تفسير البغوي
إحياء التراث مقدمة المحقق
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونتوب إليه من شرور
أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده اللَّهُ فَهُوَ
الْمُهْتَدِ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا
مُرْشِدًا.
وَاشْهَدْ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا
شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ
وَرَسُولُهُ أرسله بالهدى ودين الحق ليظهر، عَلَى الدِّينِ
كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الكافرون.
أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ اللَّهَ جَلَّ ذكره أنزل القرآن مؤلفا
منظما، ونزّله بحسب المصالح منجما، وجعله بالتحميد مفتتحا،
وبالاستعاذة مختتما.
أوحاه على قسمين متشابها ومحكما، وفصّله سورا وسوره آيات، وميز
بينهنّ بفصول وغايات، وما هي إلا صفات مبتدئ مبتدع.
وسمات منشئ مخترع.
فسبحان من المستأثر بالأولية والقدم. ووسم كل شيء سواه بالحدوث
والعدم، أنشأه كتابا ساطعا تبيانه، قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ
ذِي عِوَجٍ، مفتاحا للمنافع الدينية والدنيوية، مُصَدِّقًا
لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الكتب السماوية، معجزا باقيا على
وجه كل زمان، أفحم به من طولب بمعارضته من العرب العرباء، وعن
الإتيان بسورة مثله من الخطباء الفصحاء، ثم سهل على الخلق
تلاوته.
جعل أمثاله عبرا لمن تدبرها، وأوامره هدى لمن استبصرها، وشرح
فيه واجبات الأحكام، وفرّق فيه بين الحلال والحرام، وكرّر فيه
المواعظ والقصص للأفهام، وضرب فيه الأمثال وقص فيه غيب
الأخبار.
ثم لم يرض منها بردّ حروفه دون حفظ حدوده، ولا بإقامة كلماته
دون العمل بمحكماته ولا بتلاوته دون تدبر آياته، ولا بدراسته
دون تعلم حقائقه، وتفهم دقائقه.
ولا حصول لهذه المقاصد منه إلا بدراية تفسيره وأحكامه، ومعرفة
حلاله وحرامه، وأسباب نزوله وأقسامه، والوقوف على ناسخه
ومنسوخه، في خاصه وعامّه، فإنه أرسخ العلوم أصلا، وأسبغها فرعا
وفصلا، وأكرمها نتاجا، وأنورها سراجا، فلا شرف إلا وهو السبيل
إليه، ولا خير إلا وهو الدال عليه.
من حكم به عدل، ومن تَرَكَهُ مِنْ جَبَّارٍ قَصَمَهُ اللَّهُ،
وَمَنِ ابْتَغَى الْهُدَى فِي غَيْرِهِ أَضَلَّهُ اللَّهُ،
وَهُوَ حَبْلُ اللَّهِ المتين، ونوره المبين، والذكر الحكيم،
وهو الَّذِي لَا تَزِيغُ بِهِ الْأَهْوَاءُ، ولا تتشعب معه
الآراء، ولا يمله العلماء، ولا يخلق على كَثْرَةِ الرَّدِّ،
وَلَا تَنْقَضِي عَجَائِبُهُ.
من علم علمه سبق، ومن قال به صدق، وَمَنْ حَكَمَ بِهِ عَدَلَ،
وَمَنْ عمل بما فيه أجر، وَمَنْ دَعَا إِلَيْهِ هُدِيَ إِلَى
صراط مستقيم.
1- أنواع التفاسير:
وقد قيض الله تعالى له رجالا موفقين، وبالحق ناطقين، حتى صنفوا
في سائر علومه المصنفات، وجمعوا في سائر فنونه المتفرقات،
كُلٌّ عَلَى قَدْرِ فَهْمِهِ، وَمَبْلَغِ علمه.
أ- فمنهم من جعل عمدته الحديث والأثر، كالإمام عبد الرزاق بن
همام المتوفى سنة (211) والإمام
(1/9)
عبد بن حميد المتوفى سنة (249) والإمام أبي
جعفر الطبري المتوفى سنة (310) والإمام أبي بكر بن المنذر
المتوفى سنة 318 والإمام أبي محمد بن أبي حاتم المتوفى سنة 327
والإمام أبي بكر أحمد بن موسى بن مردويه المتوفى سنة 410،
والإمام عبد الرحمن بن علي بن الجوزي المتوفى سنة 597.
- والإمام الحافظ إسماعيل بن كثير الدمشقي المتوفى سنة (774) .
ب- ومنهم من جعل عمدته مع الحديث والأثر وأخبار الأقدمين وقصص
الإسرائيليين، وذلك كالإمام أحمد بن محمد الثعلبي المتوفى سنة
427 وتلميذه علي بن أحمد الواحدي لكن في تفسيره «البسيط» وهو
لم يطبع، وأما «الوسيط» وهو مطبوع، فهو مختصر وعبارته موجزة،
ومنهم الإمام الحسين بن مسعود البغوي المتوفى سنة 516 وهو الذي
نحن في صدده.
ت- ومنهم من جعل عمدته الفقه والأحكام كالإمام إسماعيل بن
إسحاق القاضي المالكي المتوفى سنة 282 والإمام عماد الدين بن
محمد المعروف ب الكيا الطبري الهرّاسي المتوفى سنة (504 هـ)
والإمام أبي بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ المعروف
بابن العربي المالكي المتوفى سنة (543 هـ) ، والإمام أبي بكر
أحمد بن علي الرازي الحنفي المعروف بالجصاص- المتوفى سنة (370
هـ) .
ث- ومنهم من جمع بين الفقه والحديث وغير ذلك من علوم الشريعة،
كالإمام أَبِي عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدِ بْنِ أحمد القرطبي
المالكي المتوفى سنة (671 هـ) في كتابه «الجامع لأحكام القرآن»
.
ج- ومنهم من جعل عمدته اللغة والنحو كالإمام محمود بن عمر
الزمخشري في كتابه «الكشاف» المتوفى سنة (538 هـ) .
- والإمام أبي حيان محمد بن يوسف الأندلسي المتوفى سنة 745. في
كتابه «البحر المحيط» .
ح- ومنهم من جعل عمدته مناسبة الآيات والسور كالإمام برهان
الدين إبراهيم بن عمر البقاعي المتوفى سنة 885 في كتابه «نظم
الدرر» .
خ- ومنهم من جعل عمدته المنطق والفلسفة وإثارة الشبه وسرد آراء
أهل العلم من أهل السنة والمبتدعة وغيرهم كالإمام فخر الدين
محمد بن أبي بكر الرازي المتوفى سنة 666 في كتابه «مفاتح
الغيب» .
د- ومنهم من جمع بين الرواية والدراية، وكالإمام محمد بن علي
الشوكاني المتوفى سنة (1250 هـ) كما نص على ذلك في مقدمته.
- ولكلّ مزايا وفوائد وحسنات، وأشياء فيها نظر.
ومن الكتب المعتبرة في علم التفسير كتاب «معالم التنزيل»
للإمام أبي محمد الحسين بن مسعود البغوي المتوفى سنة (516 هـ)
وهو هذا الكتاب.
وكتابه هذا من أجمل كتب التفسير لسهولة عبارته، واتساق ألفاظه
ومعانيه مع ما ضمنه من أحاديث عامتها صحيح أو حسن.
وقد قال الإمام علي بن محمد الخازن المتوفى سنة (725 هـ) في
مقدمة تفسيره ص 3 عن هذا التفسير:
«من أجل المصنفات في علم التفسير وأعلاها وأنبلها وأسناها
جامعا للصحيح من الأقاويل، عاريا عن الشبه والتصحيف والتبديل،
محلّى بالأحاديث النبوية، مطرّزا بالأحكام الشرعية، موشى
بالقصص الغريبة وأخبار الماضين العجيبة، مرصعا بأحسن الإشارات،
مخرجا بأوضح العبارات، مفرغا في قالب الجمال في أصح مقال، فرحم
الله تعالى مصنفه وأجزل ثوابه وجعل الجنة متقلبه ومآبه» . ا.
هـ.
(1/10)
2
- وسبب تصنيفه لهذا التفسير
هو ما ذكره في المقدمة بقوله: «فَسَأَلَنِي جَمَاعَةٌ مِنْ
أَصْحَابِي الْمُخْلِصِينَ، وَعَلَى اقْتِبَاسِ الْعِلْمِ
مُقْبِلِينَ كِتَابًا فِي مَعَالِمِ التَّنْزِيلِ
وَتَفْسِيرِهِ، فَأَجَبْتُهُمْ إِلَيْهِ، مُعْتَمِدًا عَلَى
فَضْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَتَيْسِيرِهِ، مُمْتَثِلًا وَصِيَّةَ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِمْ
فِيمَا يَرْوِيهِ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَالَ «إِنَّ
رِجَالًا يَأْتُونَكُمْ مِنْ أَقْطَارِ الْأَرْضِ
يَتَفَقَّهُونَ فِي الدِّينِ فَإِذَا أَتَوْكُمْ فَاسْتَوْصُوا
بِهِمْ خَيْرًا» وَاقْتِدَاءً بِالْمَاضِينَ من السلف من تدوين
العلم إبقاء على الخلق وَلَيْسَ عَلَى مَا فَعَلُوهُ مَزِيدٌ،
وَلَكِنْ لَا بُدَّ فِي كُلِّ زَمَانٍ مِنْ تَجْدِيدِ مَا
طَالَ به العهد وقصر المطالبين فيه الجد والجهد تنبها
للمتوفقين وَتَحْرِيضًا لِلْمُتَثَبِّطِينَ فَجَمَعْتُ
بِعَوْنِ اللَّهِ تَعَالَى وَحَسُنِ تَوْفِيقِهِ فِيمَا
سَأَلُوا كتابا متوسطا بَيْنَ الطَّوِيلِ الْمُمِلِّ
وَالْقَصِيرِ الْمُخِلِّ، أَرْجُو أَنْ يَكُونَ مُفِيدًا
لِمَنْ أقبل على تحصيله مزيدا.
ولما كان هذا الكتاب من الأهمية بمكان، وأنه يتداوله الطلبة
وكبار العلماء فقد طبع مرات عديدة، وتلك الطبعات خالية عن
التحقيق للنص، وضبط الألفاظ، وتخريج الأحاديث، لذا وقع فيها
التصحيف والتحريف والسقط والزيادات.
عدا نسخة مطبوعة في المدينة المنورة في دار طيبة، فقد اعتنى
محققوها بتحقيق النص، وذكروا أنهم قابلوها على مخطوطات عديدة،
ومع ذلك لا تخلو من تصحيف وأشياء غير ذلك.
وقد خرجت أحاديثها، لكن الغالب في ذلك مجرد العزو من غير بيان
درجة الحديث، ولا دراسة الإسناد.
كما فاتهم ترقيم الأحاديث تسلسليا مع أن عامة الأحاديث في هذا
التفسير مسندة، فينبغي ترقيمها تبعا لكتب الحديث والتفسير
المسندة.
لذا رأيت أن أقوم بهذا العمل المضني الشاقّ، وأصرف همتي إلى
تحقيق الكتاب، وتخريج الأحاديث، ودراسة الأسانيد وغير ذلك، وقد
وفقني الله إلى ذلك، فقابلت الكتاب على نسختين خطيتين، مع
ملاحظة نسخة دار طيبة، ودار المعرفة، واستعنت أيضا بكتب المؤلف
مثل كتاب «شرح السنة» و «الأنوار في شمائل النبي المختار» وكتب
الحديث المعتبرة التي يروي المصنف من طريقها كصحيح البخاري
وغيره، وهذا عند الاضطراب وكثرة الاختلاف، سواء في المتن أو
الإسناد، وذلك لإثبات اللفظ الراجح، وكل ذلك ستجده في موضعه إن
شاء الله تعالى.
3
- فوائد هامة تتعلق بكتب التفسير والمفسرين
اعلم أخي المسلم أن عامة كتب التفسير قد احتوت على أحاديث
ضعيفة وموضوعة، وأخبار إسرائيلية منكرة، وقصص تالفة لا طائل
بذكرها، ومن ذلك الحديث الموضوع في فضائل القرآن سورة سورة حيث
رواه الثعلبي في تفسيره منجما عند كل سورة ما يناسبها وتبعه
على ذلك تلميذه الواحدي وذلك في «الوسيط» وسار على طريقتهما
الزمخشري في «الكشاف» وقد نص الأئمة الحفاظ على وضعه.
