أصل الْعَرْش فتنبت فِيهِ كل دَابَّة على
وَجه الأَرْض ثمَّ تطير الْأَرْوَاح فتؤمر أَن تدخل الأجساد
فَهُوَ قَوْله: {ارجعي إِلَى رَبك راضية مرضية}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا
فِي قَوْله: {ارجعي إِلَى رَبك راضية} قَالَ: بِمَا أَعْطَيْت
من الثَّوَاب {مرضية} عَنْهَا بعملها {فادخلي فِي عبَادي}
الْمُؤمنِينَ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ فِي
قَوْله: {يَا أيتها النَّفس المطمئنة} الْآيَة قَالَ: إِن الله
إِذا أَرَادَ قبض عَبده الْمُؤمن اطمأنت النَّفس إِلَيْهِ
وَاطْمَأَنَّ إِلَيْهَا ورضيت عَن الله وَرَضي الله عَنْهَا
أَمر بقبضها فَأدْخلهَا الْجنَّة وَجعلهَا من عباده
الصَّالِحين
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن أبي
صَالح رَضِي الله عَنهُ فِي
(8/514)
قَوْله: {ارجعي إِلَى رَبك} قَالَ: هَذَا
عِنْد الْمَوْت رُجُوعهَا إِلَى رَبهَا خُرُوجهَا من
الدُّنْيَا فَإِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة قيل لَهَا: {فادخلي
فِي عبَادي وادخلي جنتي}
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَابْن عَسَاكِر عَن أبي أُمَامَة رَضِي
الله عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ
لرجل: قل اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلك نفسا مطمئنة تؤمن بلقائك
وترضى بِقَضَائِك وتقنع بِعَطَائِك
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد عَن مُجَاهِد رَضِي الله
عَنهُ {يَا أيتها النَّفس المطمئنة} قَالَ: المخبتة إِلَى الله
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير عَن قَتَادَة وَالْحسن {يَا
أيتها النَّفس المطمئنة} إِلَى مَا قَالَ الله المصدقة بِمَا
قَالَ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن
قَتَادَة {يَا أيتها النَّفس المطمئنة} قَالَ: هَذَا الْمُؤمن
اطْمَأَن إِلَى مَا وعد الله {فادخلي فِي عبَادي} قَالَ: ادخلي
فِي الصَّالِحين وادخلي جنتي
وَأخرج عبد بن حميد عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ {ارجعي
إِلَى رَبك} قَالَ: إِلَى جسدك
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عنمحمد بن كَعْب الْقرظِيّ فِي الْآيَة
قَالَ: إِن الْمُؤمن إِذا مَاتَ رأى منزله من الْجنَّة
فَيَقُول تبَارك وَتَعَالَى: {يَا أيتها النَّفس المطمئنة
ارجعي} إِلَى جسدك الَّذِي خرجت مِنْهُ {راضية} مَا رَأَيْت من
ثوابي مرضياً عَنْك حَتَّى يَسْأَلك مُنكر وَنَكِير
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ {فادخلي
فِي عبَادي} قَالَ: مَعَ عبَادي
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن زيد بن أسلم
رَضِي الله عَنهُ {يَا أيتها النَّفس المطمئنة} الْآيَة قَالَ:
بشرت بِالْجنَّةِ عِنْد الْمَوْت وَعند الْبَعْث وَيَوْم
الْجمع
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ عَن سعيد بن جُبَير
رَضِي الله عَنهُ قَالَ: مَاتَ ابْن عَبَّاس رَضِي الله
عَنْهُمَا بِالطَّائِف فجَاء طير لم تَرَ عين خلقته فَدخل نعشه
ثمَّ لم ير خَارِجا مِنْهُ فَلَمَّا دفن تليت هَذِه الْآيَة
على شَفير الْقَبْر لَا يدْرِي من تَلَاهَا {يَا أيتها النَّفس
المطمئنة ارجعي إِلَى رَبك راضية مرضية فادخلي فِي عبَادي
وادخلي جنتي}
(8/515)
|