تفسير البغوي
إحياء التراث أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ
تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ
خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ
وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ
وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ
نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ (214)
وَجُمْلَتُهُمْ مِائَةُ أَلْفٍ
وَأَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ أَلْفًا، وَالرُّسُلُ مِنْهُمْ
ثَلَاثُمِائَةٍ وَثَلَاثَةَ عَشَرَ، وَالْمَذْكُورُونَ فِي
الْقُرْآنِ بِاسْمِ الْعَلَمِ ثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ
نَبِيًّا، مُبَشِّرِينَ: بِالثَّوَابِ مَنْ آمَنَ وَأَطَاعَ،
وَمُنْذِرِينَ: مُحَذِّرِينَ بِالْعِقَابِ مَنْ كَفَرَ
وَعَصَى، وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ، أَيِ: الْكُتُبَ،
تَقْدِيرُهُ: [وَأَنْزَلَ مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمُ] [1]
الْكِتَابَ بِالْحَقِّ: بِالْعَدْلِ وَالصِّدْقِ، لِيَحْكُمَ
بَيْنَ النَّاسِ، قَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ لِيَحْكُمَ بِضَمِّ
الْيَاءِ وَفَتْحِ الْكَافِ هَاهُنَا، وَفِي أَوَّلِ آلِ
عِمْرَانَ وَفِي النُّورِ مَوْضِعَيْنِ، لِأَنَّ الْكِتَابَ
لَا يَحْكُمُ فِي الْحَقِيقَةِ إنما يحكم بِهِ، وَقِرَاءَةُ
الْعَامَّةِ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَضَمِّ الْكَافِ، أَيْ:
لِيَحْكُمَ الْكِتَابُ، ذَكَرَهُ عَلَى سِعَةِ الْكَلَامِ
كَقَوْلِهِ تَعَالَى: هَذَا كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ
بِالْحَقِّ [الْجَاثِيَةِ: 29] ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ
لِيَحْكُمَ كُلُّ نَبِيٍّ بِكِتَابِهِ، فِيمَا اخْتَلَفُوا
فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ، أَيْ: فِي الْكِتَابِ إِلَّا
الَّذِينَ أُوتُوهُ، أَيْ: أُعْطُوا الْكِتَابَ، مِنْ بَعْدِ
مَا جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ، يَعْنِي: أَحْكَامَ التَّوْرَاةِ
وَالْإِنْجِيلِ، قَالَ الْفِرَّاءُ: وَلِاخْتِلَافِهِمْ
مَعْنَيَانِ: أَحَدُهُمَا كُفْرُ بَعْضِهِمْ بِكِتَابِ بَعْضٍ،
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:
وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ
[النِّسَاءِ: 150] ، وَالْآخَرُ: تَحْرِيفُهُمْ كِتَابَ
اللَّهِ، قَالَ الله: يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ
[النِّسَاءِ: 46] ، وَقِيلَ: الْآيَةُ رَاجِعَةٌ إِلَى
مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكِتَابُهُ،
اخْتَلَفَ فِيهِ أَهْلُ الْكِتَابِ مِنْ بَعْدِ مَا جاءَتْهُمُ
الْبَيِّناتُ، صِفَةُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فِي كُتُبِهِمْ، بَغْياً ظُلْمًا وَحَسَدًا
بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا
اخْتَلَفُوا فِيهِ، أي: إلى ما اخْتَلَفُوا فِيهِ، مِنَ
الْحَقِّ بِإِذْنِهِ، بِعِلْمِهِ وَإِرَادَتِهِ فِيهِمْ، قَالَ
ابْنُ زَيْدٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: اخْتَلَفُوا فِي
الْقِبْلَةِ فَمِنْهُمْ مَنْ يُصَلِّي إِلَى الْمَشْرِقِ
وَمِنْهُمْ مَنْ يُصَلِّي إِلَى الْمَغْرِبِ، وَمِنْهُمْ مَنْ
يُصَلِّي إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ، فَهَدَانَا اللَّهُ إِلَى
الْكَعْبَةِ، وَاخْتَلَفُوا فِي الصِّيَامِ [فمنهم من كان يصوم
ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، ومنهم من يصوم يوم
عاشوراء] [2] ، فَهَدَانَا اللَّهُ لِشَهْرِ رَمَضَانَ،
وَاخْتَلَفُوا فِي الْأَيَّامِ، فَأَخَذَتِ الْيَهُودُ
السَّبْتَ، وَالنَّصَارَى الْأَحَدَ، فَهَدَانَا اللَّهُ
لِلْجُمُعَةِ، وَاخْتَلَفُوا فِي إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ
السَّلَامُ، فَقَالَتِ الْيَهُودُ: كَانَ يَهُودِيًّا،
وَقَالَتِ النَّصَارَى: كَانَ نَصْرَانِيًّا، فَهَدَانَا
اللَّهُ لِلْحَقِّ مِنْ ذَلِكَ، وَاخْتَلَفُوا فِي عِيسَى
فَجَعَلَتْهُ الْيَهُودُ لِفِرْيَةٍ [3] ، وَجَعَلَتْهُ
النصارى إلها، فهدانا اللَّهُ لِلْحَقِّ فِيهِ، وَاللَّهُ
يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ.
[سورة البقرة (2) : آية 214]
أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا
يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ
مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى
يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتى نَصْرُ
اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ (214)
قَوْلُهُ تَعَالَى: أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا
الْجَنَّةَ، قَالَ قَتَادَةُ وَالسُّدِّيُّ: نَزَلَتْ هَذِهِ
الْآيَةُ فِي غَزْوَةِ الْخَنْدَقِ حِينَ أَصَابَ
الْمُسْلِمِينَ مَا أَصَابَهُمْ مِنَ الْجَهْدِ وَشِدَّةِ
الْخَوْفِ وَالْبَرْدِ وَضِيقِ الْعَيْشِ وَأَنْوَاعِ الْأَذَى
كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ
الْحَناجِرَ [الْأَحْزَابِ: 10] ، وَقِيلَ: نَزَلَتْ فِي
حَرْبِ أُحُدٍ، وَقَالَ عَطَاءٌ: لَمَّا دَخَلَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ
الْمَدِينَةَ، اشْتَدَّ عَلَيْهِمُ الضُّرُّ لِأَنَّهُمْ
خَرَجُوا بِلَا مَالٍ وَتَرَكُوا دِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ
بِأَيْدِي الْمُشْرِكِينَ، وَآثَرُوا رِضَا اللَّهِ
وَرَسُولِهِ، وَأَظْهَرَتِ الْيَهُودُ الْعَدَاوَةَ لِرَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَسَرَّ قَوْمٌ
النِّفَاقَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى تَطْيِيبًا
لِقُلُوبِهِمْ أَمْ حَسِبْتُمْ، معناه: أَحَسِبْتُمْ
وَالْمِيمُ صِلَةٌ قَالَهُ الْفَرَّاءُ، وَقَالَ الزَّجَّاجُ:
بَلْ حَسِبْتُمْ، وَمَعْنَى الْآيَةِ: أَظَنَنْتُمْ أَيُّهَا
الْمُؤْمِنُونَ أَنْ تدخلوا الجنّة، وَلَمَّا يَأْتِكُمْ، أي:
ولم يَأْتِكُمْ وَمَا صِلَةٌ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا،
شَبَّهَ الَّذِينَ مَضَوْا، مِنْ قَبْلِكُمْ: من النَّبِيِّينَ
[4] وَالْمُؤْمِنِينَ، مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ:
الْفَقْرُ وَالشِّدَّةُ وَالْبَلَاءُ، وَالضَّرَّاءُ:
الْمَرَضُ وَالزَّمَانَةُ، وَزُلْزِلُوا، أَيْ: حُرِّكُوا
بِأَنْوَاعِ الْبَلَايَا والرزايا
__________
(1) العبارة في المخطوط [وأنزل لكل واحد الكتاب] .
(2) زيادة عن المخطوط، ويدل عليها سياق الطبري 4064 و «الدر
المنثور» (1/ 436) .
(3) تصحف في المطبوع إلى «الفرية» .
(4) زيد في نسخ المطبوع.
(1/272)
يَسْأَلُونَكَ مَاذَا
يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ
فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى
وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ
خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (215) كُتِبَ عَلَيْكُمُ
الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا
شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا
وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا
تَعْلَمُونَ (216)
وَخُوِّفُوا، حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ
وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتى نَصْرُ اللَّهِ، مَا زَالَ
الْبَلَاءُ بِهِمْ حَتَّى استبطؤوا النصر [من عند الله] [1] ،
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ،
قَرَأَ نَافِعٌ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ بِالرَّفْعِ،
مَعْنَاهُ: حَتَّى قَالَ الرَّسُولُ، وَإِذَا كَانَ الْفِعْلُ
الَّذِي يَلِي حَتَّى فِي مَعْنَى الْمَاضِيَ، وَلَفْظُهُ
لَفْظُ الْمُسْتَقْبَلِ، فلك فيه وجهان [2] :
الرَّفْعُ وَالنَّصْبُ، فَالنَّصْبُ عَلَى ظَاهِرِ الْكَلَامِ
لِأَنَّ حَتَّى تَنْصِبُ الْفِعْلَ المستقبل، والرفع مَعْنَاهُ
الْمَاضِي، وحَتَّى لَا تَعْمَلُ في الماضي.
[سورة البقرة (2) : الآيات 215 الى 216]
يَسْئَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ
خَيْرٍ فَلِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتامى
وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَما تَفْعَلُوا مِنْ
خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (215) كُتِبَ عَلَيْكُمُ
الْقِتالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا
شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً
وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا
تَعْلَمُونَ (216)
قوله تعالى: يَسْئَلُونَكَ ماذا يُنْفِقُونَ، ع «218» نَزَلَتْ
فِي عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ وَكَانَ شَيْخًا كَبِيرًا ذَا
مَالٍ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ بِمَاذَا [3] نَتَصَدَّقُ
وَعَلَى مَنْ نُنْفِقُ؟ فَأَنْزَلَ الله تعالى: يَسْئَلُونَكَ
مَاذَا يُنْفِقُونَ.
وَفِي قَوْلِهِ مَاذَا وَجْهَانِ مِنَ الْإِعْرَابِ،
أَحَدُهُمَا: أَنْ يكون محله نصبا لقوله: يُنْفِقُونَ،
تَقْدِيرُهُ: أَيَّ شَيْءٍ يُنْفِقُونَ، والآخر: أن يكون رفعا
ب ما وَمَعْنَاهُ: مَا الَّذِي يُنْفِقُونَ؟ قُلْ مَا
أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ، أَيْ: مِنْ مَالٍ، فَلِلْوالِدَيْنِ
وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ
السَّبِيلِ وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ
عَلِيمٌ، يُجَازِيكُمْ بِهِ، قَالَ أَهْلُ التَّفْسِيرِ: كَانَ
هَذَا قَبْلَ فَرْضِ الزَّكَاةِ فَنُسِخَتْ بِالزَّكَاةِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ، أَيْ: فُرِضَ
عَلَيْكُمُ الْجِهَادُ، وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي حُكْمِ
هَذِهِ الْآيَةِ، فَقَالَ عَطَاءٌ: الْجِهَادُ تَطَوُّعٌ،
وَالْمُرَادُ مِنَ الْآيَةِ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دُونَ غَيْرِهِمْ، وَإِلَيْهِ
ذَهَبَ الثَّوْرِيُّ، وَاحْتَجَّ مَنْ ذَهَبَ إِلَى هَذَا
بِقَوْلِهِ تَعَالَى: فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجاهِدِينَ
بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقاعِدِينَ دَرَجَةً
وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنى [النِّسَاءِ: 95] ، وَلَوْ
كَانَ الْقَاعِدُ تاركا فرضا لم يكن بعده الْحُسْنَى، وَجَرَى
بَعْضُهُمْ عَلَى ظَاهِرِ الْآيَةِ، وَقَالَ: الْجِهَادُ
فَرْضٌ عَلَى كَافَّةِ الْمُسْلِمِينَ إِلَى قِيَامِ
السَّاعَةِ.
«219» أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ
الشُّرَيْحِيُّ الْخُوَارَزْمِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو
إِسْحَاقَ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ
__________
218- ع ضعيف. ذكره السيوطي في «أسباب النزول» 131 ونسبه لابن
المنذر عن مقاتل بن حيان، وهذا معضل، ومقاتل ذو مناكير.
وذكره الواحدي في «أسبابه» 128 من رواية أَبِي صَالِحٍ عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ معلقا، وأبو صالح لم يسمع من ابن عباس. وعنه
الكلبي وهو متروك متهم، والخبر لا يصح. [.....]
219- حديث صحيح. عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ من
رجال مسلم، ومن دونه توبعوا، ومن فوقه رجال البخاري ومسلم.
سُمَيٍّ مَوْلَى أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ
الْحَارِثِ بْنِ هشام، أبو صالح اسمه ذكوان، مشهور بكنيته،
والحديث أورده المصنف في «شرح السنة» (5/ 523) تعليقا وأخرجه
مسلم 1910 وأبو داود 2502 والنسائي (6/ 8) ، وأحمد (2/ 374)
والبخاري في «التاريخ الكبير» (3/ 2/ 192) وأبو عوانة في
«صحيحه» (5/ 84) والحاكم (2/ 79) وابن أبي عاصم في «الجهاد» 43
وأبو نعيم في «الحلية» (8/ 60) والخطيب البغدادي في «الموضح»
(2/ 443) والبيهقي في
(1) زيادة من المخطوط.
(2) في نسخ المطبوع «الوجهان» .
(3) في المخطوط «لماذا» وفي «الوسيط» (1/ 318) «ماذا» .
(1/273)
يَسْأَلُونَكَ عَنِ
الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ
كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ
وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ
أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ
الْقَتْلِ وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى
يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ
يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ
فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا
وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا
خَالِدُونَ (217) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ
هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ
يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (218)
إِبْرَاهِيمَ الثَّعْلَبِيُّ، أَخْبَرَنَا
أَبُو عَمْرٍو أَحْمَدُ بْنُ أُبَيٍّ الْفُرَاتِيُّ [1] ،
[أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ] [2] ،
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَازِمِ بْنِ أَبِي غَرَزَةَ،
أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ عثمان العبدي عَنْ عُمَرَ [3] بْنِ
مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ سُمَيٍّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَغْزُ وَلَمْ يُحَدِّثْ نَفْسَهُ
بِالْغَزْوِ مَاتَ عَلَى شُعْبَةٍ مِنَ النِّفَاقِ» .
وَقَالَ قَوْمٌ وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ: إِنَّ الْجِهَادَ
فُرِضَ عَلَى الْكِفَايَةِ إِذَا قَامَ بِهِ الْبَعْضُ سَقَطَ
عَنِ الْبَاقِينَ، مِثْلُ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ، وَرَدِّ
السَّلَامِ، قَالَ الزُّهْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ: كَتَبَ
اللَّهُ الْجِهَادَ عَلَى النَّاسِ غَزْوًا أو قعدوا، فَمَنْ
غَزَا فَبِهَا وَنِعْمَتْ، وَمَنْ قَعَدَ فَهُوَ عُدَّةٌ إِنِ
اسْتُعِينَ بِهِ أَعَانَ وَإِنِ اسْتُنْفِرَ نَفَرَ، وَإِنِ
اسْتُغْنِيَ عَنْهُ قَعَدَ، قَوْلُهُ تَعَالَى: وَهُوَ كُرْهٌ
لَكُمْ، أَيْ: شَاقٌّ عَلَيْكُمْ، قَالَ بَعْضُ أَهْلِ
الْمَعَانِي: هَذَا الْكُرْهُ مِنْ حَيْثُ نُفُورُ الطَّبْعِ
عَنْهُ، لِمَا فِيهِ مِنْ مُؤْنَةِ الْمَالِ وَمَشَقَّةِ
النَّفْسِ وَخَطَرِ الرُّوحِ، لَا أَنَّهُمْ كَرِهُوا أَمْرَ
اللَّهِ تَعَالَى، وَقَالَ عِكْرِمَةُ:
نَسَخَهَا قَوْلُهُ تَعَالَى: سَمِعْنا وَأَطَعْنا، يَعْنِي:
أَنَّهُمْ كَرِهُوهُ ثُمَّ أَحَبُّوهُ، فَقَالُوا: سَمِعْنَا
وَأَطَعْنَا، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا
شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ، لِأَنَّ فِي الْغَزْوِ إِحْدَى
الْحُسْنَيَيْنِ إِمَّا الظَّفَرُ وَالْغَنِيمَةُ وَإِمَّا
الشَّهَادَةُ وَالْجَنَّةُ، وَعَسى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً،
يَعْنِي: الْقُعُودَ عَنِ الْغَزْوِ، وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ:
لِمَا فِيهِ مِنْ فَوَاتِ الْغَنِيمَةِ وَالْأَجْرِ، وَاللَّهُ
يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ،
[سورة البقرة (2) : الآيات 217 الى 218]
يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ قُلْ
قِتالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ
بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَإِخْراجُ أَهْلِهِ مِنْهُ
أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ
الْقَتْلِ وَلا يَزالُونَ يُقاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ
عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ
عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كافِرٌ فَأُولئِكَ حَبِطَتْ
أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأُولئِكَ أَصْحابُ
النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (217) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا
وَالَّذِينَ هاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولئِكَ
يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (218)
قوله تعالى: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ
فِيهِ؟
سبب نزول هذه الآية:
ع «220» أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ بَعَثَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَحْشٍ وَهُوَ ابْنُ
عَمَّةِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُخْتِ
أَبِيهِ فِي جُمَادَى الْآخِرَةِ، قَبْلَ قِتَالِ بَدْرٍ
بِشَهْرَيْنِ عَلَى رَأْسِ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا مِنْ
مَقْدَمِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَبَعَثَ مَعَهُ ثَمَانِيَةَ
رَهْطٍ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ، سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ
الزُّهْرِيَّ وَعُكَاشَةَ بْنَ مِحْصَنٍ الْأَسَدِيَّ
وَعُتَبَةَ بْنَ غَزَوَانَ السُّلَمِيَّ وَأَبَا حُذَيْفَةَ
بْنَ عتبة بن ربيعة وسهيل ابن بَيْضَاءَ وَعَامِرَ بْنَ
رَبِيعَةَ وَوَاقِدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ وَخَالِدَ بْنَ
بُكَيْرٍ، وَكَتَبَ لِأَمِيرِهِمْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَحْشٍ
كِتَابًا وَقَالَ لَهُ: «سِرْ عَلَى اسْمِ اللَّهِ، وَلَا
تَنْظُرْ فِي الْكِتَابِ حَتَّى تَسِيرَ يَوْمَيْنِ، فَإِذَا
نَزَلْتَ فَافْتَحِ الْكِتَابَ، وَاقْرَأْهُ عَلَى
أَصْحَابِكَ، ثُمَّ امْضِ لِمَا أَمَرْتُكَ وَلَا
تَسْتَكْرِهَنَّ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِكَ عَلَى السَّيْرِ
مَعَكَ» ، فَسَارَ عَبْدُ اللَّهِ يَوْمَيْنِ ثُمَّ نَزَلَ
وَفَتَحَ الْكِتَابَ فَإِذَا فِيهِ: «بِسْمِ اللَّهِ
الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ أَمَّا بَعْدُ، فَسِرْ عَلَى بَرَكَةِ
اللَّهِ بمن تبعك مِنْ أَصْحَابِكَ حَتَّى تَنْزِلَ بَطْنَ
[نَخْلَةَ] [4] فَتَرْصُدَ بِهَا عِيرَ قُرَيْشٍ لعلك تأتينا
منه بخبر» ، فَلَمَّا نَظَرَ فِي الْكِتَابِ قَالَ: سَمْعًا
وَطَاعَةً، ثُمَّ قَالَ لِأَصْحَابِهِ ذَلِكَ، وَقَالَ إِنَّهُ
نَهَانِي أَنْ أَسْتَكْرِهَ أَحَدًا مِنْكُمْ فَمَنْ كَانَ
يُرِيدُ الشَّهَادَةَ فَلْيَنْطَلِقْ [5] ، وَمِنْ كَرِهَ
فَلْيَرْجِعْ، ثُمَّ مَضَى وَمَضَى مَعَهُ أَصْحَابُهُ لَمْ
يَتَخَلَّفْ عَنْهُ مِنْهُمْ أحد حتى كان
__________
«الشعب» 4223 وفي «السنن» (9/ 48) من طرق عَنْ عُمَرَ بْنِ
مُحَمَّدِ بْنِ المنكدر به.
(1) وقع في الأصل «القرالي» والتصويب من «ط» و «الأنساب» (4/
353) .
(2) ما بين المعقوفتين سقط من الأصل واستدرك من بعض النسخ.
(3) وقع في الأصل «عمرو» والتصويب من «ط» ومن مصادر التخريج.
(4) في المطبوع «مكة» .
(5) وقع في الأصل «فلينطق» وهو تصحيف والتصويب من سيرة ابن
هشام.
220- ع هو في سيرة ابن هشام (2/ 184) بدون إسناد.
وكذا ذكره الواحدي في أسباب النزول 131 نقلا عن المفسرين وانظر
«تفسير الطبري» 4087 و «سنن البيهقي» (9/ 11- 12) .
(1/274)
بِمَعْدِنٍ فَوْقَ الْفَرْعِ بِمَوْضِعٍ
مِنَ الْحِجَازِ يُقَالُ لَهُ بَحْرَانُ [1] ، أَضَلَّ سَعْدُ
بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ وَعُتْبَةُ بْنُ غَزْوَانَ بَعِيرًا
لَهُمَا يَعْتَقِبَانِهِ فَتَخَلَّفَا فِي طَلَبِهِ، وَمَضَى
بِبَقِيَّةِ أَصْحَابِهِ حَتَّى نَزَلُوا بَطْنَ نَخْلَةَ
بَيْنَ مَكَّةَ وَالطَّائِفِ، فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ
مَرَّتْ عِيرٌ لِقُرَيْشٍ تَحْمِلُ زَبِيبًا وَأَدَمًا [2]
وَتِجَارَةً مِنْ تِجَارَةِ الطَّائِفِ فِيهِمْ عَمْرُو بْنُ
الْحَضْرَمِيِّ وَالْحَكَمُ بْنُ كَيْسَانَ مَوْلَى هِشَامِ
بْنِ الْمُغِيرَةِ وَعُثْمَانُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
الْمُغِيرَةِ وَأَخُوهُ نَوْفَلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
الْمَخْزُومِيَّانِ، فَلَمَّا رَأَوْا أَصْحَابَ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَابُوهُمْ،
فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَحْشٍ: إِنَّ الْقَوْمَ قَدْ
ذُعِرُوا مِنْكُمْ فَاحْلِقُوا رَأْسَ رَجُلٍ مِنْكُمْ
وَلِيَتَعَرَّضْ لهم، فحلقوا رأس عكاشة ثم أشرف [3]
عَلَيْهِمْ، فَقَالُوا: قَوْمَ عَمَّارٍ لَا بَأْسَ عَلَيْكُمْ
فَأَمَّنُوهُمْ، وَكَانَ ذَلِكَ فِي آخِرِ يَوْمٍ مِنْ
جُمَادَى الْآخِرَةِ، وَكَانُوا يَرَوْنَ أَنَّهُ مِنْ
جُمَادَى وَهُوَ مِنْ رَجَبٍ، فَتَشَاوَرَ الْقَوْمُ
وَقَالُوا:
[لَئِنْ] [4] تَرَكْتُمُوهُمُ اللَّيْلَةَ ليدخلن الحرم
فليمتنعن مِنْكُمْ، فَأَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ فِي مُوَاقَعَةِ
[5] الْقَوْمِ فَرَمَى وَاقِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
السَّهْمِيُّ عَمْرَو بْنَ الْحَضْرَمِيِّ فَقَتَلَهُ، فَكَانَ
أَوَّلَ قَتِيلٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَهُوَ أَوَّلُ قَتِيلٍ
فِي الْهِجْرَةِ، وَأَدَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ دِيَةَ ابْنِ الْحَضْرَمِيِّ إِلَى وَرَثَتِهِ مِنْ
قُرَيْشٍ، قَالَ مُجَاهِدٌ وَغَيْرُهُ: لِأَنَّهُ كَانَ بَيْنَ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَ
قُرَيْشٍ عَهْدٌ، وَادَعَ أَهْلَ مَكَّةَ سَنَتَيْنِ أَنْ لَا
يُقَاتِلَهُمْ وَلَا يُقَاتِلُوهُ وَاسْتَأْسَرَ الْحَكَمَ
وَعُثْمَانَ فَكَانَا أَوَّلَ أَسِيرَيْنِ فِي الْإِسْلَامِ
وَأَفْلَتَ نَوْفَلٌ فَأَعْجَزَهُمْ وَاسْتَاقَ الْمُؤْمِنُونَ
الْعِيرَ وَالْأَسِيرَيْنِ حَتَّى قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ،
فَقَالَتْ قُرَيْشٌ: قَدِ اسْتَحَلَّ مُحَمَّدٌ الشَّهْرَ
الْحَرَامَ فسفك فيه الدماء وأخذ [فيه] [6] الْحَرَائِبَ،
وَعَيَّرَ بِذَلِكَ أَهْلُ مَكَّةَ من كان بها مِنَ
الْمُسْلِمِينَ، وَقَالُوا: يَا مَعْشَرَ الصُّبَاةِ
اسْتَحْلَلْتُمُ الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَقَاتَلْتُمْ فيه وبلغ
[ذَلِكَ] [7] رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، فَقَالَ لِابْنِ جَحْشٍ وَأَصْحَابِهِ: «مَا
أَمَرْتُكُمْ بِالْقِتَالِ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ» ،
وَوَقَفَ الْعِيرَ وَالْأَسِيرَيْنِ، وَأَبَى أَنْ يَأْخُذَ
شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، فَعَظُمَ ذَلِكَ عَلَى أَصْحَابِ السرية
وظنوا أن قَدْ هَلَكُوا وَسُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ، قَالُوا:
يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا قَتَلْنَا ابْنَ الْحَضْرَمِيِّ
ثُمَّ أَمْسَيْنَا فَنَظَرْنَا إِلَى هِلَالِ رَجَبٍ فَلَا
نَدْرِي أَفِي رَجَبٍ أَصَبْنَاهُ أَمْ فِي جُمَادَى،
وَأَكْثَرَ النَّاسُ فِي ذَلِكَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى
هَذِهِ الْآيَةَ، فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعِيرَ فَعَزَلَ مِنْهَا الْخُمْسَ
فَكَانَ أَوَّلَ خُمْسٍ فِي الْإِسْلَامِ، وَقَسَّمَ
الْبَاقِيَ بَيْنَ أصحاب السرية فكان أَوَّلَ غَنِيمَةٍ فِي
الْإِسْلَامِ، وَبَعَثَ أَهْلُ مَكَّةَ فِي فِدَاءِ
أَسِيرَيْهِمْ، فقال: بل نقفهما [8] حتى يقدم سعد وعتبة [9]
وَإِنْ لَمْ يَقْدَمَا قَتَلْنَاهُمَا بِهِمَا، فَلَمَّا
قَدِمَا فَادَاهُمَا، فَأَمَّا الْحَكَمُ بْنُ كَيْسَانَ
فَأَسْلَمَ وَأَقَامَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ فَقُتِلَ يَوْمَ بِئْرِ
مَعُونَةَ شَهِيدًا، وَأَمَّا عُثْمَانُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
فَرَجَعَ إِلَى مَكَّةَ فَمَاتَ بِهَا كَافِرًا، وَأَمَّا
نَوْفَلٌ فَضَرَبَ بَطْنَ فَرَسِهِ يَوْمَ الْأَحْزَابِ
لِيَدْخُلَ الْخَنْدَقَ فَوَقَعَ فِي الْخَنْدَقِ مَعَ
فَرَسِهِ فَتَحَطَّمَا جَمِيعًا، فَقَتَلَهُ الله [تعالى]
فَطَلَبَ الْمُشْرِكُونَ جِيفَتَهُ بِالثَّمَنِ، فَقَالَ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «خُذُوهُ
فَإِنَّهُ خَبِيثُ الْجِيفَةِ خَبِيثُ الدِّيَةِ» ، فَهَذَا
سَبَبُ نُزُولِ هذه الآية.
__________
(1) وقع في الأصل «نجران» وهو تصحيف.
(2) الأديم: الطعام المأدوم، والجلد، أو أحمره أو مدبوغه- وأدم
الخبز: خلطه بالأدم.
(3) في المطبوع وحده. «أشرفوا» . [.....]
(4) في المطبوع «إن» .
(5) في المطبوع «موافقة» .
(6) زيادة من «أسباب النزول» للواحدي 131 وهو شيخ البغوي، وعنه
أخذ البغوي الكثير.
(7) زيادة من المخطوط و «أسباب النزول» 131.
(8) في المطبوع «نبقيهما» وفي- ط «نقفهم» والمثبت عن «أسباب
النزول» 131 (ص 72) .
(9) تصحف في المطبوع إلى «عقبة» .
(1/275)
يَسْأَلُونَكَ عَنِ
الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ
وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ
نَفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ
الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ
لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (219)
قوله تعالى: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ
الْحَرامِ؟ يَعْنِي: رَجَبًا، سُمِّيَ بِذَلِكَ لِتَحْرِيمِ
الْقِتَالِ فِيهِ، قوله تعالى: قِتالٍ فِيهِ، أَيْ: عَنْ
قِتَالٍ فِيهِ، قُلْ يَا مُحَمَّدُ: قِتالٌ فِيهِ كَبِيرٌ:
عَظِيمٌ، تَمَّ الْكَلَامُ هَاهُنَا ثُمَّ ابْتَدَأَ، فَقَالَ:
وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ، وصدّكم الْمُسْلِمِينَ عَنِ
الْإِسْلَامِ وَكُفْرٌ بِهِ، أَيْ: كُفْرُكُمْ بِاللَّهِ،
وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ، أي: بالمسجد الْحَرَامِ، وَقِيلَ:
وَصَدُّكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَإِخْراجُ
أَهْلِهِ، أَيْ: إِخْرَاجُ أهل المسجد مِنْهُ أَكْبَرُ: أعظم
وِزْرًا عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ، أَيِ: الشِّرْكُ
الَّذِي أَنْتُمْ عَلَيْهِ، أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ، أي: أعظم
مِنْ قَتْلِ ابْنِ الْحَضْرَمِيِّ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ،
فَلَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ كَتَبَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
أُنَيْسٍ إِلَى مُؤْمِنِي مَكَّةَ: إِذَا عَيَّرَكُمُ
الْمُشْرِكُونَ بِالْقِتَالِ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ
فَعَيِّرُوهُمْ أَنْتُمْ بِالْكُفْرِ وَإِخْرَاجِ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مَكَّةَ
وَمَنْعِهِمُ الْمُسْلِمِينَ عَنِ الْبَيْتِ الْحَرَامِ، ثُمَّ
قَالَ: وَلا يَزالُونَ، يَعْنِي:
مُشْرِكِي مَكَّةَ، وَهُوَ فِعْلٌ لَا مَصْدَرَ لَهُ مِثْلُ
عَسَى، يُقاتِلُونَكُمْ، يَا مَعْشَرَ الْمُؤْمِنِينَ، حَتَّى
يَرُدُّوكُمْ:
يَصْرِفُوكُمْ، عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطاعُوا وَمَنْ
يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ، جَزْمٌ
بِالنَّسَقِ، وَهُوَ كافِرٌ فَأُولئِكَ حَبِطَتْ: بَطَلَتْ
أَعْمالُهُمْ: حَسَنَاتُهُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ
وَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ، قَالَ
أَصْحَابُ السَّرِيَّةِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ نُؤْجَرُ
عَلَى وَجْهِنَا هَذَا وَهَلْ نَطْمَعُ أَنْ يَكُونَ سَفَرُنَا
هَذَا غَزْوًا؟
فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا
وَالَّذِينَ هاجَرُوا، فَارَقُوا عَشَائِرَهُمْ
وَمَنَازِلَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ، وَجاهَدُوا، الْمُشْرِكِينَ
فِي سَبِيلِ اللَّهِ، [في] [1] طاعة الله فَجَعَلَهَا
جِهَادًا، أُولئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ، أَخْبَرَ
أَنَّهُمْ عَلَى رَجَاءِ الرحمة، وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ.
[سورة البقرة (2) : آية 219]
يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِما
إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُما أَكْبَرُ
مِنْ نَفْعِهِما وَيَسْئَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ
الْعَفْوَ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ
لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (219)
قوله تعالى: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ،
الآية ع «221» نَزَلَتْ فِي عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ومعاذ بن
جبل وَنَفَرٍ مِنَ الْأَنْصَارِ أَتَوْا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا:
يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفْتِنَا فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ
فَإِنَّهُمَا مَذْهَبَةٌ لِلْعَقْلِ مَسْلَبَةٌ لِلْمَالِ،
فَأَنْزَلَ الله هذه الآية.
ع «222» وَجُمْلَةُ الْقَوْلِ فِي تَحْرِيمِ الْخَمْرِ عَلَى
مَا قَالَ [2] الْمُفَسِّرُونَ: أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ فِي
الْخَمْرِ أَرْبَعَ آيات نزلت
__________
221- ع ذكره الواحدي في «أسبابه» 132 بهذا السياق بدون إسناد،
وانظر ما يأتي.
222- ع هو منتزع من عدة أحاديث.
الأول: أخرجه الطبري 4149 عن الشعبي قال: نزلت في الخمر أربع
آيات: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ
فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ فتركوها، ثم
نزلت: تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً [النحل:
67- فشربوها ثم نزلت الآيتان في المائدة: يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ إِلَى قَوْلِهِ: فَهَلْ
أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ.
(1) زيادة عن المخطوط.
(2) في المطبوع «قاله» .
(1/276)
بِمَكَّةَ، وَهِيَ: وَمِنْ ثَمَراتِ
النَّخِيلِ وَالْأَعْنابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً
وَرِزْقاً [النَّحْلِ: 67] ، فَكَانَ الْمُسْلِمُونَ
يَشْرَبُونَهَا وَهِيَ لَهُمْ حَلَالٌ يَوْمَئِذٍ، ثُمَّ
نَزَلَتْ فِي مَسْأَلَةِ عُمْرَ وَمُعَاذِ بْنِ جبل:
يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِما
إِثْمٌ كَبِيرٌ، فَلَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ
اللَّهَ تَقَدَّمَ [1] فِي تَحْرِيمِ الْخَمْرِ» ، فَتَرَكَهَا
قَوْمٌ لِقَوْلِهِ: إِثْمٌ كَبِيرٌ، وَشَرِبَهَا أقوام
لِقَوْلِهِ: وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ، إِلَى أَنْ صَنَعَ عَبْدُ
الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ طَعَامًا فَدَعَا نَاسًا مِنْ
أَصْحَابِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَأَتَاهُمْ بِخَمْرٍ فَشَرِبُوا وَسَكِرُوا وَحَضَرَتْ
صَلَاةُ الْمَغْرِبِ، فَقَدَّمُوا بَعْضَهُمْ لِيُصَلِّيَ
بِهِمْ فَقَرَأَ: قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ أَعْبُدُ
مَا تَعْبُدُونَ هَكَذَا إِلَى آخِرِ السُّورَةِ بِحَذْفِ لَا،
فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
لَا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى حَتَّى تَعْلَمُوا
مَا تَقُولُونَ [النِّسَاءِ: 43] ، فَحَرَّمَ السُّكْرَ فِي
أَوْقَاتِ الصَّلَاةِ، فَلَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ
تَرَكَهَا قَوْمٌ وَقَالُوا: لَا خَيْرَ فِي شَيْءٍ يَحُولُ
بَيْنَنَا وَبَيْنَ الصَّلَاةِ، وَتَرَكَهَا قَوْمٌ فِي
أَوْقَاتِ الصَّلَاةِ وَشَرِبُوهَا فِي غَيْرِ حِينِ
الصَّلَاةِ حَتَّى كَانَ الرَّجُلُ يَشْرَبُ بَعْدَ صَلَاةِ
الْعِشَاءِ فَيُصْبِحُ وَقَدْ زَالَ عَنْهُ السُّكْرُ،
وَيَشْرَبُ بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ فَيَصْحُو إِذَا جَاءَ
وَقْتُ الظُّهْرِ، وَاتَّخَذَ عِتْبَانُ بْنُ مَالِكٍ صَنِيعًا
وَدَعَا رِجَالًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ فِيهِمْ سَعْدُ بْنُ
أَبِي وَقَّاصٍ، وَكَانَ قَدْ شَوَى لَهُمْ رَأْسَ بَعِيرٍ
فَأَكَلُوا مِنْهُ وَشَرِبُوا الْخَمْرَ حَتَّى أَخَذَتْ
مِنْهُمْ، ثُمَّ إِنَّهُمُ افْتَخَرُوا عِنْدَ ذَلِكَ
وَانْتَسَبُوا وَتَنَاشَدُوا الْأَشْعَارَ، فَأَنْشَدَ سَعْدٌ
قَصِيدَةً فِيهَا هِجَاءٌ لِلْأَنْصَارِ، وَفَخْرٌ لِقَوْمِهِ
فَأَخَذَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ لحى بعير فَضَرَبَ بِهِ
رَأْسَ سَعْدٍ فَشَجَّهُ موضحة فانطلق به سَعْدٌ إِلَى رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَشَكَا إِلَيْهِ
الْأَنْصَارِيَّ، فَقَالَ عُمَرُ: اللَّهُمَّ بَيِّنْ لنا فِي
الْخَمْرِ بَيَانًا شَافِيًا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى
تَحْرِيمَ الْخَمْرِ فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ إِلَى قَوْلِهِ:
فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ [المائدة:
91] ، وَذَلِكَ بَعْدَ غَزْوَةِ الْأَحْزَابِ بِأَيَّامٍ،
فَقَالَ عُمْرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: انْتَهَيْنَا يَا
رَبِّ.
قَالَ أَنَسٌ: حُرِّمَتِ الْخَمْرُ وَلَمْ يَكُنْ يَوْمَئِذٍ
لِلْعَرَبِ عَيْشٌ أَعْجَبَ مِنْهَا، وَمَا حرم عليهم شيء
أَشَدَّ مِنَ الْخَمْرِ.
وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: لمّا
نزلت الآية التي فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ حُرِّمَتِ الْخَمْرُ
فخرجنا بالحباب [2] إلى الطريق فمنّا من كسر حبّه، وَمِنَّا
مَنْ غَسَلَهُ بِالْمَاءِ وَالطِّينِ، وَلَقَدْ غُودِرَتْ
أَزِقَّةُ الْمَدِينَةِ بَعْدَ ذلك حينا، كلما [3] مُطِرَتِ
اسْتَبَانَ فِيهَا لَوْنُ الْخَمْرِ وفاحت منها ريحها.
وعن أنس رضي الله عنه: سمّيت الخمر خَمْرًا لِأَنَّهُمْ
كَانُوا يَدَعُونَهَا فِي الدِّنَانِ [4] حَتَّى تَخْتَمِرَ
وَتَتَغَيَّرَ، وَعَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ: لِأَنَّهَا
تُرِكَتْ حَتَّى صفا صفوها [5] ورسب كدرها.
22»
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يوسف
__________
الثاني: أخرجه الطبري 4154 عن الربيع قوله: يَسْئَلُونَكَ عَنِ
الْخَمْرِ قَالَ: لَمَا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم: إن ربكم يقدم في
تحريم الخمر. قال ثم نزلت: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا
تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى قَالَ النَّبِيُّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم: «إن ربكم يقدم في تحريم الخمر»
. قال: ثم نزلت: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا
الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ [المائدة: 90- فحرمت الخمر عند ذلك.
وورد من وجوه أخر يأتي في سورة [النساء: 43- و [المائدة: 90-.
223- إسناده على شرطهما، ابن عليّة، هو إسماعيل بن إبراهيم،
وهو في صحيح البخاري 4617 عن يعقوب بن إبراهيم بهذا الإسناد.
(1) كذا في نسخ المطبوع، وفي المخطوط «يقدم» .
(2) الحب: الخابية- فارسي معرب. [.....]
(3) في نسخ المطبوع «فلما» .
(4) في المطبوع «الدندان» .
(5) في المطبوع وحده «لونها» .
(1/277)
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ
أَخْبَرَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ أَخْبَرَنَا ابْنُ
عُلَيَّةَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ صُهَيْبٍ [1]
قَالَ:
قَالَ لِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ:
مَا كَانَ لَنَا خمر غير [هذا الذي تسمونه الفضيخ] [2] ،
وَإِنِّي لَقَائِمٌ أَسْقِي أَبَا طَلْحَةَ وَفُلَانًا
وَفُلَانًا إِذْ جَاءَ رَجُلٌ فقال: [وهل بلغكم الخبر؟ فقالوا:
وما ذاك؟ قال:] [3] حُرِّمَتِ الْخَمْرُ، فَقَالُوا: أَهْرِقْ
هَذِهِ الْقِلَالَ يَا أَنَسُ، قَالَ: فَمَا سَأَلُوا [4]
عَنْهَا وَلَا رَاجَعُوهَا بَعْدَ خبر الرجل.
واختلف العلماء فِي مَاهِيَّةِ الْخَمْرِ، فَقَالَ قَوْمٌ:
هِيَ عَصِيرُ الْعِنَبِ أَوِ الرُّطَبِ الَّذِي اشْتَدَّ
وَغَلًا مِنْ غَيْرِ عَمَلِ النَّارِ فِيهِ، وَاتَّفَقَتِ
الْأَئِمَّةُ على أن هذه الخمر نجس يحدّ شاربها وَيَفْسُقُ،
وَيَكْفُرُ مُسْتَحِلُّهَا، وَذَهَبَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ
وَأَبُو حَنِيفَةَ وَجَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّ التَّحْرِيمَ لَا
يَتَعَدَّى هَذَا، وَلَا يَحْرُمُ مَا يُتَّخَذُ مِنْ غيرها
كَالْمُتَّخَذِ مِنَ الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالذُّرَةِ
والعسل والفانيذ، إِلَّا أَنْ يُسْكَرَ مِنْهُ فَيَحْرُمُ،
وَقَالُوا: إِذَا طُبِخَ عَصِيرُ الْعِنَبِ وَالرُّطَبِ حَتَّى
ذَهَبَ نِصْفُهُ فَهُوَ حلال، لكنه يُكْرَهُ، وَإِنْ طُبِخَ
حَتَّى ذَهَبَ ثُلُثَاهُ قَالُوا: هُوَ حَلَالٌ مُبَاحٌ
شُرْبُهُ، إِلَّا أَنَّ السُّكْرَ مِنْهُ حرام، ويحتجّون بما
رُوِيَ عَنْ [5] عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ [أنه] [6] كتب إلى
بعض عماله [و] أَنِ ارْزُقِ الْمُسْلِمِينَ مِنَ الطِّلَاءِ
مَا ذَهَبَ ثُلُثَاهُ وَبَقِيَ ثُلُثُهُ، وَرَأَى أَبُو
عُبَيْدَةَ وَمُعَاذٌ شُرْبَ الطِّلَاءِ عَلَى الثُّلُثِ،
وَقَالَ قَوْمٌ: إِذَا طُبِخَ الْعَصِيرُ أَدْنَى طَبْخٍ صَارَ
حَلَالًا وَهُوَ قَوْلُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عُلَيَّةَ، وَذَهَبَ
أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى أَنَّ كُلَّ شَرَابٍ أسكر
كثيره فهو خمر وقليله حَرَامٌ يُحَدُّ شَارِبُهُ، وَاحْتَجُّوا
بِمَا:
«224» أخبرنا أبو الحسن السرخسي [حدثنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ]
[7] أَخْبَرَنَا أَبُو إسحاق الهاشمي، أخبرنا أبو
__________
- وأخرجه مسلم (1980) ح 4 من طريق ابن علية به.
- وأخرجه البخاري (5580 و5583 و5584) ومسلم (1980) وأبو داود
1673 والنسائي (8/ 287) والحميدي 1210 وأحمد (3/ 217 و227)
وعبد الرزاق 16970 والطحاوي في «المعاني» (4/ 214) . وأبو يعلى
(3008) والبيهقي (8/ 286) و290 من طرق من حديث أنس.
(1) وقع في الأصل «سهيب» والتصويب من كتب التراجم وكتب
التخريج.
(2) ما بين المعقوفتين زيادة عن صحيح البخاري ومسلم.
- والفضيخ: شراب يتخذ من البسر.
(3) ما بين المعقوفتين زيادة عن صحيح البخاري ومسلم.
(4) وقع في الأصل «سألوها» والتصويب عن صحيح البخاري.
(5) في المطبوع «أن» .
(6) سقط من المطبوع.
(7) سقط من المطبوع.
224- إسناده صحيح رجاله رجال البخاري ومسلم، ابن شهاب هو محمد
بن مسلم الزهري، أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ هو
ابن عوف.
وهو في «شرح السنة» 2902 بهذا الإسناد.
وفي «الموطأ» (2/ 845) عن ابن شهاب بهذا الإسناد.
- ومن طريق مالك أخرجه البخاري 5585 ومسلم (2001) ح 67 وأبو
داود 3682 والترمذي 1863 والنسائي (8/ 298) وأحمد (6/ 190)
والدارمي (2/ 113) وابن حبان 5345 والدارقطني (4/ 251)
والطحاوي (4/ 216) والبيهقي (8/ 291) .
- وأخرجه البخاري (242 و5586) ومسلم (2001) ح 69 وأبو داود
3682 والنسائي (8/ 297) وابن ماجه 3386 والطيالسي 1478 وعبد
الرزاق 17002 والشافعي (2/ 92) وأحمد (6/ 36 و96 و225) وابن
أبي شيبة (8/ 100-
(1/278)
مُصْعَبٍ عَنْ مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ
عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَائِشَةَ
زَوْجِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا
قَالَتْ:
سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
عَنْ الْبِتْعِ [1] ، فَقَالَ: «كُلُّ شَرَابٍ أَسْكَرَ فَهُوَ
حَرَامٌ» .
«225» أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ [2] مُحَمَّدُ بْنُ
الْفَضْلِ الْخَرَقِيُّ أَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ
عَبْدِ اللَّهِ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
عُمَرَ الْجَوْهَرِيُّ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ
الْكُشْمِيهَنِيُّ، أَنَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ أَنَا
إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ دَاوُدَ بْنِ بَكْرِ بْنِ
أَبِي الْفُرَاتِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ
جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ:
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ: «مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ» .
«226» أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ القاهر [3]
الجرجاني أبا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفَارِسِيُّ،
أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الْجُلُودِيُّ أَنَا إِبْرَاهِيمُ
بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ [4] ، أَنَا مُسْلِمُ بْنُ
الْحَجَّاجِ أَنَا أَبُو الرَّبِيعِ الْعَتَكِيُّ، أَخْبَرَنَا
حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ
عُمَرَ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«كُلُّ مُسْكِرٍ [خمر وكل خمر] [5] حَرَامٌ، وَمَنْ شَرِبَ
الْخَمْرَ فِي الدنيا فمات وهو يدمنها [و] لم يَتُبْ لَمْ
يَشْرَبْهَا فِي الْآخِرَةِ» .
«227» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ
الْمَلِيحِيُّ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
النَّعِيمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يوسف أنا
__________
101) . وابن الجارود 855 والدارقطني (4/ 251) والطحاوي (4/
216) والبيهقي (1/ 8) و (8/ 291) و (293) والبغوي 3003 من طرق
عن الزهري بهذا الإسناد.
225- حديث صحيح. إسناده حسن لأجل داود بن أبي الفرات، ولم
ينفرد به، وباقي الإسناد رجاله ثقات.
وهو في «شرح السنة» 2904 بهذا الإسناد.