جاء في «الموضوعات الكبرى» للحافظ ابن الجوزي في (1/ 239- 242)
ما ملخصه: أنبأنا عبد الوهاب بن المبارك، قال: أنبأنا محمد بن
المظفر بن بكران. قال: أنبأنا أحمد بن محمد العتيقي. قال:
أنبأنا يوسف بن الدخيل. قال: حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ
مُحَمَّدُ بْنُ عمرو العقيلي، قال: حدثني علي بن الحسن بن
(1/11)
عامر قال: حدثنا محمد بن بكار. قال: حدثنا
بزيع بن حسان أبو الخليل. قال: حدثنا عَلِيِّ بْنِ زَيْدِ بْنِ
جُدْعَانَ وعطاء بن أبي ميمونة، كلاهما عَنْ زِرِّ بْنِ
حُبَيْشٍ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم: «يا أبي من قرأ فاتحة
الكتاب أعطي من الأجر ... » ، فذكر سورة سورة، وثواب تاليها
إلى آخر القرآن.
ثم كرر إسناده إلى أبي بن كعب قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى الله عليه وسلّم عرض عليّ القرآن في السنة التي مات
فيها مرتين، وقال: إن جبريل أَمَرَنِي أَنْ أَقْرَأَ عَلَيْكَ
الْقُرْآنَ وهو يقرئك السلام. فقال أبي: فقلت لما قَرَأَ عَلَى
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلّم، كانت لي خاصة فخصني
بثواب القرآن مما علمك الله وأطلعك عليه. قال: نعم يا أبيّ!
أيّما مسلم قرأ فاتحة الكتاب أعطي من الأجر كأنما قرأ ثلثي
القرآن، وأعطي من الأجر كأنما تصدق على كل مؤمن ومؤمنة، ومن
قرأ آل عمران أعطي بكل آية منها أمانا على جسر جهنم، ومن قرأ
سورة النساء أعطي من الأجر كأنما تصدق على كل من ورثه ميراثا،
ومن قرأ سورة المائدة ... ، الحديث.
قال العلامة ابن الجوزي: وقد فرق هذا الحديث أبو إسحاق الثعلبي
في «تفسيره» فذكر عند كل سورة منه ما يخصها، وتبعه أبو الحسن
الواحدي في ذلك، ولا أعجب منهما، لأنهما ليسا من أصحاب الحديث،
وإنما عجبت من أبي بكر بن أبي داود كيف فرقه على كتابه الذي
صنفه في فضائل القرآن، وهو يعلم أنه حديث محال! ولكن شره جمهور
المحدثين فإن من عادتهم تنميق حديثهم ولو بالبواطيل. وهذا حديث
فضائل السور مصنوع بلا شك، وقد روى في فضائل السور أيضا ميسرة
بن عبد ربه. قال عبد الرحمن بن مهدي: قلت لميسرة من أين جئت
بهذه الأحاديث «من قرأ كذا، فله كذا» قال: وضعته حسبة أرغب
الناس فيه، ثم أسند ابن الجوزي عن علي بن الحسين قال: سمعت ابن
المبارك يقول في حديث أُبِيِّ بْنِ كَعْبٍ عَنِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «مَنْ قرأ سورة كذا فله
كذا» قال ابن المبارك: أظن الزنادقة وضعته.
وأسند ابن الجوزي عن محمود بن غيلان سمعت مؤملا يقول: حدثني
شيخ بفضائل السور الذي يروى عن أبي بن كعب، فقلت: من حدثك؟
فقال: حدثني شيخ بالمدائن، وهو حي، فصرت إليه، فقلت: من حدثك؟
فقال: حدثني شيخ بواسط وهو حي، فصرت إليه، فقال: حدثني شيخ
بالبصرة، فصرت إليه، فقال: حدثني شيخ بعبادان، فصرت إليه، فأخذ
بيدي فأدخلني بيتا، فإذا فيه قوم من المتصوفة، ومعهم شيخ،
فقال: هذا الشيخ حدثني، فقلت: يا شيخ من حدثك؟ فقال: لم يحدثني
أحد، ولكنا رأينا الناس قد رغبوا عن القرآن فوضعنا لهم هذا
الحديث ليصرفوا وجوهم إلى القرآن. اهـ باختصار كلام الحافظ ابن
الجوزي رحمه الله. وجاء في «مقدمة علوم الحديث» للعلامة ابن
الصلاح في «باب معرفة الحديث الموضوع» ص 59. مثال: روينا عن
أبي عصمة- وهو نوح بن أبي مريم- أنه قيل له من أين لك عَنْ
عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ في فضائل القرآن سورة سورة؟
فقال: إني رأيت الناس قد أعرضوا عن القرآن، واشتغلوا بفقه أبي
حنيفة ومغازي محمد بن إسحاق، فوضعت هذه الأحاديث حسبة. وهكذا
حال الحديث الطويل الذي يروى عَنْ أَبِيِّ بْنِ كَعْبٍ عَنْ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، في فضل القرآن
سورة فسورة. بحث باحث عن مخرجه حتى انتهى إلى من اعترف بأن
جماعة وضعوه، وإن أثر الوضع لبين عليه، ولقد أخطأ الواحدي
المفسر ومن ذكره من المفسرين في إيداعه تفاسيرهم والله أعلم.
اهـ.
قلت: وممن أودعه الزمخشري في «كشافه» وتبعه البيضاوي تنبيه:
قول ابن الصلاح «بحث باحث» هو مؤمل كما تقدم آنفا.
وجاء في ألفية العراقي، في بحث «الموضوع» بعد أن ذكر أبيات:
(1/12)
نحو أبي عصمة إذ رأى الورى ... زعما نأوا
عن القران فافترى
لهم حديثا في فضائل السور ... عن ابن عباس فبئس ما ابتكر
كذا الحديث عن أبي اعتراف ... راويه بالوضع وبئس ما اقترف
وكل من أودعه كتابه ... كالواحدي مخطئ صوابه
وقد شرح ذلك العلامة السخاوي في «فتح المغيث» (1/ 242) وذكر في
ذلك كلاما، وأنه أورده الثعلبي والواحدي وابن مردويه،
والزمخشري وابن أبي داود. وعلى كل حال هو موضوع، وإن كان له
طرق عن أبيّ. اهـ. باختصار.
وجاء في «منهاج السنة» للحافظ ابن تيمية (4/ 4) ما ملخصه: ما
ينقله الثعلبي في «تفسيره» لقد أجمع أهل العلم بالحديث أنه
يروي طائفة من الأحاديث الموضوعة كالحديث الذي يرويه في أول كل
سورة وأمثال ذلك اهـ. باختصار.
فتبين بقول هؤلاء الأئمة اتفاق الحفاظ على أن حديث فضائل
القرآن سورة سورة إنما هو حديث موضوع مصنوع، وقد أورده
الزمخشري في كشافه تبعا للثعلبي والواحدي وغيرهما.
وقد تتبعته وذكرت في المواضع التي فرقه فيها أنه حديث موضوع،
والحمد لله تعالى.
فوائد عامة
جاء في كتاب «مقدمة في أصول التفسير» للحافظ الإمام ابن تيمية
ما ملخصه:
فصل: في أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم بين
لأصحابه معاني القرآن قال الله تعالى: لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ
مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ [النحل: 44] فَالنَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بين لهم معانيه كما بين لهم
ألفاظه.
ومن التابعين من تلقى القرآن كله عن الصحابة- كما قال مجاهد:
عرضت القرآن، على ابن عباس أوقفه عند كل آية منه، وأسأله عنها.
ولهذا قال الثوري: إذا جاءك التفسير عن مجاهد فحسبك به. ولذا
اعتمد على تفسيره الشافعي والبخاري وأحمد وغيرهم.
والمقصود أن التابعين تلقوا التفسير عن الصحابة كما تلقوا عنهم
السنة.
أ- فصل في اختلاف السلف في التفسير
وهو اختلاف تنوع لا اختلاف تضاد.
كتفسيرهم للصراط المستقيم- بأنه القرآن- أي اتباعه. وقال
آخرون: هو الإسلام. فهذان القولان متفقان، لأن دين الإسلام هو
اتباع القرآن.
ومعرفة سبب النزول يعين على فهم الآية، لأن العلم بالسبب يورث
العلم بالمسبب. وإذا قال الصاحب: نزلت هذه الآية في كذا، وقال
آخر: نزلت في كذا فذكر سببا آخر فيمكن صدقهما بأن تكون نزلت
عقب تلك الأسباب جميعا، ومن التنازع الموجود عنهم: أن يحتمل
اللفظ للأمرين. إما لكونه مشتركا في اللغة كلفظ: (قسورة)
[المدثر: 51] يراد به الراقي، ويراد به الأسد، ولفظ (عسعس)
[التكوير: 17] يراد به إقبال الليل، وإدباره، والأمثلة كثيرة.
(1/13)
ب- فصل في نوعي الاختلاف في التفسير
النوع الأول: ما مستنده النقل أو بغير ذلك.
والنقل: إما أن يكون عن المعصوم أو غيره فمنه ما يمكن معرفة
الصحيح منه والضعيف منه ما لا يمكن.
أما ما يحتاج إليه المسلمون فإن الله نصب على الحق فيه دليلا
فمثال ما لا يفيد ولا دليل على صحته، اختلافهم في لون كلب
أصحاب الكهف، وفي مقدار سفينة نوح، وفي الغلام الذي قتله الخضر
واسمه.
فمثل هذا المنقول عن كعب الأحبار، ووهب وابن إسحاق وغيرهم. ممن
يأخذ عن أهل الكتاب، فهذا لا يجوز تصديقه ولا تكذيبه. إلا بحجة
كما ثبت في الصحيح: «إذا حَدَّثَكُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ، فَلَا
تَصْدِّقُوهُمْ ولا تكذبوهم فإما أن يحدثوكم بحق فتكذبوه، وإما
بباطل فتصدقوه» «فتح الباري» (5/ 323 و8/ 138) «ومسند أحمد»
(4/ 136) ومعلوم أن المنقول في التفسير أكثره يشابه المنقول في
المغازي والملاحم لذا قال الإمام أحمد: ثلاثة أمور ليس لها
إسناد: التفسير، والملاحم، والمغازي، ويروى عنه: ليس لها أصل.
أي إسناد.
لأن الغالب عليها المراسيل مثل ما يذكره عروة والشعبي والزهري
وابن إسحاق والواقدي ونحوهم.
أما التفسير: فأعلم الناس به أهل مكة، لأنهم أصحاب ابن عباس
كمجاهد وعطاء وعكرمة وابن جبير وغيرهم.
والمراسيل: إذا تعددت طرقها وخلت عن المواطأة قصدا كانت صحيحة
اتفاقا.
وللناس في التفسير مذاهب:
الطرف الأول: أهل الكلام ونحوهم ممن هو بعيد عن معرفة الحديث
وأهله لا يميز بين الصحيح والضعيف، فيشك في صحة أحاديث مقطوع
بصحتها.
وطرف ثان: يدّعي اتّباع الحديث لكن كلما وجد لفظا في حديث رواه
ثقة يجعله دليلا له، ولكنه إذا وجد ما يخالف مذهبه أخذ يتكلف
له ويتأوله.
وكما أن هناك أدلة على القطع بصحة الحديث فإن هناك أدلة تقطع
بكذب ما يرويه الوضاعون من أهل البدع والغلو في الفضائل. مثل
حديث «من صلّى ركعتين يوم عاشوراء له أجر كذا وكذا نبيا» في
التفسير من هذه الموضوعات كثير. ومثل الحديث الذي يرويه
الثعلبي والواحدي والزمخشري في فضائل السور سورة سورة، فهو
موضوع باتفاق أهل العلم.
والثعلبي: هو في نفسه فيه خير ودين، ولكنه كحاطب ليل ينقل من
كتب التفسير الصحيح والضعيف والموضوع.
والواحدي صاحبه، كان أبصر منه بالعربية، لكنه أبعد منه عن
اتباع السلف، والبغوي: تفسيره مختصر من الثعلبي، لكنه صان
تفسيره عن الأحاديث الموضوعة والآراء المبتدعة.