وأخرجه أبو داود 3681 والترمذي 1865 وابن ماجه 3393 وأحمد (3/
343) وابن الجارود 860 والطحاوي (4/ 217) والبيهقي (8/ 296) من
طرق عن داود بن بكر بهذا الإسناد وتابعه موسى بن عقبة عند ابن
حبان 5382، ورجاله ثقات إلى موسى، وموسى من رجال الشيخين،
وللحديث شواهد. [.....]
(1) البتع: نبيذ العسل، وكان أهل اليمن يشربونه.
(2) زيد في الأصل «بن» بين «عبد الله» و «محمد» والتصويب عن
«شرح السنة» وكتب التراجم.
(3) وقع في الأصل «عبد القادر» والتصويب عن «شرح السنة» وبعض
النسخ.
(4) زيد في الأصل «أبي» بين «بن» و «سفيان» والتصويب من «ط» و
«شرح السنة» .
(5) زيادة عن المخطوط و «شرح السنة» .
226- إسناده على شرطهما، مسلم هو صاحب الصحيح، ومن دونه
توبعوا، ومن فوقه رجال البخاري ومسلم، أبو الربيع هو سليمان بن
داود العتكي الزّهراني. أيوب هو ابن أبي تميمة السختياني.
وهو في «شرح السنة» 2907 بهذا الإسناد وصدره «كل مسكر حرام ...
» وعند مسلم 2003 بهذا الإسناد.
- وأخرجه أبو داود 3679 والترمذي 1861 والنسائي (8/ 296 و297)
وأحمد في «الأشربة» 26 وابن حبان 5366 والطحاوي (4/ 216)
والدارقطني (4/ 248) والبيهقي (8/ 288) والبغوي 3013 من طرق عن
حماد بن زيد به.
227- إسناده صحيح على شرطهما، أبو رجاء اسمه عبد الله بن يونس،
يحيى هو ابن سعيد بن فروخ القطان، وأبو حيان هو يحيى بن سعيد
بن حيان التيمي، الشعبي هو عامر بن شراحيل.
وهو في «شرح السنة» 2905 بهذا الإسناد.
وهو عند البخاري 5588 عن أحمد بن أبي رجاء بهذا الإسناد.
وأخرجه البخاري (5581 و5589 و7337) ومسلم 3032 وأبو داود 3669
والترمذي 1874 والنسائي (8/ 295) وعبد الرزاق 17049 وابن أبي
شيبة (8/ 106) وأحمد في «الأشربة» 185 وابن الجارود 852
والطحاوي (4/ 213
(1/279)
مُحَمَّدِ بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَنَا
أَحْمَدُ بْنُ أبي رجاء أنا يحيى عن أَبِي حَيَّانَ
التَّيْمِيُّ، عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ:
خَطَبَ عُمَرُ عَلَى مِنْبَرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِنَّهُ قَدْ نَزَلَ تَحْرِيمُ
الْخَمْرِ، وهي من خمسة أشياء: الْعِنَبِ وَالتَّمْرِ
وَالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالْعَسَلِ، والخمر: ما خامر
العقل.
ع «228» وَرَوَى الشَّعْبِيُّ عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: «إِنَّ مِنَ الْعِنَبِ خَمْرًا، وَإِنَّ مِنَ
التَّمْرِ خَمْرًا، وَإِنَّ مِنَ الْعَسَلِ خَمْرًا، وَإِنَّ
مِنَ الْبُرِّ خَمْرًا، وَإِنَّ مِنَ الشَّعِيرِ خَمْرًا» .
فَثَبَتَ أَنَّ الْخَمْرَ لَا يَخْتَصُّ بِمَا يُتَّخَذُ مِنَ
الْعِنَبِ أَوِ الرُّطَبِ.
«229» أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ السَّرَخْسِيُّ أَنَا
زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقُ
الْهَاشِمِيُّ أَنَا أَبُو مُصْعَبٍ عَنْ مَالِكٍ عَنِ ابْنِ
شِهَابٍ، عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ:
أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ خَرَجَ عَلَيْهِمْ فَقَالَ:
إِنِّي وَجَدْتُ من فلان ريح خمر أو شَرَابٍ، وَزَعَمَ أَنَّهُ
شَرِبَ الطِّلَاءَ [1] ، وَأَنَا سَائِلٌ عَمَّا شَرِبَ!
فَإِنْ كَانَ يُسْكِرُ جَلَدْتُهُ، فَجَلَدَهُ عُمْرُ الْحَدَّ
تَامًّا.
وَمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَأَبِي عُبَيْدَةَ وَمُعَاذٍ فِي
الطِّلَاءِ فَهُوَ فِيمَا طُبِخَ حَتَّى خَرَجَ عَنْ أَنْ
يَكُونَ مُسْكِرًا، سئل ابْنُ عَبَّاسٍ عَنِ الْبَاذِقِ،
فَقَالَ: سَبَقَ مُحَمَّدٌ الْبَاذَقَ، فَمَا أَسْكَرَ فَهُوَ
حَرَامٌ، قَوْلُهُ تَعَالَى: وَالْمَيْسِرِ، يَعْنِي:
الْقِمَارَ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كَانَ الرَّجُلُ فِي
الْجَاهِلِيَّةِ يُخَاطِرُ الرَّجُلَ عَلَى أَهْلِهِ وَمَالِهِ
فَأَيُّهُمَا قَمَرَ صَاحِبَهُ ذَهَبَ بِأَهْلِهِ وَمَالِهِ،
فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ [2] .
وَالْمَيْسِرُ: مَفْعِلٌ مِنْ قَوْلِهِمْ: يَسَرَ لِي
الشَّيْءُ إِذَا وَجَبَ يَيْسِرُ يَسْرًا وَمَيْسِرًا، ثُمَّ
قِيلَ لِلْقِمَارِ: مَيْسِرٌ، وَلِلْمُقَامِرِ: يَاسِرٌ
وَيَسِرٌ، وَكَانَ أَصْلُ الْمَيْسِرِ فِي الْجَزُورِ،
وَذَلِكَ
__________
وابن حبان (5353 و5358 و5359 و5388) والدارقطني (4/ 248 و252)
والبيهقي (8/ 288) و (289) من طرق عن نافع به.
228- ع صحيح. أخرجه أبو داود 3676 والترمذي 1872 وابن ماجه
3379 وابن أبي شيبة (8/ 113) وأحمد (4/ 267) و (273) وفي
«الأشربة» 72 والطحاوي (4/ 213) والحاكم (4/ 148) والدارقطني
(4/ 253) والبيهقي (8/ 289) من طرق عن عامر الشعبي به. وهو
حديث صحيح لمجيئه عن الشعبي من طرق، والشعبي ثقة ثبت روى له
الشيخان، واسمه عامر بن شراحيل.
- وأخرجه أبو داود 3677 وابن حبان 5398 والدارقطني (4/ 252-
253) والبيهقي (8/ 289) من حديث النعمان بنحوه.
(1) الطلاء: الخمر- وهو الشراب المطبوخ من عصير العنب حتى
يغلظ.
229- إسناده صحيح على شرطهما، أبو إسحق فمن دونه ثقات، وقد
توبعوا، ومن فوقه رجال البخاري ومسلم، ابن شهاب هو محمد بن
مسلم الزهري، السائب بن يزيد صحابي صغير.
وأخرجه مالك (2/ 842) من طريق ابن شهاب بهذا الإسناد. وصحح
إسناده ابن حجر في «الفتح» (10/ 65) . وعلقه البخاري في
«صحيحه» كتاب الأشربة (74) باب (10) فقال: «وقال عمر: وجدت من
عبيد الله ريح شراب، وأنا سائل عنه فإن كان يسكر جلدته» .
- وذكره المصنف في «شرح السنة» (6/ 116) عن السائب بن يزيد
بدون إسناد.
(2) موقوف صحيح. أخرجه البخاري 5598 عن ابن عباس به.
وقال الحافظ في «الفتح» (10/ 65- 66) : قال المهلب: أي سبق
محمد بتحريم الخمر تسميتهم لها الباذق، قال ابن بطال:
يعني بقوله «كل مسكر حرام» والباذق شراب العسل، ويحتمل أن يكون
المعنى سبق حكم محمد بتحريم الخمر تسميتهم لها بغير اسمها،
وليس تغيير للاسم بمحلل له إذا كان يسكر. قال: وكأن ابن عباس
فهم من السائل أنه يرى أن الباذق حلال، فحسم مادته، وقطع رجاءه
وباعد منه أصله، وأخبره أن المسكر حرام ولا عبر بالتسمية.
قال ابن التين: يعني أن الباذق لم يكن في زمن رسول الله صلّى
الله عليه وسلّم اهـ.
(1/280)
أَنَّ أَهْلَ الثَّرْوَةِ مِنَ الْعَرَبِ
كَانُوا يَشْتَرُونَ جَزُورًا فَيَنْحَرُونَهَا
وَيُجَزِّئُونَهَا عَشَرَةَ أَجْزَاءٍ ثُمَّ يُسْهِمُونَ
عَلَيْهَا بعشرة أقداح يقال لها الأزلام والأقلام السبعة،
مِنْهَا أَنْصِبَاءُ وَهِيَ الْفَذُّ، وَلَهُ نَصِيبٌ وَاحِدٌ،
وَالتَّوْأَمُ وَلَهُ نَصِيبَانِ، وَالرَّقِيبُ وَلَهُ
ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ، وَالْحِلْسُ وَلَهُ أَرْبَعَةٌ،
وَالنَّافِسُ وَلَهُ خَمْسَةٌ، وَالْمُسْبِلُ وَلَهُ سِتَّةٌ،
وَالْمُعَلَّى وَلَهُ سَبْعَةٌ، وَثَلَاثَةٌ مِنْهَا لَا
أَنْصِبَاءَ لَهَا وَهِيَ: الْمَنِيحُ وَالسَّفِيحُ
وَالْوَغْدُ، ثُمَّ يَجْعَلُونَ الْقِدَاحَ فِي خَرِيطَةٍ
تسمّى الريابة [1] وَيَضَعُونَهَا عَلَى يَدَيْ رَجُلٍ عَدْلٍ
عندهم يسمى المحيل والمفيض، ثم يحيلها وَيُخْرِجُ قَدَحًا
مِنْهَا بِاسْمِ رَجُلٍ منهم، فأيّهم خرج اسمه أَخَذَ
نَصِيبَهُ عَلَى قَدْرِ مَا خرج، فَإِنْ خَرَجَ لَهُ وَاحِدٌ
مِنَ هذه الثَّلَاثَةِ الَّتِي لَا أَنْصِبَاءَ لَهَا كَانَ
لَا يَأْخُذُ شَيْئًا، وَيَغْرَمُ ثَمَنَ الْجَزُورِ كُلَّهُ،
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: كَانَ لَا يَأْخُذُ شَيْئًا وَلَا
يَغْرَمُ، وَيَكُونُ ذَلِكَ الْقَدَحُ لَغْوًا ثُمَّ
يَدْفَعُونَ ذَلِكَ الْجَزُورَ إِلَى الْفُقَرَاءِ وَلَا
يَأْكُلُونَ مِنْهُ شَيْئًا، وَكَانُوا يَفْتَخِرُونَ بِذَلِكَ
[2]
وَيَذُمُّونَ مَنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ، وَيُسَمُّونَهُ
الْبَرَمَ، وَهُوَ أَصْلُ الْقِمَارِ الَّذِي كَانَتْ
تَفْعَلُهُ الْعَرَبُ، وَالْمُرَادُ مِنَ الْآيَةِ أنواع
القمار كلّها، قال طاوس وَعَطَاءٌ وَمُجَاهِدٌ: كُلُّ شَيْءٍ
فِيهِ قِمَارٌ فَهُوَ مِنَ الْمَيْسِرِ، حَتَّى لَعِبِ
الصِّبْيَانِ بِالْجَوْزِ وَالْكِعَابِ، وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي النَّرْدِ وَالشِّطْرَنْجِ
أَنَّهُمَا مِنَ الميسر، قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ:
وِزْرٌ عَظِيمٌ مِنَ الْمُخَاصَمَةِ وَالْمُشَاتَمَةِ وَقَوْلِ
الْفُحْشِ، قَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ إِثْمٌ كَبِيرٌ،
بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْبَاءِ،
فَالْإِثْمُ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ مَا ذَكَرَهُ اللَّهُ
فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ: إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ
يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ فِي الْخَمْرِ
وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ
الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ (91) ؟ [الْمَائِدَةِ:
91] ، وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ، فَمَنْفَعَةُ الْخَمْرِ
اللَّذَّةُ عِنْدَ شُرْبِهَا وَالْفَرَحُ وَاسْتِمْرَاءُ
الطَّعَامِ، وَمَا يُصِيبُونَ مِنَ الرِّبْحِ بِالتِّجَارَةِ
فِيهَا، وَمَنْفَعَةُ الْمَيْسِرِ إِصَابَةُ الْمَالِ مِنْ
غَيْرِ كَدٍّ وَلَا تَعَبٍ، وَارْتِفَاقُ الْفُقَرَاءِ بِهِ،
وَالْإِثْمُ فِيهِ أَنَّهُ إِذَا ذَهَبَ مَالُهُ مِنْ [3]
غَيْرِ عِوَضٍ سَاءَهُ ذَلِكَ فَعَادَى صَاحِبَهُ فَقَصَدَهُ
بِالسُّوءِ، وَإِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما، قَالَ
الضَّحَّاكُ وَغَيْرُهُ: إِثْمُهُمَا بَعْدَ التَّحْرِيمِ
أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا قَبْلَ التَّحْرِيمِ، [وَقِيلَ:
إِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا قَبْلَ التحريم] [4] ،
هو ما يحصل به مِنَ الْعَدَاوَةِ وَالْبَغْضَاءِ. قَوْلُهُ
تَعَالَى: وَيَسْئَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ؟ وَذَلِكَ أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَثَّهُمْ
عَلَى الصَّدَقَةِ، فَقَالُوا: مَاذَا نُنْفِقُ؟ فَقَالَ: قُلِ
الْعَفْوَ، قَرَأَ أبو عمرو [والحسن وقتادة وابن أبي إسحاق
الْعَفْوَ] [5] بِالرَّفْعِ، مَعْنَاهُ: الَّذِي يُنْفِقُونَ
هُوَ الْعَفْوُ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالنَّصْبِ عَلَى
مَعْنَى، قُلْ: أَنْفِقُوا الْعَفْوَ، وَاخْتَلَفُوا فِي
مَعْنَى الْعَفْوِ، فَقَالَ قَتَادَةُ وَعَطَاءٌ
وَالسُّدِّيُّ: هُوَ مَا فَضَلَ عَنِ الْحَاجَةِ، وَكَانَتِ
الصَّحَابَةُ يَكْتَسِبُونَ الْمَالَ وَيُمْسِكُونَ قَدْرَ
النَّفَقَةِ وَيَتَصَدَّقُونَ بِالْفَضْلِ بِحُكْمِ هَذِهِ
الْآيَةِ ثُمَّ نُسِخَ بِآيَةِ الزَّكَاةِ وَقَالَ مُجَاهِدٌ:
مَعْنَاهُ التَّصَدُّقُ عَنْ ظَهْرِ غِنًى حَتَّى لَا يَبْقَى
كَلًّا عَلَى النَّاسِ.
«230» أَخْبَرَنَا الْإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ
مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، أَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ محمد
بن محمش
__________
230- إسناده صحيح. إبراهيم الكوفي فمن دونه ثقات، وقد توبعوا،
ومن فوقه رجال البخاري ومسلم، وكيع هو ابن الجراح، والأعمش هو
سليمان بن مهران، أبو صالح اسمه ذكوان.
وهو في «شرح السنة» 1668 بهذا الإسناد.
وأخرجه البخاري 5355 وأحمد (2/ 476 و524) والبيهقي (7/ 466
و471) من طرق عن الأعمش بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري 1426 و5356 والنسائي (5/ 69) وأحمد (2/ 278
و402) وابن حبان (3363 و4242) والبيهقي (4/ 180 و470) من طرق
من حديث أبي هريرة.
(1) كذا في المطبوع، وفي- ط «الرّبابة» وفي المخطوط «الريانة»
. [.....]
(2) في المطبوع «بذاك» .
(3) في المطبوع «عن» .
(4) زيادة عن المخطوط، ونسخة- ط.
(5) سقط من المخطوط وط.
(1/281)
فِي الدُّنْيَا
وَالْآخِرَةِ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ
لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ
وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شَاءَ
اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (220)
الزِّيَادِيُّ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ
مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ حَفْصٍ التَّاجِرُ، أَنَا
إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ الْكُوفِيُّ
أَنَا وَكِيعٌ عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «خَيْرُ الصَّدَقَةِ مَا كَانَ عَنْ
ظَهْرِ غِنًى، وَالْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ
السُّفْلَى، وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ» .
وَقَالَ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ: الْوَسَطُ مِنْ غَيْرِ
إِسْرَافٍ وَلَا إِقْتَارٍ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:
وَالَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ
يَقْتُرُوا [الفرقان: 67] ، وقال طاوس: مَا يَسُرَ،
وَالْعَفْوُ الْيُسْرُ [1] مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، وَمِنْهُ
قَوْلُهُ تَعَالَى: خُذِ الْعَفْوَ [الْأَعْرَافِ: 199] ،
أَيِ: الْمَيْسُورَ [2] مِنْ أَخْلَاقِ النَّاسِ.
«231» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ
الْخَطِيبُ أَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ [بْنُ] [3] أَحْمَدَ
الْخَلَّالُ، أَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ أَنَا
الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ، أَنَا
سُفْيَانُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ
أَبِي سَعِيدٍ [4] عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:
جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ عِنْدِي دِينَارٌ،
قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنْفِقْهُ عَلَى
نَفْسِكَ» ، قَالَ:
عِنْدِي آخَرُ، قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«أَنْفِقْهُ عَلَى وَلَدِكَ» ، قَالَ: عِنْدِي آخر، قَالَ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنْفِقْهُ عَلَى
أَهْلِكَ» ، قَالَ: عِنْدِي آخر، قَالَ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنْفِقْهُ عَلَى خَادِمِكَ» ، قَالَ:
عِنْدِي آخر، قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«أَنْتَ أَعْلَمُ» .
قَوْلُهُ تَعَالَى: كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ
الْآياتِ، قَالَ الزَّجَّاجُ: إِنَّمَا قَالَ كَذَلِكَ عَلَى
الْوَاحِدِ وَهُوَ يُخَاطِبُ جَمَاعَةً، لِأَنَّ الْجَمَاعَةَ
مَعْنَاهَا الْقَبِيلُ، كَأَنَّهُ قَالَ: كَذَلِكَ أَيُّهَا
الْقَبِيلُ، وَقِيلَ: هُوَ خِطَابٌ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لِأَنَّ خِطَابَهُ [5] يَشْتَمِلُ عَلَى
خِطَابِ الْأُمَّةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا
النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ [الطَّلَاقِ: 1] ،
قَوْلُهُ تَعَالَى: لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ.
[سورة البقرة (2) : آية 220]
فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتامى
قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ
فَإِخْوانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ
الْمُصْلِحِ وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ
عَزِيزٌ حَكِيمٌ (220)
فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ، قِيلَ: مَعْنَاهُ يُبَيِّنُ
اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ فِي أَمْرِ النَّفَقَةِ لَعَلَّكُمْ
تَتَفَكَّرُونَ فِي الدنيا والآخرة [6] ، فتحسبون مِنْ
أَمْوَالِكُمْ مَا يُصْلِحُكُمْ فِي مَعَاشِ الدُّنْيَا،
وَتُنْفِقُونَ الْبَاقِيَ فِيمَا يَنْفَعُكُمْ فِي الْعُقْبَى،
وَقَالَ أَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ مَعْنَاهَا: هَكَذَا
يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ فِي أَمْرِ الدُّنْيَا
والآخرة لعلكم تتفكرون
__________
231- إسناده حسن، محمد بن عجلان، صدوق حسن الحديث، ومن دونه
ثقات، وقد توبعوا، وشيخه روى له الشيخان، سفيان هو ابن عيينة.
هو في «شرح السنة» 1679 بهذا الإسناد.
وأخرجه أبو داود 1691 والشافعي (2/ 63- 64) وابن حبان 4233
والحاكم (1/ 415) والبيهقي (7/ 466) من طرق عن سفيان بهذا
الإسناد. وصححه الحاكم على شرط مسلم، ووافقه الذهبي.
- وأخرجه النسائي (5/ 62) وأحمد (2/ 251 و471) وابن حبان 3337
والطبري 4170 والبغوي 1680 من طرق عن ابن عجلان به.
(1) في المخطوط «اليسير» .
(2) في المخطوط «اليسر» .
(3) زيادة عن «شرح السنة» ، وكتب التراجم.
(4) وقع في الأصل «سعد» والتصويب من «شرح السنة» وكتب التراجم.
(5) في المطبوع وحده «فإنه خطابه» .
(6) تكرر في المطبوع هاهنا جملة ذكرت في أول تفسير «في الدنيا
والآخرة» .
(1/282)
وَلَا تَنْكِحُوا
الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ
مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلَا تُنْكِحُوا
الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ
مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى
النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ
بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ
يَتَذَكَّرُونَ (221)
وَقِيلَ مَعْنَاهُ يُبَيَّنُ اللَّهُ
لَكُمْ الْآيَاتِ فِي أَمْرِ النَّفَقَةِ لَعَلَّكُمْ
تَتَفَكَّرُونَ فِي زَوَالِ الدُّنْيَا وَفَنَائِهَا
فَتَزْهَدُوا فِيهَا، وَفِي إِقْبَالِ الْآخِرَةِ وَبَقَائِهَا
فَتَرْغَبُوا فِيهَا. قَوْلُهُ تَعَالَى: وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ
الْيَتامى، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَقَتَادَةُ: لَمَّا نَزَلَ
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا
بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ
[الْأَنْعَامِ: 152] ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّ الَّذِينَ
يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً [النساء: 10] الآية،
تَحَرَّجَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ [1] أَمْوَالِ الْيَتَامَى
تَحَرُّجًا شَدِيدًا حَتَّى عَزَلُوا أَمْوَالَ الْيَتَامَى
عَنْ أَمْوَالِهِمْ، حَتَّى كَانَ يُصْنَعُ لِلْيَتِيمِ
طَعَامٌ [فَيَفْضَلُ] [2] مِنْهُ شَيْءٌ فَيَتْرُكُونَهُ وَلَا
يَأْكُلُونَهُ حَتَّى يَفْسُدَ، فَاشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ،
فَسَأَلُوا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ: قُلْ
إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ، أَيِ: الْإِصْلَاحُ لِأَمْوَالِهِمْ
مِنْ غَيْرِ أُجْرَةٍ وَلَا أَخْذِ عَوِضٍ خَيْرٌ وَأَعْظَمُ
أَجْرًا [لِمَا لَكُمْ فِي ذَلِكَ مِنَ الثَّوَابِ، وَخَيْرٌ
لَهُمْ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ تَوَفُّرِ أَمْوَالِهِمْ
عَلَيْهِمْ] [3] ، قَالَ مُجَاهِدٌ: يُوَسِّعُ عليه مِنْ
طَعَامِ نَفْسِهِ وَلَا يُوَسِّعُ مِنْ طَعَامِ الْيَتِيمِ.
وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ، هذه إباحة المخالطة، أي: إن
تُشَارِكُوهُمْ فِي أَمْوَالِهِمْ وَتَخْلِطُوهَا
بِأَمْوَالِكُمْ فِي [4] نَفَقَاتِكُمْ وَمَسَاكِنِكُمْ [5]
وَخَدَمِكُمْ وَدَوَابِّكُمْ، فَتُصِيبُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ
عِوَضًا عَنْ [6] قيامكم بأمورهم أو تكافئوهم عَلَى مَا
تُصِيبُونَ مِنْ أَمْوَالِهِمْ، فَإِخْوانُكُمْ، أَيْ: فَهُمْ
إِخْوَانُكُمْ، وَالْإِخْوَانُ يُعِينُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا
وَيُصِيبُ بَعْضُهُمْ من مال [7] بَعْضٍ عَلَى وَجْهِ
الْإِصْلَاحِ [8] وَالرِّضَا، وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ:
لِأَمْوَالِهِمْ مِنَ الْمُصْلِحِ: لَهَا، يَعْنِي: الَّذِي
يَقْصِدُ بِالْمُخَالَطَةِ الْخِيَانَةَ وَإِفْسَادَ مَالِ
الْيَتِيمِ وَأَكْلَهُ بِغَيْرِ حَقٍّ مِنَ الَّذِي يَقْصِدُ
الْإِصْلَاحَ، وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ، أَيْ:
لَضَيَّقَ عَلَيْكُمْ وَمَا أَبَاحَ لَكُمْ مُخَالَطَتَهُمْ،
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَ مَا
أَصَبْتُمْ مِنْ أَمْوَالِ الْيَتَامَى مَوْبِقًا لَكُمْ،
وَأَصْلُ الْعَنَتِ: الشِّدَّةُ وَالْمَشَقَّةُ، وَمَعْنَاهُ:
كَلَّفَكُمْ فِي كُلِّ شَيْءٍ مَا يَشُقُّ عَلَيْكُمْ، إِنَّ
اللَّهَ عَزِيزٌ، [أي: عزيز في سلطانه وقدرته على الإعنات،
وقيل] [9] :
العزيز الَّذِي يَأْمُرُ بِعِزَّةٍ، سَهَّلَ عَلَى الْعِبَادِ
أَوْ شَقَّ عَلَيْهِمْ، حَكِيمٌ فِيمَا صَنَعَ مِنْ
تَدْبِيرِهِ وَتَرْكِ الإعنات.
[سورة البقرة (2) : آية 221]
وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ
مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلا
تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ
مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولئِكَ
يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُوا إِلَى الْجَنَّةِ
وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آياتِهِ لِلنَّاسِ
لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (221)
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتَّى
يُؤْمِنَّ، سَبَبُ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ:
ع «232» أن أبا مَرْثَدُ بْنُ أَبِي مَرْثَدٍ الْغَنَوِيُّ-
وقال مقاتل: هو أبو مرثد الغنوي، وقال عطاء: أبو مرثد كناز بن
الحصين، وكان شجاعا- بَعَثَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى مَكَّةَ لِيُخْرِجَ مِنْهَا نَاسًا
مِنَ الْمُسْلِمِينَ سِرًّا، فَلَمَّا قَدِمَهَا سَمِعَتْ بِهِ
امْرَأَةٌ مُشْرِكَةٌ يُقَالُ لَهَا عِنَاقُ، وَكَانَتْ
خَلِيلَتَهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَأَتَتْهُ وَقَالَتْ: يَا
أَبَا مَرْثَدٍ أَلَا تَخْلُو، فقال
__________
232- ع هذا مرسل. تقدم إسناد المصنف في المقدمة إلى كلّ من
مقاتل وعطاء، وذكره الواحدي في «أسباب النزول» 137 عَنِ
الْكَلْبِيِّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عن ابن عباس معلقا. والكلبي
متروك متهم.
- وأخرجه الواحدي 135 وابن المنذر وابن أبي حاتم كما في «الدر»
(1/ 458 عن مقاتل بن حيان مختصرا.
(1) المخطوط «عن» .
(2) زيادة من المخطوط وط. [.....]
(3) سقط من المخطوط.
(4) في المخطوط «و» بدل «في» .
(5) في المخطوط «ومساكنتكم» .
(6) في المخطوط وط «من» .
(7) في نسخ المطبوع «أموال» .
(8) في المخطوط «الصلاح» .
(9) سقط من المخطوط ونسخة- ط.
(1/283)
لَهَا: وَيْحَكِ يَا عَنَاقُ إِنَّ
الْإِسْلَامَ قَدْ حَالَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ ذلك، فقالت:
فَهَلْ لَكَ أَنْ تَتَزَوَّجَ بِي؟ قَالَ: نَعَمْ وَلَكِنْ
أَرْجِعُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فَأَسْتَأْمِرُهُ، فَقَالَتْ: أَبِي تَتَبَرَّمُ؟
ثُمَّ اسْتَغَاثَتْ [1] عَلَيْهِ فَضَرَبُوهُ ضَرْبًا شَدِيدًا
ثُمَّ خَلَّوْا سَبِيلَهُ، فَلَمَّا قَضَى حَاجَتَهُ بِمَكَّةَ
وَانْصَرَفَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أَعْلَمَهُ بِالَّذِي كَانَ مِنْ أَمْرِهِ وَأَمْرِ
عَنَاقَ وَمَا لَقِيَ بسببها، فقال: يا رسول الله أتحل لِي
أَنْ أَتَزَوَّجَهَا؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: وَلا
تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ.
وَقِيلَ: الْآيَةُ مَنْسُوخَةٌ فِي حق الكتابيات لقوله
تَعَالَى: وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ
مِنْ قَبْلِكُمْ [المائدة: 5] ، [وبخبر رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم وبإجماع الأمة.
ع «233» روى الحسن عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم: «نتزوج نساء أهل الكتاب ولا يتزوجون
نساءنا» ] [2] .
فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ أَطْلَقْتُمُ اسْمَ الشرك على من لم
يُنْكِرُ إِلَّا نُبُوَّةَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ؟ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ بْنُ فَارِسٍ:
لِأَنَّ مَنْ يَقُولُ الْقُرْآنُ كَلَامُ غَيْرِ اللَّهِ
فَقَدْ أَشْرَكَ مَعَ اللَّهِ غَيْرَهُ، وَقَالَ قَتَادَةُ
وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: أَرَادَ بِالْمُشْرِكَاتِ
الْوَثَنِيَّاتِ، فَإِنَّ عُثْمَانَ تَزَوَّجَ نَائِلَةَ
بِنْتَ فُرَافِصَةَ [3] وَكَانَتْ نَصْرَانِيَّةً فَأَسْلَمَتْ
تَحْتَهُ، وَتَزَوَّجَ طَلْحَةُ بن عبيد اللَّهِ
نَصْرَانِيَّةً، وَتَزَوَّجَ حُذَيْفَةُ يَهُودِيَّةً.
[فَكَتَبَ إِلَيْهِ عُمْرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: خَلِّ
سَبِيلَهَا، فَكَتَبَ إِلَيْهِ:
أَتَزْعُمُ أَنَّهَا حَرَامٌ؟ فَقَالَ: لَا أَزْعُمُ أَنَّهَا
حَرَامٌ وَلَكِنِّي أَخَافُ أن تتعاطوا المومسات [4] منهن] [5]
، وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ
أَعْجَبَتْكُمْ: بِجِمَالِهَا وَمَالِهَا، نَزَلَتْ فِي
خَنْسَاءَ وَلِيدَةٍ سَوْدَاءَ كَانَتْ لِحُذَيْفَةَ بْنِ
الْيَمَانِ، قَالَ حُذَيْفَةُ: يَا خَنْسَاءُ قَدْ ذُكِرْتِ
فِي الْمَلَأِ الْأَعْلَى عَلَى سَوَادِكِ وَدَمَامَتِكِ
فأعتقها وتزوّجها.
ع «234» [و] قال السُّدِّيُّ: نَزَلَتْ فِي عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ رَوَاحَةَ كَانَتْ لَهُ أَمَةٌ سَوْدَاءَ فَغَضِبَ
عَلَيْهَا وَلَطَمَهَا، ثُمَّ فَزِعَ [6] فَأَتَى النَّبِيَّ
صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم فأخبره بِذَلِكَ، فَقَالَ لَهُ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَمَا هِيَ يَا عبد الله»
؟ فقال: هِيَ تَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ
وَأَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ وَتَصُومُ رَمَضَانَ وَتُحْسِنُ
الْوُضُوءَ وَتُصَلِّي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عليه وسلّم: «هَذِهِ مُؤْمِنَةٌ» ، قَالَ عَبْدُ
اللَّهِ:
فَوَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ نَبِيًّا لَأُعْتِقَنَّهَا
ولأتزوجنّها، ففعل فَطَعَنَ عَلَيْهِ نَاسٌ مِنَ
الْمُسْلِمِينَ وَقَالُوا: أَتَنْكِحُ أَمَةً؟
وَعَرَضُوا عَلَيْهِ حُرَّةً مُشْرِكَةً، فَأَنْزَلَ اللَّهُ
تَعَالَى هذه الآية: وَلا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى
يُؤْمِنُوا، هَذَا إِجْمَاعٌ: لَا يَجُوزُ لِلْمُسْلِمَةِ أَنْ
تَنْكِحَ الْمُشْرِكَ، وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ
مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولئِكَ، يَعْنِي:
الْمُشْرِكِينَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ، أَيْ: إِلَى
الْأَعْمَالِ الْمُوجِبَةِ للنار، وَاللَّهُ يَدْعُوا إِلَى
الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ، أَيْ:
بقضائه وقدره وَإِرَادَتِهِ، وَيُبَيِّنُ آياتِهِ لِلنَّاسِ،
أَيْ: أَوَامِرَهُ وَنَوَاهِيهِ، لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ،
يَتَّعِظُونَ.
__________
233- ع ضعيف. أخرجه الطبري 4227 من طريق شريك بن عبد الله
القاضي عَنْ أَشْعَثَ بْنِ سَوَّارٍ عَنْ الحسن عن جابر
مرفوعا، وإسناده ضعيف، له علتان: الحسن لم يسمع من جابر قاله
أبو حاتم الرازي وغيره كما في «المراسيل» فهذه علة، والثانية
ضعف أشعث بن سوار. فالخبر ضعيف وإن كان معناه صحيحا.
234- ع هذا مرسل، وإسناد المصنف إلى السدي تقدم في أول الكتاب.
وأخرجه الطبري 4228 عن السدي به، وهو ضعيف لإرساله، وورد
موصولا عن ابن عباس. وأخرجه الواحدي في «أسباب النزول» 136
وفيه أبو مالك، واسمه غزوان، وهو ثقة، وعنه السدي، وهو صدوق
يهم، وضعّفه بعضهم.
وفيه أسباط بن نصر، وهو صدوق إلا أنه كثير الخطأ.
(1) في المطبوع وحده «استعانت» .
(2) ما بين المعقوفتين ليس في المخطوط وط.
(3) تحرّف في المطبوع إلى «فراقصة» .
(4) تصحف في المطبوع إلى «المؤمنات» .
(5) سقط من المخطوط. [.....]
(6) في النسخ «خرج» وفي المخطوط «فرغ» والمثبت عن «أسباب
النزول» 136 والطبري 4228.
(1/284)
وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ
الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي
الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا
تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ
إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ
الْمُتَطَهِّرِينَ (222)
[سورة البقرة (2) : آية 222]
وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً
فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ
حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ
حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ
التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (222)
قوله تعالى: وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ، «235»
أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ
الْقَاشَانِيُّ أَنَا أَبُو عُمَرَ الْقَاسِمُ بْنُ جَعْفَرِ
بْنِ عَبْدِ الْوَاحِدِ الْهَاشِمِيُّ، أَنَا أَبُو عَلِيٍّ
مُحَمَّدُ بْنُ أحمد بن عمر اللُّؤْلُؤِيُّ [1] أَنَا أَبُو
دَاوُدَ سُلَيْمَانُ بْنُ الْأَشْعَثِ السِّجِسْتَانِيُّ،
أَنَا مُوسَى بن إسماعيل أنا حماد هو ابن سَلَمَةَ أَنَا
ثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: أَنَّ
الْيَهُودَ كَانَتْ [2] إِذَا حَاضَتْ مِنْهُمُ الْمَرْأَةُ
أَخْرَجُوهَا مِنَ الْبَيْتِ، وَلَمْ يُؤَاكِلُوهَا وَلَمْ
يُشَارِبُوهَا، وَلَمْ يُجَامِعُوهَا فِي الْبَيْتِ، فَسُئِلَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
فَأَنْزَلَ اللَّهُ تعالى: وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ
قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ
الْآيَةَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: «جَامِعُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ وَاصْنَعُوا كُلَّ
شَيْءٍ إِلَّا النِّكَاحَ» ، فقالت اليهود: وما يُرِيدُ هَذَا
الرَّجُلَ أَنْ يَدَعَ شَيْئًا مِنْ أَمْرِنَا إِلَّا
خَالَفَنَا فِيهِ، فَجَاءَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ وَعَبَّادُ
بْنُ بشير إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَقَالَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ الْيَهُودَ تَقُولُ كَذَا
وَكَذَا، أَفَلَا نَنْكِحُهُنَّ فِي الْمَحِيضِ فَتَمَعَّرَ
[3] وَجْهُ رَسُولِ الله صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ
[حَتَّى ظَنَنَّا أَنْ قَدْ وَجَدَ عَلَيْهِمَا فَخَرَجَا
فَاسْتَقْبَلَتْهُمَا هَدِيَّةٌ مِنْ لَبَنٍ إِلَى رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] [4] ، فَبَعَثَ في
آثارهما فسقاهما فعرفنا أَنَّهُ لَمْ يَجِدْ عَلَيْهِمَا.
قَوْلُهُ تعالى: وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ، أَيْ: عَنِ
الْحَيْضِ، وَهُوَ مَصْدَرٌ حَاضَتِ الْمَرْأَةُ تَحِيضُ
حَيْضًا وَمَحِيضًا، كَالسَّيْرِ وَالْمَسِيرِ، وَأَصْلُ
الْحَيْضِ الِانْفِجَارُ وَالسَّيَلَانُ، وَقَوْلُهُ: قُلْ
هُوَ أَذىً، أَيْ: قَذَرٌ، وَالْأَذَى كُلُّ مَا يُكْرَهُ مِنْ
كُلِّ شَيْءٍ، فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ، أراد
بالاعتزال ترك الوطء [لهن] ، وَلا تَقْرَبُوهُنَّ، أَيْ: لَا
تُجَامِعُوهُنَّ، أما الملامسة والمضاجعة معها فجائز.
«236» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ
الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
النَّعِيمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يوسف أنا
__________
235- إسناده صحيح على شرط مسلم، أبو داود هو صاحب السنن، ثابت
البناني هو ابن أسلم.
- وهو في «شرح السنة» بإثر 315 بهذا الإسناد.
- وأخرجه أبو داود (258 و2165) عن موسى بن إسماعيل بهذا
الإسناد.
- وأخرجه مسلم 302 والترمذي 2977 والنسائي (1/ 152 و187) وابن
ماجه 644 والطيالسي 2052 وأحمد (3/ 31 و246) والدارمي (1/ 245)
وأبو عوانة في «صحيحه» (1/ 311) وابن حبان 1362 والبيهقي (1/
313) من طرق عن حماد بن سلمة بهذا الإسناد.
236- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم، قبيصة هو ابن عقبة
السّوائي الكوفي، وسفيان هو ابن سعيد الثوري، ومنصور هو ابن
المعتمر، وإبراهيم هو ابن يزيد بن قيس أبو عمران النخعي،
والأسود هو ابن يزيد النخعي، وهذا إسناد كوفي جليل.
هو في «شرح السنة» 318 بهذا الإسناد.
وهو عند البخاري (299- 301) عن قبيصة بهذا الإسناد.
- وأخرجه مسلم 293 وأبو داود 268 والترمذي 132 والنسائي (1/
189) وابن ماجه 636 وعبد الرزاق 1237
(1) وقع في الأصل «اللولوي» .
(2) في المطبوع وحده «كانوا» .
(3) في المطبوع «فتغير» .
(4) سقط من المخطوط.
(1/285)
مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَنَا
قَبِيصَةُ، أَنَا سُفْيَانُ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ
عَنِ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا
قَالَتْ:
كُنْتُ أَغْتَسِلُ أَنَا وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ مِنْ إِنَاءٍ وَاحِدٍ، كلانا جنب، وكان يأمرني
فأتّزر [1] فَيُبَاشِرَنِي وَأَنَا حَائِضٌ، وَكَانَ يُخْرِجُ
رَأْسَهُ إِلَيَّ وَهُوَ مُعْتَكِفٌ فَأَغْسِلُهُ وَأَنَا
حَائِضٌ.
«237» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ أَنَا
أَبُو أَحْمَدَ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ، أَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ
أَنَا سَعْدُ بْنُ حَفْصٍ، أَنَا شَيْبَانُ عَنْ يَحْيَى عَنْ
أَبِي سَلَمَةَ عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أبي سلمة حدثته: أن أُمِّ
سَلَمَةَ قَالَتْ: حِضْتُ وَأَنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْخَمِيلَةِ [2]
فَانْسَلَلْتُ فخرجت منها [3] فأخذت ثياب حيضتي فَلَبِسْتُهَا،
فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: «أَنَفِسْتِ» ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، فَدَعَانِي
فَأَدْخَلَنِي مَعَهُ الخميلة.
«238» أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ [4] عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
مُحَمَّدٍ الْحَنِيفِيُّ [5] أَنَا أَبُو الْحَارِثِ طَاهِرُ
بْنُ مُحَمَّدٍ الطَّاهِرِيُّ أنا [أبو] [6]
__________
والطيالسي 1375 وابن أبي شيبة (4/ 254) وأحمد (6/ 55) و (134
و189 و209) وأبو عوانة (1/ 308) و (309) والدارمي (1/ 242)
وابن حبان 1364 وابن الجارود 106 والبيهقي (1/ 310) والبغوي
317 من طرق عن منصور بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري 302 ومسلم 293 والنسائي (1/ 151 و189) وابن
ماجه 635 وابن أبي شيبة (4/ 254) وأحمد (6/ 170 و174 و206)
والدارمي (1/ 422) والحاكم (1/ 172) والبيهقي (1/ 310) من طرق
من حديث عائشة بعضهم اقتصر على ذكر المباشرة وبعضهم اقتصر على
ذكر الاغتسال.
237- إسناده صحيح على شرط البخاري، شيبان هو ابن عبد الرحمن
التميمي النحوي، ويحيى هو ابن أبي كثير الطائي، واسم أبيه:
صالح بن المتوكل، وقيل: يسار، وقيل: نشيط، وقيل: دينار وأبو
سلمة هو ابن عبد الرحمن بن عوف.
هو في «شرح السنة» 3170 بهذا الإسناد.
- وهو عند البخاري 322 عن سعد بن حفص بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري 298 و323 و1929 ومسلم 296 والنسائي (1/ 149-
188) وأحمد (6/ 300) والدارمي (1/ 243) وأبو عوانة (1/ 310)
وابن حبان 1363 والبيهقي (1/ 311) والبغوي في «شرح السنة» 316
من طرق عن أبي سلمة بهذا الإسناد.
- وأخرجه عبد الرزاق 1235 وأحمد (6/ 294) والدارمي (1/ 243)
وابن ماجه 637 عن أبي سلمة عن أم سلمة به.
238- إسناده صحيح، صدقة هو ابن الفضل المروزي روى له البخاري،
وكيع هو ابن الجراح، ومسعر هو ابن كدام، وسفيان هو ابن سعيد
الثوري، وشريح هو ابن هانئ.
- هو في «شرح السنة» 322 بهذا الإسناد، وتصحف فيه «المقدام»
وإلى «المقداد» .
- وأخرجه مسلم 300 والنسائي (1/ 149) وأحمد (6/ 192 و210) وابن
خزيمة 110 وابن حبان 1293 من طرق عن وكيع بهذا الإسناد.
- وأخرجه أبو عوانة (1/ 311) وابن خزيمة 110 وابن حبان 1360 من
طرق عن مسعر بهذا الإسناد.
- وأخرجه أبو داود 259 والنسائي (1/ 190) وابن ماجه 643 وعبد
الرزاق (388 و1253) والطيالسي 1514 وأحمد (6/ 62 و214)
والدارمي (1/ 246) من طرق عن المقدام به.
(1) في المطبوع «أن أتزر» .
(2) الخميلة: ثوب من صوف له خمل.
(3) في المطبوع «منه» .
(4) زيد في الأصل «بن» بين «القاسم» و «عبد الله» والتصويب من
«ط» و «شرح السنة» . [.....]
(5) وقع في الأصل «الحنفي» والتصويب من «ط» و «شرح السنة» .
(6) ما بين المعقوفتين زيادة من «ط» و «شرح السنة» .
(1/286)
مُحَمَّدُ [1] الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ
بْنِ حَلِيمٍ [2] ، أَنَا أَبُو الْمُوَجِّهِ مُحَمَّدُ بْنُ
عَمْرٍو، أَنَا صَدَقَةُ أَنَا وَكِيعٌ أَنَا مِسْعَرٌ
وَسُفْيَانُ عَنِ الْمِقْدَامِ بْنِ شُرَيْحٍ عَنْ أَبِيهِ
عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: كنت أشرب وأنا
حائض وأناوله لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
فَيَضَعُ فَاهُ عَلَى مَوْضِعٍ فِي وَأَتَعَرَّقُ الْعَرَقَ
[3] فَيَتَنَاوَلُهُ فَيَضَعُ فَاهُ فِي مَوْضِعِ فِي.
فَوَطْءُ الْحَائِضِ حَرَامٌ وَمَنْ فَعَلَهُ يَعْصِي اللَّهَ
عَزَّ وَجَلَّ وَيُعَزِّرُهُ [4] الْإِمَامُ إِنْ عَلِمَ
مِنْهُ ذَلِكَ، وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي وُجُوبِ
الْكَفَّارَةِ عَلَيْهِ، فَذَهَبَ أَكْثَرُهُمْ إِلَى أَنَّهُ
لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ فَيَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَيَتُوبُ
إِلَيْهِ، وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ
عَلَيْهِ، مِنْهُمْ قَتَادَةُ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَحْمَدُ
وَإِسْحَاقُ، لِمَا:
«239» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ
الْمَلِيحِيُّ أَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ،
أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الْبَغَوِيُّ أَنَا
__________
(1) زيد في الأصل «بن» بين «محمد» و «الحسن» والتصويب من «شرح
السنة» و «الأنساب» (4/ 198) .
(2) وقع في الأصل «حكيم» والتصويب من «شرح السنة» و «الأنساب»
(4/ 198) .
(3) العرق: العظم الذي أخذ منه معظم اللحم، وبقي منه قليل
يقال: عرقت العظم واعترقته وتعرقته: إذا أخذت عنه اللحم
بأسنانك.
(4) وقع في الأصل «يعززه» وهو تصحيف.
239- غير قوي. إسناده ضعيف لضعف عَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ أَبِي
الْمُخَارِقِ، وفيه أيضا أبو جعفر الرازي واسمه عيسى بن أبي
عيسى، وأبو عيسى اسمه ماهان. قال ابن معين: ثقة، وقال أحمد
والنسائي: ليس بالقوي وقال الفلاس: سيّئ الحفظ، وكلاهما قد
توبع، لكن من تابعهما لا يحتج به.
- وهو عند المصنف في «شرح السنة» 316 بهذا الإسناد.
- وأخرجه الدارمي (1/ 255) وأبو يعلى 3432 والدارقطني (3/ 287)
والبيهقي (1/ 317) من طرق عن أبي جعفر الرازي به.
- وأخرجه أحمد (1/ 367) والبيهقي (1/ 316) والدارقطني (3/ 387)
وابن ماجه 650 من طرق عن عبد الكريم به.
- وأخرجه أبو داود (264 و2168) والنسائي (1/ 153) وابن ماجه
640 والدارمي (1/ 254) والحاكم (1/ 171- 172) وأحمد (1/ 229-
230) من طرق عن عبد الحميد عن مقسم به.
وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي.
- وأخرجه أبو داود 266 والترمذي 136 وأحمد (1/ 272) والدارمي
(1/ 254) والبيهقي (1/ 316) من طرق عن مقسم به.
- وأخرجه الدارمي (1/ 254 و255) والبيهقي (1/ 315) و (316) عن
ابن عباس موقوفا.
قال الحافظ في «التخليص» (1/ 165) بعد أن ذكر طرقه: وله طرق في
السنن غير هذه، لكن شك شعبة في رفعه عن الحكم عن عبد الحميد.
وأما الروايات المتقدمة كلها فمدارها على عبد الكريم بن أبي
أمية، وهو مجمع على تركه، إلا أنه توبع في بعضها من جهة خصيف،
ومن جهة علي بن بذيمة، وفيهما مقال، وأعلت الطرق كلها
بالاضطراب وقد صححه الحاكم وابن القطان وابن دقيق العيد.
وأما تضعيف ابن حزم لمقسم، فقد نوزع فيه، قال فيه أبو حاتم:
صالح الحديث، وقال ابن أبي حاتم في «العلل» : سألت أبي عنه
فقال: اختلف الرواة فيه فمنهم من يوقفه ومنهم من يسنده وقال
الشافعي في «أحكام القرآن» لو كان هذا الحديث ثابتا لأخذنا به.
انتهى. والاضطراب في إسناد هذا الحديث ومتنه كثير جدا وقد أمعن
ابن القطان القول في تصحيح هذا الحديث، والجواب عن طرف الطعن
فيه بما يراجع منه. وأقرّ ابن دقيق العيد تصحيح ابن القطان.
وقوّاه في «الإمام» وهو الصواب. فكم من حديث احتجوا به فيه من
الاختلاف أكثر مما في هذا كحديث بئر بضاعة، وحديث القلتين
ونحوهما، وفي ذلك ما يرد على النووي في دعواه في «شرح المهذب»
و «التنقيح» و «الخلاصة» أن الأئمة كلهم خالفوا الحاكم في
تصحيحه وأن الحق أنه ضعيف باتفاقهم، وتبع النوويّ في بعض ذلك
ابن الصلاح، والله أعلم اهـ. باختصار.
(1/287)
عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَنَا أَبُو
جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ أَبِي
الْمُخَارِقِ عَنْ مِقْسَمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ:
أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ
فِي رَجُلٍ جَامَعَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ، قَالَ: «إِنْ
كَانَ الدَّمُ عَبِيطًا فَلْيَتَصَدَّقْ بِدِينَارٍ، وَإِنْ
كَانَ صُفْرَةً فَنِصْفُ دِينَارٍ» ، وَيُرْوَى هَذَا موقوفا
على ابْنِ عَبَّاسٍ.
وَيَمْنَعُ الْحَيْضُ جَوَازَ الصَّلَاةِ وَوُجُوبَهَا،
وَيَمْنَعُ جَوَازَ الصَّوْمِ وَلَا يَمْنَعُ وُجُوبَهُ،
حَتَّى إِذَا طَهُرَتْ يَجِبُ عَلَيْهَا قَضَاءُ الصَّوْمِ ولا
يجب [عليها] [1] قَضَاءُ الصَّلَاةِ، وَكَذَلِكَ النُّفَسَاءُ.
«240» أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ سَعِيدُ [بْنُ إِسْمَاعِيلَ
الضَّبِّيُّ أَنَا أَبُو] [2] مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْجَبَّارِ
بْنُ مُحَمَّدٍ الْجِرَاحِيُّ، أَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ
مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْمَحْبُوبِيُّ، أَنَا أَبُو عِيسَى
التِّرْمِذِيُّ أَنَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ أَنَا عَلِيُّ بْنُ
مُسْهِرٍ عَنْ عُبَيْدَةَ بن معتّب الضبي أبو عبد الكريم [3]
عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ عَنِ الْأَسْوَدِ عَنْ
عَائِشَةَ قَالَتْ: كُنَّا نَحِيضُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ نَطْهُرُ
فَيَأْمُرُنَا بِقَضَاءِ الصِّيَامِ وَلَا يَأْمُرُنَا
بِقَضَاءِ الصَّلَاةِ.
وَلَا يَجُوزُ لِلْحَائِضِ الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ وَلَا
الِاعْتِكَافُ فِي الْمَسْجِدِ وَلَا مَسُّ الْمُصْحَفِ وَلَا
قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ، وَلَا يَجُوزُ لِلزَّوْجِ غِشْيَانُهَا.
«241» أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنَا
الْقَاسِمُ بْنُ جَعْفَرٍ أَنَا أَبُو عَلِيٍّ اللُّؤْلُؤِيُّ
[4] ، أَنَا أَبُو داود أنا مسدد
__________
الخلاصة: هو حديث مختلف فيه ما بين مصحح له ومضعف، وما بين
مرجح للوقف فيه على ابن عباس، والله أعلم.
240- إسناده صحيح، إبراهيم هو ابن يزيد النخعي، والأسود هو ابن
يزيد النخعي.
- وهو في «شرح السنة» 324 بهذا الإسناد.
- وفي «سنن الترمذي» 787 عن علي بن حجر بهذا الإسناد.
- وأخرجه مسلم (335/ ح 69) وعبد الرزاق 1277 وأبو عوانة (1/
324) والبيهقي (1/ 308) من طريق معمر عن عاصم الأحول عن معاذة
قالت: سألت عائشة....
- وأخرجه البخاري 321 ومسلم 335 وأبو داود 262 و263 والترمذي
130 والنسائي (1/ 191) وابن ماجه 631 وعبد الرزاق 1278 وابن
أبي شيبة (2/ 339) و (340) والطيالسي 1570 وأحمد (6/ 94) و120
و143 وأبو عوانة 1/ 1/ 324 و325 وابن حبان 1349 والدارمي 1/
223 و224 والبيهقي (1/ 308) من طرق عن معاذة عن عائشة به.
(1) زيادة من المخطوط.
(2) وقع في الأصل «سعيد عن عبيدة بن أبي محمد» والتصويب من «ط»
و «ف» و «شرح السنة» .
(3) وقع في الأصل «مسهر بن إسماعيل الضبي، أن معقب الضبي عن
عبد الكريم» والتصويب من «ط» و «شرح السنة» و «سنن الترمذي»
وكتب التراجم.
(4) في الأصل «اللولوي» .
241- يشبه الحسن، إسناده لين لأجل جسرة بن دجاجة، فإنها
مقبولة، كما في التقريب، وأفلت بن خليفة، ويقال: فليت.
بدل «أفلت» . وهو صدوق، وقد توبع هو ومن دونه.
وهو في سنن أبي داود 232 عن مسدد بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري في «تاريخه» (2/ 76) والبيهقي في «السنن» (2/
442) و (443) .
- وورد من حديث أم سلمة أخرجه ابن ماجه 645 وابن أبي حاتم في
«العلل» 269 كلاهما عن محدوج الذهلي عن جسرة عن أم سلمة،
وإسناده واه فيه محدوج الذهلي لم يوثق، وأبو الخطاب مجهول كما
في زوائد البوصيري.
- ومداره على جسرة أيضا. قال الحافظ في «التقريب» جسرة بنت
دجاجة مقبولة، ويقال: لها إدراكا. أي صحبة.
- وقال ابن حجر في «تلخيص الحبير» (1/ 140) ما ملخصه: رواه أبو
داود عن جسرة عن عائشة وابن ماجه عن جسرة عن أم سلمة، وقال أبو
زرعة: الصحيح عن جسرة عن عائشة. قال ابن حجر: وقد ضعف بعضهم
هذا الحديث بأن [.....]
(1/288)
أَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ
أَنَا أَفْلَتُ بْنُ خَلِيفَةَ قَالَ: حَدَّثَتْنِي جَسْرَةُ
بِنْتُ دَجَاجَةَ قَالَتْ: سَمِعْتُ عَائِشَةَ تَقُولُ:
جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَوُجُوهُ بُيُوتِ أَصْحَابِهِ شَارِعَةٌ فِي الْمَسْجِدِ،
فَقَالَ: «وَجِّهُوا هَذِهِ الْبُيُوتَ عَنِ الْمَسْجِدِ
فَإِنِّي لَا أُحِلُّ الْمَسْجِدَ لِحَائِضٍ وَلَا جُنُبٍ» .
قَوْلُهُ تَعَالَى: حَتَّى يَطْهُرْنَ، قَرَأَ عَاصِمٌ
بِرِوَايَةِ أَبِي بَكْرٍ وَحَمْزَةَ وَالْكِسَائِيِّ بتشديد
الطاء والهاء، يعني [1] : يَغْتَسِلْنَ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ
بِسُكُونِ الطَّاءِ وضم الهاء مخففا، وَمَعْنَاهُ: حَتَّى
يَطْهُرْنَ مِنَ الْحَيْضِ ولينقطع دَمُهُنَّ، فَإِذا
تَطَهَّرْنَ، يَعْنِي: اغْتَسَلْنَ، فَأْتُوهُنَّ، أَيْ:
فَجَامِعُوهُنَّ، مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ، أَيْ: مِنْ
حَيْثُ أَمَرَكُمْ أَنْ تَعْتَزِلُوهُنَّ مِنْهُ وَهُوَ
الْفَرْجُ، قَالَهُ مُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ وَعِكْرِمَةُ،
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: طَئُوهُنَّ فِي الْفَرْجِ وَلَا
تَعْدُوهُ إِلَى غَيْرِهِ، أَيِ: اتَّقُوا الْأَدْبَارَ،
وَقِيلَ: مِنْ حيث بمعنى فِي حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ
تَعَالَى وهو الفرج كقوله عزّ وجلّ: إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ
مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ [الْجُمُعَةِ: 9] ، أَيْ: فِي يَوْمِ
الجمعة، وقيل: فأتوهن من الْوَجْهَ الَّذِي أَمَرَكُمُ اللَّهُ
أَنْ تأتوهن [فيه] وَهُوَ الطُّهْرُ، وَقَالَ ابْنُ
الْحَنَفِيَّةِ:
مِنْ قِبَلِ الْحَلَالِ دُونَ الْفُجُورِ، وَقِيلَ: لَا
تَأْتُوهُنَّ صَائِمَاتٍ وَلَا مُعْتَكِفَاتٍ وَلَا
مُحْرِمَاتٍ، وَأْتُوهُنَّ وَغِشْيَانُهُنَّ لَكُمْ [2]
حَلَالٌ، وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا يَرْتَفِعُ تَحْرِيمُ شَيْءٍ
مِمَّا مَنَعَهُ الْحَيْضُ بِانْقِطَاعِ الدَّمِ مَا لَمْ
تَغْتَسِلْ أَوْ تَتَيَمَّمْ عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ إِلَّا
تَحْرِيمُ الصَّوْمِ، فَإِنَّ الْحَائِضَ إِذَا انْقَطَعَ
دَمُهَا بِاللَّيْلِ وَنَوَتِ الصَّوْمَ فَوَقْعَ غُسْلُهَا
بِالنَّهَارِ صَحَّ صَوْمُهَا، وَالطَّلَاقُ فِي حَالِ
الْحَيْضِ يَكُونُ بِدْعِيًّا وَإِذَا طَلَّقَهَا بَعْدَ
انْقِطَاعِ الدَّمِ قَبْلَ الْغُسْلِ لَا يَكُونُ بِدْعِيًّا،
وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِلَى أَنَّهُ
إِذَا انْقَطَعَ دَمُهَا لِأَكْثَرِ الحيض وهي عنده عَشَرَةِ
أَيَّامٍ يَجُوزُ لِلزَّوْجِ غِشْيَانُهَا قبل الغسل، وقال
مجاهد [3] وطاوس: إذا غسلت فرجها يَجُوزُ لِلزَّوْجِ
غِشْيَانُهَا قَبْلَ الْغُسْلِ. وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ
عَلَى التَّحْرِيمِ مَا لَمْ تَغْتَسِلْ أَوْ تَتَيَمَّمْ
عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَلَّقَ
جَوَازَ وَطْئِهَا بِشَرْطَيْنِ:
بانقطاع الدم والغسل، حَتَّى يَطْهُرْنَ، يَعْنِي: مِنَ
الْحَيْضِ، فَإِذا تَطَهَّرْنَ، يَعْنِي: اغْتَسَلْنَ
فَأْتُوهُنَّ، وَمَنْ قَرَأَ يَطَّهَّرْنَ بِالتَّشْدِيدِ
فَالْمُرَادُ مِنْ [ذَلِكَ] الْغُسْلُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى:
وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا [الْمَائِدَةِ:
6] ، أي: اغتسلوا، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ قَبْلَ الْغُسْلِ لَا
يَحِلُّ الْوَطْءُ، قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ
التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ، قَالَ عَطَاءٌ
وَمُقَاتِلُ بْنُ سُلَيْمَانَ وَالْكَلْبِيُّ: يُحِبُّ
التَّوَّابِينَ مِنَ الذُّنُوبِ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ
بِالْمَاءِ مِنَ الْأَحْدَاثِ وَالنَّجَاسَاتِ، وَقَالَ
مُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ: يُحِبُّ التَّوَّابِينَ مِنَ
الذُّنُوبِ وَالْمُتَطَهِّرِينَ مِنَ الشِّرْكِ، وَقَالَ
سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: التَّوَّابِينَ مِنَ الشِّرْكِ
وَالْمُتَطَهِّرِينَ مِنَ الذُّنُوبِ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ:
التَّوَّابِينَ مِنَ الذُّنُوبِ لَا يَعُودُونَ فِيهَا
وَالْمُتَطَهِّرِينَ مِنْهَا لَمْ يُصِيبُوهَا، وَالتَّوَّابُ
الَّذِي كُلَّمَا أَذْنَبَ تَابَ، نَظِيرُهُ قَوْلُهُ
تَعَالَى: فَإِنَّهُ كانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُوراً [الإسراء:
25] .
__________
راويه أفلت مجهول الحال، وأما قول ابن رفعة: متروك. فهذا مردود
فقد قال أحمد: أفلت ما أرى به بأسا والحديث صححه ابن خزيمة
وحسنه ابن القطان اهـ.
قلت: وكذا حسنه الزيلعي في «نصب الراية» (1/ 194) وابن القطان
وذكر الزيلعي كلاما طويلا لابن القطان وحاصله أن أفلت قال أبو
حاتم عنه: شيخ. وقال أحمد: ما أرى به بأسا اهـ.
وانظر «فتح القدير» لابن الهمام (1/ 167) .
(1) في المطبوع «حتى» .
(2) في المخطوط «وغشيانكم لهن» .
(3) زيد في المطبوع «وعطاء» .
(1/289)
نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ
لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا
لِأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ
مُلَاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (223)
[سورة البقرة (2) : آية 223]
نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ
وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا
أَنَّكُمْ مُلاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (223)
قَوْلُهُ تَعَالَى: نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا
حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ، «242» أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ
أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الشُّرَيْحِيُّ، أَنَا أَبُو
إِسْحَاقَ الثَّعْلَبِيُّ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
حَامِدٍ الْأَصْبَهَانِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
يَعْقُوبَ بن الْمُنَادِي أَنَا يُونُسُ، أَنَا يَعْقُوبُ
القمّي عن جعفر بن [أبي] [1] الْمُغِيرَةِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ
جُبَيْرٍ عن ابن عباس:
جَاءَ عُمَرُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكْتُ، قَالَ:
«وَمَا الَّذِي أَهْلَكَكَ» ؟ قَالَ: حَوَّلْتُ رَحْلِي
الْبَارِحَةَ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ شيئا، فأوحى اللَّهُ
إِلَيْهِ [2] : نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ
أَنَّى شِئْتُمْ، يَقُولُ:
«أَدْبِرْ وَأَقْبِلْ وَاتَّقِ الدُّبُرَ وَالْحَيْضَةَ» .
«243» أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْحِيرِيُّ، أَنَا
حَاجِبُ [3] بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ أَنَا عَبْدُ
الرَّحِيمِ بْنُ مُنِيبٍ، أَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنِ ابْنِ
الْمُنْكَدِرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ
يَقُولُ:
كَانَتِ الْيَهُودُ تَقُولُ فِي الَّذِي يَأْتِي امْرَأَتَهُ
مِنْ دُبُرِهَا فِي قُبُلِهَا إِنَّ الْوَلَدَ يَكُونُ
أَحْوَلَ، فَنَزَلَتْ نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا
حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ.
ع «244» وَرَوَى مُجَاهِدٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ
مِنْ شَأْنِ أَهْلِ الْكِتَابِ أَنْ لَا يَأْتُوا النِّسَاءَ
إِلَّا عَلَى حَرْفٍ، وَذَلِكَ أَسْتَرُ مَا تَكُونُ
الْمَرْأَةُ، وَكَانَ هَذَا الْحَيُّ مِنَ الْأَنْصَارِ قَدْ
أَخَذُوا بِذَلِكَ مِنْ فِعْلِهِمْ، وَكَانَ هَذَا الحي
__________
242- إسناده حسن، رجاله ثقات، يونس هو ابن محمد المؤدب، ويعقوب
هو ابن عبد الله بن سعد أبو الحسن القمّي.
وأخرجه أبو يعلى 2736 وابن حبان 4202 والواحدي 145 من طرق عن
يونس بن محمد عن يعقوب القمي بهذا الإسناد.
- وأخرجه الترمذي 2980 والنسائي في «الكبرى» 8977 وأحمد (1/
297) والطبري 4347 والطبراني 12317 والبيهقي (7/ 198) من طرق
عن يعقوب القمّي به، وقال الترمذي: حديث حسن غريب.
وصححه الحافظ في «الفتح» (8/ 191) وانظر «فتح القدير» للشوكاني
335 بتخريجي.
243- حديث صحيح. عبد الرحيم بن منيب مجهول، لم يرو عنه سوى
حاجب بن أحمد، ولم يوثقه أحد، وذكره السمعاني في «الأنساب» على
أنه ممن روى عنه حاجب بن أحمد. وبكل حال فقد توبع هو ومن دونه،
ابن عيينة هو سفيان.
- وأخرجه البخاري (4528) ومسلم (1435) وأبو داود 2163 والترمذي
2982 وابن ماجه 1925 وأبو يعلى 258 والطحاوي (3/ 40) والبيهقي
في السنن 1947 من طرق عن سفيان بن عيينة به.
- وأخرجه مسلم 1435 والطحاوي (3/ 40) والواحدي 143 و144
والدارمي (1/ 258) و (2/ 145- 146) والبيهقي (7/ 194 و195) من
طرق عن محمد بن المنكدر به.
(1) زيادة عن كتب التخريج والتراجم.
(2) في المخطوط «فأنزل الله إليه» .
(3) وقع في الأصل «صاحب» والتصويب عن «أسباب النزول» للواحدي
وكتب التراجم.
244- ع حسن. أخرجه أبو داود 4164 والحاكم (2/ 279) والطبري
4340 والواحدي 142 والبيهقي (7/ 195) من طرق ابن إسحاق عن أبان
بن صالح عَنْ مُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وإسناده حسن، ابن
إسحاق صرح بالسماع من أبان عند الحاكم والبيهقي، ولأصله شواهد
تعضده، والله أعلم.
(1/290)
مِنْ قُرَيْشٍ يَتَلَذَّذُونَ مِنْهُنَّ
مُقْبِلَاتٍ وَمُدْبِرَاتٍ وَمُسْتَلْقِيَاتٍ، فَلَمَّا قَدِمَ
الْمُهَاجِرُونَ الْمَدِينَةَ تَزَوَّجَ رَجُلٌ مِنْهُمُ
امْرَأَةً مِنَ الْأَنْصَارِ فَذَهَبَ يَصْنَعُ بِهَا ذَلِكَ،
فَأَنْكَرَتْ عَلَيْهِ وَقَالَتْ: إِنَّا كُنَّا نُؤْتَى عَلَى
حَرْفٍ فَإِنْ شِئْتَ فَاصْنَعْ ذَلِكَ، وَإِلَّا
فَاجْتَنِبْنِي، حَتَّى سَرَى أَمْرُهُمَا، فَبَلَغَ ذَلِكَ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ
الْآيَةَ، يَعْنِي: مَوْضِعَ الْوَلَدِ، فَأْتُوا حَرْثَكُمْ
أَنَّى شِئْتُمْ مُقْبِلَاتٍ وَمُدْبِرَاتٍ وَمُسْتَلْقِيَاتٍ.
وأَنَّى حَرْفُ اسْتِفْهَامٍ يَكُونُ سُؤَالًا عَنِ الْحَالِ
وَالْمَحَلِّ، مَعْنَاهُ: كَيْفَ شِئْتُمْ وَحَيْثُ شِئْتُمْ
بَعْدَ أَنْ يَكُونَ فِي صِمَامٍ وَاحِدٍ، وَقَالَ عِكْرِمَةُ
أَنَّى شِئْتُمْ: إِنَّمَا هُوَ الْفَرْجُ، وَمِثْلُهُ [عَنِ
الْحَسَنِ، وَقِيلَ: حَرْثٌ] [1] لَكُمْ، أَيْ: مَزْرَعٌ
لَكُمْ وَمَنْبَتٌ لِلْوَلَدِ [2] بِمَنْزِلَةِ الْأَرْضِ
الَّتِي تُزْرَعُ، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى تَحْرِيمِ
الْأَدْبَارِ، لِأَنَّ مَحَلَّ الْحَرْثِ وَالزَّرْعِ هُوَ
الْقُبُلُ لَا الدُّبُرُ، وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ:
هَذَا فِي الْعَزْلِ، يَعْنِي: إِنْ شِئْتُمْ، فَاعْزِلُوا
وَإِنْ شِئْتُمْ فَلَا تَعْزِلُوا، وَسُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ
عَنِ الْعَزْلِ فَقَالَ: حَرْثُكَ إِنْ شِئْتَ فَأَعْطِشْ
وَإِنْ شِئْتَ فَارْوِ، وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ:
تُسْتَأْمَرُ [الْحُرَّةُ فِي الْعَزْلِ وَلَا تُسْتَأْمَرُ]
[3] الْجَارِيَةُ، وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَكَرِهَ جَمَاعَةٌ
الْعَزْلَ، وَقَالُوا [4] :
هُوَ الْوَأْدُ الْخَفِيُّ.
وَرَوَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ قَالَ: كُنْتُ أَمْسِكُ
عَلَى ابْنِ عُمَرَ الْمُصْحَفَ فَقَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ
نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ، فَقَالَ: أَتَدْرِي فِيمَ نَزَلَتْ
هَذِهِ الْآيَةُ؟ قُلْتُ: لَا، قَالَ: نَزَلَتْ فِي رَجُلٍ
أَتَى امْرَأَتَهُ فِي دُبُرِهَا فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ،
فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ، وَيُحْكَى عَنْ مَالِكٍ إِبَاحَةُ
ذَلِكَ، وَأَنْكَرَ ذَلِكَ أَصْحَابُهُ، وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ لَقِيَ سَالِمَ بْنَ عَبْدِ
اللَّهِ فَقَالَ لَهُ: يَا أَبَا عمر ما حدثت بحديث نَافِعٌ
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَرَى بَأْسًا
بِإِتْيَانِ النِّسَاءِ فِي أَدْبَارِهِنَّ؟ فَقَالَ: كَذَبَ
الْعَبْدُ وَأَخْطَأَ إِنَّمَا قَالَ عَبْدُ اللَّهِ:
يُؤْتَوْنَ فِي فُرُوجِهِنَّ مِنْ أَدْبَارِهِنَّ.
وَالدَّلِيلُ عَلَى تَحْرِيمِ الْأَدْبَارِ مَا:
«245» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ
الْخَطِيبِ، أَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ
الْخَلَّالُ أَخْبَرَنَا أبو العباس
__________
245- عجزه صحيح لشواهده وطرقه، وأما صدره مع سال السائل، فهو
ضعيف لغرابته، إسناده ضعيف، محمد بن علي، وثقه الشافعي كما في
«التقريب» وشيخه وثقه الشافعي أيضا في «المسند» لكن كأن الحافظ
لم يطلع على توثيق الشافعي له، فقال عنه: مستور. مع أنه روى
عنه أربعة، وروى عن خمسة. وفيه أيضا عمرو بن أحيحة، وهو مقبول،
أي حيث يتابع.
وهو عند الشافعي (2/ 29) في «المسند» بهذا الإسناد.
- وأخرجه النسائي في «الكبرى» 8992 والطحاوي (3/ 43) والطبراني
3744 والبيهقي (7/ 196) والخطابي في «غريب الحديث» (1/ 376) من
طريق مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ شَافِعٍ بهذا الإسناد.
- قال الشافعي بإثره: عَمِّي- مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ
شافع- ثقة. وعبد الله بن علي ثقة.
- وورد من طرق أخرى مختصرا بذكر عجزه فقط.
فقد أخرجه النسائي في «الكبرى» 8988 وابن ماجه 1924 وأحمد (5/
213) والطبراني 3734 و3735 والبيهقي (5/ 213) و (7/ 197 و198)
من طريق عمرو بن شعيب عن هرمي بن عبد الله عن خزيمة بن ثابت
به.
وأخرجه النسائي في «الكبرى» 8982 وأحمد (5/ 213) وابن الجارود
728 والطحاوي (3/ 43) والطبراني 3716 والبيهقي (7/ 197) من طرق
عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ يزيد بن عبد الهاد عن
عمارة بن خزيمة عن أبيه.
وعمارة ثقة روى له أصحاب السنن وباقي رجال السند رجال الصحيح.
(1) زيادة من المخطوط وط.
(2) في المطبوع وحده «الولد» .
(3) زيادة من المخطوط وط. [.....]
(4) في المطبوع «قال» .
(1/291)
الْأَصَمُّ، أَنَا الرَّبِيعُ أَخْبَرَنَا
الشَّافِعِيُّ أنا عَمِّي [1] مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ
شافع، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَلِيٍّ بْنِ
السَّائِبِ عَنْ عَمْرِو بْنِ أُحَيْحَةَ بْنِ الْجُلَاحِ [2]
، عَنْ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ:
أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ عَنْ إِتْيَانِ النِّسَاءِ فِي أَدْبَارِهِنَّ،
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فِي
أَيِّ الْخُرْمَتَيْنِ، أَوْ فِي أَيِّ الْخَرَزَتَيْنِ أَوْ
فِي الْخُصْفَتَيْنِ أَمِنَ دُبُرِهَا فِي قُبُلِهَا فنعم، أم
مِنْ دُبُرِهَا فِي دُبُرِهَا فَلَا، فإن الله لا يستحيي مِنَ
الْحَقِّ، لَا تَأْتُوا النِّسَاءَ فِي أَدْبَارِهِنَّ» .
«246» أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الشُّرَيْحِيُّ
أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الثَّعْلَبِيُّ، أَنَا أَبُو عَبْدِ
اللَّهِ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْحَافِظُ أَنَا عُمَرُ
بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْقَاسِمِ النَّهَاوَنْدِيُّ، أَخْبَرَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سُلَيْمَانَ
الْحَضْرَمِيُّ أَنَا عَبْدِ اللَّهِ [بْنِ عُمَرَ] [3] بْنِ
أَبَانَ أَنَا يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي زَائِدَةَ
عَنْ مُسْلِمِ بْنِ خَالِدٍ عَنِ الْعَلَاءِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«مَلْعُونٌ مَنْ أَتَى امرأة فِي دُبُرِهَا» .
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ، قَالَ
عَطَاءٌ: التَّسْمِيَةُ عِنْدَ الْجِمَاعِ، قَالَ مُجَاهِدٌ:
وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ يَعْنِي: إِذَا أَتَى أَهْلَهُ
فَلْيَدْعُ.
«247» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ [بْنُ أَحْمَدَ]
الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
النَّعِيمِيُّ [أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يوسف] [4] أنا
__________
- وأخرجه النسائي 8984 وأحمد (5/ 215) وابن حبان 4198
والطبراني 3741 و3742 و3743 والبيهقي (7/ 197) من طرق عَنْ
يَزِيدَ بْنِ الْهَادِ عَنْ عبيد الله بن حصين الوائلي عن هرمي
بن عبد الله الواقفي عن خزيمة به. وفي الباب أحاديث كثيرة.
وانظر «فتح القدير» للشوكاني 337 بتخريجي، و «الإحسان» (9/
513- 517) .
(1) وقع في الأصل «عمر» وهو تصحيف والتصويب من مسند الشافعي.
(2) وقع في الأصل «الحلاج» وهو تصحيف.
246- حديث حسن بشواهده وطرقه، إسناده ضعيف لضعف مسلم بن خالد،
وهو الزنجي، وبه أعله ابن عدي، لكن لم ينفرد بهذا المتن، فقد
توبع، وللحديث شواهد يحسن بها إن شاء الله.
وأخرجه ابن عدي في «الكامل» (6/ 311) من طريق عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ عُمَرَ بْنِ أبان وحدثنا علي بن الحسين القاضي حدثنا
عبدان الوكيل قال: حدثنا يحيى بن زكريا.... بهذا الإسناد.
- وأخرجه الطبراني في «الأوسط» 4751 من طريق يحيى بن زكريا به
قال الحافظ في «التلخيص» (3/ 181) : ومسلم فيه ضعف اهـ.
- وورد من طرق عن الحارث بن مخلّد عن أبي هريرة مرفوعا عند أبي
داود 2162 والنسائي في «الكبرى» 9015 وابن ماجه 1923 وأحمد (2/
444) والحارث مجهول كما في «التقريب» وللحديث شواهد.
- منها ما أخرجه الترمذي 1165 والنسائي في «الكبرى» 9001 و9002
وأبو يعلى 2378 وابن أبي شيبة (4/ 251) و (252) وابن حبان
(4418) و (4203) وابن عدي (3/ 260) عن حديث ابن عباس مرفوعا
وإسناده صحيح.
فائدة: قال الطحاوي في «معاني الآثار» (3/ 46) : فلما تواترت
هذه الآثار عن النبي صلّى الله عليه وسلّم بالنهي عن وطء
المرأة في الدبر، ثم جاء عن أصحابه وتابعيهم ما يوافق ذلك وجب
القول به، وترك ما يخالفه اهـ.
وانظر تفسير ابن كثير عند هذه الآية بتخريجي، والله أعلم.
(3) زيادة عن الكامل وكتب التراجم.
(4) ما بين المعقوفتين سقط من الأصل واستدرك من «شرح السنة» .
247- إسناده صحيح على شرط الشيخين، أبو شيبة والد عثمان اسمه
محمد، جرير هو ابن عبد الحميد، منصور هو ابن المعتمر، وسالم هو
ابن أبي الجعد، وكريب هو ابن أبي مسلم مولى ابن عباس.
(1/292)
مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَنَا
عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ
عَنْ سَالِمٍ عَنْ كُرَيْبٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم: «لو أن أحدهم إِذَا
أَرَادَ أَنْ يَأْتِيَ أَهْلَهُ قَالَ: بِسْمِ اللَّهِ
اللَّهُمَّ جَنِّبْنَا الشَّيْطَانَ وَجَنِّبِ الشَّيْطَانَ
مَا رَزَقْتَنَا، فَإِنَّهُ إِنْ يُقَدَّرْ بَيْنَهُمَا وَلَدٌ
في ذلك لم يضرّه الشيطان أَبَدًا» .
وَقِيلَ: قَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ، يَعْنِي: طَلَبَ
الْوَلَدِ.
«248» أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ
الْفَضْلِ الْخَرَقِيُّ أَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ
عَبْدِ اللَّهِ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ
بْنُ عُمَرَ الْجَوْهَرِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ
الْكُشْمِيهَنِيُّ [1] ، أَنَا عَلِيُّ بْنُ حَجَرٍ
[حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنِ جَعْفَرٍ] [2] عَنِ الْعَلَاءِ
بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ:
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ: «إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلَّا
مِنْ ثَلَاثَةٍ [3] : صَدَقَةٌ جَارِيَةٌ أَوْ عِلْمٌ
يُنْتَفَعُ بِهِ أَوْ وَلَدٌ صَالِحٌ يَدْعُو لَهُ» .
وَقِيلَ: هُوَ التَّزَوُّجُ بِالْعَفَافِ لِيَكُونَ الْوَلَدُ
صالحا.
«249» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ [بْنُ أَحْمَدَ] [4]
الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
النَّعِيمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ [أَنَا مُحَمَّدُ
بْنُ إِسْمَاعِيلَ] [5] أَنَا مُسَدَّدٌ أَنَا يَحْيَى عَنْ
عُبَيْدِ اللَّهِ [6] حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ
عَنْ أَبِيهِ عَنْ أبي هريرة
__________
وهو عند المصنف في «شرح السنة» 1324 بهذا الإسناد.
وفي «صحيح البخاري» 6388 من طريق عثمان بن أبي شيبة بهذا
الإسناد.
- وأخرجه البخاري 141 و3271 و3283 و5165 و7396 ومسلم 1434
والترمذي 1092 وأبو داود 2161 والنسائي في «الكبرى» 9030 وابن
ماجه 1919 وابن أبي شيبة (10/ 394) وأحمد (1/ 217) و (220) و
(243) و (283) و (286) وابن حبان 983 والطبراني في «الكبير»
12195 من طرق عن منصور به.
248- إسناده صحيح على شرط مسلم. عبد الرحمن والد العلاء هو ابن
يعقوب مولى الحرقة، علي بن حجر- بضم الحاء- روى له الشيخان.
وهو عند المصنف في «شرح السنة» 139 بهذا الإسناد.
وأخرجه مسلم 1631 والترمذي 1376 والنسائي (6/ 251) وابن حبان
3016 من طرق عن علي بن حجر بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري في «الأدب المفرد» 38 ومسلم 1631 وأحمد (2/
372) والطحاوي في «المشكل» 246 والبيهقي (6/ 278) من طرق عن
إسماعيل بن جعفر به.
- وأخرجه أبو داود 3880 والطحاوي 1247 والبيهقي (6/ 278) من
طرق عن العلاء به.
249- إسناده صحيح، مسدد هو ابن مسرهد، روى له البخاري، ومن
فوقه رجال البخاري ومسلم، يحيى هو ابن سعيد القطان، وسعيد هو
المقبري وأبو سعيد اسمه كيسان. وعبيد الله هو ابن عمر.
- وهو عند المصنف في «شرح السنة» 2233 بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري 5090 ومسلم 466 وأبو داود 2047 والنسائي (6/
68) وابن ماجه 1858 وأحمد (2/ 428) والدارمي (2/ 133) 134 وابن
حبان 4036 والبيهقي (7/ 79- 80) من طرق عن يحيى بن سعيد بهذا
الإسناد.
(1) وقع في الأصل «الكشمهيني» والتصويب من «الأنساب» و «شرح
السنة» .
(2) زيادة عن المخطوط و «شرح السنة» .
(3) كذا في المطبوع و «شرح السنة» وفي المخطوط «ثلاث» .
[.....]
(4) زيادة من المخطوط.
(5) ما بين المعقوفتين سقط من الأصل واستدرك من «شرح السنة» و
«ط» وكتب التخريج.
(6) وقع في الأصل «عبد الله» وهو تصحيف.
(1/293)
وَلَا تَجْعَلُوا
اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا
وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (224)
عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ: «تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ:
لِمَالِهَا وَلِحَسَبِهَا وَلِجَمَالِهَا وَلِدِينِهَا،
فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ» .
وَقِيلَ: لمعنى الْآيَةِ تَقْدِيمُ الْأَفْرَاطِ.
«250» أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ السَّرَخْسِيُّ أَخْبَرَنَا
زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ
الْهَاشِمِيُّ، أَنَا أَبُو مُصْعَبٍ عَنْ مَالِكٍ عَنِ ابْنِ
شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ:
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ: «لَا يَمُوتُ لِأَحَدٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ثَلَاثَةٌ
مِنَ الْوَلَدِ فَتَمَسُّهُ النَّارُ إِلَّا تَحِلَّةَ
الْقَسَمِ» [1] .
وَقَالَ الْكَلْبِيُّ وَالسُّدِّيُّ: وَقَدِّمُوا
لِأَنْفُسِكُمْ، يَعْنِي: الْخَيْرَ وَالْعَمَلَ الصَّالِحَ
بِدَلِيلِ سِيَاقِ الْآيَةِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا
أَنَّكُمْ مُلاقُوهُ: صَائِرُونَ إِلَيْهِ فيجزيكم بأعمالكم،
وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ.
[سورة البقرة (2) : آية 224]
وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ أَنْ
تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللَّهُ
سَمِيعٌ عَلِيمٌ (224)
. قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً
لِأَيْمانِكُمْ، نَزَلَتْ فِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ
كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ خَتَنِهِ [2] على أخيه بَشِيرِ بْنِ
النُّعْمَانِ الْأَنْصَارِيِّ شَيْءٌ، فَحَلَفَ عَبْدُ اللَّهِ
أَنْ لَا يَدْخُلَ عَلَيْهِ وَلَا يُكَلِّمَهُ وَلَا يُصْلِحُ
بَيْنَهُ وَبَيْنَ خَصْمِهِ، وَإِذَا قِيلَ لَهُ فِيهِ، قَالَ:
قَدْ حَلَفْتُ بِاللَّهِ أَنْ لَا أَفْعَلَ فَلَا يَحِلُّ لِي
إِلَّا أَنْ [أبر في يميني] [3] ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ
الْآيَةَ [4] ، وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: نَزَلَتْ فِي أَبِي
بَكْرٍ الصَّدِيقِ حِينَ حَلَفَ أَنْ لَا يُنْفِقَ عَلَى
مِسْطَحٍ حِينَ خَاضَ فِي حَدِيثِ الْإِفْكِ [5] ،
وَالْعُرْضَةُ أَصْلُهَا الشِّدَّةُ وَالْقُوَّةُ، وَمِنْهُ
قِيلَ لِلدَّابَّةِ الَّتِي تُتَّخَذُ لِلسَّفَرِ: عُرْضَةٌ
لِقُوَّتِهَا عَلَيْهِ، ثُمَّ قِيلَ لِكُلِّ مَا يَصْلُحُ
لِشَيْءٍ: هُوَ عُرْضَةٌ لَهُ، حَتَّى قَالُوا لِلْمَرْأَةِ:
هِيَ عُرْضَةُ النِّكَاحِ إِذَا صَلَحَتْ لَهُ، والعرضة كل ما
يعرض [6] فَيَمْنَعُ عَنِ الشَّيْءِ، وَمَعْنَى الْآيَةِ: لَا
تَجْعَلُوا الْحَلِفَ بِاللَّهِ سَبَبًا مانعا لكم عن [7]
الْبِرِّ وَالتَّقْوَى، يُدْعَى أَحَدُكُمْ إِلَى صِلَةِ
رَحِمٍ أَوْ بِرٍّ، فَيَقُولُ: حَلَفْتُ بِاللَّهِ أَنْ لَا
أَفْعَلَهُ فَيَعْتَلُّ بِيَمِينِهِ فِي تَرْكِ الْبِرِّ، أَنْ
تَبَرُّوا، مَعْنَاهُ: أَنْ لَا تَبِرُّوا كَقَوْلِهِ
تَعَالَى: يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا
[النِّسَاءِ: 176] ، أَيْ: لِئَلَّا تَضِلُّوا، وَتَتَّقُوا
وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ،
__________
250- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم، ابن شهاب هو الزهري
اسمه محمد بن مسلم.
- وفي «الموطأ» (1/ 235) عن الزهري بهذا الإسناد.
- ومن طريق مالك أخرجه البخاري 6656 ومسلم 2632 والترمذي 1060
والنسائي (4/ 25) وابن حبان 2942 والبيهقي (4/ 67) و (7/ 78) و
(10/ 64) .
- وأخرجه البخاري 1251 ومسلم 2632 وابن ماجه 1603 وأحمد (2/
239) والبغوي في «شرح السنة» 1537 من طرق عَنْ سُفْيَانَ بْنِ
عُيَيْنَةَ عَنْ الزهري به.
(1) وهو قوله عز وجل في سورة مريم وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا
وارِدُها كانَ عَلى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيًّا (71) .
(2) الختن: الصهر- أو كل من كان من قبل المرأة كالأب والأخ
اهـ. قاموس.
(3) في المطبوع «تبر بيميني» .
(4) باطل لا أصل له. لم ينسبه المصنف لقائل، لأن قائله متروك
متهم.
وذكره الواحدي في «أسباب النزول» 148 عن الكلبي بدون إسناد.
والكلبي متهم، أقر بالكذب على ابن عباس.
(5) أخرجه الطبري 4371 عن ابن جريج به، وهذا معضل، ليس بشيء.
(6) في المطبوع «يعترض» .
(7) في المطبوع «من» .
(1/294)
لَا يُؤَاخِذُكُمُ
اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ
بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ (225)
«251» أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ
السَّرَخْسِيُّ أَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ [أَنَا] [1] أَبُو
إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنَا أَبُو مُصْعَبٍ عَنْ مَالِكٍ
عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ حَلَفَ بِيَمِينٍ فَرَأَى خَيْرًا
مِنْهَا فَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ، وليفعل الذي هو خير» .
[سورة البقرة (2) : آية 225]
لَا يُؤاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ
وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللَّهُ
غَفُورٌ حَلِيمٌ (225)
قَوْلُهُ تَعَالَى: لَا يُؤاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي
أَيْمانِكُمْ، اللغو كل [ساقط] [2] مُطْرَحٍ مِنَ الْكَلَامِ
لَا يُعْتَدُّ بِهِ، وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ [3] فِي
اللَّغْوِ [فِي] [4] الْيَمِينِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْآيَةِ،
فَقَالَ قَوْمٌ: هُوَ مَا يَسْبِقُ إِلَى [5] اللِّسَانِ عَلَى
عَجَلَةٍ لِصِلَةِ الْكَلَامِ مِنْ غَيْرِ عَقْدٍ وَقَصْدٍ،
كَقَوْلِ الْقَائِلِ: لَا وَاللَّهِ وَبَلَى وَاللَّهِ
وَكَلَّا وَاللَّهِ.
«252» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ
الْكِسَائِيُّ أَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنِ أَحْمَدَ
الْخَلَّالُ أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ، أَنَا
الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ أَنَا مالك عن هشام عن
عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ:
لَغْوُ الْيَمِينِ قَوْلُ الْإِنْسَانِ: لَا وَاللَّهِ وَبَلَى
وَاللَّهِ.
وَرَفَعَهُ بَعْضُهُمْ.
وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الشَّعْبِيُّ وَعِكْرِمَةُ، وَبِهِ قَالَ
الشَّافِعِيُّ.
وَيُرْوَى عَنْ عَائِشَةَ أَيْمَانُ اللَّغْوِ: مَا كَانَتْ
فِي الْهَزْلِ وَالْمِرَاءِ وَالْخُصُومَةِ، وَالْحَدِيثِ
الَّذِي لَا يَعْقِدُ عَلَيْهِ الْقَلْبُ، وَقَالَ قَوْمٌ:
هُوَ أن يحلف على شَيْءٍ يَرَى أَنَّهُ صَادِقٌ فِيهِ، ثُمَّ
يَتَبَيَّنُ لَهُ خِلَافُ ذَلِكَ، وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ
وَالزُّهْرِيِّ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وَقَتَادَةَ
وَمَكْحُولٍ، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ، وقالوا: لا كفارة
__________
251- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم، أبو صالح اسمه ذكوان،
مشهور بكنيته.
- وهو في «شرح السنة» 2432 بهذا الإسناد.
- وهو عند مالك في «الموطأ» (2/ 478) عن سهيل بهذا الإسناد.
- ومن طريق مالك أخرجه مسلم 1650 والترمذي 1530 وأحمد (2/ 361)
والنسائي في «الكبرى» 4722 وابن حبان 4349 والبيهقي (10/ 53) .
252- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم، عروة هو ابن الزبير
بن العوّام.
هو في «شرح السنة» 2428 بهذا الإسناد.
هو في «الموطأ» (2/ 477) من طريق هشام بهذا الإسناد.
- ومن طريق مالك أخرجه الشافعي (2/ 74) والبيهقي (10/ 48) .
- وأخرجه البخاري 6663 والبيهقي (10/ 48) وابن الجارود 925
والطبري 4377 و4378 من طرق عن هشام به.
- وورد مرفوعا من طريق إبراهيم الصائغ قال: سألت عطاء عن اللغو
في اليمين، فقال: قالت عَائِشَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى الله عليه وسلّم قال: هو كلام الرَّجُلُ: كَلَّا
وَاللَّهِ، وَبَلَى وَاللَّهِ.
أخرجه أبو داود 3254 والطبري 4382 والبيهقي (10/ 49) وهو
معلول، ولا يصح.
- قال الحافظ في «التلخيص» (4/ 167) : قال أبو داود: رواه غير
واحد عن عطاء عنها موقوفا، وصحح الدارقطني الوقف ورواه البخاري
والشافعي ومالك عَنْ هُشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عائشة موقوفا،
ورواه الشافعي من حديث عطاء أيضا موقوفا اهـ.
(1) ما بين المعقوفتين سقط من الأصل. [.....]
(2) زيد في المطبوع وحده.
(3) في المخطوط «العلماء» .
(4) سقط من المطبوع.
(5) في المخطوط «إليه» .
(1/295)
فيه ولا إثم، وقال علي: [هو اليمين في] [1]
الغضب، وبه قال طاوس وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: هُوَ
الْيَمِينُ فِي الْمَعْصِيَةِ لَا يُؤَاخِذُهُ اللَّهُ
بِالْحِنْثِ فِيهَا، بَلْ يَحْنَثُ وَيُكَفِّرُ، وَقَالَ
مَسْرُوقٌ: لَيْسَ عَلَيْهِ كفارة، أنكفّر خُطُوَاتِ
الشَّيْطَانِ؟ وَقَالَ الشَّعْبِيُّ فِي الرجل يحلف على
المعصية: كفارتها [2] أَنْ يَتُوبَ مِنْهَا، وَكُلُّ يَمِينٍ
لَا يَحِلُّ لَكَ أَنْ تَفِيَ بِهَا فَلَيْسَ فِيهَا
كَفَّارَةٌ، وَلَوْ أَمَرْتُهُ بِالْكَفَّارَةِ لَأَمَرْتُهُ
أَنْ يُتِمَّ عَلَى قَوْلِهِ، وَقَالَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ:
هُوَ دُعَاءُ الرَّجُلِ عَلَى نفسه، كقول الإنسان: أَعْمَى
اللَّهُ بَصَرِي إِنْ [لَمْ] [3] أفعل كذا، [أَخْرَجَنِي
اللَّهُ مِنْ مَالِي إِنْ لم أنك هذا] [4] ، فهذا كله لغو لا
يؤاخذ الله به، ولو آخذهم لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعُقُوبَةَ،
وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجالَهُمْ
بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ [يُونُسَ: 11] ،
وَقَالَ: وَيَدْعُ الْإِنْسانُ بِالشَّرِّ دُعاءَهُ
بِالْخَيْرِ [الْإِسْرَاءِ: 11] ، قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلكِنْ
يُؤاخِذُكُمْ بِما كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ، أَيْ: عَزَمْتُمْ
وَقَصَدْتُمْ إِلَى الْيَمِينِ، وَكَسَبَ الْقَلْبُ: العقد
والنية، وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْيَمِينَ لَا تَنْعَقِدُ إِلَّا بِاللَّهِ
أَوْ بِاسْمٍ مِنْ أَسْمَائِهِ أَوْ بِصِفَةٍ مِنْ صِفَاتِهِ،
فَالْيَمِينُ بِاللَّهِ أَنْ يَقُولَ:
وَالَّذِي أَعْبُدُهُ وَالَّذِي أُصَلِّي لَهُ وَالَّذِي
نَفْسِي بِيَدِهِ، وَنَحْوَ ذَلِكَ، وَالْيَمِينُ بأسمائه
كقوله: والله والرحمن [والرحيم]]
ونحوه، واليمين بصفاته كقوله: [وكبرياء الله] [6] وَعِزَّةِ
اللَّهِ وَعَظَمَةِ اللَّهِ وَجَلَالِ الله وقدرة الله
ونحوهما، فَإِذَا حَلَفَ بِشَيْءٍ مِنْهَا عَلَى أمر في
المستقبل، فحنث تجب [7] عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ، وَإِذَا
حَلَفَ عَلَى أَمْرٍ مَاضٍ أَنَّهُ كَانَ وَلَمْ يَكُنْ، أَوْ
عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ وَقَدْ كَانَ إِنْ كَانَ عَالِمًا
بِهِ حَالَةَ مَا حَلَفَ [به] [8] ، فَهُوَ الْيَمِينُ
الْغَمُوسُ وَهُوَ مِنَ الْكَبَائِرِ، وَتَجِبُ فِيهِ
الْكَفَّارَةُ عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ عَالِمًا كَانَ
أَوْ جَاهِلًا، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ.