(1/14)
ت- فصل: الموضوعات في كتب التفسير كثيرة
منها مثلا حديث علي، وتصدقه بخاتمة في الصلاة فإنه موضوع
باتفاق أهل العلم. ومثل ما روي:
وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ [الرعد: 7] إنه علي، ومثل وَتَعِيَها
أُذُنٌ واعِيَةٌ
[الحاقة: 12] أذنك يا علي!! النوع الثاني: الخلاف الواقع في
التفسير من جهة الاستدلال لا من جهة النقل وهذا الخلاف وقع فيه
ما بعد تابع التابعين لذا فالتفاسير التي مادتها أقوال الصحابة
والتابعين تخلو من هذا الخلاف كتفاسير عبد الرزاق ووكيع بن
الجراح وعبد بن حميد وعبد الرحمن بن دحيم، وتفسير الإمام أحمد
وإسحاق وبقي بن مخلد وابن المنذر وابن عيينة وسنيد والطبري
وابن أبي حاتم وأبي سعيد الأشج وابن ماجه وابن مردويه.
أما ما بعدهم فهما صنفان:
أحدهما: قوم اعتقدوا معاني ثم أرادوا حمل ألفاظ القرآن عليها؟!
والثاني: قوم فسروا القرآن بمجرد ما يسوغ أن يريده من كان
ناطقا بالعربية فصيحا بكلامه، من غير ملاحظة المتكلم بالقرآن
من هو، والمنزل عليه من هو، والمخاطب به من هو.
- فالأولون: راعوا المعنى الذي ذهبوا إليه، وكثيرا ما يغلطون
في صحة المعنى.
- والآخرون: راعوا مجرد اللفظ وهؤلاء كثيرا ما يغلطون في حمل
الألفاظ.
والأولون صنفان: تارة يسلبون القرآن ما دل عليه وما أريد به،
وتارة يحملونه على ما لم يدل عليه وفي كلا الأمرين يكون ما
رأوه باطلا. وكما وقع لهؤلاء في القرآن وقع لهم مقابله في
الحديث ومن هؤلاء: الخوارج والروافض والجهمية والمعتزلة
والقدرية والمرجئة.
فالمعتزلة مثلا من أعظم الناس كلاما وجدالا، وقد صنفوا تفاسير
على أصول مذهبهم، مثل تفسير ابن كيسان وابن علية الذي كان
يناظر الشافعي، ومثل كتاب الجبائي والتفسير الكبير للقاضي عبد
الجبار الهمذاني والجامع لعلم القرآن لعلي بن عيسى الرماني
والكشاف للزمخشري فهؤلاء وأمثالهم اعتقدوا مذاهب المعتزلة،
وأصول المعتزلة خمسة يسمونها: التوحيد، والعدل، والمنزلة بين
المنزلتين، وإنفاذ الوعيد وَالْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ
وَالنَّهْيَ عَنِ الْمُنْكَرِ. وتوحيدهم هو توحيد الجهمية الذي
مضمونه نفي الصفات، وقالوا:
إن الله لا يرى، والقرآن مخلوق، ولا يقوم بالله علم ولا حياة
ولا سمع ولا بصر ... إلخ. وأما عدلهم فمضمونه: أن الله لم يشأ
جميع الكائنات ولا خلقها كلها، ولا هو قادر عليها كلها وأفعال
العباد لم يخلقها، لا خيرها ولا شرها، ولم يرد إلا ما أمر به
شرعا، وما سوى ذلك فإنه يقع بغير مشقة.
ومن أصول المعتزلة واتفاقهم مع الخوارج في إنفاذ الوعيد في
الآخرة، وأن الله لا يقبل في أهل الكبائر شفاعة، ولا يخرجون من
النار.
وقد رد عليهم المرجئة والكرامية والكلابية فأحسنوا في ردهم
تارة وأساؤوا تارة.
والمقصود: أن مثل هؤلاء رأوا رأيا فحملوا ألفاظ القرآن عليه،
وليس لهم سلف من الصحابة والتابعين لهم بإحسان.
ومن هؤلاء من يكون حسن العبادة فصيحا ويدس البدع في كلامه
كصاحب «الكشاف» ونحوه وبسبب دخول هؤلاء في الكلام دخلت الرافضة
الإمامية والفلاسفة والقرامطة.
(1/15)
وتفاقم الأمر في الفلاسفة والقرامطة
والرافضة فإنهم فسروا القرآن بأشياء غريبة كقول الرافضة في
تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ [المسد: 1] : هما أبو بكر وعمر،
وإِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا
الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ
راكِعُونَ (55) [التوبة: 55] : هو علي، ويذكرون في ذلك الحديث
الموضوع بإجماع أهل اعلم، وهو تصدقه بخاتمه في الصلاة.
ومما يقارب هذه الوجوه، ما يذكره كثير من المفسرين في مثل:
الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقانِتِينَ
وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحارِ (17) [آل
عمران: 17] .
الصابرين: رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم.
الصادقين: أبو بكر، القانتين: عمر. المنفقين: عثمان.
المستغفرين:
علي.
وفي مثل: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أبو
بكر أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ عمر رُحَماءُ بَيْنَهُمْ
عثمان تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً [الفتح: 29] علي!؟
وأمثال ذلك من الخرافات التي تارة تتضمن تفسير اللفظ بما لا
تدل عليه بحال، والصواب أن ما تقدم هي عدة صفات لموصوف واحد
عام في كل مؤمن ومن البدع جعلهم اللفظ المطلق العام مختصا في
شخص واحد. مثل: إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ
وَالَّذِينَ آمَنُوا [المائدة: 55] هو علي، ومثل: وَالَّذِي
جاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ [الزمر: 33] ، أبو بكر، ومثل:
لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ
[الحديد: 10] أبو بكر، ونحو ذلك. «وتفسير ابن عطية» وأمثاله،
أتبع للسنة من تفسير «الكشاف» وأسلم من البدعة، وتفسير الطبري
من أجل التفاسير وأعظمها قدرا.
وأما الذين يخطئون في الدليل لا في المدلول: فالصوفية مثلا
والوعاظ والفقهاء، فقد يفسّرون القرآن بمعان صحيحة لكن القرآن
لا يدل عليها، وذلك كالذي يذكره أبو عبد الرحمن السلمي في
«حقائق التفسير» .
ث- تفسير القرآن بأقوال الصحابة
وذلك إذا لم تجد التفسير لآية في القرآن ولا في السنة رجعت إلى
أقوال الصحابة فإنهم أدرى لما شاهدوه، ولما لهم من الفهم التام
والعلم الصحيح، كالخلفاء الأربعة وابن مسعود، وابن عباس. لذا
فغالب ما يرويه إسماعيل السدي الكبير في «تفسيره» إنما عن ابن
مسعود وابن عباس، ولكن ينقل عنهم ما يحكونه عن أهل الكتاب
أحيانا، وقد أباح ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه
وسلّم «حدثوا عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا حَرَجَ» (هو بعض
حديث أخرجه البخاري وأحمد والدارمي والترمذي، ولهذا كان عبد
الله بن عمرو، قد أصاب يوم اليرموك زاملتين من كتب أهل الكتاب
فكان يحدث منهما أحيانا.
ج- والإسرائيليات ثلاث أقسام
أحدها: ما علمنا صحته مما بأيدينا مما يشهد له بالصدق، فهذا
صحيح.
الثاني: ما علمنا كذبه لكونه خالف ما عندنا.
الثالث: مسكوت عنه، فلا نكذبه ولا نصدقه، وتجوز حكايته لما
تقدم وغالب ذلك لا فائدة فيه تعود على الدين.
ولذا يختلف علماء أهل الكتاب فيظهر هذا أثناء النقل عنهم مثل:
أسماء أصحاب الكهف، ولون
(1/16)
كلبهم، وعدتهم، وعصا موسى، وأسماء الطيور
التي أحياها إبراهيم عليه السلام ... إلخ، مما أبهمه القرآن
لأنه لا فائدة في تعيينه، ونقل الخلاف عنهم جائز كما قال
تعالى: سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ [الكهف:
22] الآية. فقد اشتملت هذه الآية على الأدب في هذا المقام
وتعليم ما ينبغي فإنه تعالى أخبر عنهم بثلاثة أقوال ضعف
القولين الأولين، وسكت عن الثالث فدل على صحته إذ لو كان باطلا
لرده كما ردهما، ثم أرشد إلى أن العلم بعدهم لا طائل تحته.
فهذا أحسن ما يكون في حكاية الخلاف، وذلك بأن تستوعب الأقوال،
ثم ينبه على الصحيح، ويبطل الباطل، وتذكر فائدة الخلاف.
ح- فصل في التفسير بأقوال التابعين
وذلك إذا لم نجد في القرآن والسنة ولا عن الصحابة فيرجع في ذلك
إلى التابعين كمجاهد بن جبر، فإنه آية في التفسير، وسعيد بن
جبير وعكرمة مولى ابن عباس وَعَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ
وَالْحَسَنِ البصري، وابن المسيب، وأبي العالية وغيرهم، قال
شعبة بن الحجاج: أقوال التابعين في الفروع ليست حجة فكيف تكون
حجة في التفسير، وهذا إذا اختلفوا أما إذا اتفقوا فهو حجة.
خ- تفسير القرآن بالرأي
فأما تفسير القرآن بالرأي فحرام، وفي الحديث: «مَنْ قَالَ فِي
الْقُرْآنِ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ
النَّارِ» .
وأخرج الترمذي عن جندب مرفوعا: «مَنْ قَالَ فِي الْقُرْآنِ
بِرَأْيِهِ فأصابه، فقد أخطأ» قال الترمذي:
هذا حديث حسن غريب اهـ وروى أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ
سَلَّامٍ عن أبي بكر، وقد سئل عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى:
وَفاكِهَةً وَأَبًّا (31) [عبس: 31] فَقَالَ: أَيُّ سَمَاءٍ
تُظِلُّنِي، وَأَيُّ أَرْضٍ تُقِلُّنِي إِذَا قُلْتُ فِي كتاب
الله ما لم أعلم.
وروى أبو عبيد عن عمر أنه تلا هذه الآية وقال: هذه الفاكهة
عرفناها فما الأب، ثم رجع إلى نفسه، فقال: إن هذا لتكلف يا
عمر.
ولذا روى أبو عبيد عن مسلم بن يسار قال: إذا حدثت عن الله فقف
حتى تنظر ما قبله، وما بعده.
وروى أبو عبيد عن ابن المسيب أنه كان إذا سئل عن الحلال
والحرام كان أعلم الناس، وإذا سئل عن آية سكت كأن لم يسمع.
وروى الطبري عن ابن عباس قال: التفسير على أربعة أوجه: وجه
تعرفه العرب في كلامها، ووجه يعرفه كل الناس، ووجه لا يعلمه
إلا العلماء، ووجه لا يعلمه إلا الله تبارك وتعالى ذكره اهـ.
كلام ابن تيمية من «مقدمة في أصول التفسير» .
وجاء في الأسئلة العشرة والأجوبة الفاضلة للكنوي ص 101: ما
ملخصه: وقال ابن تيمية في «منهاج السنة» (414) ما ينقله
الثعلبي في تفسيره لقد أجمع أهل العلم بالحديث أنه يروي طائفة
في الأحاديث الموضوعة وهكذا الواحدي تلميذه. وقد أجمع أهل
العلم بالحديث على أنه لا يجوز الاستدلال بمجرد خبر يرويه
الثعلبي والنقاش والواحدي وأمثالهم، لكثرة ما يروونه من
الحديث. ويكون ضعيفا بل موضوعا.
(1/17)
قال الشيخ عبد الفتاح أبو غدة في
«التعليقات الحافلة» : والثعلبي له تفسير وعرائس المجالس في
قصص الأنبياء، وهو مطبوع منتشر، وفيه بلايا وزايا!! وأما
الواحدي: فله كتاب أسباب النزول، وهو مطبوع وله في التفسير
ثلاثة كتب البسيط والوسيط والوجيز، وهذا الأخير طبع بمصر قال
شيخ شيوخنا الكتاني: في تفسير الثعلبي وقصصه أحاديث موضوعة
وقصص باطلة. قال الشيخ عبد الفتاح أبو غدة:
ومن الموضوع حديث فضائل السور سورة سورة، ذكره الثعلبي
والواحدي في أوائل كل سورة، وذكره الزمخشري في أواخر كل سورة،
وهو كذب باتفاق المحدثين.