ولا يجب عِنْدَ بَعْضِهِمْ وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِ الرَّأْيِ،
وَقَالُوا: إِنْ كَانَ عَالِمًا فَهُوَ كَبِيرَةٌ وَلَا
كَفَّارَةَ لَهَا كَمَا فِي سَائِرِ الْكَبَائِرِ، وَإِنْ كان
جاهلا فهو اليمين [9] اللَّغْوِ عِنْدَهُمْ، وَمَنْ حَلَفَ
بِغَيْرِ الله [تعالى] مثلا، مِثْلَ أَنْ قَالَ: وَالْكَعْبَةِ
وَبَيْتِ اللَّهِ وَنَبِيِّ اللَّهِ، أَوْ حَلَفَ بِأَبِيهِ
وَنَحْوَ ذَلِكَ فَلَا يَكُونُ يمينا ولا تجب به الْكَفَّارَةُ
إِذَا حَلَفَ [10] وَهُوَ يَمِينٌ مَكْرُوهَةٌ، قَالَ
الشَّافِعِيُّ: وَأَخْشَى أَنْ يَكُونَ مَعْصِيَةً.
«253» أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ السَّرَخْسِيُّ أَنَا
زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ [أنا] [11] أبو إسحاق ...
__________
253- إسناده صحيح على شرط الشيخين، أبو مصعب هو أحمد بن أبي
بكر.
- وهو عند المصنف في «شرح السنة» 2424 بهذا الإسناد.
- وعند مالك في «الموطأ» (2/ 480) من طريق نافع بهذا الإسناد.
- ومن طريق مالك أخرجه البخاري 6646 والدارمي (2/ 185) وابن
حبان 4359 و4360 والبيهقي (10/ 28) .
- وأخرجه البخاري 2679 و6108 ومسلم 1646 والترمذي 1534
والنسائي في «الكبرى» 4706 وأحمد (2/ 11
(1) زيادة عن المخطوط وط.
(2) في المطبوع «كفارته» .
(3) سقط من المطبوع وحده.
(4) زيادة عن المخطوط وط. والطبري 4462.
تنبيه: وزيد في المخطوط وط أيضا [أو يقول هُوَ كَافِرٌ إِنْ
فَعَلَ كَذَا] وهذه زيادة لم أثبتها، لأنها تناقض ما جاء في
آخر الأثر حيث قال زيد بن أسلم: فهذا كله لغو لا يؤاخذ الله
به. والصواب أن ذكر الكفر ليس من اللغو ويؤاخذ قائله عليه. ثم
الزيادة التي لم أذكرها ليست عند الطبري.
(5) زيادة عن المخطوط.
(6) زيادة عن المخطوط.
(7) في نسخ المطبوع «يجب» .
8 زيادة عن المخطوط.
(9) في المطبوع «يمين» . [.....]
(10) في المخطوط «خالف» .
11 زيادة عن المخطوط.
(1/296)
لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ
مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ
فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226)
الْهَاشِمِيُّ [1] ، أَنَا أَبُو مُصْعَبٍ
عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أَدْرَكَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَهُوَ يَسِيرُ فِي رَكْبٍ
وَهُوَ يَحْلِفُ بِأَبِيهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ يَنْهَاكُمْ أَنْ
تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ، فَمَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ
بِاللَّهِ أَوْ ليصمت» .
[سورة البقرة (2) : آية 226]
لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ
أَشْهُرٍ فَإِنْ فاؤُ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226)
قَوْلُهُ تَعَالَى: لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ
تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، يُؤْلُونَ أَيْ: يَحْلِفُونَ،
وَالْأَلْيَةُ: الْيَمِينُ، وَالْمُرَادُ مِنَ الْآيَةِ
الْيَمِينُ عَلَى تَرْكِ وَطْءِ الْمَرْأَةِ، قَالَ قَتَادَةُ:
كَانَ الْإِيلَاءُ طَلَاقًا لِأَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ، وَقَالَ
سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ: كَانَ ذَلِكَ مِنْ ضِرَارِ أَهْلِ
الْجَاهِلِيَّةِ، كَانَ الرَّجُلُ لَا يُحِبُّ امْرَأَتَهُ
وَلَا يُرِيدُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا [2] غَيْرُهُ، فَيَحْلِفُ
أَنْ لَا يَقْرَبَهَا أَبَدًا فَيَتْرُكُهَا لَا أيّما ولا ذات
بعل، كانوا عَلَيْهِ فِي ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ، فَضَرَبَ
اللَّهُ لَهُ أَجَلًا فِي الْإِسْلَامِ، وَاخْتَلَفَ أَهْلُ
الْعِلْمِ فِيهِ، فَذَهَبَ أَكْثَرُهُمْ إِلَى أَنَّهُ إِنْ
حَلَفَ أَنْ لَا يَقْرَبَ زَوْجَتَهُ أَبَدًا أَوْ سَمَّى
مُدَّةً أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ يَكُونُ مُولِيًا،
فَلَا يتعرض [له] قَبْلَ مُضِيِّ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَبَعْدَ
مُضِيِّهَا يُوقَفُ وَيُؤْمَرُ بِالْفَيْءِ أَوْ بِالطَّلَاقِ
[3] بَعْدَ مُطَالَبَةِ الْمَرْأَةِ، وَالْفَيْءُ: هُوَ
الرُّجُوعُ عَمَّا قَالَهُ بِالْوَطْءِ إِنْ قَدَرَ عَلَيْهِ،
وَإِنْ لَمْ يقدر فالقول، فإن لم يف وَلَمْ يُطَلِّقْ طَلَّقَ
عَلَيْهِ السُّلْطَانُ وَاحِدَةً، وَذَهَبَ إِلَى الْوُقُوفِ
بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ: عُمْرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ
وَأَبُو الدَّرْدَاءِ وَابْنُ عُمَرَ، قَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ
يَسَارٍ: أَدْرَكْتُ بِضْعَةَ عَشَرَ مِنْ أَصْحَابِ
النَّبِيِّ صَلَّى الله عليه وسلّم كلهم يقولون بِوَقْفِ [4]
الْمُولِي، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ
وَسُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ وَمُجَاهِدٌ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ
وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ، وَقَالَ بَعْضُ
أَهْلِ الْعِلْمِ: إِذَا مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ تَقَعُ
عَلَيْهَا [5] طَلْقَةٌ بَائِنَةٌ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ
عَبَّاسٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَبِهِ قَالَ سُفْيَانُ
الثَّوْرِيُّ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ، وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ
الْمُسَيَّبِ وَالزُّهْرِيُّ: تَقَعُ طَلْقَةٌ رَجْعِيَّةٌ،
وَلَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يَطَأَهَا أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعَةِ
أَشْهُرٍ لَا يَكُونُ مُولِيًا بَلْ هُوَ حَالِفٌ، فَإِذَا
وَطِئَهَا قَبْلَ مُضِيِّ تِلْكَ الْمُدَّةِ تَجِبُ عَلَيْهِ
كَفَّارَةُ الْيَمِينِ، وَلَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يَطَأَهَا
أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ لَا يَكُونُ مُولِيًا عِنْدَ مَنْ يَقُولُ
بِالْوَقْفِ بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ، [لِأَنَّ بَقَاءَ
الْمُدَّةِ شَرْطٌ لِلْوَقْفِ وَثُبُوتِ الْمُطَالَبَةِ
بِالْفَيْءِ أَوِ الطَّلَاقِ، وَقَدْ مَضَتِ الْمُدَّةُ،
وَعِنْدَ مَنْ لَا يَقُولُ بِالْوَقْفِ يَكُونُ مُولِيًا
وَيَقَعُ الطَّلَاقُ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ] [6] ، وَمُدَّةُ
[7] الْإِيلَاءِ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ فِي حَقِّ الْحُرِّ
وَالْعَبْدِ جَمِيعًا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ،
لِأَنَّهَا ضُرِبَتْ لِمَعْنًى يَرْجِعُ إِلَى الطَّبْعِ،
وَهُوَ قِلَّةُ صَبْرِ الْمَرْأَةِ عَنِ الزَّوْجِ، فيستوي فيه
الحر والعبد. وَعِنْدَ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ وَأَبِي
حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَتَنَصَّفُ [8] مُدَّةُ
الْعُنَّةِ بِالرِّقِّ غَيْرَ أَنَّ [9] عِنْدَ أَبِي
حَنِيفَةَ تَتَنَصَّفُ بِرِقِّ الْمَرْأَةِ، وَعِنْدَ مَالِكٍ
بِرِقِّ الزَّوْجِ، كَمَا قالا في الطلاق.
__________
و (17 و142) والبيهقي (10/ 28) من طرق عن نافع به.
- وأخرجه مسلم 1646 والترمذي 1533 والنسائي (7/ 4) وأحمد (2/
8) والحميدي 624 وابن الجارود 922 والبيهقي (10/ 28) من طرق
عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ
صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم سمع عمر.... فذكره.
(1) وقع في الأصل «الشافعي» والتصويب من «ط» و «شرح السنة» .
(2) في المطبوع «يتزوج بها» .
(3) في المطبوع «بالإطلاق» .
(4) في المطبوع «يوقف» .
(5) في المخطوط «يقع عليها» .
(6) ما بين المعقوفتين سقط من المخطوط.
(7) وقع في الأصل «دمة» .
(8) في الأصل «تتصف» وهو تصحيف.
(9) في المخطوط «أنه» .
(1/297)
وَإِنْ عَزَمُوا
الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227)
وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ
قُرُوءٍ وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ
اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ
وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ
فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا وَلَهُنَّ مِثْلُ
الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ
دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (228)
قَوْلُهُ تَعَالَى: تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ
أَشْهُرٍ، أَيِ: انْتِظَارُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ،
وَالتَّرَبُّصُ: التثبّت والتوقّف، فَإِنْ فاؤُ: رَجَعُوا عَنِ
الْيَمِينِ بِالْوَطْءِ، فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ،
وَإِذَا وَطِئَ خَرَجَ [1] عَنِ الْإِيلَاءِ، وَتَجِبُ
عَلَيْهِ [كَفَّارَةُ الْيَمِينِ] [2] عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ
الْعِلْمِ، وَقَالَ الْحَسَنُ وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ
وَقَتَادَةُ: لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ لِأَنَّ اللَّهَ
تَعَالَى وَعَدَ بِالْمَغْفِرَةِ، فَقَالَ: فَإِنَّ اللَّهَ
غَفُورٌ رَحِيمٌ، وَذَلِكَ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ فِي
إِسْقَاطِ [3] الْعُقُوبَةِ لَا فِي الْكَفَّارَةِ، وَلَوْ
قَالَ لِزَوْجَتِهِ: إِنْ قَرَّبْتُكِ فَعَبْدِي حُرٌّ أو
ضربتك [4] فأنت طالق، أَوْ لِلَّهِ عَلَيَّ عِتْقُ رَقَبَةٍ
أَوْ صَوْمٌ أَوْ صَلَاةٌ، فَهُوَ مُولٍ لِأَنَّ الْمُولِيَ
مَنْ يَلْزَمُهُ أَمْرٌ بِالْوَطْءِ وَيُوقَفُ بَعْدَ مُضِيِّ
الْمُدَّةِ، فَإِنْ فَاءَ يَقَعُ الطَّلَاقُ أَوِ الْعِتْقُ
الْمُعَلَّقُ بِهِ، وَإِنِ التزم في الذمة يلزمه كَفَّارَةُ
الْيَمِينِ فِي قَوْلٍ، وَفِي قَوْلٍ: يَلْزَمُهُ مَا
الْتُزِمَ فِي ذمّته من الإعتاق أو الصلاة أو الصوم.
[سورة البقرة (2) : الآيات 227 الى 228]
وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ
(227) وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ
ثَلاثَةَ قُرُوءٍ وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا
خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ
بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ
بِرَدِّهِنَّ فِي ذلِكَ إِنْ أَرادُوا إِصْلاحاً وَلَهُنَّ
مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجالِ
عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (228)
وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ، أَيْ: حَقَّقُوهُ بالإيقاع،
فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ: لقولهم، عَلِيمٌ: بِنِيَّاتِهِمْ،
وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهَا لَا تُطَلَّقُ بَعْدَ مُضِيِّ
الْمُدَّةِ مَا لَمْ يُطَلِّقْهَا زَوْجُهَا، لِأَنَّهُ شَرَطَ
فِيهِ الْعَزْمَ، وَقَالَ: فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ،
فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ يَقْتَضِي مَسْمُوعًا، وَالْقَوْلُ هُوَ
الَّذِي يُسْمَعُ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَالْمُطَلَّقاتُ، أَيِ: الْمُخَلَّيَاتُ
[5] مِنْ حِبَالِ أَزْوَاجِهِنَّ، يَتَرَبَّصْنَ:
يَنْتَظِرْنَ، بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ، فَلَا
يَتَزَوَّجْنَ، وَالْقُرُوءُ: جَمْعُ قَرْءٍ مِثْلُ فَرْعٍ،
وَجَمْعُهُ الْقَلِيلُ: أَقْرُؤٌ، وَالْجَمْعُ الْكَثِيرُ:
أَقْرَاءٌ، وَاخْتَلَفَ أهل العلم في القرء فَذَهَبَ جَمَاعَةٌ
إِلَى أَنَّهَا الْحَيْضُ، وَهُوَ قَوْلُ عُمْرَ وَعَلِيٍّ
وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ
وَمُجَاهِدٌ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْأَوْزَاعِيُّ
وَالثَّوْرِيُّ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ، وَاحْتَجُّوا بِأَنَّ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال للمستحاضة:
ع «254» : «دعي الصلاة أيام أقرائك» .
__________
254- ع ضعيف. أخرجه الدارقطني (1/ 312) عَنْ حَبِيبِ بْنِ
أَبِي ثَابِتٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: جاءت
فاطمة بنت أبي حبيش ... الحديث وهو معلول.
قال الدارقطني: قال يحيى بن سعيد: الثوري أعلم الناس بهذا، زعم
أن حَبِيبُ بْنُ أَبِي ثَابِتٍ لَمْ يسمع من عروة بن الزبير
شيئا، ونقل الآبادي في «التعليق المغني» عن البيهقي في
«المعرفة» قوله: حديث حبيب بن أبي ثابت ضعفه يحيى القطان وعلي
المديني وابن معين، وكذا الثوري اهـ. ملخصا.
ولو صح هذا اللفظ لكان فيصلا في هذه المسألة إلا أن عدم ثبوته
جعل الناس مختلفين في شأن «القرء» هل المراد الطهر أو الحيض
والله تعالى أعلم، وقد صح هذا الخبر موقوفا كما رجح غير واحد.
- وأصل الخبر في «الصحيح» دون لفظ «أقرائك» .
أخرجه البخاري 228 و306 و320 و331 ومسلم 333 وأبو داود 282
والترمذي 125 والنسائي (1/ 81) و (85 و186) ومالك (1/ 61)
والشافعي (1/ 39- 40) وعبد الرزاق 1165 وابن أبي شيبة (1/ 125)
والدارمي (1/ 199
(1) في المطبوع «في الفرج» بدل «خرج» . [.....]
(2) في المخطوط «الكفارة» .
(3) في المطبوع «سقوط» .
(4) في المخطوط «ضرتك» وليس فيه «فأنت» .
(5) في المخطوط «الخليات» .
(1/298)
وَإِنَّمَا تَدَعُ الْمَرْأَةُ الصَّلَاةَ
أَيَّامَ حَيْضِهَا، وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّهَا
الْأَطْهَارُ، وَهُوَ قَوْلُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَعَبْدِ
اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَعَائِشَةَ، وَهُوَ قَوْلُ الْفُقَهَاءِ
السَّبْعَةِ وَالزُّهْرِيِّ، وَبِهِ قَالَ رَبِيعَةُ وَمَالِكٌ
والشافعي.
ع «255» وَاحْتَجُّوا بِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ لَمَّا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ، قَالَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعُمَرَ:
«مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا حَتَّى تَطْهُرَ، ثُمَّ إِنْ شَاءَ
أَمْسَكَ وَإِنْ شَاءَ طَلَّقَ قَبْلَ أَنْ يَمَسَّ، فَتِلْكَ
الْعِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ أَنْ يُطَلَّقَ لَهَا
النِّسَاءُ» .
فَأَخْبَرَ أَنَّ زَمَانَ الْعِدَّةِ هُوَ الطُّهْرُ. وَمِنْ
جِهَةِ اللُّغَةِ قَوْلُ الشَّاعِرِ [1] :
فَفِي كُلِّ عَامٍ أَنْتَ جَاشِمُ غَزْوَةٍ ... تَشُدُّ
لِأَقْصَاهَا عَزِيمَ عَزَائِكَا [2]
مُوَرِّثَةٍ مَالًا وَفِي الْحَيِّ رِفْعَةً ... لِمَا ضَاعَ
[3] فِيهَا مِنْ قُرُوءِ نِسَائِكَا
وَأَرَادَ بِهِ أَنَّهُ كَانَ يَخْرُجُ إِلَى الْغَزْوِ وَلَمْ
يَغْشَ نِسَاءَهُ فَتَضِيعُ أَقْرَاؤُهُنَّ، وَإِنَّمَا
تُضَيَّعُ [4] بِالسَّفَرِ زَمَانَ الطهر، لا زمان الحيض،
وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِي أَنَّ الْمُعْتَدَّةَ
إِذَا شَرَعَتْ فِي الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ تَنْقَضِي
عِدَّتُهَا عَلَى قَوْلِ مَنْ يَجْعَلُهَا أَطْهَارًا
وَتَحْسِبُ بَقِيَّةَ الطُّهْرِ الَّذِي وَقَعَ فِيهِ
الطَّلَاقُ قَرْءًا، قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهَا:
إِذَا طَعَنَتِ الْمُطَلَّقَةُ فِي الدَّمِ مِنَ الْحَيْضَةِ
الثَّالِثَةِ فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُ وَبَرِئَ مِنْهَا، وَمَنْ
ذَهَبَ إِلَى أَنَّ الْأَقْرَاءَ هِيَ الْحَيْضُ يَقُولُ لَا
تَنْقَضِي عِدَّتُهَا مَا لَمْ تَطْهُرْ مِنَ الْحَيْضَةِ
الثَّالِثَةِ، وَهَذَا الِاخْتِلَافُ [5] مِنْ حَيْثُ أَنَّ
اسْمَ الْقُرْءِ يَقَعُ عَلَى الطُّهْرِ وَالْحَيْضِ جَمِيعًا،
يُقَالُ: أَقْرَأَتِ الْمَرْأَةُ إِذَا حَاضَتْ، وَأَقْرَأَتْ
إِذَا طَهُرَتْ فَهِيَ مَقْرِئٌ، وَاخْتَلَفُوا فِي أَصْلِهِ،
فَقَالَ أَبُو عَمْرِو بْنُ الْعَلَاءِ وَأَبُو عُبَيْدَةَ:
هُوَ الْوَقْتُ لِمَجِيءِ الشَّيْءِ وَذَهَابِهِ، يُقَالُ:
رَجَعَ
__________
وابن حبان 1350 والطحاوي في «المعاني» (1/ 102) والدارقطني (1/
206) و (207) وأبو عوانة (1/ 319) وابن الجارود 112 والبيهقي
(1/ 323) و (324) و (325) و (327) و (329) من طرق عَنْ هِشَامِ
بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أبيه عن عائشة قالت:
جاءت فاطمة ابنة أبي حبيش إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنِّي امرأة أستحاض فلا أطهر،
أفأدع الصلاة؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه
وسلّم: لا إنما ذلك عرق، وليس بالحيضة، فإذا أقبلت حيضتك فدعي
الصلاة، وإذا أدبرت، فاغسلي عنك الدم ثم صلي. قال: وقال أبي:
ثم توضئي لكل صلاة حتى يجيء ذلك الوقت.
وانظر «تلخيص الحبير» (1/ 171) .
255- ع صحيح. أخرجه البخاري (4908) و (7160) ومسلم 1471 ح/ 4
والترمذي 1176 وأحمد (2/ 26) و (58) و (61) و (81) و (130)
والدارمي (2/ 160) وابن الجارود 736 والطحاوي (3/ 53)
والدارقطني (4/ 6) والبيهقي (7/ 324) من طرق عن سَالِمٌ عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عمر.
- وأخرجه البخاري 5251 ومسلم (1471) ح/ 1 و2 وأبو داود 2179
والنسائي (6/ 138) وابن ماجه 2019 ومالك (2/ 576) والشافعي (2/
32- 33) والطيالسي 1853 وأحمد (2/ 63 و102) وابن أبي شيبة (5/
2- 3) وابن حبان 4263 والطحاوي (3/ 53) وابن الجارود 734
والدارقطني (4/ 7) والبيهقي (7/ 324) والبغوي في «شرح السنة»
2351 من طرق عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ.
(1) هو الأعشى. يقول لجاره: أينبغي أن تتجشم وتكلف نفسك في كل
عام دخول غزوة واقتحام مكارهها، تشد وتوثق عزيمة صبرك وتورثك
تلك الغزوة مالا كثيرا بغنائمها، ورفعة لك في الحي لأجل ما ضاع
فيها من الأعوام- والأقراء التي تضيع على الزوج هي الأطهار،
لأنها التي يوطأن فيها، لا الحيض وضياع ذلك يؤدي إلى انقطاع
النسل اهـ. انظر حاشية الكشاف (1/ 271) .
(2) وقع في الأصل: «عرائكا» وهو تصحيف.
(3) وقع في الأصل «رضاع» والمثبت هو الصواب.
(4) في المخطوط «يضيع» .
(5) في المطبوع «الخلاف» .
(1/299)
فُلَانٌ لِقُرْئِهِ وَلِقَارِئِهِ، أَيْ:
لِوَقْتِهِ الَّذِي يَرْجِعُ فِيهِ، وَهَذَا قَارِئُ
الرِّيَاحِ، أَيْ: وَقْتُ هُبُوبِهَا، قَالَ مَالِكُ بْنُ
الْحَارِثِ الْهُذَلِيُّ:
كَرِهْتُ العقر عقر بني سليل ... إِذَا هَبَّتْ لِقَارِئِهَا
الرِّيَاحُ
أَيْ: لِوَقْتِهَا، وَالْقَرْءُ يَصْلُحُ لِلْوَجْهَيْنِ
لِأَنَّ الْحَيْضَ يَأْتِي لِوَقْتٍ، وَالطُّهْرُ مِثْلُهُ،
وقيل: هو من القراء، وَهُوَ الْحَبْسُ وَالْجَمْعُ، تَقُولُ
الْعَرَبُ: مَا قَرَأَتِ النَّاقَةَ سَلًّا قَطُّ، أَيْ: لَمْ
تَضُمَّ [1] رَحِمُهَا عَلَى وَلَدٍ، وَمِنْهُ قَرَيْتُ
الْمَاءَ فِي الْمِقْرَاةِ وَهِيَ الْحَوْضُ، أَيْ: جَمَعْتُهُ
بِتَرْكِ هَمْزِهَا، فَالْقَرْءُ هَاهُنَا احْتِبَاسُ الدَّمِ
وَاجْتِمَاعُهُ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ التَّرْجِيحُ فِيهِ
لِلطُّهْرِ، لِأَنَّهُ يَحْبِسُ الدَّمَ وَيَجْمَعُهُ،
وَالْحَيْضُ يُرْخِيهِ وَيُرْسِلُهُ، وَجُمْلَةُ الْحُكْمِ فِي
الْعِدَدِ أَنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا كَانَتْ حَامِلًا
فَعِدَّتُهَا بِوَضْعِ الْحَمْلِ سَوَاءٌ وَقَعَتِ الْفُرْقَةُ
بَيْنَهَا وَبَيْنَ الزَّوْجِ بِالطَّلَاقِ أَوْ بِالْمَوْتِ
لِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ
يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ [الطَّلَاقِ: 4] ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ
حَامِلًا نَظَرَ إِنْ وَقَعَتِ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُمَا
بِمَوْتِ الزَّوْجِ، فَعَلَيْهَا أَنْ تَعْتَدَّ بِأَرْبَعَةِ
أشهر وعشرا، سَوَاءٌ مَاتَ الزَّوْجُ قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ
بَعْدَهُ وَسَوَاءٌ كَانَتِ الْمَرْأَةُ مِمَّنْ تَحِيضُ أَوْ
لَا تَحِيضُ لقول الله عزّ وجلّ: وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ
مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ
أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً [الْبَقَرَةِ: 234] ، وَإِنْ
وَقَعَتِ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُمَا بالطلاق في الحياة نظر [فإن
كانت] قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا فَلَا عِدَّةَ عليها لقول
اللَّهُ تَعَالَى: إِذا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِناتِ ثُمَّ
طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَما لَكُمْ
عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَها [الْأَحْزَابِ: 49] ،
وَإِنْ كَانَ بعد الدخول [بها] نظر إن كانت المرأة لَمْ تَحِضْ
قَطُّ أَوْ بَلَغَتْ فِي الْكِبَرِ سِنَّ الْآيِسَاتِ
فَعِدَّتُهَا ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى:
وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسائِكُمْ إِنِ
ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي
لَمْ يَحِضْنَ [الطَّلَاقِ: 4] ، وَإِنْ كَانَتْ مِمَّنْ
تَحِيضُ فَعِدَّتُهَا ثلاثة أقرؤ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:
وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ
قُرُوءٍ، وَقَوْلُهُ: يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ لَفْظُهُ
خَبَرٌ وَمَعْنَاهُ أَمْرٌ، وَعِدَّةُ الْأَمَةِ إِنْ كَانَتْ
حَامِلًا بِوَضْعِ الْحَمْلِ كَالْحُرَّةِ، وَإِنْ كَانَتْ
حَائِلًا فَفِي الْوَفَاةِ عِدَّتُهَا شَهْرَانِ وَخَمْسُ أيام
[2] ، وَفِي الطَّلَاقِ إِنْ كَانَتْ [مِمَّنْ] تَحِيضُ
فَعِدَّتُهَا قَرْءَانِ، وَإِنْ كَانَتْ مِمَّنْ لَا تَحِيضُ
فَشَهْرٌ وَنِصْفٌ، وقيل: شهران كالقرءين فِي حَقِّ مَنْ
تَحِيضُ، قَالَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عنه:
ينكح العبد اثنتين ويطلق تطليقتين، وَتَعْتَدُّ الْأَمَةُ
بِحَيْضَتَيْنِ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَحِيضُ فَشَهْرَيْنِ أَوْ
شَهْرًا ونصفا، قوله عَزَّ وَجَلَّ:
وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي
أَرْحامِهِنَّ، قَالَ عِكْرِمَةُ: يَعْنِي الْحَيْضَ وَهُوَ
أَنْ يُرِيدَ الرَّجُلَ مراجعتها، فتقول: قد حضت الثلاثة،
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَقَتَادَةُ: يَعْنِي الْحَمْلَ،
وَمَعْنَى الْآيَةِ: لَا يَحِلُّ لِلْمَرْأَةِ كِتْمَانُ مَا
خَلَقَ اللَّهُ فِي رَحِمِهَا مِنَ الْحَيْضِ وَالْحَمْلِ
لِتُبْطِلَ حَقَّ الزَّوْجِ مِنَ الرَّجْعَةِ وَالْوَلَدِ.
إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ،
مَعْنَاهُ: أَنَّ هَذَا مِنْ فِعْلِ الْمُؤْمِنَاتِ، وَإِنْ
كَانَتِ الْمُؤْمِنَةُ وَالْكَافِرَةُ فِي هَذَا الْحُكْمِ
سَوَاءً كَمَا تَقُولُ: أَدِّ حَقِّي إِنْ كُنْتَ مُؤْمِنًا،
يَعْنِي: أَدَاءَ الْحُقُوقِ مِنْ فِعْلِ الْمُؤْمِنِينَ،
وَبُعُولَتُهُنَّ، يعني:
أزواجهنّ جمع بعل، كالفحول جَمْعُ فَحْلٍ، سُمِّيَ الزَّوْجُ
بَعْلًا لقيامه بأمر [3] زَوْجَتِهِ، وَأَصْلُ الْبَعْلِ
السَّيِّدُ وَالْمَالِكُ، أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ: أَوْلَى
بِرَجْعَتِهِنَّ إِلَيْهِمْ، فِي ذلِكَ، أي: في حال العدة،
إِنْ أَرادُوا إِصْلاحاً، أَيْ: إِنْ أَرَادُوا بِالرَّجْعَةِ
الصَّلَاحَ وَحَسُنَ الْعِشْرَةِ لَا الْإِضْرَارَ، كَمَا
كَانُوا يَفْعَلُونَهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ [كَانَ] [4]
الرَّجُلُ يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ، فَإِذَا قَرُبَ انْقِضَاءُ
عِدَّتِهَا رَاجَعَهَا، ثُمَّ تَرَكَهَا مدة ثم طَلَّقَهَا،
يَقْصِدُ بِذَلِكَ تَطْوِيلَ الْعِدَّةِ عَلَيْهَا، وَلَهُنَّ،
أَيْ: لِلنِّسَاءِ عَلَى الْأَزْوَاجِ مِثْلُ الَّذِي
عَلَيْهِنَّ لِلْأَزْوَاجِ بِالْمَعْرُوفِ، قَالَ ابْنُ
عَبَّاسٍ فِي
__________
(1) في المخطوط «يضم» .
(2) في المطبوع «ليال» .
(3) في المطبوع «بأمور» . [.....]
(4) زيادة من المخطوط.
(1/300)
مَعْنَاهُ: إِنِّي أُحِبُّ أَنْ
أَتَزَيَّنَ لِامْرَأَتِي كَمَا تُحِبُّ امْرَأَتِي أَنْ
تَتَزَيَّنَ لِي لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: وَلَهُنَّ
مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ.
«256» أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ
الْحَسَنِ الْمَرْوَزِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو سَهْلٍ مُحَمَّدُ
بْنُ عُمَرَ [1] بْنِ طَرَفَةَ السِّجْزِيُّ [2] ، أَنَا أَبُو
سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ
دَاسَةَ، أَنَا أَبُو دَاوُدَ السِّجِسْتَانِيُّ أَنَا مُوسَى
بْنُ إِسْمَاعِيلَ، أَنَا حَمَّادٌ أَنَا أَبُو قَزَعَةَ
سُوِيْدُ بْنُ حُجَيْرٍ [3] الْبَاهِلِيُّ، عَنِ حَكِيمِ بْنِ
مُعَاوِيَةَ الْقُشَيْرِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ:
قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا حَقُّ زَوْجَةِ أَحَدِنَا
عَلَيْهِ؟ قَالَ: «أَنْ تُطْعِمَهَا إِذَا طَعِمْتَ وَأَنْ
تَكْسُوَهَا إِذَا اكْتَسَيْتَ، وَلَا تَضْرِبَ الْوَجْهَ،
وَلَا تُقَبِّحَ، وَلَا تَهْجُرَ إِلَّا فِي الْبَيْتِ» .
«257» أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ
الْجُرْجَانِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ
مُحَمَّدٍ الْفَارِسِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى
الْجُلُودِيُّ أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ
مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، أَنَا مُسْلِمُ [4] بْنُ
الْحَجَّاجِ أَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا
حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْمَدَنِيُّ، حدثنا جَعْفَرِ بْنِ
مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ: دَخَلْنَا عَلَى
جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ فَقُلْتُ:
أَخْبِرْنِي عَنْ حَجَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى الله عليه
وسلّم، فسرد [لي] قِصَّةَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ إِلَى أَنْ
ذَكَرَ خُطْبَتَهُ يَوْمَ عَرَفَةَ، قَالَ: «فاتقوا اللَّهَ
فِي النِّسَاءِ فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانَةِ
اللَّهِ وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ،
وَلَكُمْ عَلَيْهِنَّ أَنْ لَا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدًا
تَكْرَهُونَهُ، فَإِنْ فَعَلْنَ ذَلِكَ فَاضْرِبُوهُنَّ
ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ، وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ
وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ، وَقَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا
لن تضلوا بعده [إن اعتصمتم به] [5] كِتَابُ اللَّهِ،
وَأَنْتُمْ تُسْأَلُونَ عَنِّي فَمَا أَنْتُمْ قَائِلُونَ؟ [6]
قَالُوا: نَشْهَدُ
__________
256- حديث صحيح. إسناده حسن، حكيم بن معاوية بن حيدة القشيري،
وهو والد بهز بن حكيم، صدوق، وباقي الإسناد ثقات، وللحديث
شواهد.
- وهو في «شرح السنة» 2323 بهذا الإسناد، وفيه «المير بندك
شائى» بدل «المروزي» .
- وعند أبي داود 2142 بهذا الإسناد.
- وأخرجه النسائي في «الكبرى» (9171) و (11104) وابن ماجه 1850
وأحمد (4/ 447) وابن حبان 4175 والطبراني (19/ 1034) و (1037)
و (1038) والحاكم (2/ 187- 188) وابن أبي الدنيا في «العيال»
488 والبيهقي (7/ 295 و305) من طرق عن أبي قزعة به، وصححه
الحاكم، ووافقه الذهبي.
- وأخرجه أبو داود (2143 و2144) وأحمد (5/ 5) والطبراني (19/
999) و (1000) و (1001) و (1002) وابن أبي الدنيا 489 من طرق
عَنْ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ أبيه عن جده.
- وأخرجه أحمد (5/ 3) عن عبد الرزاق عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ
أَبِي قزعة وعطاء عن رجل من بني قشير عن أبيه، والرجل هو حكيم
بن معاوية القشيري.
257- إسناده صحيح على شرط مسلم. أبو بكر هو عَبْدُ اللَّهِ
بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أبي شيبة، محمد هو الباقر ابن علي بن
الحسين.
- وهو في صحيح مسلم 1218 بهذا الإسناد.
وأخرجه أبو داود 1905 وابن ماجه 3074 والدارمي 1793 وابن حبان
3944 من طريق حاتم بن إسماعيل به.
(1) كذا في نسخ المطبوع. وفي المخطوط «عمرة» وفي شرح السنة
«محمد» .
(2) وقع في الأصل «الشجري» والتصويب من «ط» و «شرح السنة» .
(3) وقع في الأصل «حجر» والتصويب من «شرح السنة» وكتب التراجم.
(4) وقع في الأصل «محمد» وهو خطأ ظاهر.
(5) في المطبوع «وقد تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعده
كتاب الله» .
- والمثبت عن المخطوط وصحيح مسلم.
(6) في المطبوع «قائلين» .
(1/301)
أَنَّكَ قَدْ بَلَّغْتَ وَأَدَّيْتَ
وَنَصَحْتَ، فَقَالَ بِأُصْبُعِهِ السَّبَّابَةِ يَرْفَعُهَا
إِلَى السَّمَاءِ وَيَنْكُتُهَا إِلَى النَّاسِ: اللَّهُمَّ
اشْهَدْ [اللَّهُمَّ اشْهَدْ] [1] ثَلَاثَ مَرَّاتٍ» .
«258» أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ
أَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنَا حَاجِبُ
بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى،
أَنَا يَعْلَى بْنُ عَبَيْدٍ [2] أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«إِنَّ أَكْمَلَ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ
خُلُقًا، وَخِيَارُكُمْ خِيَارُكُمْ لِنِسَائِكُمْ» .
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلِلرِّجالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ، قَالَ
ابْنُ عَبَّاسٍ: بِمَا سَاقَ إِلَيْهَا مِنَ الْمَهْرِ
وَأَنْفَقَ عَلَيْهَا مِنَ الْمَالِ، وَقَالَ قَتَادَةُ:
بِالْجِهَادِ، وَقِيلَ: بِالْعَقْلِ، وَقِيلَ: بِالشَّهَادَةِ،
وَقِيلَ: بِالْمِيرَاثِ، وَقِيلَ: بِالدِّيَةِ، وَقِيلَ:
بِالطَّلَاقِ، لِأَنَّ الطَّلَاقَ بِيَدِ الرِّجَالِ، وَقِيلَ:
بِالرَّجْعَةِ، وَقَالَ سُفْيَانُ وَزَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ:
بِالْإِمَارَةِ، وَقَالَ الْقُتَيْبِيُّ [3] : وَلِلرِّجالِ
عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ، مَعْنَاهُ: فَضِيلَةٌ فِي الْحَقِّ،
وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ.
«259» أخبرنا عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو
سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الصَّيْرَفِيُّ، أَنَا أَبُو
عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بن
__________
258- حديث صحيح، إسناده حسن لأجل محمد بن عمرو الليثي، فإنه
صدوق، روى له الشيخان متابعة، وقال الذهبي:
حسن الحديث. ووقع في «التقريب» (ع) أي روى له الجماعة، وليس
كذلك. محمد بن يحيى هو الذهلي من رجال البخاري، ومن دونه
توبعوا.
- وهو عند المصنف في «شرح السنة» (2334) و (3389) بهذا
الإسناد.
- وأخرجه أبو نعيم في «الحلية» (9/ 248) من طريق يعلى بن عبيد
بهذا الإسناد.
- وأخرجه أبو داود 4682 والترمذي 1162 وابن أبي شيبة (8/ 515)
و (11/ 27) وفي «الإيمان» (17) و (18) وأحمد (2/ 250) و (472)
وأحمد (2/ 250) و (472) وابن حبان 4176 من طرق عن محمد بن عمرو
بهذا الإسناد.
وصححه الحاكم (1/ 3) على شرط مسلم، ووافقه الذهبي ... ؟! وقال
الترمذي: حسن صحيح.
- وورد من طريق مُحَمَّدُ بْنُ عَجْلَانَ عَنِ الْقَعْقَاعِ
عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هريرة عند ابن أبي شيبة (8/
516) و (11/ 27) و (28) وأحمد (2/ 527) والدارمي (2/ 322)
وصححه الحاكم (1/ 3) على شرط مسلم ووافقه الذهبي.
- وورد عن الحسن مرسلا بإسناد صحيح أخرجه ابن أبي شيبة (11/
47) .
- وله شاهد من حديث عائشة قالت: قال رسول الله صلّى الله عليه
وسلّم: «إن من أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا، وألطفهم
بأهله» .
أخرجه الترمذي 2612 وأحمد (6/ 47) و (99) والحاكم (1/ 53) .
قال الترمذي: هذا حديث صحيح، ولا نعرف لأبي قلابة سماعا من
عائشة.
الخلاصة: هو حديث صحيح بمجموع طرقه وشواهده.
259- المرفوع منه صحيح لطرقه وشواهده. إسناده ضعيف لانقطاعه،
أبو ظبيان اسمه حصين بن جندب بن الحارث الجنبي- بفتح الظاء-
كذا ضبطه الحافظ في «التقريب» وهو ثقة روى له الشيخان، لكن لم
يسمع من معاذ، وورد من طرق أخرى واهية، والمرفوع منه صحيح
لشواهده، سفيان هو الثوري، والأعمش هو سليمان بن مهران، أبو
حذيفة هو موسى بن مسعود.
- وهو في شرح السنة 2322 بهذا الإسناد.
- وأخرجه أحمد (5/ 227- 228) (21480) من طريق وكيع عن الأعمش
عن أبي ظبيان عن معاذ بن جبل «أنه لما رجع من اليمن قال: يا
رسول الله رأيت رجالا باليمن يسجد بعضهم لبعضهم، أفلا نسجد لك؟
قال: لو كنت آمرا بشرا يسجد لبشر، لأمرت المرأة أن تسجد
لزوجها» .
(1) زيادة عن المخطوط.
(2) وقع في الأصل «عبيدة» والتصويب من كتب التخريج وكتب
التراجم.
(3) تحرف في المخطوط إلى «العسفني» . [.....]
(1/302)
عَبْدِ اللَّهِ الصَّفَّارُ، أَخْبَرَنَا
أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى الْبَرْتِيُّ [1] ، أَنَا
[أَبُو] [2] حُذَيْفَةَ أَنَا سُفْيَانُ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ
أَبِي ظَبْيَانَ:
أَنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ خَرَجَ فِي غَزَاةٍ بَعَثَهُ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا، ثُمَّ
رَجَعَ فَرَأَى رِجَالًا يَسْجُدُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ،
فَذَكَرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: «لَوْ أَمَرْتُ أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ لِأَحَدٍ،
لَأَمَرْتُ الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا» .
__________
وإسناده منقطع أبو ظبيان لم يسمع من معاذ.
- وأخرجه أيضا برقم 21481 من طريق ابن نمير عَنِ الْأَعْمَشِ
قَالَ سَمِعْتُ أَبَا ظبيان يحدث عن رجل من الأنصار عن معاذ بن
جبل ... فذكره.
- وورد من طرق أخرى عن معاذ بن جبل مرفوعا عند الحاكم (4/ 172)
والبزار 1461 والطبراني في «الكبير» (20/ 52) وابن أبي الدنيا
في «العيال» 538 وصححه الحاكم على شرط الشيخين! ووافقه الذهبي!
مع أنه من رواية القاسم بن عوف الشيباني، وقد تفرد عنه مسلم،
ولم يدرك معاذا.
وقال الهيثمي في «المجمع» (4/ 309) (7649) : ورجال البزار رجال
الصحيح، وكذلك طريق من طرق أحمد، وروى الطبراني بعضه أيضا اهـ.
- وأخرجه ابن ماجه 1853 وأحمد (4/ 381) وابن حبان (4171)
والبيهقي (7/ 292) من أيوب عن القاسم بن عوف الشيباني عن ابن
أبي أوفي قال: لما قدم معاذ بن جبل من الشام سجد لرسول الله
صلّى الله عليه وسلّم ... فذكره.
وفي إسناده القاسم وثقه ابن حبان، وقال ابن عدي: هو ممن يكتب
حديثه. وقال أبو حاتم: مضطرب الحديث، ومحله عندي الصدق. وروى
له مسلم حديثا واحدا.
- وأخرجه البزار (1470) والطبراني 7294 وابن أبي الدنيا في
«العيال» 539 عن القاسم بن عوف عن ابن أبي ليلى عن أبيه عن
صهيب أن معاذا ... فذكره.
وقال الهيثمي في «المجمع» (4/ 310) : وفيه النهاس بن قهم، وهو
ضعيف اهـ.
- وأخرجه البزار (1468) و (1469) والطبراني في «الكبير» (5117)
وابن أبي الدنيا 543 من طريق القاسم عن زيد بن أرقم قال: بعث
رسول الله صلّى الله عليه وسلّم معاذا ... فذكره.
وقال الهيثمي: وأحد إسنادي الطبراني رجاله رجال الصحيح، خلا
صدقة بن عبد الله السمين، وثقه أبو حاتم وجماعة، وضعفه البخاري
وجماعة اهـ.
- وللحديث شواهد أخرى منها:
حديث أبي هريرة عند الترمذي 1159 وابن حبان 4162 والبيهقي (7/
291) من طريق محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة به. ومحمد
بن عمرو حسن الحديث.
وأخرجه الحاكم (4/ 171- 172) والبزار 1466 من طريق سليمان بن
داود من حديث أبي هريرة وصححه الحاكم وقال الذهبي: بل سليمان
هو اليمامي ضعفوه.
وكذا ضعفه الهيثمي في «المجمع» (4/ 307) .
- وحديث أنس عند النسائي في «الكبرى» 9147 وأحمد (3/ 158)
والبزار 2454 وابن أبي الدنيا 529.
وفي إسناده خلف بن خليفة صدوق اختلط في الآخر كما في التقريب.
- وحديث عائشة عند ابن ماجه 1852 وأحمد (6/ 76) وابن أبي شيبة
(4/ 306) وابن أبي الدنيا 541 وفي إسناده علي بن زيد بن جدعان،
وهو ضعيف.
- وحديث ابن عباس عند الطبراني 12003 والبزار 1467 وابن أبي
الدنيا 542 وفيه الحكم بن طهمان، وهو ضعيف.
الخلاصة: المرفوع منه صحيح بمجموع طرقه وشواهده وسيأتي برقم
587.
(1) وقع في الأصل «البرني» والتصويب عن «شرح السنة» و
«الأنساب» .
(2) ما بين المعقوفتين سقط من الأصل واستدرك من «ط» و «شرح
السنة» .
(1/303)
الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ
فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا
يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ
شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ
فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا
جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ
اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ
فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (229)
[سورة البقرة (2) : آية 229]
الطَّلاقُ مَرَّتانِ فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ
بِإِحْسانٍ وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا
آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلاَّ أَنْ يَخافا أَلاَّ يُقِيما
حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيما حُدُودَ
اللَّهِ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ
حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوها وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ
اللَّهِ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (229)
قَوْلُهُ تَعَالَى: الطَّلاقُ مَرَّتانِ، رُوِيَ عَنْ عُرْوَةَ
بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: كان الناس في [ابتداء الإسلام] [1]
يُطَلِّقُونَ مِنْ غَيْرِ حَصْرٍ وَلَا عِدَدٍ، وَكَانَ
الرَّجُلُ يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ، فَإِذَا قَارَبَتِ
انْقِضَاءَ عِدَّتِهَا رَاجَعَهَا، ثُمَّ طَلَّقَهَا كَذَلِكَ،
ثُمَّ رَاجَعَهَا، يقصد [بذلك] [2] مُضَارَّتَهَا، فَنَزَلَتْ
هَذِهِ الْآيَةُ: الطَّلاقُ مَرَّتانِ، يَعْنِي: الطَّلَاقَ
الَّذِي يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ عَقِيبَهُ مَرَّتَانِ، فَإِذَا
طَلَّقَ ثَلَاثًا فَلَا تَحِلُّ لَهُ إِلَّا بَعْدَ نِكَاحِ
زَوْجِ آخَرَ، قَوْلُهُ تَعَالَى: فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ،
قِيلَ: أَرَادَ بِالْإِمْسَاكِ الرَّجْعَةَ بَعْدَ
الثَّانِيَةِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ
الْإِمْسَاكُ بَعْدَ الرَّجْعَةِ، يَعْنِي:
إِذَا رَاجَعَهَا بَعْدَ الطلقة الثَّانِيَةِ فَعَلَيْهِ أَنْ
يُمْسِكَهَا بِالْمَعْرُوفِ، وَالْمَعْرُوفُ كُلُّ مَا
يُعْرَفُ فِي الشرع من أداء [الحقوق في] [3] النِّكَاحِ
وَحُسْنِ الصُّحْبَةِ، أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ، هو أَنْ
يَتْرُكَهَا بَعْدَ الطَّلَاقِ حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا،
وَقِيلَ [4] : الطَّلْقَةُ الثَّالِثَةُ، قَوْلُهُ تَعَالَى:
أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ، وَصَرِيحُ اللَّفْظِ الَّذِي
يَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ ثَلَاثَةٌ [5] :
الطَّلَاقُ وَالْفِرَاقُ وَالسَّرَاحُ، وَعِنْدَ أَبِي
حَنِيفَةَ: الصَّرِيحُ هُوَ لَفْظُ الطَّلَاقِ فَحَسْبُ،
وَجُمْلَةُ الْحُكْمِ فِيهِ: أَنَّ الْحُرَّ إِذَا طَلَّقَ
زَوْجَتَهُ طَلْقَةً أَوْ طَلْقَتَيْنِ بَعْدَ الدُّخُولِ
بِهَا يجوز له أن يراجعها بِغَيْرِ رِضَاهَا مَا دَامَتْ فِي
العدّة، فإن لَمْ يُرَاجِعْهَا حَتَّى انْقَضَتْ عِدَّتُهَا،
أَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا، أَوْ خَالَعَهَا،
فَلَا تَحِلُّ لَهُ إِلَّا بِنِكَاحٍ جَدِيدٍ بِإِذْنِهَا
وَإِذْنِ وَلِيِّهَا، فَإِنْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا فَلَا تحلّ
له حتى تَنْكِحْ زَوْجًا غَيْرَهُ، [وَأَمَّا الْعَبْدُ إِذَا
كَانَتْ تَحْتَهُ امْرَأَةٌ فَطَلَّقَهَا طَلْقَتَيْنِ
فَإِنَّهَا لَا تَحِلُّ لَهُ إِلَّا بَعْدَ نِكَاحِ زَوْجِ
آخَرَ] [6] ، وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِيمَا إِذَا كَانَ
أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ رَقِيقًا فَذَهَبَ أَكْثَرُهُمْ إِلَى
أَنَّهُ يُعْتَبَرُ عَدَدُ الطَّلَاقِ بِالزَّوْجِ، فَالْحُرُّ
يَمْلِكُ عَلَى زوجته الأمة ثلاث تطليقات، وَالْعَبْدُ لَا
يَمْلِكُ عَلَى زَوْجَتِهِ الْحُرَّةِ إِلَّا طَلْقَتَيْنِ،
قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:
الطَّلَاقُ بِالرِّجَالِ، وَالْعِدَّةُ بِالنِّسَاءِ، يَعْنِي
يُعْتَبَرُ فِي عَدَدِ الطَّلَاقِ في حَالُ [7] الرَّجُلِ،
وَفِي قَدْرِ الْعِدَّةِ حَالُ الْمَرْأَةِ، وَهُوَ قَوْلُ
عُثْمَانَ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمْ، وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ وَسَعِيدُ بْنُ
الْمُسَيَّبِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ
وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ، وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ
الِاعْتِبَارَ بِالْمَرْأَةِ فِي عَدَدِ الطَّلَاقِ،
فَيَمْلِكُ الْعَبْدُ عَلَى زَوْجَتِهِ الْحُرَّةِ ثَلَاثَ
تطليقات، وَلَا يَمْلِكُ الْحُرُّ عَلَى زَوْجَتِهِ الأمة إلا
تطليقتين، وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَأَصْحَابِ
الرَّأْيِ. قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ
تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً: أعطيتموهنّ شيئا
من الْمُهُورَ وَغَيْرَهَا، ثُمَّ اسْتَثْنَى الْخُلْعَ،
فَقَالَ: إِلَّا أَنْ يَخافا أَلَّا يُقِيما حُدُودَ اللَّهِ:
ع «260» نَزَلَتْ فِي جَمِيلَةَ بِنْتِ عَبْدِ الله بن أبي [8]
، ويقال: في حَبِيبَةَ بِنْتِ سَهْلٍ، كَانَتْ تَحْتَ ثابت بن
__________
260- ع أخرجه الطبري 4815 عن ابن جريج مرسلا باختصار.