وقال الشيخ عبد الفتاح أبو غدة: وقد سلك الحافظ ابن كثير في
تفسيره مسلكا حسنا فبين علل الأحاديث وسرد أسانيدها وتكلم على
رواتها ومع ذلك فقد ندّ منه بعض الأحاديث فأورده بسنده دون أن
ينبه عليه مثال ذلك: حديث ثعلبة عند قَوْلُهُ تَعَالَى:
وَمِنْهُمْ مَنْ عاهَدَ اللَّهَ [التوبة: 75] فذكره بسنده من
رواية ابن جرير وابن أبي حاتم، دون أن ينتقد سندها كعادته، وهي
قصة تالفة، في إسنادها معان بن رفاعة قال البخاري: منكر
الحديث، أي لا يحل الرواية عنه. هكذا يعني البخاري بقوله.
لذا قال ابن حجر: ضعيف جدا.
ومع ذلك يمكن أن نقول: أحسن التفاسير المسندة التي بين أيدينا
تفسير ابن كثير ثم قال الشيخ عبد الفتاح أبو غدة: وقال ابن
تيمية في كتابه «الرد على البكري» ص 8: إذا كان في تفسيري
الثعلبي والواحدي ونحوهما الموضوع في الفضائل والتفسير ما لم
يجز الاعتماد عليه فكيف بغيرها كتفسير أبي القاسم القشيري ابن
صاحب الرسالة القشيرية. وأبي الليث السمرقندي، وحقائق- التفسير
للسلمي فإن فيها ما يعلم أنه من أعظم الكذب؟! مع أن هؤلاء أهل
دين وصلاح اهـ.
د- المفسرون المكثرون
1- ابن عباس: هو أكثر الصحابة وأشهرهم تفسيرا للقرآن الكريم
كان له مدرسة تخرج منها مجاهد وعكرمة وغيرهما. روى له الأئمة
الستة: هو عبد الله بن عباس الإمام البحر عالم العصر، مَاتَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم، وله ثلاث عشرة
سنة، وقد دعا لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم
الله أن يفقهه في الدين، ويعلمه التأويل.
روى الأعمش عن أبي وائل: استعمل علي ابن عباس على الحج فخطب
يومئذ خطبة، لو سمعها الترك والروم لأسلموا، ثم قرأ عليهم سورة
النور فجعل يفسرها. توفي بالطائف سنة ثمان وستين اهـ.
«تذكرة الحفاظ» (1/ 40) .
2- الحسن بن أبي الحسن بن يسار البصري: الإمام شيخ الإسلام أبو
سعيد يقال: مولى زيد بن ثابت نشأ بالمدينة، وحفظ القرآن في
خلافة عثمان، لازم الجهاد والعلم والعمل حدث عن عثمان والمغيرة
وابن عباس، وحدث عنه قتادة وأيوب وابن عون.
وقد أفردت في ترجمته جزءا سميته: الزخرف القصري، توفي سنة 110
وله ثمان وثمانون سنة اهـ. «تذكرة الحفاظ» (1/ 71) .
3- سعيد بن جبير: الكوفي المقرئ الفقيه أحد الأعلام سمع ابن
عباس وابن عمر وطائفة، وعنه الأعمش وأيوب قتله الحجاج سنة: 95
لكونه قاتله مع ابن الأشعث وكان ابن عباس إذا حج أهل الكوفة
وسألوه يقول: أليس فيكم سعيد بن جبير؟! وكان لا يدع أحدا يغتاب
عنده.
4- مجاهد بن جبر: الإمام المخزومي مولاهم المكي المقرئ المفسر
الحافظ، سمع سعدا وعائشة وأبا
(1/18)
هريرة وابن عمر وابن عباس ولزمه مدة وقرأ
عليه القرآن.
روى عنه قتادة والأعمش وخلق.
قال مجاهد: عرضت القرآن على ابن عباس ثلاث عرضات، أقف عند كل
آية أسأله فيم نزلت وكيف كانت.
روى عنه الأئمة الستة، توفي سنة (103) وقد بلغ ثلاثا وثمانين
سنة اهـ. «تذكرة الحفاظ» للذهبي (1/ 92) .
5- عكرمة أبو عبد الله البربري: ثم المدني الهاشمي مولى ابن
عباس، روى عن مولاه وعائشة وأبي هريرة، وحدث عنه أيوب والحذاء
وخلق، روى له الستة، قال عكرمة: طلبت العلم أربعين سنة. وكان
ابن عباس يضع الكبل في رجلي على تعليم القرآن والسنن.
كان الحسن إذا قدم عكرمة البصرة أمسك عن التفسير والفتيا، ما
دام عكرمة بالبصرة، قاله قرة بن خالد. توفي سنة 107 بالمدينة
اهـ (تذكرة الحفاظ للذهبي) (1/ 95) .
6- قتادة بن دعامة: الحافظ العلامة البصري: الكفيف الأكمه
المفسر حدث عن أنس وابن المسيب وخلق وحدث عن شعبة ومعمر.
وقال ابن المسيب: ما أتاني عراقي أحفظ منه.
توفي سنة 118 روى له الستة اهـ. تذكرة الحفاظ (1/ 122) .
7- كعب الأحبار: هو كعب بن ماتع الحميري من كبار أهل الكتاب،
أسلم في زمن أبي بكرة، ووفد في خلافة عمر، وأخذ عنه بعض
الصحابة والتابعين، توفي في خلافة عثمان، وبعض النقاد في ريب
منه، إذ استمر في رواية الإسرائيليات والأباطيل.
8- وهب بن منبه: هو الحافظ الصنعاني عالم اليمن، روى عَنِ
ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وجابر وغيرهم، وعنده علم أهل
الكتاب، وحديثه في الصحيحين والسنن إلا ابن ماجه، كان ثقة واسع
العلم إلا أن أكثر من رواية الإسرائيليات، توفي سنة (114) .
والآن أذكر جملة من المفسرين ممن تكلم فيهم.
9- مقاتل بن سليمان: هو البلخي المفسر، روى عن مجاهد والضحاك،
وعنه علي بن الجعد وآخرون.
قال ابن المبارك: ما أحسن تفسيره لو كان ثقة.
وقال الشافعي: الناس عيال في التفسير على مقاتل بن سليمان، اهـ
الميزان للذهبي (4/ 173) .
10- الضحاك بن مزاحم البلخي: المفسر، قال ابن عدي: إنما عرف
بالتفسير، وأما رواياته عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي
هُرَيْرَةَ ففيها نظر، ووثقه أحمد وضعفه القطان وكان شعبة ينكر
أن يكون لقي ابن عباس، ومع ذلك وثقه يحيى وأحمد وأبو زرعة اهـ
الميزان للذهبي (2/ 325) .
11- الكلبي: هو محمد بن السائب المفسر النسابة الأخباري، روى
له الترمذي اهـ (الميزان للذهبي) (3/ 556) .
قال الثوري: اتقوا الكلبي. فقيل له: أنت تروي عنه. فقال: أنا
أعرف صدقه من كذبه.
قال البخاري: قال المديني: قال الكلبي للثوري: كل ما حدثتك عن
أبي صالح فهو كذب- يقصد
(1/19)
عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عباس.
قال ابن عدي: رضوه في التفسير، وأما الحديث فعنده مناكير.
وقال ابن حبان: كان سبائيا يقول بالرجعة لعلي.
وقال أحمد بن زهير: قلت لأحمد: يحل النظر في تفسير الكلبي
قالا: لا.
وقال ابن معين: غير ثقة. كذبه الجوزجاني. قال ابن حبان: يروى
عن أبي صالح عن ان عباس التفسير، وأبو صالح لم ير ابن عباس،
ولا سمع الكلبي من أبي صالح إلا الحرف بعد الحرف، لا يحل ذكره
في الكتب فكيف الاحتجاج به اهـ (الميزان للذهبي) (2/ 556) .
12- جويبر بن سعيد: هو البلخي المفسر صاحب الضحاك روى له ابن
ماجه، قال النسائي والدارقطني وغيرهما: متروك.
وقال يحيى القطان: تساهلوا في أخذ التفسير عن القوم لتولعهم في
الحديث ثم قال: جويبر والضحاك والكلبي لا يحمد حديثهم ويكتب
التفسير عنهم اهـ. (الميزان للذهبي) (1/ 427) .
13- السدي الكبير: روى له مسلم، وأصحاب السنن. وروى عن أنس
وجماعة، وعنه الثوري وخلق. وثقه أحمد ولينه ابن معين، وقال ابن
عدي: هو عندي صدوق مر النخعي بالسدي، وهو يفسر لهم القرآن
فقال: أما إنه يفسر تفسير القوم. اهـ. (الميزان للذهبي) (1/
236) .
14- السدي الصغير: محمد بن مروان يروي عن الأعمش وغيره، تركوه
وبعضهم اتهمه بالكذب، وهو صاحب الكلبي.
قال البخاري: سكتوا عنه اهـ. (الميزان للذهبي) (4/ 32) .
15- النقاش: محمد بن الحسن الموصلي المقرئ المفسر، قرأ
بالروايات ورحل. وتعب واحتيج إليه.
قال طلحة بن محمد الشاهد: كان النقاش يكذب في الحديث والغالب
عليه القصص.
وقال أبو القاسم اللالكائي: تفسير النقاش المسمى (شفاء الصدور)
، هو إشقاء الصدور اهـ (الميزان للذهبي) (3/ 520) .
16- الثعلبي: هو أحمد بن محمد أبو إسحاق النيسابوري: المفسر
كان حافظا واعظا، رأسا في التفسير والعربية متين الديانة توفي
سنة (427) هـ (العبر للذهبي) (2/ 255) .
17- الواحدي: هو علي بن أحمد النيسابوري تلميذ الثعلبي وأحد من
برع في العلم، كان رأسا في العربية توفي سنة: (468) اهـ.
(العبر للذهبي) (2/ 322) .
ذ- أئمة التفسير بالأثر
1- عبد الرزاق الصنعاني: هو ابن همام الحافظ الحميري صاحب
التصانيف، روى عن ابن جريج والأوزاعي والثوري وخلق، وعنه أحمد
وإسحاق ويحيى، قال الذهبي: قلت: وثقه غير واحد، وحديثه مخرج في
الصحاح، وله ما ينفرد به، نقموا عليه التشيع، وما كان يغلو
فيه، توفي سنة (211) هـ.
(تذكرة الحفاظ) (1/ 364) .
2- النسائي: هو الإمام الحافظ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ
أَحْمَدُ بْنُ شعيب بن علي النسائي- نسبة إلى نسا- بلدة بفارس،
له كتاب السنن الكبرى، والمجتبئ والتفسير، وخصائص علي، وغير
ذلك من الكتب
(1/20)
والمصنفات، توفي سنة (303 هـ) رحمه الله
تعالى.
3- محمد بن جرير الطبري: الإمام الفرد الحافظ أبو جعفر، صاحب
التصانيف من أهل طبرستان سمع ابن منيع وخلق، وحدث عنه الطبراني
وآخرون.
قال ابن خزيمة: ما أعلم على أديم الأرض أعلم من ابن جرير، ولكن
ظلمته الحنابلة.
له كتاب التاريخ والتفسير والقراءات واختلاف العلماء وتاريخ
الرجال وغيرهم، توفي سنة 310 هـ «تذكرة الحفاظ» (2/ 710) .
4- ابن المنذر: الحافظ العلامة الفقيه الأوحد أَبُو بَكْرٍ
مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ النيسابوري شيخ الحرم صاحب الكتب،
لم يؤلف مثلها ككتاب المبسوط في الفقه وغيره، كان مجتهدا لا
يقلد أحدا حدث عنه ابن المقرئ وغيره، وسمع ابن الصائغ وخلقا،
توفي سنة 318 هـ (تذكرة الحفاظ) (3/ 772) .
5- ابن أبي حاتم: الإمام الحافظ الناقد شيخ الإسلام عبد الرحمن
بن الحافظ الكبير أبي حاتم الرازي، ارتحل به أبوه، فأدرك
الأسانيد العالية، روى عنه أبو الشيخ ابن حيان، وآخرون توفي
سنة (327) له كتاب «الجرح والتعديل» «والتفسير» في عدة مجلدات،
«والرد على الجهمية» اهـ (تذكرة الحفاظ) (3/ 829) .
دراسة حول الكتاب ومؤلفه
1- البغوي الإمام المفسر:
- إن الطريقة التي اتبعها المؤلف في هذا التفسير هو أنه يفسر
القرآن بالقرآن وبالحديث النبوي، وبالآثار الواردة عن الصحابة
والتابعين، وبأقوال العلماء.
- ويسرد عند كل سورة أو آية ما ورد في فضلها أو تفسيرها أو سبب
نزولها.