- وأصله عند أبي داود 2227 والنسائي (6/ 169) ومالك (2/ 564)
والشافعي (2/ 50- 51) وأحمد (6/ 433- 434
(1) كذا في المخطوط. وفي نسخ المطبوع «الابتداء» .
(2) زيادة عن المخطوط.
(3) في المطبوع «حقوق» .
(4) في المخطوط «وقبل» .
(5) في المخطوط «ثلاث» .
(6) سقط من المخطوط.
(7) في المخطوط «بالزوج» .
(8) زيد في نسخ المطبوع «أوفى» وهو خطأ. انظر «فتح الباري» (9/
398- 399) .
(1/304)
قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ، وَكَانَتْ
تَبْغَضُهُ وَهُوَ يُحِبُّهَا فَكَانَ بَيْنَهُمَا كَلَامٌ
فَأَتَتْ أَبَاهَا فَشَكَتْ إِلَيْهِ زَوْجَهَا، وَقَالَتْ
[لَهُ] :
إِنَّهُ يُسِيءُ إِلَيَّ ويضربني، فَقَالَ [لَهَا] : ارْجِعِي
إِلَى زَوْجِكِ فَإِنِّي أَكْرَهُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ لَا
تَزَالَ رَافِعَةً يَدَيْهَا تَشْكُو زَوْجَهَا، قَالَ:
فَرَجَعَتْ إِلَيْهِ الثَّانِيَةَ وَبِهَا أثر الضرب، فقال:
ارْجِعِي إِلَى زَوْجِكِ فَلَمَّا رَأَتْ أَنَّ أَبَاهَا لَا
يَشْكِيهَا أَتَتْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فَشَكَتْ إِلَيْهِ زَوْجَهَا وَأَرَتْهُ آثَارًا
بِهَا مِنْ ضَرْبِهِ، وَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَا
أَنَا وَلَا هُوَ، فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى ثابت بن قيس فَقَالَ: «مَا لَكَ
وَلِأَهْلِكَ» ؟ فَقَالَ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ
نَبِيًّا مَا عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْهَا
غَيْرَكَ، فَقَالَ لَهَا: «مَا تَقُولِينَ» ؟ فَكَرِهَتْ [1]
أَنْ تَكْذِبَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ حِينَ سَأَلَهَا، فَقَالَتْ: صَدَقَ يَا رَسُولَ
اللَّهِ وَلَكِنْ قَدْ خَشِيتُ أَنْ يُهْلِكَنِي،
فَأَخْرِجْنِي مِنْهُ، وَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا
كُنْتُ لِأُحَدِّثَكَ حَدِيثًا يُنْزِلُ اللَّهُ عَلَيْكَ
خلافه فهو من أكرم الناس حبا [2] لِزَوْجَتِهِ، وَلَكِنِّي
أَبْغَضُهُ، فَلَا أَنَا ولا هو، قال ثابت: يَا رَسُولَ
اللَّهِ [إِنِّي] [3] قَدْ أعطيتها حديقة فقل لها
فَلْتَرُدَّهَا [4] عَلَيَّ وَأُخَلِّي سَبِيلَهَا، فَقَالَ
لَهَا: «تَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ وَتَمْلِكِينَ
أَمْرَكِ» ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا ثَابِتُ خُذْ مِنْهَا مَا
أَعْطَيْتَهَا، وَخَلِّ سَبِيلَهَا» ، فَفَعَلَ.
«261» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ أَنَا
أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ
بْنُ يُوسُفَ أَنَا مُحَمَّدُ بن إسماعيل أنا أزهر [5] بْنُ
جَمِيلٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ أَنَا
خَالِدٌ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمَا:
أَنَّ امْرَأَةَ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ أَتَتِ النَّبِيَّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ الله مَا
أَعْتِبُ عَلَيْهِ فِي خُلُقٍ وَلَا دِينٍ وَلَكِنِّي أَكْرَهُ
الْكُفْرَ بَعْدَ [6] الْإِسْلَامِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَتَرُدِّينَ عَلَيْهِ
حَدِيقَتَهُ» ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اقْبَلِ الْحَدِيقَةَ
وَطَلِّقْهَا تَطْلِيقَةً» .
قَوْلُهُ تَعَالَى: إِلَّا أَنْ يَخافا، أي: يعلما (أن لا
يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ) ، قَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ وَحَمْزَةُ
وَيَعْقُوبُ إِلَّا أَنْ يَخافا بِضَمِّ الْيَاءِ، أَيْ:
يُعْلَمُ ذَلِكَ مِنْهُمَا، يَعْنِي: يَعْلَمُ الْقَاضِي
وَالْوَلِيُّ [7] ذَلِكَ مِنَ الزَّوْجَيْنِ، بِدَلِيلِ
قَوْلِهِ تَعَالَى: فَإِنْ خِفْتُمْ، فَجَعَلَ الْخَوْفَ
لِغَيْرِ الزَّوْجَيْنِ، وَلَمْ يَقُلْ: فَإِنْ خَافَا،
وَقَرَأَ الْآخَرُونَ يَخافا بِفَتْحِ الْيَاءِ، أَيْ:
يَعْلَمُ الزَّوْجَانِ من أنفسهما أن لا يُقِيمَا حُدُودَ
اللَّهِ، تَخَافُ الْمَرْأَةُ أَنْ تَعْصِيَ اللَّهَ فِي
أَمْرِ زَوْجِهَا، وَيَخَافُ الزَّوْجُ إِذَا لَمْ تُطِعْهُ
امْرَأَتُهُ أَنْ يَعْتَدِيَ عَلَيْهَا فَنَهَى اللَّهُ
الرَّجُلَ أَنْ يَأْخُذَ مِنِ امْرَأَتِهِ شَيْئًا مِمَّا
آتَاهَا إِلَّا أَنْ يَكُونَ النُّشُوزُ مِنْ قِبَلِهَا،
فَقَالَتْ: لَا أُطِيعُ لَكَ أَمْرًا وَلَا أَطَأُ لَكَ
مَضْجَعًا ونحو ذلك، قال الله
__________
وابن حبان 4280 وابن الجارود 749 والبيهقي (7/ 312- 313) من
طريق مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ أنها أخبرته عن حبيبة بنت سهل الأنصارية
أنها كَانَتْ تَحْتَ ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بن شماس ... وهذا
إسناد صحيح.
وانظر الحديث الآتي.
261- إسناده صحيح على شرط البخاري. عبد الوهّاب هو ابن عبد
المجيد. خالد هو ابن مهران الحذّاء البصري، وعكرمة هو أبو عبد
الله مولى ابن عباس. وهو في «شرح السنة» 261 وأخرجه البخاري
5273 بهذا الإسناد.
وأخرجه البخاري 5274 و5275 و5276 والنسائي (6/ 169) والبيهقي
(7/ 313) من طرق عن عكرمة به. [.....]
(1) في المطبوع «فكرهن» .
(2) في المطبوع «محبة» .
(3) زيادة من المخطوط.
(4) في المطبوع «تردها» .
(5) وقع في الأصل «زاهر» والتصويب من صحيح البخاري.
(6) في المطبوع «في» .
(7) في المطبوع «الوالي» .
(1/305)
تَعَالَى: فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيما
حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيمَا افْتَدَتْ
بِهِ، أَيْ: فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ الْمَرْأَةَ نَفْسَهَا
مِنْهُ، قَالَ الْفَرَّاءُ: أَرَادَ بِقَوْلِهِ عَلَيْهِما
الزَّوْجَ دُونَ الْمَرْأَةِ، فَذَكَرَهُمَا جَمِيعًا
لِاقْتِرَانِهِمَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: نَسِيا حُوتَهُما
[الْكَهْفِ: 61] ، وَإِنَّمَا النَّاسِي فَتَى مُوسَى دُونَ
مُوسَى، وَقِيلَ: أَرَادَ أَنَّهُ لَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا
جَمِيعًا، لَا جُنَاحَ عَلَى الْمَرْأَةِ فِي النُّشُوزِ إِذَا
خَشِيَتِ الْهَلَاكَ وَالْمَعْصِيَةَ، وَلَا فيما افتدت به
وأعطت من [1] الْمَالَ لِأَنَّهَا مَمْنُوعَةٌ مِنْ إِتْلَافِ
المال بغير حق، و [لا] [2] عَلَى الزَّوْجِ فِيمَا أَخَذَ
مِنْهَا مِنَ الْمَالِ إِذَا أَعْطَتْهُ طَائِعَةً، وَذَهَبَ
أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى أن الخلع جائز على أَكْثَرِ
مِمَّا أَعْطَاهَا [3] ، وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: لَا يَجُوزُ
بِأَكْثَرِ مِمَّا أَعْطَاهَا مِنَ الْمَهْرِ، وَقَالَ سَعِيدُ
بْنُ الْمُسَيَّبِ: لَا يَأْخُذُ مِنْهَا جَمِيعَ ما أعطاها بل
يترك [لها] شيئا، ويجوز الخلع في [4] غَيْرِ حَالِ النُّشُوزِ،
غَيْرَ أَنَّهُ يُكْرَهُ لِمَا فِيهِ مِنْ قَطْعِ الْوَصْلَةِ
بِلَا سَبَبٍ.
«262» أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ الشُّرَيْحِيُّ أَنَا أَبُو
إِسْحَاقَ الثَّعْلَبِيُّ، أَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ
فَنَجْوَيْهِ [5] الدِّينَوَرِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
مُحَمَّدِ بْنِ [أَبِي] [6] شَيْبَةَ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ
جَعْفَرٍ الْمُسْتَمْلِي [7] أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ يَحْيَى
بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ شَاكِرِ بْنِ أحمد بن جناب [8] ، أَنَا
عِيسَى بْنُ يُونُسَ أَنَا عبيد اللَّهِ [9] بْنُ الْوَلِيدِ
الْوَصَّافِيُّ عَنْ مُحَارِبِ بْنِ دِثَارٍ، عَنِ ابْنِ عمر
قال:
__________
262- ضعيف. إسناده ضعيف جدا، فيه عبيد الله بن الوليد
الوصّافي، وهو متروك الحديث. لكن لم ينفرد به، فقد توبع من طرق
لكنها واهية، لا تقوم بها حجة.
وأخرجه ابن عدي في «الكامل» (4/ 323) من طريق أحمد بن جناب عن
عيسى بن يونس بهذا الإسناد قال ابن عدي:
الوصافي ضعيف جدا، يتبين ضعفه على حديثه.
- وأخرجه ابن ماجه 2018 وابن عدي (4/ 323) من طريق محمد بن
خالد عن عبيد الله بن الوليد الوصافي ومعرّف بن واصل عن محارب
به.
- وأخرجه أبو داود 2178 وابن عدي (6/ 461) والبيهقي (7/ 322)
من طريق محمد بن خالد عن معرف بن واصل عن محارب عن ابن عمر به
وفيه محمد بن خالد، وهو مستور، أي عدل الظاهر خفي الباطن.
وقال ابن عدي: لا أعلم رواه عن معرف إلا محمد بن خالد، وهو ممن
يكتب حديثه اهـ.
وقال المنذري في «مختصر السنن» (3/ 92) : والمشهور فيه المرسل.
قلت: المرسل أخرجه أبو داود 2177 وابن أبي شيبة (7/ 138) عن
محارب قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلّم
... فذكره وهذا مرسل صحيح.
- وأخرجه الحاكم (2/ 196) والبيهقي (7/ 322) من طريق مُحَمَّدُ
بْنُ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شيبة.
وصححه الحاكم ووافقه الذهبي بقوله: على شرط مسلم ... !
مع أن في إسناده محمد بن عثمان قال عنه الذهبي في «الميزان» :
كذبه عبد الله بن أحمد، ووثقه صالح اهـ.
- وفي الباب من حديث معاذ بن جبل عند الدارقطني (4/ 35)
والبيهقي (7/ 361) قال الزيلعي في «نصب الراية» (3/ 235) : قال
عبد الحق. فيه حمد بن مالك ضعيف، وكذا ضعفه البيهقي، وقال:
مكحول لم يسمع من معاذ، وكذا أعله ابن الجوزي في التحقيق وقال
ابن عبد الهادي: الحمل فيه على حميد اهـ. وانظر: «إرواء
الغليل» 2040 و «المقاصد الحسنة» (10) .
(1) في المطبوع «به» والمثبت عن- ط، وهو غير موجود في المخطوط
أصلا.
(2) سقط من المطبوع.
(3) في المخطوط «من المهر» .
(4) في المطبوع «على» .
(5) وقع في الأصل «زنجويه» والتصويب عن «ط» و «الأنساب» (2/
531) .
(6) ما بين المعقوفتين سقط من الأصل واستدرك من كتب التراجم.
[.....]
(7) تصحف في المخطوط إلى «المستلي» .
(8) في الأصل «خباب» وهو تصحيف.
(9) تصحف في المخطوط وط- إلى «عبد» .
(1/306)
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ مِنْ أَبْغَضِ الْحَلَالِ إِلَى
اللَّهِ تَعَالَى الطَّلَاقُ، [ولا أحب إليه من العتق] [1] » ،
«263» أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ الشُّرَيْحِيُّ أَنَا أَبُو
إِسْحَاقَ الثَّعْلَبِيُّ أَخْبَرَنِي ابْنُ فنجويه [2] ، أنا
ابن أبي شيبة [3] مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شيبة،
أنا أبي أنا [أبو] [4] أُسَامَةُ عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ
عَنْ أَيُّوبَ [5] ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَبِي
أَسْمَاءَ الرَّحَبِيِّ، عَنْ ثَوْبَانَ يَرْفَعُهُ إِلَى
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
«أَيُّمَا امْرَأَةٍ سَأَلَتْ زَوْجَهَا الطَّلَاقَ فِي غَيْرِ
[مَا] بَأْسٍ فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الْجَنَّةِ» .
وَقَالَ طَاوُسٌ: الْخُلْعُ يَخْتَصُّ بِحَالَةِ خَوْفِ
النُّشُوزِ لِظَاهِرِ الآية، والآية خرجت على وفق العادة في
أَنَّ الْخُلْعَ لَا يَكُونُ إِلَّا فِي حَالِ خَوْفِ
النُّشُوزِ غَالِبًا، وَإِذَا طَلَّقَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ
بِلَفْظِ الطَّلَاقِ عَلَى مَالٍ فَقَبِلَتْ وَقَعَتِ
الْبَيْنُونَةُ، وَانْتُقِصَ بِهِ الْعَدَدُ، وَاخْتَلَفَ
أَهْلُ الْعِلْمِ فِي الْخُلْعِ، فَذَهَبَ أَكْثَرُهُمْ إِلَى
أَنَّهُ تَطْلِيقَةٌ بَائِنَةٌ ينتقص [6] بها عَدَدُ
الطَّلَاقِ، وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ
وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَبِهِ قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ
وَعَطَاءٌ وَالْحَسَنُ وَالشَّعْبِيُّ وَالنَّخَعِيُّ،
وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مَالِكٌ وَالثَّوْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ
وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ، وَهُوَ أَظْهَرُ قَوْلَيِ
الشَّافِعِيِّ، وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُ فَسْخٌ لَا
يُنْتَقَصُ بِهِ عَدَدُ الطَّلَاقِ، وَهُوَ قَوْلُ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمْ، وَبِهِ قَالَ عِكْرِمَةُ وَطَاوُسٌ،
وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ، وَاحْتَجُّوا بِأَنَّ
اللَّهَ تَعَالَى ذَكَرَ الطَّلَاقَ مَرَّتَيْنِ، ثُمَّ ذَكَرَ
بَعْدَهُ الْخُلْعَ، ثُمَّ ذَكَرَ بَعْدَهُ الطَّلْقَةَ
الثَّالِثَةَ فَقَالَ: فَإِنْ طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ
مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ [البقرة: 230] ،
وَلَوْ كَانَ الْخُلْعُ طَلَاقًا لَكَانَ الطلاق أربعا، ومن
قال بالقول الأول جَعَلَ الطَّلْقَةَ الثَّالِثَةَ: أَوْ
تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ. قَوْلُهُ تَعَالَى: تِلْكَ حُدُودُ
اللَّهِ، أَيْ: هَذِهِ أَوَامِرُ اللَّهِ ونواهيه، وحدود الله
ما
__________
263- حديث جيد. إسناده غير قوي لأجل مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ
بْنِ أَبِي شيبة، حيث ضعفه قوم ووثقه آخرون، ولم ينفرد به فقد
تابعه غير واحد، أبو شيبة اسمه محمد، وأبو أسامة هو حماد بن
أسامة، أيوب هو ابن أبي تميمة، أبو قلابة هو عبد الله بن زيد،
أبو أسماء هو عمرو بن مرثد الرحبي.
وأخرجه ابن أبي شيبة (4/ 182) عن أبي أسامة عَنْ أَيُّوبَ عَنْ
أَبِي قِلَابَةَ عن أبي أسماء عن ثوبان عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم.
وإسناده صحيح على شرط البخاري.
وأخرجه أبو داود 2226 والطبري 40148 من طريق حمّاد بن زيد به.
- وأخرجه ابن ماجه 2055 وأحمد (5/ 283) والدارمي (2/ 162)
والطبري 484 وابن حبان 4184 وابن الجارود 748 والحاكم (2/ 200)
والبيهقي (7/ 316) من طرق عن أيوب به، وصححه الحاكم على شرطهما
ووافقه الذهبي! مع أن أبا أسماء لم يرو له البخاري، وإنما روى
له مسلم فقط، فهو على شرط مسلم.
- وأخرجه الترمذي 1187 وأحمد (5/ 277) والطبري 4847 من طريق
أبي قلابة عمن حدثه عن ثوبان وقال الترمذي:
حديث حسن اهـ.
- وأخرجه الطبري 4844 من طريق ليث عن أبي إدريس عن ثوبان به
وإسناده منقطع وليث هو ابن أبي سليم وهو ضعيف.
- وأخرجه ابن أبي شيبة (4/ 182) عن أبي قلابة مرسلا.
- وله شاهد من حديث ابن عباس أخرجه ابن ماجه 2054 وإسناده
ضعيف.
الخلاصة: هو حديث حسن صحيح بمجموع طرقه وشواهده، والله أعلم.
(1) زيد في المطبوع وحده دون- ط والمخطوط وكتب الحديث.
(2) وقع في الأصل «زنجويه» والتصويب من «ط» و «الأنساب» (2/
531) .
(3) زيد بعد لفظ «شيبة» - أنا- وهو إقحام من النساخ، والمثبت
هو الصواب.
(4) ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
(5) في الأصل «عن أبي أيوب» والمثبت هو الصواب.
(6) في المطبوع «ينقص» .
(1/307)
فَإِنْ طَلَّقَهَا
فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا
غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ
يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ
وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ
(230)
مَنَعَ الشَّرْعُ مِنَ الْمُجَاوَزَةِ
عَنْهُ، فَلا تَعْتَدُوها، فَلَا تُجَاوِزُوهَا، وَمَنْ
يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ.
[سورة البقرة (2) : آية 230]
فَإِنْ طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى
تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَها فَلا جُناحَ
عَلَيْهِما أَنْ يَتَراجَعا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيما حُدُودَ
اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُها لِقَوْمٍ
يَعْلَمُونَ (230)
قَوْلُهُ تَعَالَى: فَإِنْ طَلَّقَها، يَعْنِي: الطَّلْقَةَ
الثَّالِثَةَ، فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ، أَيْ: مِنْ
بَعْدِ الطَّلْقَةِ الثَّالِثَةِ، حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً
غَيْرَهُ، أَيْ: غَيْرَ الْمُطَلِّقِ فَيُجَامِعُهَا،
وَالنِّكَاحُ يَتَنَاوَلُ الْوَطْءَ وَالْعَقْدَ جَمِيعًا،
نَزَلَتْ فِي تَمِيمَةَ، وَقِيلَ: فِي عَائِشَةَ بِنْتِ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بْنِ عَتِيكٍ الْقُرَظِيِّ، كَانَتْ تَحْتَ ابْنِ
عَمِّهَا رِفَاعَةَ بْنِ وَهْبِ بْنِ عَتِيكٍ الْقُرَظِيِّ
فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا.
«264» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ
الْخَطِيبُ، أَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنِ أَحْمَدَ
الْخَلَّالُ، أَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ أَنَا
الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنِ
الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ
الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهُ سَمِعَهَا
تَقُولُ:
جَاءَتِ امْرَأَةُ رِفَاعَةَ الْقُرَظِيِّ إِلَى رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: إِنِّي
كُنْتُ عِنْدَ رِفَاعَةَ الْقُرَظِيِّ فَطَلَّقَنِي فَبَتَّ
طَلَاقِي وَتَزَوَّجْتُ بَعْدَهُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ
الزُّبَيْرِ، وَإِنَّمَا مَعَهُ مِثْلُ هُدْبَةِ الثَّوْبِ،
فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَقَالَ:
«أَتُرِيدِينَ أَنْ تَرْجِعِي إِلَى رِفَاعَةَ؟» قَالَتْ:
نَعَمْ، قَالَ: «لَا، حَتَّى يَذُوقَ عسيلتك وتذوقي عسيلته» .
ع «265» وَرُوِيَ أَنَّهَا لَبِثَتْ مَا شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ
رَجَعَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: إِنَّ زَوْجِي قَدْ مَسَّنِي، فَقَالَ
لَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«كَذَبْتِ بِقَوْلِكِ الْأَوَّلِ فَلَنْ نُصَدِّقَكِ فِي
الْآخَرِ» ، فَلَبِثَتْ حَتَّى قُبِضَ النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَتَتْ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ، فَقَالَتْ: يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْجِعُ إِلَى زَوْجِي
الْأَوَّلِ فَإِنَّ زَوْجِي الْآخَرَ قَدْ مَسَّنِي
وَطَلَّقَنِي، فَقَالَ لَهَا أَبُو بَكْرٍ: قَدْ شَهِدْتُ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ
أَتَيْتِهِ وَقَالَ لَكِ مَا قَالَ، فَلَا تَرْجِعِي إِلَيْهِ،
فَلَمَّا قُبِضَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَتَتْ
عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَقَالَتْ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ،
فَقَالَ لَهَا عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: لا ترجعي إليه
لَئِنْ رَجَعْتِ إِلَيْهِ لَأَرْجُمَنَّكِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: فَإِنْ طَلَّقَها فَلا جُناحَ عَلَيْهِما
أَنْ يَتَراجَعا، يَعْنِي: فَإِنْ طلّقها الزوج الثاني بعد ما
جَامَعَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا، يَعْنِي: عَلَى
الْمَرْأَةِ وَعَلَى الزَّوْجِ الْأَوَّلِ أَنْ يَتَرَاجَعَا،
يَعْنِي: بِنِكَاحٍ جَدِيدٍ، إِنْ ظَنَّا،
__________
264- إسناده صحيح رجاله ثقات، سفيان هو ابن عيينة، والزهري هو
محمد بن مسلم، وعروة هو ابن الزبير.
هو عند المصنف في «شرح السنة» 2354 بهذا الإسناد.
- وأخرجه الشافعي (2/ 35) عن سفيان بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري (2639) و (5260) و (5792) و (6084) ومسلم
1433 والترمذي 1118 والنسائي (6/ 93) و146 و147 و148 وابن ماجه
1932 وأحمد (6/ 34) و (37) و (193) و (226) و (229) والطيالسي
1437 و1473 وأبو يعلى 4423 والحميدي 226 وعبد الرزاق 11131
وابن الجارود 683 والطبري (4890) و (4891) و (4892) و (4893)
والبيهقي (7/ 373) و (474) من طرق عن الزهري به.
وأخرجه البخاري 5265 و5317 ومسلم 1433 ح 114 والدارمي 2/ 162
والطبري 4889 والبيهقي 7/ 374 من طرق عَنْ هِشَامِ بْنِ
عُرْوَةَ عَنْ أبيه.
265- ع ضعيف. أخرجه ابن المنذر كما في «الدر المنثور» (1/ 505)
عن مقاتل بن حيان بهذا اللفظ، وهذا ضعيف، فهو معضل، ومقاتل ذو
مناكير.
- وأخرجه عبد الرزاق في «المصنف» 11133 عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ
عَنْ عَطَاءِ الخراساني عن ابن عباس به، وإسناده ضعيف جدا.
عطاء الخراساني هو ابن عبد الله، لم يسمع ابن عباس، فهذه علة،
ثم هو ضعيف عند الجمهور، روى مناكير كثيرة.
(1/308)
أَيْ: عَلِمَا، وَقِيلَ: رَجَوَا، لِأَنَّ
أَحَدًا لَا يَعْلَمُ مَا هُوَ كَائِنٌ إِلَّا اللَّهُ عَزَّ
وَجَلَّ، أَنْ يُقِيما حُدُودَ اللَّهِ، أَيْ:
يَكُونُ بَيْنَهُمَا الصَّلَاحُ وَحُسْنُ الصُّحْبَةِ، وَقَالَ
مُجَاهِدٌ: مَعْنَاهُ إِنْ عَلِمَا أن نكاحهما على غير دلسة،
وَأَرَادَ بِالدُّلْسَةِ: التَّحْلِيلَ، وَهُوَ مَذْهَبُ
سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَمَالِكٍ
وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ، قَالُوا: إِذَا تَزَوَّجَتِ
الْمُطَلَّقَةُ ثَلَاثًا زَوْجًا آخَرَ لِيُحَلِّلَهَا [1]
لِلزَّوْجِ الْأَوَّلِ فَإِنَّ النِّكَاحَ فَاسِدٌ، وَذَهَبَ
جماعة إلى أنه إذا لم يشترط فِي النِّكَاحِ مَعَ الثَّانِي
أَنَّهُ يُفَارِقُهَا، فَالنِّكَاحُ صَحِيحٌ وَيَحْصُلُ بِهِ
التَّحْلِيلُ، [وَلَهَا صَدَاقُ مِثْلِهَا] [2] غَيْرَ أَنَّهُ
يُكْرَهُ إِذَا كَانَ فِي عَزْمِهَا ذَلِكَ.
«266» أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَرَجِ الْمُظَفَّرُ بْنُ
إِسْمَاعِيلَ التَّمِيمِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ
حَمْزَةُ بْنُ يُوسُفَ السَّهْمِيُّ أَنَا أَبُو أَحْمَدَ
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَدِيٍّ الْحَافِظُ، أَنَا [الْحَسَنُ
بْنُ الْفَرَجِ أَخْبَرَنَا عَمْرُو بن خالد الحراني] [3] ،
أنا عُبِيْدُ اللَّهِ [4] عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ هُوَ
الْجَزَرِيُّ [5] ، عَنْ أَبِي وَاصِلٍ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ:
عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ
قال: «لَعَنَ اللَّهُ الْمُحَلِّلَ وَالْمُحَلَّلُ لَهُ» .
وَقَالَ نَافِعٌ: أَتَى رَجُلٌ ابْنَ عُمَرَ فَقَالَ لَهُ:
إِنَّ رَجُلًا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا، فَانْطَلَقَ أَخٌ
له من غير مؤامرة،
__________
266- صحيح بطرقه وشواهده. إسناده ضعيف، أبو واصل اسمه سليمان
بن فروخ، ويقال سلمان. قال الذهبي في «الميزان» (2/ 187) : لا
يعرف اهـ. لكن لم ينفرد به، عبيد الله هو ابن عمرو الرّقّي،
وعبد الكريم هو ابن مالك.
وهو في «شرح السنة» 2286 بهذا الإسناد لكن صدره عنده، عَنِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم «أنه لعن ... » .
وأخرجه أحمد (1/ 450- 451) وإسحاق في «مسنده» كما في «التلخيص»
(3/ 170) من طريق زكريا بن عدي عن عبيد الله بهذا الإسناد.
- وأخرجه الترمذي 1120 والنسائي (6/ 149) (3416) والدارمي (2/
158) وأحمد (1/ 448 و462) وابن أبي شيبة (7/ 44- 45) وابن
الجوزي في «التحقيق» 1658 والبيهقي (7/ 208) من طريق أبي قيس
عن هزيل عن ابن مسعود.
وهذا إسناد صحيح.
ولفظه عند الترمذي «لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عليه وسلّم المحلل والمحلل له» .
وهو عجز حديث عند النسائي وصدره «لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم الواشمة والموتشمة ... » .
قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
وقال ابن حجر في «تلخيص الحبير» (3/ 170) : وصححه ابن القطان
وابن دقيق العيد على شرط البخاري.
وللحديث شواهد كثيرة منها.
- حديث ابن عباس عند ابن ماجه 1934 وابن عدي (3/ 340) وفي
إسناده زمعة وسلمة وهما ضعيفان.
- وحديث علي بن أبي طالب عند أبي داود 2076 والترمذي 1119 وابن
ماجه 1935 وأحمد (1/ 83 و87 و88 و93 و107 و121 و133 و150 و158)
وإسناده ضعيف لضعف الحارث الأعور.
- وحديث عقبة بن عامر عند ابن ماجه 1936 والحاكم (2/ 198)
والبيهقي (7/ 208) وصححه الحاكم ووافقه الذهبي وقال البوصيري
في «الزوائد» : هذا إسناد مختلف فيه من أجل أبي مصعب اهـ.
- وحديث أبي هريرة عند ابن أبي شيبة (7/ 45) وابن الجارود 684
والبيهقي (7/ 208) وأحمد (2/ 323) .
وحسنه البخاري كما في «التلخيص» (3/ 170) ، فالحديث صحيح
بشواهده وطرقه.
(1) في المطبوع وحده «ليحلها» . [.....]
(2) سقط من المخطوط.
(3) سقط من المخطوط.
(4) وقع في الأصل «بن» والتصويب عن «شرح السنة» و «ط» وكتب
التراجم.
(5) وقع في الأصل «الجوزي» والتصويب عن «شرح السنة» وكتب
التراجم.
(1/309)
وَإِذَا طَلَّقْتُمُ
النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ
بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلَا
تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ
فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلَا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ
هُزُوًا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا
أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ
بِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ
شَيْءٍ عَلِيمٌ (231)
فَتَزَوَّجَهَا لِيَحِلَّهَا لِلْأَوَّلِ،
فَقَالَ: لَا إِلَّا نِكَاحَ رَغْبَةٍ، كُنَّا نَعُدُّ هَذَا
سِفَاحًا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [1] ، لَعَنَ اللَّهُ الْمُحَلِّلَ
وَالْمُحَلَّلُ لَهُ، وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُها
لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ، يَعْنِي: يَعْلَمُونَ مَا أَمَرَهُمُ
الله تعالى به.
[سورة البقرة (2) : آية 231]
وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ
فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ
وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِراراً لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ
ذلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلا تَتَّخِذُوا آياتِ اللَّهِ
هُزُواً وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَما
أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ
بِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ
شَيْءٍ عَلِيمٌ (231)
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ
أَجَلَهُنَّ، الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ
يُدْعَى ثَابِتَ بْنَ يَسَارٍ طلق امرأته حتى [إذا قارب] [2]
انْقِضَاءَ عِدَّتِهَا رَاجَعَهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا يَقْصِدُ
بِذَلِكَ مُضَارَّتَهَا، قَوْلُهُ تَعَالَى: فَبَلَغْنَ
أَجَلَهُنَّ، أَيْ: أَشْرَفْنَ عَلَى أن تبين بِانْقِضَاءِ
الْعِدَّةِ، وَلَمْ يُرِدْ حَقِيقَةَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ
لِأَنَّ الْعِدَّةَ [3] إِذَا انْقَضَتْ لَمْ يَكُنْ
لِلزَّوْجِ إِمْسَاكُهَا، فَالْبُلُوغُ هَاهُنَا بُلُوغُ
مُقَارَبَةٍ، وَفِي قَوْلِهِ تَعَالَى بَعْدَ هَذَا:
فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ [البقرة: 232] ،
حقيقة لانقضاء العدة، والبلوغ لا يَتَنَاوَلُ الْمَعْنَيَيْنِ،
يُقَالُ: بَلَغَ الْمَدِينَةَ إذا قرب منها [و] إذا دَخَلَهَا،
فَأَمْسِكُوهُنَّ، أَيْ: رَاجَعُوهُنَّ، بِمَعْرُوفٍ، قِيلَ:
الْمُرَاجَعَةُ بِالْمَعْرُوفِ أَنْ يُشْهِدَ عَلَى
رَجْعَتِهَا وَأَنْ يُرَاجِعَهَا بِالْقَوْلِ لَا بِالْوَطْءِ،
أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ، أَيِ: اتْرُكُوهُنَّ حَتَّى
تَنْقَضِيَ عِدَّتُهُنَّ فيكن أملك لأنفسهن، وَلا
تُمْسِكُوهُنَّ ضِراراً لِتَعْتَدُوا، أَيْ: لا تقصدوا بالرجعة
المضارة [لهن] [4] بِتَطْوِيلِ الْحَبْسِ.
وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ، أَيْ: أَضَرَّ
بِنَفْسِهِ بِمُخَالَفَةِ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى، وَلا
تَتَّخِذُوا آياتِ اللَّهِ هُزُواً، قَالَ الْكَلْبِيُّ:
يَعْنِي قَوْلَهُ تَعَالَى: فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ
تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ [البقرة: 229] ، وَكُلُّ مَنْ خَالَفَ
أَمْرَ الشَّرْعِ فَهُوَ مُتَّخِذٌ آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا،
وَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: هُوَ أَنَّ الرَّجُلَ كَانَ
يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ ثُمَّ يَقُولُ كُنْتُ لَاعِبًا،
وَيُعْتِقُ وَيَقُولُ مِثْلَ ذَلِكَ، وَيَنْكِحُ وَيَقُولُ
مِثْلَ ذَلِكَ.
«267» أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدِ بْنِ
الْفَضْلِ الْخَرَقِيُّ [5] أَنَا أَبُو الْحَسَنِ
الطَّيْسَفُونِيُّ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الله بن عمر
__________
267- حديث حسن بشواهده، إسناده لين لأجل عبد الرحمن بن حبيب بن
أردك وهو في «شرح السنة» 2349 بهذا الإسناد.
وأخرجه أبو داود 2194 والترمذي 1184 وابن ماجه 2039 والدارقطني
(3/ 256- 257) و (4/ 18- 19) وابن الجارود 712 والطحاوي (2/
58) والحاكم (2/ 198) وابن الجوزي في «التحقيق» 1711 من طريق
عبد الرحمن بن حبيب بهذا الإسناد.
وصححه الحاكم وقال: وعبد الرحمن بن حبيب من ثقات المدنيين،
وتعقبه الذهبي بقوله: فيه لين وقال الترمذي: حديث حسن غريب.
وقال الحافظ في «التلخيص» (3/ 210) : وهو من رواية عبد الرحمن
بن حبيب بن أردك، وهو مختلف فيه، قال النسائي:
منكر الحديث، ووثقه غيره، فهو على هذا حسن اهـ.
- وله شواهد منها:
- حديث عبادة بن الصامت عند ابن أبي حاتم كما في «تفسير ابن
كثير» (1/ 289) وأحمد بن منيع كما في «المطالب
(1) زيد في النسخ قبل لفظ «لعن» [قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عليه وسلّم] وهي زيادة من النساخ، وليست بشيء، فالخبر
عن ابن عمر غير مرفوع.
(2) ما بين المعقوفتين في المطبوع «قاربت» .
(3) في المخطوط «العبرة» .
(4) زيادة عن المخطوط.
(5) وقع في الأصل «الحرقي» والتصويب عن «ط» و «شرح السنة» .
(1/310)
وَإِذَا طَلَّقْتُمُ
النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ
يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ
بِالْمَعْرُوفِ ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ
يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكُمْ أَزْكَى
لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا
تَعْلَمُونَ (232)
الْجَوْهَرِيُّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ
عَلِيٍّ الْكُشْمِيهَنِيُّ [1] أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ
حُجْرٍ، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ ابن [2]
حبيب بن أردك [3] [هو عبد الرحمن بن حبيب وابن ماهك هو يوسف بن
ماهك] [4] ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنِ ابْنِ [5]
مَاهَكَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ:
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ: «ثَلَاثٌ جِدُّهُنَّ جِدٌّ وَهَزْلُهُنَّ جِدٌّ:
الطَّلَاقُ والنكاح والرجعة» .
وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ: بِالْإِيمَانِ، وَما
أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتابِ، يَعْنِي: الْقُرْآنَ،
وَالْحِكْمَةِ، يَعْنِي: السُّنَّةَ، وَقِيلَ: مَوَاعِظُ
الْقُرْآنِ، يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا
أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ.
[سورة البقرة (2) : آية 232]
وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا
تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْواجَهُنَّ إِذا تَراضَوْا
بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ذلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كانَ
مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذلِكُمْ
أَزْكى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا
تَعْلَمُونَ (232)
وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ،
نَزَلَتْ فِي جَمِيلَةَ بِنْتِ يَسَارٍ أُخْتِ مَعْقِلِ بْنِ
يَسَارٍ الْمُزَنِيِّ كَانَتْ تَحْتَ أبي البداح بن عَاصِمِ
بْنِ عَدِيِّ بْنِ عَجْلَانَ، فَطَلَّقَهَا.
«268» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ،
أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
إِسْمَاعِيلَ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي عَمْرٍو [6] :
حَدَّثَنِي أَبِي حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ [7] عَنْ يُونُسَ
عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: حَدَّثَنِي مَعْقِلُ بن يسار قال:
__________
العالية» 1659 وسكت عليه الحافظ وإسناده ضعيف لضعف إسماعيل بن
مسلم المكي. قال أحمد وغيره: منكر الحديث.
- وحديث علي عند الدارقطني (4/ 20) وإسناده ضعيف لضعف إسماعيل
بن أبي أمية.
- ومرسل الحسن عند الطبري 4926 وابن أبي حاتم كما في «تفسير
ابن كثير» (1/ 288) ومراسيل الحسن واهية.
- وحديث أبي ذر عند عبد الرزاق في «المصنف» 10249 وفي إسناده
إبراهيم بن محمد وهو متروك كما في «التقريب» وأعله الحافظ في
«التلخيص» (3/ 209) بالانقطاع، وانظر تفسير الشوكاني 372
وتفسير ابن كثير عند هذه الآية، وكلاهما بتخريجي.
وورد موقوفا عن عمر بن الخطاب عند عبد الرزاق 10248 وعن علي
10247 وعن أبي الدرداء (10245) و (10246) .
(1) في الأصل «الكشمهيني» والتصويب من «الأنساب» و «شرح السنة»
.
(2) وقع في الأصل «أبي» وهو تصحيف والتصويب من «مصادر التخريج»
.
(3) ما بين المعقوفتين في المخطوط بإثر المتن. [.....]
(4) ما بين المعقوفتين ليس في «ط» .
(5) وقع في الأصل «أبي» والتصويب عن «شرح السنة» وكتب التراجم.
(6) وقع في «شرح السنة» و «صحيح البخاري» ، وكلاهما طبع «الكتب
العلمية» «عمر» بدل عمرو وهو تصحيف.
(7) وقع في الأصل «أبو هاشم» والتصويب من «شرح السنة» و «صحيح
البخاري» و «أسباب النزول» للواحدي.
268- إسناده صحيح على شرط البخاري، أبو عمرو هو حفص بن عبد
الله بن راشد، إبراهيم هو ابن طهمان، يونس هو عبيد، والحسن هو
ابن أبي الحسن البصري.
- وهو عند المصنف في «شرح السنة» 2256 بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري 5130 من طريق أحمد بن أبي عمر بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري 4529 وأبو داود 2078 والترمذي 1981 والنسائي
في «التفسير» (61) و (62) والطيالسي (930) والدارقطني (3/ 222)
والطبري (4930) و (4931) و (4932) و (4934) والواحدي (153) و
(154) والبيهقي (7/ 138) من طرق عن الحسن به.
(1/311)
وَالْوَالِدَاتُ
يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ
أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ
رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لَا تُكَلَّفُ
نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا
وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ
ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا
وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ
تَسْتَرْضِعُوا أَوْلَادَكُمْ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا
سَلَّمْتُمْ مَا آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُوا اللَّهَ
وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (233)
زَوَّجْتُ أُخْتًا لِي مِنْ رَجُلٍ
فَطَلَّقَهَا حَتَّى إِذَا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا جَاءَ
يَخْطُبُهَا، فَقُلْتُ لَهُ: زَوَّجْتُكَ وَفَرَشْتُكَ
وَأَكْرَمْتُكَ فَطَلَّقْتَهَا! ثُمَّ جِئْتَ تخطبها؟ ألا
وَاللَّهِ لَا تَعُودُ إِلَيْكَ أَبَدًا، وَكَانَ رَجُلًا لَا
بَأْسَ بِهِ وَكَانَتِ الْمَرْأَةُ تُرِيدُ أَنْ تَرْجِعَ
إِلَيْهِ [1] ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: فَلا
تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْواجَهُنَّ، فَقُلْتُ:
الْآنَ أَفْعَلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قال: فزوّجها إِيَّاهُ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ، أَيِ: انْقَضَتْ
عِدَّتُهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ
أَزْواجَهُنَّ، أَيْ: لَا تَمْنَعُوهُنَّ عَنِ النِّكَاحِ،
وَالْعَضْلُ: الْمَنْعُ، وَأَصْلُهُ الضِّيقُ وَالشِّدَّةُ،
يُقَالُ: عَضَلَتِ الْمَرْأَةُ: إِذَا نَشِبَ وَلَدُهَا فِي
بَطْنِهَا فَضَاقَ عَلَيْهِ الْخُرُوجُ، وَالدَّاءُ العضال
الذي لا يطاق علاجه، وَفِي الْآيَةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ
الْمَرْأَةَ لَا تَلِي عَقْدَ النِّكَاحِ، إِذْ لَوْ كَانَتْ
تَمْلِكُ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ عَضْلٌ، وَلَا لِنَهْيِ
الْوَلِيِّ عَنِ الْعَضْلِ مَعْنًى، وَقِيلَ: الْآيَةُ خِطَابٌ
مَعَ الْأَزْوَاجِ لِمَنْعِهِمْ مِنَ الْإِضْرَارِ لِأَنَّ
ابْتِدَاءَ الْآيَةِ خِطَابٌ مَعَهُمْ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ،
إِذا تَراضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ، بِعَقْدٍ حَلَالٍ
وَمَهْرٍ جَائِزٍ، ذلِكَ، أَيْ: [ذَلِكَ] [2] الَّذِي ذَكَرَ
مِنَ النَّهْيِ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ
بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ
مُوَحَّدًا وَالْخِطَابُ لِلْأَوْلِيَاءِ، لِأَنَّ الْأَصْلَ
فِي مُخَاطَبَةِ الْجَمْعِ ذَلِكُمْ، ثُمَّ كَثُرَ حَتَّى
تَوَهَّمُوا أَنَّ الْكَافَ مِنْ نَفْسِ الْحَرْفِ وَلَيْسَ
بِكَافِ خِطَابٍ، فَقَالُوا ذَلِكَ، فَإِذَا قَالُوا هَذَا
كَانَتِ الْكَافُ موحدة مستوية فِي الِاثْنَيْنِ وَالْجَمْعِ
وَالْمُؤَنَّثِ وَالْمُذَكَّرِ، قِيلَ: هُوَ خِطَابٌ
لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلِذَلِكَ
وَحَّدَ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى خِطَابِ الْمُؤْمِنِينَ، فَقَالَ:
ذلِكُمْ أَزْكى لَكُمْ، أَيْ: خَيْرٌ لَكُمْ، وَأَطْهَرُ:
لِقُلُوبِكُمْ مِنَ الريبة وذلك أنه كَانَ فِي نَفْسِ كُلِّ
وَاحِدٍ منهما علاقة حيث لَمْ يؤمن أَنْ يَتَجَاوَزَ ذَلِكَ
إِلَى غَيْرِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَهُمَا، وَلَمْ يؤمن مِنَ
الْأَوْلِيَاءِ أَنْ يَسْبِقَ إِلَى قُلُوبِهِمْ مِنْهُمَا مَا
لَعَلَّهُمَا أَنْ يَكُونَا بَرِيئَيْنِ مِنْ ذَلِكَ
فَيَأْثَمُونَ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا
تَعْلَمُونَ، أَيْ: يَعْلَمُ مِنْ حُبِّ كُلِّ وَاحِدٍ
مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ أَنْتُمْ.
[سورة البقرة (2) : آية 233]
وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ
لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ
لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لَا
تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَها لَا تُضَارَّ والِدَةٌ
بِوَلَدِها وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوارِثِ
مِثْلُ ذلِكَ فَإِنْ أَرادا فِصالاً عَنْ تَراضٍ مِنْهُما
وَتَشاوُرٍ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ
تَسْتَرْضِعُوا أَوْلادَكُمْ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِذا
سَلَّمْتُمْ مَا آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُوا اللَّهَ
وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (233)
قَوْلُهُ تعالى: وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ، أي:
والمطلقات اللَّاتِي لَهُنَّ أَوْلَادٌ مِنْ أَزْوَاجِهِنَّ
يُرْضِعْنَ خَبَرٌ بِمَعْنَى الْأَمْرِ وَهُوَ أَمْرُ
اسْتِحْبَابٍ لَا أَمْرُ إِيجَابٍ، لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ
عَلَيْهِنَّ الْإِرْضَاعُ إذا كان يوجد من يرضع الْوَلَدَ
لِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي سُورَةِ الطَّلَاقِ: فَإِنْ
أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ [الطَّلَاقِ: 6] ،
فَإِنْ رَغِبَتِ الْأُمُّ فِي الْإِرْضَاعِ فَهِيَ أَوْلَى
مِنْ غَيْرِهَا، حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ، أَيْ: سَنَتَيْنِ،
وَذَكَرَ الْكَمَالَ لِلتَّأْكِيدِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى:
تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ [الْبَقَرَةِ: 196] ، وَقِيلَ:
إِنَّمَا قَالَ كَامِلَيْنِ لِأَنَّ الْعَرَبَ قَدْ تُسَمِّي
بَعْضَ الْحَوَلِ حَوْلًا وَبَعْضَ الشَّهْرِ شَهْرًا، كَمَا
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ
[البقرة: 197] ، وإنّما هي شَهْرَانِ وَبَعْضُ الثَّالِثِ،
وَقَالَ: فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ
عَلَيْهِ [الْبَقَرَةِ: 203] ، وَإِنَّمَا يُتَعَجَّلُ فِي
يَوْمٍ وَبَعْضِ يَوْمٍ وَيُقَالُ: أَقَامَ فُلَانٌ بِمَوْضِعِ
كَذَا حَوْلَيْنِ، وَإِنَّمَا أَقَامَ بِهِ حَوْلًا وَبَعْضَ
آخَرَ، فَبَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُمَا حَوْلَانِ
كَامِلَانِ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ شَهْرًا، وَاخْتَلَفَ
أَهْلُ الْعِلْمِ فِي هَذَا الْحَدِّ، فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ:
هُوَ حَدٌّ لبعض
__________
(1) زيد في المخطوط دون نسخ المطبوع و «شرح السنة» «وليس لي
إرادة في رجعتها له» .
(2) زيادة عن المخطوط وط.
(1/312)
الْمَوْلُودِينَ، فَرَوَى عِكْرِمَةُ عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهَا إِذَا
وَضَعَتْ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَإِنَّهَا ترضعه حولين كاملين،
وإن وضعت [1] لِسَبْعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنَّهَا تُرْضِعُهُ
ثَلَاثَةً وَعِشْرِينَ شَهْرًا، وَإِنْ وَضَعَتْ لِتِسْعَةِ
أَشْهُرٍ فَإِنَّهَا تُرْضِعُهُ أَحَدًا وَعِشْرِينَ شَهْرًا
[وَإِنْ وَضَعَتْ لِعَشَرَةِ أَشْهُرٍ، فَإِنَّهَا تُرْضِعُهُ
عِشْرِينَ شَهْرًا] [2] ، كُلُّ ذَلِكَ تَمَامُ ثَلَاثِينَ
شَهْرًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ
شَهْراً [الْأَحْقَافِ: 15] ، وَقَالَ قَوْمٌ: هُوَ [حَدٌّ]
[3] لِكُلِّ مَوْلُودٍ بِأَيِّ وَقْتٍ وُلِدَ لَا يَنْقُصُ
رَضَاعُهُ عَنْ حَوْلَيْنِ إِلَّا بِاتِّفَاقِ الْأَبَوَيْنِ،
فَأَيُّهُمَا أَرَادَ الْفِطَامَ قَبْلَ تَمَامِ الْحَوْلَيْنِ
لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ إِلَّا أَنْ يَجْتَمِعَا عَلَيْهِ
لِقَوْلِهِ تَعَالَى: فَإِنْ أَرادا فِصالًا عَنْ تَراضٍ
مِنْهُما وَتَشاوُرٍ، وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ جُرَيْجٍ
وَالثَّوْرِيِّ، وَرِوَايَةُ الْوَالِبِيِّ عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، وَقِيلَ: الْمُرَادُ مِنَ
الْآيَةِ بَيَانُ أَنَّ الرَّضَاعَ الذي يثبت [بِهِ] [4]
الْحُرْمَةُ مَا يَكُونُ فِي الْحَوْلَيْنِ فَلَا يَحْرُمُ مَا
يَكُونُ بَعْدَ الْحَوْلَيْنِ، قَالَ قَتَادَةُ: فَرَضَ
اللَّهُ عَلَى الْوَالِدَاتِ إِرْضَاعَ حَوْلَيْنِ
كَامِلَيْنِ، ثُمَّ أَنْزَلَ التَّخْفِيفَ فَقَالَ: لِمَنْ
أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ، أي: هذا منتهى الرضاع [5] ،
وليس فيما [6] دون ذلك حدّ محدود [لهما] ، وَإِنَّمَا هُوَ
عَلَى مِقْدَارِ صَلَاحِ الصَّبِيِّ وَمَا يَعِيشُ بِهِ.
وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ، يَعْنِي: الْأَبَ، رِزْقُهُنَّ:
طَعَامُهُنَّ، وَكِسْوَتُهُنَّ: لِبَاسُهُنَّ، بِالْمَعْرُوفِ،
أَيْ: عَلَى قَدْرِ الْمَيْسَرَةِ، لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ
إِلَّا وُسْعَها، أَيْ: طَاقَتَهَا، لَا تُضَارَّ والِدَةٌ
بِوَلَدِها، قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَأَهْلُ الْبَصْرَةِ
بِرَفْعِ الرَّاءِ، نَسَقًا عَلَى قَوْلِهِ: لَا تُكَلَّفُ
وَأَصْلُهُ تُضَارِرْ، فَأُدْغِمَتِ الرَّاءُ فِي الرَّاءِ،
وَقَرَأَ الْآخَرُونَ تُضَارَّ، بِنَصْبِ الرَّاءِ، وَقَالُوا:
لَمَّا أُدْغِمَتِ الرَّاءُ فِي الرَّاءِ حُرِّكَتْ إِلَى
أَخَفِّ الْحَرَكَاتِ وَهُوَ النَّصْبُ، وَمَعْنَى الْآيَةِ:
لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا فَيُنْزَعُ الْوَلَدُ
مِنْهَا إِلَى غَيْرِهَا بَعْدَ أَنْ رَضِيَتْ بِإِرْضَاعِهِ،
وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ، أَيْ: لَا تلقيه المرأة إلى
أبيه بعد ما أَلِفَهَا تُضَارُّهُ بِذَلِكَ، وَقِيلَ:
مَعْنَاهُ لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ فَتُكْرَهُ عَلَى إرضاعه إذا
كرهت [هي] [7] إِرْضَاعَهُ، وَقَبِلَ الصَّبِيُّ مِنْ
غَيْرِهَا، لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَلَيْهَا وَلَا
مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ، فَيُحْتَمَلُ أن يعطي الْأُمُّ
أَكْثَرَ مِمَّا يَجِبُ لَهَا إذا لم يرضع [8] الولد مِنْ
غَيْرِهَا، فَعَلَى هَذَيْنَ الْقَوْلَيْنِ أَصْلُ
الْكَلِمَةِ: لَا تُضَارِرْ، بِفَتْحِ الرَّاءِ الْأُولَى
عَلَى الْفِعْلِ الْمَجْهُولِ، وَالْوَالِدَةُ وَالْمَوْلُودُ
[لَهُ] [9] مَفْعُولَانِ، وَيُحْتَمَلُ أن يكون الفعل لهما
يكون [10] تُضَارَّ بِمَعْنَى: تُضَارِرْ بِكَسْرِ [الرَّاءِ]
الْأُولَى عَلَى تَسْمِيَةِ الْفَاعِلِ، وَالْمَعْنَى: لَا
تُضَارَّ وَالِدَةٌ فَتَأْبَى أَنْ تُرْضِعَ وَلَدَهَا
لِيَشُقَّ عَلَى أَبِيهِ، وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ، أَيْ: لَا
يُضَارَّ الْأَبُ أُمَّ الصَّبِيِّ فَيَنْزِعُهُ مِنْهَا
وَيَمْنَعُهَا مِنْ إِرْضَاعِهِ، وَعَلَى هذه الأقوال يرجع
الضرار إِلَى الْوَالِدَيْنِ، يُضَارُّ كُلُّ وَاحِدٍ
مِنْهُمَا صَاحِبَهُ بِسَبَبِ الْوَلَدِ، وَيَجُوزُ أَنْ
يَكُونَ الضِّرَارُ رَاجِعًا إِلَى الصَّبِيِّ، أَيْ: لَا
يُضَارَّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الصَّبِيَّ، فَلَا
تُرْضِعُهُ الْأُمُّ حَتَّى يَمُوتَ، أَوْ لَا يُنْفِقُ
الْأَبُ، أَوْ يَنْتَزِعُهُ مِنَ الْأُمِّ حَتَّى يُضَرَّ
بِالصَّبِيِّ، فَعَلَى هَذَا تَكُونُ الْبَاءُ زَائِدَةً،
وَمَعْنَاهُ: لا تضار والدة ولدها، ولا أب ولده، وَكُلُّ
هَذِهِ الْأَقَاوِيلِ مَرْوِيَّةٌ عَنِ الْمُفَسِّرِينَ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَعَلَى الْوارِثِ مِثْلُ ذلِكَ،
اخْتَلَفُوا فِي هَذَا الْوَارِثِ، فَقَالَ قَوْمٌ: هُوَ
وَارِثُ الصَّبِيِّ، مَعْنَاهُ: وَعَلَى وَارِثِ الصَّبِيِّ
الَّذِي لَوْ مَاتَ الصَّبِيُّ وَلَهُ مَالٌ وَرِثَهُ [11]
مِثْلُ الَّذِي كَانَ عَلَى أَبِيهِ فِي حَالِ حَيَاتِهِ،
ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي أَيِّ وَارِثٍ هُوَ مِنْ وَرَثَتِهِ،
فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ عَصَبَةُ الصَّبِيِّ مِنَ
الرِّجَالِ، مِثْلُ الْجَدِّ وَالْأَخِ وَابْنِ الْأَخِ
وَالْعَمِّ وَابْنِ الْعَمِّ، وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ بْنَ
الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، وَبِهِ قَالَ
إِبْرَاهِيمُ والحسن ومجاهد
__________
1 زيد في المطبوع وحده دون المخطوط وط- و «الدر المنثور» .
2 زيد في المطبوع وحده دون المخطوط وط- و «الدر المنثور» .
3 ما بين المعقوفتين زيادة من المخطوط.
4 ما بين المعقوفتين زيادة من المخطوط.
(5) في المطبوع «الرضاعة» .
(6) في المطبوع «فيها» .
(7) زيادة عن المخطوط. [.....]
(8) زيادة من المخطوط.
(9) زيادة عن المخطوط وط.
(10) في المطبوع «وتكون» .
(11) في المطبوع «وزنه» .
(1/313)
وَالَّذِينَ
يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ
بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَإِذَا
بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا
فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللَّهُ بِمَا
تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (234)
وَعَطَاءٌ، وَهُوَ مَذْهَبُ سُفْيَانَ،
قَالُوا: إذا لم يكن للصبي مال يُنْفَقُ عَلَيْهِ أُجْبِرَتْ
عَصَبَتُهُ الَّذِينَ يَرِثُونَهُ عَلَى أَنْ يَسْتَرْضِعُوهُ،
وَقِيلَ: هُوَ وَارِثُ الصَّبِيِّ مَنْ كَانَ مِنَ الرِّجَالِ
وَالنِّسَاءِ، وَهُوَ قَوْلُ قَتَادَةَ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى،
وَمَذْهَبُ أَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ، وَقَالُوا: يُجْبَرُ عَلَى
نفقته كل وارث قَدْرِ مِيرَاثِهِ، عَصَبَةً [1] كَانُوا أَوْ
غَيْرَهُمْ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ مَنْ كَانَ ذَا رَحِمِ
مَحْرَمٍ مِنْ وَرَثَةِ الْمَوْلُودِ، فَمَنْ لَيْسَ
بِمَحْرَمٍ مِثْلُ ابْنِ الْعَمِّ وَالْمَوْلَى، فَغَيْرُ
مُرَادٍ بِالْآيَةِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ
اللَّهُ، وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّ الْمُرَادَ
بِالْوَارِثِ هُوَ الصَّبِيُّ نَفْسُهُ الَّذِي هُوَ وَارِثُ
أَبِيهِ الْمُتَوَفَّى، تَكُونُ أُجْرَةُ رَضَاعِهِ
وَنَفَقَتُهُ فِي مَالِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ
فَعَلَى الْأُمِّ، وَلَا يُجْبَرُ عَلَى نَفَقَةِ الصَّبِيِّ
إِلَّا الْوَالِدَانِ، وَهُوُ قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ
رَحِمَهُمَا اللَّهُ، وَقِيلَ: هُوَ الْبَاقِي مِنْ وَالِدَيِ
الْمَوْلُودِ، بَعْدَ وفاة الآخر عليه، مثل الذي [2] كَانَ
عَلَى الْأَبِ مِنْ أُجْرَةِ الرَّضَاعِ وَالنَّفَقَةِ
وَالْكِسْوَةِ، وَقِيلَ: لَيْسَ الْمُرَادُ مِنْهُ النَّفَقَةَ
بَلْ مَعْنَاهُ وَعَلَى الْوَارِثِ تَرْكُ الْمُضَارَّةِ،
وَبِهِ قَالَ الشَّعْبِيُّ وَالزُّهْرِيُّ، فَإِنْ أَرادا،
يعني: الوالدين، فِصالًا، [أي] : فِطَامًا، قَبْلَ [3]
الْحَوْلَيْنِ عَنْ تَراضٍ مِنْهُما، أي: اتفاق [من]
الْوَالِدَيْنِ، وَتَشاوُرٍ، أَيْ:
يُشَاوِرُونَ أَهْلَ الْعِلْمِ بِهِ حَتَّى يُخْبِرُوا أَنَّ
الْفِطَامَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ لَا يَضُرُّ بِالْوَلَدِ،
وَالْمُشَاوَرَةُ اسْتِخْرَاجُ الرَّأْيِ، فَلا جُناحَ
عَلَيْهِما، أَيْ: لَا حَرَجَ عَلَيْهِمَا فِي الْفِطَامِ
قَبْلَ الْحَوْلَيْنِ، وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا
أَوْلادَكُمْ، أَيْ:
لِأَوْلَادِكُمْ مَرَاضِعَ غَيْرَ أمّهاتهم إذا أبت أمهاتهم
إرضاعهم، أو تعذّر لعلة بهنّ أو انْقِطَاعُ لَبَنٍ أَوْ
أَرَدْنَ النِّكَاحَ، فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِذا
سَلَّمْتُمْ، إِلَى أُمَّهَاتِهِمْ، مَا آتَيْتُمْ، مَا
سَمَّيْتُمْ لَهُنَّ مِنْ أُجْرَةِ الرَّضَاعِ [أو] بِقَدْرِ
مَا أَرْضَعْنَ، وَقِيلَ: إِذَا سَلَّمْتُمْ أُجُورَ
الْمَرَاضِعِ إِلَيْهِنَّ، بِالْمَعْرُوفِ، قَرَأَ ابْنُ
كَثِيرٍ مَا آتَيْتُمْ [وَفِي الرُّومِ: وَما آتَيْتُمْ مِنْ
رِباً [الرُّومِ: 39] بِقَصْرِ الْأَلْفِ، وَمَعْنَاهُ: [مَا
فَعَلْتُمْ، يُقَالُ: أَتَيْتُ جَمِيلًا إِذَا فَعَلْتُهُ،
فَعَلَى هَذِهِ الْقِرَاءَةِ يَكُونُ التَّسْلِيمُ بِمَعْنَى]
[4] الطَّاعَةِ وَالِانْقِيَادِ لَا بِمَعْنَى تَسْلِيمِ
الْأُجْرَةِ، يَعْنِي: إِذَا سَلَّمْتُمْ لِأَمْرِهِ
وَانْقَدْتُمْ لِحُكْمِهِ، وَقِيلَ: إِذَا سَلَّمْتُمْ
لِلِاسْتِرْضَاعِ [5] عَنْ تراض وإنفاق دُونَ الضِّرَارِ،
وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِما
تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ.
[سورة البقرة (2) : آية 234]
وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً
يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً
فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما
فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللَّهُ بِما
تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (234)
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ، أَيْ:
يَمُوتُونَ وَتُتَوَفَّى [6] آجَالُهُمْ، وَتَوَفَّى
وَاسْتَوْفَى بِمَعْنًى وَاحِدٍ، وَمَعْنَى التَّوَفِّي:
أَخْذُ الشَّيْءِ وَافِيًا، وَيَذَرُونَ أَزْواجاً: يتركون
أزواجا، يَتَرَبَّصْنَ: ينتظرون، بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ
أَشْهُرٍ وَعَشْراً، أَيْ: يعتدون بِتَرْكِ الزِّينَةِ
وَالطِّيبِ وَالنُّقْلَةِ [7] عَلَى فِرَاقِ أَزْوَاجِهِنَّ
هَذِهِ الْمُدَّةَ، إِلَّا أَنْ يَكُنَّ حَوَامِلَ
فَعِدَّتُهُنَّ بِوَضْعِ الْحَمْلِ، وَكَانَتْ عِدَّةُ
الْوَفَاةِ فِي الِابْتِدَاءِ حَوْلًا كَامِلًا لِقَوْلِهِ
تَعَالَى: وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ
أَزْواجاً وَصِيَّةً لِأَزْواجِهِمْ مَتاعاً إِلَى الْحَوْلِ
غَيْرَ إِخْراجٍ [الْبَقَرَةِ: 240] ، ثُمَّ نُسِخَتْ
بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا، وَقَالَ ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ
عَنْ مُجَاهِدٍ: كَانَتْ هَذِهِ الْعِدَّةُ يَعْنِي أَرْبَعَةَ
أَشْهُرٍ وَعَشْرًا وَاجِبَةً عِنْدَ أَهْلِ زَوْجِهَا،
فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: مَتاعاً إِلَى الْحَوْلِ،
فَجَعَلَ لَهَا تَمَامَ السَّنَةِ سَبْعَةَ أَشْهُرٍ
وَعِشْرِينَ لَيْلَةً وَصِيَّةً إِنْ شَاءَتْ سَكَنَتْ فِي
وَصِيَّتِهَا وإن شاءت خرجت وهو [معنى] [8] قَوْلُ اللَّهِ
عَزَّ وَجَلَّ: غَيْرَ إِخْراجٍ فَإِنْ
__________
(1) في المطبوع «عصبته» .
(2) في المطبوع «ما» بدل «الذي» .
(3) في المطبوع «قيل» .
(4) زيد في نسخ المطبوع.
(5) في المخطوط «الاسترضاع» .
(6) في المطبوع «ويتوفى» .
(7) في المخطوط «التفكه» والمثبت هو الصواب كما في الطبري 5092
والمراد بالنّقلة: الانتقال من البيت إلى آخر.
(8) زيادة من المخطوط.
(1/314)
خَرَجْنَ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِي ما
فَعَلْنَ [البقرة: 240] ، فالعدّة ما [1] هِيَ وَاجِبَةٌ
عَلَيْهَا، وَقَالَ عَطَاءٌ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمَا: نَسَخَتْ هَذِهِ الْآيَةُ عِدَّتَهَا عند
أهلها، [فتعتد حيث شاءت، وقال عطاء: إن شاءت اعتدّت عند أهلها]
[2] وَسَكَنَتْ فِي وَصِيَّتِهَا، وَإِنْ شَاءَتْ خَرَجَتْ،
قَالَ عَطَاءٌ: ثُمَّ جَاءَ الْمِيرَاثُ فَنَسَخَ السُّكْنَى،
فَتَعْتَدُّ حَيْثُ شَاءَتْ وَلَا سُكْنَى لَهَا، وَيَجِبُ
عَلَيْهَا الْإِحْدَادُ فِي عِدَّةِ الْوَفَاةِ، وهي أن تمنع
مِنَ الزِّينَةِ وَالطِّيبِ، فَلَا يَجُوزُ لَهَا [تَدْهِينَ
رَأْسِهَا بِأَيِّ دُهْنٍ سَوَاءٌ كَانَ فِيهِ طِيبٌ أَوْ لَمْ
يَكُنْ، وَلَهَا تَدْهِينُ جَسَدِهَا بِدُهْنٍ لَا طِيبَ
فِيهِ، فَإِنْ كَانَ فِيهِ طِيبٌ فَلَا يَجُوزُ، وَلَا يَجُوزُ
لَهَا] [3] أَنْ تَكْتَحِلَ بِكُحْلٍ فِيهِ طِيبٌ أَوْ فِيهِ
زِينَةٌ كَالْكُحْلِ الْأَسْوَدِ، وَلَا بَأْسَ بِالْكُحْلِ
الْفَارِسِيِّ الَّذِي لَا زِينَةَ فِيهِ، فَإِنِ اضْطُرَّتْ
إِلَى كُحْلٍ فيه زينة فقد رخّص فِيهِ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ
الْعِلْمِ ومنهم سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَسُلَيْمَانُ
بْنُ يَسَارٍ، وَعَطَاءٌ وَالنَّخَعِيُّ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ
وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ
اللَّهُ: تَكْتَحِلُ بِهِ ليلا وتمسحه بالنهار.
ع «269» قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ تُوُفِّيَ
أَبُو سَلَمَةَ وقد جعلت على وجهي صَبْرًا فَقَالَ: «إِنَّهُ
يَشِبُّ [4] الْوَجْهَ، فَلَا تَجْعَلِيهِ إِلَّا بِاللَّيْلِ
وَتَنْزِعِيهِ بِالنَّهَارِ» .
وَلَا يَجُوزُ لَهَا الْخِضَابُ وَلَا لُبْسُ الْوَشْيِ
وَالدِّيبَاجِ وَالْحُلِيِّ، وَيَجُوزُ لَهَا لُبْسُ الْبِيضِ
مِنَ الثِّيَابِ وَلُبْسُ الصُّوفِ وَالْوَبَرِ، وَلَا
تَلْبَسُ الثَّوْبَ الْمَصْبُوغَ لِلزِّينَةِ كَالْأَحْمَرِ
وَالْأَخْضَرِ النَّاضِرِ وَالْأَصْفَرِ، وَيَجُوزُ مَا صُبِغَ
لِغَيْرِ زِينَةٍ كَالسَّوَادِ وَالْكُحْلِيِّ، وَقَالَ
سُفْيَانُ: لَا تَلْبَسُ الْمَصْبُوغَ بِحَالٍ.
«270» أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ السَّرَخْسِيُّ [5] ، أَنَا
زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ أَنَا أبو إسحق الْهَاشِمِيُّ، أَنَا
أَبُو مُصْعَبٍ عَنْ
__________
269- ع ضعيف. ذكره مالك في «الموطأ» (2/ 600) بلاغا وكذا رواه
الشافعي من طريقه كما في «التلخيص» (3/ 239) .
- ووصله أبو داود 2305 والنسائي (6/ 204) (3539) من طريق
المغيرة بن الضحاك عن أم حكيم بنت أسيد عن أمها أن زوجها توفي
... فذكره بأتم منه.
وقال الحافظ في «التلخيص» (3/ 239) : وأعله عبد الحق، والمنذري
بجهالة حال المغيرة ومن فوقه. وأعل بما في الصحيحين عن زينب
بنت أم سلمة سمعت أُمَّ سَلَمَةَ تَقُولُ: جَاءَتِ امْرَأَةٌ
إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ ابْنَتِي تُوُفِّيَ
عَنْهَا زوجها، وقد اشتكت عينها أفنكحلها؟ قال: لا، مرتين أو
ثلاثا اهـ.
270- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم.
- هو عند المصنف في «شرح السنة» 2382 بهذا الإسناد.
- وفي «الموطأ» (2/ 596- 598) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي
بكر به.
ومن طريق مالك أخرجه البخاري (5334) و (5335) و (5336) ومسلم
(1486) و (1487) و (1489) وأبو داود (2299) والترمذي (1195) و
(1196) و (1197) والنسائي (6/ 201- 202) والشافعي (2/ 61- 62)
وعبد الرزاق (12130) وابن حبان (4304) والبيهقي (7/ 437) .
- وورد من طرق عن حميد بن نافع به أخرجه البخاري (1280) و
(5338) و (5339) و (5706) ومسلم (1486) ح/ 59 و61 و62 والنسائي
(6/ 188) وابن ماجه 2084 وأحمد (6/ 291) و (292) و (311)
والطبراني (23/ 422) و (423- 427) و (813- 817) وابن الجارود
(765) و (768) والبيهقي (7/ 437) و (439) رووه مطولا ومختصرا.
[.....]
(1) في المطبوع «كالعدة كما» .
(2) سقط من المطبوع وحده.
(3) سقط من المخطوط.
(4) يشب الوجه: يلوّنه ويحسنه.
(5) في «شرح السنة» 2382: «الشيرزي» بدل «السرخسي» .
(1/315)
مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي
بَكْرِ [بْنِ] [1] مُحَمَّدِ بْنِ عمر [و] [2] بْنِ حَزْمٍ،
عَنْ حُمَيْدِ بْنِ نَافِعٍ عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي
سَلَمَةَ أَنَّهَا أَخْبَرَتْهُ بِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ
الثَّلَاثَةِ، قَالَتْ زَيْنَبُ:
دَخَلْتُ عَلَى أُمِّ حَبِيبَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ تُوُفِّيَ أَبُوهَا أَبُو
سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ فَدَعَتْ أُمُّ حَبِيبَةَ بِطِيبٍ فِيهِ
صُفْرَةٌ خَلُوقٍ أَوْ غَيْرِهِ فَدَهَنَتْ بِهِ جَارِيَةً
ثُمَّ مَسَّتْ بِهِ بَطْنَهَا ثُمَّ قَالَتْ: وَاللَّهِ مَا
لِي بِالطِّيبِ مِنْ حَاجَةٍ غَيْرَ أَنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ عَلَى
الْمِنْبَرِ: «لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ [تُؤْمِنُ بِاللَّهِ
وَالْيَوْمِ الْآخِرِ] [3] أَنْ تَحِدَّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ
ثَلَاثِ لَيَالٍ إِلَّا عَلَى زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ
وَعَشْرًا» . وَقَالَتْ زَيْنَبُ: ثُمَّ دَخَلْتُ على زينب بنت
جحش [زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم] [4]
حِينَ تُوُفِّيَ أَخُوهَا عَبْدُ اللَّهِ فَدَعَتْ بِطِيبٍ
فَمَسَّتْ بِهِ، ثُمَّ قَالَتْ: وَاللَّهِ مَا لِي بِالطِّيبِ
مِنْ حَاجَةٍ غَيْرَ أَنِّي سَمِعْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ عَلَى الْمِنْبَرِ: «لَا
يحل لامرأة تؤمن بالله أَنْ تَحِدَّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ
ثَلَاثِ لَيَالٍ إِلَّا عَلَى زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ
وَعَشْرًا» . قَالَتْ زَيْنَبُ: وَسَمِعَتْ أُمِّي أُمَّ
سَلَمَةَ تَقُولُ: جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ
اللَّهِ إِنَّ ابْنَتِي تُوُفِّيَ عَنْهَا زَوْجُهَا وَقَدِ
اشْتَكَتْ عينها أفنكحلها؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا» ، ثُمَّ قَالَ: «إنما هي
أربعة أشهر وعشرا، وَقَدْ كَانَتْ إِحْدَاكُنَّ فِي
الْجَاهِلِيَّةِ تَرْمِي بِالْبَعْرَةِ عَلَى رَأْسِ
الْحَوْلِ» ، قَالَ حُمَيْدٌ: فَقُلْتُ لِزَيْنَبَ: وَمَا
تَرْمِي بِالْبَعْرَةِ عَلَى رَأْسِ الْحَوْلِ؟ فَقَالَتْ
زَيْنَبُ:
كَانَتِ الْمَرْأَةُ إِذَا تُوُفِّيَ عَنْهَا زَوْجُهَا
دَخَلَتْ حِفْشًا [5] وَلَبِسَتْ شَرَّ ثِيَابِهَا، وَلَمْ
تَمَسَّ طيبا ولا شيئا حتى يمرّ بِهَا سَنَةٌ، ثُمَّ تُؤْتَى
بِدَابَّةٍ حمارا أو شاة أو طيرا فتفتض به، فَقَلَّمَا
تَفْتَضُّ بِشَيْءٍ إِلَّا مَاتَ، ثُمَّ تَخْرُجُ فَتُعْطَى
بَعْرَةً فَتَرْمِي بِهَا، ثُمَّ تُرَاجِعُ بَعْدَ ذَلِكَ مَا
شَاءَتْ مِنْ طِيبٍ أَوْ غَيْرِهِ.
[وَقَالَ مَالِكٌ: تَفْتَضُّ، أَيْ: تنسلخ جِلْدَهَا] [6] ،
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ: الْحِكْمَةُ فِي هَذِهِ
الْمُدَّةِ أَنَّ فِيهَا يُنْفَخُ الرُّوحُ فِي الْوَلَدِ،
وَيُقَالُ: إِنَّ الْوَلَدَ يَرْتَكِضُ، أَيْ: يَتَحَرَّكُ فِي
الْبَطْنِ لِنِصْفِ مُدَّةِ الحمل أربعة أشهر وعشرا قَرِيبًا
مِنْ نِصْفِ مُدَّةِ الْحَمْلِ، وَإِنَّمَا قَالَ عَشْراً
بِلَفْظِ الْمُؤَنَّثِ لِأَنَّهُ أَرَادَ اللَّيَالِيَ،
لِأَنَّ الْعَرَبَ إِذَا أَبْهَمَتِ الْعَدَدَ بَيْنَ
اللَّيَالِي وَالْأَيَّامِ غَلَّبَتْ عَلَيْهَا اللَّيَالِيَ،
فَيَقُولُونَ: صُمْنَا عَشْرًا، وَالصَّوْمُ لَا يَكُونُ
إِلَّا بِالنَّهَارِ، وَقَالَ الْمُبَرِّدُ: إِنَّمَا أَنَّثَ
الْعَشْرَ لِأَنَّهُ أَرَادَ الْمُدَدَ [7] ، أَيْ: عَشْرَ
مُدَدٍ، كُلُّ مُدَّةِ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ، وَإِذَا كَانَ
الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوَّجُهَا حَامِلًا فَعِدَّتُهَا
بِوَضْعِ الْحَمْلِ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ من
الصحابة فمن بعدهم، روي عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمْ: أَنَّهَا تَنْتَظِرُ آخِرَ الْأَجَلَيْنِ
مِنْ وَضْعِ الْحَمْلِ أَوْ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا،
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:
أُنْزِلَتْ سُورَةُ النِّسَاءِ الْقُصْرَى بعد الطّولى، [و]
أَرَادَ بِالْقُصْرَى سُورَةُ الطَّلَاقِ وَأُولاتُ
الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ
[الطَّلَاقِ: 4] ، نَزَلَتْ بَعْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى:
يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً،
[وبالطولى] [8] في سورة البقرة فحمل عَلَى النَّسْخِ،
وَعَامَّةُ الْفُقَهَاءِ خَصُّوا الْآيَةَ بِحَدِيثِ
سُبَيْعَةَ وَهُوَ مَا:
__________
(1) زيادة عن كتب التخريج والتراجم.
(2) زيادة عن كتب التخريج.
(3) زيادة عن المخطوط وشرح السنة.
(4) زيادة عن المخطوط.
(5) في الأصل «خفشا» وهو تصحيف، والخفش: البيت الرديء.
(6) سقط من المخطوط.
(7) في المطبوع «المدة» .
(8) زيادة عن المخطوط.
(1/316)
وَلَا جُنَاحَ
عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ
أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ
سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا
إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا وَلَا تَعْزِمُوا
عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ
وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ
فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ (235)
«271» أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ
السَّرَخْسِيُّ، أَخْبَرَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ أَنَا
أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنَا أَبُو مُصْعَبٍ عَنْ
مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ
الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ:
أَنَّ سُبَيْعَةَ نَفَسَتْ بَعْدَ وَفَاةِ زَوْجِهَا بِلَيَالٍ
فَجَاءَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فَاسْتَأْذَنَتْهُ أَنْ تَنْكِحَ، فَأَذِنَ لَهَا،
فَنَكَحَتْ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ، أَيِ:
انْقَضَتْ عِدَّتُهُنَّ، فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ، خِطَابٌ
لِلْأَوْلِيَاءِ، فِيما فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ، أَيْ:
مِنَ اخْتِيَارِ الْأَزْوَاجِ دُونَ الْعَقْدِ [فَإِنَّ
الْعَقْدَ] [1] إِلَى الْوَلِيِّ، وَقِيلَ: فِيمَا فَعَلْنَ
مِنَ التَّزَيُّنِ لِلرِّجَالِ زِينَةً لَا يُنْكِرُهَا [2]
الشَّرْعُ، بِالْمَعْرُوفِ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ
خَبِيرٌ، وَالْإِحْدَادُ وَاجِبٌ عَلَى الْمَرْأَةِ فِي
عِدَّةِ الْوَفَاةِ، أَمَّا الْمُعْتَدَّةُ عن الطلاق ففيها
نظر، فإن كانت رجعية لا إِحْدَادَ عَلَيْهَا فِي الْعِدَّةِ،
لِأَنَّ لها أن [تصنع] مَا يُشَوِّقُ قَلْبَ الزَّوْجِ
إِلَيْهَا لِيُرَاجِعَهَا، وَفِي الْبَائِنَةِ بِالْخُلْعِ
وَالطَّلْقَاتِ الثلاث قَوْلَانِ، أَحَدُهُمَا: [عَلَيْهَا]
[3] الْإِحْدَادُ كَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا، وَهُوَ
قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، وَبِهِ قَالَ أَبُو
حَنِيفَةَ، وَالثَّانِي: لَا إِحْدَادَ عَلَيْهَا، وَهُوَ
قَوْلُ عَطَاءٍ، وَبِهِ قَالَ مالك.
[سورة البقرة (2) : آية 235]
وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ
النِّساءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ
أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلكِنْ لَا تُواعِدُوهُنَّ
سِرًّا إِلاَّ أَنْ تَقُولُوا قَوْلاً مَعْرُوفاً وَلا
تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتابُ
أَجَلَهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي
أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ
حَلِيمٌ (235)
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما عَرَّضْتُمْ
بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّساءِ، أَيِ: النِّسَاءِ
الْمُعْتَدَّاتِ، وَأَصْلُ التَّعْرِيضِ: هُوَ التَّلْوِيحُ
بالشيء، والتعريض في الكلام بما يَفْهَمُ بِهِ السَّامِعُ
مُرَادَهُ مِنْ غَيْرِ تَصْرِيحٍ، وَالتَّعْرِيضُ
بِالْخِطْبَةِ مُبَاحٌ فِي الْعِدَّةِ، وَهُوَ أَنْ يَقُولَ:
رُبَّ رَاغِبٍ فِيكِ، مَنْ يَجِدُ مِثْلَكِ، إِنَّكِ
لَجَمِيلَةٌ، وَإِنَّكِ لَصَالِحَةٌ، وَإِنَّكِ عَلَيَّ
لَكَرِيمَةٌ، وَإِنِّي فِيكِ لَرَاغِبٌ، وَإِنَّ مِنْ غَرَضِي
أَنْ أتزوج بك، وَإِنْ جَمَعَ اللَّهُ بَيْنِي وَبَيْنَكِ
بِالْحَلَالِ أَعْجَبَنِي [4] ، وَلَئِنْ تَزَوَّجْتُكِ
لَأُحْسِنَنَّ إِلَيْكِ، وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنَ الْكَلَامِ مِنْ
غَيْرِ أَنْ يَقُولَ أَنْكِحِينِي، وَالْمَرْأَةُ تُجِيبُهُ
بِمِثْلِهِ إِنْ رَغِبَتْ فِيهِ، وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: لَا
بَأْسَ أن يهدي إليها وَيَقُومَ بِشَغْلِهَا فِي الْعِدَّةِ
إِذَا كانت [من شأنه] [5] .
ع «272» رُوِيَ أَنَّ سُكَيْنَةَ بِنْتَ حَنْظَلَةَ بَانَتْ
[6] مِنْ زَوْجِهَا فَدَخَلَ عَلَيْهَا أَبُو جَعْفَرٍ
مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ الباقر في
__________
271- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم.
وهو عند المصنف في «شرح السنة» 238 بهذا الإسناد.
- وعند مالك (2/ 590) عن هشام به.
- ومن طريق مالك أخرجه البخاري 5320 والنسائي (6/ 190)
والشافعي (2/ 52- 53) وأحمد (4/ 327) والبيهقي (7/ 428) .
- وأخرجه النسائي (6/ 190) وابن ماجه 2029 وعبد الرزاق (11734)
وابن حبان 4298 والطبراني (20/ 5 و6 و7 و8 و11) من طرق عن هشام
به. [.....]
272- ع ضعيف. أخرجه الدارقطني (3/ 224) عن محمد بن مخلد عن
عباس بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الصلت عن عبد
(1) زيادة عن المخطوط.
(2) في المطبوع «يشكرها» .
(3) زيادة عن المخطوط.
(4) في المطبوع «أعجبتني» .
(5) في المطبوع «غير شابة» .
(6) في المخطوط «تأيمت» .
(1/317)
عِدَّتِهَا وَقَالَ: يَا بِنْتَ حَنْظَلَةَ
أَنَا مَنْ قَدْ عَلِمْتِ قَرَابَتِي مِنْ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحَقَّ جَدِّي عَلَيَّ
وَقِدَمِي فِي الْإِسْلَامِ! فَقَالَتْ سُكَيْنَةُ:
أَتَخْطُبُنِي وَأَنَا فِي الْعِدَّةِ وَأَنْتَ [ممن] [1] يؤخذ
عَنْكَ! فَقَالَ: إِنَّمَا أَخْبَرْتُكِ بِقَرَابَتِي مِنْ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَدْ
دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ وَهِيَ فِي عِدَّةِ زَوْجِهَا أَبِي
سَلَمَةَ، فَذَكَرَ لَهَا مَنْزِلَتَهُ مِنَ اللَّهِ عَزَّ
وَجَلَّ وَهُوَ مُتَحَامِلٌ عَلَى يَدِهِ، حَتَّى أَثَّرَ
الْحَصِيرُ فِي يَدِهِ مِنْ شِدَّةِ تَحَامُلِهِ عَلَى يَدِهِ،
وَالتَّعْرِيضُ بِالْخِطْبَةِ جَائِزٌ فِي عِدَّةِ الْوَفَاةِ،
أَمَّا الْمُعْتَدَّةُ عَنْ فُرْقَةِ الحياة ينظر إِنْ كَانَتْ
مِمَّنْ لَا يَحِلُّ لِمَنْ بَانَتْ [مِنْهُ] [2] نِكَاحُهَا،
كَالْمُطَلَّقَةِ ثلاثا، والمبانة باللّعان والرضاع، فإنه
يَجُوزُ خِطْبَتُهَا تَعْرِيضًا، [وَإِنْ كَانَتْ ممن يحل
لِلزَّوْجِ نِكَاحُهَا كَالْمُخْتَلِعَةِ وَالْمَفْسُوخِ
نِكَاحُهَا، يَجُوزُ لِزَوْجِهَا خِطْبَتُهَا تَعْرِيضًا
وَتَصْرِيحًا] [3] ، وَهَلْ يَجُوزُ لِلْغَيْرِ تَعْرِيضًا؟
فِيهِ قَوْلَانِ، أَحَدُهُمَا: يَجُوزُ كَالْمُطَلَّقَةِ
ثَلَاثًا، وَالثَّانِي: لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْمُعَاوَدَةَ
ثابتة لِصَاحِبِ الْعِدَّةِ كَالرَّجْعِيَّةِ لَا يَجُوزُ
للغير تعريضا بالخطبة، [و] قوله تَعَالَى: مِنْ خِطْبَةِ
النِّساءِ، [الْخِطْبَةُ] [4] الْتِمَاسُ النِّكَاحِ وَهِيَ
مَصْدَرُ خَطَبَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ يَخْطُبُ خِطْبَةً،
وَقَالَ الْأَخْفَشُ: الْخِطْبَةُ الذِّكْرُ وَالْخِطْبَةُ
التَّشَهُّدُ، فَيَكُونُ مَعْنَاهُ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ
مَنْ ذِكْرِ النِّسَاءَ عِنْدَهُنَّ أَوْ أَكْنَنْتُمْ:
أضمرتم، فِي أَنْفُسِكُمْ، من نِكَاحَهُنَّ، يُقَالُ:
أَكْنَنْتُ الشَّيْءَ وَكَنَنْتُهُ لُغَتَانِ، وَقَالَ
ثَعْلَبٌ: أَكْنَنْتُ الشَّيْءَ [أَيْ: أَخْفَيْتُهُ فِي
نَفْسِي] [5] ، وَكَنَنْتُهُ سترته، قال السُّدِّيُّ: هُوَ
أَنْ يَدْخُلَ فَيُسَلِّمَ وَيُهْدِيَ إِنْ شَاءَ وَلَا
يَتَكَلَّمُ بِشَيْءٍ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ
سَتَذْكُرُونَهُنَّ: بِقُلُوبِكُمْ، وَلكِنْ لَا
تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا، اخْتَلَفُوا فِي السِّرِّ الْمَنْهِيِّ
عَنْهُ، فقال قوم: هو الزنا وكان الرَّجُلُ يَدْخُلُ عَلَى
الْمَرْأَةِ مِنْ أجل الزنية [6] وهو يعرض بِالنِّكَاحِ،
وَيَقُولُ لَهَا: دَعِينِي فَإِذَا وفيت عِدَّتَكِ أَظْهَرْتُ
نِكَاحَكِ، هَذَا قَوْلُ الْحَسَنِ وَقَتَادَةَ وَإِبْرَاهِيمَ
وَعَطَاءٍ، وَرِوَايَةُ عَطِيَّةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ
الله عنهما، [و] قَالَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ: أَيْ لَا
يَنْكِحُهَا سِرًّا فَيُمْسِكُهَا فَإِذَا حَلَّتْ أَظْهَرَ
ذَلِكَ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: هُوَ قَوْلُ الرَّجُلِ لَا
تَفُوتِينِي بِنَفْسِكِ فَإِنِّي نَاكِحُكِ، وَقَالَ
الشَّعْبِيُّ وَالسُّدِّيُّ: لَا يَأْخُذُ مِيثَاقَهَا أَنْ
لَا تَنْكِحَ غَيْرَهُ، وَقَالَ عِكْرِمَةُ: لَا يَنْكِحُهَا
وَلَا يَخْطُبُهَا فِي الْعِدَّةِ، قَالَ الشَّافِعِيُّ:
السِّرُّ هُوَ الْجِمَاعُ، وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: أَيْ لَا
تَصِفُوا أَنْفُسَكُمْ لَهُنَّ بِكَثْرَةِ الْجِمَاعِ،
فَيَقُولُ: آتِيكِ الْأَرْبَعَةَ وَالْخَمْسَةَ، وَأَشْبَاهَ
ذَلِكَ، وَيُذْكَرُ السِّرُّ وَيُرَادُ بِهِ الْجِمَاعُ، قَالَ
امْرُؤُ الْقَيْسِ:
أَلَّا زَعَمَتْ بَسْبَاسَةُ الْقَوْمِ أَنَّنِي ... كَبِرْتُ
وألّا يحسن السرّ أمثالي
وإنما قيل للزنا والجماع: سرا لِأَنَّهُ يَكُونُ فِي خَفَاءٍ
بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ، قَوْلُهُ تَعَالَى: إِلَّا
أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفاً، هو مَا ذَكَرْنَا مِنَ
التَّعْرِيضِ بِالْخِطْبَةِ. قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلا
تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتابُ
أَجَلَهُ، أَيْ: لَا تُحَقِّقُوا الْعَزْمَ عَلَى عقد
النِّكَاحِ فِي الْعِدَّةِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ
أَجَلَهُ، أَيْ: حَتَّى تَنْقَضِيَ الْعِدَّةُ، وَسَمَّاهَا
اللَّهُ: كِتَابًا، لِأَنَّهَا فَرْضٌ مِنَ اللَّهِ كَقَوْلِهِ
تَعَالَى: كُتِبَ عَلَيْكُمُ، أَيْ: فُرِضَ عَلَيْكُمْ،
وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ
فَاحْذَرُوهُ، أَيْ: فَخَافُوا اللَّهَ، وَاعْلَمُوا أَنَّ
اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ،
__________
الرحمن بن سليمان- وهو ابن العسيل- نحوه بتمامه. وهذا معضل،
وعبد الرحمن بن سليمان فيه ضعف، ومثله محمد بن الصلت.
وقال الحافظ في «تخريج الكشاف» (1/ 282) : هكذا هو في كتاب
«النكاح» لابن المبارك.... اهـ.
(1) زيادة من المخطوط.
(2) في المطبوع «من» .
(3) سقط من المخطوط.
(4) سقط من المطبوع.
(5) زيد في نسخ المطبوع.
(6) تحرف في المطبوع إلى «الزينة» . [.....]
(1/318)
لَا جُنَاحَ
عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ
تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً
وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى
الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى
الْمُحْسِنِينَ (236)
لَا يُعَجِّلُ بِالْعُقُوبَةِ [عَلَى مَنْ
خالف أمره ونهيه] [1] .
[سورة البقرة (2) : آية 236]
لَا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّساءَ مَا لَمْ
تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً
وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى
الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتاعاً بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى
الْمُحْسِنِينَ (236)
وقوله تَعَالَى: لَا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ
النِّساءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ
فَرِيضَةً، أَيْ: ولم تمسوهن ولم تفرضوا.
ع «273» نَزَلَتْ فِي رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ تَزَوَّجَ
امْرَأَةً مِنْ بَنِي حَنِيفَةَ وَلَمْ يُسَمِّ لَهَا مَهْرًا،
ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَمَسَّهَا، فَنَزَلَتْ هَذِهِ
الْآيَةُ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَتِّعْهَا وَلَوْ بِقَلَنْسُوَتِكَ» .
قَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ «مَا لَمْ تَمَاسُّوهُنَّ» ،
بِالْأَلْفِ هَاهُنَا وَفِي الْأَحْزَابِ عَلَى
الْمُفَاعَلَةِ، لِأَنَّ بَدَنَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا
يُلَاقِي بَدَنَ صَاحِبِهِ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: مِنْ
قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا [الْمُجَادَلَةِ: 4] ، وَقَرَأَ
الْبَاقُونَ تَمَسُّوهُنَّ بِلَا أَلِفٍ، لِأَنَّ الْغِشْيَانَ
يَكُونُ من فعل الرجال، دَلِيلُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلَمْ
يَمْسَسْنِي بَشَرٌ [آل عمران: 47] ، أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ
فَرِيضَةً، أَيْ: تُوجِبُوا لَهُنَّ صَدَاقًا، فَإِنْ قِيلَ:
فَمَا الْوَجْهُ فِي نَفْيِ الْجُنَاحِ عَنِ الْمُطَلِّقِ؟
قِيلَ:
الطَّلَاقُ قَطْعُ سبب الوصلة.
«274» م وَجَاءَ فِي الْحَدِيثِ: «أَبْغَضُ الْحَلَالِ إِلَى
اللَّهِ تَعَالَى الطَّلَاقُ» .