- ويتعرض للمعنى اللغوي، لكن باختصار. ويتعرض أيضا للقراءات
لكن مع الاختصار، وقد تحاشى رحمه الله ما ولع به كثير من
المفسرين من مباحث الإعراب والتطويل في ذلك والاستطراد في علوم
وأبحاث لا تعلق لها بعلم التفسير.
وربما ذكر الإسرائيليات من غير تعقيب، وأحيانا يورد الإشكال
على ظاهر النظم فيجيب عنه، كما أنه ينقل الخلاف عن السلف في
التفسير ويذكر الروايات عنهم في ذلك، من غير توهين لرواية أو
تصحيح لأخرى.
وقد قال واصفا الطريقة التي سلكها في مقدمته: «فَجَمَعْتُ
بِعَوْنِ اللَّهِ تَعَالَى وَحَسُنِ توفيقه كتابا وسطا بين
الطويل المحل وَالْقَصِيرِ الْمُخِلِّ، أَرْجُو أَنْ يَكُونَ
مُفِيدًا لِمَنْ أَقْبَلَ عَلَى تَحْصِيلِهِ مريدا» .
2- البغوي الإمام المحدث:
- إن الصورة التي تركها المصنف من خلال هذا التفسير هي أنه
إمام محدث عالم به رواية ودراية.
- أما الرواية فقد أسند أكثر الأحاديث المرفوعة الواردة في هذا
التفسير.
- وأما الدراية فقد تحرى في تلك الأحاديث الصحيح ما استطاع إلى
ذلك سبيلا، لذا روى الكثير من طريق البخاري وسائر الكتب
المعتمدة.
(1/21)
- وقال عنه شيخ الإسلام ابن تيمية في
«مقدمة في أصول التفسير» ص 19: والبغوي تفسيره مختصر من
الثعلبي، لكنه صان تفسيره عن الأحاديث الموضوعة، والآراء
المبتدعة.
- وقال في «الفتاوى» 2/ 193 وقد سئل عن أي التفاسير أقرب إلى
الكتاب والسنة: الزمخشري، أم القرطبي، أم البغوي؟ أم غير
هؤلاء.
فقال: أما التفاسير الثلاثة المسئول عنها فأسلمها من البدعة
والأحاديث الضعيفة البغوي، لكنه مختصر من تفسير الثعلبي، وحذف
منه الأحاديث الموضوعة والبدع التي فيه، وحذف أشياء غير ذلك.
- قلت: وعامة ما يرويه صحيح أو حسن.
- وربما روى الضعيف فمن ذلك: الحديث برقم: 17 و43 و58 و80 و106
و120 و157 و233 و414 و446 و450 و653 و1119.
وربما روى الضعيف لكن أشار إلى ذلك حيث ذكره بصيغة التمريض فمن
ذلك الحديث 38 و439 و917 ...
- وربما روى الضعيف جدا: فمن ذلك الحديث برقم: 308 و439 و446
و488 و593 و628 و1131 و1144،،،- وربما روى الموضوع أو الباطل
وهذا نادر جدا في هذا التفسير: فمن ذلك الحديث برقم: 580 و726
و812 و857 و1094 و891.
- وأكثر ما يقع هذا النوع في أسباب النزول.
- وربما روى حديثا مرفوعا لكن الراجح وقفه: فمن ذلك الحديث
برقم: 6 و8 و414 و415 و447 و831 و1119 و1144.
- وربما روى حديثا ضعيف الإسناد لكن له شواهد: فمن ذلك الحديث:
20 و104 و111 و259 و652 و865 و950 و994 ...
- وربما روى حديثا بعضه صحيح، وبعضه ضعيف أو منكر: فمن ذلك
الحديث برقم: 41 و45 و629 و1022 و1182.
- وربما روى خبرا وهو منتزع من حديثين. فمن ذلك الحديث 871.
- تنبيه: وما ذكرته من أمثلة على الأحاديث الواهية الواردة في
هذا التفسير لا يعني الطعن بهذا الكتاب أو مؤلفه، بل هو حقا
أقل التفاسير ذكرا للأحاديث الواهية والمنكرة.
- بل عامة ما ساقه من هذه الأحاديث قد أشار إلى ضعفه فإما جرده
عن الإسناد، أو ذكره بصيغة التمريض.
أو ساق ما ورد مرفوعا على أنه موقوف ونحو ذلك.
وقد قال رحمه الله في مقدمته: وما ذكرته مِنْ أَحَادِيثِ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي
أَثْنَاءِ الْكِتَابِ عَلَى وِفَاقِ آيَةٍ أَوْ بَيَانِ
حُكْمٍ، فَإِنَّ الْكِتَابَ يُطْلَبُ بيانه من السنة، وعليها
مَدَارُ الشَّرْعِ وَأُمُورُ الدِّينِ، فَهِيَ مِنَ الْكُتُبِ
الْمَسْمُوعَةِ لِلْحُفَّاظِ وَأَئِمَّةِ الحديث.
وقد ساق المصنف عامة الآثار الموقوفة والمقطوعة في أثناء
الكتاب بدون إسناد، واكتفى بأنه ساق إسناده إلى هؤلاء الأئمة
في أول الكتاب، قصد بذلك الاختصار.
(1/22)
- ومع ذلك فقد أورد آثارا عن ابن عباس
وغيره من وجوه وطرق ليست في أول الكتاب.
ومما يؤخذ على المصنف رحمه الله نقله عن الكلبي ومقاتل وجويبر
وغيرهم ممن هو متروك أو متهم بالكذب، لكن الظاهر أنه تابع
غيره، فعامة المفسرين ينقلون عن هؤلاء وغيرهم.
- وأكثر ما نقل عن هؤلاء هو في باب أسباب النزول.
3- البغوي الإمام اللغوي:
إن الصورة التي تركها الإمام البغوي من خلال هذا التفسير هي
أنه إمام لغوي، يفسر الآية، ويبين معناها بلفظ موجز سهل، بحيث
يفهمه الطالب المتخصص وغير المتخصص.
- وهو يعتمد الاختصار في مباحث النحو والإعراب فكتابه مختصر عن
كتابي الثعلبي والواحدي.
- وربما ذكر أقوالا عن أئمة اللغة مع العزو لقائله، وهذا قليل
فمن ذلك: عند قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّ اللَّهَ لَا
يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَما
فَوْقَها [البقرة: 26] . فقال فَما فَوْقَها يَعْنِي:
الذُّبَابَ وَالْعَنْكَبُوتَ، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: أَيْ
فَمَا دُونَهَا كَمَا يُقَالُ: فُلَانٌ جَاهِلٌ، فَيُقَالُ
وَفَوْقَ ذَلِكَ، أَيْ: وَأَجْهَلُ.
- وقال في الآية وَإِذْ قالَ رَبُّكَ [البقرة: 31] قَالَ
الْمُبَرِّدُ: إِذَا جَاءَ إِذْ مَعَ الْمُسْتَقْبَلِ كَانَ
مَعْنَاهُ مَاضِيًا كقوله تعالى: وَإِذْ يَمْكُرُ [الأنفال:
30] يريد وإذا مكر، وَإِذَا جَاءَ إِذَا مَعَ الْمَاضِي كَانَ
مَعْنَاهُ مُسْتَقْبَلًا، كَقَوْلِهِ: فَإِذا جاءَتِ
الطَّامَّةُ [النازعات: 34] وإِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ أي:
يجيء.
- وقال في قول تعالى: وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ ...
[البقرة: 177] «وَالصَّابِرِينَ» : وَفِي نَصْبِهَا أَرْبَعَةُ
أَوْجُهٍ: قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: نَصْبُهَا عَلَى تطاول
الكلام ... وَقَالَ الْخَلِيلُ: نُصِبَ عَلَى الْمَدْحِ.
- وقال عند قوله تعالى: فَرِهانٌ [البقرة: 283] «فرهان» :
جَمْعُ رَهْنٍ، مِثْلُ: بَغْلٍ وَبِغَالٍ، وَجَبَلٍ وَجِبَالٍ،
وَالرُّهُنُ جَمْعُ، الرِّهَانِ: جَمْعُ الْجَمْعِ، قَالَهُ
الْفَرَّاءُ وَالْكِسَائِيُّ.
- وقال أبو عبيدة وَغَيْرُهُ: هُوَ جَمْعُ الرَّهْنِ أَيْضًا
مثل: سقف وسقف.
4- البغوي الإمام الفقيه:
إن الصورة التي تركها المصنف من خلال هذا التفسير هي أنه إمام
فقيه لكنه يعتمد الاختصار في ذلك كما ذكر في مقدمته.
- فمن المسائل الفقهية التي سلك فيها الاختصار مسألة السعي بين
الصفا والمروة.
- فقال عند قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ
مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ ... [البقرة: 158] وَاخْتَلَفَ أَهْلُ
الْعِلْمِ فِي حُكْمِ هَذِهِ الْآيَةِ، وَوُجُوبِ السَّعْيِ
بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ،
فَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى وُجُوبِهِ، وَهُوَ قول ابن عمرو
وَجَابِرٍ وَعَائِشَةَ، وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ، وَإِلَيْهِ
ذَهَبَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ.
- وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُ تَطَوُّعٌ، وَهُوَ قَوْلُ
ابْنِ عَبَّاسٍ، وَبِهِ قَالَ ابْنُ سَيْرَيْنِ وَمُجَاهِدٌ،
وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الثَّوْرِيُّ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ،
وَقَالَ الثَّوْرِيُّ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ عَلَى مَنْ
تَرَكَهُ دم.
- ثم أسند حديثين دليلا لمن أوجبه.
- ومن ذلك ما ذكره في بحث أكل الميتة ونحو ذلك للمضطر، وذلك
عند قوله تعالى: إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ ...
[البقرة: 58] .
- ومن الأبحاث التي اختصر فيها بحث الوصية عند الآية 180 من
سورة البقرة ... إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ.
(1/23)
- ومن ذلك الكلام على اليمين والكفارة في
سورة البقرة لَا يُؤاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي
أَيْمانِكُمْ [البقرة:
225] .
- وربما توسط في الأبحاث الفقهية:
- فمن ذلك ما ذكره عند الْآيَةَ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ [البقرة: 178] حيث ذكر
بحث القصاص من غير تطويل ولا اختصار.
- ومن ذلك كلامه على الصوم في سورة البقرة آية 183.
- ومن ذلك كلامه على مسألة الخمر وتحريمه في سورة البقرة، آية
219 يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ....
- ومن ذلك مسألة الحيض عند قوله تعالى: وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ
الْمَحِيضِ [البقرة: 222] .
ومن ذلك بحث الجماع عند الآية نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ ...
[البقرة: 223] .
- ومن ذلك بحث الإيلاء عند الآية لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ
نِسائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فاؤُ فَإِنَّ
اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) ... [البقرة: 226] .
- وربما أطال في بعض الأبحاث:
- ومن ذلك كلامه على الحج في سورة البقرة، آية: 197- 203
الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ....
- ومن ذلك الكلام على الطلاق ودواعيه عند الآيات
وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ
قُرُوءٍ ...
[البقرة: 228- 237] .
5
- الإمام البغوي والقراءات:
- إن الصورة التي تركها المؤلف من خلال هذا التفسير هي أنه
إمام مقرئ، يعتمد كثيرا ذكر القراءات لكنه اقتصر على القراءات
المشهورة المتواترة، وقد قال رحمه الله في مقدمته عن ذلك:
- وقد ذكرت في الكتاب قراءة من اشتهر منهم بالقراءات
واختياراتهم ... ثم ذكر القراء المشهورة قراءتهم والمتواترة
وقال عقب ذلك: فذكرت قراءة هَؤُلَاءِ لِلِاتِّفَاقِ عَلَى
جَوَازِ الْقِرَاءَةِ بها.
- فمن الأمثلة على اهتمامه بالقراءات:
قوله عند الآية اهْدِنَا الصِّراطَ ... [الفاتحة: 6] .
قرئ بالسين، رواه رويس عَنْ يَعْقُوبَ، وَهُوَ الْأَصْلُ،
سُمِّيَ سِرَاطًا لِأَنَّهُ يَسْرُطُ السَّابِلَةَ، وَيُقْرَأُ
بِالزَّايِ، وَقَرَأَ حَمْزَةُ بِإِشْمَامِ الزَّايِ
وَكُلُّهَا لُغَاتٌ صَحِيحَةٌ، وَالِاخْتِيَارُ الصَّادُ
عِنْدَ أَكْثَرِ الْقُرَّاءِ لِمُوَافَقَةِ الْمُصْحَفِ.