فَنَفَى الْجُنَاحَ عَنْهُ إِذَا كَانَ الْفِرَاقُ أَرْوَحَ
مِنَ الْإِمْسَاكِ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ لَا سَبِيلَ
لِلنِّسَاءِ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ
الْمَسِيسِ، وَالْفَرْضِ بِصَدَاقٍ وَلَا نَفَقَةٍ، وَقِيلَ:
لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي تَطْلِيقِهِنَّ قَبْلَ الْمَسِيسِ
فِي أَيِّ وَقْتٍ شِئْتُمْ حَائِضًا كَانَتِ الْمَرْأَةُ أَوْ
طَاهِرًا لِأَنَّهُ لَا سُنَّةَ وَلَا بِدْعَةَ فِي
طَلَاقِهِنَّ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا، بِخِلَافِ الْمَدْخُولِ
بِهَا، فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ تَطْلِيقُهَا فِي حَالِ
الْحَيْضِ، وَمَتِّعُوهُنَّ، أَيْ: أَعْطُوهُنَّ مِنْ
مَالِكُمْ مَا يَتَمَتَّعْنَ بِهِ، وَالْمُتْعَةُ
وَالْمَتَاعُ: مَا يُتَبَلَّغُ بِهِ مِنَ الزَّادِ، عَلَى
الْمُوسِعِ، أَيْ: عَلَى الْغَنِيِّ، قَدَرُهُ وَعَلَى
الْمُقْتِرِ، أَيِ: الْفَقِيرِ، قَدَرُهُ، أَيْ: إِمْكَانُهُ
وَطَاقَتُهُ، قَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ وَابْنُ عَامِرٍ
وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَحَفْصٌ قَدَرُهُ بِفَتْحِ
الدَّالِّ فِيهِمَا، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِسُكُونِهِمَا،
وَهُمَا لُغَتَانِ، وَقِيلَ: الْقَدْرُ بِسُكُونِ الدَّالِ:
الْمَصْدَرُ، وَبِالْفَتْحِ: الِاسْمُ، مَتاعاً نُصِبَ عَلَى
الْمَصْدَرِ، أَيْ: مَتِّعُوهُنَّ، مَتاعاً بِالْمَعْرُوفِ،
أَيْ: بِمَا أَمَرَكُمُ اللَّهُ بِهِ مِنْ غَيْرِ ظُلْمٍ [2] ،
حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ، وَبَيَانُ حُكْمِ الْآيَةِ:
أَنَّ مَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَلَمْ يَفْرِضْ لَهَا
مَهْرًا، ثُمَّ طَلَّقَهَا قبل المسيس يجب عليه الْمُتْعَةُ
بِالِاتِّفَاقِ، وَإِنْ طَلَّقَهَا بَعْدَ الْفَرْضِ قَبْلَ
الْمَسِيسِ فَلَا مُتْعَةَ لَهَا، عَلَى قَوْلِ
الْأَكْثَرِينَ، وَلَهَا نِصْفُ الْمَهْرِ الْمَفْرُوضِ.
وَاخْتَلَفُوا فِي الْمُطَلَّقَةِ بَعْدَ الدُّخُولِ بِهَا
فَذَهَبَ [3] جماعة إلى أنها لَا مُتْعَةَ لَهَا، لِأَنَّهَا
تَسْتَحِقُّ الْمَهْرَ، وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِ الرَّأْيِ،
وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّهَا تَسْتَحِقُّ الْمُتْعَةَ
لِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَلِلْمُطَلَّقاتِ مَتاعٌ بِالْمَعْرُوفِ
__________
273- ع لم أره مسندا. قال الحافظ في «تخريج الكشاف» (10/ 285)
: لم أجده اهـ.
قلت: وذكره القرطبي في تفسيره (3/ 202) وعزاه للثعلبي وهو غير
حجة، والظاهر أنه ساقه بدون إسناد وهو يروي الموضوعات، لا يحتج
بما ينفرد به. حتى إن الواحدي لم يذكره في «أسباب النزول» وكذا
السيوطي وابن كثير.
274- م تقدم برقم 263.
(1) زيادة عن المخطوط.
(2) في المخطوط «خلل» .
(3) في المطبوع «فذهبت» .
(1/319)
[الْبَقَرَةِ: 241] ، وَهُوَ قَوْلُ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ وَمُجَاهِدٌ
وَالْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ،
لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَهَا الْمَهْرَ بِمُقَابَلَةِ مَا أُتْلِفَ
عَلَيْهَا مِنْ منفعة البضع، ولها [1] الْمُتْعَةُ عَلَى
وَحْشَةِ الْفِرَاقِ، فَعَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ لَا
مُتْعَةَ إِلَّا لِوَاحِدَةٍ، وَهِيَ الْمُطَلَّقَةُ قَبْلَ
الْفَرْضِ وَالْمَسِيسِ، وَعَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي: لِكُلِّ
مُطَلَّقَةٍ مُتْعَةٌ إِلَّا لِوَاحِدَةٍ وَهِيَ
الْمُطَلَّقَةُ بَعْدَ الْفَرْضِ قَبْلَ الْمَسِيسِ، قَالَ
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: لِكُلِّ مُطَلَّقَةٍ مُتْعَةٌ
إِلَّا الَّتِي فُرِضَ لَهَا وَلَمْ يَمَسَّهَا زَوْجُهَا،
فَحَسْبُهَا نِصْفُ الْمَهْرِ، قَالَ الزُّهْرِيُّ:
مُتْعَتَانِ يَقْضِي بِإِحْدَاهُمَا السُّلْطَانُ وَلَا يقضي
بالأخرى، بل يلزمه فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى،
فَأَمَّا الَّتِي يَقْضِي بِهَا السُّلْطَانُ فَهِيَ
الْمُطَلَّقَةُ قَبْلَ الْفَرْضِ وَالْمَسِيسِ، وَهُوَ
قَوْلُهُ تَعَالَى: حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ، وَالَّتِي
تَلْزَمُهُ فِيمَا بَيْنَهُ وبين الله تعالى فلا يَقْضِي بِهَا
السُّلْطَانُ، فَهِيَ الْمُطَلَّقَةُ بَعْدَ الْمَسِيسِ،
وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى: حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ،
وَذَهَبَ الْحَسَنُ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ إِلَى أَنَّ
لِكُلِّ مُطَلَّقَةٍ مُتْعَةً سَوَاءٌ كَانَ قَبْلَ الْفَرْضِ
وَالْمَسِيسِ أَوْ بَعْدَ الْفَرْضِ قَبْلَ الْمَسِيسِ
لِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَلِلْمُطَلَّقاتِ مَتاعٌ بِالْمَعْرُوفِ
[الْبَقَرَةِ: 241] ، وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي سُورَةِ
الْأَحْزَابِ: فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَراحاً
جَمِيلًا [الْأَحْزَابِ: 49] ، وَقَالَا: مَعْنَى قَوْلِهِ
تَعَالَى: لَا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّساءَ
مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً،
[أَيْ: أَوْ لَمْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً] [2] ، وَقَالَ
بَعْضُهُمْ: الْمُتْعَةُ غَيْرُ وَاجِبَةٍ وَالْأَمْرُ بِهَا
أَمْرُ ندب واستحباب.
روي أَنَّ رَجُلًا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَقَدْ دَخَلَ بِهَا
فَخَاصَمَتْهُ إِلَى شُرَيْحٍ فِي الْمُتْعَةِ، فَقَالَ
شُرَيْحٌ: لَا تَأْبَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ وَلَا
تَأْبَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُتَّقِينَ، وَلَمْ يُجْبِرْهُ
عَلَى ذَلِكَ، وَاخْتَلَفُوا فِي قَدْرِ الْمُتْعَةِ، فَرُوِيَ
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَعْلَاهَا خَادِمٌ، وَأَوْسَطُهَا
ثَلَاثَةُ أَثْوَابٍ: دِرْعٌ وَخِمَارٌ وَإِزَارٌ، وَدُونَ
ذَلِكَ وِقَايَةٌ، أَوْ شَيْءٌ مِنَ الْوَرِقِ، وَبِهِ قَالَ
الشَّعْبِيُّ وَالزُّهْرِيُّ وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ،
قال: أَعْلَاهَا عَلَى الْمُوسِعِ: خَادِمٌ، وَأَوْسَطُهَا:
ثَوْبٌ، وَأَقَلُّهَا: [أَقَلُّ] [3] مَا لَهُ ثَمَنٌ وَحَسُنَ
ثَلَاثُونَ دِرْهَمًا، وَطَلَّقَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ
عَوْفٍ امْرَأَتَهُ وتممها [4] بجارية سَوْدَاءَ، أَيْ:
مَتَّعَهَا، وَمَتَّعَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ امْرَأَةً لَهُ بِعَشَرَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ، فَقَالَتْ:
مَتَاعٌ قَلِيلٌ مِنْ حَبِيبٍ مُفَارِقٍ، وَقَالَ أَبُو
حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ: مَبْلَغُهَا إِذَا اخْتَلَفَ
الزَّوْجَانِ قَدْرُ نِصْفِ مَهْرِ مِثْلِهَا لَا يُجَاوَزُ.
وَالْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يُعْتَبَرُ حَالُ الزَّوْجِ
فِي الْعُسْرِ وَالْيُسْرِ، وَمِنْ حُكْمِ الْآيَةِ أَنَّ مَنْ
تَزَوَّجَ امْرَأَةً بَالِغَةً بِرِضَاهَا عَلَى غَيْرِ مَهْرٍ
يَصِحُّ النِّكَاحُ، وَلِلْمَرْأَةِ مُطَالَبَتُهُ بِأَنْ
يَفْرِضَ لَهَا صَدَاقًا، فَإِنْ دَخَلَ بِهَا قَبْلَ
الْفَرْضِ فَلَهَا عَلَيْهِ مَهْرُ مِثْلِهَا، وَإِنْ
طَلَّقَهَا قَبْلَ الْفَرْضِ وَالدُّخُولِ فَلَهَا
الْمُتْعَةُ، وَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا قبل الفرض والدخول،
فاختلف أَهْلُ الْعِلْمِ فِي أَنَّهَا هَلْ تَسْتَحِقُّ
الْمَهْرَ أَمْ لَا؟ فَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّهُ لَا
مَهْرَ لَهَا، وَهُوَ قَوْلُ عَلَيٍّ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ
[وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ] [5] وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ
عَبَّاسٍ، كَمَا لَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الْفَرْضِ
وَالدُّخُولِ، وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ لَهَا الْمَهْرَ
لِأَنَّ الْمَوْتَ كَالدُّخُولِ في تقرير المسمى، فكذلك فِي
إِيجَابِ مَهْرِ الْمِثْلِ إِذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْعَقْدِ
مُسَمًّى، وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ
واحتجّوا بما:
ع «274» رُوِيَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ
سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَلَمْ يَفْرِضْ لَهَا
صداقا ولم
__________
274- ع صحيح. أخرجه أبو داود 2115 والترمذي 1145 والنسائي (6/
121) والدارمي 2164 وابن ماجه 1891 وأحمد (4/ 279) من طرق عَنْ
عَلْقَمَةَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ به، وإسناده صحيح، وصححه
البيهقي (7/ 245) ، وقال الترمذي:
حسن صحيح. وكرره أبو داود 2114 والنسائي (6/ 122) وابن ماجه
(1891) والحاكم (2/ 180) ، وصححه،
(1) في المطبوع «فلها» .
(2) زيد في المطبوع.
(3) سقط من المطبوع.
(4) في المطبوع «وجمعها» والمثبت عن المخطوطتين.
(5) زيد في المطبوع.
(1/320)
وَإِنْ
طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ
فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا
أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ
النِّكَاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلَا
تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا
تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (237)
يَدْخُلْ بِهَا حَتَّى مَاتَ، فَقَالَ
ابْنُ مَسْعُودٍ: لَهَا صَدَاقُ نِسَائِهَا وَلَا وَكْسَ [1]
وَلَا شَطَطَ، وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ وَلَهَا الْمِيرَاثُ،
فَقَامَ مَعْقِلُ بْنُ سِنَانٍ الْأَشْجَعِيُّ فَقَالَ: قَضَى
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي
بَرْوَعَ بِنْتِ وَاشِقٍ امْرَأَةٍ مِنَّا مِثْلَ مَا قَضَيْتَ
فَفَرِحَ بِهَا ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: فَإِنْ ثَبَتَ
حَدِيثُ بَرْوَعَ بِنْتِ وَاشِقٍ فَلَا حُجَّةَ فِي قَوْلِ
أَحَدٍ دُونَ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ فَلَا مَهْرَ لَهَا وَلَهَا
الْمِيرَاثُ، وَكَانَ عَلِيٌّ يَقُولُ فِي حَدِيثِ بَرْوَعَ:
لَا يُقْبَلُ قَوْلُ أَعْرَابِيٍّ مِنْ أَشْجَعَ عَلَى
[كِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] [2] .
[سُورَةَ البقرة (2) : آية 237]
وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ
وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ
إِلاَّ أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ
عُقْدَةُ النِّكاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوى وَلا
تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِما
تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (237)
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ
أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً
فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ، هَذَا فِي الْمُطَلَّقَةِ بَعْدَ
الْفَرْضِ قَبْلَ الْمَسِيسِ، فَلَهَا نِصْفُ الْمَفْرُوضِ
وَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْمَسِيسِ فَلَهَا كَمَالُ
الْمَهْرِ الْمَفْرُوضِ، وَالْمُرَادُ بِالْمَسِّ الْمَذْكُورِ
فِي الْآيَةِ: الْجِمَاعُ.
وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِيمَا لَوْ خَلَا الرَّجُلُ
بِامْرَأَتِهِ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا،
فَذَهَبَ جَمَاعَةٌ [3] إِلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ لَهَا إِلَّا
نِصْفُ الصَّدَاقِ وَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا، لِأَنَّ اللَّهَ
تَعَالَى أَوْجَبَ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الْمَسِيسِ نِصْفَ
الْمَهْرِ [4] وَلَمْ يُوجِبِ الْعِدَّةَ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ
عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَبِهِ
قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَقَالَ قَوْمٌ: يَجِبُ
لَهَا كَمَالُ الْمَهْرِ وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ، لِمَا رُوِيَ
عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: إِذَا
أُرْخِيَتِ السُّتُورُ فَقَدْ وَجَبَ الصَّدَاقُ، وَمِثْلُهُ
عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، وَحَمَلَ بَعْضُهُمْ قَوْلَ عُمَرَ
عَلَى وُجُوبِ تَسْلِيمِ الصَّدَاقِ إِلَيْهَا إِذَا سَلَّمَتْ
نَفْسَهَا، لَا عَلَى تَقْدِيرِ [5] الصَّدَاقِ.
وَقِيلَ: هَذِهِ الْآيَةُ نَاسِخَةٌ لِلْآيَةِ الَّتِي في
الْأَحْزَابِ: فَما لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ
تَعْتَدُّونَها فَمَتِّعُوهُنَّ [الْأَحْزَابِ: 49] ، فَقَدْ
كَانَ لِلْمُطَلَّقَةِ قَبْلَ الْمَسِيسِ مَتَاعٌ فَنُسِخَتْ
بِهَذِهِ الْآيَةِ وَأَوْجَبَ لِلْمُطَلَّقَةِ الْمَفْرُوضَ
لَهَا قَبْلَ الْمَسِيسِ نِصْفَ الْمَفْرُوضِ، وَلَا مَتَاعَ
لَهَا. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ
فَرِيضَةً، أَيْ: سَمَّيْتُمْ لَهُنَّ مَهْرًا فَنِصْفُ مَا
فَرَضْتُمْ، أَيْ: لَهَا نِصْفُ الْمَهْرِ الْمُسَمَّى، إِلَّا
أَنْ يَعْفُونَ، يَعْنِي: النِّسَاءَ، أَيْ: إِلَّا أَنْ
تَتْرُكَ الْمَرْأَةُ نَصِيبَهَا فَيَعُودُ جَمِيعُ الصَّدَاقِ
إِلَى الزَّوْجِ، قَوْلُهُ تَعَالَى: أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي
بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ، اخْتَلَفُوا فِيهِ فَذَهَبَ
بَعْضُهُمْ: إِلَى أَنَّ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ
هُوَ الْوَلِيُّ، وَبِهِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ، مَعْنَاهُ: إِلَّا أَنْ [6] تَعْفُوَ الْمَرْأَةُ
بِتَرْكِ نَصِيبِهَا إِلَى الزَّوْجِ إِنْ كَانَتْ ثَيِّبًا
مِنْ أَهْلِ الْعَفْوِ أَوْ يَعْفُو وَلِيُّهَا، فَيَتْرُكُ
نَصِيبَهَا إِنْ كَانَتِ الْمَرْأَةُ بِكْرًا، أَوْ غَيْرَ
جَائِزَةِ العفو فَيَجُوزُ عَفْوُ وَلِيِّهَا، وَهُوَ قَوْلُ
عَلْقَمَةَ وَعَطَاءٍ وَالْحَسَنِ وَالزُّهْرِيِّ وَرَبِيعَةَ،
وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّهُ إِنَّمَا يَجُوزُ عَفْوُ
الْوَلِيِّ إِذَا كَانَتِ الْمَرْأَةُ بِكْرًا، فَإِنْ كَانَتْ
ثَيِّبًا فَلَا يَجُوزُ عَفْوُ وَلِيِّهَا، وَقَالَ
بَعْضُهُمْ: الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ هُوَ
الزَّوْجُ، وَهُوَ قَوْلُ عَلِيٍّ، وَبِهِ قَالَ سَعِيدُ بْنُ
الْمُسَيَّبِ
__________
ووافقه الذهبي.
(1) الوكس: النقص والتنقيص- واشتط في سلعته سقطا: جاوز القدر
المحدود وأبعد عن الحق.
(2) زيادة عن المخطوط وط. [.....]
(3) في المطبوع «قوم» .
(4) في المطبوع «الصداق» .
(5) في المخطوط «تقرير» .
(6) في المطبوع «أن لا» .
(1/321)
حَافِظُوا عَلَى
الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ
قَانِتِينَ (238)
وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَالشَّعْبِيِّ
وَشُرَيْحٍ [1] وَمُجَاهِدٍ وَقَتَادَةَ، وَقَالُوا: لَا
يَجُوزُ لوليّها ترك شيء [2] من صداقها [3] بِكْرًا كَانَتْ
أَوْ ثَيِّبًا كَمَا لَا يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ قَبْلَ الطلاق
بالاتفاق، كما لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَهَبَ شَيْئًا مِنْ
مَالِهَا، وَقَالُوا: مَعْنَى الْآيَةِ [إِلَّا أَنْ] [4]
تَعْفُوَ الْمَرْأَةُ بِتَرْكِ نَصِيبِهَا فَيَعُودُ جَمِيعُ
الصَّدَاقِ إِلَى الزَّوْجِ، أَوْ يَعْفُو الزَّوْجُ بِتَرْكِ
نَصِيبِهِ فَيَكُونُ لَهَا جَمِيعُ الصَّدَاقِ، فَعَلَى هَذَا
التَّأْوِيلِ وَجْهُ الْآيَةِ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ
النِّكَاحِ نِكَاحِ نَفْسِهِ فِي كُلِّ حَالٍ قَبْلَ
الطَّلَاقِ أَوْ بَعْدَهُ، وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ
لِلتَّقْوى، [مَوْضِعُهُ رَفْعٌ بالابتداء، أي: والعفو
أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى] [5] ، أَيْ إِلَى التَّقْوَى،
وَالْخِطَابُ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ جَمِيعًا، لِأَنَّ
الْمُذَكَّرَ وَالْمُؤَنَّثَ إِذَا اجْتَمَعَا، كَانَتِ
الْغَلَبَةُ لِلْمُذَكَّرِ، مَعْنَاهُ: وَعَفْوُ بَعْضِكُمْ
عَنْ بَعْضٍ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى، وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ
بَيْنَكُمْ، أَيْ:
إِفْضَالَ بعضهم عَلَى بَعْضٍ بِإِعْطَاءِ الرَّجُلِ تَمَامَ
الصَّدَاقِ أَوْ تَرْكِ الْمَرْأَةِ نَصِيبَهَا، حثّهما جميعا
على الإحسان، [لأنه من شيم الأخلاق] [6] ، إِنَّ اللَّهَ بِما
تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ.
[سورة البقرة (2) : آية 238]
حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى وَقُومُوا
لِلَّهِ قانِتِينَ (238)
قَوْلُهُ تَعَالَى: حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ
الْوُسْطى، أَيْ: وَاظِبُوا وَدَاوِمُوا على الصلوات المكتوبات
لمواقيتها [7] وحدودها، وإتمام [شروطها و] [8] أركانها، ثم خصّ
[الله تعالى] [9] مِنْ بَيْنِهَا الصَّلَاةَ الْوُسْطَى
بِالْمُحَافَظَةِ عليها دلالة على فضلها، وسطى تَأْنِيثُ
الْأَوْسَطِ، وَوَسَطُ الشَّيْءِ: خَيْرُهُ وَأَعْدَلُهُ،
وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ مِنَ الصَّحَابَةِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ
فِي الصَّلَاةِ الْوُسْطَى، فَقَالَ قَوْمٌ: هِيَ صَلَاةُ
الْفَجْرِ، وَهُوَ قَوْلُ عُمْرَ وَابْنِ عُمَرَ وَابْنِ
عَبَّاسٍ وَمُعَاذٍ وَجَابِرٍ، وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ
وَعِكْرِمَةُ وَمُجَاهِدٌ، وَإِلَيْهِ ذهب [10] مَالِكٌ
وَالشَّافِعِيُّ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: وَقُومُوا
لِلَّهِ قانِتِينَ، وَالْقُنُوتُ: طُولُ الْقِيَامِ، وَصَلَاةُ
الصُّبْحِ مَخْصُوصَةٌ بطول القيام وبالقنوت، ولأن اللَّهَ
تَعَالَى خَصَّهَا فِي آيَةٍ أُخْرَى مِنْ بَيْنِ الصَّلَوَاتِ
[11] ، فَقَالَ الله تعالى: وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ
الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً [الإسراء: 78] ، يعني: يشهدها
مَلَائِكَةُ اللَّيْلِ وَمَلَائِكَةُ النَّهَارِ فَهِيَ
مَكْتُوبَةٌ فِي دِيوَانِ اللَّيْلِ وَدِيوَانِ النَّهَارِ،
وَلِأَنَّهَا بَيْنَ صَلَاتَيْ جَمْعٍ، وَهِيَ لَا تُقْصَرُ
وَلَا تُجْمَعُ إِلَى غَيْرِهَا، وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى
أَنَّهَا صَلَاةُ الظُّهْرِ، وَهُوَ قَوْلُ زَيْدِ بْنِ
ثَابِتٍ وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَأُسَامَةَ بْنِ
زَيْدٍ، لِأَنَّهَا فِي وَسَطِ النَّهَارِ وَهِيَ أَوْسَطُ
صلوات [12] النَّهَارِ فِي الطُّولِ.
«275» أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَخْبَرَنَا
الْقَاسِمُ بْنُ جَعْفَرٍ الْهَاشِمِيُّ، أَنَا أَبُو علي
اللؤلؤي [13] أنا أبو
__________
275- إسناده صحيح، أبو داود هو سليمان بن الأشعث صاحب السنن،
ومن دونه ثقات وقد توبعوا، ومن فوقه ثقات، شعبة هو ابن الحجاج،
الزّبرقان هو ابن عمرو بن أمية الضمري.
وهو عند المصنف في «شرح السنة» 390 بهذا الإسناد.
- وأخرجه أبو داود 411 وأحمد (2/ 183) والبخاري في «التاريخ
الكبير» (3/ 434) والطبري 5462 والبيهقي (1/ 458) من طرق عن
شعبة بهذا الإسناد.
(1) تحرف في المطبوع إلى «الشريحي» .
(2) في المطبوع «الشيء» .
(3) في المطبوع «الصداق» .
(4) في المطبوع «أن لا» .
(5) زيادة في المطبوع.
(6) زيادة من المخطوط.
(7) في المطبوع «بمواقيتها» .
8 زيادة عن المخطوط.
9 زيادة عن المخطوط. [.....]
(10) في المطبوع «مال» .
(11) في المطبوع «الصلاة» .
(12) في المطبوع «صلاة» .
(13) في الأصل «اللولوي» .
(1/322)
دَاوُدَ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى
أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، أَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنِي
عَمْرُو بْنُ أَبِي حَكِيمٍ قَالَ: سَمِعْتُ الزِّبْرِقَانَ
[1] يُحَدِّثُ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ زيد بن
ثابت قَالَ:
كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يُصَلِّي الظُّهْرَ بِالْهَاجِرَةِ وَلَمْ يَكُنْ يُصَلِّي
صَلَاةً أَشَدَّ عَلَى أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهَا، فَنَزَلَتْ: حافِظُوا عَلَى
الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى.
وَذَهَبَ الْأَكْثَرُونَ إِلَى أَنَّهَا صَلَاةُ الْعَصْرِ،
رَوَاهُ جَمَاعَةٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ قَوْلُ عَلَيٍّ وَعَبْدِ اللَّهِ
بْنِ مَسْعُودٍ وَأَبِي أَيُّوبَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ
وَعَائِشَةَ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ، وَبِهِ قَالَ
إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ وَقَتَادَةُ وَالْحَسَنُ.
«276» أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ السَّرَخْسِيُّ [2]
أَخْبَرَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ أَخْبَرَنَا أَبُو
إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنَا أَبُو مُصْعَبٍ عَنْ مَالِكٍ
عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنِ الْقَعْقَاعِ بْنِ حَكِيمٍ
عَنْ أَبِي يُونُسَ مَوْلَى عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ قَالَ:
أَمَرَتْنِي عَائِشَةُ أَنْ أَكْتُبَ لَهَا مُصْحَفًا
وَقَالَتْ: إِذَا بَلَغْتَ هَذِهِ الْآيَةَ فَآذِنِّي [3]
حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى، فَلَمَّا
بَلَغْتُهَا آذَنْتُهَا فَأَمْلَتْ عَلَيَّ حافِظُوا عَلَى
الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى. صَلَاةِ الْعَصْرِ.
وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ، قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهَا: سَمِعْتُهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَعَنْ حَفْصَةَ مِثْلُ ذَلِكَ:
«277» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ
الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ
مُحَمَّدِ بْنِ سمعان، أنا أبو جعفر
__________
(1) وقع في الأصل «الزبير» وهو تصحيف والتصويب من «شرح السنة»
وكتب التخريج.
276- إسناده صحيح، أبو إسحق فمن دونه ثقات، وقد توبعوا، ومن
فوقه رجال الصحيح. أبو يونس مولى عائشة مشهور بكنيته، وهو
والقعقاع من رجال مسلم.
- هو عند المصنف في «شرح السنة» 387 بهذا الإسناد.
- وعند مالك (1/ 138) من طريق زيد به.
ومن طريق مالك أخرجه مسلم 629 وأبو داود 410 والترمذي 2982
والنسائي في «التفسير» 66.
- وأخرجه مالك (1/ 138- 139) وأحمد (6/ 73 و178) والطحاوي في
«المعاني» (1/ 172) وابن أبي داود في «المصاحف» (ص 84)
والبيهقي (1/ 462) من طريق زيد بن أسلم به.
- وأخرجه الطبري (5470) من طريق زيد بن أسلم أنه بلغه عن أبي
يونس عن عائشة به.
- وورد من حديث حفصة.
أخرجه مالك (1/ 139) والطحاوي (1/ 172) وابن أبي داود (ص 96-
97) وابن حبان 6323 والمزي في «تهذيب الكمال» والبيهقي (1/
463) والطبري (5465) و (5466) .
(2) في «شرح السنة» «الشيرزي» بدل «السرخسي» .
(3) في الأصل «فأذنّي» وهو تصحيف.
277- حديث صحيح. إسناده حسن لأجل عاصم بن أبي النّجود، واسم
أبي النجود، بهدلة، ولم ينفرد به بل توبع، وباقي الإسناد ثقات،
أبو نعيم هو الفضل بن دكين، وسفيان هو ابن سعيد الثوري،
وعبيدة- بفتح العين مكبر- هو ابن عمرو السلماني.
- وهو عند المصنف في «شرح السنة» 308 بهذا الإسناد.
- وأخرجه الطبري 5426 والبيهقي (1/ 460) من طريق سفيان به.
- وأخرجه ابن ماجه 684 وعبد الرزاق 2192 والطيالسي 164 وأحمد
(1/ 150) والطبري 5431 والطحاوي في «المعاني» (1/ 173) و (174)
من طرق عن عاصم بن أبي النجود به.
(1/323)
الرَّيَانِيُّ أَنَا حُمَيْدُ بْنُ
زَنْجَوَيْهِ، أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ أَنَا سُفْيَانُ
عَنْ عَاصِمِ بْنِ أَبِي النَّجُودِ عَنْ زِرِّ [1] بْنِ
حُبَيْشٍ قَالَ:
قُلْنَا لِعُبَيْدَةَ: سَلْ عَلِيًّا عَنِ الصلاة الوسطى،
فسأله، قال: كُنَّا نَرَى أَنَّهَا صَلَاةَ الْفَجْرِ حَتَّى
سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يَقُولُ يَوْمَ الْخَنْدَقِ: «شَغَلُونَا عَنِ الصَّلَاةِ
الْوُسْطَى، صَلَاةِ الْعَصْرِ، مَلَأَ اللَّهُ أَجْوَافَهُمْ
وقبورهم نارا» .
ولأنها بين صَلَاتَيْ نَهَارٍ وَصَلَاتَيْ لَيْلٍ، وَقَدْ
خَصَّهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
بِالتَّغْلِيظِ [2] :
27»
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ
بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ
بْنُ يُوسُفَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَنَا
مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَنَا هِشَامٌ [أَنَا] [3]
يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَبِي
الْمَلِيحِ قَالَ:
كُنَّا مَعَ بُرَيْدَةَ فِي غَزْوَةٍ فِي يَوْمٍ ذِي غَيْمٍ،
فَقَالَ: بَكِّرُوا بِصَلَاةِ الْعَصْرِ فَإِنَّ النَّبِيَّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ تَرَكَ
صَلَاةَ الْعَصْرِ [فَقَدْ] [4] حَبِطَ عَمَلُهُ» .
وَقَالَ قَبِيصَةُ بْنُ ذُؤَيْبٍ: هِيَ صَلَاةُ الْمَغْرِبِ
لِأَنَّهَا وَسَطٌ لَيْسَ بأقلها ولا بأكثرها، [وقال بعضهم:
إنها صلاة العشاء] [5] ، وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْ [أَحَدٍ مِنَ]
[6] السلف فيها شيء، وَإِنَّمَا ذَكَرَهَا بَعْضُ
الْمُتَأَخِّرِينَ لِأَنَّهَا بَيْنَ صَلَاتَيْنِ لَا
تُقْصَرَانِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هِيَ إِحْدَى الصَّلَوَاتِ
الْخَمْسِ لَا بِعَيْنِهَا أَبْهَمَهَا اللَّهُ تَعَالَى
تحريضا للعباد
__________
- وأخرجه البخاري (2931) و (4111) و (4533) و (6396) ومسلم
(627) وأبو داود (409) وأحمد (1/ 122) والدارمي (1/ 280) من
طريق هشام بن حسان عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ عبيدة
السلماني عن علي به.
- وأخرجه مسلم (627) ح/ 203 والترمذي 2984 والنسائي (1/ 236)
وأحمد (1/ 135) و (37) و (153) و (154) والطبري (5425) و
(5432) من طرق عن أبي حسان عن عبيدة به.
- وأخرجه مسلم (627) ح/ 205 وعبد الرزاق (2194) وأحمد (1/ 81
و82 و113 و126 و146) والطبري (5427) و (5429) والبيهقي (1/
460) و (2/ 220) من طرق عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي الضُّحَى
مسلم بن صبيح عن شتير بن شكل عن علي به.
- وورد من حديث ابن مسعود. أخرجه مسلم 628 والترمذي (181) و
(2985) والطيالسي (366) وأحمد (1/ 392) و (403) و (404) و
(456) والطبري (5433) والطحاوي (1/ 174) والبيهقي (1/ 461) من
طريق محمد بن طلحة عن زبيد بن الحارث، عن مرة بن شراحيل عن ابن
مسعود.
278- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم، هشام هو ابن سنبر
الدّستوائي، أبو قلابة هو عبد الله بن مرثد، أبو المليح هو ابن
أسامة بن عمير. قيل: اسمه عامر، وقيل: زيد، وقيل: زياد.
هو عند المصنف في «شرح السنة» 370 بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري 553 من طريق مسلم بن إبراهيم به.
- وأخرجه البخاري 594 وابن ماجه 694 والنسائي (1/ 155) وأحمد
(5/ 349) و (350) و (361) وابن حبان (1463) و (1470) وابن أبي
شيبة في «المصنف» (1/ 342 و343) وفي «الإيمان» 49 وابن نصر
المروزي في «تعظيم قدر الصلاة» (902- 905) والبيهقي (1/ 444)
من طرق عن يحيى بن أبي كثير به.
(1) في الأصل «ذر» وهو تصحيف.
(2) زيد في المخطوط «بالإيمان في وقتها» .
(3) ما بين المعقوفتين سقط من الأصل. [.....]
(4) زيد في نسخ المطبوع وهو في «صحيح البخاري» ، وليس هو في
المخطوط و «شرح السنة» .
(5) زيد في نسخ المطبوع.
(6) زيادة عن المخطوط.
(1/324)
عَلَى [1] الْمُحَافَظَةِ عَلَى أَدَاءِ
جَمِيعِهَا، كَمَا أَخْفَى لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي شَهْرِ
رَمَضَانَ، وَسَاعَةَ إِجَابَةِ الدَّعْوَةِ في يوم الجمعة،
وأخفى اسمه [2] الْأَعْظَمَ فِي الْأَسْمَاءِ [3]
لِيُحَافِظُوا عَلَى جَمِيعِهَا. قَوْلُهُ تَعَالَى: وَقُومُوا
لِلَّهِ قانِتِينَ، أَيْ: مُطِيعِينَ، قَالَ الشَّعْبِيُّ
وَعَطَاءٌ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَالْحَسَنُ وقتادة وطاوس:
وَالْقُنُوتُ: الطَّاعَةُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: أُمَّةً
قانِتاً لِلَّهِ [النَّحْلِ: 120] ، أَيْ: مُطِيعًا، وَقَالَ
الْكَلْبِيُّ وَمُقَاتِلٌ: لِكُلِّ أَهْلِ دِينٍ صَلَاةٌ
يَقُومُونَ فِيهَا عَاصِينَ، فَقُومُوا أَنْتُمْ لِلَّهِ فِي
صَلَاتِكُمْ مُطِيعِينَ، وَقِيلَ: الْقُنُوتُ السُّكُوتُ
عَمَّا لَا يَجُوزُ التَّكَلُّمُ بِهِ فِي الصَّلَاةِ.
«279» أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ سَعِيدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ
الضَّبِّيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ
مُحَمَّدٍ الْجِرَاحِيُّ، أَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ
بْنُ أَحْمَدَ الْمَحْبُوبِيُّ، أَنَا أَبُو عِيسَى
التِّرْمِذِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ، أَنَا هُشَيْمٌ
أَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ عَنِ الْحَارِثِ بْنِ
شُبَيْلٍ [4] عَنْ أَبِي عَمْرٍو الشَّيْبَانِيِّ عَنْ زَيْدِ
بْنِ أَرْقَمَ، قَالَ:
كُنَّا نَتَكَلَّمُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصَّلَاةِ يُكَلِّمُ الرَّجُلُ مِنَّا
صَاحِبَهُ إِلَى جَنْبِهِ، حَتَّى نَزَلَتْ وَقُومُوا لِلَّهِ
قانِتِينَ، فَأُمِرْنَا بِالسُّكُوتِ وَنُهِينَا عَنِ
الْكَلَامِ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: خَاشِعِينَ، وَقَالَ: مِنَ الْقُنُوتِ
طُولُ الرُّكُوعِ، وَغَضُّ البصر، والركود وخفض الجناح وكان
العلماء إذا كان أَحَدُهُمْ يُصَلِّي يَهَابُ الرَّحْمَنَ أَنْ
يَلْتَفِتَ أَوْ يَقْلِبَ الْحَصَى أَوْ يَعْبَثَ بِشَيْءٍ
أَوْ يُحَدِّثَ نَفْسَهُ بِشَيْءٍ مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا
إِلَّا نَاسِيًا، وَقِيلَ: الْمُرَادُ مِنَ الْقُنُوتِ طُولُ
الْقِيَامِ.
«280» أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ أَنَا أَبُو
مُحَمَّدٍ الْجِرَاحِيُّ أَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ
الْمَحْبُوبِيُّ أَنَا أبو عيسى الترمذي،
__________
279- إسناده على شرط البخاري ومسلم، أبو عيسى الترمذي هو صاحب
السنن محمد بن عيسى، ومن دونه ثقات، وقد توبعوا، ومن فوقه رجال
البخاري ومسلم، هشيم هو ابن بشير، أبو عمرو الشيباني هو سعد بن
إياس.
- هو في «شرح السنة» 723 بهذا الإسناد.
- وعند الترمذي 405 عن أحمد بن منيع به.
- وأخرجه البخاري 4534 ومسلم 539 وأبو داود 949 والترمذي 2986
و5524 والنسائي (3/ 18) وابن خزيمة 856 وابن حبان 2245 و2246
و2250 والطبري 5527 والطبراني 5063 و5064 والبيهقي (2/ 248) من
طرق عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ به.
280- إسناده صحيح على شرط مسلم، ابن أبي عمر هو محمد بن يحيى،
أبو الزبير هو محمد بن مسلم بن تدرس- بفتح التاء-.
- وهو في «شرح السنة» 660 بهذا الإسناد.
- وعند الترمذي 387 بهذا الإسناد.
- وأخرجه مسلم 756 وابن ماجه 1421 والطيالسي 1777 والحميدي
1276 وأحمد (3/ 302) و (314) و (391) وابن نصر المروزي في
«تعظيم قدر الصلاة» (309- 311) وابن حبان 1758 والبيهقي (3/ 8)
والبغوي في «شرح السنة» 661 من طرق من حديث جابر.
وله شاهد من حديث عمرو بن عبسة أخرجه أحمد (4/ 385) وابن نصر
(308) وفي إسناده محمد بن ذكوان، وهو ضعيف كما في «التقريب» .
- ومن حديث عبد الله بن حبشي أخرجه أبو داود (1325) و (1449)
والنسائي (5/ 58) وابن نصر المروزي في «تعظيم قدر الصلاة» 307
وأحمد (2/ 411) و (412) والدارمي (1/ 331) والبيهقي (3/ 9) .
(1) في المخطوط «في» .
(2) في المطبوع «الاسم» .
(3) زيد في المخطوط «والرجل الصالح في الخلق» وهذه الزيادة لا
تتناسب والعبارة الآتية.
(4) في الأصل «سقيل» وهو تصحيف.
(1/325)
فَإِنْ خِفْتُمْ
فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا
اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ
(239)
أَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ أَنَا سُفْيَانُ
بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ أَبِي [1] الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ
قَالَ: قِيلَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
أَيُّ الصَّلَاةِ أَفْضَلُ؟
قَالَ: «طُولُ الْقُنُوتِ» .
وَقِيلَ: قَانِتِينَ، أَيْ: دَاعِينَ، دليله ما:
ع «281» رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا
قَالَ: قَنَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ شَهْرًا مُتَتَابِعًا يَدْعُو عَلَى أَحْيَاءٍ من
بني سُلَيْمٍ عَلَى رِعْلٍ وَذَكْوَانَ وَعُصَيَّةَ.
وقيل: معناه مصلّين كقوله [2] تَعَالَى: أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ
آناءَ اللَّيْلِ [الزمر: 9] ، أي: مصلّ.
[سورة البقرة (2) : آية 239]
فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجالاً أَوْ رُكْباناً فَإِذا أَمِنْتُمْ
فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَما عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا
تَعْلَمُونَ (239)
قَوْلُهُ تَعَالَى: فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجالًا أَوْ رُكْباناً،
فَرِجَالًا أَيْ: رَجَّالَةً، يُقَالُ: رَاجِلٌ وَرِجَالٌ،
مِثْلُ صَاحِبٍ وَصِحَابٍ، وَقَائِمٍ وَقِيَامٍ، وَنَائِمٍ
وَنِيَامٍ، أَوْ رُكْبَانًا عَلَى دَوَابِّهِمْ، وَهُوَ جَمْعُ
رَاكِبٍ، مَعْنَاهُ: إِنْ لَمْ يُمْكِنْكُمْ أَنْ تُصَلُّوا
قَانِتِينَ مُوَفِّينَ لِلصَّلَاةِ حَقَّهَا لِخَوْفٍ،
فَصَلُّوا مُشَاةً عَلَى أَرْجُلِكُمْ أَوْ رُكْبَانًا عَلَى
ظُهُورِ دَوَابِّكُمْ، وَهَذَا فِي حَالِ الْمُقَاتَلَةِ
وَالْمُسَايَفَةِ [3] يُصَلِّي حَيْثُ كَانَ وَجْهُهُ،
رَاجِلًا أَوْ رَاكِبًا مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ، وَغَيْرَ
مُسْتَقْبَلِهَا، وَيُومِئُ بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ،
وَيَجْعَلُ السُّجُودَ أَخْفَضَ مِنَ الرُّكُوعِ، وَكَذَلِكَ
إِذَا قَصَدَهُ سَبُعٌ أَوْ غَشِيَهُ سَيْلٌ [4] يَخَافُ
مِنْهُ عَلَى نَفْسِهِ فَعَدَا [5] أَمَامَهُ مُصَلِّيًا
بِالْإِيمَاءِ يَجُوزُ، وَالصَّلَاةُ فِي حَالِ الْخَوْفِ
عَلَى أَقْسَامٍ، [فَهَذِهِ صَلَاةُ شِدَّةِ الْخَوْفِ] [6] ،
وَسَائِرُ الْأَقْسَامِ سَيَأْتِي بَيَانُهَا فِي سُورَةِ
النِّسَاءِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَلَا يُنْتَقَصُ [7]
عَدَدُ الرَّكَعَاتِ بِالْخَوْفِ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ
الْعِلْمِ.
ع «282» وَرَوَى مُجَاهِدٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمَا قَالَ: فَرَضَ اللَّهُ الصَّلَاةَ عَلَى لِسَانِ
نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي
__________
281- ع صحيح. أخرجه أبو داود 1443 وأحمد (1/ 301- 302) وابن
الجارود في «المنتقى» 198 وابن نصر في «قيام الليل» 137
والحاكم (1/ 225) والبيهقي (2/ 200) من طريق ثَابِتُ بْنُ
يَزِيدَ عَنْ هِلَالِ بْنِ خَبَّابٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابن
عباس به.
وصححه الحاكم على شرط البخاري، ووافقه الذهبي مع أن هلال بن
خباب لم يخرج له البخاري. وقد اختلف فيه.
- لكن له شاهد من حديث أنس أخرجه البخاري 1003 و4094 ومسلم 677
والنسائي (2/ 200) وأحمد (3/ 116) وأبو عوانة (2/ 186) وابن
حبان 1973 والبيهقي (2/ 244) من طرق عَنْ سُلَيْمَانَ
التَّيْمِيِّ عَنْ أَبِي مجلز عنه.
- وأخرجه البخاري (2814) و (4091) و (4095) وأحمد (3/ 215) و
(289) وأبو عوانة (2/ 286) والدارمي (1/ 374) والطحاوي (1/
244) من طرق عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي
طَلْحَةَ عَنْ أَنَسٍ به.
282- ع صحيح. هو عند المصنف في «شرح السنة» 1017 مسندا.
- وأخرجه مسلم 687 وأبو داود 1247 والنسائي (3/ 118- 119) و
(168- 169) وابن أبي شيبة (2/ 464) وأحمد (1/ 237 و243 و254)
وابن خزيمة 1346 والطحاوي (1/ 309) وابن حبان 2868 والطبراني
(11/ 11041 و11042) والطبري (10338) و (10339) والبيهقي (3/
135) من طرق عن بكير بن الأخنس عَنْ مُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ به وانظر
(1) وقع في الأصل «ابن» وهو تصحيف.
(2) في المطبوع «لقوله» .
(3) في المطبوع «المسايفة» . [.....]
(4) في المخطوط «شيء» .
(5) في المخطوط «قعد» .
(6) العبارة في المطبوع [فهذه أحد أقسام شدة صلاة الخوف] .
(7) في المخطوط «تنقص» .
(1/326)
وَالَّذِينَ
يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً
لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ
فَإِنْ خَرَجْنَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ
فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ
(240) وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى
الْمُتَّقِينَ (241) كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ
آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (242) أَلَمْ تَرَ إِلَى
الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ
الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ
إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ
النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ (243)
الْحَضَرِ أَرْبَعًا وَفِي السَّفَرِ
رَكْعَتَيْنِ، وَفِي الْخَوْفِ رَكْعَةً.
وَهُوَ قَوْلُ عطاء وطاوس وَالْحَسَنِ وَمُجَاهِدٍ
وَقَتَادَةَ: أَنَّهُ يُصَلِّي فِي حَالِ شِدَّةِ الْخَوْفِ
رَكْعَةً، وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: إِذَا كُنْتَ فِي
الْقِتَالِ وَضَرَبَ النَّاسُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا فَقُلْ:
سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إِلَهَ إِلَّا
اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ، وَاذْكُرِ اللَّهَ، [فإذا ذكرت
اللَّهَ] [1] فَتِلْكَ صَلَاتُكَ. فَإِذا أَمِنْتُمْ
فَاذْكُرُوا اللَّهَ، أَيْ: فَصَلَّوُا الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ
تَامَّةً بِحُقُوقِهَا، كَما عَلَّمَكُمْ ما لَمْ تَكُونُوا
تَعْلَمُونَ.
[سورة البقرة (2) : آية 240]
وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً
وَصِيَّةً لِأَزْواجِهِمْ مَتاعاً إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ
إِخْراجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا
فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ وَاللَّهُ عَزِيزٌ
حَكِيمٌ (240)
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ: يَا
مَعْشَرَ الرِّجَالِ، وَيَذَرُونَ، أَيْ: يَتْرُكُونَ
أَزْواجاً، أَيْ: زَوْجَاتٍ، وَصِيَّةً لِأَزْواجِهِمْ، قَرَأَ
أَهْلُ الْبَصْرَةِ وَابْنُ عَامِرٍ وَحَمْزَةُ وَحَفْصٌ
وَصِيَّةً بِالنَّصْبِ عَلَى مَعْنَى: فَلْيُوصُوا وَصِيَّةً،
وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالرَّفْعِ، أَيْ: كَتَبَ عَلَيْكُمُ
الْوَصِيَّةَ، مَتاعاً إِلَى الْحَوْلِ، مَتَاعًا نُصِبَ عَلَى
الْمَصْدَرِ، أَيْ: مَتِّعُوهُنَّ مَتَاعًا، وَقِيلَ: جَعَلَ
اللَّهُ ذَلِكَ لَهُنَّ مَتَاعًا، وَالْمَتَاعُ: نَفَقَةُ
سَنَةٍ لِطَعَامِهَا وَكِسْوَتِهَا وَسَكَنِهَا وَمَا
تَحْتَاجُ إِلَيْهِ، غَيْرَ إِخْراجٍ، نُصِبَ عَلَى الْحَالِ،
وَقِيلَ: بِنَزْعِ حَرْفٍ عَلَى الصِّفَةِ، أَيْ: مِنْ غير
إخراج.
ع «283» نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ
الطَّائِفِ يُقَالُ لَهُ: حَكِيمُ بْنُ الْحَارِثِ هَاجَرَ
إِلَى الْمَدِينَةِ وَلَهُ أَوْلَادٌ وَمَعَهُ أَبَوَاهُ
وَامْرَأَتُهُ، فَمَاتَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ
فَأَعْطَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَالِدَيْهِ وَأَوْلَادَهُ مِنْ مِيرَاثِهِ، وَلَمْ يُعْطِ [2]
امْرَأَتَهُ شَيْئًا وَأَمَرَهُمْ أَنْ يُنْفِقُوا عَلَيْهَا
مِنْ تَرِكَةِ زَوْجِهَا حَوْلًا كَامِلًا وَكَانَتْ عِدَّةُ
الْوَفَاةِ فِي ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ حَوْلًا كَامِلًا
وَكَانَ يَحْرُمُ عَلَى الْوَارِثِ إِخْرَاجُهَا مِنَ
الْبَيْتِ قَبْلَ تمام الحول، وكانت نفقتها وسكنها وَاجِبَةٌ
فِي مَالِ زَوْجِهَا تِلْكَ السَّنَةَ مَا لَمْ تَخْرُجْ،
وَلَمْ يَكُنْ لَهَا الْمِيرَاثُ، فَإِنْ خَرَجَتْ مِنْ بَيْتِ
زَوْجِهَا سَقَطَتْ نَفَقَتُهَا، وَكَانَ عَلَى الرَّجُلِ أَنْ
يُوصِيَ بِهَا، فَكَانَ كَذَلِكَ حَتَّى نَزَلَتْ آيَةُ
الْمِيرَاثِ، فَنَسَخَ اللَّهُ تَعَالَى نَفَقَةَ الْحَوْلِ
بِالرُّبْعِ وَالثُّمْنِ، وَنَسَخَ عدّة الحول بأربعة أشهر
وعشرا. قَوْلُهُ تَعَالَى: فَإِنْ خَرَجْنَ، يَعْنِي: مِنْ
قِبَلِ أَنْفُسِهِنَّ قَبْلَ الْحَوْلِ [مِنْ غَيْرِ إِخْرَاجِ
الْوَرَثَةِ] [3] ، فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ يَا أَوْلِيَاءَ
الْمَيِّتِ، فِي مَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ
مَعْرُوفٍ، يَعْنِي:
التَّزَيُّنَ لِلنِّكَاحِ، وَلِرَفْعِ الْجُنَاحِ عَنِ
الرِّجَالِ وَجْهَانِ، أَحَدُهُمَا: لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ
فِي قطع النفقة عنهن إِذَا خَرَجْنَ قَبْلَ انْقِضَاءِ
الْحَوْلِ، وَالْآخَرُ: لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي تَرْكِ
مَنْعِهِنَّ مِنَ الْخُرُوجِ، لِأَنَّ مُقَامَهَا فِي بَيْتِ
زَوْجِهَا حَوْلًا غَيْرُ وَاجِبٍ عَلَيْهَا، خَيَّرَهَا
اللَّهُ تَعَالَى بَيْنَ أَنْ تُقِيمَ حَوْلًا وَلَهَا
النَّفَقَةُ وَالسُّكْنَى [4] ، وَبَيْنَ أَنْ تَخْرُجَ [فَلَا
نَفَقَةَ وَلَا سُكْنَى] [5] ، إلى أن نسخه [الله تعالى]
بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ، وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ.
[سورة البقرة (2) : الآيات 241 الى 243]
وَلِلْمُطَلَّقاتِ مَتاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى
الْمُتَّقِينَ (241) كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آياتِهِ
لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (242) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ
خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ
فَقالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْياهُمْ إِنَّ اللَّهَ
لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا
يَشْكُرُونَ (243)
__________
الحديث الآتي برقم: 683.
283- ع ضعيف. أخرجه الواحدي في «أسباب النزول» 157 عن إسحاق بن
راهويه في تفسيره كما في «أسباب النزول» للسيوطي 170 عن مقاتل
بن حيان، وهذا معضل، لا يحتج به. مقاتل يروي مناكير.
(1) زيد في المطبوع.
(2) في المطبوع «يؤت» .
(3) زيد في المطبوع.
(4) في المخطوط «الكسوة» .
(5) زيد في المطبوع.
(1/327)
وَلِلْمُطَلَّقاتِ مَتاعٌ بِالْمَعْرُوفِ
حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ (241) ، إِنَّمَا أَعَادَ ذِكْرَ
الْمُتْعَةِ هَاهُنَا لِزِيَادَةِ مَعْنًى وَذَلِكَ أَنَّ فِي
غَيْرِهَا بَيَانَ حُكْمِ غَيْرِ الْمَمْسُوسَةِ، وَفِي هَذِهِ
الْآيَةِ بَيَانُ حُكْمِ جَمِيعِ الْمُطَلَّقَاتِ فِي
الْمُتْعَةِ، وَقِيلَ: إِنَّهُ لَمَا نَزَلَ قَوْلُهُ
تَعَالَى: وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى
الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ إِلَى قَوْلِهِ: حَقًّا عَلَى
الْمُحْسِنِينَ، قَالَ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ: إِنْ
أَحْسَنْتُ فَعَلْتُ وَإِنْ لَمْ أُرِدْ [1] ذَلِكَ لَمْ
أَفْعَلْ، فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَلِلْمُطَلَّقاتِ
مَتاعٌ، جَعَلَ الْمُتْعَةَ لهن بلام التمليك، وقال: حَقًّا
عَلَى الْمُتَّقِينَ، يَعْنِي: الْمُؤْمِنِينَ المتّقين الشرك.
كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ
تَعْقِلُونَ (242) .
قَوْلُهُ تَعَالَى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ
دِيارِهِمْ، قَالَ أَكْثَرُ أَهْلِ التَّفْسِيرِ: كَانَتْ
قَرْيَةٌ يُقَالُ لَهَا دَاوَرْدَانُ قِبَلَ وَاسِطَ، وقع بها
الطَّاعُونُ فَخَرَجَتْ طَائِفَةٌ مِنْهَا وَبَقِيَتْ
طَائِفَةٌ فَهَلَكَ أَكْثَرُ مَنْ بَقِيَ فِي الْقَرْيَةِ،
وَسَلِمَ الَّذِينَ خَرَجُوا [منها] ، فَلَمَّا ارْتَفَعَ
الطَّاعُونُ رَجَعُوا سَالِمِينَ، فَقَالَ الَّذِينَ بَقُوا:
أَصْحَابُنَا كَانُوا أَحْزَمَ مِنَّا لَوْ صَنَعْنَا كَمَا
صَنَعُوا لَبَقِينَا وَلَئِنْ وَقَعَ الطَّاعُونُ ثَانِيَةً
لَنَخْرُجَنَّ إِلَى أَرْضٍ لَا وباء بها، فوقع [2] الطاعون
[عليهم] [3] مِنْ قَابَلٍ فَهَرَبَ عَامَّةُ أَهْلِهَا
وَخَرَجُوا حَتَّى نَزَلُوا وَادِيًا أَفْيَحَ، فَلَمَّا
نَزَلُوا الْمَكَانَ الَّذِي يَبْتَغُونَ فِيهِ النَّجَاةَ
نَادَاهُمْ مَلِكٌ مِنْ أَسْفَلِ الْوَادِي وَآخَرُ مِنْ
أَعْلَاهُ: أَنْ مُوتُوا فَمَاتُوا جَمِيعًا.
28»
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ السَّرَخْسِيُّ، أَنَا زَاهِرُ
بْنُ أَحْمَدَ أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الهاشمي، أنا أبو
مصعب حدثنا مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ:
أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ خَرَجَ
إِلَى الشَّامِ فَلَمَّا جَاءَ سَرْغَ [4] بَلَغَهُ أَنَّ
الْوَبَاءَ قَدْ وَقَعَ بِالشَّامِ، فَأَخْبَرَهُ عَبْدُ
الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ بِأَرْضٍ
فَلَا تَقْدَمُوا عَلَيْهِ، وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ
وَأَنْتُمْ بِهَا فَلَا تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْهُ» ،
فَرَجَعَ عُمْرُ مِنْ سَرْغَ [5] .
قَالَ الْكَلْبِيُّ وَمُقَاتِلٌ وَالضَّحَّاكُ: إِنَّمَا
فَرُّوا مِنَ الْجِهَادِ وَذَلِكَ أَنَّ مَلِكًا مِنْ مُلُوكِ
بَنِي إِسْرَائِيلَ أَمَرَهُمْ أَنْ يَخْرُجُوا إِلَى قِتَالِ
عَدُوِّهِمْ فَعَسْكَرُوا ثُمَّ جَبَنُوا وَكَرِهُوا الْمَوْتَ
فَاعْتَلَوْا وَقَالُوا لِمَلِكِهِمْ: إِنَّ الْأَرْضَ الَّتِي
نأتيها بِهَا الْوَبَاءُ فَلَا نَأْتِيهَا حَتَّى يَنْقَطِعَ
مِنْهَا الْوَبَاءُ، فَأَرْسَلَ اللَّهُ عليهم الموت [في
مكانهم] [6] ، فَخَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ فِرَارًا مِنَ
الْمَوْتِ، فَلَمَّا رَأَى الْمَلِكُ ذَلِكَ قَالَ: اللَّهُمَّ
رَبَّ يَعْقُوبَ وَإِلَهَ موسى وهرون قد ترى
__________
284- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم، ابن شهاب هو محمد بن
مسلم الزهري.
خرجه المصنف من طريق مالك وهو في «الموطأ» (2/ 896- 897) بهذا
الإسناد.
- ومن طريق مالك أخرجه البخاري (5730) و (6973) ومسلم 2219
وأحمد (1/ 194) والبيهقي (3/ 376) .
- وأخرجه أحمد (1/ 193) وابن حبان 2912 من طريق ابْنُ أَبِي
ذِئْبٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ به.
- وورد من حديث ابن عباس أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ
خَرَجَ.... فذكره أخرجه البخاري 5729 ومسلم 2219 وأبو داود
3103 ومالك (2/ 894- 896) وأحمد (1/ 194) وابن حبان (2953)
والبيهقي (7/ 217- 218) .
(1) في المطبوع «أر» .
(2) في المخطوط «فرجع» . [.....]
(3) زيادة من المخطوط.
4 السرغ: موضع قرب الشام بين المغيثة وتبوك.
5 السرغ: موضع قرب الشام بين المغيثة وتبوك.
(6) زيادة عن المخطوط.
(1/328)
مَعْصِيَةَ عِبَادِكَ فَأَرِهِمْ آيَةً فِي
أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَعْلَمُوا أَنَّهُمْ لَا يَسْتَطِيعُونَ
الْفِرَارَ مِنْكَ، فَلَمَّا خَرَجُوا [ليتقوا الهلاك] [1]
قَالَ لَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى: مُوتُوا عقوبة لهم فماتوا
وَمَاتَتْ دَوَابُّهُمْ كَمَوْتِ رَجُلٍ وَاحِدٍ، فما أتى [2]
عَلَيْهِمْ ثَمَانِيَةُ أَيَّامٍ حَتَّى انْتَفَخُوا
وَأَرْوَحَتْ [3] أَجْسَادُهُمْ، فَخَرَجَ إِلَيْهِمُ النَّاسُ
فَعَجَزُوا عَنْ دَفْنِهِمْ، فَحَظَرُوا عَلَيْهِمْ حظيرة دون
السباع وتركوهم، وَاخْتَلَفُوا فِي مَبْلَغِ عَدَدِهِمْ، قَالَ
عَطَاءٌ الْخُرَاسَانِيُّ: كَانُوا ثَلَاثَةَ آلَافٍ، وَقَالَ
وَهْبٌ: أَرْبَعَةُ آلَافٍ، وَقَالَ مُقَاتِلٌ وَالْكَلْبِيُّ:
ثَمَانِيَةُ آلَافٍ، وَقَالَ أبو رواق: عَشَرَةُ آلَافٍ،
وَقَالَ السُّدِّيُّ: بِضْعَةٌ وَثَلَاثُونَ أَلْفًا، وَقَالَ
ابْنُ جُرَيْجٍ: أَرْبَعُونَ أَلْفًا، وَقَالَ عَطَاءُ بْنُ
أَبِي رَبَاحٍ: سَبْعُونَ أَلْفًا، وَأَوْلَى الْأَقَاوِيلِ
قَوْلُ مَنْ قَالَ: كَانُوا زِيَادَةً عَلَى عَشَرَةِ آلَافٍ،
لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: وَهُمْ أُلُوفٌ وَالْأُلُوفُ
جَمْعُ الْكَثِيرِ، وَجَمْعُهُ الْقَلِيلُ آلَافٌ، وَلَا
يُقَالُ لِمَا دُونَ عَشَرَةِ آلَافٍ أُلُوفٌ، قَالُوا:
فَأَتَتْ عَلَى ذَلِكَ مُدَّةٌ وَقَدْ بَلِيَتْ أَجْسَادُهُمْ
وَعَرِيَتْ عِظَامُهُمْ، فَمَرَّ عَلَيْهِمْ نَبِيٌّ يُقَالُ
لَهُ: حِزْقِيلُ بْنُ بودا، ثَالِثُ خُلَفَاءِ بَنِي
إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ،
وَذَلِكَ أَنَّ الْقَيِّمَ بِأَمْرِ بَنِي إِسْرَائِيلَ كان
بعد موسى عليه السلام يُوشَعَ بْنَ نُونٍ ثُمَّ كَالِبَ بن
يوقنا ثم حزقيل، كان يُقَالُ لَهُ ابْنُ الْعَجُوزِ لِأَنَّ
أُمَّهُ كَانَتْ عَجُوزًا فَسَأَلَتِ اللَّهَ [تعالى]
الْوَلَدَ بَعْدَ مَا كَبِرَتْ وَعَقِمَتْ فَوَهَبَهُ اللَّهُ
تَعَالَى لَهَا، قَالَ الْحَسَنُ وَمُقَاتِلٌ: هُوَ ذُو
الْكِفْلِ، وَسُمِّيَ حِزْقِيلُ ذَا الْكِفْلِ لِأَنَّهُ
تَكَفَّلَ بِسَبْعِينَ نَبِيًّا وَأَنْجَاهُمْ مِنَ الْقَتْلِ،
فَلَمَّا مَرَّ حِزْقِيلُ عَلَى أُولَئِكَ الْمَوْتَى، وَقَفَ
عَلَيْهِمْ فَجَعَلَ يَتَفَكَّرُ فِيهِمْ مُتَعَجِّبًا،
فَأَوْحَى اللَّهُ تَعَالَى إِلَيْهِ تُرِيدُ أَنْ أُرِيَكَ
آيَةً؟ قَالَ: نَعَمْ، فَأَحْيَاهُمُ اللَّهُ [تعالى] ،
وَقِيلَ: دَعَا حِزْقِيلُ رَبَّهُ أَنْ يُحْيِيَهُمْ
فَأَحْيَاهُمْ، وَقَالَ مُقَاتِلٌ وَالْكَلْبِيُّ: هُمْ
كَانُوا قَوْمُ حِزْقِيلَ أَحْيَاهُمُ اللَّهُ بَعْدَ
ثَمَانِيَةِ أَيَّامٍ، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا أَصَابَهُمْ
ذَلِكَ خَرَجَ حِزْقِيلُ فِي طَلَبِهِمْ، فَوَجَدَهُمْ مَوْتَى
فَبَكَى وَقَالَ: يَا رَبِّ كُنْتُ فِي قَوْمٍ يَحْمَدُونَكَ
وَيُسَبِّحُونَكَ وَيُقَدِّسُونَكَ وَيُكَبِّرُونَكَ
وَيُهَلِّلُونَكَ فَبَقِيتُ وَحِيدًا لَا قَوْمَ لِي،
فَأَوْحَى اللَّهُ تَعَالَى إِلَيْهِ أَنِّي جَعَلْتُ
حَيَاتَهُمْ إِلَيْكَ، قَالَ حِزْقِيلُ: احْيَوْا بِإِذْنِ
اللَّهِ، فقاموا [4] ، قَالَ مُجَاهِدٌ: إِنَّهُمْ قَالُوا
حِينَ أُحْيَوْا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ
لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، فَرَجَعُوا إِلَى قَوْمِهِمْ
وَعَاشُوا دَهْرًا طَوِيلًا وَسَحْنَةُ [5] الْمَوْتِ عَلَى
وُجُوهِهِمْ لَا يلبسون ثوبا إلا عاد دنسا [6] مِثْلَ
الْكَفَنِ حَتَّى مَاتُوا لِآجَالِهِمُ الَّتِي كُتِبَتْ
لَهُمْ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا:
وَإِنَّهَا لَتُوجَدُ الْيَوْمَ فِي ذَلِكَ السِّبْطِ مِنَ
الْيَهُودِ تِلْكَ الرِّيحُ، قَالَ قَتَادَةُ: مَقَتَهُمُ
اللَّهُ عَلَى فِرَارِهِمْ مِنَ الْمَوْتِ فَأَمَاتَهُمْ
عُقُوبَةً لَهُمْ، ثمّ بعثوا ليستوفوا بقية [7] آجالهم، ولو
ماتوا [8] بآجالهم [9] مَا بُعِثُوا، فَذَلِكَ قَوْلُهُ
تَعَالَى: أَلَمْ تَرَ، أَيْ: أَلَمْ تَعْلَمْ بِإِعْلَامِي
إِيَّاكَ، وَهُوَ مِنْ رُؤْيَةِ القلب، وقال أَهْلُ
الْمَعَانِي: هُوَ تَعْجِيبٌ، يَقُولُ: هَلْ رَأَيْتَ
مِثْلَهُمْ كَمَا تَقُولُ أَلَمْ تَرَ إِلَى مَا يَصْنَعُ
فُلَانٌ، وَكُلُّ مَا فِي الْقُرْآنِ ألم تر ولم يعانيه
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فهذا وجهه،
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ،
وَهُمْ أُلُوفٌ، جَمْعُ أَلْفٍ، وَقِيلَ: مُؤْتَلِفَةٌ
قُلُوبُهُمْ جَمْعُ آلِفٍ، مِثْلُ قَاعِدٍ وَقَعُودٍ،
وَالصَّحِيحُ: أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ الْعَدَدُ، حَذَرَ
الْمَوْتِ، أَيْ: خَوْفَ الْمَوْتِ، فَقالَ لَهُمُ اللَّهُ
مُوتُوا، أَمْرُ تَحْوِيلٍ كقوله تعالى: كُونُوا قِرَدَةً
خاسِئِينَ [الْبَقَرَةِ: 65] ، ثُمَّ أَحْياهُمْ، بَعْدَ
مَوْتِهِمْ، إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ،
قِيلَ: هو على العموم في
__________
(1) زيادة عن المخطوط.
(2) في المطبوع «فأتى» .
(3) في القاموس: أراح الماء واللحم: أنتنا- وأراح فلان: مات
وأراح الشيء: وجد ريحه.
(4) في المطبوع «فعاشوا» .
(5) في المخطوط «شجية» .
(6) في المخطوط «رسما» وفي «الدر المنثور» ، «دسما» .
(7) في النسخ «مدة» والمثبت عن الطبري 5616.
(8) في المطبوع «جاءت» .
(9) في المطبوع «آجالهم» .
(1/329)
وَقَاتِلُوا فِي
سَبِيلِ اللَّهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ
(244) مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا
فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ
وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (245)
حَقِّ الْكَافَّةِ [فِي الدُّنْيَا] [1] ،
وَقِيلَ: عَلَى الْخُصُوصِ فِي حَقِّ الْمُؤْمِنِينَ، وَلكِنَّ
أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ، أمّا الكفار فلا يشكرون
[2] ، وَأَمَّا الْمُؤْمِنُونَ فَلَمْ يَبْلُغُوا غَايَةَ
الشكر.
[سورة البقرة (2) : الآيات 244 الى 245]
وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ
سَمِيعٌ عَلِيمٌ (244) مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ
قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ أَضْعافاً كَثِيرَةً
وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْصُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (245)
وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، أَيْ: فِي طَاعَةِ [اللَّهِ]
[3] أَعْدَاءَ اللَّهِ، وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ
عَلِيمٌ، قَالَ أَكْثَرُ أَهْلِ التَّفْسِيرِ: هَذَا خِطَابٌ
لِلَّذِينِ أُحْيَوْا، أُمِرُوا بِالْقِتَالِ فِي سَبِيلِ
اللَّهِ فَخَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ فِرَارًا مِنَ الْجِهَادِ
فَأَمَاتَهُمُ اللَّهُ ثُمَّ أَحْيَاهُمْ وَأَمَرَهُمْ أَنْ
يُجَاهِدُوا، وَقِيلَ: الْخِطَابُ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ
أَمَرَهُمْ بِالْجِهَادِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً
حَسَناً، الْقَرْضُ: اسْمٌ لِكُلِّ مَا يُعْطِيهِ الْإِنْسَانُ
لِيُجَازَى عَلَيْهِ، فَسَمَّى اللَّهَ تَعَالَى عَمَلَ
الْمُؤْمِنِينَ لَهُ على رجاء ما عدّ لهم مِنَ الثَّوَابِ
قَرْضًا، لِأَنَّهُمْ يَعْمَلُونَهُ لِطَلَبِ ثَوَابِهِ، قَالَ
الْكِسَائِيُّ: الْقَرْضُ مَا أَسْلَفْتَ مِنْ عَمَلٍ صَالِحٍ
أَوْ سَيِّئٍ، وَأَصْلُ الْقَرْضِ فِي اللُّغَةِ: الْقَطْعُ،
سُمِّيَ بِهِ الْقَرْضُ لِأَنَّهُ يَقْطَعُ [4] مِنْ مَالِهِ
شَيْئًا يُعْطِيهِ لِيَرْجِعَ إِلَيْهِ مِثْلُهُ، وَقِيلَ فِي
الْآيَةِ اخْتِصَارٌ مَجَازُهُ: مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ
عِبَادَ اللَّهِ وَالْمُحْتَاجِينَ مِنْ خَلْقِهِ كَقَوْلِهِ
تَعَالَى: إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ،
[الْأَحْزَابِ: 57] ، أَيْ: يُؤْذُونَ عِبَادَ اللَّهِ، كَمَا
جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ:
ع «285» عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: يا ابن
آدَمَ اسْتَطْعَمْتُكَ فَلَمْ تُطْعِمْنِي، قَالَ: يَا رَبِّ
كَيْفَ أُطْعِمُكَ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ؟ قَالَ:
اسْتَطْعَمَكَ عَبْدِي فُلَانٌ فَلَمْ تُطْعِمْهُ، أَمَا
عَلِمْتَ أَنَّكَ لَوْ أَطْعَمْتَهُ لَوَجَدْتَ ذَلِكَ عندي»
؟.
وقوله عزّ وجلّ: يُقْرِضُ اللَّهَ، أَيْ: يُنْفِقُ فِي طَاعَةِ
اللَّهِ قَرْضًا حَسَنًا، قَالَ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ
الْوَاقِدِيُّ يَعْنِي: محتسبا طيّبة به نفسه، [و] قال ابْنُ
الْمُبَارَكِ: مِنْ مَالٍ حَلَالٍ، وقال: لَا يَمُنُّ بِهِ
وَلَا يُؤْذِي فَيُضاعِفَهُ لَهُ، قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ
وَأَبُو جَعْفَرٍ وَابْنُ عَامِرٍ وَيَعْقُوبُ «فَيُضَعِّفَهُ»
وَبَابُهُ [5] بِالتَّشْدِيدِ، وَوَافَقَ أَبُو عَمْرٍو فِي
سُورَةِ الْأَحْزَابِ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ فَيُضاعِفَهُ
بِالْأَلْفِ مُخَفَّفًا، وَهُمَا لُغَتَانِ، وَدَلِيلُ
التَّشْدِيدِ قَوْلُهُ:
أَضْعافاً كَثِيرَةً، لِأَنَّ التَّشْدِيدَ لِلتَّكْثِيرِ،
وَقَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ وَعَاصِمٌ وَيَعْقُوبُ بِنَصْبِ
الْفَاءِ، وَكَذَلِكَ فِي سُورَةِ الْحَدِيدِ عَلَى جَوَابِ
الِاسْتِفْهَامِ، وَقِيلَ: بِإِضْمَارِ أَنْ، وَقَرَأَ
الْآخَرُونَ بِرَفْعِ الْفَاءِ نَسَقًا عَلَى قَوْلِهِ
يُقْرِضُ أَضْعافاً كَثِيرَةً، قال السدي: وهذا التَّضْعِيفُ
لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَقِيلَ:
سَبْعُمِائَةِ ضِعْفٍ، وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْصُطُ، قَرَأَ
أَهْلُ الْبَصْرَةِ وَحَمْزَةُ يَبْسُطُ هنا، وفي الأعراف:
بَصْطَةً [الأعراف: 69] ، بِالسِّينِ كَنَظَائِرِهِمَا،
وَقَرَأَهُمَا الْآخَرُونَ بِالصَّادِّ، وقيل: يَقْبِضُ
بِإِمْسَاكِ الرِّزْقِ وَالنَّفْسِ وَالتَّقْتِيرِ، وَيَبْسُطُ
بِالتَّوْسِيعِ، وَقِيلَ: يَقْبِضُ بِقَبُولِ التَّوْبَةِ
وَالصَّدَقَةِ، وَيَبْسُطُ بِالْخَلَفِ وَالثَّوَابِ، وقيل: هو
الإحياء والإماتة
__________
285- ع صحيح. أخرجه مسلم 2569 والبخاري في «الأدب المفرد» 517
وابن حبان 269 من طريق حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ
عَنْ أَبِي رَافِعٍ عَنْ أَبِي هريرة به، وأخرجه أحمد (2/ 404)
ح/ 8989 من طريق ابن لهيعة عن أبي هريرة مرفوعا، وابن لهيعة
ضعيف. [.....]
(1) زيادة عن المخطوط.
(2) في المطبوع «فلم يشكروا» .
(3) زيادة عن المخطوط.
(4) زيد في المطبوع «به» .
(5) في المخطوط «وياؤه» .
(1/330)
أَلَمْ تَرَ إِلَى
الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ
قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي
سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ
الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا
نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ
دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ
الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ وَاللَّهُ
عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (246)
فَمَنْ أَمَاتَهُ فَقَدْ قَبَضَهُ وَمَنْ
مَدَّ لَهُ فِي عُمْرِهِ فَقَدْ بَسَطَ لَهُ، وَقِيلَ: هَذَا
فِي الْقُلُوبِ لَمَّا أَمَرَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى
بِالصَّدَقَةِ أَخْبَرَ أَنَّهُمْ لَا يُمْكِنُهُمْ ذَلِكَ
إِلَّا بِتَوْفِيقِهِ، قَالَ: يَقْبِضُ بعض القلوب فلا ينشط
بالخير وَيَبْسُطُ بَعْضَهَا فَيُقَدِّمُ لِنَفْسِهِ خَيْرًا.
ع «286» كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ: «الْقُلُوبُ بَيْنَ
أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ اللَّهِ يُقَلِّبُهَا اللَّهُ
كَيْفَ يَشَاءُ» الْحَدِيثَ.
وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ، أَيْ إِلَى اللَّهِ تَعُودُونَ
فَيَجْزِيكُمْ بِأَعْمَالِكُمْ، وَقَالَ قَتَادَةُ: الْهَاءُ
رَاجِعَةٌ إِلَى التُّرَابِ، كِنَايَةً عَنْ [1] غَيْرِ
مَذْكُورٍ، أَيْ [2] : مِنَ التراب خلقهم وإليه يعودون.
[سورة البقرة (2) : آية 246]
أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ مِنْ
بَعْدِ مُوسى إِذْ قالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنا
مَلِكاً نُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قالَ هَلْ عَسَيْتُمْ
إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ أَلاَّ تُقاتِلُوا قالُوا
وَما لَنا أَلاَّ نُقاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ
أُخْرِجْنا مِنْ دِيارِنا وَأَبْنائِنا فَلَمَّا كُتِبَ
عَلَيْهِمُ الْقِتالُ تَوَلَّوْا إِلاَّ قَلِيلاً مِنْهُمْ
وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (246)
. قَوْلُهُ تَعَالَى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي
إِسْرائِيلَ، وَالْمَلَأُ مِنَ الْقَوْمِ: وُجُوهُهُمْ
وَأَشْرَافُهُمْ، وَأَصْلُ الْمَلَأِ: الْجَمَاعَةُ مِنَ
النَّاسِ، وَلَا وَاحِدَ لَهُ مِنْ لَفْظِهِ، كَالْقَوْمِ
وَالرَّهْطِ وَالْإِبِلِ وَالْخَيْلِ وَالْجَيْشِ، وَجَمْعُهُ
أَمْلَاءٌ، مِنْ بَعْدِ مُوسى، أَيْ: مِنْ بَعْدِ مَوْتِ
مُوسَى، إِذْ قالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ، وَاخْتَلَفُوا فِي
ذَلِكَ النَّبِيِّ، فَقَالَ قَتَادَةُ: هُوَ يُوشَعُ بْنُ
نُونِ بْنِ افْرَائِيمَ بْنِ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ،
وَقَالَ السُّدِّيُّ: اسْمُهُ شَمْعُونُ، وَإِنَّمَا سُمِّيَ
شَمْعُونَ لِأَنَّ أُمَّهُ دَعَتِ اللَّهَ أَنْ يَرْزُقَهَا
غُلَامًا فَاسْتَجَابَ اللَّهُ دُعَاءَهَا فولدت غلاما فسمّته
شمعون، تَقُولُ:
سَمِعَ اللَّهُ تَعَالَى دُعَائِي، وَالسِّينُ تَصِيرُ شِينًا
بِالْعِبْرَانِيَّةِ، وَهُوَ شمعون بن صفية بنت عَلْقَمَةَ
مِنْ وَلَدِ لَاوِي بْنِ يَعْقُوبَ، وَقَالَ سَائِرُ
الْمُفَسِّرِينَ: هُوَ إِشْمَوِيلُ وَهُوَ بِالْعِبْرَانِيَّةِ
إِسْمَاعِيلُ بْنُ يَالَ بْنِ عَلْقَمَةَ، وَقَالَ مُقَاتِلٌ:
هُوَ مِنْ نَسْلِ هَارُونَ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: هُوَ
إِشْمَوِيلُ، وَهُوَ بِالْعِبْرَانِيَّةِ إسماعيل بن هلقايا،
وَقَالَ وَهْبٌ وَابْنُ إِسْحَاقَ وَالْكَلْبِيُّ
وَغَيْرُهُمْ: كَانَ سَبَبُ مَسْأَلَتِهِمْ إِيَّاهُ ذلك أنه
لَمَّا مَاتَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ خَلَفَ بَعْدَهُ فِي
بَنِي إِسْرَائِيلَ يُوشَعُ بْنُ نُونٍ يُقِيمُ فِيهِمُ
التَّوْرَاةَ وَأَمْرَ اللَّهِ تَعَالَى حَتَّى قَبَضَهُ
اللَّهُ تَعَالَى، ثُمَّ خَلَفَ فيهم كالب بن يوقنا كَذَلِكَ
حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ تَعَالَى، ثُمَّ خَلَفَ حِزْقِيلُ
حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ، ثُمَّ عَظُمَتِ الْأَحْدَاثُ فِي
__________
286- ع صحيح. أخرجه مسلم 2654 وأحمد (2/ 168 و173) والآجري في
«الشريعة» (741) وابن أبي عاصم في «السنة» 222 وابن حبان 902
والبيهقي في «الأسماء والصفات» (ص 147) من طريق أبي هانئ
الخولاني أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ
الْحُبُلِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ
قَالَ: «سَمِعْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وسلّم يقول: إن قلوب بني آدم كلها بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ
أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ كقلب واحد، يصرفه حيث شاء. ثُمَّ قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلّم: «اللهم مصرف القلوب!
صرف قلوبنا على طاعتك» هذا لفظ مسلم.
- وفي الباب من حديث أنس أخرجه ابن ماجه 3834 من طريق يزيد
الرقاشي ويزيد هذا ضعيف.
وأخرجه ابن أبي عاصم 225 والآجري (ص 317) من طريق الأعمش عن
سفيان عن أنس به وإسناده صحيح.
- ومن حديث أم سلمة عند الترمذي 3522 وأحمد (6/ 302 و315)
والآجري في «الشريعة» (744) بترقيمي، وابن أبي عاصم في «السنة»
223 وقال الترمذي: حديث حسن.
- ومن حديث عائشة عند الآجري (747) وأحمد (6/ 91) وابن أبي
عاصم (224 و233) .
وانظر الحديث الآتي برقم: 363.
(1) في المطبوع «من» .
(2) لفظ «أي» وما قبله من كلام البغوي لا من كلام قتادة، وكلام
قتادة أوله «من ... » .
(1/331)
بَنِي إِسْرَائِيلَ وَنَسُوا عَهْدَ
اللَّهِ حَتَّى عَبَدُوا الْأَوْثَانَ، فَبَعَثَ اللَّهُ
إِلَيْهِمْ إِلْيَاسَ نَبِيًّا فَدَعَاهُمْ إِلَى اللَّهِ
تَعَالَى وَكَانَتِ الْأَنْبِيَاءُ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ
مِنْ بَعْدِ مُوسَى يُبْعَثُونَ إِلَيْهِمْ بِتَجْدِيدِ مَا
نَسُوا مِنَ التَّوْرَاةِ، ثُمَّ خَلَفَ مِنْ بَعْدِ إِلْيَاسَ
الْيَسَعَ، فَكَانَ فِيهِمْ مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ قَبَضَهُ
الله، ثم خلف فيهم الخلوف وعظمت [فيهم] [1] الْخَطَايَا
فَظَهَرَ لَهُمْ عَدُوٌّ يُقَالُ له البشاثا [2] ، وَهُمْ
قَوْمُ جَالُوتَ كَانُوا يَسْكُنُونَ بساحل بَحْرِ الرُّومِ
بَيْنَ مِصْرَ وَفِلَسْطِينَ، وَهُمُ الْعَمَالِقَةُ
فَظَهَرُوا عَلَى بَنِي إسرائيل [بقوتهم] [3] وَغَلَبُوا عَلَى
كَثِيرٍ مِنْ أَرْضِهِمْ وَسَبَوْا كَثِيرًا مِنْ ذَرَارِيهِمْ
وَأَسَرُوا من أبناء ملوكهم أربعمائة وأربعين غلاما وضربوا
عَلَيْهِمُ الْجِزْيَةَ، وَأَخَذُوا تَوْرَاتَهُمْ وَلَقِيَ
بَنُو إِسْرَائِيلَ مِنْهُمْ بَلَاءً وَشِدَّةً، ولم يكن لهم
نبي [4] يدبّر أَمْرَهُمْ، وَكَانَ سِبْطُ النُّبُوَّةِ قَدْ
هَلَكُوا فَلَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ إِلَّا امْرَأَةً حُبْلَى
فَحَبَسُوهَا فِي بَيْتٍ رَهْبَةً أَنْ تَلِدَ جَارِيَةً
فَتُبَدِّلَهَا بِغُلَامٍ لِمَا تَرَى مِنْ رَغْبَةِ بَنِي
إِسْرَائِيلَ فِي وَلَدِهَا وَجَعَلَتِ الْمَرْأَةُ تَدْعُو
اللَّهَ أَنْ يَرْزُقَهَا غُلَامًا فَوَلَدَتْ غُلَامًا
فَسَمَّتْهُ إِشْمَوِيلَ، تَقُولُ: سَمِعَ اللَّهُ تَعَالَى
دُعَائِي، فَكَبِرَ الْغُلَامُ فَأَسْلَمَتْهُ لِيَتَعَلَّمَ
[5] التَّوْرَاةَ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَكَفَلَهُ شَيْخٌ
من علمائهم وتبناه [ذلك الشيخ] [6] ، فَلَمَّا بَلَغَ
الْغُلَامُ أَتَاهُ جِبْرِيلُ وَهُوَ نَائِمٌ إِلَى جَنْبِ
الشَّيْخِ، وَكَانَ لَا يَأْتَمِنُ [7] عَلَيْهِ أَحَدًا
فَدَعَاهُ جِبْرِيلُ بِلَحْنِ الشَّيْخِ: يَا إِشْمَوِيلُ،
فَقَامَ الْغُلَامُ فَزِعًا إِلَى الشَّيْخِ، فَقَالَ: يَا
أَبَتَاهُ دَعَوْتَنِي، فَكَرِهَ الشَّيْخُ أَنْ يَقُولَ [لَا
فيفزع الغلام] [8] ، وقال: يَا بُنَيَّ ارْجِعْ فَنَمْ
فَرَجَعَ الْغُلَامُ فَنَامَ، ثُمَّ دَعَاهُ الثَّانِيَةَ،
فَقَالَ الْغُلَامُ: [يَا أَبَتِ] [9] دَعَوْتَنِي، فَقَالَ:
ارْجِعْ فَنَمَّ فَإِنْ دَعْوَتُكَ الثالثة فلا تجبني، [وانظر
ما يفعل الله في أمرك] [10] ، فَلَمَّا كَانَتِ الثَّالِثَةُ
ظَهَرَ لَهُ جِبْرِيلُ، فَقَالَ لَهُ: اذْهَبْ إِلَى قَوْمِكَ
فَبَلِّغْهُمْ رِسَالَةَ رَبِّكَ فَإِنَّ الله قَدْ بَعَثَكَ
فِيهِمْ نَبِيًّا، فَلَمَّا أَتَاهُمْ كَذَّبُوهُ وَقَالُوا:
اسْتَعْجَلْتَ بِالنُّبُوَّةِ وَلَمْ تَنَلْكَ، وَقَالُوا
لَهُ: إِنْ كُنْتَ صَادِقًا فَابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ
فِي سَبِيلِ اللَّهِ آيَةً مِنْ نُبُوَّتِكَ، وَإِنَّمَا كَانَ
قِوَامُ أَمْرِ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِالِاجْتِمَاعِ عَلَى
الْمُلُوكِ، وَطَاعَةِ الْمُلُوكِ لِأَنْبِيَائِهِمْ، فَكَانَ
الْمَلِكُ هُوَ الَّذِي يَسِيرُ بِالْجُمُوعِ والنبيّ يقوّم
[11] لَهُ أَمْرَهُ وَيُشِيرُ عَلَيْهِ بِرُشْدِهِ،
وَيَأْتِيهِ بِالْخَبَرِ مِنْ رَبِّهِ، قَالَ وَهْبُ بْنُ
مُنَبِّهٍ: بَعَثَ اللَّهُ تَعَالَى إِشْمَوِيلَ نَبِيًّا
فَلَبِثُوا أَرْبَعِينَ سَنَةً بِأَحْسَنِ حَالٍ ثُمَّ كَانَ
مِنْ أَمْرِ جَالُوتَ وَالْعَمَالِقَةِ مَا كَانَ، فَقَالُوا
لِإِشْمَوِيلَ: ابْعَثْ لَنا مَلِكاً نُقاتِلْ فِي سَبِيلِ
اللَّهِ، جَزْمٌ عَلَى جَوَابِ الْأَمْرِ، فَلَمَّا قَالُوا
لَهُ ذَلِكَ: قالَ هَلْ عَسَيْتُمْ، استفهام شك، يقول: لعلّكم،
قَرَأَ نَافِعٌ عَسَيْتُمْ بِكَسْرِ السِّينِ، كُلَّ
الْقُرْآنِ، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْفَتْحِ، وَهِيَ
اللُّغَةُ الْفَصِيحَةُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ تعالى: عَسى
رَبُّكُمْ [الأعراف: 129] ، إِنْ كُتِبَ: فُرِضَ عَلَيْكُمُ
الْقِتالُ، مَعَ ذَلِكَ الْمَلِكِ، أَلَّا تُقاتِلُوا، أن لا
تفوا بما تقولون ولا تقاتلوا مَعَهُ، قالُوا وَما لَنا أَلَّا
نُقاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَإِنْ قِيلَ: فَمَا وَجْهُ
دُخُولِ أَنْ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، وَالْعَرَبُ لَا تَقُولُ
مَا لَكَ أَنْ لَا تَفْعَلَ، وَإِنَّمَا يُقَالُ: مَا لَكَ لَا
تَفْعَلُ؟ قِيلَ: دُخُولُ أَنْ وَحَذْفُهَا لُغَتَانِ
صَحِيحَتَانِ، فَالْإِثْبَاتُ كَقَوْلِهِ تعالى: مَا لَكَ
أَلَّا تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ [الْحِجْرِ: 32] ،
وَالْحَذْفُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَما لَكُمْ لَا تُؤْمِنُونَ
بِاللَّهِ [الْحَدِيدِ: 8] ، وَقَالَ الْكِسَائِيُّ: مَعْنَاهُ
وَمَا لَنَا فِي أَنْ لَا نُقَاتِلَ، فحذف
__________
(1) زيادة من المخطوط.
(2) في المطبوع «البلثاثا» .
(3) زيادة من المخطوط.
(4) في المطبوع «من» .
(5) في المطبوع «ليعلم» وفي المخطوط «لتعليم» والمثبت عن- ط.
(6) زيادة من المخطوط. [.....]
(7) في المخطوط «يأمن» .
(8) في المطبوع «لئلا يفزع الغلام» . والمثبت عن الطبري وط.
(9) زيد في المطبوع.
(10) زيادة من المخطوط.
(11) في المطبوع «يقيم» والمثبت عن المخطوط والطبري 5635.
(1/332)
وَقَالَ لَهُمْ
نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ
مَلِكًا قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا
وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً
مِنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ
وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ
يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ
(247)
فِي، وَقَالَ الْفَرَّاءُ: أَيْ: وَمَا
يَمْنَعُنَا أَنْ [لَا] [1] نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ
كَقَوْلِهِ تَعَالَى: مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ
[الْأَعْرَافِ: 12] ، وَقَالَ الْأَخْفَشُ: أَنْ هَاهُنَا
زَائِدَةٌ مَعْنَاهُ: وَمَا لَنَا لَا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ
اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنا مِنْ دِيارِنا وَأَبْنائِنا، أَيْ
أُخْرِجَ مَنْ غُلِبَ عَلَيْهِمْ مِنْ دِيَارِهِمْ ظَاهِرُ
الْكَلَامِ الْعُمُومُ، وَبَاطِنُهُ الْخُصُوصُ، لِأَنَّ
الَّذِينَ قَالُوا لِنَبِيِّهِمُ: ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا
نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَانُوا فِي دِيَارِهِمْ
وَأَوْطَانِهِمْ، وَإِنَّمَا أُخْرِجَ مَنْ أُسِرَ مِنْهُمْ،
وَمَعْنَى الْآيَةِ: أَنَّهُمْ قَالُوا مُجِيبِينَ
لِنَبِيِّهِمْ: إِنَّمَا كُنَّا نَزْهَدُ فِي الْجِهَادِ إِذْ
كُنَّا مَمْنُوعِينَ فِي بِلَادِنَا لَا يَظْهَرُ عَلَيْنَا
عَدُوُّنَا، فَأَمَّا إِذَا بَلَغَ ذَلِكَ مِنَّا فَنُطِيعُ
رَبَّنَا فِي الْجِهَادِ، وَنَمْنَعُ نِسَاءَنَا
وَأَوْلَادَنَا، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: فَلَمَّا كُتِبَ
عَلَيْهِمُ الْقِتالُ تَوَلَّوْا: أَعْرَضُوا عَنِ الْجِهَادِ
وَضَيَّعُوا أَمْرَ اللَّهِ، إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ، وهم
الَّذِينَ عَبَرُوا النَّهْرَ مَعَ طَالُوتَ وَاقْتَصَرُوا
عَلَى الْغُرْفَةِ، عَلَى مَا سَيَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ
تَعَالَى، وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ.
[سورة البقرة (2) : آية 247]
وَقالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ
طالُوتَ مَلِكاً قالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ
عَلَيْنا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ
سَعَةً مِنَ الْمالِ قالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفاهُ عَلَيْكُمْ
وَزادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ
يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ (247)
وَقالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ
طالُوتَ مَلِكاً، وَذَلِكَ أَنَّ إِشْمَوِيلَ سَأَلَ اللَّهَ
تَعَالَى أَنْ يَبْعَثَ لَهُمْ مَلِكًا فَأَتَى بِعَصَا
وَقَرْنٍ فِيهِ دُهْنُ الْقُدْسِ، وَقِيلَ لَهُ: إِنَّ
صَاحِبَكُمُ الَّذِي يَكُونُ طَوُلُهُ طُولُ هَذِهِ الْعَصَا،
وَانْظُرْ هَذَا الْقَرْنَ الَّذِي فِيهِ الدُّهْنُ، فَإِذَا
دَخَلَ عَلَيْكَ رَجُلٌ فَنَشَّ الدُّهْنُ الَّذِي فِي
الْقَرْنِ فَهُوَ مَلِكُ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَادَّهِنْ بِهِ
رَأْسَهُ وَمَلِّكْهُ عَلَيْهِمْ، وَكَانَ طَالُوتُ اسْمُهُ
بِالْعِبْرَانِيَّةِ شَاوِلُ بْنُ قَيْسٍ مِنْ أَوْلَادِ
بِنْيَامِينَ بْنِ يَعْقُوبَ، سُمِّيَ طَالُوتَ لِطُولِهِ،
وَكَانَ أَطْوَلَ مِنْ كُلِّ أَحَدٍ بِرَأْسِهِ
وَمَنْكِبَيْهِ، وَكَانَ رَجُلًا دَبَّاغًا يَعْمَلُ
الْأَدِيمَ، قَالَهُ وَهْبٌ، وَقَالَ السُّدِّيُّ: كَانَ
رَجُلًا سَقَّاءً يَسْقِي عَلَى حِمَارٍ لَهُ مِنَ النِّيلِ،
فَضَلَّ حِمَارُهُ فخرج في طلبه، وَقَالَ وَهْبٌ: بَلْ ضَلَّتْ
حُمُرٌ لِأَبِي طَالُوتَ فَأَرْسَلَهُ وَغُلَامًا لَهُ في
طلبها فمرّا ببيت أشمويل عليه السلام، فَقَالَ الْغُلَامُ
لِطَالُوتَ: لَوْ دَخَلْنَا عَلَى هَذَا النَّبِيِّ
فَسَأَلْنَاهُ عَنْ أَمْرِ الْحُمُرِ لِيُرْشِدَنَا وَيَدْعُوَ
لَنَا [لكان حسنا] [2] ، فَدَخَلَا عَلَيْهِ فَبَيْنَمَا هُمَا
عِنْدَهُ يذكران له [شأن دابتهما] [3] ، إِذْ نَشَّ الدُّهْنُ
الَّذِي فِي الْقَرْنِ، فَقَامَ إِشْمَوِيلُ عَلَيْهِ
السَّلَامُ فَقَاسَ طَالُوتَ بِالْعَصَا فَكَانَتْ طُولَهُ،
فَقَالَ لِطَالُوتَ: قَرِّبْ رَأْسَكَ فَقَرَّبَهُ فَدَهَنَهُ
بِدُهْنِ الْقُدْسِ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: أَنْتَ مَلِكُ بَنِي
إِسْرَائِيلَ الَّذِي أَمَرَنِي اللَّهُ تَعَالَى أَنْ أملكك
[4] عليهم، فقال طالوت [له] : أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ سِبْطِي
أَدْنَى أَسْبَاطِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَبَيْتِي أَدْنَى
بُيُوتِ بَنِي إِسْرَائِيلَ؟ قَالَ: بَلَى، قَالَ: فَبِأَيِّ
آيَةٍ؟ قَالَ: بِآيَةِ أَنَّكَ تَرْجِعُ وَقَدْ وَجَدَ أَبُوكَ
حُمُرَهُ، فَكَانَ كَذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ لِبَنِي
إِسْرَائِيلَ: إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ
مَلِكًا، قالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنا،
أَيْ: مِنْ أَيْنَ يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا؟
وَنَحْنُ أَحَقُّ: أَوْلَى بِالْمُلْكِ مِنْهُ؟ وَإِنَّمَا
قَالُوا ذَلِكَ لِأَنَّهُ كَانَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ سبطان،
سبط النبوّة وسبط المملكة، فَكَانَ سِبْطُ النُّبُوَّةِ سِبْطَ
لَاوِي بْنِ يَعْقُوبَ، وَمِنْهُ كَانَ مُوسَى وهارون [عليهما
السلام] ، وَسِبْطُ الْمَمْلَكَةِ سِبْطُ يَهُوذَا بْنِ
يَعْقُوبَ، وَمِنْهُ كَانَ دَاوُدُ وَسُلَيْمَانُ [عليهما
السلام] ، وَلَمْ يَكُنْ طَالُوتُ مِنْ أَحَدِهِمَا، وإنما
كَانَ مِنْ سِبْطِ بِنْيَامِينَ بْنِ يَعْقُوبَ، وَكَانُوا
عَمِلُوا ذَنْبًا عَظِيمًا، كانوا ينكحون النساء على
__________
(1) زيد في المطبوع.
(2) زيادة عن المخطوط.
(3) في المطبوع «حاجتهما» وفي المخطوط «بيان الحمر» والمثبت
عن- ط والطبري 5639.
(4) في المطبوع «أملكه» .
(1/333)
|