- وقال عند الآية قالُوا أَنُؤْمِنُ كَما آمَنَ السُّفَهاءُ
أَلا ... [البقرة: 13] .
- قَرَأَ أَهْلُ الْكُوفَةِ وَالشَّامِ ... «السُّفَهَاءُ
أَلَا» بِتَحْقِيقِ الْهَمْزَتَيْنِ، وَكَذَلِكَ كَلُّ
هَمْزَتَيْنِ وَقَعَتَا فِي كَلِمَتَيْنِ اتَّفَقَتَا أَوِ
اخْتَلَفَتَا، وَالْآخَرُونَ يُحَقِّقُونَ الْأُولَى،
وَيَلِينُونَ الثَّانِيَةَ فِي الْمُخْتَلِفَتَيْنِ طَلَبًا
لِلْخِفَّةِ، فَإِنْ كَانَتَا مُتَّفِقَتَيْنِ مِثْلَ: «هؤلاء-
أولياء- أولئك- وجاء أمر ربك» قَرَأَ أَبُو عَمْرٍو
وَالْبَزِّيُّ عَنِ ابْنِ كَثِيرٍ بِهَمْزَةٍ وَاحِدَةٍ،
وَقَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ وَوَرْشٌ وَالْقَوَّاشُ وَيَعْقُوبُ
بِتَحْقِيقِ الْأُولَى وَتَلْيِينِ الثَّانِيَةِ، وَقَرَأَ
قَالُونُ بِتَلْيِينِ الْأُولَى وَتَحْقِيقِ الثَّانِيَةِ
لِأَنَّ مَا يُسْتَأْنَفُ أَوْلَى بِالْهَمْزَةِ مما يسكت
عليه.
(1/24)
- وقال عند الآية قالُوا أَتَتَّخِذُنا
هُزُواً [البقرة: 67] .
قرأ حمزة «هزوا وكفؤا» بالتخفيف، وقرأ الآخرون بالتثقيل، ويترك
الهمزة حفص.
- قوله: بالتثقيل: أي بالضم بدل السكون على الحرف قبل الأخير.
- وقال عند الآية وَأَرِنا مَناسِكَنا....
قرأ ابن كثير «أرنا» سَاكِنَةَ الرَّاءِ، وَأَبُو عَمْرٍو
بِالِاخْتِلَاسِ، وَالْبَاقُونَ بِكَسْرِهَا، وَوَافَقَ ابْنُ
عَامِرٍ وَأَبُو بَكْرٍ فِي الْإِسْكَانِ فِي «حم السَّجْدَةِ»
وَأَصْلُهُ: أَرْئِنَا- فَحُذِفَتِ الْهَمْزَةُ طَلَبًا
لِلْخِفَّةِ، وَنُقِلَتْ حَرَكَتُهَا إلى الراء.
- وقال عند الآية فَنادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قائِمٌ
يُصَلِّي فِي الْمِحْرابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ ...
قَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ وَحَمْزَةُ «إِنَّ اللَّهَ» بِكَسْرِ
الْأَلِفِ عَلَى إِضْمَارِ الْقَوْلِ تَقْدِيرُهُ: فَنَادَتْهُ
الْمَلَائِكَةُ فَقَالَتْ: إن الله، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ
بِالْفَتْحِ بِإِيقَاعِ النِّدَاءِ عَلَيْهِ، كَأَنَّهُ قَالَ
فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ بِأَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ،
قَرَأَ حَمْزَةُ «يبشرك» وبابه التخفيف كُلَّ الْقُرْآنِ
إِلَّا قَوْلَهُ: «فَبِمَ تبشرون» فَإِنَّهُمُ اتَّفَقُوا
عَلَى تَشْدِيدِهَا، وَوَافَقَهُ الكسائي هاهنا في الموضعين
...
- وقال عند الآية ... يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ [آل عمران: 75]
قَرَأَ أَبُو عَمْرٍو وَأَبُو بَكْرٍ وحمزة «يؤده-، لا يؤده»
سَاكِنَةَ الْهَاءِ، وَقَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ وَقَالُونُ
وَيَعْقُوبُ بِالِاخْتِلَاسِ كَسْرًا، وَالْبَاقُونَ بالإشباع
كسرا ...
6
- الإمام البغوي وعقيدته:
- إن الصورة التي تركها الإمام من خلال هذا التفسير هي أنه
إمام عالم من أئمة أهل السنة، لكن اضطرب قوله في بحث الصفات،
فتارة سلك من مسلك السلف وهو عدم التأويل، وتارة سلك الخلف،
وهو التأويل.
- أما ما سلك فيه مسلك السلف فهو قوله تعالى: ثُمَّ اسْتَوى
عَلَى الْعَرْشِ [الأعراف: 54] فقال رحمه الله: وأوّلت
المعتزلة الاستواء بالاستيلاء، فأما أهل السنة يقولون:
الِاسْتِوَاءُ عَلَى الْعَرْشِ صِفَةٌ لِلَّهِ تَعَالَى بِلَا
كَيْفٍ، يَجِبُ عَلَى الرَّجُلِ الْإِيمَانُ بِهِ، وَيَكِلُ
الْعِلْمَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَسَأَلَ رَجُلٌ
مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ عَنْ قَوْلِهِ الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ
اسْتَوى (5) كَيْفَ اسْتَوَى؟ فَأَطْرَقَ رَأْسَهُ مَلِيًّا
وَعَلَاهُ الرُّحَضَاءُ ثُمَّ قَالَ:
الِاسْتِوَاءُ غَيْرُ مَجْهُولٍ، وَالْكَيْفُ غَيْرُ
مَعْقُولٍ، وَالْإِيمَانُ بِهِ وَاجِبٌ، وَالسُّؤَالُ عَنْهُ
بِدْعَةٌ، وَمَا أَظُنُّكَ إِلَّا ضَالًّا، ثم أمر فأخرج.
- وروي عن الثوري والأوزاعي والليث وابن عيينة وابن
الْمُبَارَكِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ عُلَمَاءِ السُّنَّةِ فِي
هَذِهِ الْآيَاتِ الَّتِي جَاءَتْ في الصفات والمتشابهات:
أَمِرُّوهَا كَمَا جَاءَتْ بِلَا كَيْفٍ.
- وأما ما سلك فيه مسلك الخلق، وهو التأويل، فهو قوله تعالى:
يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ [القلم:
42] .
فقال رحمه الله: قيل: عن ساق: عن أمر فظيع شديد ...
- وكذا عند قوله تعالى: وَجاءَ رَبُّكَ [الفجر: 22] فقال رحمه
الله: جَاءَ أَمْرُهُ وَقَضَاؤُهُ، وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: ينزل
حكمه.
7- الإمام البغوي المحقق المرجح:
إن الصورة التي تركها المؤلف من خلال هذا الكتاب هي أنه يذكر
قولا واحدا، أو أقوالا متعددة في تفسير الآية أو بيان معناها
من غير ترجيح مع اختلاف واضطراب تلك الأقوال، وربما رجح وصوب
أحد الأقوال، وهو يسير.
(1/25)
فمن ذلك:
- قوله عند الآية وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا
[البقرة: 34] .
فقال: « ... اسْجُدُوا» : فِيهِ قَوْلَانِ الْأَصَحُّ أَنَّ
السُّجُودَ كَانَ لِآدَمَ عَلَى الْحَقِيقَةِ، وَتَضَمَّنَ
مَعْنَى الطَّاعَةِ لِلَّهِ عَزَّ وجل امتثال أَمْرِهِ،
وَكَانَ ذَلِكَ سُجُودَ تَعْظِيمٍ وتحية لا سجود عبادة ...
- وقيل: لَآدَمَ: أَيْ إِلَى آدَمَ، فَكَانَ آدَمُ قِبْلَةً،
وَالسُّجُودُ لِلَّهِ تَعَالَى ...
- ومن ذلك قوله عند الآية وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا
اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا
بِهِ ... [آل عمران: 7] .
- فقال: اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي نَظْمِ هَذِهِ الْآيَةِ،
فَقَالَ قَوْمٌ- الْوَاوُ فِي قَوْلِهِ (وَالرَّاسِخُونَ)
وَاوُ الْعَطْفِ، يَعْنِي أَنَّ تَأْوِيلَ الْمُتَشَابِهِ
يَعْلَمُهُ اللَّهُ وَيَعْلَمُهُ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ،
وَهُمْ مَعَ عِلْمِهِمْ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ، وهذا قول
مجاهد والربيع ...
وَذَهَبَ الْأَكْثَرُونَ إِلَى أَنَّ الْوَاوَ، وَاوُ
الِاسْتِئْنَافِ، وَتَمَّ الْكَلَامُ عِنْدَ قَوْلِهِ وَما
يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ....
- قال: وهذا القول أَقْيَسُ فِي الْعَرَبِيَّةِ، وَأَشْبَهُ
بِظَاهِرِ الآية.
- وقال عند الآية قالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُها عَلَيْكُمْ
... [المائدة: 115] واختلف العلماء: هَلْ نَزَلَتْ أَمْ لَا؟
فَقَالَ مجاهد والحسن: لم تنزل، فإن اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ
لَمَّا أَوْعَدَهُمْ عَلَى كُفْرِهِمْ بَعْدَ نُزُولِ
الْمَائِدَةِ خَافُوا أَنْ يَكْفُرَ بَعْضُهُمْ فَاسْتَعْفُوا،
وَقَالُوا: لَا نُرِيدُهَا، فَلَمْ تَنْزِلْ.
قال: وَالصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ أَنَّهَا
نَزَلَتْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى إِنِّي مُنَزِّلُها عَلَيْكُمْ
... وَلَا خُلْفَ فِي خَبَرِهِ ...
8
- الإمام البغوي والإسرائيليات:
- لم يكثر الإمام البغوي من ذكر الإسرائيليات، ومن الأخبار
التي أوردها، وهي من أخبار الأقدمين:
- ما ذكره في شأن آدم وحواء ونزولهما من الجنة، وذلك عند قوله
تعالى: وَقُلْنَا اهْبِطُوا [البقرة:
36] فقد ذكر أخبارا مختصرة عن أئمة التفسير، ولم يذكر قصصا
مطولة كغيره من المفسرين.
- في حين ذكر خبرا مطولا عند قَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِذْ
فَرَقْنا بِكُمُ الْبَحْرَ [البقرة: 50] . ومصدره كتب
الأقدمين، وفيه مبالغات ومجازفات ظاهرة.
- وكذا قصة هاروت وماروت في سورة البقرة، آية: 102.
- ومن ذلك ما ذكره عند قَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِذْ يَرْفَعُ
إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ [البقرة: 127] .
- ومن ذلك ما ذكره عند الْآيَةُ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ
خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ ... [البقرة: 243] حيث نقل عن الكلبي
ومقاتل وغيرهما ممن يروي عن أهل الكتاب.
- وكذا عند الآية أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي
إِسْرائِيلَ ... [البقرة: 246] .
- وذكر خبرا مطولا في شأن قتل داود لجالوت عند الآية وَقَتَلَ
داوُدُ جالُوتَ ... [البقرة:
251] .
(1/26)
- وذكر خبرا مطولا عند الآية أَوْ
كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ ... [البقرة: 259] .
- وذكر خبرا عند قَوْلُهُ تَعَالَى: فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسى
مِنْهُمُ الْكُفْرَ قالَ مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللَّهِ ... [آل
عمران: 52] .
- وذكر خبر نزول المائدة وما فيها وما عليها عند قوله تعالى:
قالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُها عَلَيْكُمْ ...
[المائدة: 115] .
ترجمة الإمام البغوي (436- 516)
1- التعريف به:
هو الإمام الجليل العلامة الحافظ المسند الفقيه المفسر المقرئ،
صاحب المصنفات التي اشتهرت في الآفاق، أحد من قام في عصره بنشر
علوم الإسلام أَبُو مُحَمَّدٍ الْحُسَيْنُ بْنُ مَسْعُودٍ
الفراء البغوي.
2- نسبته:
اشتهرت نسبته بالبغوي، وينسب أحيانا بالفراء أو ابن الفراء،
نسبة لعمل أو بيع الفراء.
- أما نسبته البغوي، فهي إلى «بغ» أو «بغشور» والنسبة إلى
بغشور على غير قياس.
- قال ياقوت الحموي في «معجم البلدان» 1/ 467:
بغشور بليدة بين هراة ومرو الرّوذ، شهر بهم من آبار عذبة، وهم
في برية ليس عندهم شجرة واحدة، ويقال لها بغ أيضا، رأيتها في
شهور سنة 616 والخراب فيها ظاهر، وقد نسب إليها خلق كثير من
الأعيان.
- وقال الفيروزآبادىّ: بغشور ... وهو معرب كوشور، أي الحفرة
المالحة.
- وقال الزبيدي في «تاج العروس» 2/ 54:
وهذا تعريف غريب فإن- بغ- بالفارسية البستان، ولا ذكر للحفرة
في الأصل، إلا أن يقال: إن أرض البستان دائما تكون محفورة.
3
- ولادته ونشأته وحياته العلمية:
- ولد رحمه الله سنة 433 بذلك جزم ياقوت في «معجم البلدان» 1/
467.
- نشأ في بلدته بغشور، وبها طلب العلم أولا، فما زال يجد
ويجتهد في تحصيل علوم الشريعة، وبخاصة تفقهه بمذهب الشافعي حتى
كان يميل فيه إلى الترجيح والتحقيق، من غير تعصب لمذهبه بل كان
يطلع على أقوال باقي الأئمة، ويتعرف على أدلتهم.
- ومع ذلك كان يدعو إلى التمسك بالكتاب والسنة.
- ولم يكتف بما حصله من علوم في بلدته بل رحل في طلب المزيد،
فرحل إلى مرو الرّوذ فالتقى هناك بالإمام الفقيه القاضي الحسين
بن محمد المرورّوذي الشافعي فأخذ عنه، وتفقه عليه، ولازمه
زمنا، وروى عنه.
- ثم رحل وطاف بلاد خراسان كطوس وسرخس وغير ذلك، وسمع خلقا
كثيرا من الحفاظ الأثبات، وروى عنهم كتب الصحاح والسنن
والمسانيد والأجزاء، وجالس علماء اللغة وحمل عنهم الكثير.
(1/27)
- وكان البغوي يلقب بمحيي السنة، وركن
الدين، وشيخ الإسلام، وقدره عال في الحديث والفقه والتفسير
وسائر علوم الإسلام.
4- وفاته:
توفي رحمه الله بمرو الرّوذ في شوال سنة ست عشر وخمسمائة (516)
وهو الذي اختاره الذهبي في «التذكرة» (4/ 1258) وياقوت في
«معجم البلدان» (1/ 468) وغيرهما، وهو الراجح.
- وقال ابن خلكان في «الوفيات» 2/ 137 توفي سنة 510.
5- شيوخ الإمام البغوي:
منهم: 1- الإمام القاضي أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ
مُحَمَّدٍ بن أحمد المرورّوذي المتوفى سنة 462.
2- أَبُو عُمَرَ عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أحمد المليحي الهروي
المتوفى سنة 463. وقدم أكثر عنه في هذا التفسير.
3- أَبُو بَكْرٍ يَعْقُوبُ بْنُ أَحْمَدَ الصيرفي النيسابوري
المتوفى سنة 466.
4- أَبُو عَلِيٍّ حَسَّانُ بْنُ سَعِيدٍ المنيعي المتوفى سنة
463.
5- أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ يُوسُفَ الجويني المتوفى سنة
463.
6- أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الصمد الترابي المتوفى
سنة 463.
7- أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ عبد الملك
النيسابوري المتوفى سنة 465.
8- أَبُو صَالِحٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الملك النيسابوري
المتوفى سنة 470.
9- أبو تراب عبد الباقي بن يوسف المتوفى سنة 492.
وغيرهم كثير.
6- تلامذته:
منهم: محمد بن أسعد الطوسي، ومحمد بن محمد الطائي، وهما من
أشهر تلامذته، ورواة كتبه، وفضل الله بن محمد النوقاني، والحسن
بن مسعود البغوي، وهو أخوه، وأبو مقاتل الديلمي مناور بن
فزكوه، وعمر بن الحسن البكري والد الفخر الرازي.
وأسعد بن محمد بن يوسف البامنجي، ومحمد بن عمر الشاشي، وغيرهم.
7- أقوال العلماء فيه:
- قال عنه الإمام الذهبي في «تذكرة الحفاظ» (4/ 1257) :
- الإمام الحافظ الفقيه المجتهد محيي السنة أَبُو مُحَمَّدٍ
الْحُسَيْنُ بْنُ مَسْعُودٍ الشافعي ... وبورك له في تصانيفه
لقصده الصالح فإنه كان من العلماء الربانيين، كان ذا تعبد ونسك
وقناعة باليسير، وكان يأكل كسرة وحدها، فعذلوه، فصار يأكلها
بزيت ...
- وقال الذهبي في «العبر» (1/ 406) في وفيات (516 هـ) :
والبغوي محيي السنة الحسين بن مسعود المحدث المفسر، صاحب
التصانيف وعالم خراسان، ... وكان سيدا زاهدا قانعا ...
- وقال عنه تاج الدين السبكي في «طبقات الشافعية» (7/ 75- 77)
كان إماما جليلا ورعا زاهدا فقيها محدثا مفسرا جامعا بين العلم
والعمل، سالكا سبيل السلف ... ، له في الفقه اليد الباسطة ...
- وقال عنه ابن كثير في «البداية والنهاية» (12/ 193) :
(1/28)
الحسين بن مسعود صاحب التفسير ... اشتغل
على القاضي حسين، وبرع في هذه العلوم، وكان علامة زمانه، وكان
دينا ورعا زاهدا عابدا صالحا ...
- وقال عنه السيوطي في «طبقات المفسرين» (12- 13) : يلقب بمحيي
السنة وركن الدين أيضا، كان إماما في التفسير، إماما في
الحديث، إماما في الفقه ... وكان لا يلقي الدرس إلا على طهارة
...
- وقال عنه ابن العماد الحنبلي في «شذرات الذهب» (4/ 48- 49) :
المحدث المفسر صاحب التصانيف وعالم خراسان ... وقال ابن
الأهدل: ... وهو صاحب الفنون الجامعة، والمصنفات النافعة مع
الزهد والورع والقناعة ...
- وقال عنه ابن تغري بردي في «النجوم الزاهرة» (5/ 223) :
الإمام الحافظ المحدث أَبُو مُحَمَّدٍ الْحُسَيْنُ بْنُ
مَسْعُودٍ البغوي المعروف بابن الفراء، كان إماما حافظا، رحل
إلى البلاد، وسمع الكثير، وحدّث وألّف وصنف، وكان يقال له:
محيي السنة.
- وقال عنه ابن خلكان في «الوفيات» (2/ 136) : أَبُو مُحَمَّدٍ
الْحُسَيْنُ بْنُ مَسْعُودٍ ... وصنف في تفسير كلام الله
تعالى، وأوضح المشكلات من قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وسلّم، وروى الحديث ودرّس، وكان لا يلقي الدرس إلا
وهو على طهارة ...
- وقال عنه طاش كبرى زاده في «مفتاح السعادة» (2/ 102) كان
إماما في الفقه والحديث، وكان متورعا ثبتا حجة صحيح العقيدة في
الدين.
- وقال الإمام الخازن في مقدمة تفسيره ص (3) : ... الشيخ
الجليل والحبر النبيل الإمام العالم محيي السنة، قدوة الأمة،
وإمام الأئمة، مفتي الفرق، ناصر الحديث، ظهير الدِّينِ أَبُو
مُحَمَّدٍ الْحُسَيْنُ بْنُ مسعود البغوي.
8- مؤلفات الإمام البغوي:
1- الأربعون الصغرى- ذكره الذهبي في «سير أعلام النبيلاء» 19/
439.
2- الأنوار في شمائل النبي المختار- ذكره صاحب «كشف الظنون»
(1/ 195) .
3- ترجمة الأحكام في الفروع على مذهب الشافعي- ذكره في «كشف
الظنون» (1/ 397) .
4- التهذيب في الفقه- وهو على مذهب الشافعي أيضا. ذكره في «كشف
الظنون» (1/ 517) والحموي في «معجم البلدان» (1/ 467) .
5- الجمع بين الصحيحين- ذكره ابن خلكان في «وفيات الأعيان» (2/
136) .
6- شرح جامع الترمذي- ذكره بروكلمان في ترجمة الإمام البغوي،
وذكر أن منه نسخة في المدينة المنورة «بروكلمان» (6/ 244) .
7- شرح السنة- انظر «كشف الظنون» (3/ 1040- 1041) و «معجم
البلدان» (1/ 467) ، وهو كتاب مطبوع متداول.
8- فتاوى البغوي- ذكره السبكي في «الطبقات» (4/ 214) وتوجد منه
نسخة في المكتبة السليمانية رقم (675/ 3) .
9- الكفاية في فروع الشافعية- ذكره في «كشف الظنون» (2/ 1499)
.
10- الكفاية في القراءة- ذكره في «كشف الظنون» (2/ 1499) .
(1/29)
11- المدخل إلى مصابيح السنة- انظر تاريخ
الأدب العربي- الترجمة العربية (6/ 235) ، ويوجد منه نسخة
مخطوطة في مكتبة قولة بالقاهرة (1/ 94) .
12- مصابيح السنة- وهو مطبوع متداول، انظر «سير أعلام النبلاء»
(9/ 440) و «هدية العارفين» (1/ 312) .
13- مشكل القرآن- ذكره ابن الفوطي في ترجمته في «تلخيص مجمع
الآداب في معجم الألقاب» (4/ 3/ 417) .
14- معالم التنزيل- وهو هذا التفسير الذي نحن في صدده.
15- معجم الشيوخ- ذكره في «كشف الظنون» (1735) السطر 21، وذكره
صاحب «هدية العارفين» 312.
وصف مخطوطات الكتاب
لقد اعتمدنا في تحقيقنا لكتاب «معالم التنزيل» للإمام البغوي
على نسختين خطيتين.
- الأولى: وهي نسخة كاملة، تتألف من جزأين، الأول من المقدمة
ثم سورة الفاتحة وحتى آخر سورة الإسراء.
والثاني: من أول سورة الكهف وحتى آخر الناس. مكتوب بخط واضح
مقروء، وربما وقع بياض أو محو أحيانا، سطرتها تتراوح 29 و31
سطرا، في كل سطر ما بين ثلاثة عشر إلى سبعة عشر كلمة، قطعها 30
22 سم. كتب الجزء الأول سنة 1191 وكتب الثاني سنة 1192.
بداية التفسير فيه هذه العبارة:
وقف لله تعالى على جميع طلبة العلم الشريف في سائر الوجوه مع
بقاء بيد- هكذا ظاهر هذه العبارة- من كتابة وقراءة ودراسة.
الجزء الأول من تفسير القرآن الكريم للشيخ الإمام البحر الهمام
الفقيه المحدث المفسر، ظهير الدِّينِ أَبُو مُحَمَّدٍ
الْحُسَيْنُ بْنُ مسعود البغوي، قدس الله روحه، ونور ضريحه،
ونفعنا به وبعلومه وأنفاسه الطاهرة في الدنيا والآخرة بإذن رب
العالمين، وصلّى الله على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
- وكتب أيضا على هامش الكلام المتقدم: وقف مولانا الشيخ عبد
الحي الحنفي، لا يباع، ولا يوهب، ولا يرهن، ولا يخرج من محله
إلا لمن ينتفع به، ويعيده إليه.
ثم كتب مقابل العبارة المذكورة: وقف مولانا الشيخ عبد الحي
الحنفي مقره ببيته.
- وجعل تحت ذلك ختم، وفيه عبارة غير واضحة.
- وبداية الصفحة الأولى: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ
الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ ذِي الْعَظَمَةِ
وَالْكِبْرِيَاءِ، وَالْعِزَّةِ والبقاء والرفعة والعلا
والسّنا، تَعَالَى عَنِ الْأَنْدَادِ وَالشُّرَكَاءِ،
وَتَقَدَّسَ عَنِ الْأَمْثَالِ وَالنُّظَرَاءِ، وَالصَّلَاةُ
عَلَى نبيه وصفيه خاتم الأنبياء وإمام الأتقياء ...
- وعلى الهامش تصويبات واستدراكات.
- وكتب في آخره: تم الجزء الأول من تفسير سيدنا ومولانا شيخ
الإسلام البغوي نفعنا الله ببركاته
(1/30)
والمسلمين أجمعين، والحمد لله رب العالمين.
وكان الفراغ من كتابة هذا الجزء المبارك صبيحة يوم الأحد خامس
عشر ربيع الأول سنة 1091 هـ على يد الفقير عبد الرحمن البولاقي
الأزهري القلفاط الشافعي.
- والجزء الثاني من هذا المخطوط مطلعه: سورة الكهف
مَدَنِيَّةٌ. بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
(الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عبده الكتاب) أثنى
عَلَى نَفْسِهِ بِإِنْعَامِهِ عَلَى خَلْقِهِ، وخص رسوله
بِالذِّكْرِ لِأَنَّ إِنْزَالَ الْقُرْآنِ عَلَيْهِ كَانَ
نِعْمَةً عَلَيْهِ عَلَى الْخُصُوصِ، وَعَلَى سَائِرِ النَّاسِ
عَلَى الْعُمُومِ ...
وآخره تفسير سورة الناس، وعقب ذلك: تم كتاب تفسير الإمام
القدوة شيخ المحدثين وحجة المحققين الإمام البغوي المعروف
بالفرّاء، رحمه الله بالرحمة والرضوان، وأسكنه فسيح الجنان-
على يد الفقير إلى الله تعالى أحمد بن عبد الله البدري
السيوطي، غفر الله له ولوالديه والمسلمين. بتاريخ يوم الأحد
المبارك ثالث شعبان الذي هو من شهور سنة اثنتين وتسعين وألف
بحمد الله وعونه وحسن توفيقه وهو حسبنا ونعم الوكيل، وَلَا
حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بالله العلي العظيم، وصلّى الله
على سيدنا محمد كلما ذكره الذاكرون وغفل عن ذكره الغافلون وعلى
آله وصحبه وسلّم تسليما كثيرا آمين.
المخطوطة الثانية: وهي نسخة كاملة أيضا، وتتألف من ثلاثة
أجزاء.
الأول: من المقدمة وحتى آخر سورة الأنعام.
والثاني: من بداية سورة الأعراف وحتى آخر الفرقان.
والثالث: من بداية سورة الشعراء وحتى آخر سورة الناس. كتبت بخط
مقروء لكن وقع في الجزء الثاني محو وبياض في حين وقع في الجزء
الثالث سواد في مواضع كثيرة. كتب هذا المخطوط بأجزائه الثلاثة
سنة 1193.
الجزء الأول: عدد أوراقه 400، مسطرته 25 سطرا، في كل سطر ما
بين 11 إلى 17 كلمة، مقاس (29 21 سم) .
كتب على الصفحة الأولى ما نصه:
الجزء الأول من تفسير القرآن الكريم، للشيخ الإمام البحر
الهمام ظهير الدِّينِ أَبُو مُحَمَّدٍ الْحُسَيْنُ بْنُ مسعود
البغوي، قدس الله روحه، ونور ضريحه، ونفعنا به وبعلومه وأنفاسه
الطاهرة في الدنيا والآخرة.
آمين، آمين، آمين.
- وقف هذا الكتاب الشريف، وتصدق به ابتغاء وجه الله تعالى
والكتاب المكرم الأمير أحمد آغا جاويش تقلجيان، لا يباع ولا
يوهب ولا يرهن (فمن بدله بعد ما سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ
عَلَى الَّذِينَ يبدلونه، وإن الله لسميع عليم) سنة 1193.
- وجعل مقره بخزانته بجامع المرحوم شيخون العمري أول وقفه
شيخون.
- وبعد ذلك تاريخ غير واضح، وبعد ذلك كلمة غير واضحة أيضا
وبداية التفسير ما نصه:
- بسم الله الرّحمن الرّحيم، وبه ثقتي، وهو حسبي ونعم الوكيل،
قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْأَجَلُّ، السَّيِّدُ محيي
السنة، ناصر الحديث، مفتي الشرق والغرب أَبُو مُحَمَّدٍ
الْحُسَيْنُ بْنُ مَسْعُودٍ ...
- وآخره: (إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ) لِأَنَّ مَا هُوَ
آتٍ فَهُوَ سَرِيعٌ قريب، قيل: الهلاك في الدنيا، والآخرة
العقاب لأعدائه (وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) قَالَ عَطَاءٌ:
سَرِيعُ الْعِقَابِ لِأَعْدَائِهِ غَفُورٌ لِأَوْلِيَائِهِ،
رحيم بهم.
(1/31)
- تم الجزء الأول من تفسير الإمام العلامة
البغوي رحمه الله، ونفعنا به.
- الجزء الثاني من المخطوط: عدد أوراقه 407 مسطرته 25 سطرا، في
كل سطر ما بين 11 إلى 17 كلمة المقاس (21 29 سم) في بدايته محو
وبياض في مواضع كثيرة، في الورقة الأولى محو وبياض، والعبارة
الظاهرة من ذلك تدل على أنها مكررة عن مطلع الجزء الأول،
والواضح من العبارة: باش جاويش تقلجيان، وجعل مقره بخزانة جامع
شيخون، وتحت يد إمامه، تقبل الله منه ذلك بتاريخ سنة 1193.
- أوله: سورة الأعراف بسم الله الرّحمن الرّحيم: (المص
كِتَابٌ) أَيْ هَذَا كِتَابٌ (أنزل إليك) وهو القرآن....
- وآخره خاتمة سورة الفرقان وهو: (فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا)
وَقِيلَ: اللِّزَامُ عذاب القبر، والله أعلم بالصواب، وإليه
المرجع والمآب. آمين آمين.
- الجزء الثالث من المخطوط: عدد أوراقه 432 المقاس 21 26
مسطرته 22 إلى 25 سطرا، في كل سطر ما بين 10 إلى 17 كلمة على
الصفحة الأول ما نصه:
الجزء الثاني من تفسير القرآن للإمام البغوي، نفع الله به في
الدنيا والآخرة آمين، وصلّى الله على سيدنا محمد وعلى آله
وصحبه، وسلّم تسليما، والحمد لله رب العالمين. آمين، آمين.
وقف هذا الجزء وتصدق به ابتغاء لوجه الله تعالى وطلبا لمرضاته
الأمير أحمد آغا باش جاويش تقلجيان وجعل مقره في خزانة جامع
شيخون وتحت يد إمامه. تقبل الله منه ذلك. بتاريخ سنة 1193.
أول وقف شيخون.
- مطلع هذا الجزء: سُورَةُ الشُّعَرَاءِ، مَكِّيَّةٌ إِلَّا
أَرْبَعَ آيَاتٍ مِنْ آخَرِ السُّورَةِ مِنْ قوله (والشعراء
يتبعهم الغاوون) وهي مائتان وسبع وعشرون آية ...
- وآخره حديث: «مَا أَذِنَ اللَّهُ لِشَيْءٍ مَا أذن لنبيّ حسن
الصوت أن يتغنى بالقرآن يجهر به» . والله أعلم.
تم بحمد الله وعونه وحسن توفيقه، وحسبنا الله ونعم الوكيل.
(1/32)
صفحة عنوان الخطوطة «أ»
(1/33)
الصفحة الأولى من المخطوط «أ»
(1/34)
الصفحة الثانية من المخطوطة «أ»
(1/35)
الصفحة الثالثة من المخطوطة «أ»
(1/36)
الصفحة الرابعة من المخطوطة «أ»
(1/37)
صفحة العنوان من النسخة «ب»
(1/38)
الصفحة الأولى من النسخة «ب»
(1/39)
الصفحة الثانية من النسخة «ب»
(1/40)
عملنا في هذا الكتاب
لقد اتبعنا في تحقيق هذا الكتاب النفيس الخطوات التالية:
1- طابقنا بين المخطوطتين والنسختين المطبوعتين، وتقدم الحديث
عن ذلك، وقد أثبتنا في النص ما هو الراجح مع استدراك لبعض
الكلمات أو العبارات، مع التقديم والتأخير أحيانا، وأشرنا إلى
الفروق في المخطوط والنسخ غالبا، وربما أهملنا ذلك عند عدم
الفائدة لئلا تثقل الحواشي، ويكبر الكتاب بما لا طائل تحته، بل
ربما يؤدي ذلك إلى الغرور، وهذا لا يجوز.
- تنبيه: ليعلم أن الحاشية تتألف من قسمين الأول منهما: تخريج
الأحاديث مع تصويبات واستدراكات من كتب الحديث والأثر والتراجم
والنسخة المطبوعة في دار طيبة ورمزت لها ب «ط» .
- والحاشية الثانية تحتوي على التصويبات والاستدراكات التي
مصدرها المخطوطتين.
وسبب ذلك هو أني ابتدأت العمل أولا قبل وصول المخطوطتين فكنت
أجد التحريف والسقط ونحو ذلك فأرجع في ذلك إلى كتب المؤلف
وسائر كتب الحديث التي يروي المؤلف من طريقها فأصوب وأستدرك،
ثم لما جاء المخطوط اضطررنا إلى حاشية ثانية لأن الأولى قد
كتبت وسطّرت.
- ويلاحظ أني في الجزء الأول وقبل وصول المخطوط كنتب أقصد
بقولي ب «الأصل» النسخة المطبوعة في دار المعرفة، ولكن بعد ذلك
أصبحت أعبر عن ذلك بقولي «المطبوع» .
2- خرجنا الأحاديث المرفوعة، وما له حكم الرفع، وما فيه سبب
نزول، ونحو ذلك بالعزو إلى كتب المؤلف ثم إلى الطريق التي يروي
عنها ثم إلى سائر كتب الحديث والأثر المعتبرة والمشهورة.
3- قمنا بدراسة الأسانيد والتنبيه على حال بعض الرواة ممن هو
متكلم فيه، أو كان في الإسناد انقطاع ونحو ذلك من العلل. وأعني
بقولي: صحيح على شرط البخاري ومسلم أو أحدهما كون الشيخين أو
أحدهما يروي لهؤلاء الرجال، وربما قلت: على شرط الصحيح، ومرادي
بذلك أن في الإسناد من هو من رجال البخاري، وآخر من رجال مسلم،
وربما بينت ذلك نصّا.
4- ذكرنا للحديث طرقا وشواهد ليتم بذلك الحكم على الحديث هل هو
صحيح، أو حسن، أو ضعيف لكن يصح بطرقه وشواهده، أو لا إن كانت
طرقه وشواهده واهية جدا.
- وربما أحلت خشية الإطالة إلى بعض الكتب التي قمت بتخريجها.
5- رقمنا الأحاديث المسندة والمعلقة تسلسليا ليكون الترقيم
متكاملا.
6- نبهنا على الروايات الإسرائيلية ونحو ذلك مما فيه نكارة، أو
مجازفة، أو مخالفة لشريعتنا.
7- خرجنا الآيات الشواهد، وذلك بذكر اسم السورة، ورقم الآية.
8- خرجنا الشواهد الشعرية باختصار، وهي قليلة نسبيا.
9- شرحنا بعض المفردات الغريبة سواء في الشعر أو النثر.
10- ألحقنا الكتاب بفهارس للأحاديث المرفوعة مع ذكر ثبت
المصادر والمراجع.
(1/41)
11- وضعنا للكتاب مقدمة مع فوائد تتعلق
بالتفسير والمفسرين، أضف إلى ذلك ترجمة للإمام البغوي، ودراسة
حول هذا الكتاب ومنهج المؤلف.
- وفي الختام وبعد شكر الله تعالى، لا يسعني إلا أن أتوجه
بخالص الشكر، وجميل الثناء لكل من كانت له يد مشكورة في هذا
العمل الجليل.
- هذا ما وفقني الله تعالى إليه، وأسأله وحده أن يقويني لإتمام
مراجعته، وأن يسدد قلمي، ويجنبني الوهم والخطأ، وأسأله تعالى
أن يجعل هذا العمل موفقا، وأن ينفع به، وأن يجعله خالصا لوجهه
الكريم، وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ توكلت
وإليه أنيب، وآخر دعوانا أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ
الْعَالَمِينَ، وصلّى الله على النبي محمد وعلى آله وصحبه
أجمعين.
(رب اغفر لي ولوالدي رب ارحمهما كما ربياني صغير) .
وكتبه عبد الرزاق المهدي سورية- دمشق في 5 شعبان/ سنة 1419 هـ
الموافق 24/ 12/ 1998 م
(1/42)
تفسير البغوي المسمّى معالم التّنزيل
للأمام أبي مُحَمَّدٍ الْحُسَيْنُ بْنُ مَسْعُودٍ الْفَرَّاءُ
البغوي الشافعي المتوفى سنة 516 هـ الجزء الأول تحقيق عبد
الرّزّاق المهدي دار إحياء التراث العربي بيروت- لبنان
(1/43)
|